أبو محمد السو ري
2010-01-26, 10:33 AM
الحمد رب العلمين00والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
فإنَّ مما لا يروق لطالب العلم أن يجد إماماً كبيراً مثل :" الإمام مالك بن أنس "0رحمه الله تعالى قد وُصِف بالتدليس ، أو حتى التسوية بدون تدليس – كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه الماتع :" النكت على ابن الصلاح "0
وقد كان النقل الخاطىء ، أو الفهم الخاطىء أحد أهم الأسباب التي جعلت ببعضهم يرمي الإمام مالك بهذه الخلة – أي التدليس0
وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عدة من الأمثلة على أنَّ الإمام مالك رحمه الله تعالى كان يسوي في الإسناد ، بدون تدليس طبعاً0[1] (http://mareb.org/newthread.php?do=newthread&f=18#_ftn1)
وها أنا أسوق هذه الأدلة ، وأبين وجه الخطأ في الاستدلال بها على ما ذهب إليه الحافظ من أمر :" التسوي ة "0عند الإمام مالك رحمه الله تعالى0
المثال الأول :
فقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه :" النكت على ابن الصلاح "0عن ابن عبد البر رحمه الله تعالى أنَّ الإمام مالك رحمه الله تعالى قد سوى في بعض الأسانيد وأسقط ما لا يرضاه من الرواة ، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ما نصه :(2/618)0
" ومثال ما لا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أنَّ مالكاً سمع من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضي الله عنه ، ثُمَّ حدَّث بها عن ثور عن ابن عبَّاس وحذف عكرمة لأنَّه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه
فهذا مالك قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة ، وحذف من ليس عنده بثقة ، فالتسوية قد تكون بلا تدليس00"0
وقال في كتابه :" طبقات المدلسين "0بعد ذكر نحو هذا الكلام :(ص24)0
" وأنكر ابن عبد البر أن يكون تدليساً "0
قلتُ : إنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقصد في كلامه السابق ما أخرجه الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطأ :(رقم632)0 من طريق ثور بن زيد الديلي عن ابن عبَّاس رسول اللهصلى الله عليه وسلمذكر رمضان فقال : لاتصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين0
ولا شكَّ على أنَّ هذا الحديث محفوظ عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما ، لكن الذي يُشكُ فيه نسبة هذا الكلام إلى الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى0
و لا أدري كيف فهم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى من أنَّ الإمام مالك :" لا يرى الاحتجاج بحديثه "0أي بحديث عكرمة مولى ابن عبَّاس رحمه الله تعالى ، وبالتالي أسقطه من إسناد هذا الحديث0
ولا بأس بأن أنقل تمام كلام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في هذه المسألة لنرى هل وُفِقَ الحافظ ابن حجر في نقله و فهمه لكلام الحافظ ابن عبد البر0
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه الفذ المبارك التمهيد ، ما نصه :(2/26)0
" هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليسفيه ذكر عكرمة ، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس ، وإنَّما رواه ثور عن عكرمة ، وقد روىعن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس : أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سوا0
وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا لأن مالكا قدذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلكالمسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والامانة روى مالك عن أبي الزبيرالمكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهوبمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة وروى مالك أيضا عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمةمولى ابن عباس قال أظنه عن ابن عباس أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمرويهدي و به قال مالك0
قال أبو عمر : عكرمة مولى ابن عباس من جلة العلماء لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنهلا حجة مع أحد تكلم فيه وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه لأنه بلغه أنسعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأى الخوارج ، وكلذلك باطل عليه إن شاء الله "0
