رشيد الكيلاني
2009-12-12, 03:33 PM
منهج التزكية عند شيخ الإسلام ابن تيمية
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد طغت موجة من الماديات على قلوب المسلمين قطعت صلتهم بالله ،وتعلقهم به، فابتعدوا عن كل مظاهر العبودية والالتجاء الصادق إلى الله، حتى وصلوا إلى ما نراه من حيرة وقلق واضطراب. ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بالتزام العبودية لله تعالى ،والتحرر من عبودية الوثنيات ،والطواغيت على اختلاف أشكالها وأنواعها، تلك العبودية التي لو استجاب الناس لها لعاشوا في اطمئنان وسعادة وسلام، والتي هي أساس العمل الصالح الذي يثمر نهضة الأمة، وينقذ الإنسانية جمعاء من جحيم العبودية،والخضو ع للبشر، ويرد عليها عزتها، ويرفع منزلتها، ويمنحها السعادة والفوز في الدارين.
والكتابة في هذا الموضوع ليس بالأمر السهل، لأنه متشعب وذو فروع، ولأن الشيخ ـ رحمه الله - كتب فيه، في عامة مؤلفاته ،ورسائله تقريباً، فدافع عن الحق الواضح فيه، ورد على ألوان الانحراف في حياة المسلمين في مجال العبودية،وردهم إلى المنهل الصافي من الكتاب والسنة.
وقد رأيت رسالة العبودية للشيخ -رحمه الله -من أجمع وأنفع ما كتب في هذا الموضوع، فقد وضع فيها نظرية متكاملة المعالم،وبين فيها معنى العبودية.- وهي نظرية غنية بالتحقيقات النافعة ،والقواعد الجامعة،والتوجي هات التربوية التي تحتاجها المؤسسات التربوية، والاجتماعية في عصرنا اليوم.
ولذلك سنتعرض في هذا البحث لأهم الركائز التي تقوم عليها فكرة العبودية([1] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)).، بعد أن نذكر أهم الأصول العامة في تزكية النفس، وطريقة القرآن في عرض منهج التزكية.
ولما كانت أي فكرة ما لم يقارنها عمل وسلوك ،فإنها لا تعطي ثمارها؛ولا يكتب لها النجاح والقبول ، فقد ذكرت لأجل ذلك في نهاية البحث الناحية العلمية لحياة الشيخ ـ رحمه الله ـ وبيان تعبده لله، وهذا من أصول أهل السنة والجماعة التي يتميزون بها عن غيرهم من المناهج البدعية ([2] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2)).
وإني لأرجو الله لهذه الأمة التوفيق والهداية، وأن يردها إلى العبودية له دون غيره، وأن يوفقها إلى الحق في القول والعمل. وأسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً.
الأصول العامة في تزكية النفس
التزكية:
ومعناها تطهير النفس ،وتنقيتها من الرذائل. وهي تجمع بين إزالة الشر ،وتطييبها بالخير، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾(التوبة: من الآية103).
وتجمع بين التطهير والتزكية لأنهما متلازمان.
والتزكية وإن كان أصلها النماء والزيادة؛ فهي لا تحصل إلا بإزالة الشر الموجود في النفس كي ترتاح وتطمئن، وهذا لا يحصل إلا بالتوحيد وإخلاص العبودية لله وحده ،والبراءة من الشرك كما سيأتي توضيحه بإذن الله تعالى. يقول شيخ الإسلام في توضيح ذلك:
(( فإن التزكي هو التطهر بترك السيئات الموجب لزكاة النفس. كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾(الشمس :9). ولهذا تفسر الزكاة تارة بالنماء وبالزيادة، وتارة بالنظافة والإماطة، والحقيقة أن الزكاة تجمع بين الأمرين إزالة الشر، وزيادة الخير وهذا هو العمل الصالح، وهو الإحسان))([3] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3))
والتزكي بترك السيئات أصله بترك الشرك قليله وكثيرة، لأنه يدنس القلب، وليس هناك حق أعظم من حق الله وصرف العبادة لله. فإنكاره ـ أي حق الله ـ والشرك بالله من أعظم ما يدنس القلب، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾(التوبة: من الآية28).ـ بفتح الجيم ـ والمراد بالنجاسة النجاسة المعنوية، لا البدنية، فقد وصف الله المشركين بالنجاسة قلوبهم ونفوسهم بما يتلبسونه من الشرك والتعبد لغير الله.
وسيأتي توضيح ذلك في وسائل تزكية النفس. وبالله التوفيق.
التزكية من أعظم مهمات الرسل (صلوات الله وسلامه عليهم)
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ (الجمعة: من الآية2) فالله قد امتن على عباده بإرسال الرسل الذين بعثهم إلى أقوامهم، ومن مهماتهم التي كلفهم الله بها تبليغ الدين ،وإقامة الحجة ،وإسماعهم كلام الله عز وجل الذي به زكاة الأرواح والنفوس، وتعليمهم الكتاب والحكمة.
