عبدُ الله الحُسيني
2010-01-11, 01:07 AM
بسم الله ، و الصلاةُ و السلام على رسولِ الله ..
قدْ تحدثنا في مثالٍ سابق عن أثر النظر في سباقِ و لحاقِ كلام العلماء ، ليُفهم نص كلامهم كاملاً دونَ اجتزاءٍ أو إلزام غير لازم ، لما في ذلكَ من دفاعٍ عن علماء الأُمة ، و لما فيه - أيضاً - من إفهام بعض الفرحين من الأعداء ( عقلانيون ، ليبراليون ، فرانكفونيون ) أننا أحقُ بالنصِ منهم ، و قد كانَ المثالُ عن الإمام الطوفي و مقولته في رعاية المصلحة ، و ما في كلامه من اشتباه ..
المقولة في هذا المثال ، هي للإمام أبي الحسن الكرخي - رحمهُ الله - ، و مقولتهُ المشهورة :
" الأصل أنَ كل آية تخالفُ قولَ أصحابنا ، فإنها تُحمل على النسخِ أو الترجيح و الأولى أن تُحملَ على التأويلِ من جهةِ التوفيق " [أصول البزدوي و أصول الكرخي / 373] .
قلتُ :
حتى نفهم معنى كلامِ هذا الإمام يجبُ النظر إلى الأمثلة التي أتى بها - رحمهُ الله - ، فهل يقصدُ بقولهِ تعطيل النص أو تعصب لأصحابهِ دون مراعاة النصوص أو غير ذلك .. ؟
فيقول : " من مسائلهِ [أي هذا الأصل] من تحرى عندَ الاشتباهِ و استدبر الكعبةَ جازَ عندنا لأنَّ تأويل قولهِ تعالى (فولوا وجوهكم شطرَه) إذا علمتم بهِ و إلى حيث وقعَ تحَرّيكم عندَ الاشتباه [هذا معنى التأويل الذي يقصدهُ] أو يُحملُ على النسخ كقولِهِ تعالى (ولرسولهِ و لذي القربى ) في الآية ثبوت سهم ذوي القربى في الغنيمة و نحنُ نقول انتسخ ذلك بإجماعِ الصحابة رضيَ الله عنهم [و هذا معنى النسخ عنده] أو على الترجيحِ كقوله تعالى (والذين يُتوفون منكم و يذرونَ أزواجاً) ظاهره يقتضي أنَّ الحامل المتوفى عنها زوجها لا تنقضي عدتها بوضعِ الحمل قبلَ مضي أربعة أشهر و عشرة أيام لأنَّ الآيةَ عامّة في كلِ متوفى عنها زوجها حاملاً أو غيرها ، و قولهُ تعالى (و أولاتِ الأحمالِ أجلهنَّ أن يضعنَ حملهنّ) يقتضي انقضاء العدة بوضعِ الحمل قبلَ مضي الأشهر لأنها عامة في المتوفى زوجها و غيرها ، لكنا رجحنا هذه الآية بقولِ ابن عباس رضيَ الله عنه : انها نزلت بعدَ نزول تلكَ الآية فنسختها [وهذا معنى النسخِ عنده]، و علي رضيَ الله عنه جمعَ بينَ الأجلين احتياطاً لاشتباهِ التاريخ [الأصول 373] .
++ إذنْ ، يُفهم من كلامه ، معنى النسخ و الترجيح و التأويل ، و كلها لا يخالف في معناها أحد ، و هي أراءٌ و تقعيدات مبثوثة في كتب الأصول ، و تعتبر مسائل اجتهاديّة لا إشكال في النقاش فيها ، على أننا قد نُخالفه في نسخ القرآن بإجماعِ الصحابة أو ترجيح السُنة على القرآن بإطلاقٍ دونَ تفصيل ، على أنني - كذلكَ - فهمتُ من مثاله أنه يقصد التخصيص ، تخصيص آية بحديث لا نسخ ، و هي عملية اجتهادية قامَ بها ، لا تُظهرُ أيّ تعصب .. - ربما ، على الأقل فيما يظهر لي - .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
و في أصلهِ عن السُنة إيضاح للمقصودِ أكثر ، و هوَ :
يقول : " أنَّ كل خبر يجيء بخلافِ قول أصحابنا ، فإنهُ يحمل على النسخ أو على أنه معارض بمثلهِ ثم صار إلى دليلٍ آخر و ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يُحمل على التوفيق ، و إنما يُفعل ذلك على حسب قيام الدليل ، فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه ، و إن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه .[الأصول 373] ..