انظر كيف أصبح هذا الاحتمال عند ابن عبد البر ، يقيناً عند الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، ولا أدري كيف نسب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى إلى ابن عبد البر القول بأنَّ مالكاً قد حذف عكرمة من هذا الإسناد ، لأنَّه كان لا يرى الاحتجاج ، و ابن البر رحمه الله تعالى هو القائل بصريح العبارة :" وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا "0
والغريب في الأمر أنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، قد نسب هذا الكلام ، إلى ابن البرقي لا إلى ابن عبد البر رحمه الله تعالى فقال في كتابه التهذيب في ترجمة ثور بن زيد الديلي ، فقال ما نصه :(2/25)0
" فذكر – أي ابن الحذاء – عن ابن البرقي أنَّ مالكاً ترك ذكر عكرمة بين ابن عبَّاس وثور "0
ولعلَّ هذا هو الصواب في الأمر ، أي أن يكون الذي قال ذلك هو ابن البرقي لا ابن عبد البر رحمه الله تعالى ، ويكون اسم ابن عبد البر رحمه الله تعالى قد صحف من ابن البرقي ، وذلك لشهرة ابن عبد البر من جهة ، و لأنَّ لابن عبد البر كلام طويل على موطأ الإمام مالك وذلك في كتابيه :" التمهيد "0و :" الاستذكار "0
و من هنا لا يُستبعد أن يكون هو المقصود من كلام ابن عبد البر عندما قال :
" وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا 00"0
أقول لا يستبعد هذا ، وذلك لأمرين :
الأول: أنَّ هذا الرجل – أي ابن البرقي رحمه الله تعالى - له كلام كثير في الرجال ، وقد أخذ هذا الفن عن يحيى بن معين - كما قال الذهبي في السير – بل وقد ألف في هذا الباب كتاباً في : " الضعفاء "0انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي :(13/46)0
الثاني : إنَّه متقدم على الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى ، لذا من الممكن أن يكون ابن البر قد ردَّ عليه في كلامه السابق0
وقد كنتُ أظن أن يكون في النص تصحيفاً في المطبوع ، فرجعتُ إلى إحدى نسخ النكت المخطوطة ، فوجدتُ أنَّ هذا التصحيف في أصل المخطوط ، والله أعلم بالصواب0
وهذا هو رابط المخطوط :
http://www.mediafire.com/?jzgmt0zzzt3
ملاحظة : تجد هذا المبحث في الورقة :(102)0 الجهة اليمنى في أعلى هذه الورقة0
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
يتبع إن شاء الله تعالى
[1] (http://mareb.org/newthread.php?do=newthread&f=18#_ftnref1) ولمن أراد أن يقف على التفريق بين :" تدليس التسوية "0وبين :" التسوية "0فليرجع إلى كلام الحافظ في النكت على ابن الصلاح :(2/618)0
أمَّا بعد :
فإنَّ مما لا يروق لطالب العلم أن يجد إماماً كبيراً مثل :" الإمام مالك بن أنس "0رحمه الله تعالى قد وُصِف بالتدليس ، أو حتى التسوية بدون تدليس – كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه الماتع :" النكت على ابن الصلاح "0
وقد كان النقل الخاطىء ، أو الفهم الخاطىء أحد أهم الأسباب التي جعلت ببعضهم يرمي الإمام مالك بهذه الخلة – أي التدليس0
وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عدة من الأمثلة على أنَّ الإمام مالك رحمه الله تعالى كان يسوي في الإسناد ، بدون تدليس طبعاً0[1] (http://mareb.org/newthread.php?do=newthread&f=18#_ftn1)
وها أنا أسوق هذه الأدلة ، وأبين وجه الخطأ في الاستدلال بها على ما ذهب إليه الحافظ من أمر :" التسوي ة "0عند الإمام مالك رحمه الله تعالى0
المثال الأول :
فقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه :" النكت على ابن الصلاح "0عن ابن عبد البر رحمه الله تعالى أنَّ الإمام مالك رحمه الله تعالى قد سوى في بعض الأسانيد وأسقط ما لا يرضاه من الرواة ، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ما نصه :(2/618)0
" ومثال ما لا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أنَّ مالكاً سمع من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضي الله عنه ، ثُمَّ حدَّث بها عن ثور عن ابن عبَّاس وحذف عكرمة لأنَّه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه
فهذا مالك قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة ، وحذف من ليس عنده بثقة ، فالتسوية قد تكون بلا تدليس00"0
وقال في كتابه :" طبقات المدلسين "0بعد ذكر نحو هذا الكلام :(ص24)0
" وأنكر ابن عبد البر أن يكون تدليساً "0
قلتُ : إنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقصد في كلامه السابق ما أخرجه الإمام مالك رحمه الله تعالى في الموطأ :(رقم632)0 من طريق ثور بن زيد الديلي عن ابن عبَّاس رسول اللهصلى الله عليه وسلمذكر رمضان فقال : لاتصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين0
ولا شكَّ على أنَّ هذا الحديث محفوظ عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما ، لكن الذي يُشكُ فيه نسبة هذا الكلام إلى الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى0
