المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخلاف أنواعه واحكامه للشيخ عدنان عرعور



الاثر
2010-02-16, 05:22 PM
مذهب أهل السنة في الخلاف :
الخلاف أنواع :
1- خلاف الترف :
تعريفه : هو كل خلاف لا يترتب عليه عقيدة أو عمل ، أو ثمرة ، أو مخالفة نص .
مثاله : عدد أصحاب الكهف ومكانهم ؟–شجرة آدم التي أكل منها ؟ -الجنة التي خرج منها آدم ؟
قاعدته وحكمه لطلاب العلم : يجوز ولا ينبغي إذا ترتب على ذلك ضياع وقت ، فالحفاظ على الوقت أولى ، وحتى لا يتأسى الناس بهم .
حكمه للعوام -ولو كانوا مثقفين- : ينصحون بتركه، وإلا فيتركون ولا ينكر عليهم .. إذا كانوا سينشغلون بغيره من الحرام .
2- خلاف التنوع : هو كل خلاف يجوز فيه أكثر من وجه .
قاعدته وحكمه : يحرم الشقاق فيه ، ويختار المسلم منه ما يراه ، أو ما كان في مصلحته .
مثاله : تنوع القراءات تعدد أدعية الاستفتاح في الصلاة - اختيار الزواج أولاً أو الحج .
3- الخلاف المعتبر أو خلاف الفهم والاجتهاد :
تعريفه : هو كل خلاف صدر ممن اتصف بثلاث .
- أهلية الاجتهاد : وهي توفر شروط الاجتهاد فيه ، التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة.
- أصوله صحيحة : أي : أصول دينه ، وأصول اعتقاده ، وأصول استنباطه ، على منهج أهل السنة والجماعة .
- مناط حكمه معتبر : أي أن يكون الحكم الصادر منه أو الفتوى ، مناطاً بما هو معتبر عند أهل السنة والجماعة ، من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، فلا يخالف المجتهد إجماعاً ، ولا نصاً قد اتُّفق على معناه ، وأن يكون اجتهاده مبنياً على أصول الفقه المعتبرة ، لا أن يكون الحكم والفتوى معلقة بالمصالح و النتائج ، ومناطة بالواقع و تتبع الرخص ودعوى رفع الحرج والتسهيل . وما شابه ذلك .
مثاله : اختلاف الصحابة في صلاة العصر في بني قريظة - اختلاف العلماء في قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية -حكم وجه المرأة- الاختلاف في الأعيان تعديلاً وتجريحاً ، وما شابه ذلك .
قاعدته : نبيـن ولا نضلل ، نصحح ولا نجرح .
- أي نخطّئ ولا ننكر ، فإن الإنكار لا يكون إلا لمنكر ، وقد مضى مذهب السلف أن لا إنكار على مجتهد معتبر بالشروط السابقة.
-يُعذر أصحاب هذا الخلاف ، ولو كان في العقيدة ( )، وسيأتي شيء من التفصيل في نهاية هذا الباب .
- يبقى هذا الخلاف في دائرة الخلاف المعتبر ، ما لم يظهر نص يحسم الخلاف بالاتفاق .
-يشرع ترك الرأي للأعلم والأفضل ، أو لمصلحة عامة للمسلمين من وحدة الصف ، أو تآلف القلوب، أو درءاً لمفسدة كبيرة .
الموقف منه : يأخذ طالب العلم ما ترجح له .. وأما العامي : فيأخذ ما اطمأن إليه قلبه ، وقد يكون من عوامل الاطمئنان اتباع الأعلم ، أو الأكثر ، أو الأتقى ، أو الأحوط ، أو صاحب الاختصاص أو….
من صور الخلاف المعتبر:
الصورة الأولى : الخلاف بين أهل السنة أنفسهم :
اعلم -رحمني الله وإياك- أن أي خلاف اشتهر بين أهل السنة والجماعة ومضى ، دون إجماع منهم على رأي ، فهو من باب الخلاف المعتبر، الذي لا يجوز التنازع فيه ولا المفارقة لأجله ، ولا التحزب ، ولا الإنكار.