++ يُفهم من كلامه الأخير الملون بالأحمر قاعدة من أكثر القواعد احتراماً للنصوص ، و عدم التعصب ، و إنما كان كل ما يرموا إليه الكرخي - رحمهُ الله - هو محاولة فهم كيفية فهم علماء الأحناف للنصوص ، و إنْ كان في عبارته نوع غموض فبان باطلاً عند البعض ، و رأيناهُ حقاً ..
++ كلمة (بمثله) المُلونة ، تظهر أنه لا يُعارض النص بقولِ أصحابه ، و إنما بمماثله من النصوص أو أقوى منه - بطبيعة الحال - ، و هذا يُظهر بُعدَه - رحمه الله - عنِ التعصب لقولِ أحد .
++ يظهرُ لي هنا مثال جيّد ، ..
و هو عنِ الفرق بين المدرسة المَدنيّة و المدرسة المصرية في المذهب المالكي ، يقول صاحب كتاب ( المذهب المالكي ) الأستاذ المامي ، مقارناً بين هاتين المدرستين : ( و الحاصل أن المدنيين اعتمدوا في هذه المسألة [أي سدل الأيدي] على الأحاديث التي صحت عندهم لانَّ ذلكَ هو مقتضى منهجهم [أي الصيرورة إلى النص ، و إنْ كان المعمول عليه خلافه] ، كما سبَقَ أن عرفنا ، و أما المصريون و من موافقهم من العلماء فقد اعتمدوا على ما كانَ عليه العمل لانَّ ذلك أيضاَ هو مقتضى منهجهم .[المذهب المالكي ، مدارسه و مؤلفاته ، خصائصه و سماته / 60] ..
إذنْ ..
هل يفهم أنًَّ المصريين يُعطلون النص أو يرفضونه لأنَّ العمل بخلافه ؟ !
بالطبع لا ، لأنَّ المعمولَ عليه له دليله الذي يقوم عليه ، و على هذا تمّ التأسيس ..
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
قدْ تحدثنا في مثالٍ سابق عن أثر النظر في سباقِ و لحاقِ كلام العلماء ، ليُفهم نص كلامهم كاملاً دونَ اجتزاءٍ أو إلزام غير لازم ، لما في ذلكَ من دفاعٍ عن علماء الأُمة ، و لما فيه - أيضاً - من إفهام بعض الفرحين من الأعداء ( عقلانيون ، ليبراليون ، فرانكفونيون ) أننا أحقُ بالنصِ منهم ، و قد كانَ المثالُ عن الإمام الطوفي و مقولته في رعاية المصلحة ، و ما في كلامه من اشتباه ..
المقولة في هذا المثال ، هي للإمام أبي الحسن الكرخي - رحمهُ الله - ، و مقولتهُ المشهورة :
" الأصل أنَ كل آية تخالفُ قولَ أصحابنا ، فإنها تُحمل على النسخِ أو الترجيح و الأولى أن تُحملَ على التأويلِ من جهةِ التوفيق " [أصول البزدوي و أصول الكرخي / 373] .