و لا أدري كيف فهم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى من أنَّ الإمام مالك :" لا يرى الاحتجاج بحديثه "0أي بحديث عكرمة مولى ابن عبَّاس رحمه الله تعالى ، وبالتالي أسقطه من إسناد هذا الحديث0
ولا بأس بأن أنقل تمام كلام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في هذه المسألة لنرى هل وُفِقَ الحافظ ابن حجر في نقله و فهمه لكلام الحافظ ابن عبد البر0
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه الفذ المبارك التمهيد ، ما نصه :(2/26)0
" هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليسفيه ذكر عكرمة ، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس ، وإنَّما رواه ثور عن عكرمة ، وقد روىعن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس : أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سوا0
وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا لأن مالكا قدذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلكالمسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والامانة روى مالك عن أبي الزبيرالمكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهوبمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة وروى مالك أيضا عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمةمولى ابن عباس قال أظنه عن ابن عباس أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمرويهدي و به قال مالك0
قال أبو عمر : عكرمة مولى ابن عباس من جلة العلماء لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنهلا حجة مع أحد تكلم فيه وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه لأنه بلغه أنسعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأى الخوارج ، وكلذلك باطل عليه إن شاء الله "0
انظر كيف أصبح هذا الاحتمال عند ابن عبد البر ، يقيناً عند الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، ولا أدري كيف نسب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى إلى ابن عبد البر القول بأنَّ مالكاً قد حذف عكرمة من هذا الإسناد ، لأنَّه كان لا يرى الاحتجاج ، و ابن البر رحمه الله تعالى هو القائل بصريح العبارة :" وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا "0
والغريب في الأمر أنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، قد نسب هذا الكلام ، إلى ابن البرقي لا إلى ابن عبد البر رحمه الله تعالى فقال في كتابه التهذيب في ترجمة ثور بن زيد الديلي ، فقال ما نصه :(2/25)0
" فذكر – أي ابن الحذاء – عن ابن البرقي أنَّ مالكاً ترك ذكر عكرمة بين ابن عبَّاس وثور "0
ولعلَّ هذا هو الصواب في الأمر ، أي أن يكون الذي قال ذلك هو ابن البرقي لا ابن عبد البر رحمه الله تعالى ، ويكون اسم ابن عبد البر رحمه الله تعالى قد صحف من ابن البرقي ، وذلك لشهرة ابن عبد البر من جهة ، و لأنَّ لابن عبد البر كلام طويل على موطأ الإمام مالك وذلك في كتابيه :" التمهيد "0و :" الاستذكار "0
و من هنا لا يُستبعد أن يكون هو المقصود من كلام ابن عبد البر عندما قال :
" وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كرهأن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا 00"0
أقول لا يستبعد هذا ، وذلك لأمرين :
الأول: أنَّ هذا الرجل – أي ابن البرقي رحمه الله تعالى - له كلام كثير في الرجال ، وقد أخذ هذا الفن عن يحيى بن معين - كما قال الذهبي في السير – بل وقد ألف في هذا الباب كتاباً في : " الضعفاء "0انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي :(13/46)0
الثاني : إنَّه متقدم على الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى ، لذا من الممكن أن يكون ابن البر قد ردَّ عليه في كلامه السابق0
وقد كنتُ أظن أن يكون في النص تصحيفاً في المطبوع ، فرجعتُ إلى إحدى نسخ النكت المخطوطة ، فوجدتُ أنَّ هذا التصحيف في أصل المخطوط ، والله أعلم بالصواب0
وهذا هو رابط المخطوط :
http://www.mediafire.com/?jzgmt0zzzt3
ملاحظة : تجد هذا المبحث في الورقة :(102)0 الجهة اليمنى في أعلى هذه الورقة0
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
يتبع إن شاء الله تعالى
[1] (http://mareb.org/newthread.php?do=newthread&f=18#_ftnref1) ولمن أراد أن يقف على التفريق بين :" تدليس التسوية "0وبين :" التسوية "0فليرجع إلى كلام الحافظ في النكت على ابن الصلاح :(2/618)0