ولما كانت التزكية لا تحصل إلا بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده؛ لذا جاءت الرسل والأنبياء بدعوة أقوامهم إلى هذا الأصل العظيم وتذكيرهم به، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ (النحل: من الآية36) والتوحيد من أعظم الركائز التي قامت عليها دعوة الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وكذلك التحذير من الشرك وبيان أثره السيئ.ولا يمكن بحال أن يكون الأنبياء قد قصروا في دعوتهم إلى هذا الأصل؛ لأنه أعظم ما يحتاجه العباد في تزكية نفوسهم وأرواحهم، ومن أعظم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
الرسول أتم منهج التزكية علماً وعملاً:
قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ﴾ (المائدة: من الآية3) فقد أتم الله علينا النعمة ،وأكمل لنا الدين ببعثة الرسولe ،ومما يوضح هذا المعني أن الله نعت رسوله بأنه على دين عظيم فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (القلم:4)
وقد تمثل هذا الخلق بالعمل بكتاب الله الذي تضمن كل أنواع التزكية والتطهير. فمن المحال أن يكون الرسول e ترك تعليم الناس ما يزكي قلوبهم ،ويهذب نفوسهم ،ويقربهم إلى الجنة. يقول شيخ الإسلام في معرض الرد على أهل البدع ممن يزعم أن الرسول الكريمe وأصحابه رضي الله عنهم لم يحكموا هذا الباب ـ باب التزكية والتعبد ـ قولاً وعملاً؛ بل ترك ذلك إلى أذواقهم، وأهوائهم ،يقول رحمه الله: (( ومحال مع تعليمهم كل شئ لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت، أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم وقلوبهم، في ربهم ومعبودهم، ورب العالمين الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، هذا خلاصة الدعوة النبوية ،وزيدة الرسالة الإلهية)) ([4] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4)).
والسبب في ذلك أن معرفة الله من أعظم مقاصد الدين. والنفوس الصحيحة تشتاق إلى التقرب إليه، والتعبد له بأنواع القرب والطاعات أعظم إشتياقها إلى الطعام والشراب الذي هو مادة الحياة. ،فمن غير المعقول أن يكون باب التعبد لله والتقرب إليه وقع من الرسول e على غير التمام والكمال، ثم يترك هذا الباب مفتوحاً للاجتهادات والآراء الشخصية ،يقول رحمه الله: (( فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة للعبادة، يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه، أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، وليست النفوس الصحيحة إلى شئ أشواق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية- الوجدانية -)) ([5] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5)).
وسيأتي بيان أن عبادة الله ،والتقرب إليه غذاء الروح ،وسعادة القلب،وبهجة النفس .
ضرورة التمسك بالسنة في أمور التعبد والتزكية
وذلك لأن إتباع السنة في مسائل العبادات، والقرب هو المصدر الصافي لطريقة الهداية ،وتزكية النفس.، وهو الذي يحمي المسلم من الوقوع في الابتداع والتقول على الله بلا علم، ويجنبه من ضياع الأجر والثواب، يقول الشيخ رحمه الله في الصراط المستقيم في باب العبادات: ( في الصراط المستقيم في الزهد والعبادة والورع، في ترك المحرمات والشهوات والاقتصاد في العبادة): (( لزوم السنة هو يحفظ من شر النفس والشيطان بدون الطرق المبتدعة، فإن أصحابها لا بد أن يقعوا في الإصر والانحلال وإن كانوا متأولين، فلا بد لهم من إتباع الهوى، ولهذا أسس أصحاب البدع أصحاب الأهواء، فأما طريق السنة علم وقول وهدى، وفي البدعة جهل وظلم، وفيها إتباع الظن وما تهوى الأنفس )) ([6] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6)).
ويجب الحذر من النظر إلى حال أكثر الخلق ،وما هم عليه من بدع في العبادة؛ لأن الحق هو ما كان عليه الجماعة الأولى من عهد النبيe وأصحابه. ولا ينظر إلى كثرة أهل البدع من بعدهم, يقول ابن القيم مبيناً أن من علامات سعة القلب ،وعبوديته لله هو التمسك بالحق الذي كان عليه أصحاب الرسول e (( والبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق، ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول، الذي أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ،والشهداء والصالحين ،وحسن أولئك رفيقاً، فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب)) ([7] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7)).
خطورة الابتداع في أمور العبادة:
وهذا يدلك أخي المسلم على أن الإحداث في العبادات، والزيادة عليها ،يؤدي إلى الانحلال والفوضى، فضلاً عن ذلك فإنه غير معقول عند الله، ولو كان العمل كثيراً ،ما لم يكن موافقاً لما جاء به الرسول e ، وقد أدى فتح باب الاجتهاد في العبادات إلى دخول أنواع من الشر والبلاء على عقائد المسلمين وتحت شعار ( التصوف) ونحو ذلك من المسميات. وما زال الشيطان يتدرج بالمسلمين ،ويزين لهم البدع ،حتى جعلهم يعتقدون بالأفكار الباطلة، والفلسفات المهلكة: كالقول بالحقيقة وشهودها ومضمونه هو الرضى بالواقع،وما فيه من كفر وفسوق، والسكوت عن إنكار المنكر بحجة أن العارف إذا شهد الحقيقة استوي عنده القبيح والحسن. وأعظم من ذلك هو القول بعقيدة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي والتلمساني وغيره، وكذلك الاتحاد الخاص أو العام وقد أدى القول بهذه العقائد الباطلة إلى تحطيم الشرع وإفساد الدين([8] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8))؛ فيجب الحذر أشد من الابتداع في الدين. فإن اقتصاد في سنة خيراً من اجتهاد في بدعة، وما على المسلم إلا التفويض والاستسلام للشرع الحنيف، والنظر فيما عليه الرعيل الأول،والجماعة الأولى. فإن الأول لم يدع شيئاً للآخر غالباً.