كالاختلاف في حكم تارك الصلاة ، وتارك جنس العمل ( )، وأول الخلق ، وعورة وجه المرأة ، وما شابه ذلك ، ومن فرق لأجل هذا أو اتهم ، أو نسب أحد الفريقين المختلفين إلى فرق الضلال ، فقد أبعد النجعة وظلم ، كمن يقول: من لم يكفر تارك الصلاة فهو مرجئي ، أو من كفر تارك الصلاة فهو خارجي.
الصورة الثانية : التأصيل والتمثيل :
إذا اتفق المجتهدون أو المسلمون في الأصول والقواعد ، ثم اختلفوا في تطبيقها ، أو إنزالها على الصور، أو ما يسمى التمثيل ، أو الفروع ، فلا يضرهم ذلك شيئاً ، ولا يجوز أن ينكر بعضهم على بعض ، فضلاً أن يعيب أو يشنع بعضهم ببعض .
توضيح ذلك : إذا اتفق المجتهدون في قواعد التكفيـر .. ثم اختلفوا في تكفير عين ، أو اتفقوا في معنى الابتداع .. ثم اختلفوا في مسألة ، بين بدعة أو سنة ، أو في تبديع عين ، فلا يجوز أن يكون هذا التمثيل محل جفاء ونزاع ، فضلاً أن يكون سبب خصومة وتفرق ، وقاعدة ذلك قاعدة الخلاف المعتبر : (( نصحح ولا نجرح ، نبيّن ولا نضلل )) ويأتي شرحها إن شاء الله تعالى .
أما الاختلاف في التأصيل فله مقام آخر .

الصورة الثالثة : الاختلاف في الأعيان :
اعلم -رحمك الله- أنه إذا صحت أصول المختلفين وتوحد منهجهم ، فلا يجوز -بعد ذلك- التفرق والشقاق والتحزب لأجل اختلافهم في الحكم على بعض الأعيان ، ولا يجوز عقد الولاء و البراء في هذا ، ولا يلزم منه تضليل المخالف ولا مفارقته ، لأن الاختلاف في الأعيان ، يدخل في باب الاختلاف المعتبر ، واختلاف التمثيل ، وإنما أفردته بالذكر لما حصل بسبب ذلك في زماننا من الفتن في الأعيان .. وإلا فهو محل اجتهاد ... ولكلٍ اجتهاده ، ومن جرح لأجل هذا ، وصنف فقد ضل وفرَّق ، وتحزب وتنطع ( ).
ومن ذلك : أن يكون اختلافهم في التجريح والتعديل متناقضا أشد التناقض ، كما اختلف سلفنا في تكفير بعض الأعيان ، وفي تبديعهم وتجريحهم ، فاختلفوا في الحجاج تكفيراً وزندقة ، واختلفوا في الجنيد وإبراهيم بن أدهم وعبد القادر الجيلاني ، وغير هؤلاء كثير ، تبديعاً وتفسيقاً .. بل اختلفوا في بعض الأعيان .. هل هم صحابة أم منافقون..؟! ومع ذلك لم يتخاصموا ولم يتفرقوا ، ولم يجرح بعضهم بعضاً لذلك ، ولم يُلزم أحدُهم قولَه أحداً ، ولا يلزم الآخرين التبرؤ منه ، ولا حجة بأحد على أحد ، ولا يحتج بعالم أو علماء مهما كانوا ماداموا مختلفين إلا أن يتفقوا ، فإن سعيد بن جبير ومن معه لما كفروا الحجاج ، لم يلزموا الحسن البصري وغيره التبرؤ منه ، ولا نادى بين الناس أن من لم يتبرأ من الحجاج فهو مبتدع .. ولا كفّر سعيد بن جبير الحسن ، وليس هذا المقام مقام ولاء وبراء ، كما يفعل بعض الحد ثاء ومن يؤازرهـم ، ومن خالف هذا المنهج فقد فرق ، وكان سبباً في إشعال الفتنة بين المسلميـن ، فتنبه لذلك وكن من الراشدين .
