تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بقلم أخيكم : (نعم لاستعادة الحق ، لا لصناعة النشوز)



عبدالله الشهري
2009-11-06, 11:11 PM
نعم لاستعادة الحق ، لا لصناعة النشوز
ـــــــــــــــ ـــ






لازالت المرأة موضوع نقاش كبير ومتنوع ، واتفق مع من يرى هذا موضوعاً يستحق النقاش ، فظلم المرأة واقع موجود ، ولكن هذا الظلم ليس إلا جزء من ظلمات كثيرة تسيطر على كثير من القضايا في مجتمعنا ، كالفساد الإداري ونهب الأموال العامة والتخريب واللامبالاة بالنظام و التفاخر بالأنساب و استفحال ما نسميه بـ "الواسطة" ، وخاصة تلك الواسطة تسقط الحقوق وتكافيء الفاشل على حساب المؤهل ، إلى غير ذلك من الأمراض التي لا يمكن أن ينهض المجتمع نهضة حقيقية حتى يقضي عليها أو يحجّمها إلى أقصى درجة ممكنة. لقد استشرى الفساد على نحو ملفت حتى أصبحنا موضوع دراسات غربية متخصصة ووصل الأمر إلى أن الباحث هناك إذا أراد موضوعاً خصباً لرسالة ماجستير أو دكتوراه أو ترقية أكاديمية فما عليه إلا أن يتجه إلى الفضاء الواسع من الفساد المتنوع في دول العالم الثالث ، ويختار الحالة الدراسية ثم يشرع في إعداد البحث (المطّلع على هذه الأبحاث يقف على ما يندى له الجبين).

أعود لموضوع المرأة ، وقد آثرت التقدمة بهذه المقدمة لنتبين خارطة الظلم الكبيرة قبل أن نعالج جزء منها ونقترح له الحلول. ما شكل ظلم المرأة عندنا وما حقيقته ؟ أستطيع أن اختصر مشكلة المرأة في عبارة موجزة فأقول هي مشكلة استعادة الحقوق التي كفلها الإسلام لها. ولست في مقام تعداد هذه الحقوق وتفصيلها فهذا موضوع آخر. المرأة عندنا بإيجاز ليست في حاجة مواثيق حقوق الإنسان ولا بنود قرارت سيداو ولا فلسفة كارول جلجن – منظرة الحركة النسوية المشهورة في الغرب - إنها في المقام الأول بحاجة إلى الاستمتاع بكافة الحقوق التي كفلها الشرع سواء أسخط ذلك الزوج أو الأب أو القبيلة أو التراث المحلي. ثم إن هناك ما هو أسوأ وأخطر وهو انتشار الجهل بحقوق المرأة في الإسلام ، حتى الزوجة نفسها لا تعرف حقوقها - وإن عرفتها لا تطالب بها لأن أبوها وزوجها أو قبيلتها سيخسطون عليها وهي لا تملك حيال هذا حول ولا قوة – تماماً كما أن كثيراً من الموظفين في مجتمعنا يكدحون في وظائفهم ولم يفكروا يوماً ما أن يتعرّفوا على اللوائح التي تبين ما لهم وما عليهم في مجال عملهم من الحقوق والواجبات ، ولا زلت أذكر أني وقعت ضحية لهذا الإهمال إذ كنت استحق بموجب اللوائح أن أحصل في انتداباتي على تذكرة الدرجة الأولى ومع ذلك كنت أحصل على تذكرة الدرجة السياحية حتى أخبرني أحدهم بأن النظام يتيح لي ما كنت غافلاً عنه وأصلحت الأمر فيما بعد.