لا يجوز الفصل بين العبادات وثمرتها:
ولما كانت الأعمال والقربات كالصلاة والزكاة وغيرها. إنما شرعها الله لتزكية النفس،وتطهيرها من الرذائل ،ولتبلغ الكمال في العبودية والطاعة لله، فلا يجوز والحال هذه الفصل بين العبادات وثمرتها؛ لأن الله قرن بينهما فلا تزكية إلا بالعبادة. وكذلك العبادة ما لم يظهر آثرها على سلوك المسلم وتصرفاته، فتمنعه من ارتكاب الحرام، فإنها قد لا تنفع صاحبها في الآخرة ،وإن كانت تسقط عنه الواجب في الدنيا، والناس في هذا على صنفين:
القسم الأول:
ظنوا أن أعمال القربات والعبادات مقصودة لذاتها - أي يؤديها شكلياً - وإن لم يظهر آثرها على أخلاق المسلم ـ ،وهؤلاء فرغوا العبادة من ثمرتها ومقصودها الأعظم وهي التقوى، وقد بين الله أن من لم يحصل له التقوى من عبادته لله فهو لم يقم بحق العبادة لله؛ لأن شأن المسلم أن يكون مستقيماً خائفاً وجلاً من الذنوب ،حريصاًً على حب الخير وفعله، والله دائماً يقرن بين العبادة وثمرتها ،قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183)
. والتعامل مع العبادة على هذا الأساس يجعل القلوب قاسية بعيدة عن الله، وبهذا يسهل الخروج عن أوامر الله، والتحايل علي شرعه لضعف الوازع والخوف من الله.
القسم الثاني:
الذين ظنوا أن العبادات مقصودة لغيرها، فإذا حصل عندهم المقصود من العبادة وهو التقوى – زعموا - فلا عليهم لو تركوا العبادات ، والمقصود عندهم عكوف القلب على الله ،وحصول الجمع فإذا جاءهم ما يفرق جمعيتهم -ولو كان صلاة الفريضة في المسجد –تركوه،ويتأولو قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ (الحجر:99)، وخطر هؤلاء أعظم من القسم الأول؛ لأن إتباع الأهواء والآراء في الديانات أعظم منه في الشهوات كما قال الشيخ ابن تيمية ، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية كما قال بعض السلف، ومع ذلك فهم لم تحصل لهم التقوى الواجبة، لأن التقوى هي فعل المأمور وترك المحظور ،والصبر على المقدور، كما قال شيخ الطريقة،وناصر السنة عبد القادر الكيلاني رحمه الله([9] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9)).
طريقة القرآن في عرض منهج التزكية
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ (الجمعة: من الآية2) فقد امتن الله على هذه الأمة ببعثة الرسول الكريم، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ،ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وقدم في الآية العلم على التزكية من باب تقديم العلم على العمل، لأن التزكية ثمرة من ثمار سماع كلام الأنبياء وإرشاداتهم، وهذا يحصل بالعلم الإجمالي ،والذكر العام الذي ينتفع به أقوامهم ،فيهتدون إلى الحق وتقوم به الحجة على آخرين فيستحقون العذاب في الآخرة، يقول شيخ الإسلام في التذكير العام وافتراق الناس فيه: (( والتذكير المطلق العام ينفع، فإن من الناس من يتذكر فينتفع به، والآخر تقوم عليه الحجة ويستحق العذاب على ذلك، فيكون عبره لغيره، فيحصل بتذكيره نفع أيضاً، ولأن بتذكيره تقوم عليه الحجة، فتجوز عقوبته بعد هذا بالجهاد وغيره فتحصل بالذكرى منفعة)) ([10] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10)).
وقال أيضاً: (( كذلك التذكير عام وخاص، فالعام هو تبليغ الرسالة إلى كل أحد، وهذا يحصل بإبلاغهم ما أرسل به من الرسالة ([11] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11)).
والمقصود أن التزكي لا بد أن يسبقه علم عام ،وتذكرة عامة كما قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ (الأعلى:9)
. فهذا لابد منه لحصول التزكي، فإذا حصل التزكي حصل التذكر التام النافع المؤثر. ولهذا قال تعالى في حق الأعمى الذي جاء إلى الرسول يطلب منه التعليم والإرشاد والنفع: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ (عبس:1-4)
. فأمر رسوله أن يقبل على من جاء يطلب التزكي والتذكر، وذكر هنا الذكر التذكير بعد التزكي، وهذا والله أعلم غير التذكر الذي تقوم به الحجة، فقد ذكر هنا الذكر التام الذي ينكره المذكر به وينتفع به كقوله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَ ا الْأَشْقَى ﴾ (الأعلى: 9-11)
. قال الشيخ رحمه الله في بيان ذلك: (( فذكر التذكر والتزكي، كما ذكرهما هناك([12] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn12)).وأمر أن يقبل على من أقبل عليه دون من أعرض منه،فإن هذا ينتفع بالذكرى دون ذاك،فيكون مأموراً أن يذكر المنتفعين بالذكرى تذكيراً يخصهم به غير التبليغ العام الذي تقوم به الحجة)) ([13] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn13)). وهذا هو التذكير التام النافع الذي خص الله به المؤمنين قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الذريات:55)
.فهم إذا آمنوا ذكرهم بما أنزل عليهم، وكلما نزل عليهم شئ من معاني القرآن ذكرهم به فيزدادوا إيماناًً.
والتذكير التام يقود إلى الخشية والخوف من الله كما قال تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ (الأعلى:10)، والعلم التفصيلي والتذكرة التامة توجب الخشية والتفكير في عواقب الأمور- فليس من يعلم كنت لا يعلم - ،والخشية قد تحصل عقب التذكر وقد تحصل قبله، لأنه إذا خشي أوجب له ذلك علوماً وتذكرة وإرادة صالحة.