وإذاً اتفقنا في المعاني فلا مشاحة إذا اختلفنا بعد ذلك في الأعيان .. والاختلاف في الأعيان لا يفسد الإتفاق والمودة بين الإخوان .
ولقد وقع في زماننا هذا من التعصب للأعيان والتحزب لهم ، والتفرق من أجلهم ، والولاء والبراء فيهم، الشيء العظيم ، وجلب على المسلمين الشر الكبير ، كأن الإسلام مبني على الولاء والبراء في الأعيان .. فلاحق فيه ولا تأصيل ، ولا مبدأ فيه ولا دليل ، إلا هؤلاء الأعيان .. نعوذ بالله من من فقه الصبيان .
الصورة الرابعة : اختلافهم في تصور مسألة أو فهم واقعة ، ثم اختلافهم في حكمها .
تنزيل الأحكام على الوقائع ممن هم أهل لذلك ،واختلافهم في ذلك داخل في هذا الباب
واختلاف كثير من العلماء المعاصرين في أحكام كثير من الوقائع المعاصرة كحكم الإحرام من جدة ، والعقود المنتهية بالتمليك ، وحكم الجهاد في بعض البقاع كاختلاف الرسول وأصحابه في أسارى بدر .
الصورة الخامسة : اختلافهم في تفسير نص من الكتاب أو السنة ، أو تفسير نص لأحد الأعيان ، وأمثلة هذا كثيرة .
وهذه الصور كلها صور متداخلة ومتكررة ، أردنا زيادة التفصيل ، لزيادة التوضيح ، وهي تدخل في باب الخلاف المعتبر ، الذي لا يجوز الإنكار فيه و لا التفضيح ، ولا التنازع ولا التجريح ، مهما كانت شدة الخلاف ، ومهما كان موضعه ، ومهما كانت نتائجه ، وإنما الواجب فيه النصح والتوضيح ، والبيان والتصحيح .. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لا يرى التيـمُّمَ للجنب ، ولو ترك الصلاة عشر سنين .. وهذا خلاف بين الصحابة شديد . وهذا الإمام أحمد رحمه الله كان يرى كفر تارك الصلاة .. وبهذا يخرج -عنده- من المسلمين -عند غيره- كثيرون ، وهو خلاف شديد بين الأئمة ، وثماره كبيرة ومهمة ، ومع ذلك ، لم ينكر على عمر ، ولم يجرح أحمد ، ولا يجوز أن يلام أبداً ، بل أصحاب هذا الخلاف بين أجر أو أجرين .
الرابع من أنواع الخلاف -خلاف الخطأ : هذا النوع فرع من النوع السابق ، وفيه شيء من الدِّقَّة .
تعريفه :هو كل اجتهاد معتبر ثبت بعد ذلك خطؤه ، بدليل قطعي الثبوت ، قطعي الدلالة ، بحيث لو اطلع عليه المخالف تراجع .
وبتعبير آخر: سقوط مناط حكم المجتهد ، سقوطاً كلياً ، كاجتهاد خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل بني جزيمة ، والذي قال فيه رسول الله: (( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد )) ، وكترك رفع الأيدي قبل الركوع وبعده عند بعض الأئمة ، وما شابه ذلك ، مما لم يظهر للمجتهد حين اجتهاده النص الذي يتبين به خطؤه ، ثم ظهر النص بعد ذلك جلياً، قطعي الدلالة ، قطعي الثبوت ، بحيث لو وقف عليه المجتهد، لتراجع عن رأيه ، وقولنا عنه : خطأ ، احتراماً للمجتهد وتقديراً لحقه .
قاعدته : المجتهد: يُخطَّئ ولا يُلام ، والمقلد يُنصح ويُعلم ويُبين له ، فإن أصرَّ على الخطأ تقليداً للمجتهد مع ظهور الدليل ، فقد وقع في الضلال .
5- خلاف الضلال :
تعريفه : هو كل خلاف سقط عند صاحبه أحد الشرطين الأولين في الخلاف المعتبر ، أو كان مناط حكمه فاسداً . والشرطان هما : أهلية الاجتهاد ، وصحة الأصول .
كأن يكون القائل: ليس أهلاً للاجتهاد ، أو تكون أصوله فاسدة ، أو يخالف نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل، أو يبني اجتهاده على مالا يعتبر شرعاً ، كالفلسفة وعلم الكلام ، وسياسة الواقع وما شابه ذلك ، ومعظم هذا الصنف من أهل الابتداع والعواطف ، والحماسة والجهل ، وتتبع الرخص ، ولكنه ما يزال يدور في فلك الإسلام ، ويتذرع ببعض النصوص العامة .
مثاله : أقوال أهل البدع جميعاً التي خالفوا فيها أهل السنة –كالقول بعدم رؤية الله في الآخرة- والقرآن مخلوق – والتكفير بالذنب –تفضيل أحد على الراشدين –الغمز ببعض الصحابة –المرتد لا يقتل. –جواز الاختلاط .
قاعدته : نفارق ونضلل. وذلك بعد البيان والنصح.. والنظر في مفاسد ذلك ومصالحه.
6- خلاف الهوى والجهالة :
هذا الخلاف قريب من السابق أو نوع منه ، إلا أن أساسه الهوى والفساد ، بالاتفاق بين المسلمين ، وأما السابق ، فقد يكون محل قيل وقال بين أهل الحق وأهل البدع ، إذ قد يكون لهم شبهة في استدلالهم.
تعريفه : هو كل مخالفة لأهل الحق أو الدين ، في الدين والدنيا والإدارة ، أساسه الهوى ، والجهالة ، ليس له من الأدلة مستند ، ولا هو من الدين أصلا.
مثاله :
- الخارجون على الحاكم المسلم لمصالح شخصية ، أو عصبيات جاهلية .
- الحاكمون بغير ما أنزل الله من غير كفر أكبـر .
- الفتاوى التي تباع مما يخالف دين الله .
- ما يحصل من الاقتتال بين المسلمين بغير حق .
قاعدته : نعتزل ونضلل ، ونقف مع الحق ونجاهد معه ، بأموالنا وأنفسنا حسب استطاعتنا.
7- الخلاف الإداري :
تعريفه : هو كل خلاف في الرأي في أمور إدارية أو دنيوية ، وليست في الدين نفسه . ولا من خلاف الهوى .
أو هو: اختلاف وجهات النظر في تسيير الأمور لا دليل أصلاً في المسألة للحكم فيها ، أو الترجيح .
مثاله : الاختلاف في مكان بناء المسجد .. تعييـن وقت المحاضرة أو الدروس.. موعد السفر الجماعي.. توزيع الأعمال على العاملين.. تنظيم أمور الجمعيات والمراكز ، من تعيين الرئيس ، والهيئة الإدارية وما شابه ذلك .
أسبابه: تفاوت النظر في المصالح والمفاسد ، أو العناد ، والإصرار على الرأي ، لأن صاحبه يعتقد صوابه ، ويكون سببه حب الذات ، وسوء الأخلاق .
وكثير من خلافات المسلمين في جمعياتهم ومراكزهم ومساجدهم من هذا الباب ، وكثير من الانشقاقات الداخلية في الجماعات بسببه .

قاعدته : التطاوع .
