المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف ... باقية متجددة!!



أبو مالك العوضي
2007-01-21, 07:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين

أما بعد، فإن حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف لا تنتهي؛ وافتقارهم إلى وضع الجديد من الكتب في شتى العلوم لا تزول

وذلك لعدة أمور:

1. منها: أن لكل زمان ما يَجِدُّ ويظهر بعد أن لم يكن من المسائل المستحدثات والمشاكل العويصات، التي تحتاج إلى ثاقب النظر ودقيق البحث لاستخراج حلها من مكنون حكم الأولين، وعظيم مكتوب الأقدمين. وكذلك ففي النصوص الشرعية تجد بعض الأحاديث تبدأ بـ " يأتي على الناس زمان ... " إلخ، فيكون ذلك إخبارا عن شيء مستقبل لا نعلم متى يأتي به الله، فتكون حاجة الناس إلى التصنيف في موضوعه عند حدوثه ماسة، وبيان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له قبل مجيئة جليلة.

2. ومنها: أن العرف والعادة يتغيران مع تغير العصر والزمان، ويقل فهم الناس لما سُطِّر في قديم الزمان، مما لعله كتب بعبارة قديمة لا تفهم، أو بجملة مستغلقة تخفى على أبناء العصر، فكان افتقار أبناء العصر إلى من يكتب لهم بما يقرب من أفهامهم وبما يقرب من لسانهم الذي يتغير ويتبدل على مر الأعصر والأزمان، بخير أو بشر.

3. ومنها: أن بعض مستجدات العصر تفرض بعض التغيير على أسلوب التصنيف مثل أساليب التحقيق المعاصرة التي لم تكن معروفة بمنهجها الحالي عند الأقدمين، وهي خير عظيم رزقنا الله إياه يسر علينا كثيرا من البحث والمراجعة وكذلك يسر على المطالع مطالعة الكتاب، ويسر على الباحث أن يجد ضالته في الفهارس.

4. ومنها: أن الناس تحتاج إلى التجديد والتحديث بين كل وقت وحين ليكون أنشط لهم وسببا لدفعهم إلى الطلب والبحث والتنقير عن المسائل؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .

5. ومنها: أن كل عصر جديد يعطي أبناءه إمكانيات لم تكن متاحة لمن سبق؛ فيكونون أقدر على الاستخراج والمقابلة والبحث، وذلك كما حدث في هذا العصر بعد أن أنعم الله علينا بنعمتي الكمبيوتر والإنترنت، فسهلت مشاكل البحث والاستخراج والمقابلة والتنقير، بعد أن كان المرء يقضي عمره في بحث شيء، ثم لعله لا يجده وهو موجود، فصار ذلك سببا في وجدان بعض ما لم يجده الأقدمون، واستدراك بعض ما قصر عنه الأولون، واحتاج أن يوضع له التصانيف.

6. ومنها: أن العلماء يحتاجون إلى التصنيف ليُبَلِّغوا ما آتاهم الله من علم إلى الناس، ولتَرْسَخَ قدَمُهم في العلوم؛ فإن العالم إذا درس العلوم الشرعية وتبحر فيها، فإنه يحتاج إلى التصنيف لكمال الرسوخ؛ ولينال درجة التحقيق والتدقيق، كما ذكر نحوه الإمام النووي رحمه الله.

7. ومنها: أن الزمان لا يخلو من طلاب العلم الذين يدرسون على أيدي العلماء، وهم يحتاجون إلى وضع ما يسمعون من علمائهم من العلم في صورة مكتوبة ليكون أرفق بهم وأيسر للمراجعة والدرس.

8. ومنها: أن الزمان لا يخلو من مبطلين وضلال ومشعوذين، ينطلي عملهم على بعض الناس، أو يخشى على بعضهم من شبهاتهم، فيلزم بيان وجه الضلال في كلامهم بالرد عليهم وبيان بطلان وجهتهم، ومن أقوى سبل الرد على المخالفين: التصنيف المكتوب.

9. ومنها: أن الأفكار والخواطر لا تنتهي إلا بانتهاء الأيام، ولا تنفد إلا في آخر الزمان، والله يفتح على بعض عباده بما لم يقدره للأولين من الحكم الجسام، والأفكار العظام، وذلك في كل علم وفن، فيحتاج من رزقه الله من ذلك شيئا إلى تقييده بقيد وكتابته بجلد لكي لا يضيع ويذهب، وكما قال الشاعر:
ننن

كــم تــرك الأول لـلآخــر
ننن

10. ومنها: جميع مباحث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ لأن العلوم الكونية فيها الكثير من الأسرار والأمور التي لم يسبر غورها ولم يكشف كننها بعد، فيأتي الباحثون العلميون بدراساتهم وبحوثهم المبنية على المخترعات والنظريات الحديثة كل يوم بالجديد فكانت الحاجة داعية إلى وضع التصانيف في بيان ذلك، وبيان وجه إعجاز القرآن في ذلك، تصديقا لقوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} ولاحظ أن السين في (سنريهم) استقبالية، وهي تدل كما قال بعضهم على تجدد ذلك إلى يوم القيامة، والله أعلم، ومباحث إعجاز القرآن كثيرة وإن كان على بعضها ملاحظات وتحفظات، إلا أن الكلام هنا عن الأسباب الداعية إلى التصنيف دائما، وليس على صواب ذلك من خطئه.

11. ومنها: أن التصنيف في نفسه مطلب مروم، ومتعة للمصنف، وكذلك فهو يخبر عن عقل صاحبه وعلمه؛ كما قال بعض الحكماء: اختيار المرء قطعة من عقله، وكل إنسان يحب أن يذكر بجميل الذكر فيمن بعده ويترك من الآثار ما يجمل ويستحسن، كما قال إبراهيم عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين }، وكذلك فهو يخلد ذكر صاحبه على مدى الأزمان، ولولا ما سطر علماؤنا من جليل التصانيف ما سمعنا عن كثير منهم.

12. ومنها: أن ذلك يزيد في حسنات العبد بمقدار ما يجده الناس بعده في مصنفاته من خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير كفاعله ، ولو لم يكن من حسنة للتصنيف غير ذلك لكفى لأنه يبقى بعد موت كاتبه بقدر ما يقدر له الله عز وجل، فكل من قرأ فيه أو استفاد منه أو عمل أو اهتدى بهدى، فإن ذلك يزيد في حسنات المصنف الأول، وانظر مثلا لمصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، كم كانت تحارب في عصرهم، واليوم هي من أجل التصانيف التي يستفيد منها العلماء وطلاب العلم.

هذا ما حضرني فكتبته من رأس القلم، ولعلك تجد بعد ذلك غير ذلك وربما ما هو أكثر منه

والله تعالى أعلى وأعلم، ومنه الهداية وبه التوفيق

أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي

نياف
2007-01-21, 07:38 PM
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

آل عامر
2007-01-21, 09:18 PM
بارك الله لك في علمك ، وزادك الله به رفعة في الدنيا والأخرة

أبو مالك العوضي
2007-11-28, 09:00 PM
للفائدة والإرشاد من المشايخ والإخوة الكرام.

نضال مشهود
2007-11-29, 03:34 PM
جزاكم الله خيرا . . .
وما رأيكم بما حدثنا النبي (ص) من ظهور القلم آخر الزمان ؟

ذو المعالي
2007-12-01, 07:34 PM
نثرُ الدررِ من حبرِ قلمك ديدنٌ شهد لك به الأكثرونَ ..
فكم أكون سعيداً باكتحال العينِ بإثمدِ حرفِك الأسودِ مبناه الأبيضِ معناه ..
سيدي :
أذكرُ كلمةً قاله لي أحدهم قديماً : قَد يُفتح لك في كتابٍ ما لا يُفتح لغيرك ، و قد تكون ذكرتَ كلمةً هي اللبُّ من جميع الكلمات و هي الخلاصةُ المُغنية عن جميع الكتبِ ..
و لكلِّ كاتبٍ ذوقُه في الكتابةِ ، و الأذواقُ مُربحاتُ الأسواق ، و الإبداع لا حدَّ له ، و لكلِّ عقلٍ حظٌّ من الإبداع ...
لك شكري و تقديري ، مررتُ فكتبتُ تقييداً للحضورِ ليس إلا ..
لك مودتي سيدي الكريم ...

أبو مالك العوضي
2007-12-02, 07:31 PM
نثرُ الدررِ من حبرِ قلمك ديدنٌ شهد لك به الأكثرونَ ..
فكم أكون سعيداً باكتحال العينِ بإثمدِ حرفِك الأسودِ مبناه الأبيضِ معناه ..


أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل، هذا من حسن ظنكم بتلميذكم الضعيف.

ذو المعالي
2007-12-02, 07:57 PM
أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل، هذا من حسن ظنكم بتلميذكم الضعيف.
سيدي أبا مالك ..
إليك من الله الإحسان ، و تمام الامتنان ، لستُ كما جاء في بالك ، و إنما مقتبِسٌ من جميلِ خِصالك ..

أبو الديم المصري
2008-07-22, 10:50 AM
بارك الله فيك ..
لكن يحلو لي أن أشير إلى فهمي الخاص لقضية التصانيف،
وهذا ما أفصحت عنه كتابتكم في بعض جوانبها،
في وجهة نظري تستمد التصانيف شرعية وجودها ومبرراتها من الحاجات التي تسدها،
ولذلك كان ينبغي ألا يختلف اثنان فيمن يصنف
لا لشيء إلا لتزداد إحصائية المطبوعات في عامه كتابا!!
وفيمن يصنف ليزيد من حيرة طلاب العلم: ماذا يأخذون وماذا يتركون؟!!
حينما يقابلون سيلا من العنوانات الصادرة التي تعيد وتزيد في المسائل نفسها
لا تقرب مادة تراثية ولا تدفع البحث إلى الأمام خطوة
ولا تبحث في مسائل مستحدثه نزلت بالأمة ولا.....
كل ما تستطيع أن تصنعه، كما أقول دائما،
هو أن تسير سيرة الساقية السخيفة التي ترفع الماء من موطنه لترده إليه!!
وبالطبع على من يقف بجوارها أن يتحمل رغما عنه صوتها المزعج الصداح ليل نهار!!
الذي أردت أن ألفت إليه هو أن يتأمل الإخوة الأفاضل كلمة: "حاجة الناس"
فلا يعْدُونها لغيرها
ولا يتركون مساءلة النفس ذلكم السؤال:
ما هي حاجة الناس في هذا التصنيف أو ذاك؟
فإن تركتم نصحي؛
فلا أملك إلى أن أردد مع زهير شكواه من زوجه حين قال:
ما أرانا نقول إلا معارا
أو معادا من لفظنا مكرورا!!!
ـــــــــــ
تقولون: في السبب الخامس: "... فصار ذلك سببا في وجدان..."
أريد أن أستفسر عن كلمة (وجدان) هنا
بارك الله فيكم.
دام الإخوة في حفظ الله.

ابو عبد الملك
2008-07-23, 06:18 AM
دفعتني كلمة أخي أبو مالك العوضي لإصدار كتابي النصوص الشرعية المثبتة لفضل الأمة المتأخرة ، حيث لم أر أحدا قد صنف في هذه القضية من قبل _ فيما أعلم _ والكل حين يصنف يتكلم يتكلم عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، والقول فيهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين من المؤلفين والمحققين لن يضيف جديدا بعد تعديل القرآن الكريم لهم ، وثناء الله تعالى عليهم ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، بل ووجوب محبتا لهم رضي الله عنهم ، فاجتهدت في بحثي المشار إليه أن أن أثبت للمتأخرين من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عند الله ، وأقصد بالمتأخرين أنا وأنت ومن سيولد ؛ وذلك من أجل شحذ الهمم وبشارة الناس ليعملوا ولا يصابوا بالإحباط ويقولون لن نصل أبدا إلى ما وصل إليه الأوائل .

ماجد مسفر العتيبي
2009-02-18, 07:33 PM
ابو مالك جزاك الله كل خير وبارك فيك وكم اتمنى ان يقع في يدي كتاب من تصنيفكم ...

وهناك تنبيه ارغب في اضافته ان اذن لنا وهي ان الكثيرين يقولون ماذا نؤلف وهل بقي موضوع لم يطرق بابه؟ وانا اقول نعم أكتب وصنف حتى وان سبقك من سبقك فان المصنفات كثير ما يصعب على الناس العثور عليها وانت ان ألفت سهّلت على غيرك العثور على ما يحتاجون إليه وهذا سوف يفيدهم ويفيدك

نضال مشهود
2009-03-05, 12:51 PM
جزاكم الله خيرا . . .
وما رأيكم بما حدثنا النبي (ص) من ظهور القلم آخر الزمان ؟

في انتظار الرد

أبو مالك العوضي
2009-07-03, 05:01 PM
ونظمها بعضهم في قوله:
ألا فاعلمن أن التآليف سبعة .................. لكل لبيب في النصيحة خالص
فشرح لإغلاق وتصحيح مخطئ .............. وإبداع حبر مقدم غير ناكص
وترتيب منثور وجمع مفرق .................. وتقصير تطويل وتتميم ناقص

ضيف الله الشمراني
2009-07-03, 11:34 PM
جزاكم الله خيرا...
ونظمها بعضهم في بيت واحد فقط :
أبدع تمام بيان لاختصارك في....جمع ورتب وأصلح يا أخي الخللا

الطيب صياد
2009-08-25, 06:17 PM
قال ابن المقفع : " من ألّف فقد استهدف ، فإن أحسن فقد استعطف ، و إن أساء فقد استقذف " .( نقله السخاويّ في الفتح )

طالبة العلم
2009-11-17, 03:05 AM
تقولون: في السبب الخامس: "... فصار ذلك سببا في وجدان..."
أريد أن أستفسر عن كلمة (وجدان) هنا
بارك الله فيكم.

؟؟؟

أبو مالك العوضي
2009-11-17, 06:23 AM
تقولون: في السبب الخامس: "... فصار ذلك سببا في وجدان..."
أريد أن أستفسر عن كلمة (وجدان) هنا
بارك الله فيكم.
دام الإخوة في حفظ الله.
وفيكم بارك الله يا أخي الكريم
الوجدان كالوجود، قال الشاعر:
يا من يعز علينا أن نفارقهم ........... وجداننا كل شيء بعدكم عدم

عبد العزيز بن ابراهيم النجدي
2009-11-17, 12:47 PM
/// العلم فتوح وهبات..
يفتح الله للأول مالايفتح للآخِر..
ويفتح للآخِر مالايفتح للأول..

/// هذا مع التسليم بفضل السلف على الخلف..
وأن التحقيق والتدقيق إنما عرف من كلامهم.


والله أعلم.

سفينة الصحراء
2009-11-17, 08:22 PM
بارك الله فيكم مشرفنا المتميز.

أبو قتيبة الدمجدي
2010-03-20, 11:20 PM
قال المقري في " أزهار الرياض " ( 1 / 642 ) :

قال الإمام أبو عبد الله الأبي رحمه الله تعالى في شرح مسلم عند كلامه على قوله صلى الله عليه و سلم : " أو علم ينتفع به بعده ": (( كان شيخنا أبو عبد الله ابن عرفة يقول: إنما تدخل التواليف في ذلك إذا اشتملت على فائدة زائدة، وإلا فذلك تخسير للكاغد ، ونعني بالفائدة : الزائدة على ما في الكتب السابقة عليه ، وأما إذا لم يشتمل التأليف إلا على نقل ما في الكتب المتقدمة ، فهو الذي قال فيه : أنه تخسير للكاغد، وهكذا كان يقول في مجالس التدريس، وأنه إذا لم يكن في مجلس التدريس التقاط زائدة من الشيخ ، فلا فائدة في حضور مجلسه ، بل الأولى لمن حصلت له معرفة بالإصلاح ، والقدرة على فهم ما في الكتب ، أن ينقطع لنفسه ، ويلازم النظر؛ انتهى.
و نظم في ذلك أبياتا، وهي:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة ... بتقرير إيضاح لمشكل صورة
و عوز غريب انقل أو حل مقفل ... أو أشكال أبدته نتيجة فكرة
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد ... و لا تتركن فالترك أقبح خلة )) .

نضال مشهود
2010-03-23, 10:16 AM
ونظمها بعضهم في قوله:
ألا فاعلمن أن التآليف سبعة .................. لكل لبيب في النصيحة خالص
فشرح لإغلاق وتصحيح مخطئ .............. وإبداع حبر مقدم غير ناكص
وترتيب منثور وجمع مفرق .................. وتقصير تطويل وتتميم ناقص

ويضاف على هذه السبعة : (نقض الباطل) و (ترجمة المكتوب بلغة أخرى)