الخشية في القرآن:
والخشية هي الخوف من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فلأن الذنوب لها عقوبات عاجلة، والخشية لا تكون لمن تيقن أنه معذب، وإنما تكون لمن رجا السلامة من عذاب الله غداً، قال تعالى في ذلك: ﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾ (الشورى: من الآية22) وقد يعرض الإنسان في بداية أمره عن طلب السلامة ولا يتذكره لأنه مشغول بالخوف من العذاب على الذنب الذي يقتضيه كما ذكر شيخ الإسلام .
والمقصود أن الخشية تدعو الإنسان إلى التذكر التام والتزكي كما قال شيخ الإسلام: (( لأن الذي يخشى الله لابد أن يرجوه ويطمع في رحمته فينيب إليه ،ويحبه ويحب عبادته وطاعته، فإن ذلك هو الذي ينجيه مما يخشاه ويحصل به ما يحبه)) ([14] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn14)).
وقد يرد على ما ذكرنا من أن التزكي لابد أن يسبقه الذكر العام قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ (طـه: من الآية44) في قصة فرعون الطاغية: فقد ذكر التذكر قبل الخشية. وفرعون لم يحصل عنده من الذكر العام والعلم ما يدعوه إلى خشية الله ،والاستجابة لموسى، فكيف يوافق ذلك قوله تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ (الأعلى:10)
والجواب هو أن قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ لا يناقض قو له تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ لأنه لم يقل ( سيخشى من يتذكر). بل ذكر أن كل من خشي فإنه يتذكر ولا يخاف، والتذكر كالعلم كما سبق إن كان تاماًً أوجب الخشية والاستجابة قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (فاطر: من الآية28) ،والعلماء هم أعظم من يخشى الله لما حصل عندهم من العلم بالحق والعمل به ،وقد بينا أن التذكر عام لكل ما يحصل به التذكر، ويشمل أيضاً التذكر الذي تقوم به الحجة وينقطع به العذر.
أما حصول الخشية بلا تذكر كصاحب النظرة السليمة التي لم تشوبها الأكدار، فإنه إذا سمع بوعيد الله وعقابه خاف وأناب ،والمؤمن قلبه مضيء يكاد يعرف الحق وإن لم يسمع به، لاجتماع نور الوحي مع نور الفطرة، فإذا سمع به ازداد نور على نور(( فهذا شأن المؤمن يدرك الحق بفطرته مجملاً، ثم يسمع الأثر الذي جاء به مفصلاً، فينشأ إيمانه على شهادة الوحي مع شهادة الفطرة))([15] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn15))
يقول الشيخ رحمه الله: (( وأيضاً فذكر الإنسان يحصل بما عرفه من العلوم قبل هذا فيحصل بمجرد عقله، وخشيته تكون بما سمعه من الوعيد)) ([16] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn16)). والأغلب حصولهما معاً أي الخشية والتذكر.
وعلى هذا فقوله تعالى في قصة فرعون: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ تبين أن التذكر يوافق العلم العام وهو الاعتراف بربوبية الله فيدعوا ذلك فرعون إلى الشكر والإيمان بالله ،وأن لا يطغى ( وإن قدر أن الله لا يعذبه فإن مجرد كون الشيء حقاً ونافعاً يقتضي طلبه ،وإن لم يخف ضرراً بعدمه كما يسارع المؤمنون إلى فعل التطوعات والنوافل، لما فيها من النفع وإن كان لا عقوبة في تركها كما ،يحب الإنسان علوماً نافعة وإن لم يتضرر بتركها). وقوله( أو يخشى) (ونفس الخشية إذا ذكر له موسى ما توعده الله له من عذاب الدنيا والآخرة فإن هذا الخوف قد يحمله على الطاعة والانقياد إلى التذكر).
فهذا بعض أسرار الجمع بين التذكر والخشية في قوله ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ ،وهذا يدلك على إعجاز القرآن ،وما يحويه من أسرار وعجائب ،وأنه من عند الله. ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ (النساء: من الآية82)
التزكية امتثال حقيقي للعبادة لا امتثال صوري:
ذكرنا أن التزكية لابد أن يقرنها العلم التام المؤثر لا الإجمالي التي تقوم به الحجة، فلا تكفي العمومات (3)في تزكية النفس وثباتها على الحق ،بل لا بد من تعلم ودراسة العلم الشرعي بالقدر المستطاع، ثم العمل به وانصياع القلب بموجب معاني العلم النافع والعقيدة السليمة، وكذلك الحذر من وسائل الشرك التي تدنس القلب، وتضعف إرادة الخير فيه.
وعدم معرفة الحق والعمل به يؤدي إلى وقوع المسلم في بعض وسائل الشرك وهو لا يشعر، وربما يعرضه للردة - والعياذ بالله - أو السير على غير هدى وبصيرة فيكون حاله كحال الذي قال الله فيه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ (الحج: من الآية11) وما أكثر فتن الدنيا في هذا الزمان. فيحتاج المؤمن إلى حصانة علمية ،وزاد إيماني يحميه من الوقوع في المخالفات الشرعية.
ولهذا كانت تربية الرسول e لأصحابه الكرام في مكة تركز بشكل أساسي على تزكية النفوس على معاني العقيدة الصحيحة ،والعلم النافع ،حتى صفت نفوسهم وأرواحهم،وأصبحو ا القدوة العليا والمثل الحي في طهارة النفس، والتعبد لله ظاهراً وباطناً، ومكن الله لهم في الأرض، وأسعدهم في الآخرة.يتبع باذن الله .