وهو ترك الرأي -ولو كان صاحبه يعدّه صواباً- إلى رأي غيره -ولو كان يراه خطأ-
ولقد ترك رسول الله  رأيه - الاجتهادي الإداري - أكثر من مرة ، لمن هو دونه ، و كان رأيه صواباً ، كما في غـزوة أحد، حين ارتأى أن يقاتل في المدينة ، ورأى الصحابة القتال خارج المدينة فطاوعهم ، رغم خطأ رأيهم، وحصل ذلك في غزوة الطائف، حين ارتأى الرحيل ، وتأخيـر القتال ، ورأى الصحابة القتال ، فطاوعهم رغم خطأ رأيهم . فهل لنا في ذلك عبرة .
واعلم أن في التطاوع -وإن كان قبولاً برأي يراه خطأ- خيراً كبيراً، ونفعاً عظيماً، ليس هاهنا مجال ذكره . وأن في العناد والإصرار على الرأي-وإن كان صاحبه يراه صواباً- شراً عظيماً، وفشلاً كبيراً ، قال تعالى : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم  [الأنفال: (46)] .
ولو أننا نتطاوع لكان خيراً لنا ، وأقوى وأحفظ لوحدة المسلمين وكلمتهم ( ).
حكم الاختلاف في العقيدة :
لا يجوز الاختلاف في أي أمر ثبت في الدين بيانه أو حكمه ، سواء كان في العقيدة ، أو في المنهج ، أو في العبادات ، أو حتى في السواك . فالاختلاف كله شر لا خير فيه .
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ، وأولئك لهم عذاب عظيم [آل عمران: (105)]
وقال ابن مسعود : ( الخلاف شر ) أخرجه البخاري وغيره
ويزداد الخلاف شراً في العقيدة ، وفي الأمور التي يترتب عليها أثر عملي .
لكن ؛ هل كل خلاف يلزم منه تضليل أحد الطرفين ؟
كلا ؛ ليس كل خطأ أو خلاف في العقيدة بله غيرها، يكون أصحابه أو أحد الطرفين ضالاً ، فمنه ما يكون المخالف ضالاً ، ومنه ما يكون مخطئاً مأجوراً ، حتى ولو كان في العقيدة ، وقد اختلف السلف في أمور كثيرة، تدخل في باب العقيدة وفي غيرها ، ومع ذلك لم يضلل أحد الطرفين الآخر .
كالاختلاف في أول الخلق . هل هو القلم أو العرش ؟!
وهل الملائكة أفضل أم البشر ؟ وهل رأى رسول الله  ربه ليلة الإسراء ؟!
وهل الجنة التي نزل منها آدم هي جنة الخلد أم جنة أخرى ؟؟
فأنت ترى أن هذه الخلافات في أمور عقدية ..ومع ذلك ، لا يجوز وصف أحد الطرفين بالضلال ، ولا يفعل هذا إلا غبي أو خبيث .
ومع التقرير بأن الخلاف في العقيدة -بعامة- أعظم أثراً ، وأكبر ضرراً ، ولكن ؛ ليس كل خلاف في العقيدة يكون أعظم من كل خلاف في العبادات وغيرها .
ألا ترى أن الخلاف في شروط الصلاة أكبر أثراً من الخلاف في أول الخلق ، وأن الخلاف في وقوع الطلاق، أعظم أثراً من الخلاف في نبوة أم موسى ، أو أم عيسى عليهم الصلاة والسلام .
ولو أن رجلاً مات وهو لا يعلم .. أرأى رسول الله ربه أم لم يره ، لا يضره ذلك في دين ولا عمل ، ولا حساب ولا سؤال شيئاً ، ولو مات وهو لا يحسن الوضوء، لأضر به ذلك ضرراً بالغاً .
ولو أن المترصدين أدركوا الفرق بين تَعَمُّدِ الخلاف، وبين جواز وقوعه ، لما اعترضوا وشنعوا، فإن ثمة فرقاً بين من يخالف النص بهوى وجهل، وهذا هو المحرم ، الذي تنصب النصوص عليه ، وبين ما يقع من المجتهدين من الخلاف في الفهم . وهذا الذي لا يجوز فيه الطعن بأحد الأطراف ، حتى وإن كان الخلاف في العقيدة ،( ) وقاعدة ذلك هو قاعدة الخلاف المعتبر :
- إذا كانت أصول المختلفين صحيحة .