ليس الأمر مقصور على حقوق المرأة بل يتعدى ذلك إلى قضايا كثيرة تمس حياة المسلم العادي ، لنضرب على سبيل المثال لا الحصر باب الشفعة في الفقه وحقوق الضيف ولنتناولهما بشيء من التفصيل : قليل من يعلم أنه لا يجوز لأحد الشريكين في ملكٍ ما أن يبيع نصيبه من هذا الملك دون إذن الشريك الآخر ، وربما أقل القليل من يعلم أن هذا الشريك الآخر (الذي لم يأذن) له الحق في استرداد النصيب المباع وأنه أولى به ، وهذا يعرف في الفقه بـ "الشفعة" ، وله تفاصيل وشروط في موضعها. وليس بالضرروة أن يكون هذا على مستوى الشركات المنظمة والكبيرة ولكن حتى على مستوى الشراكات العامة مما انتشر وتعارف عليه الناس دون عقد أو شهود. فكم من الناس تذهب حقوقهم بسبب جهلهم بهذا الأمر. إن هذا من الحق الذي كفله الشرع للشركاء في ملك معين لا سيما العقارات وما يقبل القسمة. أما بالنسبة لحقوق الضيف فربما قليل من يعلم أن للضيف حق شرعي ملزم على صاحب المنزل أو المستضيف الموسر ، وهو أن يقريه – يستضيفه عنده و يكرمه باعتدال – لثلاثة أيام كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أن للضيف أن يطالب بحقه في ذلك لأنه يملك هذا الحق بنص الشرع وليس لأحد أن ينحي حكم الشرع ويُقدم ذوقه أو عادته أو تقاليده إن كان من المسلمين حقاً اللذين استسلموا وانقادوا لأمر الله ورسوله. أعود للمرأة فأقول: ماذا تعرف المرأة وماذا يعرف زوجها وولي أمرها عما يجب لها من الحقوق و يباح لها منها ؟ ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه الفذ "الإصابة" ترجمة صحابية يقال لها قيلة الأنمارية كانت برزة من النساء وتبيع وتشتري ، أخرج لها ابن ماجة وغيره حديثاً مشهوراً ضعفه بعض العلماء. كانت برزة أي كانت عاقلة تجلس إلى الرجال تحدثهم ويحادثونها (ابن منظور، مادة : ب ر ز). لما جاءت هذه المرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسأله عن ممارسات كانت تفعلها في بيعها وشراءها لم ينكر عليها خروجها من بيتها للبيع والشراء ولا ما يترتب على ذلك من محادثة الرجال بالسوم والمفاوضة وغيره ، مع علمه بما في تأخير البيان عن وقت الحاجة من المفاسد ، وإنما نهاها عن بعض تلك الممارسات وعفى عن حرية عملها في التجارة. لا أقول أن هذه القصة تنص على حقوق واجبة للمرأة وإنما أوردتها لكي نؤكد على أن جهل الأزواج وأولياء الأمور بسياقات العهد النبوي وانقطاع الصلة بينهم وبين التطبيق العملي في عصر الوحي ، هو ما يجعل أولئك - بل حتى بعض طلبة العلم - يقعون في مآزق متجددة تحجر واسعاً وتجلب الكثير من الحرج ، وقد ولّد هذا في تقديري مع مرور الوقت جوّاً مشحوناً بالريبة والقلق في الوعي العام للمجتمع تجاه العلاقة بين الجنسين ، جوّاً لم تذكر لنا كتب التاريخ والتراجم مثله في عهد النبوة ولا عهود القرون المفضلة. ولاشك أن