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد طغت موجة من الماديات على قلوب المسلمين قطعت صلتهم بالله ،وتعلقهم به، فابتعدوا عن كل مظاهر العبودية والالتجاء الصادق إلى الله، حتى وصلوا إلى ما نراه من حيرة وقلق واضطراب. ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بالتزام العبودية لله تعالى ،والتحرر من عبودية الوثنيات ،والطواغيت على اختلاف أشكالها وأنواعها، تلك العبودية التي لو استجاب الناس لها لعاشوا في اطمئنان وسعادة وسلام، والتي هي أساس العمل الصالح الذي يثمر نهضة الأمة، وينقذ الإنسانية جمعاء من جحيم العبودية،والخضو ع للبشر، ويرد عليها عزتها، ويرفع منزلتها، ويمنحها السعادة والفوز في الدارين.
والكتابة في هذا الموضوع ليس بالأمر السهل، لأنه متشعب وذو فروع، ولأن الشيخ ـ رحمه الله - كتب فيه، في عامة مؤلفاته ،ورسائله تقريباً، فدافع عن الحق الواضح فيه، ورد على ألوان الانحراف في حياة المسلمين في مجال العبودية،وردهم إلى المنهل الصافي من الكتاب والسنة.
وقد رأيت رسالة العبودية للشيخ -رحمه الله -من أجمع وأنفع ما كتب في هذا الموضوع، فقد وضع فيها نظرية متكاملة المعالم،وبين فيها معنى العبودية.- وهي نظرية غنية بالتحقيقات النافعة ،والقواعد الجامعة،والتوجي هات التربوية التي تحتاجها المؤسسات التربوية، والاجتماعية في عصرنا اليوم.
ولذلك سنتعرض في هذا البحث لأهم الركائز التي تقوم عليها فكرة العبودية([1] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)).، بعد أن نذكر أهم الأصول العامة في تزكية النفس، وطريقة القرآن في عرض منهج التزكية.
ولما كانت أي فكرة ما لم يقارنها عمل وسلوك ،فإنها لا تعطي ثمارها؛ولا يكتب لها النجاح والقبول ، فقد ذكرت لأجل ذلك في نهاية البحث الناحية العلمية لحياة الشيخ ـ رحمه الله ـ وبيان تعبده لله، وهذا من أصول أهل السنة والجماعة التي يتميزون بها عن غيرهم من المناهج البدعية ([2] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2)).
وإني لأرجو الله لهذه الأمة التوفيق والهداية، وأن يردها إلى العبودية له دون غيره، وأن يوفقها إلى الحق في القول والعمل. وأسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً.
الأصول العامة في تزكية النفس
التزكية:
ومعناها تطهير النفس ،وتنقيتها من الرذائل. وهي تجمع بين إزالة الشر ،وتطييبها بالخير، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾(التوبة: من الآية103).
وتجمع بين التطهير والتزكية لأنهما متلازمان.
والتزكية وإن كان أصلها النماء والزيادة؛ فهي لا تحصل إلا بإزالة الشر الموجود في النفس كي ترتاح وتطمئن، وهذا لا يحصل إلا بالتوحيد وإخلاص العبودية لله وحده ،والبراءة من الشرك كما سيأتي توضيحه بإذن الله تعالى. يقول شيخ الإسلام في توضيح ذلك:
(( فإن التزكي هو التطهر بترك السيئات الموجب لزكاة النفس. كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾(الشمس :9). ولهذا تفسر الزكاة تارة بالنماء وبالزيادة، وتارة بالنظافة والإماطة، والحقيقة أن الزكاة تجمع بين الأمرين إزالة الشر، وزيادة الخير وهذا هو العمل الصالح، وهو الإحسان))([3] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3))
والتزكي بترك السيئات أصله بترك الشرك قليله وكثيرة، لأنه يدنس القلب، وليس هناك حق أعظم من حق الله وصرف العبادة لله. فإنكاره ـ أي حق الله ـ والشرك بالله من أعظم ما يدنس القلب، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾(التوبة: من الآية28).ـ بفتح الجيم ـ والمراد بالنجاسة النجاسة المعنوية، لا البدنية، فقد وصف الله المشركين بالنجاسة قلوبهم ونفوسهم بما يتلبسونه من الشرك والتعبد لغير الله.
وسيأتي توضيح ذلك في وسائل تزكية النفس. وبالله التوفيق.
التزكية من أعظم مهمات الرسل (صلوات الله وسلامه عليهم)
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ (الجمعة: من الآية2) فالله قد امتن على عباده بإرسال الرسل الذين بعثهم إلى أقوامهم، ومن مهماتهم التي كلفهم الله بها تبليغ الدين ،وإقامة الحجة ،وإسماعهم كلام الله عز وجل الذي به زكاة الأرواح والنفوس، وتعليمهم الكتاب والحكمة.
ولما كانت التزكية لا تحصل إلا بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده؛ لذا جاءت الرسل والأنبياء بدعوة أقوامهم إلى هذا الأصل العظيم وتذكيرهم به، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ (النحل: من الآية36) والتوحيد من أعظم الركائز التي قامت عليها دعوة الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وكذلك التحذير من الشرك وبيان أثره السيئ.ولا يمكن بحال أن يكون الأنبياء قد قصروا في دعوتهم إلى هذا الأصل؛ لأنه أعظم ما يحتاجه العباد في تزكية نفوسهم وأرواحهم، ومن أعظم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
الرسول أتم منهج التزكية علماً وعملاً:
قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ﴾ (المائدة: من الآية3) فقد أتم الله علينا النعمة ،وأكمل لنا الدين ببعثة الرسولe ،ومما يوضح هذا المعني أن الله نعت رسوله بأنه على دين عظيم فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (القلم:4)
وقد تمثل هذا الخلق بالعمل بكتاب الله الذي تضمن كل أنواع التزكية والتطهير. فمن المحال أن يكون الرسول e ترك تعليم الناس ما يزكي قلوبهم ،ويهذب نفوسهم ،ويقربهم إلى الجنة. يقول شيخ الإسلام في معرض الرد على أهل البدع ممن يزعم أن الرسول الكريمe وأصحابه رضي الله عنهم لم يحكموا هذا الباب ـ باب التزكية والتعبد ـ قولاً وعملاً؛ بل ترك ذلك إلى أذواقهم، وأهوائهم ،يقول رحمه الله: (( ومحال مع تعليمهم كل شئ لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت، أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم وقلوبهم، في ربهم ومعبودهم، ورب العالمين الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، هذا خلاصة الدعوة النبوية ،وزيدة الرسالة الإلهية)) ([4] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4)).
والسبب في ذلك أن معرفة الله من أعظم مقاصد الدين. والنفوس الصحيحة تشتاق إلى التقرب إليه، والتعبد له بأنواع القرب والطاعات أعظم إشتياقها إلى الطعام والشراب الذي هو مادة الحياة. ،فمن غير المعقول أن يكون باب التعبد لله والتقرب إليه وقع من الرسول e على غير التمام والكمال، ثم يترك هذا الباب مفتوحاً للاجتهادات والآراء الشخصية ،يقول رحمه الله: (( فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة للعبادة، يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه، أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، وليست النفوس الصحيحة إلى شئ أشواق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية- الوجدانية -)) ([5] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5)).
وسيأتي بيان أن عبادة الله ،والتقرب إليه غذاء الروح ،وسعادة القلب،وبهجة النفس .
ضرورة التمسك بالسنة في أمور التعبد والتزكية
وذلك لأن إتباع السنة في مسائل العبادات، والقرب هو المصدر الصافي لطريقة الهداية ،وتزكية النفس.، وهو الذي يحمي المسلم من الوقوع في الابتداع والتقول على الله بلا علم، ويجنبه من ضياع الأجر والثواب، يقول الشيخ رحمه الله في الصراط المستقيم في باب العبادات: ( في الصراط المستقيم في الزهد والعبادة والورع، في ترك المحرمات والشهوات والاقتصاد في العبادة): (( لزوم السنة هو يحفظ من شر النفس والشيطان بدون الطرق المبتدعة، فإن أصحابها لا بد أن يقعوا في الإصر والانحلال وإن كانوا متأولين، فلا بد لهم من إتباع الهوى، ولهذا أسس أصحاب البدع أصحاب الأهواء، فأما طريق السنة علم وقول وهدى، وفي البدعة جهل وظلم، وفيها إتباع الظن وما تهوى الأنفس )) ([6] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6)).
ويجب الحذر من النظر إلى حال أكثر الخلق ،وما هم عليه من بدع في العبادة؛ لأن الحق هو ما كان عليه الجماعة الأولى من عهد النبيe وأصحابه. ولا ينظر إلى كثرة أهل البدع من بعدهم, يقول ابن القيم مبيناً أن من علامات سعة القلب ،وعبوديته لله هو التمسك بالحق الذي كان عليه أصحاب الرسول e (( والبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق، ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول، الذي أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ،والشهداء والصالحين ،وحسن أولئك رفيقاً، فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب)) ([7] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7)).
خطورة الابتداع في أمور العبادة:
وهذا يدلك أخي المسلم على أن الإحداث في العبادات، والزيادة عليها ،يؤدي إلى الانحلال والفوضى، فضلاً عن ذلك فإنه غير معقول عند الله، ولو كان العمل كثيراً ،ما لم يكن موافقاً لما جاء به الرسول e ، وقد أدى فتح باب الاجتهاد في العبادات إلى دخول أنواع من الشر والبلاء على عقائد المسلمين وتحت شعار ( التصوف) ونحو ذلك من المسميات. وما زال الشيطان يتدرج بالمسلمين ،ويزين لهم البدع ،حتى جعلهم يعتقدون بالأفكار الباطلة، والفلسفات المهلكة: كالقول بالحقيقة وشهودها ومضمونه هو الرضى بالواقع،وما فيه من كفر وفسوق، والسكوت عن إنكار المنكر بحجة أن العارف إذا شهد الحقيقة استوي عنده القبيح والحسن. وأعظم من ذلك هو القول بعقيدة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي والتلمساني وغيره، وكذلك الاتحاد الخاص أو العام وقد أدى القول بهذه العقائد الباطلة إلى تحطيم الشرع وإفساد الدين([8] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8))؛ فيجب الحذر أشد من الابتداع في الدين. فإن اقتصاد في سنة خيراً من اجتهاد في بدعة، وما على المسلم إلا التفويض والاستسلام للشرع الحنيف، والنظر فيما عليه الرعيل الأول،والجماعة الأولى. فإن الأول لم يدع شيئاً للآخر غالباً.
لا يجوز الفصل بين العبادات وثمرتها:
ولما كانت الأعمال والقربات كالصلاة والزكاة وغيرها. إنما شرعها الله لتزكية النفس،وتطهيرها من الرذائل ،ولتبلغ الكمال في العبودية والطاعة لله، فلا يجوز والحال هذه الفصل بين العبادات وثمرتها؛ لأن الله قرن بينهما فلا تزكية إلا بالعبادة. وكذلك العبادة ما لم يظهر آثرها على سلوك المسلم وتصرفاته، فتمنعه من ارتكاب الحرام، فإنها قد لا تنفع صاحبها في الآخرة ،وإن كانت تسقط عنه الواجب في الدنيا، والناس في هذا على صنفين:
القسم الأول:
ظنوا أن أعمال القربات والعبادات مقصودة لذاتها - أي يؤديها شكلياً - وإن لم يظهر آثرها على أخلاق المسلم ـ ،وهؤلاء فرغوا العبادة من ثمرتها ومقصودها الأعظم وهي التقوى، وقد بين الله أن من لم يحصل له التقوى من عبادته لله فهو لم يقم بحق العبادة لله؛ لأن شأن المسلم أن يكون مستقيماً خائفاً وجلاً من الذنوب ،حريصاًً على حب الخير وفعله، والله دائماً يقرن بين العبادة وثمرتها ،قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183)
. والتعامل مع العبادة على هذا الأساس يجعل القلوب قاسية بعيدة عن الله، وبهذا يسهل الخروج عن أوامر الله، والتحايل علي شرعه لضعف الوازع والخوف من الله.
القسم الثاني:
الذين ظنوا أن العبادات مقصودة لغيرها، فإذا حصل عندهم المقصود من العبادة وهو التقوى – زعموا - فلا عليهم لو تركوا العبادات ، والمقصود عندهم عكوف القلب على الله ،وحصول الجمع فإذا جاءهم ما يفرق جمعيتهم -ولو كان صلاة الفريضة في المسجد –تركوه،ويتأولو قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ (الحجر:99)، وخطر هؤلاء أعظم من القسم الأول؛ لأن إتباع الأهواء والآراء في الديانات أعظم منه في الشهوات كما قال الشيخ ابن تيمية ، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية كما قال بعض السلف، ومع ذلك فهم لم تحصل لهم التقوى الواجبة، لأن التقوى هي فعل المأمور وترك المحظور ،والصبر على المقدور، كما قال شيخ الطريقة،وناصر السنة عبد القادر الكيلاني رحمه الله([9] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9)).
طريقة القرآن في عرض منهج التزكية
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ (الجمعة: من الآية2) فقد امتن الله على هذه الأمة ببعثة الرسول الكريم، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ،ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وقدم في الآية العلم على التزكية من باب تقديم العلم على العمل، لأن التزكية ثمرة من ثمار سماع كلام الأنبياء وإرشاداتهم، وهذا يحصل بالعلم الإجمالي ،والذكر العام الذي ينتفع به أقوامهم ،فيهتدون إلى الحق وتقوم به الحجة على آخرين فيستحقون العذاب في الآخرة، يقول شيخ الإسلام في التذكير العام وافتراق الناس فيه: (( والتذكير المطلق العام ينفع، فإن من الناس من يتذكر فينتفع به، والآخر تقوم عليه الحجة ويستحق العذاب على ذلك، فيكون عبره لغيره، فيحصل بتذكيره نفع أيضاً، ولأن بتذكيره تقوم عليه الحجة، فتجوز عقوبته بعد هذا بالجهاد وغيره فتحصل بالذكرى منفعة)) ([10] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10)).
وقال أيضاً: (( كذلك التذكير عام وخاص، فالعام هو تبليغ الرسالة إلى كل أحد، وهذا يحصل بإبلاغهم ما أرسل به من الرسالة ([11] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11)).
والمقصود أن التزكي لا بد أن يسبقه علم عام ،وتذكرة عامة كما قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ (الأعلى:9)
. فهذا لابد منه لحصول التزكي، فإذا حصل التزكي حصل التذكر التام النافع المؤثر. ولهذا قال تعالى في حق الأعمى الذي جاء إلى الرسول يطلب منه التعليم والإرشاد والنفع: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ (عبس:1-4)
. فأمر رسوله أن يقبل على من جاء يطلب التزكي والتذكر، وذكر هنا الذكر التذكير بعد التزكي، وهذا والله أعلم غير التذكر الذي تقوم به الحجة، فقد ذكر هنا الذكر التام الذي ينكره المذكر به وينتفع به كقوله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَ ا الْأَشْقَى ﴾ (الأعلى: 9-11)
. قال الشيخ رحمه الله في بيان ذلك: (( فذكر التذكر والتزكي، كما ذكرهما هناك([12] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn12)).وأمر أن يقبل على من أقبل عليه دون من أعرض منه،فإن هذا ينتفع بالذكرى دون ذاك،فيكون مأموراً أن يذكر المنتفعين بالذكرى تذكيراً يخصهم به غير التبليغ العام الذي تقوم به الحجة)) ([13] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn13)). وهذا هو التذكير التام النافع الذي خص الله به المؤمنين قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الذريات:55)
.فهم إذا آمنوا ذكرهم بما أنزل عليهم، وكلما نزل عليهم شئ من معاني القرآن ذكرهم به فيزدادوا إيماناًً.
والتذكير التام يقود إلى الخشية والخوف من الله كما قال تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ (الأعلى:10)، والعلم التفصيلي والتذكرة التامة توجب الخشية والتفكير في عواقب الأمور- فليس من يعلم كنت لا يعلم - ،والخشية قد تحصل عقب التذكر وقد تحصل قبله، لأنه إذا خشي أوجب له ذلك علوماً وتذكرة وإرادة صالحة.
الخشية في القرآن:
والخشية هي الخوف من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فلأن الذنوب لها عقوبات عاجلة، والخشية لا تكون لمن تيقن أنه معذب، وإنما تكون لمن رجا السلامة من عذاب الله غداً، قال تعالى في ذلك: ﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾ (الشورى: من الآية22) وقد يعرض الإنسان في بداية أمره عن طلب السلامة ولا يتذكره لأنه مشغول بالخوف من العذاب على الذنب الذي يقتضيه كما ذكر شيخ الإسلام .
والمقصود أن الخشية تدعو الإنسان إلى التذكر التام والتزكي كما قال شيخ الإسلام: (( لأن الذي يخشى الله لابد أن يرجوه ويطمع في رحمته فينيب إليه ،ويحبه ويحب عبادته وطاعته، فإن ذلك هو الذي ينجيه مما يخشاه ويحصل به ما يحبه)) ([14] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn14)).
وقد يرد على ما ذكرنا من أن التزكي لابد أن يسبقه الذكر العام قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ (طـه: من الآية44) في قصة فرعون الطاغية: فقد ذكر التذكر قبل الخشية. وفرعون لم يحصل عنده من الذكر العام والعلم ما يدعوه إلى خشية الله ،والاستجابة لموسى، فكيف يوافق ذلك قوله تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ (الأعلى:10)
والجواب هو أن قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ لا يناقض قو له تعالى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ لأنه لم يقل ( سيخشى من يتذكر). بل ذكر أن كل من خشي فإنه يتذكر ولا يخاف، والتذكر كالعلم كما سبق إن كان تاماًً أوجب الخشية والاستجابة قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (فاطر: من الآية28) ،والعلماء هم أعظم من يخشى الله لما حصل عندهم من العلم بالحق والعمل به ،وقد بينا أن التذكر عام لكل ما يحصل به التذكر، ويشمل أيضاً التذكر الذي تقوم به الحجة وينقطع به العذر.
أما حصول الخشية بلا تذكر كصاحب النظرة السليمة التي لم تشوبها الأكدار، فإنه إذا سمع بوعيد الله وعقابه خاف وأناب ،والمؤمن قلبه مضيء يكاد يعرف الحق وإن لم يسمع به، لاجتماع نور الوحي مع نور الفطرة، فإذا سمع به ازداد نور على نور(( فهذا شأن المؤمن يدرك الحق بفطرته مجملاً، ثم يسمع الأثر الذي جاء به مفصلاً، فينشأ إيمانه على شهادة الوحي مع شهادة الفطرة))([15] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn15))
يقول الشيخ رحمه الله: (( وأيضاً فذكر الإنسان يحصل بما عرفه من العلوم قبل هذا فيحصل بمجرد عقله، وخشيته تكون بما سمعه من الوعيد)) ([16] (http://www.mazameer.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn16)). والأغلب حصولهما معاً أي الخشية والتذكر.
وعلى هذا فقوله تعالى في قصة فرعون: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ تبين أن التذكر يوافق العلم العام وهو الاعتراف بربوبية الله فيدعوا ذلك فرعون إلى الشكر والإيمان بالله ،وأن لا يطغى ( وإن قدر أن الله لا يعذبه فإن مجرد كون الشيء حقاً ونافعاً يقتضي طلبه ،وإن لم يخف ضرراً بعدمه كما يسارع المؤمنون إلى فعل التطوعات والنوافل، لما فيها من النفع وإن كان لا عقوبة في تركها كما ،يحب الإنسان علوماً نافعة وإن لم يتضرر بتركها). وقوله( أو يخشى) (ونفس الخشية إذا ذكر له موسى ما توعده الله له من عذاب الدنيا والآخرة فإن هذا الخوف قد يحمله على الطاعة والانقياد إلى التذكر).
فهذا بعض أسرار الجمع بين التذكر والخشية في قوله ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ ،وهذا يدلك على إعجاز القرآن ،وما يحويه من أسرار وعجائب ،وأنه من عند الله. ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ (النساء: من الآية82)
التزكية امتثال حقيقي للعبادة لا امتثال صوري:
ذكرنا أن التزكية لابد أن يقرنها العلم التام المؤثر لا الإجمالي التي تقوم به الحجة، فلا تكفي العمومات (3)في تزكية النفس وثباتها على الحق ،بل لا بد من تعلم ودراسة العلم الشرعي بالقدر المستطاع، ثم العمل به وانصياع القلب بموجب معاني العلم النافع والعقيدة السليمة، وكذلك الحذر من وسائل الشرك التي تدنس القلب، وتضعف إرادة الخير فيه.
وعدم معرفة الحق والعمل به يؤدي إلى وقوع المسلم في بعض وسائل الشرك وهو لا يشعر، وربما يعرضه للردة - والعياذ بالله - أو السير على غير هدى وبصيرة فيكون حاله كحال الذي قال الله فيه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ (الحج: من الآية11) وما أكثر فتن الدنيا في هذا الزمان. فيحتاج المؤمن إلى حصانة علمية ،وزاد إيماني يحميه من الوقوع في المخالفات الشرعية.
ولهذا كانت تربية الرسول e لأصحابه الكرام في مكة تركز بشكل أساسي على تزكية النفوس على معاني العقيدة الصحيحة ،والعلم النافع ،حتى صفت نفوسهم وأرواحهم،وأصبحو ا القدوة العليا والمثل الحي في طهارة النفس، والتعبد لله ظاهراً وباطناً، ومكن الله لهم في الأرض، وأسعدهم في الآخرة.يتبع باذن الله .