ابن هشام الدمشقي
2009-09-26, 12:40 PM
الذب عن الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله (384-456هـ)
قال الحافظ الذهبي : ( ابن حزم الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي رضي الله عنه المعروف بيزيد الخير نائب أمير المؤمنين أبي حفص عمر على دمشق ، الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزير الظاهري صاحب التصانيف فكان جده يزيد مولى للامير يزيد أخي معاوية . وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ، المعروف بالداخل ) ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) .
وقال في تذكرة الحفاظ (3/1153-1154) : ( ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة ، تقع له المسائل المحررة والمسائل الواهية كما يقع لغيره ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد امتُحِن هذا الرجل وشُدِّد عليه وشرِّد عن وطنه وجرت له أمور ، وقام عليه الفقهاء لطول لسانه واستخفافه بالكبار ووقوعه في أئمة الاجتهاد بأفج عبارة وأفظ محاورة وأبشع رد ، وجرى بينه وبين أبى الوليد الباجي مناظرة ومنافرة ) . اهـ
أقول بحول الله تعالى : الإمام ابن حزم رحمه الله وإن خالف كثيراً من العلماء في بعض المسائل ، وإن كان سليط اللسان على مخالفيه ، فإنه شهد له بالعلم والفقه ثلة من العلماء الأفاضل منهم سلطان العلماء العز بن عبد السلام وغيره .
قال الحافظ الذهبي : ( قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: ما رأيت في كتب الاسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين .
قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين. وثالثهما: " السنن الكبير " للبيهقي. ورابعها : " التمهيد " لابن عبد البر. فمن حصل هذه الدواوين ، وكان من أذكياء المفتين ، وأدمن المطالعة فيها ، فهو العالم حقا ) ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)) .
وكان سليط اللسان على علماء أهل زمانه في الرد عليهم ، فنفروا منه ونفروا ملوكهم منه ، حتى حرقت كتبه ، وأظن أنه لهذه السبب نسبه للبدعة بعض العلماء مثل الإمام أبي بكر ابن العربي ، ولا أظن هذا إلا لما كذب وافتري عليه فأبو بكر بن العربي إمام معروف مشهود له أيضاً بالعلم والفضل ، وما نسبه لابن حزم يدل على أن الإمام ابن حزم رجل مفترى عليه في حياته ، وهذا لا غرابة فيه . وسبب آخر يدل على ذلك أن الإمام الذهبي قال عن الإمام ابن حزم :
( ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ، ومعرفته به ، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل ، والمسائل البشعة في الأصول والفروع ، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ، ولكن لا أكفِّره ، ولا أضلِّله ، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين . وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه ) ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) .
قلت بحول الله تعالى : الإمام الذهبي لم يكفر ابن حزم ولم يضلله مما يدل على أن مثل هذا الدس والكفر لم يثبت في حقه رحمه الله تعالى عنده لأنه لو قال بصحة ما نسب إليه لما تردد في تكفيره فضلاً على تضليله .
وقد ذكر الحافظ الذهبي جملة كبيرة من كتبه لم تصلنا معظمها ، وهذا لسببين جليين ، الأول : النكبات التي تعرضت لها كتب الأندلس من قبل الإسبان عامة ، وثانياً : الحرق الذي تعرضت له كتبه في حياته من قبل المعتضد بن عباد حتى قال الإمام ابن حزم رداً على هذه الحادثة :
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن فـي قبـري
دعوني من إحراق رق وكاغـد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في الـمكاتب بدأة فكم دون مـا تبغون لله مـن ستر
كذاك النصارى يحرقون إذا علت أكفهـم القـرآن في مدن الثغـر ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))
قلت بحول الله تعالى : فإذا كان الإمام ابن حزم له أعداء في حياته ، وتعرض للافتراء في عقيدته في حياته ، وحرقت كتبه في حياته ، بالإضافة إلى أن معظم كتبه في عداد المفقود في يومنا ، فلا غرابة أن يختاره أعداء الإسلام حتى يبثوا سمومهم وينسبونها لهذا الإمام .