مثل هذا الجو سيفرز مظاهر سلوكية لا حل لها إلا الإمعان في الإحتياط وهو اللائق كحلٍّ مؤقت ولكن أصل المشكلة لم يختفي وهو انقطاع الصلة بين وعي الأجيال المتأخرة وبين السياق الإجتماعي المتنوع الذي يسمح به الاجتهاد في النصوص. وأقصد بالتنوع تلك الرحمة التي يرسمها اختلاف العلماء سواء تعلق بقضايا المرأة أو غيرها ، تلك الرحمة التي عبر عنها القاسم بن محمد بن أبي بكر حين قال: "لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة" ، وكذلك المعنى المستفاد من قول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يوم قال: "ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا لأنه لو كانوا قولا واحدا كان الناس في ضيق وانهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل يقول أحدهم كان في سعة". قال أبو عمر بن عبدالبر معلقاً على هذه العبارة :"هذا فيما كان طريقه الاجتهاد"، أي فيما ليس بمنصوص عليه ، مقطوع به ، و ما هو مجمع عليه إجماعاً مستقراً ، بحيث لا يحتاج إلى نظر ، ومعلوم أن الأئمة اختلفوا في مسائل كثيرة تخص المرأة : تغطية الوجه والكفين ، السفر من غير محرم كما للحج ونحوه ، وغير ذلك مما لا يسوغ فيه الإنكاروحمل المخالف فيه على مذهب معين ، مثل ما نقل ابن مفلح في كتابه الفروع في مسألة خروج النساء الأجانب حاسرات عن وجوههن في الطريق ، هل يُنكر عليهن ؟ وذكر قول جماعة من العلماء بعدم الإنكار وجواز النظر إلى وجهها من غير شهوة ولا خلوة. هذا استطراد يسير للتمثيل فقط وإلا فليست الأمثلة محور الموضوع. المهم هو التساؤل الآتي: متى وكيف بدأ التباين الشديد بين السياق الاجتماعي المقاوم للتنوع المشروع - كما نشهد اليوم - والسياق الاجتماعي المتنوع الذي يعكسه اختلاف الأئمة القدماء ؟ كيف بدأ هذا التباين المتزايد بين العهدين حتى غدا اليوم صوت المرأة عورة ، وظفرها عورة ، ووجودها في معترك الحياة – بحسب ما أتاح لها إطار الشرع – عورة ، وبالتالي لا حلّ للعورة إلا الستر ولا أستر للعورة من البيت. القرار في البيت ؟ نعم ! وما العيب في القرار في البيت وقد أمر به الله تعالى أطهر النساء ؟ هكذا قد يجيب أحدنا. نعم لتقر في البيت ولكن هل تلزم القرار في البيت لمجرد أن مجتمعها يكره حقاً منحها الإسلام إياه: حق التملّك والتصرّف وإبرام العقود وممارسة التجارة ؟ أم لمجرّد أنه يعتبر ذلك مقدمة ضرورية للإنحلال والتمرد ؟ إذا ما نشأت المرأة في بيئة كهذه ، بيئة تسلبها قدراً كبيراً من مقومات الأهلية والتصرف حتى تشعر في قرارة نفسها أنها شبه عاجزة عن تحمل بعض المسؤوليات الشرعية فضلاً عن غيرها ، فلا غرو أن يعتريها الجبن ويقهرها الخور أن تضطلع بشيء من تلك المسؤوليات بسبب ما استقر في ذهنها أنها قاصرة عن تدبير شيء من ذلك أو مصدر فتنة قد تتوسل بالمشروع إلى الممنوع.