- ومناط استدلالهم معتبراً .
- وهم من أهل الاجتهاد .
- وبذلوا الجهد في ذلك .
ثم اختلفوا .. فلا إثم على أحد منهم ، مهما كان موضع الخلاف وشدته .
وقد أفاد هذا شيخ الإسلام بقوله : (( فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد ، وقصد الحق ، فأخطأ : لم يكفر ؛ بل يغفر له خطؤه. ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، فهو كافر ، ومن اتبع هواه ، وقصّر في طلب الحق ، وتكلم بلا علم : فهو عاص مذنب ، ثم قد يكون فاسقاً ، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.. فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال ، يكون كافراً ؛ بل ولا فاسقاً ، بل ولا عاصياً )) [الفتاوى (12/180) ].
وليس في هذا تهوين من شأن العقيدة ، وإنما فيه تعظيم لشأن علماء السنة المجتهدين ، وحماية جنابهم من أن تطولهم ألسنة الحدثاء ، إذا ما سمعوا اختلافاً بين علماء السنة في العقيدة ، والله المستعان على هذه الفتن .

هل يجوز أن يلزم أحد أحداً باجتهاد أو رأي ؟
لا يجوز أن يلزم أحدٌ أحداً برأيه أو اجتهاده ، أو اجتهاد غيره ، مهما كان المجتهد أو المجتهدون على علم أو منزلة أو عدد ، وسواءً كان هذا الخلاف في العقيدة ، أو المنهج ، أو العبادات ، أو المعاملات ، أو الاختلاف في الأعيان .
ولا يجوز إلزامٌ إلا بآية قطعية الدلالة ، أو حديث واضح الدلالة ، وصحيح الثبوت ، أو إجـماع متيقن ، أو ما اشتهر من مذهب السلف واستقر عليه الأمر ، وماعدا ذلك ، فلكل اجتهاده ، في إطار النصوص ، والاجتهاد المعتبر ، ومن ألزم بغير ما ذُكِرَ فقد جهل وتعصب .
وربما يدفع بعضَهم الجهلُ والتعصبُ إلى إلزام إخوانهم آراءهَمُ ، أو اجتهاداتِ من يقلدونهم ، فمن التزم بأقوالهم فهو المهتدي عندهم ، ومن لم يلتزم كان -عندهم- ضالاً مبتدعاً ، يجب مفارقته ، ومفارقة من لا يفارقه ، والتبرؤ منه ، وممن لا يتبرأ منه ، فشقُّوا بذلك الصف ، وأحدثوا الفتن ، ولا يفعل هذا من كان عنده علم أو دين أو عقل ، والله المستعان .
هذا وقد حصل اختلاف شديد بين علماء الأمة في كثير من المجالات، حتى وصل إلى تكفير من ترك بعض الأعمال، كما اختلفوا في تكفير أعيان وجماعات .
فكفَّر طائفة من السلف تارك الصلاة ، وكفر طائفة منهم الخوارج ، وكفر طائفة منهم من قال بخلق القرآن ، ومع هذا الاختلاف الشديد ، لم يلزم أحدٌ أحداً برأيه ، ولا ضلله لمخالفته ، ولا فارقه لإصراره على رأيه ، ولا يعرف هذا سلفنا الصالح ، وأهل العلم ، وأهل الصلاح ، وإنما يفعل هذا أهل الفساد . ومن أجهل الجهل ، أن يفترق الناس لاجتهادات في أقوال أو أعيان . فلا حول ولا قوة إلا بالله ، مما يصنع أهل هذا الزمان.
من كتاب منهج الاعتدال للشيخ عدنان عرعور

محمد بن القاسم
2010-03-16, 12:17 AM
بارك الله فيك على النقل ، موضوع طيب ولبد من تكرار قراءته .