لذا يكفينا في حق هذا العالم أن نرد كل ما ينسب إليه من كفر وشرك استناداً على مدح العلماء له واستناداً على ما تعرضت له كتبه من الحرق في حياته والضياع بعد مماته ، وما تعرض له هو في حياته من الافتراء .
لكن وجب علينا التنبيه على ما ورد من طوام منسوبة إليه في بعض كتبه مع بيان الصواب . وحديثنا هنا عن كتاب تعرض لشتى صنوف التشويه ، فهو كتاب في العقائد ، وهو كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم . ولا شك أن هذا الكتاب تعرض لكثير من التحريف والدس إذ نص على كلام لم يتجرأ على القول به حتى غلاة المعتزلة ، حيث ورد في المطبوع من كتاب الفصل : ( وكذلك من قال أن ربه جسم فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور !!! لا شيء عليه !!! ويجب تعليمه فإذا قامت الحجة عليه من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عناداً فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد ، وأما من قال أن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه ) ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) .
قلت بحول الله تعالى : فهذا النص وحده كاف في بيان أن كتاب الفصل كتاب ملعوب فيه ، والنص السابق إيراده يغني عن الرد عليه ، لكن أحببت ذكر نص من نفس الكتاب يرد على ما سبق ، حيث قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( فلو كان البارئ تعالى عن إلحادهم جسماً لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان ومكان هما غيره ، وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه ، وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة ، وهذا كفر ، وقد تقدم إفسادنا لهذا القول ) ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)) .
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب أيضاً : ( ومن قال أن الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشبهاً ، لكنه ألحد في أسماء الله تعالى إذ سماه عز وجل بما لم يسم به نفسه ، وأما من قال أنه تعالى كالأجسام فهو ملحد في أسمائه تعالى ومشبه مع ذلك ) ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) .
أقول بحول الله تعالى : وكيف يعتبر مسلماً بل موحداً من لم يعرف الله عز وجل ، فظن ربه أنه فلان من البشر ، أو أن ربه حل في جسم إنسان كما تقول النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فهل نقول على هذا القول أن النصارى لا يكفرون إلا بعد قيام الحجة ؟!! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . بل قال الإمام ابن حزم عن النصارى أنهم لا يعرفون ربهم لأجل هذا الاعتقاد فقال في نفس كتاب الفصل ما نصه : ( وفي الباب المذكور أن المسيح قال لا يعلم الولد غير الأب ولا يعلم الأب غير الولد . قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا عجب جداً لأن المسيح عندهم ابن الله بلا خلاف بينهم ، والله تعالى عن كفرهم هو والد المسيح وأبوه ، وهكذا يطلق النذل باطرة في رسائله المنتنة متى ذكر الله فإنما يقول قال الله والد ربنا المسيح أمراً كذا وكذا ، ثم هاهنا قال : ( إن المسيح قال إنه لا يعلم الأب إلا الابن ولا يعلم الابن إلا الأب ) ، فقد وجب ضرورة أن التلاميذ وسائر النصارى لا يعلمون الله تعالى أصلاً ، ولا يعرفون المسيح البتة ، فهم جهلاء بالله تعالى وبالابن ، ومن جهل الله تعالى ولم يعرفه فهو كافر ، فهم كفار كلهم أسلافهم وأخلافهم ) ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) .
أقول بحول الله تعالى : فإن كان هذا هو المتقرر عند الإمام ابن حزم ، من أن من جهل الله تعالى ، ولم يعرفه فهو كافر ، فكيف من ظن أن الله - تعالى عن ذلك - جسم من الأجسام ؟! ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال : ( والجهل بالله في كل حال كفر ، قبل الخبر ، وبعد الخبر ) ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)) .
وقد بين الإمام ابن حزم أنه ما ثم إلا كافر أو مؤمن ، فقال في نفس الكتاب : ( كل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر ، وكل من لم يكن كافراً مشركاً فهو مؤمن إذ لا سبيل إلى دين ثالث وبالله تعالى التوفيق ) ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)) .
فهل تقولون أن الإمام ابن حزم يعتبر من ظن أن الله – تعالى الله عن ذلك – جسماً من الأجسام من أهل الإيمان ؟! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( ولكن العامي والأسوَد المجلوب من غانة ومن هو مثلهم إذا أسلم فقد عرف بلا شك ما الإسلام الذي دخل فيه وأنه أقر بالله أنه إلهه ، لا إله غيره ، وأن محمداً رسول الله إليه وأنه قد دخل في الدين الذي أتى به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما لا يخفي على أحد أسلم الآن ) ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)) .
أقول بحول الله تعالى : لقد فصل الإمام ابن حزم في هذا النقل ما قد يكون أجمله في غيره ، فقد وضح وبجلاء أن هناك ضروريات لا تخفى على كل من أسلم وأنه بتحقيقها يكون قد دخل في دين الله « الإسلام » و لن يحققها إلا من عرفها ومنها إقراره بالله تعالى أنه إلهه ، وليس فلاناً أو علاناً ، وهذه من المسلمات عند كل ذي لب .
ولم تسعفنا النسخ المخطوطة في إثبات الدس والتحريف في كتاب الفصل في الملل والنحل لابن حزم ، لقلة المصادر ، ووجدنا أن المصادر التي اطلعنا عليها من النسخ المخطوطة يوجد فيها النصوص المدسوسة مع بعد نسخها عن عهد المؤلف بكثير . إلا أن النص السابق الوارد في كتاب الفصل المطبوع ليدل بجلاء على أن كتاب الفصل ملعوب فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله . وبتعبير الإمام ابن حزم فإن الدس والتحريف في كتاب الفصل لا يخفى على أحد كما لا يخفى ضوء النهار على ذي بصر .
لذا وجب علينا بيان النصوص الكفرية الصريحة في الكفر الموجودة في هذا الكتاب لكي ننبه الناس عليها ، كما قال الشوكاني (1173-1250هـ) : ( وحاصله أن الذي يجب علينا عند الوقوف على شيء مما فيه ما لا يجوز اعتقاده من مؤلفات المتقدمين أو أشعارهم أو خطبهم أو رسائلهم أن نحكم على ذلك الموجود بما يستحقه ويقتضيه ، ونوضح للناس ما فيه ونحذرهم عن العمل به والركون إليه ، ونكل أمر قائله إلى الله مع التأويل له بما يمكن وإبداء المعاذير له بما لا يرده الفهم ويأباه العقل ) ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)) .
قلت بحول الله تعالى : فمن ذلك ما ورد في المطبوع من كتاب الفصل منسوباً إلى ابن حزم أنه قال : ( وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً لم يعمل خيراً قط فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فوالله لئن قدر الله تعالى علي ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من خلقه وأن الله عز جل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وأن الله تعالى غفر له لهذا القول ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)) .
قال أبو محمد : فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله .
وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)) أن معنى ( لئن قدر الله علي ) إنما هو لئن ضيق الله على كما قال تعالى : ] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (الفجر: 16)
قال أبو محمد : وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ ( لئن ضيق الله علي ليضيقن علي ) وأيضاً فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمره بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى .
قال أبو محمد : وأبين من شيء في هذا ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)) قول الله تعالى : ] إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [(المائدة: 112) إلى قوله : ] وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا [ (المائدة: 113) فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ، ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا ما لا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبيينهم لها ) ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)) .
قلت بحول الله تعالى : وهذا الكلام السابق كفر واضح وقد مر التنبيه والرد على مثل هذا الاعتقاد الساقط في الجزء الأول من هذه الرسالة ، وقد مر ذكر أقوال ابن حزم في الجزء الأول في الرد على بعض الشبهات ، فلو تأملتها لوجدت نفساً مختلفاً هنا .
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( وأما قـوله تعالى : ] فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ فليس علي ما ظنوه من الظن السخيف الذي لا يجوز أن يظن بضعيفة من النساء أو بضعيف من الرجال إلا أن يكون قد بلغ الغاية من الجهل فكيف بنبي مفضل على الناس في العلم ؟! ومن المحال المتيقن أن يكون نبي يظن أن الله تعالى الذي أرسله بدينه لا يقدر عليه ، وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه ، ولا شك في أن من نسب هذا للنبي الفاضل صلى الله عليه وسلم فإنه يشتد غضبه لو نسب ذلك إليه ، أو إلى ابنه ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)) ، فكيف إلى يونس عليه السلام الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بن مَتَّى » ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)) . فقد بطل ظنهم بلا شك وصح أن معنى قوله : ] فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ أي لن نضيق عليه كما قال تعالى : ] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (الفجر: 16) أي ضيَّق عليه ) ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)) .
قلت بحول الله تعالى : هذا هو نفس ابن حزم وأسلوبه ، فقارن بين الفقرتين لترى الفرق .
ومن الأدلة على بطلان نسبة القول السابق إلى الإمام ابن حزم أنه قال في رسالة الدرة في تحقيق الكلام فيما يلزم الإنسان اعتقاده والقول به في الملة والنحلة باختصار وبيان (ورقة 119ب) : ( ومن قال أنه ليس عند الله عز وجل أصلح مما فعل بنا لأنه لو كان عنده أصلح مما فعل بنا ولم يعطينا إياه لكان بخيلاً محابياً فهو كافر من وجهين : أحدهما : أنه عجز ربه تعالى فجعله عاجزاً مطبوعاً لا يقدر إلا على ما فوقه أن يأتي به فقط ، وهذه صفة منقوص البنية متناهي القوة ذي طبيعة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والوجه الآخر : تكذيبه القرآن في ما أورد ما وقع ذلك فإنه مكابر له لأنه لا يشك ذو مسكة عقل في أنه تعالى كان قادراً على أن يخلقنا ملائكة أو أنبياء كلنا أو في الجنة كما خلق آدم عليه السلام ولا يكلفنا شيئاً أو ألا يخلق من يدري أنه يكفر به أو يعصيه أو أن يميتهما قبل البلوغ كما أمات سائر الصبيان ) اهـ .
قلت بحول الله تعالى : والكلام السابق لابن حزم يهدم ما ورد في فصل كامل في كتاب الفصل في مسألة من يكفر ومن لا يكفر ، حيث جعل الكافر من كذب القرآن فقط ، حتى ولو كان في مسألة لا يتحقق التوحيد إلا به ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
[/URL]([1]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/184-185) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref1)([2]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/193) .
([3]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/201-202) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref3)([4]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/205) .
([5]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/293) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref5)([6]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/278) .
([7]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/281) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref7)([8]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/75) .
([9]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/326) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref9)([10]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/283) .
([11]) النبذ في أصول الفقه لابن حزم ، ص 73 .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref11)([12]) رسالة في وجوب توحيد الله عز وجل ، ص 105 .
([13]) هذه رواية بالمعنى ، وقد مر ذكر روايات الحديث في كتب السنة في الجزء الأول بفضل الله عز وجل .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref13)([14]) هذه العبارة من أبين ما يبين أن هذا القول مدسوس عليه .
([15]) لاحظ الأسلوب هنا ، والأسلوب عند الدس على شيخ الإسلام ابن تيمية ، فالدس عند دسه على شيخ الإسلام ابن تيمية وضع تأويلا كفريا للحديث ومن ثم أتبعه بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهنا أتبعه بقول الحواريين . حتى التشابه في أسلوب الاستدلال والكلام .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref15)([16]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/296) .
([17]) فلله در الإمام ابن حزم ما أصدقه في وصف الواقع ، فهكذا هم المدافعين عن إسلام الجاهلين برب العالمين والمدافعين عن إسلام الطواغيت وعابديهم المشركين ، ينسبون جهل أبسط معاني العقيدة إلى الأنبياء وصحابتهم ، ونفس ما رموهم به لو نسبه أحدهم إليهم أو إلى أبنائهم الذين لم يبلغوا الحلم بعد لغضبوا أشد الغضب ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref17)([18]) لعله رواه بالمعنى ، أو أننا لم نعثر عليه بذلك اللفظ ، فقد أخرج هذا الحديث البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء / باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ] وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [` (الصافات: 139) بلفظ : « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ » . زَادَ مُسَدَّدٌ : « يُونُسَ بْنِ مَتَّى » ، وفي رواية أخرى : « مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى » . (ط. المكنز : ص944 ، الطبعة السلطانية (4/159) ) .
[URL="http://majles.alukah.net/#_ftnref19"]([19]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/36) .
قال الحافظ الذهبي : ( ابن حزم الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي رضي الله عنه المعروف بيزيد الخير نائب أمير المؤمنين أبي حفص عمر على دمشق ، الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزير الظاهري صاحب التصانيف فكان جده يزيد مولى للامير يزيد أخي معاوية . وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ، المعروف بالداخل ) ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) .
وقال في تذكرة الحفاظ (3/1153-1154) : ( ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة ، تقع له المسائل المحررة والمسائل الواهية كما يقع لغيره ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد امتُحِن هذا الرجل وشُدِّد عليه وشرِّد عن وطنه وجرت له أمور ، وقام عليه الفقهاء لطول لسانه واستخفافه بالكبار ووقوعه في أئمة الاجتهاد بأفج عبارة وأفظ محاورة وأبشع رد ، وجرى بينه وبين أبى الوليد الباجي مناظرة ومنافرة ) . اهـ
أقول بحول الله تعالى : الإمام ابن حزم رحمه الله وإن خالف كثيراً من العلماء في بعض المسائل ، وإن كان سليط اللسان على مخالفيه ، فإنه شهد له بالعلم والفقه ثلة من العلماء الأفاضل منهم سلطان العلماء العز بن عبد السلام وغيره .
قال الحافظ الذهبي : ( قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: ما رأيت في كتب الاسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين .
قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين. وثالثهما: " السنن الكبير " للبيهقي. ورابعها : " التمهيد " لابن عبد البر. فمن حصل هذه الدواوين ، وكان من أذكياء المفتين ، وأدمن المطالعة فيها ، فهو العالم حقا ) ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)) .
وكان سليط اللسان على علماء أهل زمانه في الرد عليهم ، فنفروا منه ونفروا ملوكهم منه ، حتى حرقت كتبه ، وأظن أنه لهذه السبب نسبه للبدعة بعض العلماء مثل الإمام أبي بكر ابن العربي ، ولا أظن هذا إلا لما كذب وافتري عليه فأبو بكر بن العربي إمام معروف مشهود له أيضاً بالعلم والفضل ، وما نسبه لابن حزم يدل على أن الإمام ابن حزم رجل مفترى عليه في حياته ، وهذا لا غرابة فيه . وسبب آخر يدل على ذلك أن الإمام الذهبي قال عن الإمام ابن حزم :
( ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ، ومعرفته به ، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل ، والمسائل البشعة في الأصول والفروع ، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ، ولكن لا أكفِّره ، ولا أضلِّله ، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين . وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه ) ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) .
قلت بحول الله تعالى : الإمام الذهبي لم يكفر ابن حزم ولم يضلله مما يدل على أن مثل هذا الدس والكفر لم يثبت في حقه رحمه الله تعالى عنده لأنه لو قال بصحة ما نسب إليه لما تردد في تكفيره فضلاً على تضليله .
وقد ذكر الحافظ الذهبي جملة كبيرة من كتبه لم تصلنا معظمها ، وهذا لسببين جليين ، الأول : النكبات التي تعرضت لها كتب الأندلس من قبل الإسبان عامة ، وثانياً : الحرق الذي تعرضت له كتبه في حياته من قبل المعتضد بن عباد حتى قال الإمام ابن حزم رداً على هذه الحادثة :
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن فـي قبـري
دعوني من إحراق رق وكاغـد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في الـمكاتب بدأة فكم دون مـا تبغون لله مـن ستر
كذاك النصارى يحرقون إذا علت أكفهـم القـرآن في مدن الثغـر ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))
قلت بحول الله تعالى : فإذا كان الإمام ابن حزم له أعداء في حياته ، وتعرض للافتراء في عقيدته في حياته ، وحرقت كتبه في حياته ، بالإضافة إلى أن معظم كتبه في عداد المفقود في يومنا ، فلا غرابة أن يختاره أعداء الإسلام حتى يبثوا سمومهم وينسبونها لهذا الإمام .
لذا يكفينا في حق هذا العالم أن نرد كل ما ينسب إليه من كفر وشرك استناداً على مدح العلماء له واستناداً على ما تعرضت له كتبه من الحرق في حياته والضياع بعد مماته ، وما تعرض له هو في حياته من الافتراء .
لكن وجب علينا التنبيه على ما ورد من طوام منسوبة إليه في بعض كتبه مع بيان الصواب . وحديثنا هنا عن كتاب تعرض لشتى صنوف التشويه ، فهو كتاب في العقائد ، وهو كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم . ولا شك أن هذا الكتاب تعرض لكثير من التحريف والدس إذ نص على كلام لم يتجرأ على القول به حتى غلاة المعتزلة ، حيث ورد في المطبوع من كتاب الفصل : ( وكذلك من قال أن ربه جسم فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور !!! لا شيء عليه !!! ويجب تعليمه فإذا قامت الحجة عليه من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عناداً فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد ، وأما من قال أن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه ) ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) .
قلت بحول الله تعالى : فهذا النص وحده كاف في بيان أن كتاب الفصل كتاب ملعوب فيه ، والنص السابق إيراده يغني عن الرد عليه ، لكن أحببت ذكر نص من نفس الكتاب يرد على ما سبق ، حيث قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( فلو كان البارئ تعالى عن إلحادهم جسماً لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان ومكان هما غيره ، وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه ، وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة ، وهذا كفر ، وقد تقدم إفسادنا لهذا القول ) ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)) .
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب أيضاً : ( ومن قال أن الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشبهاً ، لكنه ألحد في أسماء الله تعالى إذ سماه عز وجل بما لم يسم به نفسه ، وأما من قال أنه تعالى كالأجسام فهو ملحد في أسمائه تعالى ومشبه مع ذلك ) ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) .
أقول بحول الله تعالى : وكيف يعتبر مسلماً بل موحداً من لم يعرف الله عز وجل ، فظن ربه أنه فلان من البشر ، أو أن ربه حل في جسم إنسان كما تقول النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فهل نقول على هذا القول أن النصارى لا يكفرون إلا بعد قيام الحجة ؟!! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . بل قال الإمام ابن حزم عن النصارى أنهم لا يعرفون ربهم لأجل هذا الاعتقاد فقال في نفس كتاب الفصل ما نصه : ( وفي الباب المذكور أن المسيح قال لا يعلم الولد غير الأب ولا يعلم الأب غير الولد . قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا عجب جداً لأن المسيح عندهم ابن الله بلا خلاف بينهم ، والله تعالى عن كفرهم هو والد المسيح وأبوه ، وهكذا يطلق النذل باطرة في رسائله المنتنة متى ذكر الله فإنما يقول قال الله والد ربنا المسيح أمراً كذا وكذا ، ثم هاهنا قال : ( إن المسيح قال إنه لا يعلم الأب إلا الابن ولا يعلم الابن إلا الأب ) ، فقد وجب ضرورة أن التلاميذ وسائر النصارى لا يعلمون الله تعالى أصلاً ، ولا يعرفون المسيح البتة ، فهم جهلاء بالله تعالى وبالابن ، ومن جهل الله تعالى ولم يعرفه فهو كافر ، فهم كفار كلهم أسلافهم وأخلافهم ) ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) .
أقول بحول الله تعالى : فإن كان هذا هو المتقرر عند الإمام ابن حزم ، من أن من جهل الله تعالى ، ولم يعرفه فهو كافر ، فكيف من ظن أن الله - تعالى عن ذلك - جسم من الأجسام ؟! ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال : ( والجهل بالله في كل حال كفر ، قبل الخبر ، وبعد الخبر ) ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)) .
وقد بين الإمام ابن حزم أنه ما ثم إلا كافر أو مؤمن ، فقال في نفس الكتاب : ( كل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر ، وكل من لم يكن كافراً مشركاً فهو مؤمن إذ لا سبيل إلى دين ثالث وبالله تعالى التوفيق ) ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)) .
فهل تقولون أن الإمام ابن حزم يعتبر من ظن أن الله – تعالى الله عن ذلك – جسماً من الأجسام من أهل الإيمان ؟! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( ولكن العامي والأسوَد المجلوب من غانة ومن هو مثلهم إذا أسلم فقد عرف بلا شك ما الإسلام الذي دخل فيه وأنه أقر بالله أنه إلهه ، لا إله غيره ، وأن محمداً رسول الله إليه وأنه قد دخل في الدين الذي أتى به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما لا يخفي على أحد أسلم الآن ) ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)) .
أقول بحول الله تعالى : لقد فصل الإمام ابن حزم في هذا النقل ما قد يكون أجمله في غيره ، فقد وضح وبجلاء أن هناك ضروريات لا تخفى على كل من أسلم وأنه بتحقيقها يكون قد دخل في دين الله « الإسلام » و لن يحققها إلا من عرفها ومنها إقراره بالله تعالى أنه إلهه ، وليس فلاناً أو علاناً ، وهذه من المسلمات عند كل ذي لب .
ولم تسعفنا النسخ المخطوطة في إثبات الدس والتحريف في كتاب الفصل في الملل والنحل لابن حزم ، لقلة المصادر ، ووجدنا أن المصادر التي اطلعنا عليها من النسخ المخطوطة يوجد فيها النصوص المدسوسة مع بعد نسخها عن عهد المؤلف بكثير . إلا أن النص السابق الوارد في كتاب الفصل المطبوع ليدل بجلاء على أن كتاب الفصل ملعوب فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله . وبتعبير الإمام ابن حزم فإن الدس والتحريف في كتاب الفصل لا يخفى على أحد كما لا يخفى ضوء النهار على ذي بصر .
لذا وجب علينا بيان النصوص الكفرية الصريحة في الكفر الموجودة في هذا الكتاب لكي ننبه الناس عليها ، كما قال الشوكاني (1173-1250هـ) : ( وحاصله أن الذي يجب علينا عند الوقوف على شيء مما فيه ما لا يجوز اعتقاده من مؤلفات المتقدمين أو أشعارهم أو خطبهم أو رسائلهم أن نحكم على ذلك الموجود بما يستحقه ويقتضيه ، ونوضح للناس ما فيه ونحذرهم عن العمل به والركون إليه ، ونكل أمر قائله إلى الله مع التأويل له بما يمكن وإبداء المعاذير له بما لا يرده الفهم ويأباه العقل ) ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)) .
قلت بحول الله تعالى : فمن ذلك ما ورد في المطبوع من كتاب الفصل منسوباً إلى ابن حزم أنه قال : ( وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً لم يعمل خيراً قط فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فوالله لئن قدر الله تعالى علي ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من خلقه وأن الله عز جل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وأن الله تعالى غفر له لهذا القول ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)) .
قال أبو محمد : فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله .
وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)) أن معنى ( لئن قدر الله علي ) إنما هو لئن ضيق الله على كما قال تعالى : ] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (الفجر: 16)
قال أبو محمد : وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ ( لئن ضيق الله علي ليضيقن علي ) وأيضاً فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمره بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى .
قال أبو محمد : وأبين من شيء في هذا ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)) قول الله تعالى : ] إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [(المائدة: 112) إلى قوله : ] وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا [ (المائدة: 113) فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ، ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا ما لا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبيينهم لها ) ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)) .
قلت بحول الله تعالى : وهذا الكلام السابق كفر واضح وقد مر التنبيه والرد على مثل هذا الاعتقاد الساقط في الجزء الأول من هذه الرسالة ، وقد مر ذكر أقوال ابن حزم في الجزء الأول في الرد على بعض الشبهات ، فلو تأملتها لوجدت نفساً مختلفاً هنا .
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي (384-456هـ) : ( وأما قـوله تعالى : ] فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ فليس علي ما ظنوه من الظن السخيف الذي لا يجوز أن يظن بضعيفة من النساء أو بضعيف من الرجال إلا أن يكون قد بلغ الغاية من الجهل فكيف بنبي مفضل على الناس في العلم ؟! ومن المحال المتيقن أن يكون نبي يظن أن الله تعالى الذي أرسله بدينه لا يقدر عليه ، وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه ، ولا شك في أن من نسب هذا للنبي الفاضل صلى الله عليه وسلم فإنه يشتد غضبه لو نسب ذلك إليه ، أو إلى ابنه ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)) ، فكيف إلى يونس عليه السلام الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بن مَتَّى » ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)) . فقد بطل ظنهم بلا شك وصح أن معنى قوله : ] فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ أي لن نضيق عليه كما قال تعالى : ] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (الفجر: 16) أي ضيَّق عليه ) ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)) .
قلت بحول الله تعالى : هذا هو نفس ابن حزم وأسلوبه ، فقارن بين الفقرتين لترى الفرق .
ومن الأدلة على بطلان نسبة القول السابق إلى الإمام ابن حزم أنه قال في رسالة الدرة في تحقيق الكلام فيما يلزم الإنسان اعتقاده والقول به في الملة والنحلة باختصار وبيان (ورقة 119ب) : ( ومن قال أنه ليس عند الله عز وجل أصلح مما فعل بنا لأنه لو كان عنده أصلح مما فعل بنا ولم يعطينا إياه لكان بخيلاً محابياً فهو كافر من وجهين : أحدهما : أنه عجز ربه تعالى فجعله عاجزاً مطبوعاً لا يقدر إلا على ما فوقه أن يأتي به فقط ، وهذه صفة منقوص البنية متناهي القوة ذي طبيعة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والوجه الآخر : تكذيبه القرآن في ما أورد ما وقع ذلك فإنه مكابر له لأنه لا يشك ذو مسكة عقل في أنه تعالى كان قادراً على أن يخلقنا ملائكة أو أنبياء كلنا أو في الجنة كما خلق آدم عليه السلام ولا يكلفنا شيئاً أو ألا يخلق من يدري أنه يكفر به أو يعصيه أو أن يميتهما قبل البلوغ كما أمات سائر الصبيان ) اهـ .
قلت بحول الله تعالى : والكلام السابق لابن حزم يهدم ما ورد في فصل كامل في كتاب الفصل في مسألة من يكفر ومن لا يكفر ، حيث جعل الكافر من كذب القرآن فقط ، حتى ولو كان في مسألة لا يتحقق التوحيد إلا به ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
[/URL]([1]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/184-185) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref1)([2]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/193) .
([3]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/201-202) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref3)([4]) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/205) .
([5]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/293) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref5)([6]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/278) .
([7]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/281) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref7)([8]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/75) .
([9]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/326) .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref9)([10]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/283) .
([11]) النبذ في أصول الفقه لابن حزم ، ص 73 .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref11)([12]) رسالة في وجوب توحيد الله عز وجل ، ص 105 .
([13]) هذه رواية بالمعنى ، وقد مر ذكر روايات الحديث في كتب السنة في الجزء الأول بفضل الله عز وجل .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref13)([14]) هذه العبارة من أبين ما يبين أن هذا القول مدسوس عليه .
([15]) لاحظ الأسلوب هنا ، والأسلوب عند الدس على شيخ الإسلام ابن تيمية ، فالدس عند دسه على شيخ الإسلام ابن تيمية وضع تأويلا كفريا للحديث ومن ثم أتبعه بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهنا أتبعه بقول الحواريين . حتى التشابه في أسلوب الاستدلال والكلام .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref15)([16]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/296) .
([17]) فلله در الإمام ابن حزم ما أصدقه في وصف الواقع ، فهكذا هم المدافعين عن إسلام الجاهلين برب العالمين والمدافعين عن إسلام الطواغيت وعابديهم المشركين ، ينسبون جهل أبسط معاني العقيدة إلى الأنبياء وصحابتهم ، ونفس ما رموهم به لو نسبه أحدهم إليهم أو إلى أبنائهم الذين لم يبلغوا الحلم بعد لغضبوا أشد الغضب ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
(http://majles.alukah.net/#_ftnref17)([18]) لعله رواه بالمعنى ، أو أننا لم نعثر عليه بذلك اللفظ ، فقد أخرج هذا الحديث البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء / باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ] وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [` (الصافات: 139) بلفظ : « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ » . زَادَ مُسَدَّدٌ : « يُونُسَ بْنِ مَتَّى » ، وفي رواية أخرى : « مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى » . (ط. المكنز : ص944 ، الطبعة السلطانية (4/159) ) .
[URL="http://majles.alukah.net/#_ftnref19"]([19]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/36) .