ولبيان هذا المعنى أضرب مثال مسألة الوصية إلى المرأة في الفقه الإسلامي ، والوصية إليها صحيحة عند جماهير العلماء ، قال بهاء الدين المقدسي في شرحه للعمدة : "...لِمَا رُوي أن عمر وصى إلى حفصة [حديث صحيح أخرجه أبو داود ] ، لأنها (أي المرأة) من أهل الشهادة ، أشبهت الرجل ، فهؤلاء تصح الوصية إليهم ، فيما ذكرنا من قضاء ديونه ، واقتضاءها ، وتفريق وصيته ، ورد ودائعه". هذه مسؤوليات لا يتحملها شخص ضعيف عن التصرف أو سفيه مهين لا يكاد يُبين ، وإنما يتحملها إنسان راشد صحيح الإدراك أهل للثقة فيما يسند إليه، فهي مسؤوليات تحتاج إلى خروج وحركة ومداراة ومراجعة محاكم ، واستيفاء حقوق ، وبحث عن شهود ، واستقصاء من له أو عليه حق والكلام معه ، ورفع دعاوى إن لزم الأمر ، ومفاهمة مع البنوك كما في زماننا أو التجّار وأصحاب العقار والملاّك إن احتيج إلى ذلك ، وجدال لاستحصال ما يُجحد من المال ، وغير ذلك. خلاصة القول أن للمرأة مجال واسع من التصرف ، وهي محل للثقة ، كما مثلنا هاهنا. ولكن الوعي السائد في المجتمع هو الذي يحدد مساحة هذا المجال ويرسم حدوده ، فكلما كان هذا الوعي أقرب للنصوص متجرداً لها كانت المرأة أقرب لحقوقها والعكس بالعكس. ولست بحاجة لذكر مالها من الحقوق على زوجها في بيتها من حسن العشرة والنفقة فهذه لا يختلف عليها أحد لأنها من أساسيات العلم واًصول الأخلاق ، وإنما الأمر الذي لا زال في توضيحه قصور وفي تأكيده فتور هو ما للمرأة من الحقوق فيما سوى ذلك إن هي طمعت في التعرف عليها والأخذ بها فضلاً عن أن تدعوها لذلك حاجة يوماً من الأيام أما من تختار التنازل عن شيء من هذه الحقوق ، ليس عن جهل وإنما عن ورع واستنان بسيرة أمهات المؤمنين ، فلها ذلك وهي مأجورة وأما الأولى فأقل ما يقال أنها غير مأزورة إلا إذا جعلت ما أبيح لها غرضاً للشر فآثمة هذه المرأة و لزومها القرار في بيتها من آكد الأمور. كما أن للمرأة أن تجتهد وليس لزوجها ولا ولي أمرها إلزامها مذهباً ارتضاه لنفسه ما دام أدّاها اجتهادها - حيث كانت قادرة على الاجتهاد والترجيح - إلى خلاف مذهبه فيما يحتمل الخلاف ، قرر ذلك العلماء فيما إذا تزوج الرجل بامرأة تأخذ بمذهب غير مذهبه كأن تكون شافعية وهو حنبلي ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله :"لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه". والمسائل التي يمكن أن تتفرع على هذا أكثر من أن تحصر. نعم وألف نعم لاستعادة الحقوق والتأكيد عليها...لا وألف لا لصناعة النشوز ، وصناعة النشوز هو مضمون السطور الآتية.

باختصار: صناعة النشوز عبارة عن الدعوة لأن تُطَالب المرأة بأكثر من حقوقها المكفولة لها شرعاً ، كأن تستنكف عن خدمة زوجها وتضيّع أطفالها وتصر على الخروج لغير حاجة فتخالط الرجال الأجانب وتنافسهم منافسة الند للند كارهةً لقوامة زوجها عليها راغبة في الاستقلال عنه بالكلية ، ويزيد الأمر سوءاً أن تكون صاحبة هوى ، ميّالة للتهتك ، فتضع المكياج والعطر وتتعاهد نفسها بالزينة وربما أخلّت بشيء من الستر الواجب عليها شرعاً مما لم تختلف فيه النصوص ولا أقوال العلماء ، غيرعابئة بمشاعر الرجال ولا عواطف الشباب وكأنها تمشي بين كتل صماء من الإسمنت ولا تمشي بين بشر يعتريهم الضعف والتأثر مهما بلغوا من الدين والتقى (روى أبو موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تعطرت المرأة ، فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا ، قال قولاً شديدا" ) ، أو تسافر بغير محرم من غير ضرورة، الخ. إن صناعة النشوز لها صور عديدة أقلها أن تكون تحت إلحاح مستمر بالتجافي عن معالم الأنوثة وتتماهى بالتكلّف والمماحلة مع ماهو أليق بالرجال. ومن أفحش ما وصلت إليه صناعة النشوز هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة واعتبار الأعضاء التناسلية وكذلك الهرومونات الأنثوية والذكورية أخطاء حتّمتها الطبيعة (natural mistakes) ، وهو توجه يختلس تصوره من المذهب الدارويني التطوري الذي يُرجع كل شيء بما في ذلك القيم والمثل والأخلاق إلى عمليات كيميائية حيوية (evolutionary biochemical processes) تنجم في الدماغ ويستجيب لها الجسم لأغراض نفعية ، وهذا التوجه هو آخر تقليعات الحركة النسوية (feminism) في عالم اليوم. صناعة النشوز صناعة لأنها صارت مهنة مرتبة وحملة منظمة يقودها منظّرون في أماكن متعددة حول العالم ، وهي نشوز لأنها تخبب (تفسد) المرأة على زوجها وأسرتها، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من خبب امرأة على زوجها" ، ويُستثنى هنا من رضي من الرجال لزوجته من التحرر ما تخرج به عن حدود الشريعة ، فهذا لا يعنيه التخبيب وربما لا يفقه دلالته ، لأنه عنده انعتاق وتحرر من "الموروث الديني". صناعة النشوز هو افتعال معركة داخل أسرة وإثارة ملاحم من القلق والتنافس بين الجنسين في المجتمع ، كما هو مآل المجتمعات في الغرب اليوم من جراء الحركات النسوية وأنصارها ، ومن أراد الوقوف على شيء من هذا المآل المزري فليقرأ كتاب "الحرب على أبنائنا" لمؤلفته كريستين هوف سومرز ، وكتاب "مالم يقله لنا أمهاتنا" لمؤلفته دانيللي كريتندن (وهما لم يترجمان للعربية وفي ترجمتهما فوائد كثيرة ومعلومات في غاية الأهمية) ، بل في كتاب بعنوان "الجمال وبغض النساء" لمؤلفته شيلي جيفريز تشير الدراسات إلى تفاقم هجرة الرجال في الغرب إلى جنوب شرق آسيا (تيلاند والفلبين وغيرهما) وروسيا لإيجاد شيئين شبه مفقودين في الغرب اليوم: قوامة الرجل وأنوثة المرأة. تقول مؤلفة الكتاب (ص 173): "بسبب الدعوة المتزايدة للمساواة بين الجنسين نجد من خلال الأبحاث أن الرجال يذهبون إلى تلك البلاد لتعويض قوامتهم على المرأة والتي يشعرون بأنها قد ضاعت منهم في الغرب".

ماذا يريد الليبراليون العرب وإلى أين ستنتهي دعوتهم ؟ وكيف يفسرون حراكهم تجاه قضية المرأة : أهو حراك لتأكيد الحقوق الإسلامية وتقديمها على الذوق والهوى ؟ أم حراك يكرّس صناعة النشوز لينتهي بنا الأمر إلى المجهول ؟

عندما تؤكد المرأة المسلمة على انتسابها لهذه الدين العظيم ، دين الإسلام ، فإنما هي تؤكد على انقيادها لنظام معين ، لمنظومة قيم وسلوكيات واعتقادات خاص ، تخلق سياقاتها الخاصة ، وإذا كان هذا هو فعلاً ما انعقد عليه قلبها ، فإنها تكون قد ألزمت نفسها التكيّف مع السياقات والظروف التي تصنعها أحكام القرآن والسنة. من هذه الجهة بالتحديد يأتي الفرق بين السياق الذي تعيش فيه المرأة الغير مسلمة والسياق الذي يكيف حياة المرأة المسلمة. لنر الآن كيف يفرض انتساب المرأة للإسلام سياق من نوع خاص ، يجعلها تضطلع بأدوار محددة لا تستطيع أن تتجاوزها إلى غيرها إلا بنوع من الإخلال والتفريط. فمثلاً المرأة في الإسلام تحد على زوجها المتوفى 4 أشهر وعشراً ، وفي هذه العدة لا تكتحل ولا تتزين ، ولا تمس طيباً ، ولا تخرج من بيت الحداد إلا لضرورة ، فإذا ما كانت المرأة صاحب منصب ونفوذ كأن تكون قاضية أو رئيسة دولة ، فكيف ستراعي تطبيق هذه الأحكام مع القيام بمهامها دون إخلال ؟ أباح الله في القرآن ضرب الزوج لزوجته ، فما القول في قاضية أو رئيسة دولة يبيح دينها أن تكون عرضة للضرب ؟ المرأة المسلمة مأمورة بالتطهر بعد الحيض ، ولا يجوز لها أن تؤخر الاغتسال حتى يخرج وقت الصلاة الأخرى ، فماذا ستفعل القاضية أو رئيسة الدولة أو السفيرة المسلمة عندئذٍ و متى ستجد الوقت لتتبين انقطاع حيضها وهي تستقبل الضيوف والسفراء وتكابد الشؤون الدبلوماسية المتتالية ؟ وكيف ستعالج في ظل ذلك أوقات الصلاة دون إخلال بمهام العمل ودون تفريط في شيء من دينها ؟ المرأة المسلمة يحرم عليها الخلوة بأجنبي مسلم فضلاً عن كافر ، فكيف ستعالج المرأة المسلمة رئيسة الدولة أو الوزيرة أو السفيرة أو القنصل المسألة إذا طلب منها نظراؤها الأجانب في كل مرة الجلوس جلسات خاصة للحديث حول مواضيع خاصة ، في أماكن مغلقة مراعاة للخصوصية ؟ للرجل مثل حظ الأنثيين ، هذا كقاعدة غير مطلقة ولكن أغلبية منصوص عليها في القرآن ، فماذا سيقول زعماء العالم ونظيراتها من بني جنسها من غير المسلمات عن قاضية أو رئيسة دولة تفتقد المساواة مع الرجل في الميراث ؟ وماذا سيقول العالم الديموقراطي عن رئيسة دولة او قاضية أو دبلوماسية تحتكم إلى دستور (القرآن) يجعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين ؟ وهل يمكن أن يجر ذلك سلسلة جديدة من التنازلات في الدين كإلغاء العمل ببعض آيات القرآن وأحاديث الرسول لتحفظ المرأة المسلمة ماء وجهها أمام المجتمعات الديموقراطية ؟ القرآن قد جعل عقدة النكاح بيد الرجل ، سواء كان زوجاً أو ولياً - ولم يجعله بيدها ، السؤال: كيف ستبرر المرأة المسلمة نفوذها وسلطانها في القضاء بين الناس أو رئاسة الدولة وهي لا تملك أن تتصرف لمصلحة نفسها في أكثر الأشياء خصوصية : النكاح ؟ لماذا يصف القرآن المرأة بأنها في الخصام غير مبينة ، ولماذا يصفها الرسول بأنها ناقصة عقل ودين ، ولماذا جعلهن الرسول صلى الله عليها وسلم مصدر فتنة عبر تاريخ البشرية فقال أن "أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وأنه "لم يترك بعده فتنة أضر على الرجال من النساء" ، بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من التجاء نبي الله يوسف إلى ربه وتوسله إليه أن يصرف عنه كيد امرأة العزيز واختار السجن على أن يبقى عندها في بيتها. هل كان يوسف واقعياً في اتخاذ هذا الإجراء أم أنه كان مبالغاً في قاعدة سد الذرائع ؟

الأهم من هذا كله ماذا ستفعل المرأة بشأن القرآن الذي هو في مجمله "ذكوري" النزعة بشأن العلاقة بين الجنسين ، وهو بهذه الصيغة يساهم مساهمة مباشرة في تعزيز الوعي الذكوري (patriarchal) داخل المجتمعات ، والأمثلة لا تحصر ، كلنا يعرف هذه الحقيقة. وهذه حقيقة جلية إما أن تخضع لها المرأة خضوع استسلام لأمر الله ورضى بقسمته ، وإما أن تتذمر وتجعل اختيار الخالق محل شك وتحقيق ومماحكة. يجب أن ندرك جميعاً إن كنا نؤمن بأن الله يعلم ما يصلح لعباده أن الامتيازات التي يمنحها القرآن – فضلاً عن السنة – للرجل ليست خطأً أو صدفة أو اختيار مفرّغٌ من العلّة والقصد. ففي أمور النكاح الذكر مسيطر ، وفي أمور التعدد الرجل مسيطر ، وفي أمور الميراث الذكر مسيطر (هناك استثناءات بحسب ظروف الميراث وإلا فبوجه عام الذكر له امتيازات أكثر) ، وفي أمور التأديب الذكر مسيطر ، بل الشيء الأبرز – وذلك على سبيل الجدل فقط - مخاطبة القرآن للإناث بصيغة التذكير ، فلماذا يجعل النساء أتباع للذكور في ذلك ولا يخاطبهن بصيغة مستقلة أسوة بالرجال ؟ لماذا لم يراعي حق المرأة – كما قد يحلو للناقد الحداثي المؤمن بفوضوية النصوص - في أن تخاطب على وجه الاستقلال ، فيقول بشأنهن مثلاً : "آتين الزكاة" أو "ولا تعزمن عقدة النكاح" أو "قد أفلح المؤمنات اللذين هم في صلاتهن خاشعات" ، أو "إن اللواتي آمن وعملن الصالحات كانت لهن جنات الفردوس نزلا" ، أو "قد أفلحت من تزكت وذكرت اسم ربها فصلّت" ، الخ. إن إخضاع القرآن لهذا النوع من النقد أمر ممكنٌ جداً في ظل تنامي الانبهار بالنموذج الغربي في كافة نُظُمه.

اعترضت الحركة النسوية في الغرب (feminists) على الحديث عن الله تعالى بصيغة التذكير وطالبت تلك الحركة مؤخراً بحق النساء في أن يتحدثن عن الله بصيغة التأنيث ، قالوا (أو قلن حتى لا نقع في التحيّز!): أليس للمرأة حق أن يكون إلهها مؤنثاً مادام أنه لا فرق بين الرجل والمرأة – في اعتقادهم - أم أن التأنيث فيه ما يوحي بالعيب والنقص فلذلك ينزه الله عنه ؟ تقول بولانيسكي وايوليتا في دراسة بعنوان "في صورة المرأة: تصوير الإله" نشر في دورية "العقيدة النسوية" ، العدد 13 ، 2004 م، تقول :"تمثيل الإله في التراث النصراني يتخذ عمقاً ذكورياً وبالرغم من أن الله يسمو عن الجنس فقد فشل التراث النصراني في تقديم تمثيلاً أنوثياً خالصاً للإله" أ.هـ. التناقض واضح في كلام الكاتبة فهي تصف الله بأنه يسمو عن الجنس ثم تنتقد التراث النصراني على عدم تقديمه تصويراً أنوثياً للخالق ، تعالى وتقدس ، وقاعدتنا دائماً وأبداً :"ليس كمثله شيء".

رأينا الآن كيف تختلف حياة المرأة غير المسلمة تصوراً وممارسةً بكل المقاييس عن حياة المرأة المسلمة. المرأة غير المسلمة متحررة من جميع ما ذُكر من الأحكام الشرعية ، قد أعفتها ثقافتها من كافة الإلتزامات الدينية فضلاً عن الإسلامية ، فهي لا تصلي ولا تتطهر(تغتسل) ولا تعتد ولا تصوم ولا تقضي ولا تحد على زوج متوفى ولا يبيح دستورها بل يجرّم ضرب الزوج لزوجته بل تأديبه لها (وهي أشياءٌ أباحها القرآن صراحةً) ، والحياة معكوسة عندهم فلا يجب على المرأة أن تفتدي نفسها وإن كان الزوج هو المتضرر وإن طالب بعوض وهو من حقه بنص القرآن الصريح ، كما أن القانون الغربي لا يجعل للرجل على زوجته أي نوع من أنواع القوامة... خلاصة القول أن المرأة غير المسلمة تعيش سياقاً يختلف اختلافاً جذرياً عن السياق الذي يصنعه الإسلام للمرأة المسلمة. يا ترى ما موقف المرأة المسلمة من موجات التغيير المتوالية في القرن الحادي والعشرين ؟ إن قررت سلوك طريق التنازلات فما مقدار التنازلات التي ستقدمها وإلى أي حد سينتهي بها هذا الطريق ؟ إن المرأة المسلمة حقاً ، التي رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ، تواجه تحديات كثيرة ، وليست وحدها في هذا المضمار فأخوها الرجل أيضاً تواجهه تحديات كثيرة ولكن من نوع مختلف. أما أولئك اللذين جعلوا إسلامهم مرناً مرونة الزئبق على صفيح ساخن ، قادراً على احتواء كل المتغيرات واستيعاب كافة الاختلافات ، فإنهم بالتأكيد سيكونون في مأمن تام من جميع التحديات ، لأن إسلامهم المتجدد يذوب في كل جديد (وهذا هو إسلام محمد أركون ومحمد عابد الجابري وغيرهما)، و ينسجم مع كل تفسير وتأويل. ولذلك هم يفخرون بإسلامهم المبتكر لأنه ليس صالحاً لكل زمان ومكان فحسب بل لكل فكر وسلوك واعتقاد يمكن أن يتخيله العقل البشري ، ولذلك لا يعيش هؤلاء في غربة ولا يمكن أن يذوقوا طعم الغربة (قال صلى الله عليه وسلم:"طوبى للغرباء...اللذين يصلحون إذا فسد الناس") ، الغربة غريبة على هؤلاء ، محرّمة عليهم ، لأن الدين عندهم يتغير ويتماهى ويتشكل وفق رغبتهم ، وتعريف الغربة ببساطة هو مقدار المسافة بين ما هو من الإسلام حقاً وما ليس من الإسلام ، وهذه المسافة تزيد كلما زاد تمسك المسلم والمسلمة بالإسلام الأول الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أما بالنسبة للمؤمنين بالإسلام المطّاطي فالمسافة المذكورة مسافة قصيرة جداً كالمسافة بين نواة الذرة ومجال الإلكترونات حولها ، ولو قُدّر للبشرية أن تغزو أعماق الفضاء في يوم من الأيام وتلتقي بمخلوقات فضائية (aliens) ، فإن إسلام هؤلاء سيكون صالحاً لهذه الكائنات أيضاً! فياله من إسلام !

في مقال بعنوان «الغرب حقاً هو الافضل» نشر عبر صحيفة (ذي ابزرفر) البريطانية، الأحد 25 مارس (آذار) 2000م ، تذكر الكاتبة (بولي توبني (هدفاً من أهداف العولمة فتقول: "إن من أهم أهداف العولمة تحطيم القوانين والأعراف التي تجعل من المرأة خادمة مملوكة لزوجها، أجل إن الهدف الأول هو إلغاء البنية الأسرية التقليدية الى الأبد".



كتبه / عبدالله بن سعيد الشهري
يوم الخميس 17 ذو القعدة 1430 هـ
waleedione@hotmail.com

عبدالله الشهري
2011-06-19, 02:31 PM
للفائدة ، إن كان ثمَّ فائدة. مع الاعتذار عن بعض الأخطاء النحوية.