قلتُ :
حتى نفهم معنى كلامِ هذا الإمام يجبُ النظر إلى الأمثلة التي أتى بها - رحمهُ الله - ، فهل يقصدُ بقولهِ تعطيل النص أو تعصب لأصحابهِ دون مراعاة النصوص أو غير ذلك .. ؟
فيقول : " من مسائلهِ [أي هذا الأصل] من تحرى عندَ الاشتباهِ و استدبر الكعبةَ جازَ عندنا لأنَّ تأويل قولهِ تعالى (فولوا وجوهكم شطرَه) إذا علمتم بهِ و إلى حيث وقعَ تحَرّيكم عندَ الاشتباه [هذا معنى التأويل الذي يقصدهُ] أو يُحملُ على النسخ كقولِهِ تعالى (ولرسولهِ و لذي القربى ) في الآية ثبوت سهم ذوي القربى في الغنيمة و نحنُ نقول انتسخ ذلك بإجماعِ الصحابة رضيَ الله عنهم [و هذا معنى النسخ عنده] أو على الترجيحِ كقوله تعالى (والذين يُتوفون منكم و يذرونَ أزواجاً) ظاهره يقتضي أنَّ الحامل المتوفى عنها زوجها لا تنقضي عدتها بوضعِ الحمل قبلَ مضي أربعة أشهر و عشرة أيام لأنَّ الآيةَ عامّة في كلِ متوفى عنها زوجها حاملاً أو غيرها ، و قولهُ تعالى (و أولاتِ الأحمالِ أجلهنَّ أن يضعنَ حملهنّ) يقتضي انقضاء العدة بوضعِ الحمل قبلَ مضي الأشهر لأنها عامة في المتوفى زوجها و غيرها ، لكنا رجحنا هذه الآية بقولِ ابن عباس رضيَ الله عنه : انها نزلت بعدَ نزول تلكَ الآية فنسختها [وهذا معنى النسخِ عنده]، و علي رضيَ الله عنه جمعَ بينَ الأجلين احتياطاً لاشتباهِ التاريخ [الأصول 373] .
++ إذنْ ، يُفهم من كلامه ، معنى النسخ و الترجيح و التأويل ، و كلها لا يخالف في معناها أحد ، و هي أراءٌ و تقعيدات مبثوثة في كتب الأصول ، و تعتبر مسائل اجتهاديّة لا إشكال في النقاش فيها ، على أننا قد نُخالفه في نسخ القرآن بإجماعِ الصحابة أو ترجيح السُنة على القرآن بإطلاقٍ دونَ تفصيل ، على أنني - كذلكَ - فهمتُ من مثاله أنه يقصد التخصيص ، تخصيص آية بحديث لا نسخ ، و هي عملية اجتهادية قامَ بها ، لا تُظهرُ أيّ تعصب .. - ربما ، على الأقل فيما يظهر لي - .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
و في أصلهِ عن السُنة إيضاح للمقصودِ أكثر ، و هوَ :
يقول : " أنَّ كل خبر يجيء بخلافِ قول أصحابنا ، فإنهُ يحمل على النسخ أو على أنه معارض بمثلهِ ثم صار إلى دليلٍ آخر و ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يُحمل على التوفيق ، و إنما يُفعل ذلك على حسب قيام الدليل ، فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه ، و إن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه .[الأصول 373] ..
++ يُفهم من كلامه الأخير الملون بالأحمر قاعدة من أكثر القواعد احتراماً للنصوص ، و عدم التعصب ، و إنما كان كل ما يرموا إليه الكرخي - رحمهُ الله - هو محاولة فهم كيفية فهم علماء الأحناف للنصوص ، و إنْ كان في عبارته نوع غموض فبان باطلاً عند البعض ، و رأيناهُ حقاً ..
++ كلمة (بمثله) المُلونة ، تظهر أنه لا يُعارض النص بقولِ أصحابه ، و إنما بمماثله من النصوص أو أقوى منه - بطبيعة الحال - ، و هذا يُظهر بُعدَه - رحمه الله - عنِ التعصب لقولِ أحد .
++ يظهرُ لي هنا مثال جيّد ، ..
و هو عنِ الفرق بين المدرسة المَدنيّة و المدرسة المصرية في المذهب المالكي ، يقول صاحب كتاب ( المذهب المالكي ) الأستاذ المامي ، مقارناً بين هاتين المدرستين : ( و الحاصل أن المدنيين اعتمدوا في هذه المسألة [أي سدل الأيدي] على الأحاديث التي صحت عندهم لانَّ ذلكَ هو مقتضى منهجهم [أي الصيرورة إلى النص ، و إنْ كان المعمول عليه خلافه] ، كما سبَقَ أن عرفنا ، و أما المصريون و من موافقهم من العلماء فقد اعتمدوا على ما كانَ عليه العمل لانَّ ذلك أيضاَ هو مقتضى منهجهم .[المذهب المالكي ، مدارسه و مؤلفاته ، خصائصه و سماته / 60] ..
إذنْ ..
هل يفهم أنًَّ المصريين يُعطلون النص أو يرفضونه لأنَّ العمل بخلافه ؟ !
بالطبع لا ، لأنَّ المعمولَ عليه له دليله الذي يقوم عليه ، و على هذا تمّ التأسيس ..
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ..