مشاهدة النسخة كاملة : صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"
جمال البليدي
2009-07-23, 01:55 PM
.بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبينا المصطفى ثم بعد:
صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين
إعداد:جمال البليدي
-ستر الله عيوبه-
كنت قد جمعت بحثا بعنوان(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) على عجالة-كما ذكرت في المقدمة- وبينت فيه الأدلة على إثبات نزول رب العالمين في الثلث الأخير من الليل كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ورددت على شبه الفلسفية السوفساطئية التي يرددها أهل الكلام مبارزين بذلك كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا بأحد الجهمية المشاغبين يكتب موضوعا بعنوان(دك حصون الحشوية وإثبات التزوير في موضوع دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) يزعم فيه أنه يرد على موضوعي السابق لكن هيهات هيهات فالحق أبلج والباطل لجج ,ومن عادة أهل البدع أنهم لا يردون بعلم ولا بحجة إنما فقط سباب وكذب وخروج عن الموضوع فقد سود صفحات موضوعه بنقاط خارج البحث لم ولن يستطع أن يرد على حججي في إثبات نزول رب العالمين بل راح ينقل من هنا وهناك ويستغيث بكتب الكوثري وسعيد فودة ويطعن في علماء أهل السنة بالكذب تارة وبالتدليس أخرى, وحقيقة لم أستغرب من هذا فقد تعودنا على هذا من كبارئهم فضلا عن صغارهم ومقلديهم, وموضوعه هذا لم يزد موضوعي إلا قوة في الحجة والبيان فليته سكت لعله بذلك لا يشهر بموضوعي الذي دك حصونهم وكشف عوارهم وأبطل فلسفتهم وتناقضاتهم ورقصهم مابين محرف ومعطل لكن أبى الله إلا أن يظهر الحق على فلتات لسانه فمازاد موضوعي إلا قمعا لبدعهم وكشفا لباطلهم ,ورده علي لم يكن إلا سباب وخروج عن موضوع ولم يستطع أن يناقش أي نقطة من موضوعي ألبتة ,ولم يجد من يسعفه من كتب أشياخهم فراح ينقل عن كتاب(الأشاعرة أهل السنة) وعن كتب الكوثري مالا علاقة له بالبحث ليس إلا لغرض واحد وهو ملأ الصفحات وتكثير الجمل والحروفات .
وهاهنا سأكشف لكم مدى تلبيسه وكذبه على أهل العلم ومدى تعصبه للرجال سائلا المولى عز وجل التوفيق والسداد والإخلاص والرشاد.
1-خلطه بين المفرد والجمع وبين السلفية كمنهج والسلفية كأفراد:
لقد افتتح ذاك الجهمي موضوعه بالطعن وسب أهل السنة ووصفه إياهم بالحشوية فكان عنوانه(دك حصون الحشوية), وهذا في حقيقة قد استغربت منه كثير لأنني فرد واحد وإن أخطأت فخطئي على نفسي فلِمَ يدخل أهل السنة كلهم في موضوعي(دك حصون المفترين)؟ويكتب موضوعه بصيغة الجمع(الحشوية)؟ هل هذا من الإنصاف والعدل؟ أم من الظلم والجور؟
لذلك أقول وبالله وحده أصول: إنني لا أمثل إلا نفسي وإن أخطات فإن خطئي مردود علي ولا علاقة لخطئي بالسلفية الذي سماها هذا المتسول بالحشوية بل السلفية نهج معصوم بخلاف المنتسبين إليها فإنهم بشر يصيبون ويخطئون فليعلم هذا جيدا فقد رأيت الرجل ينقل بعض أخطاء أهل السنة ويلزم السلفيين بها متناسيا أن السلفيين ليس لهم متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لا يعتقدون العصمة في بشر كائنا كان إلا الأنبياء.
قال في كتابه(الحجج السلفية في الرد على أراء ابن فرحان المالكي البدعية)
((عقيدة أهل السنة والجماعة السلفيين عقيدة موروثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأهلها الجامعون للحق كله دون غيرهم؛ لأن سيماهم الاتباع والتحذير من الابتداع، فمعتقدهم هو معتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم – وليس لهم رأس وإنما إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم من الطوائف، فإن رأس الجهمية جهم بن صفوان الذي أخذ معتقده عن الجعد بن درهم، ورأس المعتزلة واصل بن عطاء، ورأس الأشاعرة أبو الحسن الأشعري، ورأس الماتريدية أبو منصور الماتريدي وهكذا… ، وبقي أهل السنة السلفيون هكذا يتوارثون معتقدهم جيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، مصداقاً لما ثبت في الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".)) انتهى كلامه.
2-حول مصطلح الحشوية والوهابية:
من سنن الله الجارية في خلقه، أنه –تعالى- ما أرسل نبيًا إلا وعاداه قومه ونبذوه، وبالباطل لمزوه، مصداقًا لقوله: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا".
ولما أرسل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- للخلق ليدعوهم إلى عبادة الله وحده ويخرجهم من الظلمات إلى النور قال الكافرون: إنما يريد محمد أن يفرق شملنا ويشتت جمعنا، وقالوا عنه: إنه ساحر، وإنه كاهن، ووصفوه بكل قبيح؛ وهو -صلى الله عليه وسلم- فرق بين الحق والباطل، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.
وهكذا أهل البدع والأهواء –في كل زمان ومكان- يطعنون في كل من يريد الإصلاح، وينبذونه بالألقاب السيئة، ويثيرون حوله الشبهات، ويحذرون منه كي ينفروا الناس ويبعدوهم عنه.
ومن جملة تلك التسميات المنفرة قولهم(حشوية-مشبهة-مجسمة-وهابية-باديسية) للتنفير عن أهل الحديث والطعن فيهم وانتقاصهم ,و(تلك الأسماء ليست مطابقة لمسماها,بل هي من جنس تسمية الأوثان((آلهة)) و((أربابا)),وت مية ((مسيلمة الكذاب)) وأمثاله((أنبياء)) : ((إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوه ا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى )) النجم23(2).
وهذا المصطلح إنما يطلقه أهل البدع عبر العصور على أهل السنة والجماعة فلكل قوم وارث
قال أبو عبد الله : وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية .
معرفة علوم الحديث (35)
وجاء في طبقات الحنابلة (2|208) في وصف أهل الحديث
"وهي الفرقة الناجية والجماعة العادلة والطائفة المنصورة إلى يوم القيامة فهم أصحاب الحديث والأثر والوالد السعيد تابعهم هم خلفاء الرسول وورثة علمه وسفرته بينه وبين أمته بهم يلحق التالي وإليهم يرجع العالي وهم الذين نبذهم أهل البدع والضلال وقائلو الزور والمحال أنهم مشبهة جهال ونسبوهم إلى الحشو والطغام .
ومن ذلك قول الوزير الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني لما سئل عن البخاري قال : ومن البخاري ؟! حشوي لا يعول عليه.
سير أعلام النبلاء (16|512)
وحتى تكون على بينة من الأمر ، وتتضح لك: جلية الحال ، وتعرف المقصود بهذه الألقـــاب والمسميات ، وتعرف قدمها ، فإني أتركك مع شيخ الإسلام ، الإمام ، أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (373-449 ) من علماء القرن الرابع والخامس الهجري – رحمه الله – الذي قال عنه الإمام عبد الوهاب السبكي – رحمه الله – في كتاب [ طبقات الشافعية الكبرى ](3/291 ) : ( كان مجمعا على دينه ، وسيادته ، وعلمه ، لا يختلف عليه أحد من الفرق ) حيث قال شيخ الإسلام الصابوني في رسالته التي ألفها في [السنة ] :
( وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية ، وأظهر علاماتهم : شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - ، واحتقارهم لهم ، وتسميتهم إياهم حشــوية ، وجهلة ، وظاهرية ، ومشبهة ، اعتقادا منهم في أخبار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنها بمعزل عن العلم ، وأن العلم ما يلقيه الشيـطان إليهم ، من نتائج عقولهم الفاسدة ، ووساوس صدورهم المظلمة ، ، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير ، العاطلة ، وحججهم – بل شبههم – الداحضة الباطلة : ( أولئك الذين لعنهم الله ، فأصمهم وأعمى أبصارهم )[سورة محمد الآية 33 ] ، ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) [ سورة الحج الآية 18 ] ) .
ثم ذكر – رحمه الله تعالى – بإسناده بعض الآثار في شرف أهل الحديث ، وفيها الإشارة إلى ما يروجه المبتدعة عنهم من قالة السوء ، ثم قال – رحمه الله – في هذا السياق :
( سمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبدالله حمشاد ، العالم الزاهد يقول : سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي ، يقول : قرىء على أبى عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأنا أسمع : سمعت أبي يقول – عنى به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، يقول :
" علامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر ( ) .
وعلامة الزنادقـــة : تسميتهم أهل الأثر حشوية ، يريدون بذلك إبطال الآثار .
وعلامة القدريـــة : تسميتهم أهل السنة مجبرة .
وعلامة الجهميـــة : تسميتهم أهل السنة مشبهة .
وعلامة الرافضـــة : تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة . )).
وقال الإمام ابن قتيبة ((فأهل البدع لقبوا أهل السنة بالحشوية والنابتة والمجبرة وربما قالوا الجبرية وسموهم الغثاء والغثر وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أتى عنه في القدرية أنهم مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم([1]), وفي الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ([2]) ، فهذه أسماء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك أسماء مصنوعة.( أنظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (80/81).
وما قيل في الحشوية يقال في مصطلح الوهابية التي ينسبون أهل السنة إليها مع أننا سلفيون ولسنا متعصبين لأحد بحمد الله بل كل يؤخذ من قوله ويرد وما محمد ابن عبد الوهاب إلا مجدد قد خلى المجددون من قبله.
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ""إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".رواه أبو داوود"
والإمام محمد بن عبد الوهاب نحسبه منهم مثله كمثل الإمام أحمد وابن تييمة وابن باديس في الجزائر وتقي الدين الهلالي في المغرب و صديق حسن خان والشيخ نذير حسين والعظيم أبادي والشيخ ثناء الله الأمرستري وأسرة الدهلوي، وغيرهم من كبار علماء الحديث والتوحيد في شبه القارة الهندية، و الشيخ محمد حامد الفقي وأحمد محمد شاكر وإخوانهما في مصر، و الشيخ الألباني في الشام وغيرهم كثير فلماذا نسيتموهم وركزتم على مجددي السعودية دون غيرهم مع أن هؤلاء رغم تباعد الأزمان والأقطار بينهم نجدهم على عقيدة واحدة ومنهج واحد قوامه الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
قال الإمام ابن باديس(" قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية ، فتبعه عليها قوم فلقبوا بـ : " الوهابيين " . لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه ؛ فإن أتباع النجديين كانوا قلبه ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ؛ يدرسون الفقه في كتب الحنابلة ، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد ؛ فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين ؛ أهل إثبات وتنزيه ، يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار ، ويصدقون بالرؤية ، ويثبتون الشفاعة ، ويرضون عن جميع السلف ، ولا يكفرون بالكبيرة ، ويثبتون الكرامة .
وإنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع ، في الأقوال والأعمال والعقائد ، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير ، وزيغهم المبين ).
3-قال ذاك الجهمي:
لا يخفى على كل عاقل منصف مطلع أن الحشوية ديدنهم الكذب والتزوير والتلبيس ولذلك نكتب هذا الموضوع ليكون جلاء لقلوب كثير من المتشككين وسنظل بفضل الله نرد على بدعهم وضلالتهم وتحريفهم الكلم.
أقول:ضربني وبكى سبقني واشتكى
«إن هذا الكلام ليس فيه من الحجة والدليل ما يستحق أن يخاطب به أهل العلم؛ فإن الرد بمجرد ((الشتم والتهويل)) لا يعجز عنه أحد!!، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب!!؛ لكان عليه أن يذكر من ((الحجة)) ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم. فقد قال الله عز وجل لنبيه ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة ((الحسنة)) وجادلهم ((بالتي هي أحسن))، وقال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا ((بالتي هي أحسن)). فلو كان خصم من يتكلم بهذا الكلام؛ من أشهر الطوائف بالبدع كالرافضة!!؛ لكان ينبغي أن يذكر ((الحجة)) ويعدل عما ((لا فائدة فيه)) إذ كان في مقام الرد عليهم »اهـ عن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 186) باختصار.
وأنت لم ترد على موضوعي ولم تعقب على أدلتي إنما رحت تخرج عن الموضوع وتكذب وتدلس على أهل العلم كما سأبين لك بالأدلة والحجج فلست ممن يتهم جزافا لينصر باطله كما هو حالك للأسف الشديد .
ولست أدري أين التزوير, وأنا لست إلا ناقل لك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وناقل كلام أئمة السلف عبر القرون ؟!
إن كان إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة كذبا وتدليسا فما قولكم في تحريفها وإخراجها على ظاهرها بحجة أن عقولكم لم تستوعبها؟!
أما عن التحريف فليت شعري:من الذي حرف النزول وزعم أن الله لا ينزل إنما ملائكته ومن الذي حرف اليد إلى النعمة ومن الذي حرف الإستواء إلى الإستيلاء إن كانت لكم كل هذه الجرأة على كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة لتحرفوها وتتفنون تارة في تأويلها وتارة في تعطليها فما الذي يمنعك بعد هذا من تحريف كلام اهل العلم ؟!
4-قال الجهمي:
ويبدو أن كاتب المقال دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين يهوى الكتابة كثيرًاحتى أنه يأتي بكل ما يخص الموضوع من بعيد أو بعيد
فتارة يتحدث عن اليدين وتارة عن الاستواء وموضوعه عن النزول وإنتقال الله وتحركه !!. أقول:
أولا:هذا موضوعي منشور على النت وقد قرأه الكثيرون فأين كلامي عن اليد أو الإستواء أو غيرها من الصفات فكل ما في أمر أنني نقلت كلام أئمة السنة عبر العصور حول حديث النزول وقد يتخلله أحيانا الكلام عن اليد وبعض الصفات لأن نهج السلف في الصفات واحد بحمد الله فلا يفرقون بين صفات الله تعالى فيثبتون سبعة ويحرفون الباقي دون دليل ولا برهان!.
ثانيا:قولك((وموض عه عن النزول وإنتقال الله وتحركه !!.)) هذا الكلام غير صحيح وهو من الكذب علي بل أنا تكلمت عن النزول ولم أتكلم عن الإنتقال والحركة ,ولكن مشكلتكم أنكم لا تفهمون من صفات الخالق إلا ما تفهمونه من صفات المخلوق فلا تفهمون من العلو إلا الجهة والمكان, ولا تفهمون من اليد إلا الجارحة ,ولا تفهمون من النزول إلا الحركة والانتقال وخلو العرش, فهذا فهمكم المبني على التشبيه فأنتم المشبهة أولا فالمعطلة ثانيا فالمحرفة ثالثا .
أما نحن فنقول(ينزل إلى السماء الدنيا) كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم نزولا يليق بجلاله ولا نقول كيف .
ونقول الله فوق العرش عال على خلقه ولا نقول كيف.
ونقول لله يدين كما أخبر ولا نقول كيف.
ومعنى هذه الألفاظ واضح في اللغة العربية لكنكم لا تفهمون منها إلا ما ترونه في المخلوقات فتظنون أن الظاهر منها هو ما تشاهدنه في المخلوقات .
جاء في رسالة(إثبات الفوقية) المنسوبة للجويني: (والذي شرح الله صدري في حالِ هؤلاء الشِّيوخِ الذين أوَّلوا الاستواء بالاستيلاءِ، والنُّزولِ بنُزُولِ الأمر، واليدينِ بالنعمتين والقدرتين هو علمي بأنهم ما فهِموا صِفاتِ الرَّبِ تعالى إلا ما يليقُ بالمخلوقين فما فهِموا عن الله استواءً يليقُ به ولا نُزُولاً يليقُ به، ولا يدَيْنِ تَليقُ بعظمته بلا تكييفٍ ولا تشبيهٍ، فلذلك حرَّفُوا الكَلِمَ عن مَواضِعِهِ وعَطَّلوا ما وصَفَ الله تعالى نفسَهُ به ونذكُر بيانَ ذلك إن شاء الله تعالى.)).
والمشكلة الكبرى والطامة العظمى أن صحاب الموضوع قد بنى موضوعه الخاوي على عروشه على دعوى أنني أقول بالحركة والإنتقال وغيرها من الألفاظ التي أحدثوها في دينهم فجل موضوعه لا علاقة له بالنزول إنما عن الحركة والإنتقال!.
وهذه هي حالهم للأسف الشديد نحن في واد وهم في واد آخر:
نحن نتكلم عن النزول وهم يتكلمون عن الحركة والإنتقال!
نحن نتكلم عن العلو وهم يتكلمون عن الجهة والحيز والمكان!
نحن نتكلم عن اليد وهم يتكلمون ع الجارحة!
وقس على هذا إثباتنا لباقي الصفات الواردة في الكتاب والسنة دون تمثيل ولا تكييف.
معنى قول السلف(أجروها على ظاهرها):
5-قال الجهمي:
((فقول الأئمة : (اجراؤها على ظاهرها) الذي أستشهد به كثيراً المقصود منه اثباتها كما وردت من غير زيادة ولانقصان وليس أن معناها هو ظاهرها الموهم للتشبيه بدليل نفيهم لمعاني هذا الظاهر في مواضع أخرى
وهناك فرق بين إثبات المعنى الظاهر للصفة وبين إثبات معنى تتعلق به الصفة وهو ليس بمعنى حقيقي للصفة بل معنى لمتعلقاتها ، بينما الذين
يدعونه معنى حقيقي للصفة وفهمهم لمعنى الصفة على حقيقتها هو فرع عن معرفة الماهية التي ينكرون معرفتها وهو تناقض ظاهر .
فادعاؤهم معرفة الصفة على ظاهرها على أنه معنى حقيقي للصفة لاشك هو معرفة للماهية بوجه ما .)).
أقول:
أولا: لقد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن,الذي هو حجة الله على عباده ,والذي هو خير الكلام ,وأصدقه,وأحسنه,و فصحه,وهو الذي هدى الله به عباده,وجعله شفاء لما في الصدور,وهدى ورحمة للمؤمنين,ولم ينزل كتاب من السماء أهدى منه ,ولا أحسن ,ولا أكمل,فانتهكت حرمته ,وادعيت أن ظاهره يستلزم التشبيه والتجسيم (1).وهذا الإلزام إنما هو لمن جاء بالنصوص الدالة على علو الله على عرشه أوالنصوص الدالة على نزوله وإتيانه,وتكلم بها,ودعا الأمة إلى الإيمان بها ومعرفتها,ونهاهم عن تحريفها وتبدليها.
يا قوم والله العظيم أسأتم***بأئئمة الإسلام ظن الشأنِ.
ما ذنبهم ونبيهم قد قال***ما قالوا كذلك منزل الفرقانِ
ما الذنب إلا للنصوص لديكم***إذ جسمت بل شبهت صنفان ِ
ما ذنب من قد قال ما نطقت به***مِنْ غير تحريفٍ ولا عدوانِ
ثانيا:ان معنى قول السلف أمروها كما جاءت أو قولهم(أجروها على ظاهرها) أي اعتقدوها وءامنوا بها وبما دلت عليه من المعنى دون التعرض لها بالتحريف ولا بالتأويل ولا بالتشبيه ولابالتمثيل مع عدم التعرض للكيفية .
ولذلك فان بعض الروايات كما عند البيهقي في الاعتقاد واللالكائي في اعتقادأهل السنة والذهبي في العلو (أمروها كما جاءت بلا كيف ) وهذا نص صريح في الايمان بها وبمعناها دون التعرض للكيفية, ولو لم يكونوا يؤمنون بمعناها ما كان لتخصيص ذكر الكيفية فائدة.
ثالثا: إن كنت تقصد بالمعنى "المعنى الخاص" بالمخلوقات كتفسير نزول الخالق بنزول المخلوق وتفسير علو الله بعلو المخلوق فهذا المعنى الباطل وإن كنت تقصد بالمعنى أي القول بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير لكن نؤمن ونجزم بأن نزوله ليس كنزول المخلوق وعلوه على العرش ليس كعلو المخلوق فهذا المعنى حق وهذا المعنى هو الظاهر اللهم إلا عندما من نكست فطرتهم وتبدد عقله.
قال شيخ الإسلام بن تيمية : (( ولو كان القوم – أي السلف – قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه لما قالوا: ( الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ) ولما قالوا: ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنـزلة حروف المعجم ، فقولهم : ( أمروها كما جاءت) يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظاً دالةً على معاني… ))
[ مجموع الفتاوى ( 5 / 41 ) ]
وحقيقة (( القول بالتفويض )) هي أن فيه فيه (( نسبةُ الجهل إلى الأنبياء والمرسلين )) وأنهم كانوا (( يجهلون معاني )) نصوص صفـات الله تعالى وأنهم كانـوا (( يخـاطبـوننا بما لم يكونوا يعرفوا معناه )) .
ولهذا لما سُئل الإمامُ ( أبو جعفر الترمذي ) فقيه بغداد وعالمها عن كيفية نزول الله تعالى ؟؟ قال : (( النـزول معقول والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ))
قال الإمام الحافظ الذهبي معلقاً على هذا الكلام : (( صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه ، إذ السؤال عن النـزول ماهو ؟ عيٌّ ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمةٍ غريبةٍ في اللغة ، وإلا فالنـزول والكلام والسمـع و البصـر والعلـم والاستـواء عبـاراتٌ جليلـةٌ واضحـةٌ للسَّامع ، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعةٌ للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم والعُباد الورعين مات سنة 295 هـ )) أهـ .
[ العلو للعلي الغفار الذهبي ص 156 ]
رابعا:وما يدل على ان السلف أثبتوا المعنى اللائق بالله تعالى دون تمثيل ولا تكييف هذه النصوص:
النص الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته. تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب. وعليها له طعام وشراب. فطلبها حتى شق عليه. ثم مرت بجذل شجرة فتعلق زمامها. فوجدها متعلقة به؟" قلنا: شديدا[أي فرحه]. يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما، والله! لله أشد فرحا بتوبة عبده، من الرجل براحلته". أخرجه مسلم.
هكذا يعتني عليه الصلاة والسلام ببيان المعاني لأصحابه وتوضيح المراد غاية التوضيح ففي صفة الفرح ضرب لهم مثلاً بأشد ما يكون فيه الفرح وهو فرح رجل في صحراء مهلكة قد انفلتت دابته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها واستظل بظل شجرة ينتظر الموت فإذا براحلته وعليها طعامه وشرابه ففرح الرجل بذلك وليس في المخلوق فرح أشد من هذا فإذا عقل السامع عظم هذ الفرحة وشدتها فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الله أشد فرحا بتوبة عبده، من هذا الرجل براحلته وهل هناك تحقيق للمراد وتوضيحه أكثر من هذا .؟
النص الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار). قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).رواه البخاري.
وهاهنا في صفة الرحمة ضرب لهم مثلاً بأشد ما يكون فيه الرحمة وهو رحمة امرأة بحثت عن رضيعها واشتد حزنها وهمها وبعد مدة وجدته وألصقته بصدرها ترضعه فقال: (أترون هذه طارحة ولدها في النار) وليس في المخلوق رحمة أشد من هذه الرحمه فإذا عقل السامع عظم هذه الرحمه وفهمها فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الله أرحم بعباده من هذه بولدها ، سبحانه وتعالى عما يعطل المعطلون.
النص الثالث: قال صلى الله عليه وسلم ((يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله-[وجعل رسول الله] يقبض أصابعه ويبسطها-. أنا الملك)) حتى قال ابن عمر :نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه. حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
والحديث أخرجه مسلم و أبو داود في الرد على الجهمية وابن خزيمه في التوحيد (باب تمجيد الرب عز وجل نفسه)
لماذا يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ويبسطها حين ذكر أن الله يأخذ سماواته وأرضيه بيديه ؟
طبعاً لا يريد التشبيه بل هو صلى الله عليه وسلم يعتني ببيان المعاني لأصحابه وتوضيح المراد غاية التوضيح كما وضحنا من قبل .
هذا ونصوص السلف والأئمة كثير لا تحصى لكنكم دائما تفهمون من ظاهر النصوص ما تفهمونه من المخلوق مع أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
خامسا:هل أنتم تثبتون الصفات على ظاهرها كما تدعون؟أم أنك تحرفون الكلم عن مواضعه؟ لماذا إذن رحت تنسب التأويل للسلف فهل أنت مفوض أم مؤول أم كلاهما؟!.
إستنكاره إطلاق لفظ(بذاته) و(حقيقة) على النزول :
6-قال الجهمي:
وقول الوهابية أدعياء السلفية : أن الله تعالى ( ينزل بذاته ) وأنه سبحانه
( ينزل نزول حقيقي ) (وأنه إذا لزمه الحركة تحرك)
ويقولون هذا من حمل النصوص علي ظواهرها
نقول: هذا المذهب مذهب مناقض للوحي مرذول من حيث العقل وقد نص أئمة على أن هذا المذهب ليس هو مذهب السلف بل هو مذهب المجسمة المشبهة فقولهم حقيقةً وأنه انتقال وحركه من علو لسفل
يعني أن لله جهة ولا يخفي علي كل باحث أن الأعلى والأسفل جهات فكيف يدافع هؤلاء عن الجهات وينسبونها لله تعالى
ثم يقولون من أين لفظ الجهة؟؟
وقد قال صاحب الطحاوية (لاتحويه الجهات الست) أليست هذه عقيدة أهل السنة ؟
وحتى الآن صار لله عند الوهابية من هذا المقال كما رأيناه
جهتين أعلى وأسفل ماعدا أن الأسفل هي للثلث الأخير من الليل
بل يلزمه صعود فما هذا الجهل الذي به يقولون حركة نزول وصعود؟ أقول:
أولا:إن إستنكارك للفظ "بذاته" ولفظ(حقيقة) وادعاءك أنه مذهب مرذول مردود عليك من أوجه:
الوجه الأول:لقد ثبتت هذه الألفاظ عن السلف فقد قال القرطبي رحمه الله في تفسيره((وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم -يعني في اللغة- والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة. وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها. وهذا القدر كاف، ومن أراد زيادة عليه فليقف عليه في موضعه من كتب العلماء. والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار. )).
بل قد نقل الإمام أبو نصر السجزي الإجماع على ذلك فقال في الإبانة((وأئمتنا كسفيان الثوري,ومالك بن أنس,وسفيان بن عيينة ,وحماد بن زيد,وحماد بن سلمة,وعبد الله بن المبارك,وفضيل بن عياض,وأحمد بن حنبل,وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي, متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان )).
وسبقه المزني حيث قال في شرح(أصول السنة) :((عال على عرشه في مجده بذاته)) ثم حكى الإجماع على ذلك فقال((هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى,وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضى).
ونقل الطلمنكي الإجماع كذلك كما في كتابه الوصول إلى معرفة الأصول : (أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله وهو معكم أينما كنتم ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء. وقال أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز)
وقد قالها عبد القادر الجيلاني ومن قبله الحارث المحاسبي
وقالها أبو المظفر السمعاني إمام الشافعية في زمانه في قصيدته التي شرح بها عقيدة أهل السنة:
عقائدهم أن الإله بذاته على عرشه مع علمه بالغوائب.
الوجه الثاني:إن قول من قال من السلف((بذاته)) هو من باب التأكيد والتنصيص,والرد على المعطلة الذين يفسرون صفات الله تعالى بما قام بغيره,وينكرون أن يقوم بذات الله تعالى صفة متعلقة بمشيئته.فيقولون: نزوله نزول أمره وملائكته ومجيئه مجيئ ثوابه,وهكذا.
وكذا قولهم "حقيقة" تأكيد لحقيقة الصفة ,ورد على من جعلها مجازا.
وهذا كما زاد السلف لفظ(بائن) في إثباتهم لعلو الله تعالى فقالوا"على عرشه بائن من خلقه" وذلك ردا على الجهمية الذين يزعمون أن الله في مكان بذاته ,تعالى الله عن ذلك.
ومعلوم أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره,كما في قوله((الرحمان على العرش استوى)) ,وقول النبي صلى الله عليه وسلم((إن الله ينزل إلى السماء الدنيا)) وهذا خبر عن مسمى هذا الإسم العظيم.
فيقال لهم:كيف سوغتم لأنفسكم هذه الزيادات في النفي كنفي الجهة والحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي اخترعتموها ثم ونفيتموها لتنفوا بها بعد ذلك الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ,وفي المقابل نجد عندكم التقصير في الإثبات على ما أوجبه الكتاب و السنة,وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها أهل التعطيل والتهجيم مضمونها إنكار حقائق صفات الله تعالى,وعبروا عن ذلك بعبارة كقوله(بذاته) و(حقيقة),فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذي نفاه أولئك؟!وأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة مطابقة له,فإن هذه الألفاظ لم تثبت صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة ,بل بينت ما عطله المبطلون من حقيقة اتصافه بصفات الكمال.
الوجه الثالث: أن يقال لهم: أمامكم واحدة من اثنتين: إما أن تقولوا استوى بذاته أو تقولوا استوى بغيره. أنتم تجعلون لله صفة القيام بالنفس مع أن الله ذكر بأنه قائم على كل نفس. فلماذا قلتم هو قائم بالنفس وليس على كل نفس. فقولنا: استوى بذاته لا بغيره كقولكم قائم بنفسه لا بغيره.
وبهذه الأوجه يتبين أن كلامك هو المرذول المنبوذ عند أئمة السلف والسنة .
ثانيا:إنك للأسف لم تفهم من ظاهر الصفات إلا ما تفهمه من صفات المخلوقات فأنت لا تفهم من النزول إلا الحركة والإنتقال ولا تفهم من العلو إلا الجهة والجهات .
لذلك أقول لك:إن ألفاظك المبتدعة(جهة-حد-حيز-حركة-إنتقال)لم تأتي لا في كتاب ولا في سنة ونحن معشر أهل السنة لا نثبت إلا ما أثبته الله لنفسه فإن كنتم تقصدون بالحركة والإنتقال أن الله ينزل ويأتي ويجيء فهذا حق ولن نترك كلام ربنا لتسميتك إياه حركة أو إنتقال.
وإن كنتم تقصدون بالجهة أن الله فوق العرش عال على خلقه فهذا حق ولن نترك كلام ربنا لتسميتك له بالجهة (إن هي إلا أسماء سميتموها).
أما إن كنتم تقصدون بالحركة أن الله يماثل المخلوقات في تحركاتهم وانتقالاتهم فهذا باطل ننفيه جملة وفصيلا وكذلك إن كنتم تقصدون بالجهة أن الله تحتويه الجهات فهذا باطل ننفيه تماما مثلما نفاه الإمام الطحاوي رحمه الله في قوله(ولا تحتويه الجهات الست).
ثالثا:أما كلامك عن صعود ونزول فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ينزل فهل نكذبه إستنادا لعقلك الذي لا يفهم غير التشبيه؟!
أما عن الصعود فلم يخبرنا به ربنا فلا نقول به بل نقول (ينزل) ولا نقول كيف ولا نخوض فيما بعد ذلك بل نؤمن بأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ونؤمن بأن الله عال على خلقه فوق العرش ولا تعارض بين علو تعالى وبين نزوله إلى السماء الدنيا لأننا لا نعرف لا كيفية النزول ولا كيفية العلو بل نؤمن بها بعيد عن التحريف بعيدا عن التعطيل أو التمثيل .
7-أما قولك أيها الجهمي:
((ونقولات كاتب المقال كلها تضاد فماذا يريد كاتب هذا المقال الحشوي؟
فهذا المعنى الحقيقي من حركة وإنتقال الذي يثبتة غير لائق بالله تعالى))).
فأقول:
دعوى أن نقولاتي كلها تضاد مردودة عليك في المقال نفسه فهل أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم تضاد؟ وهل أقول أئمة السنة والهدى تضاد؟.
بل كلامك وردك الهزيل هذا هو التضاد وللصواب محاد وإلا قلي بربك:هل أنت مفوض أم مؤول أم كلاهما؟فمالي أراك تارة تشيد بمذهب التفويض وتارة بمذهب التأويل فهل يجتمع النقيضين؟!
ثم من قال لك أنني أثبت لله الحركة أصلا؟ .
إن لفظ الحركة والسكون إنما هي ألفاظ اخترعتموها لتبارزوا بها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فليس منا إلا أن نستفصل منكم؟
فإن كنتم تقصدون بالحركة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة للفصل بين العباد فهذا حق نثبته لأنه ثابت في الكتاب والسنة سواء سميتموه حركة أم سميتموه سكون ولا زم الحق حق.
وإن كنتم تقصدون بالحركة ما يماثل تحركات المخلوقات فهذا لا نقول به ولا نثبته فبيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم أقوال السلف من أهل القرون المفضلى قبل أن يظهر الجهمي والأشعري والماتوريدي!
8-إلزمات فاسدة:
والعجب كل العجب أن صاحب الرد الهزيل يعيد نفس الشبهات التي رددت عليها في موضوعي السابق وهذا دليل على عدم تمكنه من مناقشة ردودي على شبهاتهم فهاهو يعيد نفس الشبهات فيقول:
لأنه يقتضي أمورا فاسدة وهي :
1- الجسمية .
2- الحلول في السماء عند النزول. والجواب عليه:
أولا: دعواك أن النزول يقتضي التجسيم فهذا الكلام من الهذيان بلا ريب ولم أسمع بأحد قاله ولو كان حقا لأخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلخصمك أن يقول إن إثباتك للسمع والبصر يقتضي التجسيم؟ بل وقد قال لكم خصومكم المعتزلة إن إثباتكم للرؤية يقتضي التشبيه والتجسيم! فما الظابط في معرفة ما يقتضيه التجسيم؟ ثم من قال لكم أن نزول الخالق كنزول المخلوق أصلا حتى قلتم بهذا اللازم الباطل العاطل؟ أم أنك لا تفهم من صفات الخالق إلا ما تفهمه من صفات المخلوقات؟ أوليس هذا الكلام منك دخول في الكيفية؟
وقولكم أن هذه الأمور كالمجيئ والإتيان والنزول من خصائص أجسام قول باطل قطعا لأن الأعراض كذلك توصف بذلك فيقال :جاء البرد ,جاء الحر,جاء الصيف ,وجاءت الحمى...فهل هذه أجسام عندكم؟وبالتال قولكم هذا من الهذيان والهراء والحمد لله .
ثانيا : أما لازم الحلول في السماء؟! فهذا لأنك لم تفهم من النزول إلا ما تراه في النزول المخلوقات بل أقول لك:
إن الله تعالى أعظمُ منْ أنْ يظنَّ ذلكَ بهِ، وإنَّما يظنُّهُ الذينَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67] .
قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: العليُّ الأعلى العظيمُ، فهو أعلى منْ كلِّ شيءٍ، وأعظمُ منْ كلِّ شيءٍ. فلا يكونُ نزولهُ وإتيانهُ بحيثُ تكونُ المخلوقاتُ تحيطُ بهِ، أو تكونُ أعظمَ منهُ وأكبرَ، وهذا ممتنعٌ .
فالمخلوقُ إذا نزلَ من علوٍّ إلى سفلٍ زالَ وصفهُ بالعلوِّ وتبدَّلَ إلى وصفهِ بالسُّفولِ، وصارَ غيرهُ أعلى منهُ.
والرَّبُّ تعالى لا يكونُ شيءٌ أعلى منهُ قطُّ، بلْ هوَ العليُّ الأعلى، ولا يزالُ هوَ العليُّ الأعلى مع أنَّهُ يقربُ إلى عبادهِ ويدنو منهم، وينزلُ إلى حيثُ شاءَ، ويأتي كما شاءَ. وهو في ذلكَ العليُّ الأعلى، الكبيرُ المتعال، عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّهِ.
فهذا وإنْ لمْ يتَّصفْ بهِ غيرهُ فلعجزِ المخلوقِ أنْ يجمعَ بينَ هذا وهذا. كمَا يعجزُ أنْ يكونَ هو الأولَ والآخرَ والظاهرَ والباطنَ .
وقَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: ونزولهُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا سلامٌ ممَّا يضادُّ علوَّهُ، وسلامٌ مما يضادُّ غناهُ وكمالهُ، سلامٌ منْ كلِّ ما يتوهَّمُ معطِّلٌ أو مشبِّهٌ، وسلامٌ منْ أنْ يصيرَ تحتَ شيءٍ أو محصورًا في شيءٍ. تعالى الله ربُّنا عن كلِّ ما يضادُّ كمالَهُ .
فتبيَّنَ بهذا الكلامِ النفيسِ، بطلانُ ما ذكرهُ السَّقافُ؛ وأنَّهُ مبنيٌّ على شفا جرفٍ هارٍ منَ الخيالاتِ والأوهامِ.
وليتأمَّل هذا الجهمي وأمثالهُ منْ أهلِ الكلامِ الأثرَ التالي:
قالَ محمَّدُ بنُ حاتمٍ المظفريُّ: سمعتُ عمرو بن محمد يقولُ: كانَ أبو معاوية الضريرُ يحدِّثُ هارونَ الرشيد، فحدثَّهُ بحديثِ أبي هريرةَ: «احتجَّ آدمُ وموسى» فقالَ عليُّ بنُ جعفرٍ: كيفَ هذا وبينَ آدمَ وموسى ما بينهما؟! قالَ: فوثبَ بهِ هارونُ وقالَ: يحدِّثكَ عَنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضهُ بكيفَ؟! فما زالَ يقولُ حتَّى سكتَ عنهُ .
قالَ المحدِّثُ الصابونيُّ معقِّبًا: هكذا ينبغي للمرءِ أنْ يعظِّمَ أخبارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبولِ والتسليمِ والتَّصديقِ، وينكرُ أشدَّ الإنكارِ على منْ يسلكُ فيها غيرَ هذا الطريقِ الذي سلكهُ هارونُ الرشيدُ رحمه الله معَ مَنِ اعترضَ على الخبرِ الصَّحيحِ الذي سمعهُ بـ«كيف»؟! على طريقِ الإنكارِ لهُ، والابتعادِ عنهُ، ولمْ يتلقَّهُ بالقبولِ كمَا يجبُ أنْ يتلقَّى جميعُ ما يردُ مِنَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
جعلنا الله سبحانهُ مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ ويتَّبعونَ أحسنهُ ويتمسَّكونَ في دنياهم مدَّةَ حياتهم بالكتابِ والسنَّةِ، وجنَّبنا الأهواءَ المضلَّةَ والآراءَ المضمحلةَ والأسواءَ المذلَّةَ، فضلًا منهُ ومنَّةً
9-أسئلة تشبيهية :
وقد طرح الجهمي بعض الأسئلة التي تدل على مدى التشبيه الذي يعتقدون به في صفات الله تعالى فقال:
1- فهل تكون الذات العليه نازله على الدوام؟
أقول: بل الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام ولا نقول كيف.
2- و إن قالوا نازل على الدوام أو غير الدوام هل يخلو العرش من الذات عند النزول؟
الجواب:لقد أخبرنا الله تعالى أنه فوق العرش عال على خلقه وكذلك أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بأنه ينزل إلى السماء الدينا كل ليلة فآمنا بالله ورسوله فقلنا:أن الله تعالى فوق عرشه وقلنا أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا ولا تعارض بينهما لأن الله(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) لكن كاتب الموضوع وأمثاله لمْ يفهموا منْ نزولِ الخالقِ إلى السَّماءِ الدنيا إلَّا كمَا فهموا منْ نزولِ المخلوقاتِ، «وهذا عينُ التمثيلِ، ثَّم إنَّهم بعدَ ذلكَ جعلوهُ كالواحدِ العاجزِ منهم الذي لا يمكنهُ أنْ يجمعَ منَ الأفعالِ ما يعجزُ غيرهُ عنْ جمعهِ» . وكذبوا في هذا الفهمِ، وضلُّوا في هذا الظنِّ والوهمِ الكاسدِ.
فإنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يطوي الله عزَّ وجلَّ السمواتِ يومَ القيامةِ ثمَّ يأخذهنَّ بيدهِ اليمنى، ثمَّ يقول: أنا الملكُ. أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ُثمَّ يطوي الأرضينَ بشمالهِ ثمَّ يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبَّارونَ أينَ المتكبرونَ؟!» .
فمنْ هذهِ عظمتهُ، كيفَ يحصرهُ مخلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ. سماءٌ أو غيرُ سماءٍ؟! حتَّى يقال: إنَّهُ إذا نزلَ إلى السماء الدنيا صارَ العرشُ فوقهُ، أو يصيرُ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ يحصرهُ ويحيطُ بهِ سبحانه وتعالى .
3- و إن قالوا لا يخلوا العرش فهل يثبتوا الذات فى مكانين فى نفس الوقت؟
بل إن مصطلح"المكان" من ألفاظكم المبتدعة التي اخترعتموها فما علينا إلا أن نستفصل منكم فإن كنتم تقصدون بالمكان أن الله تعالى حال في خلقه والمخلوقات تحيط به فهذا المعنى باطل لا نقول به أما إن كنتم تقصدون بالمكان أن الله تعالى فوق العرش فهذا حق دل عليه الكتاب والسنة ولن نتركه لتسميتكم له (مكان) .
وبالتالي نقول: إن الله بذاته فوق العرش وبذاته ينزل إلى السماء الدنيا ولا نقول(كيف) وسؤالك هذا سؤال عن الكيفية ولسان حالك يقول:كيف ينزل وهو فوق عرشه فجوابنا: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير بل ينزل وهو فوق عرشه كما شاء ومتى شاء.
أما إستشهاداتك بما جاء في التوراة فمردود عليك بقول النبي صلى الله عليه وسلم(لا تصدقوهم ولا تكذبوهم) بل العبرة بماجاء في الكتاب والسنة فيكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم((ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول)) فلسنا بحاجة للتوراة لكي نثبت عقيدتنا أو نردها بل ما وافق الكتاب والسنة نقول به وماخالفه نضرب به عرض الحائط.
جمال البليدي
2009-07-23, 01:57 PM
موقفنا من الإمام النووي وابن حجر:
10-قال الجهمي:
بل و هذا المدعي كاتب المقال بكل وقاحة يكون في مراجعة رسالة قبيحة من أحد العوام المدعين للعلم بإسم الردود والتعقيبات على أخطاء النووي في الصفات
أصبح الإمام النووي عند بني وهبان من أصحاب الأخطاء
ولا عجب فكبيرهم قال قال:
ابن حجر العسقلاني والنووي دول ما عندهم أخطاء دول عندهم بدع.
فادخلهم في زمرة المبتدعة الفسقة والعياذ بالله في العقائد والفقه ..!
وهو وجميع الوهابية عاله على كتب هؤلاء الأئمة لفهم الدين.
ولا عجب أيضاً فقد قال شيخهم ابن عثيمين أن ابن حجر العسقلاني والنووي ليسا من أهل السنة والجماعة في الصفات والعقيدة..
أقول:
أولا:إن الأخطاء لا يسلم منها أحد لكن الحد الفاصل بيننا وبينكم أنكم تتعصبون وتقسدون الأشخاص ولا ترضون أي نقد لهم ورد عليهم لأنكم تظنون أن الرد على المخالف يقتضي الطعن فيه كما ظننتم أن القول بالعلو يقتضي المكان وظننتم أن النزول ؤ
يقتضي الحركة والحلول فهذه الإلزمات منكم لا نقول بها ولا نعتقدها بحمد الله تعالى ,وردود أهل العلم السلفيين على النووي وابن حجر غرضها بيان الحق وتبيان الصواب فكل يؤخذ من قوله ويرد.
ثانيا: أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين ، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون ، ولا ينقصون قدرهم ، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل ، والتأول له ، والترحم عليه ، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه ، وأهل السنَّة لا يتوانون عن الحكم على المخالف المتعمد للسنَّة بأنه مبتدع ضال .
وبيان خطأ المخطئ في الشرع سواء كانت هذه الأخطاء بدعا أو دون ذلك لا يعتبر سبا ولا منقصة بل هو من تمام العدل والإنصاف والنصح لدين الله .ومات ذكره الشيخين لا غبار عليه فهو عين الحق والإنصاف إذ من المعلوم أن الإمام النووي وابن حجر قد وقعوا في بعض البدع فهم ليسوا من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل بدع ومن أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة فهل هناك عدل وإنصاف أكبر من هذا؟!
أم أنكم تريدون منا أن نتجمل مع أخطاء الناس في دين الله؛ فنصبح كاليهود الذين {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}؟!
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ؟!
هذا وليعلم هؤلاء أن السلفيين يفرقون بين الأخطاء الصادرة عن علماء الإسلام مما أصلوا دعواتهم على منهج أهل السنة فتكون من قبيل الإجتهاد الذي يؤجرون عليه أجرا واحدا وخطؤهم مردود وبين أخطاء دعاة البدعة ممن كانت أصولهم قائمة إبتداءا على غير منهج أهل السنة فتحمل أخطائهم على البدعة
وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :لا يخلوا المنسوب إلى البدعة أن يكون :مجتهدا فيها أو مقلدا....ثم قال : فالقسم الأول على ضربين :أحدهما : أن يصح كونه مجتهدا فالإبتداع منه لا يقع إلا فلتة وبالعرض لا بالذات وإنما تسمى غلطة أو زلة لأن صاحبها لم يقصد اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الكتاب أي لم يتبع هواه ولا جعله عمدة والدليل عليه أنه ظهر له الحق أذعن له وأقر به والثاني : وأما إن لم يصح بمسبار العلم أنه من المجتهدين فهو الحري باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم إذ وقع له مع الجهل بقواعد الشرع الهوى الباعث عليه في الأصل وهو التبعية » الإعتصام(1/193/-197).
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله((( وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه ،وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة )) .
ويقول((( إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم، فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له، فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول، فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ، فهذا أصل عظيم، فتدبره فغنه نافع )) .
ويقول((((وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وفي الحديث أن الله قال : ((قد فعلت))، وبسط هذا له موضع آخر))[معارج الوصول ص:43].
ثالثا: إن مشايخ أهل السنة والجماعة لما ردوا على النووي وابن حجر وغيرهم من كبار أهل العلم إنما ردوا عليهم بعلم وأدب وترحموا عليهم أما أنت أيها الجهمي فقد طعنت في الشيخ مشهور والعلامة العثيمين رحمه الله بجهل وهوى وتعصب فقط فليس لك حجة فيما قلت إلا التهويل والتشويش فحسبك هذا الفرق بيننا وبينكم.
طعونات الأشاعرة في الإمام النووي وابن حجر:
قال شيخ الجهمية المعروف(الكوثري) عن ابن حجر العسقلاني: وابن شيبة هذا جهله ابن حجر فيما جهل مع أنه معروف عند الحافظ عبد القادر القرشي.وابن دقماق المؤرخ.والتقي المقيزي،والبدر العيني،والشمس بن طولون الحافظ فنعد صنيع ابن حجر هذا من تجاهلاته المعروفة-لحاجة في النفس-وقانا الله من اتباع الهوى.(التأنيب ص7)
وقال السقاف في (( زهر الريحان )) ص (137 ) : (( والقسم الثالث : نواصب وهم على نوعين ! نواصب بالتوارث دون قصد أمثال النووي ، ونواصب عن قصد وهم مثل الجوزجاني وابن العربي المالكي صاحب القواصم واحترت في الهيتمي هل هو قائل بالنصب وراثة متأثرا بالأجواء التي عاش بها أم أنه متعمد قاصد لكن تصنيفه لذلك الكتاب الفارط يرجح القصد والتعمد ! )) .
وبهذه النقولات عن شيوخ جهمية العصر يتبين من هم الذين يسبون العلماء وينتقصونهم ومن هم الذين يعتذرون لهم ويبينون أخطاءه نصحا لدين الله.
الجهمي لا يفرق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة:
11-قال الجهمي:
فسبحان الله ملكوا صكوك الغفران كبابوات روما في السابق.
عليهم من الله ما يستحقون.
ولا نعلم إذا كان ابن حجر العسقلاني والنووي الأئمة الجهابذة
مبتدعة وعقائدهم فاسدة كما يقولون.
وهم من لا تخلو مكتبة من شروحاتهم للبخاري ومسلم ومن لا يملك شروحاتهم فلا يفقة في العلم كوعه من بوعه
قلت:وهذا الكلام يدل على مدى الغلو في التكفير عند هذا الجهمي فهو يتصور (نظرا لغلوه في التكفير) أن الرد على المخالف وبيان خطأه يقتضي تكفيره وإخراجه من الإسلام والحكم عليه بالنار!!!
لهذا راح يتحدث عن صكوك غفران!ولست أدري من طعن في الإمام ابن حجر غير شيخهم الكوثري وطعن في النووي واتهمه بالنصب غير شيخهم السقاف!
وليعلم هذا الجهمي أن بيان خطأ المخطئ, والكلام في النّاس تعديلا ومدحا أو تجريحا وقدحا؛ لا علاقة له بمقاديرهم عند الله, ولا بمصائرهم في الدّار الآخرة؛ فهذا للّه وحده, وبيان الخطأ والكلام جرحا وتعديلا عند الحاجة واجب على أهل العلم ممّن توفّرت فيهم شروطه, وحقّ للأمّة في أعناق أهل العلم لا يسعهم - أعني أهل العلم - عدم أدائه, لا علاقة للكلام في بيان خطأ المخطئ وبدعة المبتدع بغفران الله ربّ العالمين للمخطئ أو للمبتدع, ولا بمصيره عند ربّه, هذا بمعزل عن الكلام فيه؛ أمر يعلمه الله ربّ العالمين.
ذكر الخطيب في ((الكفاية)) أنّ عبد الرحمن بن أبي حاتم دخل عليه يوسف بن الحسين الرازيّ وهو الصوفيّ, وكان عبد الرحمن يقرأ في كتابه في ((الجرح والتعديل)), فقال له يوسف الصوفيّ: (كم من هؤلاء القوم قد حطّوا رحالهم في الجنّة منذ مئة سنة أو مئتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم؟) فبكى عبد الرحمن.
وذكر ابن الصّلاح رحمه الله في كتابه ((معرفة أنواع علم الحديث)) المعروف بـ((مقدّمة ابن الصّلاح)): (قال يحيى بن معين رحمه الله: (إنّا لنطعن على أقوام لعلّهم حطّوا رحالهم في الجنّة منذ أكثر من مئتي سنة)).
وهذا الذي نقلته قد قاله هؤلاء الأئمة في المبتدعة وكبارهم فمن باب أولى أن يقال في الأئمة الكبار كالحافظ ابن حجر والنووي .
قال العلامة أمان جامي رحمه الله: الحافظ ابن حجر والإمام النووي والذهبي والبيهقي أحياناً والإمام الشوكاني وغير ذلك من الأئمة الذين خدموا الكتاب والسنة وقعوا في بعض التأويلات، في بعض تأويلات نصوص الصفات، في أمثال هؤلاء يقول شيخ الإسلام: فإذا كان الله يقبل عذر من يجهل تحريم الخمر وربما وجوب الصلاة لكونه عاش بعيداً عن العلم وأهله فهو لم يطلب العلم ولم يطلب الهدى ولم يجتهد، فكون الله يعفو ويسمح فيقبل عذر من اجتهد ليعلم الخير وليعلم الهدى وبذل كل جهوده في ذلك ولكنه لم يدرك كل الإدراك فوقع في أخطاءٍ إما في باب الأسماء والصفات أو في باب العبادة أخطئ أخطاءً بعد أن اجتهد ليعرف الحق، يقول شيخ الإسلام: أمثال هؤلاء أحق بالعفو والرحمة والسماح أو كما قال رحمه الله.....)
إلى أن قال: ((وبالإختصار هؤلاء معذورون فيما وقع منهم من الأخطاء في التأويل، و إطلاق اللسان عليهم بكل جرأة إنهم مبتدعة وأن من لم يبدعهم فهو مبتدع، هذه جرأة جديدة من بعض الشباب الذين أصيبوا بنكسة الحداد، فنسأل الله تعالى أن يهدي قلوبهم ويردهم إلى الصواب وهم اخطئوا كثيرا وابتعدوا كثيرا عن الجادة، فصاروا يبدعون الأحياء والأموات على حدٍ سواء)) من شريط قرة عيون السلفية بالإجابات على الأسئلة الكويتية.
هذا مع العلم أن ابن حجر قد انتقد الأشاعرة باسمهم الصريح بل وصرح بمخالفتهم لإمام أحمد
قال الحافظ (13/469) (( وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه، وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه، وقد قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره)).
(و في هذا النص فوائد
الأولى: نقض شبهة منكر صفة الصوت
الثانية: اظهار التباين بين عقد الأشاعرة وعقد الإمام أحمد
الثالثة :عدم وصف الحافظ لمثبت الحرف والصوت بالتجسيم .)(1)
فما قول هؤلاء الجهمية هل سيصبح الحافظ ابن حجر مبتدع عندهم إستنادا لتصورهم الفاسد وهل سيحكمون عليه بالنار ولا يترحمون عليه .
ولو سردنا مخالفات الأشاعرة للنووي وابن حجر لما انتهى البحث لكن يكفينا ما نقلناه عن ابن حجر لكن جهمية العصر يتمسكون بزلات العلماء ويبنون عليها أصولهم على أنها وحي منزل فلا يقبلون فيهم ردا ولا بيانا!
12-قال الجهمي:
ف
السلف الصالح كانوا ينفون عن الله المكان والحركة والسكون والانتقال وسائر صفات المخلوقين وكل هذا يعطيه قول الله سبحانه وتعالى:
( ليس كمثله شيء) . أقول: بل السلف لم يتلفظوا بهذه الألفاظ المبتدعة لا نفيا ولا إثباتا إنما نطقوا بما جاء في الكتاب والسنة وآمنوا بماجاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعلوا آيات الصفات كالحروف الهجائية في بعض أوائل السور ألبتة بل معناها معلوم والكيف فيها مجهول هذا هو الذي ثبت عن السلف وكذلك لم يفهموا من الصفات تلك اللوزام الموجودة في المخلوقات بل هم يعلمون أنه( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ولم يثبت أن أي أحد منهم تحريف نصوص الصفات ولم نسمع منهم إثبات سبعة وترك الباقي كما هو حال الأشاعرة اليوم .
13-قال الجهمي:
وإن أردت إثبات النزول كما جاء في الخبر فكلامك صحيح وإن أردت النزول بمعناه الحقيقي فانت مجسم قد نبذت عقلك وراء ظهرك وتتظاهر بالعقل .
وهذا ما اتضح بعد الاطلاع علي كامل الموضوع أنك تريد النزول بالمعني الحقيقي من الحركة والإنتقال من أعلى لأسفل والعياذ بالله. أقول: هذا الكلام في غاية التناقض وإلا فمن أين لك تقسيم الكلام إلى حقيقة وخيال؟.
إن الذي جاء في الخبر معلوم وكيفه مجهول فنؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدينا حقيقة كما نؤمن بأن الله خلقنا حقيقة ويأتي يوم القيامة حقيقة ويتكلم حقيقة ويحاسبنا حقيقة ويدخل الكفار إلى النار حقيقة والأبرار إلى الجنة حقيقة ونراه يوم القيامة حقيقة .
فهل من العربية أن تسأل المتكلم عن أي شيء، كأن تقول له: هل أتى أبوك حقيقة ؟ هل أنت هنا حقيقة ؟ هل أمك ولدتك حقيقةا؟ بل هل يعقل أن يقول قائل: هل الله موجود حقيقة؟
ونزول الله لا يلزم منه حركة ولا انتقال بل الله(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فإن كان نزول المخلوق يلزم منه خلو مكان وإعمار مكان ويلزم منه حركة وانتقال فإن الله تعالى لا يماثل أحد من خلقه فهو على عرشه كما شاء وينزل كما شاء وكل هذا حقيقة وليس خيال لأن الأصل في الكلام الحقيقة وليس الخيال إنما الخيال تجده في منامات الصوفية والجهمية فقط .
أ فيظن الجاهل أنَّا نجحد علو الله على عرشه,لأسماء سموها,هم وسلفهم,ما أنزل الله بها من سلطان,وألقاب وضعوها من تلقاء أنفسهم,لم يأت بها سنة ولا قرآن ,وشبهات قذفت بها قلوب,ما استنارت بنور الوحي,ولا خالطتها بشاشة الإيمان,وخيالات هي من تخييلات الممرورين,وأصحا الهوس,أشبه منها بقضايا العقل والبرهان,ووهمي ات نسبتها إلى العقل الصحيح كنسبة السراب إلى الأبصار في القيعان.
فدعونا من هذه الدعاوي الباطلة ,التي لا تفيد إلا تضييع الزمان,وإتعاب الأذهان,وكثرة الهذيان,وحاكمون إلى الوحي,لا إلى نخالة الأفكار وزبالة الأذهان وعفارة الآراء,ووساوس الصدور,التي لا حقيقة لها في التحقيق ,ولا تثبت على قدم الحق والتصديق,فملأتم بها الأوراق سوادا ,والقلوب شكوكا,والعالم فاسدا.
يا قومنا والله إن لقولنا ألفا تدل عليه بل ألفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الأ ولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه فوق السماء مباين الأكوان
أترون أنا تاركون ذا كله لجعاجع التعطيل والهذيان
يتبع...
أبو الحسن الأزهري
2009-07-23, 03:05 PM
كنت مارا على المجلس مرور الكرام فاستوقفني مقالك فشدني وقرأته ودعوت الله لك بكل خير وأن يصرف عنك كل شر وقبلها قرأت موضوعك في الرد على رسالة المعاند الأفاك عبدالرؤوف مبارك جمعة البحريني الملقب نفسه بالأزهري فجزاك الله الخيرات وأراك المسرات وأدخلك الجنات .
جمال البليدي
2009-07-26, 04:16 AM
بارك الله فيك أخي الكريم أبي الحسن الأزهري على مرورك فهذا لا شك شرف لي فأسأل الله تعالى أن يجزيك كل خير وأعتذر عن الأخطاء الكتابية لعلي أصححها على الوورد بعد أن أكمل الرد إن شاء الله.
جمال البليدي
2009-07-26, 04:17 AM
14-قال الجهمي:
وهذا ما اتضح بعد الاطلاع علي كامل الموضوع أنك تريد النزول بالمعني الحقيقي من الحركة والإنتقال من أعلى لأسفل والعياذ بالله.
أقول:بل الموضوع برمته لا يتحدث عن حركة أو سكون بل عن النزول لكنكم لا تفهمون من النزول إلا الحركة والإنتقال كما أنكم لا تفهمون من العلو إلا المكان والحيز والحد ,ولا تفهمون من اليد إلا الجارحة .
أما ما رحت تقتبسه من كلامي فكل ذلك لا علاقة له بإثبات الحركة أو نفيها بل إنني رددت على من زعم أن النزول الحقيقي يستلزم الحركة والإنتقال فقلت بكل وضوح:
إن كان قصدكم بالحركة أن الله إستوى العرش وكلم موسى وينزل كل ليلة في الثلث الأخير وأنه خلق السموات وخلق الخلق وأنه أنزل الله الكتب وأنه يجيء يوم القيامة ليحاسب العباد فهذا المعنى حق دل عليه الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة ((واتفق أهل السنة على القول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة من ذلك غير خائضين فيه ، ولا محرفين للكلم عن مواضعه، ولا معطلين له عن دلائله . وهذه النصوص في إثبات الفعل ، والمجيء ، والاستواء ، والنزول إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم الحركة لله فالحركة له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمها ، وإن كنا لا نعقل كيفية هذه الحركة.(...إلى آخر كلامي الذي نقلته عن أئمة الهدى كما ذكرت في الهامش.
فليس في كلامي هذا الذي بنيت عليه كل موضوعك(وهذا من إنصافك الغريب العجيب) إثباتا للحركة ولا نفيها لأن لفظ(الحركة) لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة!
إنما كان هذا إستفصال في المعنى فقد يراد بالحركة النزول والاستواء والمجيء والخلق فهذا المعنى حق ثابت في الكتاب والسنة لكن اللفظ غير ثابت فالأفضل والأسلم والأجدر تركه وإن قال به بعض الأئمة الكبار كالإمام الدارمي وبعض أهل السنة لكننا لسنا مقلدين لأحد .
الذين أثبتوا الحركة قد قصدوا بها النزول والإستواء والمجيء ولم يقصدوا غير ذلك كما هو واضح في كتبهم بدليل أنهم قالوا بها في مقام ردهم على الجهمية(أجدادكم القدامى) المنكرين للنزول والإستواء بحجة أن هذا يستلزم الحركة والانتقال-زعموا- .
وأما إن كنت تقصد بالحركة ما يماثل حركات المخلوقات فهذا باطل ننفيه جملة وتفصيلا.
و كلام الإمام الدارمي رحمه الله الذي ألزمتني به ليس وحياً من الله تعالى و لا هو بالمعصوم فليس لنا متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلتعلموا هذا جيدا لأننا سلفيون ولسنا دارميون بل كل يؤخذ من قوله ويرد, و كلام الدارمي جاء في مقابلة من زعم أن الله تعالى لا يفعل , فقابل الدارمي نفي الفعل بإثبات الحركة .
و قد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية المسألة فخلص الى ان جماعة من أهل العلم أثبتوا الحركة على معنى الفعل , و منهم من توقف في اللفظ و هو الأحسن و الأحكم لا لأن ابن تيمية قاله بل لأنه الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاستقامة (76-79):
"وكذلك لفظ الحركة أثبته طوائف من أهل السنة والحديث وهو الذي ذكره حرب بن اسماعيل الكرماني في السنة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم كالحميدي وأحمد بن حنبل وسعيد بن منصور واسحاق بن إبراهيم ....
ونفاه طوائف منهم أبو الحسن التميمي وأبو سليمان الخطابي ....
والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة وإن أثبت أنواعا قد يدرجها المثبت في جنس الحركة....
وقد نقل عنه في رسالة عنه إثبات لفظ الحركة مثل مافي العقيدة التي كتبها حرب بن إسماعيل وليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها فإني تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل والألفاظ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل لا ألفاظ الإمام أحمد ولم يذكرها المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد كأبي بكر الخلال في كتاب السنة وغيره من العراقيين العالمين بكتاب أحمد ولارواها المعروفون بنقل كلام الإمام لاسيما مثل هذه الرسالة الكبيرة وإن كانت راجت على كثير من المتأخرين"ا.هـ
و قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه "فتح الباري شرح صحيح البخاري"(6/533):
"أهل الحديث في النـزول على ثلاث فرق:
فرقة منهم تجعل النـزول من الأفعال الاختيارية التي يفعلها الله بمشيئته وقدرته وهو المروي عن ابن المبارك ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي
وهو قول طائفة من أصحابنا ومنهم : من يصرح بلوازم ذلك من إثبات الحركة .
وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين من أصحابنا مصنفاً في إثبات ذلك ورواه عن الامام أحمد من وجوه كلها ضعيفة لا يثبت عنه منها شيء"ا.هـ.
و الأمر كما قال شيخ الإسلام في مسألة الحركة في موضعه من الفتاوى
( والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبته الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه وهو أن يثبت النزول والإتيان والمجيء، وينفي المثل، والسمي، والكفؤ، والند ) اهـ.
فلا داعي لتكثير الجمل والحروف بالنقل عن بعض الأئمة الكبار بل نحن ليس لنا متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم وماعدا ذلك كل يؤخذ من قوله ويرد.
وهب جدلا أننا نثبت الحركة كما ادعيت وافتريت –لتُوهِمَ الصوفية الذين يقرؤون لك أنك استطعت أن ترد على موضوعي الذي حيرهم وأفزعهم – فقلي ما وجه استنكارك لذلك؟ هل لأن اللفظ لم يرد في الكتاب أو السنة؟ .
فإن كانت هذه حجتك فأين في الكتاب أو السنة أو كلام السلف الصالح مصطلح(الكلام النفسي) الذي أثبتموه لله جلا جلاله!.
وأين مصطلح(البدعة الحسنة) بل أين أصلها في الكتاب والسنة أم من كلام سلف الأمة هذا إن لم يكن سلفك إلا جهم وزمرته!
أم أن حجتك أن هذا من التشبيه ؟فإن كان كذلك فأنت المشبه لله بالجماد لأن الذي لا يتحرك ولا ينزل و لا يأتي ولا يجيء ولا يتكلم فلا يكون إلا جمادا فهنيئا لكم التشبيه الجديد بهروبك من التشبيه المُتوَهَمْ الذي لا أصل له إلا في عقولكم المتشبعة بالفلسفة والمنامات وكثرة الوسوسات .
وكذلك الذي لا يكون خارج العالم ولا داخله ولا فوق ولا تحت فهذا لا يكون إلا عدما فكيف سولت لكم أنفسكم أن جعلتم ظاهر كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام تشبيها وتناسيتم أن ظاهر كلامكم الجديد هو التشبيه بعينه!
فقد هرب بكم الشيطان من تشبيه غرسه في عقولكم إلى تشبيه زينه في قلوبكم كما قال تعالى((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))
وبهذا التزيين الشيطاني أصبحتم ترون الإثبات تشبيه والتحريف تأويل والتعطيل تفويض وتنزيه
فيا أيها القوم:
لا تجعلوا الإثبات تشبيها له يا فرقة التشبيه والطغيان
كم ترتقون بسلم التنزيه للتـــــــــعطي ل ترويجا على العميان
فالله أكبر أن تكون صفاته كصفاتنا جل عظيم الشَّانِ
هذا هو التشبيه لا إثبات أوصاف كمال فما هما سِيَّانِ
سميتم التحريف تأويلا كذا التعطيل تنزيها هما لقبان
وأضفتم أمرا إلى ذا ثالثا شرا وأقبح منه ذا بهتان
فجعلتم الإثبات تجسيما و تشبيها وذا من أقبح العدوان
فقلبتم تلك الحقائق مثل ما قُلِبَتْ قلوبكم عن الإيمان
وجعلتم الممدوح مذموما كذا بالعكس حتى استكمل اللّبْسَانِ.
15-أما قولك أيها الجهمي:
و في كتاب الرد على الجهمية للدارمي ص/ 36 يقول:
" قال الضاحك ابن مزاحم: ثم ينـزل الله في بهائه و جماله و معه ما شاء من الملائكة على مجنّبته اليسرى جهنم"
في كتاب "معارج القبول" تأليف حافظ حكمي عَلّق عليه صلاح عويضه و أحمد القادري - الطبعة الأولى طبعة دار الكتب العلمية الجزء الأول ص / 235 - يقول:" قال النبى: إن الله ينـزل إلى السماء الدنيا و له فى كل سماء كرسي ، فإذا نزل إلى السماء الدنيا ثم مد ساعديه ، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه".
في كتاب " معارج القبول " - الجزء الأول لحافظ حكمي ص/ 243 يقول:"يهبط الرب من السماء السابعة إلى المقام الذي قائمه"
وينسب هذا الكفر إلى رسول الله.
ويقول ابن تيمية في كتاب " شرح حديث النـزول "- طبع دار العاصمة ص/ 198 نسب ابن تيمية إلى الرسول أنه قال:
" إن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا"
أقول:
بادئ ذي بدأ يجب أن تعلم بل يجب أن تضع هذا نصب عينك أننا سلفيون ولسنا تيميون ولا دارميون فاحفظ هذا حتى تقتصد الكثير من الجمل والإلزامات التي سودت بها موضوعك.
ثم:
الدارمي فيما نقلت عنه إنما نقل أثر عن أحد السلف ألا وهو الضاحك ابن مزاحم فإن كان صحيحا فهو صحيح فهل ستطعن في الإمام الضاحك ابن مزاحم مثلما طعنتم في جمهور علماء السنة بل حتى بعض علماء الأشاعرة !
أما إن كان ضعيفا فنقول :لقد أخطأ الإمام الدارمي في نقله للأثر لأنه ضعيف .
وما قيل يقال في باقي الكلام الذي نقلته عن الحافظ الحكمي وابن تيمية فكلاهما ينقلان أثار وأحاديث فإن كانت صحيحة أثبتناها بكل ثقة واطمئنان مهما هولتم وشنعتم وإن كانت ضعيفة رددناها واعتذرنا للأئمة الذين اعتبروها صحيحة عن اجتهاد منهم فنحن كما قلت ولا أزال أقول:سلفيون ولسنا دارميون ولا تيميون ولا حكميون!
لكن أبشرك بأنك بترت كلام الحافظ الحكمي فإنه بعد أن ذكر حديث((: إن الله ينـزل إلى السماء الدنيا و له فى كل سماء كرسي......)) قال :(( رواه ابن منده قال وله أصل مرسل)) فالحديث مرسل فلا داعي أن تنشع لا الحكمي ولا على الحديث(وهذا منك ومن أمثالك غير مستغرب).
أما الحديث الثاني الذي ذكره الحكمي فلا علاقة له بالدنيا إنما عن الآخرة وهو ضعيف والحكمي لم يحكم لا بصحته ولا بضعفه إنما نقله ليقوي به أدلة نزول الله تعالى إلى الخلائق يوم القيامة للحساب فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة نزل الرب إلى العباد رواه مسلم.
فما قولكم في هذا الحديث هل ستنزل الملائكة لتحاسب الخلق يوم القيامة أم الله جلا جلاله!
فهل بعد هذا تبقى تتهم غيرك بالكذب والتدليس يا من حملت لواءه؟!
ومن تدليسك أنك ادعيت أن شيخ الإسلام ابن تيمية نسب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال((" إن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا)) وهذا كذب على شيخ الإسلام إنما ابن تيمية نقل ذلك عن ابن مندة فقط.
قال رحمه الله((فهذا تلخيص ما ذكره عبد الرحمن بن منده،مع أنه استوعب طرق هذا الحديث وذكر ألفاظه مثل قوله: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأول, فيقول: أنا الملك، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك إلى الفجر). وفي لفظ: (إذا بقي من الليل ثلثاه يهبط الرب إلى سماء الدنيا) وفي لفظ: "حتى ينشق الفجر ثم يرتفع"، وفي رواية يقول: "لا أسأل عن عبادي غيري, من ذا الذي يسألني فأعطيه"، وفي رواية عمرو بن عبسة: "أن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا"، وفي لفظ: "حتى ينشق الفجر، ثم يرتفع" وذكر نزوله عشية عرفة من عدة طرق) انتهى كلامه من المصدر الذي أحلتني إليه!!!
فأنظر واعدد كذباتك فليس لي الوقت الكافي لعدها وحصرها .
لكن السؤال المهم هو أن يقال لك:لما استنكرت الحديث ألأنك درست طرقه فبان لك ضعفه أم لأنه لم يتقبله عقلك !
فإن كانت الأولى فأين حجتك في بيان ضعفه؟! وإن كانت الثانية فقد أظهرت للناس مدى تهجمك على أقوال النبي عليه الصلاة والسلام وأن عداوتك بل عداوتكم (لأنك تنسخ من غيرك) ليست للدارمي وابن تيمية والحكمي فحسب بل لأقوال الله تعالى ورسوله التي تناولتموها تارة بالتحريف وتارة بالتعطيل ,ولا عجب فأنتم لم تتقبلوا لفظ(ينزل) فلما تقبلون لفظ(يتدلى)!!!!
16-قال الجهمي:
ونقول النزول في حق الله لا يلزم منه الانتقال كما تدعون فإن لم يكن معنى النزول عندك هو الانتقال تابعاً لعقيدة الحشوية مثل من ذكرنا فاسكت كما سكت بعض السلف
ولا تتكلم على ما لم يفسر السلف!
ولا نعتقد انك ستصمت لان عقيدتك كشفت للجميع.!!
أقول: بل لم تحرفوا النزول إلا لأنكم فهمتم منه الحركة والإنتقال فأنتم لا تفهمون من صفات الخالق إلا ما تشاهدوه في المخلوق فتقيسون الغائب على الشاهد تماما مثل اليهود والنصارى ,ودعواك أننا نقول بالحركة قد تم بيان زيفها ولله الحمد والمنة ,وحقيقة لقد صدعت رؤوسنا بالكلام عن الحركة والإنتقال مع أنني لم أثبتها ولم أنفيها وإلى الآن لم نراك ترد على حججي ولا على ردودي!!! فعن أي تزوير تتحدث وعن أي تدليس تدندن !!
إن كنت تريد خداع معجبيك من الصوفية والجهمية فهم مخدوعين من الأول لأن عقولهم لم تستنر بالوحي المنزل وإن كنت تريد خداع عوام الناس فإن أغلب العوام بل جلهم يقولون بما ورد في الكتاب والسنة من الصفات ولا يفهمون منها تشبيها بالرغم من أنهم لم يدرسوا في الجامعات الجهمية ولا الأشعرية ولا الإعتزالية ولا حتى السلفية بل لأنها الفطرة التي جعلت شيوخكم يتمنون لو يموتوا على عقيدة العجائز فقبل أن تريد مني أن أصمت على بهتانك وجهالاتك عليك أن تسكت أنت على اتهام غيرك فلا ترمي غيرك بالحجارة وبيتك من زجاج.
ومن فضلك لا تتكلم عن السلف فمذهبك ليس له سلف إلا جهم الذي أخذ دينه عن فلاسفة اليونان فمنذ متى كنتم تستشهدون بالسلف أصلا!
فهل مما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة : تقديم العقل على النقل أو نفي الصفات ما عدا المعنوية والمعاني ، أو الاستدلال بدليل الحدوث والقدم ، أو الكلام على الجوهر والعرض والجسم والحال ، أو أن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي ، أو القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ، أو الكلام النفسي الذي لا صيغة له ، أو نفي قدرة العبد وتأثير المخلوقات ، أو إنكار الحكمة والتعليل … إلى آخر ما في عقيدتكم ؟
إننا نربأ بكل مسلم أن يظن ذلك أو يقوله .
بل نحن نزيدكم إيضاحاً فنقول :
إن هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم ، هي ما كان عليه فلاسفة اليونان ومشركوا الصابئة وزنادقة أهل الكتاب .
لكن ورثها عنهم الجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن كلاب وأنتم ورثتموها عن هؤلاء ، فهي من تركة الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب .
ومن أوضح الأدلة على ذلك أننا ما نزال حتى اليوم نرد عليكم بما ألفه أئمة السنة الأولون من كتب في الردود على " الجهمية " كتبوها قبل ظهور مذهبكم بزمان ، ومنهم الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والدارمي وابن أبي حاتم …
فدل هذا على أن سلفكم أولئك الثلاثة وأشباههم مع مازدتم عليهم وركبتم من كلامهم من بدع جديدة .
على أن المراء حول الفرقة الناجية ليس جديداً من الأشاعرة ، فقد عقدوا لشيخ الإسلام ابن تيمية محاكمة كبرى بسبب تأليفه " العقيدة الواسطية " وكان من أهم التهم الموجهة إليه أنه قال في أولها : " فهذا اعتقاد الفرقة الناجية… " .
إذ وجدوا هذا مخالفاً لما تقرر لديهم من الفرقة الناجية هي الأشاعرة والماتريدية .
وكان من جواب شيخ الإسلام لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتاباً من كتب المذاهب الأربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة .
وتحداهم رحمه الله قائلاً : " قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين ، فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة … يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك " .
قال : " ولم يستطع المتنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه " .
فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين :
إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع ، وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والاتباع .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس.
يتبع...
حمدي أبوزيد
2009-07-26, 12:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله .
بارك الله فيك أخي جمال وجزاك الله خير الجزاء وأحسنه .
هم والله الكذابون المجسمون .. إذ لا يفهمون من النزول إلا الحركة والانتقال ،
وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالي : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ( 11 : الشورى )
فقد نفي الله تعالى أن يشبهه شيئاً من خلقه ، وأثبت لنفسه السمع والبصر !
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46 : الحج )
جمال البليدي
2009-08-14, 05:55 PM
17-وقد حاول الجهمي أن يضعف أثر الإمام الشافعي الذي فيه((القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء)).
مع أن الأثر لا يوجد فيه لا حركة ولا انتقال إنما فيه إثبات ما أثبت الله لنفسه مع عدم الخوض في الكيف !!!. فقد أفصح هذا الجهمي على ما في قلبه فهو لا ينكر الحركة والإنتقال أو غيرها من الألفاظ التي أحدثوها بأنفسهم إنما هو ينكر ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله!!!.
وبالرغم من أن هكاري الذي نسب هذا القول للإمام الشافعي( لم يكن موثقا ويغلب على حديثه الغرائب والمنكرات إلا أن الكتاب المنسوب للشافعي من طرف الهكاري قد أثبته علماء أجلاء وأئمة محققون منهم:
ابن قدامة في العلو
والذهبي في العلو
وفي السير وسماه معتقد الشافعي
والسبكي في الطبقات
والروداني في صلة الخلف
والسيوطي في الأمر بالاتباع
ولو كان السند في قول الشافعي هنا ضعيف ؛ فإثبات عقيدة الشافعي رحمه الله نص عليها أكثر من واحد وهي موافقة لعقيدة السلف .
ورسالة الهكاري , وإن كانت ضعيفة , فقد قبلها العلماء ونقلوا عنها لأنها لا تخالف ما ثبت في اعتقاده من غير طريق الهكاري)(1) .
قال الحافظ ابن حجرفي الفتح (13/418) الطبعة السلفية (( وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونسبن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعدثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لايدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه))
قلت هذا سندٌ صحيح فلا عشاري هنا ولا هكاري ولا حتى مقدسي وكتاب مناقب الشافعي لابن أبي حاتم من مرويات الحافظ في معجمه المفهرس (183)
وليس في سنده العشاري أو الهكاري أو المقدسي ونفي الشافعي للتشبيه يدل على أنه يثبت الصفات _ كما صرح بذلك _ إذ أن المفوض لا يثبت شيئاً فلا يرد عليه استلزام التشبيه _الذي يتصوره أصحاب العقول المريضة_ (2).
الذب عن عرض الإمام الدارمي :
18-قال الجهمي معلقا على قول الإمام الدارمي الآتي:
والآثار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه ,بائن من خلقه))انتهى كلام الإمام الدارمي.
فقال هذا الجهمي معلقا:
فهذا الدرامي مجسم مشهور عنه التجسيم وفي أقواله ما يشين الإسلام ، فانظروا إلى من يأخذون بأقوالهم .. فله كتاب تشمئزُّ منه نفوس الذين ءامنوا من بشاعة الذي فيه.
أقول:
كان عليك أن ترد على كلام الدارمي بالحجة والبرهان لا الخروج عن الموضوع والتهجم على شخص الإمام الدارمي رحمه الله فلسنا هاهنا نتكلم عن عقيدة هذا أو ذاك بل عن الأدلة والنصوص الأثرية فلا تخلط بين الدليل وبين صاحبه !.
لكنك أثبت عجزك وهروبك عن الرد على الإمام الدرامي فلم تجد سبيلا إلا التهجم عليه مع أن كلامه لا يخالف أئمة أهل السنة في شيء
فقد قال الإمام المشهور ابن أبي زمنين رحمه الله(399ه)تعليقا على حديث النزول : هذا الحديث بين أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون الأرض,وهو أيضا بين في كتاب الله,وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم ذكر آيات دالة على علو الله تعالى)).
وقال ابن عبد البر رحمه الله((هذا الحديث ثابت من جهة النقل ,صحيح الإسناد,لا يختلف أهل الحديث في صحته و فيه دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوص سبع سماوات,وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر,ثم ذكر الآيات الدالة على علو الله عز وجل(
أما فرية التجسيم والتشبيه فليست بجديدة من أتباع المريسي وجهم بن صفوان فقد تعودنا عليها منهم فكل من آمن بصفات الله عز وجل فهوعندكم تارة مشبه وتارة مجسم أما المكذبون المحرفون والمعطلون فهم عندكم منزهون. وما هم والله إلا جاهلون بعيدون عن نور الكتاب والسنة فهم لا يفهمون من النصوص إلا التشبيه والتجسيم كما بينت آنفا.
إن نفيكم لعلو الله تعالى على العرش أو نزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة بدعوى التجسيم خطأ في اللفظ والمعنى ,وجناية على ألفاظ الوحي.
أما اللفظي :فتسميتكم علو الله على العرش أونزوله إلى السماء الدنيا تجسيما وتشبيها وتحيزا.وتواصيك م بهذا المكر الكبار إلى نفي ما دل عليه الوحي,والعقل والفطرة,فكذبتم على القرآن وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اللغة,ووضعتم لصفاته ألفاظا منكم بدأت وإليكم تعود.
وأما خطأكم في المعنى : فنفيكم,وتعطيلكم لعلو الرحمن أو نزوله بواسطة هذه التسميات والألقاب ,فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر ,وكنتم في ذلك بمنزلة من سمع أن في العسل شفاء ولم يراه,فسأل عنه فقيل له : مائع رقيق أصفر يشبه العذرة تتقيأه الزنابير,ومن لم يعرف العسل ينفر عنه بهذا التعريف ,ومن عرفه وذاقه لم يزده هذا التعريف عنده إلا محبة له,ورغبة فيه,وما أحسن ما قال القائل :
تقول هذا جني النحل تمدحه***وإن تشاء قل ذا قيئ الزنابير
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما***والحق قد يعتريه سوء التعبير.
ومن عادة أهل السنة أنهم يستفصلون في مثل هذه الألفاظ التي أحدثتموها فنقول لكم:
وإذا أردتم بالجسم المركب وهو ما كان مفترقا فركبه غيره, والمركب المعقول هو ما كان مفترقا فركبه غيره كما تركب المصنوعات من الأطعمة والثياب والأبنية ونحو ذلك من أجزائها المفترقة
والله تعالى أجل وأعظم من أن يوصف بذلك بل من مخلوقاته ما لا يوصف بذلك ومن قال ذلك فهو من أكفر الناس وأضلهم وأجهلهم وأشدهم محاربة لله.
وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ,و يُرَى بالأبصار,ويتكلم, و يُكلِمْ,ويسمع,وي بصر,ويرضى ويغضب,فهذه المعاني ثابة للرب تعالى وهو موصوف بها,فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما,ولا نرد ما أخبر به الصادق عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية الأعداء الحديث لنا حشوية,ولا نجحد صفات خالقنا وعلوه على خلقه وإستواءه على عرشه,لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك مجسما مشبها.
فإن كان تجسيما ثبوت استوائه ***على عرشه إني إذا لمجسم
وإن كان تشبيها ثبوت صفاته***فمن ذلك التشبيه لا أتكتم
وإن كان تنزيها جحود استوائه***وأوصاف أو كونه يتكلم
فعن ذلك التنزيه نزهت ربنا***بتوفيقه والله أعلى وأعلم.
وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية,فقد أشار إليه أعرف الخلق بأصبعه رافعا لها إلى السماء, يُشْهِدُ الجمع الأعظم مشيرا له.
وإن أردتم بالجسم ما يقال أين هو؟فقد سأل أعلم الخلق به عنه بأين منبها على علوه على عرشه.
وإن أردتم بالجسم ما يلحقه(من) و(إلى) فقد نزل جبريل من عنده ,ونزل كلامه من عنده,وعلاج برسوله صلى الله عليه وسلم إليه,وإليه يصعد الكلم الطيب,وعنده المسيح رفع إليه.
وإن أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ,ومستويا على غيره ,فهو سبحانه فوق عباده مستو على عرشه.
أما قولك((فانظروا إلى من يأخذون بأقوالهم .. فله كتاب تشمئزُّ منه نفوس))فهذا جهل كبير منك لأن كتاب الدارمي قد أثنى عليه الأئمة الكبار بل ونقلوا منه لكونه ثقة من إمام ثقة
فلو كان الأمر على طريقتك أيها الجهمي لما اعتمده الحافظ ابن حجر قط ولا الحافظ الذهبي ولاابن كثير وغيرهم من الحفاظ الجبال الذين اعتمدوه في عزو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
و نحن نذكر صورا من إعتمادهم على هذا الكتاب في العزو :
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ( الاية 11 من سورة الواقعة ) :
وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه: "الرد على الجهمية"، ولفظه: فقال الله عز وجل: "لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان" ) اهـ ج7 ص517
و قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 18 ص 215 :
وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى الْوَلِيد فَأَخْرَجَهُ عُثْمَان الدَّارِمِيّ فِي " النَّقْض عَلَى الْمَرِيسِيّ " عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ الْوَلِيد فَقَالَ : عَنْ خُلَيْد بْن دَعْلَج عَنْ قَتَادَة عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَذَكَرَهُ بِدُونِ التَّعْيِين ، قَالَ الْوَلِيد وَحَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز مِثْل ذَلِكَ وَقَالَ : كُلّهَا فِي الْقُرْآن ( هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم ) وَسَرْد الْأَسْمَاء .. ) اهـ
و قال في الفتح ج 20 ص 484 :
وَقَدْ أَخْرَجَهُ عُثْمَان الدَّارِمِيُّ فِي كِتَاب الرَّدّ عَلَى بِشْر الْمَرِيسِيّ عَنْ مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل مِثْله ) اهـ
و قال السيوطي في الدر المنثور ( تفسير الاية 29 من سورة البقرة ):
( وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن ابن مسعود قال : بين السماء والأرض خمسمائة عام ، وما بين كل سماءين خمسمائة عام ، ومصير كل سماء يعني غلظ ذلك مسيرة خمسمائة عام ، وما بين السماء إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ذلك الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام . والعرش على الماء ، والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه . ) اهـ
و قال في موضع آخر ( تفسير الاية 8 من سورة التغابن) :
(وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهميه عن ابن عباس قال : سيد السموات السماء التي فيها العرش ، وسيد الأرضين التي نحن عليها ) اهـ
و قال المتقي الهندي – ت 975 هـ - في كنز العمال :
(1545 - عن عمر قال قلت يا رسول الله أرايت ما نعمل فيه امر مبتدع أو مبتدا أو ما قد فرغ منه قال فيما قد فرغ منه قلنا أفلانتكل قال فاعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر لما خلق له ومنكان من أهل السعادة فانه يعمل بالسعادة أو للسعادة واما من كان من اهل الشقاوة فانه يعمل بالشقاء أو للشقاوة { ط حم ورواه مسدد إلى قوله وقد فرغ منه وزاد قلت ففيم العمل قال لا ينال إلا بالعمل قلت إذا نجتهد والشاشى قط في الافراد وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد
على الجهمية ص خ في خلق افعال العباد ابن جرير وحسين في الاستقامة } ) اهـ ج1 / 338-339
و قال أيضا في موضع آخر من الكتاب :
4158 - عن عمر قال : ان هذا القرآن كلام الله ، فلا أعرفنكم ما عطفتموه على أهوائكم.
(الدارمي عثمان بن سعيد في الرد على الجهمية ق في الاسماء والصفات).) اهـ ج2 /329
و ذكره في كتابه هذا في أكثر من موضع
و جاء في فتاوى الرملي للعلامة شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي – ت - :
( سُئِلَ ) أَيُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ أَفْضَلُ ؟ ( فَأَجَابَ ) أَخْرَجَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ سَيِّدُ السَّمَوَاتِ السَّمَاءُ الَّتِي فِيهَا الْعَرْشُ وَسَيِّدُ الْأَرْضِينَ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا .
ا هـ .
و بعد هذا : أفيليق بابن كثير و ابن حجر و السيوطي و المتقي الهندي و غيرهم كثير : ان يعتمدوا في تخريج أحاديث النبي الأمين عليه الصلاة و السلام على كتاب طافح بالتجسيم كما ذكرت وتوهمت!.
وأمثلة على ذلك
الله له لسان عند الدرامي المجسم
نعم لله ( تعالى الله ) لسان عن الدرامي حيث يقول عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي ص316 ما نصه: (الكلام لا يقوم بنفسه شيئاً يرى ويحس إلا بلسان متكلم به).
قلت:ولا يوجد في هذا الكلام الذي نقلته عن الإمام الدارمي إضافة اللسان للرب تبارك وتعالى!!!.
لكنني أعذرك فأنت تنسخ من غيرك وليس لك سلف في قولك إلا شيخك الكوثري المعروف بتهجمه على أهل العلم بما فيهم الحافظ ابن حجر الذي تمسحت به.
ص/ 81 من مطبوعة السويد سنة 1960 يقول الدارمي:" قال كعب الأحبار: لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق موسى يقول: أي رب ما أفقه هذا حتى كلّمه ءاخر الألسنة بلسانه بمثل صوته يعني بمثل لسان موسى و بمثل صوت موسى".
أقول: ولا يوجد هاهنا إثبات اللسان لله تبارك وتعالى إنما إثبات اللغة التي تكلم بها الله عز وجل فاللسان يطلق على اللغة كذلك أفلم تقرأ قوله تعالى((( وإنه لتنزيل رب العالمين ( 192 ) نزل به الروح الأمين ( 193 ) على قلبك لتكون من المنذرين ( 194 ) بلسان عربي مبين ( 195 ) ))).
فالله عز وجل تكلم باللسان العربي أي باللغة العربية وليس ها هنا إثبات اللسان بالمفهوم الذي ترمي إليه.
وهذا الكلام الذي نقلته إنما هو منسوب لكعب الأحبار فليس الدارمي إلا ناقل لوكنت تفقه!!!
الله اذا أراد يستقر علي ظهر بعوضة تُقِلُه والعياذ بالله
قوله (1/458) : " ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم " .
والجواب عليك من ثلاث أوجه:
الأول: أن هذا الكلام قد قاله الإمام الدارمي في مقام النقض والرد لا مقام التقرير فالفرق شاسع بينهما فهو يرد على المريسي الذي أنكر علو الله تعالى ,ومقام الرد غير مقام التقرير, وشيوخك الجهمية إلى يومنا هذا لم يجدوا في الكتب السلفية ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالتجأوا إلى نقل عبارات لبعض الأئمة السلفيين قد تكون أحيانا مطلقة لها تقييد في مقام الآخر فأخذوا بالمطلق وتركوا المقيد أو تكون أحيانا في مقام الرد على أهل البدع فجعلها شيوخك تقريرا وحجة للطعن في نهج السلف الصالح.
الثاني:الإمام الدارمي لم يجزم في كلامه بل إستعمل لفظ(لو قد شاء) وأنت توهم الناس بتشنيعك أنه يجزم.
الثالث:على فرض خطأ الدارمي فإنه رغم إمامته ومكانته لدى علماء الأمة إلا أنه يبقى بشر يصيب ويخطئ فلا داعي لكل هذا التهويل والتشويش وقارع الحجة بالحجة فإنك لم تفند شيئا ولم ترد على شيئ!!!.
19-لقد اقتبس الجهمي كلام الإمام الطبري الآتي((
وأنه سبحانه وتعالى يهبط كل ليلة وينزل إلى السماء الدنيا,لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم))(
ثم علق عليه قائلا:
نقول لم يقصد الإمام الطبري الحركة والإنتقال كما تصرحون في كتبكم وأن الله ينزل حقيقة ويتحرك كيفما شاء فهذه عقيدة فاسده
فينبغي لمن استند إلى هذا المقال والحالة أنه يرتضي كلام الإمام ابن جرير الطبري ويأخذ بأقواله أن يتبع محكم كلام الطبري الواضح الصريح ويقدمه على متشابهه وفي نفس الكتاب ليعلم القاصي والداني أن من الدلائل على أن هؤلاء النقلة لا يتقون الله عز وجل ولا يخافون من يوم الحساب أنهم ينقلون ما يريدون مما يؤيد مذهبهم ولا ينقلون كل المعاني ويحررون موطن النزاع ..
وقد صرح الإمام الطبري في كتاب التبصير (ص 201)
(باجتماع الموحدين من أهل القبلة وغيرهم على فساد وصف الله تعالى بالحركة والسكون.)
وهذا نص صريح قاطع لا يحتمل التأويل في نفي حمل الهبوط ـ إن صح- على حقيقته المعهودة في الأجسام ولو مع نفي العلم بكيفية ذلك الهبوط بخلاف لفظ الهبوط فهو من حيث اللغة والفهم وقبول التأويل كلفظ النزول فصار نفي الحركة والسكون على الله تعالى من طرف الإمام الطبري ونقله الإجماع على ذلك من باب الكلام المحكم الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا وأما إثبات الهبوط والنزول فهو من باب إثبات المتشابه الذي له مجموعة احتمالات منها احتمال مقطوع بفساده وهو الاحتمال الملازم للحركة والسكون ومنها احتمالات أخرى تصح نسبتها إلى الله تعالى ولا يعلم حقيقة تأويلها إلا الله تعالى والذي يهمنا هنا أنّا إذا صححنا إرادة الإمام الطبري للمعنى الحقيقي المعهود بيننا من الهبوط والنزول ومع ذلك صححنا نفيه للحركة والسكون على الله تعالى جعلناه متناقضا تناقضاً صريحاً ويتنزه الإمام الطبري عن مثل هذه التناقض الذي لا يقع فيه إلى غبي مجسم فلم يبق إلا اتباع المحكم من كلامه وهو نفي الحركة والسكون على الله تعالى ونبذ المعنى الفاسد من المتشابه وحمله على محامل صحيحية أو تفويض علم حقيقته إلى الله تعالى كما صرح بذلك ابن قدامة مثلا في روضة المناظر وفي هذا كفاية للمتأمل.
أقول:
لا زلت أيها الجهمي تصدع رؤوسنا بالكلام على ألفاظك المبتدعة(حركة –سكون) مع أننا نثبت النزول ولا نقول لا بالحركة ولا بالسكون إنما نثبت ما أثبت الله لنفسه وقد تقدم الكلام عن هذا مرارا وتكرارا .
والمضحك أنك تدندن حول الرجوع إلى الكلام المحكم وكأن هذا الكلام غامض يحتاج منك إلى تحريف جديد فبعد أن حرفتم النزول إلى عدة تحريفات ها أنت تحاول جاهدا تحريف الهبوط مع أن النزول والهبوط معنى واحد ,وفي هذا أقوى رد على بطلان بدعة التعطيل الذي تسمونها تفويض أو تنزيه فهاهو الإمام الطبري لا يتوقف عن تفسير لفظ( النزول) بل يصرح ويقول باللفظ المرادف له ألا وهو (الهبوط) فهل ستسألني مثلما يفعل شؤيوخك عن معنى (الهبوط) بعد أن سألتم عن معنى (النزول) وكأنكم أعاجم لا تفهمون اللغة العربية؟!...إن الذي له الحق في السؤال هم أهل السنة والجماعة عن ألفاظكم المبتدعة المجملة المحدثة(حركة-سكون-حيز-حد-جهة-جسم-جارحة) والله نحن أولى من السؤال عن هذه الألفاظ منكم لأن ألفاظنا نطق بها الكتاب والسنة أما ألفاظكم فليس إلا خزعبلات صدعتم بها رؤوسنا فـتأمل!.
ولا تناقض بين إثبات النزول ونفي الحركة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن النزول ولم يخبرنا عن كيفيته فنؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدينا ولا نفوض الكيفية فالغباء غباءك والتجسيم تجسيمك لأنك لا تفهم من صفات الله إلا ما تراه في المخلوقات.
وقد أثبت الإمام الطبري صفة العلو لله تعالى كما فسر الاستواء بالعلو والإرتفاع مما يدل على أنه لم يكن معطلا ولا محرفا بل مثبتا سلفيا
قال رحمه في تفسير قوله تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) يقول : وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم , وهو على عرشه فوق سماواته السبع . ( تفسير الطبري 27 / 216 )
و قال رحمه الله في تفسيره : ( وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : { ثم استوى إلى السماء فسواهن } علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات )
و قال رحمه الله في تفسيره لسورة الملك (( {أم أمنتم من في السماء} وهو الله ))
و قال ايضا رحمه الله : (وعني بقوله : { هو رابعهم } بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه وهو على عرشه )
وقال ايضا في تفسير سورة المعارج (( يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله عز و جل ))
20-ومن عجيب صنع هذا الجهمي المتعالم أنه أورد شبهة قد رددت عليها في نفس الموضوع الذي يدعي أنه يرد علي فيه مما يدل على أنه رد علي حتى يقال له لقد رد
فقال هذا الجهمي:
كما أن حديث النزول يمكن أن يؤول بحديث آخر فلماذا التجسيم واجب في تشبيه رب العباد والقول انه يتحرك ينتقل من علو لسفل ومن سفل لعلو فقولوا خيراً أو اسكتوا أفضل لكم أيها الحشوية.
( إن الله يمهل حتى إذا كان شطر الليل الآخر أرسل ملكاً...... وفي رواية أمر منادياً)
هذا الحديث في شعب الإيمان للبيهقي ج3/ص335
_عمل اليوم والليلة النسائي ج/1ص340
الطبراني ج9/ص55
مسند إسحاق بن راهويه
إعتقاد أهل السنة اللالكائي ج1/222
وكذلك من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه في
ج1/ ص234 الترغيب والترهيب ج1/ص320
والترغيب والترهيب ج2/ص61
وفيه كل ليلة من رمضان فيض القديرج2/316
وعلل الترمذي ج1/ص83
ونيل الأوطار ج3/ص70 وج4/ص420
وغير هذا كثير.
وهكذا يجب التوفيق بين الأحاديث
فلا ينبغي الإقتصار على رواية واحدة طالما يمكننا الجمع بين الروايات وحمل بعضها على بعض وفق الشروط المعتبرة عند العلماء.
أقول: وكأنك أيها الجهمي لم تقرأ ردي على هذه الشبهة أم أنك تجاهلته ليقال : لقد رد...
فأعذرني أيها الراد المتهور أن أنقل ردي القديم على تخبط الجسيم وبهتانك الأثيم :
أولاً: أن هذه الرواية لا ذكر فيها: لا لنزول الله ولا نزول الملك، فمن أين حكمت بأن النزول هو نزول الملك بأمره؟ فالتعويل على هذه الرواية يلغي موضوع النزول برمته.
ثانياً: أنه تفرد بهذه اللفظة حفص بن غياث وهو ممن تغير حفظه قليلا بأخرة,وخالفه غير واحد من الثقات ,مثل:شعبة ومنصور بن المعتمر وفضيل بن غزوان ومعمر بن راشد,فرووه بلفظ((إن الله يمهمل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ,نزل إلى السماء الدنيا,فيقول:ه من مستغفر....)).
فروايته السابقة شاذة وإن صحت فلها وجه وهو:
الثالث : إن هذا إن كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك,..ويأمر مناديا فينادي...لا أن المنادي يقول((من يدعوني فاستجيب له)) ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه-مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفا عن السلف-فاسد في المعقول,يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين,كما روى بعضهم((يُنزِّل )) بالضم وكما قرأ بعضهم(وكلم اللهَ موسى تكليما))(39) ونحو ذلك من تحريفهم للفظ والمعنى .
الرابع : أن الرواية على ضعفها خبر آحاد وتمسككم ينقض ما زعمتم التزامه وهو عدم الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد.
الخامس : أن تحريفكم هذا يحقق حكم أبي الحسن الأشعري فيكم أنكم من أهل الزيغ والضلالة. فقد روى الحافظ ابن عساكر عن أبي الحسن الأشعري أن الله هو الذي "يقول (هل من سائل هل من مستغفر) خلافاً لما قاله أهل الزيغ والضلالة.
وقال "ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا(.
فاعدد: كم من المسائل خالفت بها الأشعري ووافقت بها المعتزلة.
فهلا رددت على هذا بدلا من سياسة الهروب إلى الأمام .
21-قال الجهمي:
ولتوضيح المقصود
حديث: مرضت فلم تعدني، بـ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟
فهم يأولون الحديث هنا بأنه ليس الله بنفسه وذاته يوجد عند العبد فمن أين لهم هذا الفهم ولماذا لجأوا للتأويل ولم يقولوا إن الله عند العبد بنفسه وذاته كما يدعون في جميع أقوالهم في فهم الاحاديث والآيات؟؟
فيقولون إن الحديث مفسر
فنقول لهم فلماذا لا يأول حديث النزول بتتمة الحديث: بقوله: هل من سائل يعطى هل من مستغفر يغفر له هل من تائب يتاب عليه، فالنزول هو نزوله بهذه الكلمات عن طريق الملك...
أقول:
أولا: لقد أثبت لكل قارئ منصف أنك متخبط في ضلالك غير واضخ في عقيدتك فتارة تشيد بالتعطيل والآن تميل إلى التحريف فاثبت على قول ودع عنك الرقص بين النقيضين واختر أحدهما إما تعطيل أو إما تحريف.
ثانيا:إننا ولله الحمد والمنة نثبت ما أثبت الله لنفسه ونفسر آيات الصفات على ظاهرها والظاهر لا يعرف إلامن سياق الكلام فظاهر حديث(بـ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)) أي وجدت ثوابى عنده وكرامتى ورحمتى والدليل على ذلك ما قاله عز وجل بعد ذلك ( لو أطعمته لوجدت ذلك عندى ) أى لوجدت ثوابه وجزاءه عندى .
وفي هذا يقول الإمام النووي((ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث لو أطعمته لوجدت ذلك عندي لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه والله اعلم[
ثم إن العندية لا تستلزم المخالطة والمماسة ومن الأدلة قوله تعالى { ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته}
وقوله عليه الصلاة والسلام .:(( لما قضى الله الخلق كتاب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي ))
فالملائكة عند الله ؛ وهذا الكتاب عند الله ولا يفهم المخالطة والمماسة , وهذا لازم له .
فلا يوجد تأويل هاهنا ألبتة , وكذلك في حديث النزول فأن ظاهره أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول عند نزوله((هل من سائل يعطى هل من مستغفر يغفر له هل من تائب يتاب علي)) فنزوله حقيقة وكلامه بهذه الكلمات حقيقة فكما أن الكلام منسوب إليه وحده فكذلك النزول منسوب إليه وحده فهو وحده الذي ينزل وهو وحده الذي يقول((هل من سائل يعطى هل من مستغفر يغفر له)) فتدبر وكف عنك التحريف فإنه طريق مسدود ومن رب العباد مردود.
وأما قولك بعد ذلك(فهذا قولنا في النزول ولا نقول نزول على الحقيقة)).
فهذا من التناقض الذي سودت به موضوعك فالأصل في الكلام الحقيقة لا الخيال فهل تقول بأن الله لم يخلقك حقيقة ولم يكتب رزقك حقيقة ولا يحاسبك يوم القيامة حقيقة ولم يخلق السموات والأرضون حقيقة!!!
فدعك إذن من هذا الهذيان!.
--------------
(1)من رسالة خاصة للأخ عبد الباسط بن يوسف الغريب.
(2) من رسالة خاصة للأخ عبد الله خليفي.
عبد الباسط بن يوسف الغريب
2009-08-14, 06:37 PM
جزاك الله خيرا وبارك فيك
خالد المرسى
2009-08-16, 02:44 AM
أحييك اخى جمال علىحماستك مع سنك الصغير
لكنى استغرب انى منذ رأيتك هنا لم أرك تشارك فى موضوع خارج الاسماء والصفات أو تكتب موضوع خارحه ؟!! مالسبب :)
أبومعاذالمصرى
2009-08-16, 11:44 PM
اخى من تحاور ؟!
الانصاف يقتضى ان تحاور من يملك الرد عليك فى نفس الموقع
الاخ صقر الاسلام يصول ويجول فى منتديات الصوفية والاشاعرة ولايجد من يرد عليه ردا يشفى الغليل اللهم الا الضعفاء امثالى وغالبا ليس لهم النفس الطويل فلايكملون الحوار
لقد رد على موضوعكم وزعم انه نقض الموضوع فياليتكم تردون عليه فى تلك المواقع حتى يكون الحوار متكافئا
جعلكم الله تعالى ممن يذودون عن الحق وينصرون السنة
جمال البليدي
2009-08-27, 04:28 AM
السلام عليكم ورحمة الله .
بارك الله فيك أخي جمال وجزاك الله خير الجزاء وأحسنه .
هم والله الكذابون المجسمون .. إذ لا يفهمون من النزول إلا الحركة والانتقال ،
وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالي : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ( 11 : الشورى )
فقد نفي الله تعالى أن يشبهه شيئاً من خلقه ، وأثبت لنفسه السمع والبصر !
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46 : الحج )
وفيك بارك الله أخي الفاضل وجزاك الله خيرا على تعليقك المفيد.
جمال البليدي
2009-08-27, 04:29 AM
جزاك الله خيرا وبارك فيك
وإياكم شيخنا الفاضل ونشكر لكم توجيهكم وإفادتكم لي .
جمال البليدي
2009-08-27, 04:31 AM
أحييك اخى جمال علىحماستك مع سنك الصغير
لكنى استغرب انى منذ رأيتك هنا لم أرك تشارك فى موضوع خارج الاسماء والصفات أو تكتب موضوع خارحه ؟!! مالسبب :)
العفو أخي الكريم .
يمكنك زيارة مدونتي لتجيب على سؤالك(ابتسامة).
جمال البليدي
2009-08-27, 04:35 AM
اخى من تحاور ؟!
الانصاف يقتضى ان تحاور من يملك الرد عليك فى نفس الموقع
الاخ صقر الاسلام يصول ويجول فى منتديات الصوفية والاشاعرة ولايجد من يرد عليه ردا يشفى الغليل اللهم الا الضعفاء امثالى وغالبا ليس لهم النفس الطويل فلايكملون الحوار
لقد رد على موضوعكم وزعم انه نقض الموضوع فياليتكم تردون عليه فى تلك المواقع حتى يكون الحوار متكافئا
جعلكم الله تعالى ممن يذودون عن الحق وينصرون السنة
للأسف فالأمر ليس كما قلت فموقعهم حذف لي الكثير من ردودي ففضلت الرد عليهم بعيدا .
فقولك(ليس لهم النفس الطويل) فهذا غير صحيح فإنك لا تدري ماذا يجري وراء الكواليس فقد حذفوا لي عدة ردود وهي عندي مصورة إن شئت أرفعها لك لترى كم حذفوا لي من ردود علمية هناك.
والمدعوا صقر الإسلام ليس إلا ناسخ إلكتروني كما تبين لي فلا يغرنك تقلبه في المنتديات فهو لا يبلغ مرتبة طويلب علم .
جمال البليدي
2009-08-27, 04:36 AM
22-قال الجهمي :
و قد حكى الإمام الشهرستاني عن المشبهة والحشوية أمثالكم فقال:
" معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض, إما روحانية وإما جسمانية, ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن) الملل ص 105
أقول:
لقد حرفت كلام الشهرستاني بالرغم من أنه أشعري (وأنت جهمي) فإليك بيان تحريفك وتدليسك :
قال الشهرستاني:
(فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف, فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث, مثل : مالك بن أنس ومقاتل بن سليمان, وسلكوا طريق السلامة فقالوا : نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة, ولا نتعرض للتأويل, بعد أن نعلم قطعا أن الله عز وجل لا يشبه شيئا من المخلوقات) الملل ص 104
قلت: وهذه العقيدة التي نقلها الشهرستاني هي عقيدة السلفيين الذين سميتهم مجسمة ومشبهة وغيرها من الألقاب التنفيرية متناسيا أنك المشبه لله بالجماد والمشبه لله بالعدم!
ثم بعدها ببضعة سطور قال الشهرستاني:
" غير أن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل : الهشاميين من الشيعة ومثل مضر وكهمس وأحمد الهجيمي وغيرهم من الحشوية قالوا : معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية وإما جسمانية ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن ..."الملل ص105.
فكلام الشهرستاني يدور عن الشيعة والروافض لا عن السلف والسلفيين فتأمل ودع عنك التدليس والتلبيس فإنه من صنع ابليس.
الجهمي يكذب علي علنا:
23-ثم اقتبس الجهمي كلام الإمام أبو عمر الداني رحمه الله(ت440) الذي كنت نقلته في موضوعي:
((ومن قولهم : أن الله جلا جلاله وتقدست أسماؤه : ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من اليل ,فيقول(هل من داعي يدعوني فاستجيب له,وهل من سائل يسألني فاعطيه,وهل من مستغفر يستغفرني فاغفر له؟)حتى ينفجر الصبح,على ما صحت به الأخبار ,وتواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .نزوله تبارك وتعالى كيف شاء,بلا حد ولا تكييف.وهذا دين الأمة وقول أهل السنة في هذه الصفات أن تمر كما جاءت بغير تحديد ولا تكييف,فمن تجاوز المروي فيها وكيف شيئا منها ومثلها بشيء من جوارحنا وآلتنا فقد ضل واعتدى ,وابتدع في الدين ما ليس منه,وخرق إجماع المسلمين,وفارق أئئمة الدين)
ثم علق الجهمي قائلا:
والعجيب أن مصدرك رسالة من حشوية الوهابية وهي الرسالة الوافية للمدعو أبي بشار
عبد الغني القعشمي اليريمي تلميذ الحجوري فما أعطيتنا مصدر نرجع إليه إلا بحث لأحد طلاب الحجوري وهم من الحشوية كما لا يخفى علي كل عاقل مطلع..
قلت:
وهذا من الكذب الصراح والبهت الوقاح فإنني قد ذكرت المصدر ولم أنقل شيء من رسالة تلميذ الحجوري السلفي بالرغم من أنني لا أعرفه إلا أنني تأكدت من سلفيته وسنيته لوصفك إياه بالحشوية إذ من المعلوم انه من علامات أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر .
أما مصدر ما نقلته عن الإمام أبو عمر الداني رحمه الله فهو عن الرسالة الوافية لأبي عمر الداني رحمه الله كما بينت لك في الهامش فلست أدري ما الذي أعماك عن رؤية ذلك أم أنه رد من أجل الرد؟!
ثم ألست أنت من كنت تقول وتدعي أنك تقول بالنزول دون كيف فما مشكلتك إذن فيما نقلت لك عن الإمام أبو عمر الداني!!!!!!!!!!.
ثانياً:- قول الإمام الداني لا يعني الحركة والأنتقال الذي به تقولون فما هو سر وضعك لهذا القول في وسط الأقوال وهذه ليست المره الاولي التي تقوم بذلك؟؟
الحمد لله إذن فقد أفتيت نفسك بنفسك فما سر تدخلك واتهامك لي بالقول بالحركة وغيرها من ألفاظك المبتدعة فها أنا أنقل كلام الأئمة الأعلام الذي لا يوجد فيه لفظ الحركة لا تصريحا ولا تلميحا! فما الذي جعلك تبني ردك الهزيل على لفظ(الحركة) الذي لم اقل به في كل موضوعي ولم أثبته إطلاقا!!!!..
أما قولك أيها الجهمي:
في الحديث جاء أن الله ينزل ومذهب أهل السنة والجماعة التفويض والتأويل فما هو إعتراضك لا نعلم !! أتريد أن تثبت أن الإمام الداني يقول بالحركة والإنتقال مثلكم؟
حاشاه أن يقول بذلك.
فأقول:
نعم في الحديث أن الله ينزل والنزول معلوم والكيف مجهول لكنك تتناقض وترقص ما بين تعطيل وتحريف فكيف سولت لك نفسك أن عطلت صفة النزول وقلت بالتفويض أو ذهبت بعيدا وقلت بالتحريف فزعمت أن الله لا ينزل بل تنزل رحمته أو ينزل ملائكته بل والأدهى والأمر أن نسبت هذا القول المشين إلى أهل السنة والجماعة وأئمتهم بالرغم من النقولات التي نقلتها لك (والتي لم تستطع أن ترد عليها ببنت شفة) تعري كلامك تماما فالتجأت إلى الكلام عن ألفاظك الفلسفية المبتدعة (حركة-سكون-جسم...) بدلا من مقارعة الحجة بالحجة ,ويا سبحان الله كيف يجتمع النقيضين فتارة تفويض وتارة تأويل فهل أهل السنة منقسمين إلى مؤؤلة ومفوضة ؟وهل نسي نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام أن يحسم هذه المسألة العقائدية المتعلقة برب العباد ولم ينسى أن يعلمنا كيف ندخل بيت الخلاء؟.كلا ورب الكعبة فقد تركنا النبي عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن ربنا ينزل ولم يأمرنا لا بالتأويل ولا بالتحريف بل لقد تقدمت الأحاديث النبوية في إثبات معاني الكثير من الصفات فما كان منا إلا أن صدقناه وأخذنا بقوله ثم بقول أصحابه الذين عايشوه في الإيمان بهذه الصفات على ظاهرها دون تحريفها أو تعطيلها.
وعلى هذا سار أئمة أهل السنة والجماعة عبر العصور فلم ثبت عنهم شيء من التأويل أو التفويض ألبتة ويدل على هذا نفيهم للكفية إذ لو كانوا مفوضة لما تكلموا عن الكيفية أصلا لأن المفوض لا يثبت شيء فما حاجته للكلام عن الكيفية؟!!!
وأما المؤول فلم يؤول إلا بعد أن توهم التشبيه بعد أن دخل بعقله المريض في الكيفية فكان يسعه أن يثبت وينفي الكفية لكن بعد أن خاض في الكيفية ولم يفهم من الصفة إلا ما يراه في المخلوقات التجأ إلى التحريف فلو كان هؤلاء مؤولة لما احتاجوا إلى الكلام عن الكيفية أصلا فتأمل.
قال الإمام الترمذي صاحب السنن بعد روايته حديث: "إِنَّ اللهَ يَقبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُها بِيَمِينِه"- الترمذي (662)- وتصحيحه له: (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا، ويؤمن بها ولا يُتوهم، ولا يقال: كيف). هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: (أمروها بلا كيف). وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: (هذا تشبيه). وقد ذكر الله عز وجل، في غير موضع من كتابه اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: (إن الله لم يخلق آدم بيده). وقالوا: (إن معنى اليد هاهنا القوة). وقال إسحاق بن إبراهيم: (إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع. فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع. فهذا التشبيه، وأما إذا قال، كما قال الله تعالى: يد، وسمع، وبصر. ولا يقول: كيف. ولا يقول: مثل سمع ولا كسمع. فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال الله تعالى، في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى: 11] السنن (3/50، 51).
أما عن الحركة والإنتقال وغيرها من الألفاظ المبتدعة فقد تقدم الكلام عنها مرارا وتكرارا وموضوعنا يدور عن صفة النزول الثابتة في الكتاب والسنة وليس عن الحركة التي لم يثبت لفظها إلا في عقولكم فلا تخلط الحابل بالنابل .
حول عقيدة الإمام أبو عمر الداني رحمه الله:
24-وقد حاول الجهمي جاهدا إثبات أشعرية مزعومة للإمام أبو عمر الداني رحمه الله مع أن موضوعنا لا يدور عن عقيدة كائنا من كان غير عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه لكن يبدوا أن عقدة الإستكثار بالرجال وتقديسهم أصبحت أصل من أصول جهمية العصر فقد قال هذا الجهمي:
وهو الإمام أبي عمر الداني الأشعري رضي الله عنه تلميذ
شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني الأشعري
وهو علي مذهب أهل السنة والجماعة السادة الأشاعرة ومذهبه هو التفويض والتأويل فما هو الجديد في نقلك؟؟
قلت:
1-دعواك بأن الإمام أبو عمر الداني رحمه الله قد تتلمذ على أبي بكر الباقلاني الأشعري إنما هي دعوة تحتاج إلى دليل فإنني بحثت في التراجم ولم أجد شيئا من ذلك فيا حبذا لو تتكرم علينا بمصدر ماذكرته فقد ألفنا منكم التدليس والتلبيس .وعلى فرض صدق ما قلته فإن هذا ليس دليل على جهمية أو أشعرية الإمام أبو عمر الداني إذ أن مشايخه كثيرون وقد توقي الإمام الداني بعد قرابة 30 سنة من وفاة الباقلاني فتأمل.
ومن مشايخ الإمام أبو عمر الداني رحمه الله:
عبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي.
- أبو الفرج محمد بن عبد الله النجاد.
- محمد بن يوسف، خال أبي عمرو الداني ويعرف بالنجاد أيضا
- عبد الله بن أبي عبد الرحمٰن المصاحفي.
- أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب، سمع منه كتاب السبعة لابن مجاهد.
- أحمد بن عمر بن محفوظ.
- محمد بن عبد الواحد البغدادي.
- الحسن بن سليمان الأنطاكي.
- الحسن بن محمد بن إبراهيم البغدادي.
وغيرهم كثير
2-وأما دعواك بأنه كان مفوض أو محرفا مثلك فهذه الدعوى منقوضة بأدلة كثيرة منها ما ذكرت أنت بنفسك حيث نقلت عنه-رحمه الله- أنه قال:
(واستواؤه جلّ جلاله علوّه بغير كيفية ولا تحديد ولا مجاورة ولا مماسة) اهـ
وهذا تفسير منه للإستواء بالعلو مع عدم الخوض في الكيفية والألفاظ الفلسفية الجهمية المبتدعة(حد-مماسة-مجاورة....) على طريقة أهل السنة السلفيين الذين سميتهم حشويين وقد قيل (ضربني وبكى سبقني واشتكى) خلافا للمحرفة الذين فسروه بالإستلاء على العرش أو المعطلة الذين جعلوه كلاما أعجميا مبهما مثله مثل كلمات الحيوانات والدواب!!!!.
وكذلك قد نقلت عنه أيها الجهمي قوله((
(ونزوله تبـارك وتعـالى كيف شـاء، بلا حدّ، ولا تكييـف، ولا وصف بانتقال ولا زوال) اهـ.
وهذا إثباتا منه للنزول بعيدا عن الخوض في الكيفية والألفاظ المحدثة(حد-انتقال-زوال...) فهل أنت تثبت نزول رب العالمين أم أنك من الراقصين على وتر التحريف تارة والتعطيل تارات؟!.
3-وأما قوله رحمه الله (((( وأنه سبحانه فوق سماواته، مستو على عرشه، مستولٍ على جميع خلقه). وتحميلك له مالم يحتمل بقولك العجيب:
وهذا تفسير منه للإستواء بمعنى الاستيلاء .
فهذه من إحدى غرائبك-وما أكثرها- إذ لا يوجد في ما ذكره أبي عمر الداني تحريف الإستواء إلى الإستلاء كما ادعيت بل إنه رحمه الله أثبت لله تعالى :
-الفوقية بقوله(وأنه فوق سماواته مستو على عرشه) بخلاف جهيمة العصر الذين ضيعوا ربهم وضلوا ضلالا بعيدا فقالوا بأن الله لا داخل ولا خارج ولا فوق ولا تحت ولا...ولا ..إلى آخر تلك الجهالات والضلالات .
-الإستلاء على الخلق فهذا أمر ثثبته أهل السنة والجهمية والأشاعرة بل وجل الطوائف الإسلامية فكلنا متفقون بأن مستول على خلقه وقاهر لكننا نقول بأنه فوق سمواته على عرشه وأنتم تقولون لا داخل ولا خارج ولا فوق ولا تحت.
فلا تخلط بين هذا وذاك.
هذا أولا ..
وثانيا: لقد حرفت وبترت كعادتك كلام الإمام الداني رحمه الله فلم تكمل باقي كلامه الذي يكشف عوارك ويعري اتهامك ويبين لمعجبيك مدى تعصبك وقبح كذبك وافتراءك وإني أوجه ندائي للقراء خاصة المعجبين منهم والمطبلين لهذا الذي يدعي أنه يرد على السلفيين في تلك المنتديات الجهمية وغيرها أن يعدوا كذبات وتدليسات هذا الرجل فقد عجزت عن عدها لكثرتها-والله المستعان- وإليك كلام الإمام الداني بسباقه ولحاقه :
«ومنْ قولهم: إنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سماواتهِ مستوٍ عَلَى عرشه، ومُسْتَوْلٍ على جميعِ خلقهِ، وبائنٌ منهم بذاتهِ، غيرُ بائنٍ بعلمهِ، بلْ علمهُ محيطٌ بهم، يعلمُ سرَّهم وجهرهم، ويعلمُ ما يكسبونَ عَلَى ما وردَ بِهِ خبرهُ الصَّادقُ، وكتابهُ النَّاطقُ فقالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، واستواؤه جلّ جلاله عُلُوُّه بغير كيفيةٍ، ولا تحديدٍ، ولا مجاورةٍ ولا مماسةٍ...
قالَ جلّ جلاله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [الحديد: 4]. يعني أَنَّ علمَهُ محيطٌ بهم حيثما كانوا، بدليلِ قولهِ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]. وقال عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17]، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وقال: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة: 5] وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وقال: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقال مخبرًا عَنْ فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} [غافر: 36] الآية.
وقوله تَعَالَى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3] الآية. المعنى: وَهُوَ المعبودُ فِي السَّمَاوَاتِ وفي الأرضِ...
وقوله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] يعني: أَنَّهُ إلهُ أهلِ السَّمَاءِ، وإلهُ أهلِ الأرضِ.
وقولُهُ سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128]: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] و: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] يعني: أنَّه يحفظهم وينصرهم ويؤيدهم، لا أنَّ ذاته معهم، تعالى الله عنْ ذلكَ علوًا كبيرًا، وقوله عزَّ وجلَّ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية. يعني: أنَّه تبارك وتعالى عالمٌ بهم وبما خَفِيَ منْ سرِّهم ونجواهم بدليلِ قولهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة: 7]، وقوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فابتدأَ الآيةَ بالعِلْمِ، وختمها بالعِلْمِ» [
الرسالة الوافية (ص129 - 132)، طبعة دار الإمام أحمد - الكويت - تحقيق: دغش بن شبيب العجمي.
فأين في كلامه هذا تفيسير الإستواء بالإستلاء أو القول بأن الله لا داخل ولا خارج ؟
وليتأمل القارئ جيدا قوله مباشرة بعد الكلام المبتور الذي نقله الجهمي((وبائنٌ منهم بذاتهِ، غيرُ بائنٍ بعلمهِ)) فبعد أن ذكر الإمام الداني إستيلاء الله على جميع خلقه ذكر بينونته وفوقيته عليهم لكن صاحبنا الجهمي بتر ذلك فما قول المنصفين العقلاء في هذا وغيره كثير !!!
4-ومما يبطل افتراءك على هذا الإمام رحمه الله هو قوله في «أرجوزته» التي في عقودِ الدِّيانةِ:
كَلَّمَ مُوسى عبدَهُ تكليمًا ولـم يَـزَلْ مُدَبِّـرًا حَكِيمـًا
كلامُهُ وقولُهُ قديمٌ وهو فوقَ عَرْشِـهِ العَظِيـمُ
والقـولُ فـي كتابِـهِ المُفَضَّـلُ بأنَّهُ كلامُهُ المُنَزَّلُ
علـى رَسُـولـِـهِ النَّـبِيِّ الصَّـادِقِ ليسَ بمخلـوقٍ ولا بِخَالـِـقٍ))
فهل بعد كل هذا يصح اتهام هذا الإمام بالأشعرية أو الجهمية؟!
5-ومن عجيب صنع هذا الجهمي أنه نقل كلام الإمام الداني الذي فيه إثبات بعض الصفات التي هي محل اتفاق بين السلفيين والأشاعرة ليلصق بدعة التمشعر بهذا الإمام فقد نقل إثبات الإمام الداني لكل من هذه الصفات(الحياة -القدرة-العلم-الإرادة-السمع-البصر –الكلام-البقاء) وكأن السلفيين لا يثبتونها! وكأن السلفيين يحرفونها أو يعطلونها!!!! وما درى المسكين أن إثبات الأشاعرة لهذه الصفات لهو حجة عليهم إذ ما الذي منعهم هاهنا من التحريف أو التعطيل الذي هو أصل من أصولهم!!
فلما أثبتهم هذه الصفات ولم تثبتوا البقية هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟!
إن إثباتكم لهذه الصفات وتحريفك أو تعطيلك للباقي بحجة التشبيه أو غيرها من الحجج الواهيات لهو أقوى ما ينقض أصولكم ويهدم بدعكم فإننا نلزمكم بأمرين للخروج من هذا التناقض:
الأول: - تأويل جميع الصفات دون تفريق بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية طرداً للباب، وهي الطريقة العملية مع بطلانها.
الثاني :أن تغلقوا باب التأويل وتمروا نصوص الصفات على ظاهرها على ما يليق بالله فيلحقوا بالمثبتة من سلف هذه الأمة الذين عافاهم الله مما ابتلي به غيرهم من التناقض لتسليمهم لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام هذا المنهج السليم الموافق للعقل السليم والنقل الصحيح، ولسلامة هذا المنهج وبعده من التناقض ومن التكلف رجع إليه كثير من علماء الكلام في آخر حياتهم كما سيأتي.
ولأبي الوليد الأندلسي موقف فريد من المؤولة الذين يسرفون في التأويل كالمعتزلة ويدعون الناس إلى الأخذ بتأويلهم ويضرب لذلك مثلاً رائعاً حيث يقول: "ومثال من أول شيئاً من الشرع وزعم أن ما أوله هو ما قصد الشرع وصرح بذلك التأويل للجمهور، مثال من أتى إلى دواء قد ركبه طبيب ماهر ليحفظ صحة جميع الناس أو الأكثر فجاء رجل فلم يلائمه ذلك الدواء المركب العظيم لرداءة مزاج كان به ليس يعرض إلا للأقل من الناس، فزعم أن بعض تلك الأدوية، الذي صرح باسمه الطبيب الأول في ذلك الدواء العام المنفعة المركب لم يرد به ذلك الدواء الذي جرت العادة أن يدل بذلك الاسم عليه، وإنما أريد به دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك الاسم باستعارة بعيدة، فأزال ذلك الدواء الأول من ذلك المركب الأعظم، وجعل في بدل الدواء الذي ظن أنه الذي قصده الطبيب، وقال للناس: هذا هو الذي قصده الطبيب الأول فاستعمل الناس ذلك الدواء المركب على الوجه الذي تأوله عليه المتأول، ففسدت به أمزجة كثير من الناس، فجاء آخرون شعروا بفساد أمزجة الناس من ذلك الدواء المركب، فرأوا إصلاحه بأن أبدلوا بعض أدويته بدواء آخر غير الدواء الأول، فعرض من ذلك للناس نوع من المرض غير النوع الأول، فجاء ثالث فتأول في أدوية ذلك المركب غير التأويل الأول والثاني فعرض للناس من ذلك نوع ثالث من المرض غير النوعين المتقدمين، فجاء متأول رابع فتأول دواء آخر غير الأدوية المتقدمة، فعرض منه للناس نوع رابع من المرض، غير الأمراض المتقدمة، فلما طال الزمان بهذا المركب الأعظم، وسلط الناس التأويل على أدويته وغيروها وبدلوها، عرض منه للناس أمراض شتى حتى فسدت المنفعة المقصودة بذلك الدواء المركب في حق أكثر الناس، ثم قال أبو الوليد: وهذه هي حال الفرقة الحادثة في هذه الطريقة مع الشريعة، وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلاً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده الشرع، حتى تمزق كل ممزق، وبعد جداً عن موضعه الأول. ولما علم صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام أن مثل هذا يعرض - ولا بد - في شريعته قال: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"(1).
نقول تعليقاً على هذا المثل المضروب للمتأولة: "اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً". وأبو الوليد له تجربة طويلة مع علماء الكلام وله معهم صولة وجولة، فهو خير من يشهد لهم أو عليهم. واستشهادنا بكلامه لا يعني أنه محل رضانا مطلقاً، بل يؤخذ من كلامه ويرد كغيره من الرجال، بل هو فيلسوف أرسطي ومع ذلك له كلام يؤخذ بل يقدر كما رأيت. وقريب مما أنكره ابن رشد على أهل الكلام من الإسراف في التأويل، قول سهل بن عبد الله التستري حيث يقول: لا يخرجنكم تنـزيه الله إلى التلاشي ولا يخرجنكم تثبيته إلى الجسد، أي التجسيد (الله يتجلى كيف يشاء)(2)
6-إننا بلا شك لا ننكر أن الإمام الداني قد وقع في بعض أخطاء الأشاعرة وبدعهم فإننا ولله الحمد والمنة ليس لنا متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم لكننا نفرق بين الأخطاء الصادرة من علماء الإسلام الذين ينطلقون من أصول سنية سلفية فنعتذر لخطئهم ونرد عليهم وبين علماء البدعة و الهوى الذي تعتبر أخطاؤهم من قبيل البدع لكونها تنطلق من أصول بدعية فالإمام الداني رحمه الله قد خالف الأشاعرة فمسائل عدة ولا تحصى ووافق أهل السنة السلفيين في أصولهم إلا أنه وقع فيه بعض ما وقع في الأشاعرة لكن ليس كل من وافق قوم ألحق بهم وأنصح كل عاقل منصف أن يتجرد للحق ويعرف الرجال بالحق وليس الحق بالرجال كما هو حال هذا الجهمي فقد خرح بنا عن لب الموضوع إلى الكلام في الرجال وأشخاصهم والإستكثار بهم وكأن الحق يعرف بهم؟!!
يتبع....
-----------
(1)ٍ الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة بتحقيق مصطفى عبد الجواد عمران الطبعة الثالثة في 1388هـ.
(2) راجع المعارضة والرد لسهل بن عبد الله التستري المتوفي 283هـ، تحقيق وتعليق الدكتور كمال جعفر ص: 75.
جمال البليدي
2009-08-29, 02:47 AM
25-كعادة هذا الجهمي: لقد اقتبس كلام الإمام ابن عبد البر السلفي المعروف ثم بدلا من أن يتعقبه حاول جاهدا الحيدة عنه بإثبات أشعرية مزعومة لهذا الإمام رحمه الله فاقتبس كلاما كنت قد اشتهدت به في موضوعي(دك حصون المفترين بإثبات النزول رب العالمين) وهذا نصه:
((وقد قال قوم:إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته.وهذا ليس بشيء ,لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمه ينزل بالليل والنهار بلا تقويت ثلث الليل ولا غيره))..
ثم علق عليه قائلا:
أ
نظر الي جهل الاخ واذا كان قد اطلع علي كتب الامام ابن عبدالبر وجمع بين النصوص لفهم معني قول ابن عبدالبر ولكنه الهوي الوهابي!!!!
قلت: بل الجهل جهلك فإنك لا تفتأ تحرف كلام الله ثم كلام خلقه إذ هذا الكلام للإمام ابن عبد البر في غاية البيان والوضوح فهو يرد على تحريفكم للنزول بنزول الأمر والرحمة ويبين لكم أن نزول رحمته وأمره ليس خاصا بالثلث الأخير من الليل فقط بل هو نزول على الدوام فليس في كلامه ما يحتاج إلى تحريف على طريقة المعتزلة والجهمية لكنك استحييت أن تصف هذا الإمام بالتجسيم وترميه بالوهابية فابشرك يا من تدعي الأشعرية أن الإمام ابن عبد البر قد انتقدكم وبدعكم بإسمكم الصريح بل وذهب إلى أكثر من ذلك فرد شهادتكم وأمر بهجركم وتأديبك فقال رحمه الله: لا تجوز شهادة أهل البدع و أهل الأهواء . أهل الأهواء عند مالك و سائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء و البدع أشعرياً كان أو غير أشعري و لا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً و يهجر و يؤدّب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب ". (جامع بيان العلم و فضله 2/96)ا.هـ .
فهل بعد هذا تزعم أنه كان أشعريا وهو يبدعهم ولا يرى صحة شهادتهم بل يأمر بهجرهم وتأديبهم؟!
ذكر الرواية ابن عبدالبر في (التمهيد) 7/143 عن مالك (بأنه ينزل أمره ورحمته) فلم يستبعدها لا من حيث السند ولا من حيث المتن بل قدمها أولاً بقوله :
(( وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا أنه ينزل أمره وتنزل رحمته )) اهـ.
ثم ذكر إسنادها إلى مالك .. وعقب عليها بقوله :
(( وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك من أمره أي أكثر ما يكون في ذلك الوقت ، والله أعلم...)) اهـ.
قلت:
هذا من تلبيس وتدليسك وبيان ذلك من أوجه:
الأول: إن الرواية التي ساقها الإمام ابن عبد البر قد تعقبها بعد ذلك بقوله(((( وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك ، وغيره )) ، فلم ينسبه لمالك .
الثاني: إن الإمام ابن عبد البر لم يحرف نزول رب العالمين إلى نزول الرحمة إنما أثبت نزوله أولا ثم نزول رحمته ثانيا وبعدها بين مقصود كلام الإمام المالك-في حالة إن صح- فبرأ الإمام المالك من التحريف رواية ودراية.. أما رواية فقد ضعفها بقوله(( وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك) أي لم ينسبها للإمام مالك وأما دراية فبين أن هذا القول ليس بتحريف بل هو إثبات الأمرين معا:
-نزول رب العالمين.
-ونزول رحمته وعفوه واستجابته .
ومما يدل على أن الإمام ابن عبد البر لا يجزم بصحة هذه الرواية المنسوبة للإمام مالك رحمه الله هو قوله في كتابه الإستذكار((ولو صح ما روي في ذلك عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابته دعاء من دعاه من عباده برحمته وعفوه يكون في ذلك الوقت))الاستذكار ق/79) مخطوط في المحمودية.
أما تحريف نزول رب العاملين إلى نزول رحمته فقط فقد رد عليها بقوله((وقد قال قوم:إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته.وهذا ليس بشيء ,لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمه ينزل بالليل والنهار بلا تقويت ثلث الليل ولا غيره)) وبهذا نكون قد جمعنا كل كلام الإمام ابن عبد ليتبين قوله الفصل في المسألة كما يتبين تلبيسك ومراوغتك البائسة في ذلك.
وأما قوله رحمه الله((وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة : إنه ينزل بذاته ! ، وهذا قول مهجور، لأنه تعالى ذكره ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات )) اهـ .
فليس فيه إثبات أشعرية هذا الإمام خاصة وأنه بدعهم وأمر بهجرهم لأن لفظ(بذاته) لم ترد في الكتاب ولا في السنة فلا حاجة لعقد الولاء والبراء على هذه الألفاظ أصلا وهو إنما يرد اللفظ لا المعنى فقد قال رحمه الله(("أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
هذا وقد ذكر رحمه الله من الأقوال في النزول بأن الله ينزل بذاته ((وروى عن نعيم بن حماد قوله:حديث النزول يرد على الجهمية قولهم وقال نعيم: ينزل بذاته وهو على كرسيه))التمهيد(7/144).
ولكنه-رحمه الله- لم يرتضي هذا القول بل رده معللا ذلك بأنه يلزم منه التكييف كما نقل صاحبنا الجهمي عنه ذلك.
وقد تكلم أبو قاسم التميمي عن هذا اللفظ(بذاته)بعد أن روى حديثا ضعيف حول ذلك فقال ((وقد يكون المعنى صحيحا وإن كان اللفظ نفسه ليس بمأثور ,كما لو قيل إن الله هو بنفسه وبذاته خلق السموات والأرض,وهوبنفسه وذاته كلم موسى تكليما وهو بنفسه وذاته استوى على العرش,ونحو ذلك من أفعاله التي فعلها بنفسه وهو بنفسه فعلها فالمعنى صحيح,وليس كل ما بين به معنى القرآن والحديث من اللفظ يكون من القرآن مرفوعا))شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية .
وإن كان الإمام ابن عبد البر ينكر هذا اللفظ فغيره كثير من السلف الصالح وغيرهم يثبتها كما نقل الإمام أبو نصر السجزي قول الكثير من السلف في ذلك فقال في الإبانة((وأئمتنا كسفيان الثوري,ومالك بن أنس,وسفيان بن عيينة ,وحماد بن زيد,وحماد بن سلمة,وعبد الله بن المبارك,وفضيل بن عياض,وأحمد بن حنبل,وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي, متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان ))..
وقد تقدمت أثار السلف حول هذا في أول البحث فلا داعي للتكرار.
والجدير بالذكر أن ابن القيم-رحمه الله- ذكر أن أهل السنة(=السلفيين) اختلفوا في جواز اطلاق بأن الله تعالى ينزل بذاته أولا.على ثلاثة أقوال:
أحدهما:أن ينزل بذاته
الثاني: لا ينزل بذاته
الثالث:ينزل لكن لا يقال بذاته ولا بغير ذاته,بل يطلق اللفظ كما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم ,ويسكت عما سكت عنه))مختصر الصواعق(2/252-253).
وهذا الأخير هو الذي قرره ابن عبد البر .ولا شك أن قول لأهل السنة السلفيين.
أما تقييد النزول بأنه بذاته فهذا لم يكن معروفا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وإنما أطلقه الأئمة-رحمهم الله- لمواجهة المبتدعة من الجهمية ونحوهم ممن يقول إن الله في كل مكان أو يقول أن النازل أمره ورحمته ونحو ذلك.
ويلاحظ أن تقييد من قيد النزول بأنه بالذات ,إنما يأتي غالبا في الرد على الخصوم ,لا في معرض تقرير العقيدة ابتداء والفرق بين المقامين واضح.
ولا يلزم على قول من قال بنزل بذاته شيء من التكييف لأن من قال بذلك يقول إنه ينزل بذاته كيف يشاء سبحانه نزولا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته ولا يشبه نزول المخلوقين .
وأما نقلك لنفي الإمام ابن عبد البر لألفاظكم المبتدعة(جسم-حد-حركة) فهذا أقوى دليل على سلفيته الخالصة إذ أن طريقة السلفيين في رد ألفاظكم المبتدعة على ضربين:
الأول: إما نفيها جملة وتفصيلا كما فعل الإمام ابن عبد البر.
الثاني: أو الإستفصال في معناها فإن كان حقا قبلناها وتركنا اللفظ وإن كانت باطلة رددنا واللفظ على حد سواء وهذه طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهذه بعض نصوص الإمام ابن عبد البر تبين سلفيته المحضة وبراءته من الأشعرية والجهمية:
-لقد تقدم تبديع ابن عبد البر لأهل الكلام بما فيهم الجهمية والأشاعرة وقوله بهجرانهم وتأديبهم
موقفه من نصوص الصفات:
-قال رحمه الله((لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه,على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له.ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن))التمهيد(7/137)
-وقال رحمه الله((ليس في الإعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ماجاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجتمعت عليه الأمة,وما جاء من أخبار الأحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه)جامع بيان العلم وفضله (2/96).
-وقال رحمه الله((ولا يصفه ذوو العقول إلا بخير,ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه,أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم,فلا نتعدى إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير ,فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) التمهيد(7/145).
ويقصد بالقياس هنا قياس صفات الخالق على صفات المخلوقين كما هو حالكم معشر الجهمية والأشاعرة فإنكم لم تلتجأوا إلى بدعة التحريف أو التعطيل إلا بعد أن توهمت عقولكم المريضة التشبيه فقاست خالقها على المخلوقات والحسيات فهربت من هذا المرض إلى مرض آخر سمته بالتأويل أو التنزيه وكان الأولى أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتعلم أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع والبصير.
-وقد أنكر رحمه الله حمل نصوص الصفات على المجاز ونقل الإجماع على ذلك كما تقدم ..وقال كذلك((ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته,حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز ,إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزلنا إلينا من ربنا إلا على ذلك))(7/131)
-ويقرر رحمه الله بأن الجهل بكيفية الصفة لا يلزم نفي معناها فيقول((وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء.وقد أدركنا بحواسنا أن لنا أرواحا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح ,يوجب أن ليس لنا أرواح وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه))التمهيد(7/137).
-ولا ينسى ابن عبد البر في هذا المقام أن يرد على المعطلة أمثالكم الذين يصفون مثبتة الصفات من أهل السنة بالمشبهة .فيرد عليهم ويبين أن إثبات الصفات الواردة في الشرع ليس من التكييف ولا من التشبيه في شيء : وفي هذا يقول ((ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء))الاستذكار ق/78 مخطوط المحمودية.
-والإمام ابن عبد البر يرى إثبات صفة العلو ويدلل عليها ويرد على شبهات من نفاها من الجهمية والأشاعرة .
ومن ذلك قوله في معرض حديثه عن النزول:
((وفيه دليل على أن الله-عز وجل-في السماء على العرش من فوق سبع سماوات,كما قالت جماعة,وهو من حججهم على المعتزلة والجهمية,في قولهم أن الله في كل مكان ,وليس على العرش ,والدليل على صحة ما قالوه أهل الحق في ذلك قول الله-عز وجل- ((الرحمان على العرش استوى)) ..وقوله(إليه يصعد الكلم الطيب)) ..وقال جل ذكره(سبح اسم ربك الأعلى)) وهذا من العلو ..والجهمي يزعم أنه أسفل ..وقال لعيسى(إني متوفيك ورافعك إلي)..وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة)التمهي (7/129-131) باختصار.
ويذكر الدليل الفطري فيقول((ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا داهمهم أمر وكربهم غمر يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله -عز وجل- في الكشف عنهم))التمهيد(8/106) مخطوط في المكتبة الملكية.
26-ولا يزال الجهمي جاهدا يحاول إلصاق تهمة الأشعرية وبدعتها على الأئمة الذين استشهدت بأقوالهم حتى يهرب من الرد عليهم بالحجج والبراهين فقد اقتبس الجهمي كلام الإمام السلفي الإمام أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله(449ه) : والذي فيه قوله((( ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف ، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه ، ويُمِرُّون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويَكِلون علمه إلى الله )
وكنت قد علقت عليه بقولي: ((قوله : ( يَكِلون علمه إلى الله ) يقصد به علم كيفية النزول ، فقد استأثر الله بعلم الكيف ، أما المعنى فهو معروف من لغة العرب وهو لائق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ سورة الشورى ، الآية : 11 ]) .
فاستنكر علي الجهمي ذلك فراح يسب ويشتم ليواري ضعف حجته فقال :
أقول انظر الي أصحاب السفه والفهم السقيم
ييستند الي أقول الإمام العلامة الصابوني الأشعري علي طريقة أهل الحديث الصوفي بل ويشرح معني كلماته !! أرأيتم سفه أكبر من ذلك وتحريف بغيض أبغض من ذلك؟؟
فالإمام الصابوني يقول
( ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف ، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه ، ويُمِرُّون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويَكِلون علمه إلى الله)
فقوله: من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف
اي إثباتها كما وردت من غير زيادة ولانقصان وليس أن معناها هو ظاهرها الموهم للتشبيه
فيأتي الاخ بقول جديد فيقول
قلت : قوله : ( يَكِلون علمه إلى الله ) يقصد به علم كيفية النزول ، فقد استأثر الله بعلم الكيف ، أما المعنى فهو معروف من لغة العرب وهو لائق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل
وما النزول إلا حركة والإنتقال الذي ترمي اليه منذ بداية مقالك!!
فأين قصد شيخ الإسلام الصابوني ما قلت؟؟
فنفي الكيف نفي للتشبيه ابتداءً, وذلك مغاير لقول الوهابيَّة هداهم الله إذ يقولون بوجود كيف لكن من غير أن نعلمه... فالفرق واضح للأعمي قبل البصير فلا تنشر أكاذيبك في المنتديات لتفتن الناس في دينهم.
هناك فرق بين إثبات المعنى الظاهر للصفة وبين إثبات معنى تتعلق به الصفة فكلام الإمام الصابوني بلا تمثيل ولا تكييف بل إثباتها وتقف عند هذا الحد فلا تتعدى وتقول معناها معروف فهذا من التشبيه القبيح.
كما أن الكتاب الذي تنقل منه هذه الأقوال عليه بعض التعقيبات حتي من السلفية.
وقبل سردها نقول لك اتنقل من صوفي أشعري على طريقة أهل الحديث ومنهجه التفويض وهو مذهب بعض السلف الصالح وهو مذهب
السادة الأشاعرة ومذهبنا التفويض والتأويل!!.
قال ابن القيم
اجتماع الجيوش الإسلامية [ جزء 1 - صفحة 155 ]
الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني
إمام أهل الحديث والفقه والتصوف في وقته
أقول وبالله أصول وأجول:
أولا: إن رميك لي بالسفه والفهم السقيم لهو دليل على إفلاسك وضعف حجتك وبعدك عن جادة السلف إذ لو كان لك حجة في بيان مقصد قول الإمام الصابوني لذكرتها لكنك لم ولن تتمكن من إثبات أشعرية أو جهمية لهذا الإمام السلفي.. وإلا فقد ثبتت عليك الكذبات وانتشرت عنك التحريفات, وموضوعك هذا نموذج حي للتدليس والكذب والسفه الذي أصبح أكبر علامات بني جنسك من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.
ثانيا:إن السفه كل السفه أن تزعم بلا حياء أن ظاهر كلام الله يوهم التشبيه بقولك(((فقوله: من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف
اي إثباتها كما وردت من غير زيادة ولانقصان وليس أن معناها هو ظاهرها الموهم للتشبيه ))..
بل إن كلام الصابوني الذي تناولته بتحريفك لأقوى رد على من زعم وادعى وافترى بأن ظاهر الآيات يوهم التشبيه فهو على طريقة أهل السنة يثبت الصفة على ظاهرها ثم ينفي عنها التشبيه والتكييف بخلافكم أيها الجهمية فإنكم تحرفونها وتعطلونها بعد أن تتهموا التشبيه فيها فأنتم المشبهة الأولى ثم المحرفة ثانيا فالمعطلة
ثالثا:لقد ابعدت النجعة في قولك((وما النزول إلا حركة والإنتقال الذي ترمي اليه منذ بداية مقالك!!
فأين قصد شيخ الإسلام الصابوني ما قلت؟؟)) لأن هذا الفهم للنزول إنما هو فهمك الذي دفعك إلى التحريف والتعطيل فأنت لم تفهم من النزول إلا الحركة والإنتقال كما لم تفهم من اليد إلا جارحة فأردت أن تهرب من هذا الفهم السقيم فلم تجد ما يسعفك إلا التحريف أو التعطيل لك مذهبا تتشربه وليتك وقفت عند هذا الحد بل رحت تفتري على أهل السنة السلفيين وزعمت أنه يقولون بذاك الفهم الذي أورده الشيطان في ذهنك لتهرب منه فرميتنا بما توهمت في الأول لتواري سوء فعلتك وتغطي بدعة التعطيل والتأويل التي أنتم عليها.
رابعا:-أما قول الصابوني رحمه الله((ويَكِلون علمه إلى الله ))
فهوفي غاية الوضوح فإنه يريد به حقيقة ما عليه الصفة وكيفيتها بدليل إثباته لها على ظاهرها ومنعه من التعرض لها بتأويل وغيره .فلو كان اللفظ غير مفهوم لم يكن إمراره على ظاهره معنى ,كيف وقد بين وجوب إمراره بلا تشبيه ولا تكييف , ونقل إجماع الأمة على علو الله تعالى على خلقه واستواءه على عرشه بمعنى العلو فقال في الإستواء والعلو كما في رسالته في السنة :((ويعتقد أصحاب الحديث ، ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق به كتابه ، وعلماء الأمة , وأعيان الأئمة من السلف ، لم يختلفوا أن الله على عرشه ، وعرشه فوق سمواته ). انتهى . وقد نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى والذهبي في كتاب « العلو » وابن القيم في كتاب « اجتماع الجيوش الإسلامية » وأقروه .
وقد ذكر رحمه الله حديث الجارية(أين الله) ثم قال((فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء ,وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية))عقيدة السلف وأهل الحديث(ص44-45).
وكذلك مما يبطل بدعة التعطيل عن هذا الإمام هو قوله الفصل في هذه المسألة الذي أورده قبل الكلام الذي اقتبسته أنت ثم حرفته فكان لا بد أن نأتي بكلامه سباقا ولحاقا :
قال رحمه الله حاكيا عن عقيدة أهل الحديث((
ويثبتون له جلا جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه ,وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ,ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ,فيقولون: خلق آدم بيده ,كما نص سبحانه عليه في قوله-عز من قائل-((يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت ببدي)ص75 ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين ,تحريف المعتزلة الجهمية ,أهلكهم الله ,ولا يكيفونها بكيف أو تشبيههما بأيدي المخلوقين ,تشبيه المشبهة خذلهم الله ,وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف ,ومن عليهم بالتعريف والتفهيم,حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه,وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه واتبعوا قول الله عز وجل(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)الشورى11
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح؛ من السمع،والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعزة، والعظمة، والإرادة، والمشيئة،والقول ، والكلام، والرضى ،والسخط ، والحب والبغض، والفرح ، والضحك، وغيرها؛ من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين؛ بل ينتهون فيها إلى ماقاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير،ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه؛ بتأويل منكر يستنكر ، ويجرون على الظاهر ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله؛ كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (( َوالَراسخُونَ فيِ العِلمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)) المصدر السابق (ص36-39).
فقوله ((وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه)) وقوله((ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه) يوضح معنى قوله(ويجرون على الظاهر) فتهوى بذلك تهمة التعطيل عن هذا الإمام وتتبين سلفيته الناصعة بأقوى صورها وتنكشف حقيقة هذا الجهمي الذي لا يفتري على كتاب الله ويزعم أن معناه يستلزم التشبيه فيظهر بذلك من هم أحق بالوصف بالسفه والجهل الذين تكلم عنهم الإمام الصابوني نفسه فكفانا المؤونة ..ومن عجائب صاحبنا الجهمي أنه يرتضي مذهب التأويل(التحريف) ويشيد به على أساس أنه من أقوال السنة !! بخلاف الإمام الصابوني الذي ذمه وألحقه بالبدع فهل بعد ذلك تصح نسبه الأشعرية لهذا الإمام؟!
فاعتبروا يا أولي النهى والأبصار.
خامسا:-أما قولك الذي أضحكت عليه العقلاء والجهلاء على حد سواء((فنفي الكيف نفي للتشبيه ابتداءً, وذلك مغاير لقول الوهابيَّة هداهم الله إذ يقولون بوجود كيف لكن من غير أن نعلمه)) فلست أدري من أين لك بهذا التأصيل والتقعيد إذ لو كان نفي الكيف له علاقة بنفي التشبيه فلما نرى الإمام الصابوني ينفي التشبيه والكيف معا ؟إذا لوكان نفي أحدهما يقتضي نفي الآخر لما كان لذكرهما معا فائدة لما فيه من اللغو في الكلام والتكرار فيه؟!
وإن من سميتهم زورا وبهتا بالوهابية كذلك لا يكيفيون شيء من الصفات إذ الكيف عندهم مجهول ولا يعني ذلك أنه منفي تماما إذ مالا كيفية له يعتبر معدوما, وإثبات الصفة يلزم أن لها كيفية إلا أنها مجهولة عندنا لم يخبرنا الله بها فنفوضها .
فمعنى قول أئمة السلف(بلا كيف) أو قولهم(الكيف غير معقول) أي من دون الخوض في الكيفية . قال ابن حجر المكي الهيتمي " قال بعض العلماء : يجب السكوت عن ( كيف ) في صفاته وعن ( لِمَ ) في أفعاله " فتح المبين شرح الأربعين 73 ط: دار الكتب العلمية.
وروى الدارقَطني بسنده عن العباس الدوري قال " سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام " . وذكر بعض أحاديث الصفات كحديث الرؤية وأن الله يضع قدمه في جهنم - ثم قال " هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض ، وهي عندنا حق لا شك فيها ، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف يضحك ؟ قلنا : لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره)) رواه الدارقطني في الصفات 39.
وقد حدد الحافظ ابن حجر معنى " بلا كيف " حين قال بأن السلف " لم يخوضوا في صفات الله لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تُعلم كيفيته بالعقل ، لكون العقول لها حد تقف عنده " فتح الباري 3 1: 350 و
فقوله " لا تُعلم كيفيته بالعقل " يُبطل تحريف الجهمية والأحباش وأمثالهم ممن يفسرون لفظ (غير معقول) أي (غير ممكن) .
قال القرطبي " ولم ينكر أحد من السلف استواءه على عرشه وإنما جهلوا كيفية الاستواء" تفسير القرطبي 7/ 140.أي أن العقول لا تدرك الكيفية ، وقال أبو بكر الإسماعيلي في حكاية مذهب أهل السنة " فإن الله انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه " سير أعلام النبلاء 16 / 295 تذكرة الحفاظ 3 / 949 .
وبهذا يوجه قول الإمام المالك الذي كنت تتستر وراءه الذي قال فيه(((والكيف غير معقول)) لأن سائل مالك إنما أراد العلم بالكيفية ولم يكن معنى سؤاله : هل له كيفية أم لا . ورواية مالك " والكيف مجهول " تؤيد ذلك وهي رواية ثابتة عنه . واستشهد بها الايجي مع روايته لها عن أحمد نظرا لبُعده عن السمعيات وغرقه في المنطق والفلسفة وكذا الغزالي والجويني وفي الفقه الأكبر.
ووما يدل على هذا كذلك هو قولهم" بلا كيفية " تارة وقولهم " كيف يشاء " تارة أخرى كما قال الشافعي " وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء ، وينزل إلى سماء الدنيا كيف يشاء " (1) وكما قال ابن المبارك حين سئل عن حديث النزول - كيف ينزل ؟ أجاب "ينزل كيف يشاء " (2)
فقوله كيف يشاء إثباتٌ لوجود كيفية بلا تشبيه لها بكيفيات المخلوقين لكننا لا نعلمها.
سادسا:يبدوا أن صاحبنا الجهمي قد ابتلي بهوس التعصب للرجال وتقديسهم فبدلا من أن يرد على كلام الأئمة الذين استشهدت بهم راح يحاول جاهد إثبات أشعريتهم وما درى المسكيين أنه يحاور سلفي لا يهمه إلا الدليل بغض النظر عن صابحه,وتظهر العصبية في أبشع صورها في قوله(((كما أن الكتاب الذي تنقل منه هذه الأقوال عليه بعض التعقيبات حتي من السلفية)).
مع أنني لم أنقل إلا المصادر الذي ذكرتها فهب أن الكتب التي نقلت منها عليها تعقيبات فما الذي يضرني في ذلك إن كنت اتبعت الدليل وأخذت بالحق إذ من المعلوم أنه كل يؤخذ من قوله ويرد ؟!..
سابعا:-وقد حاول الجهمي أن يكذب نسبة الرسالة إلى الإمام الصابوني بعد أن علم أن تحريفه لبعض نصوصها قد يتفطن إليه الجاهل قبل العاقل فهرب من هذه الفضيحة إلى فضيحة قد تكون أخف من التي قبلها فجاء بحجج واهيات لم يسبقه فيها أي أحد من المحقيقين ألبتة كدعوى ((أن الكتاب نسخته الخطية سقيمة وناقصة ولهذا لم يتخذها محقق الطبعة الثانية أصلا.)).
ودعوى((: هناك اختلافات كثيرة بين النسخة الخطية وبين المطبوعات السابقة القديمة كالمنيرية، وفي الخطية دائما تأتي كلمة "أهل السنة" بدلا من كلمة "أهل الحديث"!!.)).
ولوسلمنا بهذه الحجج الواهية لما صح لنا كتاب ولما صحت نسبة كتاب البخاري للبخاري ولا صحيح مسلم لمسلم إذ مثل هذه الخلافات في بعض الألفاظ والعناوين أو نقص في المخطوطات أمر حاصل في الكثير من الكتب ولهذا وجد علم الجرح والتعديل وغيره من فنون التحقيق!
الجواب على روايات ابن عساكر:
27- وقد استند الجهمي إلى بعض روايات ابن عساكر منها :
النص الأول:
- (في تبيين كذب المفتري ص112
قال الإمام الحافظ قدس الله روحه: وإنما كان إنتشار ما ذكره أبو بكر البيهقي رحمه الله من المحنة وإستعار ما أشار باطفائه في رسالته من الفتنة مما تقدم به من سب حزب الشيخ أبي الحسن الأشعري في دولة السلطان طغرلبك ووزارة أبي منصور بن محمد الكندري وكان السلطان حنفياً سُنياً وكان وزيره معتزلياً رافضياً فلما أمر السلطان بلعن المبتدعة على المنابر في الجمع قرن الكندري للتسلي والتشفي اسم الأشعرية بأسماء أرباب البدع وامتحن الأئمة الأماثل وقصد الصدور الأفاضل وعزل أبا عثمان الصابوني عن الخطابة بنيسابور وفوضها إلى بعض الحنفية)).
قلت: ولا يوجد هاهنا إثبات لأشعرية الإمام الصابوني قط! إنما كل ما في هذا القول بيان عداوة أبي منصور بن محمد الكندري المعتزلي الرافصي للأشاعرة والسلفيين على حد سواء .
النص الثاني:
في تبيين كذب المفتري ص113
كتب الإمام القشيري الشافعي ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة. بذلنا خطوطنا طائعين بذلك … وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيري (الشافعي) … وكتبه عبد الله بن يوسف (أبو محمد الجويني الشافعي) … وكتبه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (أبوعثمان الصابوني الشافعي) … إلخ
قلت: وحتى السلفيون لا ينكرون إمامة أبي الحسن الأشعري وعلمه وبراءته منكم جملة وتفصيلا .
النص الثالث:
مدحه لكتاب الإبانة الأصلي وغير الحرف كما سنذكر في ردنا على شبهة أقوال الإمام أبي الحسن الأشعري.
وقال أيضاً ابن عساكر رحمه الله تعالى ( تبيين كذب المفتري ص/389) :
( ولم يزل كتاب الإبانة مُستصوباً عند أهل الديانة , وسمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي المعروف بالخسروجـردي الفقيه الزاهد يحكي عن بعض شيوخه أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري , ويظهر الإعجاب به , ويقول : ماذا الذي يُنكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه . فهذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان . ) اهـ .
قلت: الإستدلال بمثل هذه الحكاية على أشعرية الصابوني خطأ فادح لأمور:
الأول:أنه أمر غير مستغرب لأن كتاب(الإبانة) ألفه الأشعري في آخر عمره وقد مشى فيه على طريق السلف والسلفيين فلذلك نقول: إن كان الأشعرية هي ما عليه الأشعري في الإبانة فحيهلا,وأما إن كانت على ما عليه الأشاعرة المتأخرون فلا وألف لا.
الثاني: أن شيوخ أشاعرة وجهمية العصر قد ذموا كتاب الإبانة وقدحوا فيه فمن ذلك ما قاله شيخكم الجهمي المعروف سعيد فودة في كتابه "بحوث في علم الكلام" (ص41):
" وبعد الدراسة لهذه المرحلة دراسة مدققة توصلت إلى أنه عندما تراجع عن فكر الاعتزال التقى بالحنابلة الذين كانوا قد غالوا حتى وصلوا إلى أطراف التجسيم بل كثير منهم كان قد غاص فيه, والتقى بأحد مشايخهم وهو الحافظ زكريا الساجي المتوفى سنة 307هـ, ومنه عرف الأشعري مقالة الحنابلة وعقائدهم, وعلى إثر هذا ألف كتابه "الإبانة عن أصول الديانة"؛ هذا الكتاب الذي قال فيه الكوثري: إن الإمام الأشعري حاول بهذا الكتاب أن يتدرج بالمجسمة من أحضان التجسيم ليرفعهم إلى أعتاب التنزيه, ولا شك أن هذا الكتاب كان بعد أن رأى الأشعري مدى اختلاط الحنابلة بعقائد المجسمة؛ فأراد أن يرفعهم عن هذه الدرجة فألف كتاب "الإبانة", وألف كثيراً من الكتب نحو "اللمع" و"رسالة إلى أهل الثغر" وغيرها! "
وقال شيخكم الجهمي أيضا في ( غرر الفوائد في علم العقائد ) ص 31 نسخة وورد :-
"وبعد الدّراسة لهذه المرحلة دراسة مدقّقة توصّلت إلى أنّه عندما تراجع عن فكر الاعتزال التقى بالحنابلة الذين كانوا قد غالوا حتّى وصلوا إلى أطراف التجسيم، والتقى بأحد مشايخهم وهو الحافظ زكريّا السّاجيّ المتوفّى سنة 307 هـ، وعنه أخذ الأشعريّ مقالة الحنابلة، وعلى إثر هذا ألّف كتابه الإبانة عن أصول الدّيانة، وألّف بعده كثيرا من الكتب نحو اللّمع، ورسالة إلى أهل الثّغر وغيرها ......." .
يتبع......
--------
(1) عون المعبود 13 / 41 و 47 وساقه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة بإسناده المتصل إلى الشافعي 1 / 283 .
(2) رواه البيهقي في الأسماء والصفات 569 نسخة حيدر 2 / 198 – 199 .
زياني
2009-08-29, 08:01 PM
لقد تواتر أن الله تعالى يجئ لفصل الحساب، وصح أنه يتقرب ويدنوا لمن شاء من عباده، وأنه من تقرب منه شبرا تقرب إليه ذراعا ومن تقرب منه ذراعا تقرب إليه الله باعا، وأن من أتاه يمشي أتاه هرولة، كما يليق بجلاله، وهل يكون هذا إلا بحركة كما قال الدارمي وغيره، يؤيد ذلك أن دلالة التضمن في لغة العرب التي جاء بها القرآن هي دلالة اللفظ على شئ من معناه، وهل الحركة إلا شئء داخل في المشي والمجئ والنزول والهرولة، وليس في هذا تشبيها أصلا، لأنا نثبتها إثباتا حقيقيا يليق بجلال الله تعالى،
أما عن الصعود لله تعالى فهو ثابت بلا شك، لأن الأحاديث المذكورة فيها: "أن الله ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل حتى يطلع الفجر"، فدل بمنطوقه أنه ينزل آخر كل ليلة، ودل بمفهومه أنه إذا انتهى الليل صعد، ومن المعلوم أن مفهوم المخالفة إذا جاء بصيغة الغاية وهي هنا حتى الغائية فإنه يصير قويا جدا، يزيد ذلك بيانا أنه جاء في كثير من الأحاديث زيادة:" فإذا طلع الفجر صعد"، وفيما أذكر أن الدارقطني قد قال عن بعضها فيما معناه: زاد في الحديث يونس بن أبي إسحاق زيادة حسنة"، وكذلك زادها غيره، والمسألة تحتاج لجمع أكبر وإنما كتبت هذا عن عجلة والله أعلم.
أبو عيسى الزياني
جمال البليدي
2009-08-30, 03:07 AM
أخي الكريم زياني أشكرك على تعقيبك ومرورك الطيب لكن لي على ماقلت كلام بسيط:
أولا: ما تفضلت به عن (الحركة) فإنني أقول بالمعنى الذي قلت لكن الأجدر والأحسن ترك مثل هذه الألفاظ المجملة كما لايخفاك ..وأهل السنة لا يثبتون إلا ما أثبت الله لنفسه فإن كان المخالفون من الجهمية والأشاعرة وأهل الكلام عموما يقصدون بالحركة أن الله ينزل ويأتي ويجيء فهذا حق ولن نترك كلام ربنا نبينا عليه الصلاة والسلام لتسميتهم إياه حركة أو إنتقال.
أما إن كانوا يقصدون بالحركة أن الله يماثل المخلوقات في تحركاتهم وانتقالاتهم فهذا باطل ننفيه جملة وتفصيلا.
و الأمر كما قال شيخ الإسلام في مسألة الحركة في موضعه من الفتاوى
( والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبته الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه وهو أن يثبت النزول والإتيان والمجيء، وينفي المثل، والسمي، والكفؤ، والند ) اهـ.
ثانيا: أما عن الصعود-بعد النزول-فلم أقف على حديث واحد يقول بذلك فيا حبذا لو تذكر لنا ذلك بارك الله فيك حتى نثبت ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وجزاكم الله خيرا.
جمال البليدي
2009-08-30, 10:40 PM
مراحل توبة أبي الحسن الأشعري الثلاث:
28-وادعى الجهمي أن أبي الحسن الأشعري لم يمر بثلاث مراحل إنما فقط مرحلتين ألا وهما: الإعتزال ثم مسلك ابن كلاب الذي جعله هذا الجهمي من مذاهب أهل السنة والجماعة ,ولم يأتي بدليل ولا حجة واحدة قط فنفي المراحل الثلاث إنما فقط كلام مجمل لبعض الأئمة أذكر منها :
قال الامام ابو بكر بن فورك رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري صــــ128)
((انتقل الشيخ ابو الحسن الاشعري علي بن إسماعيل الاشعري رضي الله عنه من مذهب المعتزله الى نصرة مذاهب السنه والجماعه بالحجج العقليه وصنف في ذلك الكتب))
قال الإمام ابن خلكان في وفيات الأعيان(3/284)
((هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنه... وكان ابو الحسن أولاً معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصره يوم الجمعه))
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلأ(15/89)
((وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد على منبر البصره وقال :إني كنت أقول بخلق القرآن... وإني تائب معتقد الرد على المعتزله))
وغيرها من أقوال أهل العلم التي تنص على توبة الإمام الأشعري من الإعتزال, ومن المعلوم أن توبة الأشعري من الإعتزال ليس محل خلاف بيني وبين هذا الجهمي إطلاقا إنما محل الخلاف عن عدد مراحل توبة الأشعري بعد الإعتزال فلا يوجد قول صريح لعدد المراحل التي مر بها الأشعري في هذه النصوص التي نقلها أو غيرها لكن هذا الجهمي ليس له هم إلا تسويد الصفحات ليقال له: لقد رد!
إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري:
وبما أن الجهمي لم يتمكن من نفي المرحلة الأخيرة للأشعري ولم ينقل لنا أي نفي لها من أهل العلم إنما راح يختلق مسائل لا علاقة لها بمحل الخلاف كان ولا بد أن نحشد الأدلة في إثبات هذه المرحلة السلفية التي كان عليها الإمام الأشعري مما جعل شيوخ جهمية العصر يطعنون فيه كما تقدم ذكره .
أقول:
هذه المرحلة الأخيرة, وهي مرحلة عودة الأشعري إلى السنة وأهلها وترك مذهب ابن كلاب التي حاول أن ينفيها هذا الجهمي-فلم يستطع- يدل على ثبوتها أمور:
أولا: أنها مرحلة قد أثبتها المؤرخون وعلى رأسهم الحافظ ابن كثير وهو من هو في التاريخ وسعة الإطلاع.
فقال: ((فذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال :
أولها: حال الإعتزال التي رجع عنها لا محالة.
الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.
الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف ,وهي طريقته في((الإبانة))التي صنفها آخرا))(1).
وأشار إليها الذهبي في السير فقال: ((قلت:رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول , ذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها :تمر كما جاءت ثم قال :وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول.))(2)
بل ونص عليها في كتابه((العرش)) قائلا: ((ولد الأشعري سنة ستين ومائتين,ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة رحمه الله,وكان معتزليا ثم تاب,ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة,ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه,وهو ماذكرناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك,وأنه موافق لهم في جميع ذلك,فله ثلاث أحوال: حال كان معتزليا,وحال كان سنيا في بعض دون بعض,وحال كان في غالب الأصول سنيا , وهو الذي علمناه من حاله))(3)
وأشار إلى هذا قبلهما شيخ الإسلام ابن تيمية فقال((إن الأشعري وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب,فإنه تلميذ الجبائي,ومال إلى طريقة ابن كلاب ,وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة.
ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنابلة بغداد أمورا أخرى,وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم))(4).
وقال العلامة الآلوسي: ((فقلت: يشهد لحقيقة مذهب السلف في المتشابهات,و هو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه ((ليس كمثله شىء)) إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيريتهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولجلالة شأن ذلك المذهب ذهب إليه غير واحد من أجلة الخلف ومنهم الامام ابو الحسن الأشعري لأن آخر أمره الرجوع إلى ذلك المذهب الجليل بل الرجوع إلى ما عليه السلف في جميع المعتقدات قال في كتابه (الإبانة) : الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل (( الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم وما رةي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد إبن حنبل نضر الله تعالى وجهه قائلون ولمن خالف قوله مجانبون )) وهو ظاهر في أنّه سلفي العقيدة وكيف لا والإمام أحمد علم في ذلك ولهذا ( ... نعص لميه هكذا في المطبوع ولعلها نعض عليه .. أخوكم ) من بين أئمة الحديث ويعلم من هذا أن ما عليه الأشاعرة غير ما رجع إليه إمامهم في آخر أمره من اتباع السلف الصالح فليتهم رجعوا كما رجع واتبعوا ما اتبع ))(5)
ثانيا :أنّ ماقرره أبة الحسن الأشعري في الابانة ومقالات الإسلاميين و رسالته إلى أهل الثغرمن مسائل المعتقد ومنه مسائل الصفات موافق في جملته لمعتقد السلف ومخالف لما عليه هؤلاء المتأخرين ممن يدعي السير على نهجه واتباع طريقته
فقد أثبت رحمه الله الصفات على ظاهرها ومنع من تأويلها وعدّ من تأوّلها مبتدعة وجهمية بل صرّح رحمه الله بأنّ الصفات حقيقية وأوجب الأخذ بالظاهر وبين أن آيات الصفات مفهومة معلومة وردّ على من تأةّلها وأخرجها عن حقيقتها وهذا يؤكد أنها –أي المرحلة الأخيرة-مغايرة لمرحلته الكلابية
ومما يؤكد هذا المعنى ويسنده: قول بعض الطاعنين في أبي الحسن أنه إنما ألف الإبانة مصانعة ورعاية لأهل السنة
فقد قال ابو علي الأهوازي رحمه الله ((وللأشعري كتاب في السنة قد جعله أصحابه وقاية لهم من أهل السنة يتولون به العوام من أصحابنا سماه (الابانة) صنفه ببغداد لما دخلها فلم يقبل ذلك منه الحنابلة وهجروه
وسمعت أبا عبد الله الحمراني يقول : لما دخل الأشعري بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول : رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى وعلى المجوس فقلت وقالوا )) وأكثر الكلام في ذلك فلما سكت قال البربهاري (( ما أدري مما قلت قليلا ولا كثيرا ما نعرف إلا ما قال أبوا عبد الله أحمد ابن حنبل )) فخرج من عنده وصنف كتاب الابانة فلم يقبلوه منه ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها )) وظاهر هذا النقل يدل على أن كتاب الابانة مخالف لما عليه الأشاعرة ولذلك ظن بعض الطاعنين أنه إنما ألفه مصانعة وهذا الظن وإن لم يكن صحيحا إلا أنه ثبت أن منهج الأشعري في الابانة موافق لأهل السنة ومخالف لتلك الطريقة التي تسمى بالأشعرية وقد اعترف بهذه الحقيقة العديد من الأشاعرة المعاصرون كما نقلنا عن شيخهم سعيد فودة.
ثالثا: بيّن رحمه الله في مقالات الإسلاميين أن الكلابية فرقة مباينة لأهل الحديث ونقل أقوالهم ولو كان كلابيا لما فرّق بين المصطلحين ولجعل الفرقتين واحدة
رابعا : مما يؤكد هذا أنّ الأشعريّة المتأخرون لا ينقلون في كتبه مشيئا مما ذكره الأشعري في كتبه الموجودة وهي (مقالات الإسلاميين) و(رسالة إلى أهل الثغر) و (الإبانة) وحاولوا عبثا أن ينكروا نسبة كتاب الإبانة المطبوع و المتداول إليه وما ذلك إلا لعلمهم بأنّه ينقض أصول مذهبهم وسنبين فيما بعد بطلان هذه الدعوة الخاوية على عروشها .
بل يكفي في إبطال دعواهم ما سطره الأشعري في(مقالات الإسلاميين) و(رسالة إلى أهل الثغر), وما نقله ابن عساكر في(تبيان كذب المفتري) والبيهقي في(الأسماء والصفات) والذهبي في(العلو) من كتاب(الإبانة) فضلا عما نقله ابن تيمية وابن القيم منه في كتبهما.
خامسا: أنّ أبا الحسن الأشعري ذكر في أوّل كتاب الابانة أنه سائر على درب الامام أحمد ووصفه بأنه إمام أهل السنّة –كما تقدم-ولم ينتسب قط لابن كلاب ولا إعتزى إليه في شيء من كتبه الموجودة ومعلوم أن ابن كلاب كان مباينا لطريق الامام أحمد وأن الامام أحمد كلن ينهى عن الكلابية وعن كبارهم من أمثال الحارث المحاسبي وأصحابه ويصفهم بالجهمية وه>ا مشهور مستفيض فلو كان الأشعري على طريقتهم لما انتسب إلى الامام أحمد مع علمه بنهيه عن ابن كلاب وتحذيره من طريقته.
الرد على ما أورده الجهمي في نفيه للمرحلة الأخيرة:
أما ما أورده الجهمي على هذا من أن كثير ممن ترجم لأبي الحسن لم يذكروا المرحلة الأخيرة.
فالجواب أن يقال:إن هذا قد يكون بسبب جهلهم بذلك.
والقاعدة تقول: إن المثبت مقدم على النافي, ومن علم حجة على من لم يعلم.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا: (( فإن قيل إن ابن فورك وأتباعه لم يذكروا هذا ,قيل: له سببان:
أحدهما:أن هذا الكتاب-أي :الإبانة للأشعري-ونحوه,صنفه ببغداد في آخر عمره,لما زاد استبصاره بالسنة ,ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح به فيه وفي أمثاله وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول وبين القول بالعدم.وابن فورك قد ذكر فيما صنفه من أخبار الأشعري تصانيفه قبل ذلك ,فقال:-أي: ابن فورك-((...وبقي إلى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة)),قال(( أما أسامي كتبه إلى سنة عشرين وثلاثمائة,فإنه ذكر في كتابه الذي سماه((العمد في الرؤية))أسامي أكثر كتبه....)) ثم قال((وقد عاش بعد ذلك إلى سنة أربع وعشرين وصنف فيها كتبا))ذكر منها أشياء.
قال ابن عساكر بعد أن ذكر كلام ابن فورك ((هذا آخر ما ذكره ابن فورك من تصانيفه , وقد وقع إلى أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه,فمنها..... ....))(6).
أسباب إنتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية :
كان من أسباب انتقاله إلى السنة, وتركه للمذهب الكلابي التقاؤه بمحدث البصرة الحافظ زكريا الساجي ,وهو الذي أخذ عنه معتقد أهل السنة السلفيين.
قال الذهبي في ترجمة الساجي((وكان من أئمة الحديث,أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات ,واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف)(7).
وقال في(العلو) : ((وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها,وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري الحديث ومقالات أهل السنة))(8)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية((ومذهب أهل السنة الذي يحكيه الأشعري في مقالاته عن أهل السنة والحديث,أخذ جملته عن زكريا بن يحي الساجي الإمام الفقيه عالم البصرة في وقته,وهو أخذ عن أصحاب حماد وغيرهم,فيه ألفاظ معروفة من ألفاظ حماد بن زيد كقوله((يدنوا من خلقه كيف شاء)),ثم أخذ الأشعري تمام ذلك عن أصحاب الإمام أحمد لما قدم بغداد,وإن كان زكريا بن يحي وطبقته هم أيضا من أصحاب أحمد في ذلك.
وقد ذكر أبو عبد الله ابن بطة في((إبانته الكبرى )) عن زكريا بن يحي الساجي جمل مقالات أهل السنة,وهي تشبه ماذكره الأشعري في(مقالاته), وكان الساجي شيخ الأشعري الذي أخذ عنه الفقه والحديث والسنة,وكذلك ذكر أصحابه))(9).
أما الأشاعرة المتأخرون فإنهم يطعنون في عقيدة زكريا الساجي شيخ أبي الحسن الأشعري فهذا شيخهم الكوثري يفتري عليه ويقول((وأما الساجي فهو أبو يحي زكريا بن يحي الساجي البصري صاحب كتاب"العلل" وشيخ المتعصبين. كان وقاعاً ينفرد بمناكير عن مجاهيل)).
وبهذا يتبين مدى التباين الكبير بين أبي الحسن الأشعري وبين الأشاعرة المعاصرون(جهمية العصر).
بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات :
29-وادعى الجهمي أن للأشعري قولان في الصفات (التفويض والتأويل) فقال:
وعقيدة الأشاعرة هي التفويض والتأويل فإلى ماذا رجع الإمام الأشعري؟؟
أقول:
أولا:إن التحقيق يأبى ذلك,إذ أن المتأمل في كتب الأشعري الموجودة ككتاب(الإبانة),و تاب((رسالة إلى أهل ثغر)) وكتاب((مقالات الإسلاميين)) يجدهما متفقة جميعها على قول واحد ,وإبطال كل ما سواه ,وهذا القول هو إثبات جميع الصفات لله تعالى على ظاهرها,ونفي التعرض إليها بتأويل,أو تحريف وهذه الكتب تمثل المرحلة الأخيرة التي استقر عليها مذهبه الذي توفي عليه .
وبناءا عليه فإن من حكى عليه قولين ,بمعنى رأيين سائغين يجوز القول بأحدهما فقد غلط عليه,إذ ليس عنده ما يثبت ذلك إلا كلام بعض متأخري الأشاعرة مع مخالفته صراحة لما هو مسطر في كتبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية((بل أبو معالي الجويني ونحوه ممن انتسب إلى الأشعري,ذكروا في كتبهم من الحجج العقليات النافية للصفات الخبرية مالم يذكره ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابهما,كالقاض أبي بكر بن الطيب وأمثاله,فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية,كاليد والوجه والاستواء,وليس للأشعري في ذلك قولان, بل لم يتنازع الناقلون لمذهبه نفسه في أنه يثبت الصفات الخبرية التي في القرآن وليس في كتبه المعروفة إلا إثبات هذه الصفات وإبطال قول من نفاها وتأول النصوص وقد رد في كتبه على المعتزلة - الذين ينفون صفة اليد والوجه والاستواء ويتأولون ذلك بالاستيلاء - ما هو معروف في كتبه لمن يتبعه ولم ينقل عنه أحد نقيض ذلك ولا نقل أحد عنه في تأويل هذه الصفات قولين
ولكن لأتباعه فيها قولان : فأما هو وأئمة أصحابه فمذهبهم إثبات هذه الصفات الخبرية وإبطال ما ينفيها من الحجج العقلية وإبطال تأويل نصوصها
وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات موافقة للمعتزلة والجهمية ثم لهم قولان : أحدهما تأويل نصوصها وهو أول قولي أبي المعالي كما ذكره في الإرشاد والثاني تفويض معانيها إلى الرب وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في الرسالة النظامية وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب ))(10).http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
ثانيا: لو كان التفويض والتأويل كلاهما حق فلما نرى التشنيع من الأشاعرة للأشاعرة أنفسهم فالأشاعرة المفوضة يردون على الأشاعرة المؤولة ويتنطاحون فيما بينهم !!.
أشاعرة فرقتان فرقة ترى التأويل وفرقة ترى التفويض
والقشيري يتهم المفوضة باتهام النبي بالجهل
هذا الاختلاف بينهم يظهر الحقيقة التالية : أن الأشاعرة فرقتان لا فرقة واحدة :
الفرقة الأولي : تؤول صفات الله وتتهم التي تفوض بأنها تصف النبي بالجهل وتصف الله بالكذب كما ستري .
الفرقة الثانية : لا تتعرض للتأويل بل تحرمه وتدعو للتفويض . وتتهم الأولي بأنها تقول على الله ما لا تعلم . لأن التأويل محتمل والمحتمل مطرود في العقائد .
لقد رد القشيري(الأشعري المؤول) في التذكرة الشرقية على الأشاعرة المفوضة قائلاً :
" وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله الا الله ؟
أليس هذا من أعظم القدح في النبوات وأن النبي صلي الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالي ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم ؟
أليس الله يقول ( بلسان عربي مبين ) ؟ فإذن : على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال " بلسان عربي مبين " إذ لم يكن معلوماً عندهم ، وإلا : فأين هذا البيان ؟
وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعي أنه مما لا تعلمه العرب ؟
ونسبة النبي صلي الله عليه وسلم إلى إنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل : أمر عظيم لا يتخيله مسلم فأن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف .
وقول من يقول : استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل .
وإن قال الخصم بأن هذه الظواهر لا معني لها أصلاً فهو حكم بأنها ملغاة وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هدر . وهذا محال وهذا مخالف لمذهب السلف القائلين بإمرارها على ظواهرها " .انتهي
فهذا خلاف أشعري أشعري وفيه اتهام للمفوضة من الأشاعرة بأنهم نسبوا النبي إلى الجهل ونسبوا الله إلى الكذب وأنهم واقعون في التكييف والتشبيه وملزمون بالغاء الوحي لأنهم الغوا معانيه . وهي اتهامات تعني الكفر.
وقد أعترف العز بن عبد السلام بكثرة اختلاف الأشاعرة على ربهم قائلاًً " والعجيب أن الأشعرية أختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين وفي الأحوال وفي تعدد الكلام واتحاده (قواعد الأحكام الكبري 170 .) وأن أصحاب الأشعري مترددون مختلفون في صفات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات (أصول الدين 90 الإعلام بقواطع الإسلام 24 ط : دار الكتب العلمية سن 1407 والزواجر عن اقتراف الكباشر للهيتمي / 350)
وأعترف بذلك أبو منصور البغدادي بوقوع الخلاف بينهم حول هذه الصفة وكذلك بن حجر الهيتمي المكي(اتحاف السادة المتقين 2 / 95 أصول الدين للبغدادي ص 123).
يتبع....
جمال البليدي
2009-08-31, 05:12 PM
رد دعوى وقوع التحريف في كتاب (الإبانة) :
لقد ادعى الجهمي استنادا لشيخه الكوثري بأن كتاب"الإبانة" المتداول بين أيدينا قد تناولته الأيدي بالتحريف, ولعل ذلك لكونهم يعلمون أنه يبطل طريقتهم الأشعرية ويظهرهم على طريقتهم الحقيقية ألا وهي المنهج الجهمي الذي هم عليه , وقد اعتمد الكوثري على أمور يأبها التحقيق العلمي:
منها:وجود اختلاف يسير بين النسخ في بعض الألفاظ التي لا يكاد يسلم منها كتاب .
ومنها: ما أسنده أبو الحسن الأشعري فيه عن أبي حنيفة في أنه كان يرى القول بخلق القرآن.
والجواب عليها كالتالي:
الرد المجمل:
إن دعوى التحريف والتبديل بغير بينة ولا برهان أمر لا يعجز عنه مبطل ولو جاز ذلك لأمكن ادعاء من شاء ما شاء
ثمّ إنّ هذا أمر يأباه التحقيق العلمي لأمور :
أولا: اتفاق النسخ المحفوظة الموجودة لكتاب (الإبانة) في أبوابها ومسائلها وألفاظها وهذا يدل على بطلان دعوى التحريف إذ لو وقع التحريف لاختلفت المسائل وتعارضت الألفاظ وظهر الاختلاف الذي يغير المعاني ويقلب المسائل
ثانيا: أنه بمقارنة ما هو موجود في النسخ الموجودة المتداولة من كتاب ( الابانة) مع ما نقل منه في كتب المتقدمين فإننا نجدها متفقة متوافقة.
فقد نقل الحافظ البيهقي فصلا من (الابانة) في كتابه (الاعتقاد) ص 114 فوجد مطابقا لما هو موجود
كما نقل ابن عساكر فصولا منه في (تبيين كذب المفتري) ص152-162 فوجدت مطابقة لما هو موجود
كما نقل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فصولا منه أيضا في غير ما موضع من كتبه ككتاب (نقض التأسيس) ص63-85 وفي مجموع الفتاوى 3/224-225 .. 5/93-98،168- 178 ووجدت مطابقة لما هو مطبوع
وكذلك ابن القيم كما في حاشيته على تهذيب السنن 13/35-36 وفي مختصر الصواعق 2/129 فوجدت جميعها مطابقة لما هو موجود
ونقل أيضا الحافظ الذهبي فصولا منه في كتابيه ( العلو) ص218 و(العرش) ص291-303 فوجدت موافقة للنسخ الموجودة.
ثالثا:أنّ الذي يؤكد ذلك أيضا هو اتفاق كتب الأشعري المتأخرة مع ما في الابانة من حيث المسائل والتقريرات فقد قرر في كتاب (مقالات الإسلاميين) في معتقد أهل الحديث ما يماثل تقريره في الابانة وكذلك في (رسالة إلى أهل الثغر)
كما أنّ تقرير المسائل وسياق الحجج في (الإبانة) مطابق لما هو موجود في كتاب (مقالات الإسلاميين) و (رسالة إلى أهل الثغر) وأنظر-غير مأمور- ما في الإبانة ص118 مع ما في (رسالة إلى أهل الثغر)..
الرد المفصل:
30-قال الجهمي:
وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
* جاء في الإبانة المطبوعة ص/16 ما نصُّه ( وأنكروا أن يكون له عينـان مـع قولـه تجري بأعيننا . . ) اهـ هكذا بالتثنية !
* وعند ابن عساكر ص/ 157 ( وأنكروا أن يكون له عين . . . ) بإفراد لفظ العين .
* وجاء في المطبوعة ص/18 ( وأن له عينين بلا كيف . . )
* وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/22 ( وأن له سبحانه عينين بلا كيف ) هكذا , كلاهما بالتثنية !
* وعند ابن عساكر ص/ 158 ( وأن له عيناً بلا كيف . . ) بإفراد لفظ العين .
والإفراد هو الموافق للكتاب والسنة وأقوال السلف , وهذا نصٌّ واضح في التلاعب بنسخ الكتاب , ولفظ العينين لم يردْ في القرآن ولا في السنة , ومن ثنَّى فقد قاس الله تعالى على المحسوس المشاهد من الخلق تعالى الله وتقدس عن ذلك .
أقول:
إن ادعاء التحريف لوجود بعض الإختلاف في الألفاظ كلفظ "العينين" هل جاء مفردا أم مثنى فهذا من المضحك أن يصدر من مثلك فعلى طريقتك الجديدة الغريبة العجيبة سنتهم كل الكتب الإسلامية بالتحريف!
فهاهو صحيح البخاري تختلف بعض ألفاظه باختلاف النسخ وهاهي المسانيد والسنن كذلك,وهذا أمر أشهر من أن يذكر ,فلو صحت دعوى التحريف لمثل هذا لما صح لنا كتاب!
واللفظ الصحيح هو(العينين) بلا شك لأن هذا ما يؤيده كتب الأشعري الأخرى فقد قال في كتابه(مقالات الإسلاميين)((وأن له عينين كما قال تعالى((تجري بأعيننا جزاءا لمن كان كفر)).
وقال في فصل(الإختلاف في العين والوجه واليد ونحوها)):""وقال أصحاب الحديث:لسنا نقول في ذلك إلا ماقاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فنقول:وجه بلا كيف,ويدان وعينان بلا كيف)انتهى .
وقال في فصل((هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة))(وأن له عينين بلا كيف كما قال(تجري بأعيننا)اه.
كما أنه جعل إنكار العينين لله تعالى من أقوال المعتزلة التي خالفوا بها أهل السنة ,فقال في سياق أقول المعتزلة في (فصل :قولهم في اليد والعينين)(فمنهم من أنكر أن يقال:لله يدان,وأنكر أن يقال:إنه ذو عين,وأن له عينين)).
وهذا يبين أن الأشعري يثبت لله العينين .
اللهم إلا إذا ادعيت أن كتاب(مقالات الإسلاميين) محرف كذلك وهذا ليس عن جهمية العصر عنا ببعيد.
مع العلم أن هذا الخلاف موجود فقط في النسخ القديمة فقد نقل ابن تيمية كذلك عن الأشعري التثنية في لفظ(العين) وليس الإفراد بل نقل ابن تيمية عن ابن عساكر أنه قال بالتثنية فلماذا لا تقولوا بتحريف كتاب ابن عساكر بدلا من كتاب الإبانة للأشعري.
فدعونا من هذا الهذيان من فضلكم.
31-قال الجهمي:
ومن أمثلة التحريف فيه أيضاً القدح بالإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه :
فقد جاء في الإبانة المطبوعة ص/ 57 ( وذكر هارون بن إسحاق الهمداني عن أبي نعيم عن سليمان بن عيسى القاري عن سفيان الثوري , قال : قال لي حماد بن أبي سليمان : بلِّغ أبا حنيفة المشرك أنِّي منه بريء . قال سليمان : ثم قال سفيان : لأنه كان يقول القرآن مخلوق .
وذكر سفيان بن وكيع قال عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال أخبرني أبي قال : الكلام الذي استتاب فيه ابن أبي ليلى أبا حنيفة هو قوله : القرآن مخلوق . قال : فتاب منه وطاف به في الخلق . قال أبي : فقلت له كيف صرت إلى هذا ؟ قال : خفت أن يقوم عليّ , فأعطيته التقيّـة .
وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً ـ يعني ابن أبي سليمان ـ بعث إلى أبي حنيفة : إني بريء مما تقول , إلا أن تتوب . وكان عنده ابن أبي عقبة , قال , فقال : أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب .
وذكر عن أبي يوسف قال : ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن ) اهـ .
ترى هل نحن بحاجة إلى إثبات كذب مثل هذه الأخبار وأنها مدسوسة في كتاب الإمام الأشعري , أم أنه يكفي عزوها إلى الإبانة المطبوعة لكي يُعلم تحريفها وتلاعـب الأيـدي فيها ؟!
والجواب عليه:
إستدلال شيخك الكوثري بما هو موجود في الإبانة حول نسبة القول بخلق القرآن للإمام أبي حنيفة رحمه الله فهذا من العبث أقرب منه إلى التحقيق.
إذ أن هذه القصة المذكورة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله قد رواها جمع من الأئمة فقد رواها البخاري في (التاريخ الكبير) (4/127) وفي(خلق أفعال العباد)(ص7),ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتابه(السنة) (1/184),والعقيلي في الضعفاء(4/280),واللالكائي في(شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة) (2/239),وابن الجعد في مسنده(ص66),والخطي في ""تاريخ بغداد"" (13/388).
فهل يفهم من هذا أن كل هذه الكتب قد نالتها أيادي التحريف!!!!!!!!!!
32-قال الجهمي:
ومن هذه الأمثلة أيضاً ما جاء في الطبعة المتداولة عند ذكر الاستواء ص/69 ( إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له نقول : إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال { الرحمن على العرش استوى } . . )
وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/105 ( . . نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار . . )
فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة !!
وفي ص/73 من الإبانة المتداولة ( فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشـه , والسماء بإجماع الناس ليست الأرض , فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه ) اهـ
وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/113 ( فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد ) اهـ .
والجواب عليه:
إن الأشعري يثبت الإستواء على حقيقته دون تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف على طريقة أهل السنة(الرحمان على العرش استوى)) وهذا موجود بغزارة في كتبه المتأخرة وأما زيادة(( من غير حلول ولا استقرار)) فهذا موجود في بعض النسخ لكن بلفظ((منزها عن الحلول والإتحاد) وهذا لا يغير معنى الإستواء في شيء بحمد الله وهو علو الله تعالى على عرشه واستواءه عليه استواءا يليق بجلاله.
قال الأشعري في الإبانة((ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء , لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السموات , فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش)).
و قال في كتابه الذي سماه إختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين فذكر فرق الخوارج والروافض والجهمية وغيرهم إلى أن قال : ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث جملة قولهم الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله .. الى ان قال : وإنه على العرش كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) ولا نتقدم بين يدي الله بالقول بل نقول استوى بلا كيف .. ( قال الذهبي : نقلها ابن فورك بهيئتها في كتابه المقالات و الخلاف بين الاشعري و ابن كلاب.
دعواه في ابن كلاب كان من أهل السنة على طريقة السلف:
لقد ادعى الجهمي بأن ابن كلاب كان على طريقة السلف وما هذه إلا دعوى خاوية على عروشها فقد ردها الإمام أبي حسن الأشعري نفسه وقال في((مقالات الإسلاميين)):اخت ف المسلمون عشرة أصناف:الشيعة والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية والحسينية والبكرية والعامة وأصحاب الحديث والكلابية أصحاب عبد بن كلاب بن القطان))مقالات الإسلاميين(1/65).
فانظر كيف جعل الكلابية فرقة مستقلة عن أهل الحديث وذكرها باسمها الصريح مما يدلك على أنه لا علاقة لها بالأشعري في شيء فقد تاب منها .
وقد هجر الإمام أحمد الحارث المحاسبي لكونه مال لابن كلاب.
وقال الذهبي في السير((قال الحاكم:سمعت أبا بكر أحمد ابن اسحاق يقول((.....فقال له-لابن خزيمة- أبو علي الثقفي:ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟
قال:ميلكم إلى مذهب الكلابية,فقد كان الإمام أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره).
فإذا كان هذا موقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل من الكلابية الذين هم سلف الأشاعرة، مع موافقتهم لأهل السنة في أكثر أقوالهم كما يدل عليه قول أبي الحسن الأشعري: (فأما أصحاب عبد الله بن سعيد القطان، فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة...)
وكان ابن كلاب والمحاسبي يثبتون لله صفة العلو، والاستواء على العرش، كما يثبتون الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما
فكيف بمتأخري الأشاعرة الذين يؤولون ذلك كله، ويوافقون المعتزلة والجهمية في كثير من أقوالهم، مخالفين بذلك أئمة السلف من أهل السنة بل مخالفين سلفهم ابن كلاب وأصحابه!!!!
بيان مخالفة متأخري الأشاعرة للأشعري وكبار أصحابه:
33-حاول هذا الجهمي الإنتساب لأبي حسن الأشعري بل وزعم أنه يقولون بما في كتاب الإبانة الخيالي(لا الحقيقي الموجود بين أيدينا اليوم) فقال:
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى ( التبيين ص/388 ) :
( بل هم ـ يعني الأشاعرة ـ يعتقدون ما فيها ـ أي الإبانة ـ أسدّ اعتقاد , ويعتمدون عليها أشدّ اعتماد , فإنهم بحمد الله ليسوا معتزلة ولا نفاة لصفات الله معطلة , لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات , ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات , وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات , وينزهونه عن سمات النقص والآفات ) اهـ . وهذا الذي قاله الحافظ ابن عساكر منطبق على كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام , أما ما يوجد اليوم في أيدي الناس منها فلا ثقة به ولا يصح أن يمثل ـ في الغالب ـ اعتقاد الإمام أو الأشاعرة كما أثبتنا ذلك , إلا فيما وافق قول الكافة .
أقول:
وهذا الكلام الذي نقلته عن ابن عساكر لأقوى رد على تمسحكم بالإمام الأشعري فأنتم تقولون بالتحريف أو التعطيل بخلاف الأشعري الذي يقول بالإثبات كما ترى من كلام ابن عساكر وهذا الذي نقله ابن عساكر عن الأشعري هو قول أهل السنة السلفيين الذين وصفتموهم بالحشوية وغيرها من الألقاب التنفيرية.
ولا بد أن تعلم أيضا أن الأشعري وكبار أصحابه كأبي الحسن الطبري ,وأبي عبد الله بن مجاهد الباهلي ,ثم من بعدهم كأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الإسفرائيني ,لم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى التي في القرآن كاليدين والعينين والاستواء ونحوها بخلاف متأخري الأشاعرة(جهمية العصر) من أتباع الرازي والجويني وأبي حامد ونحوهم الذين تناولوها بالتحريف تارة وبالتعطيل تارة فانقسموا إلى طائفتين متضاربتين (الأشاعرة المفوضة والأشاعرة المؤولة) وكلا الطائفتين تلعن أختها كما سبق بيانه أعلاه!!!!.
قال أبو عباس أحمد بن ثابت الطرقي الخافظ صاحب كتابف((اللوامع في الجمع بين الصحاح والجوامع)) في بيان مسألة الإستواء من تأليفه((ورأيت هؤلاء الجهمية-يشير إلى متأخري الأشاعرة- ينتمون-في نفي العرش,وتعطيل الإستواء-إلى أبي الحسن الأشعري,وما هذا بأول باطل ادعوه,وكذب تعاطوه,فقد قرأت في كتابه الموسوم ب(الإبانة في أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكر على إثبات الاستواء,وقال في جملة ذلك((ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم,يقولون جميعا: يا ساكن العرش)) ثم قال((ومن حلفهم جميعها قولهم: لا والذي احتجب بسبع سماوات ))(11)
وأعظم حجة على مخالفة الأشاعرة للأشعري : أن إيراد الأشعري التأويلات الأعتزالية كقولهم ( استوي ) أي استولي انما كان على سبيل الإنكار لا الاستحسان . ويدل عليه قوله (فان قيل : قد أنكرتم قول المعتزلة) (12).
وبهذا يرد على من زعموا أن المعتزلة وافقت أهل السنة في تأويل الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الرحمة واليد بالقدرة وكتاب تبيين كذب المفتري الذي يحتج به متأخري الأشاعرة اعظم حجة عليهم .
الحجة الثانية : ذكر الحافظ ابن عساكر في تبيينه أن المعتزلة قالت استوي أي استولي وأن المشبهة قالت استوي بذاته بحركة وانتقال . ثم قال كلمة تهتك ستر الكذابين ، قال " فسلك أبو الحسن طريقاً وسطاً بينهما " (13) ، وإنما ذكرت ذلك لتبيين كذب المفتري فيما نسبه إلى أبي الحسن الأشعري من موافقة المعتزلة في تأويل الاستواء بالاستيلاء !!
وسرد الذهبي عقيدة الأشعري وخروجه عن التأويل الذي كان عليه المعتزلة ، وقول الذهبي هذا دليل على ان المعتزلة كانوا ينفون الصفات بطريقة التأويل (14).
غير أن المنتسبين إلى الأشعري في العصر الحالي يجهلون نهاية حاله رحمه الله من إثبات ما أثبته الله ورسوله . ويجهلون حقيقة مهمة وهي أن طريقة ووسيلة المعتزلة في نفي الصفات إنما كانت في التأويل ، فلما جهلوا ذلك تبنوا تأويلات المعتزلة ودافعوا عنها معتقدين أنها تاويلات أهل السنة بينما هي عين تأويلات المعتزلة .
وظنوا أن المعتزلة كانوا ينفون الصفات وهذا غير صحيح وإنما كانوا يقولون ما يقوله كثيرون اليوم : نؤمن بهذه الصفات لكننا نعتقد أن ظاهرها غير مراد (15).
ولذلك نقل أبو الحسن الأشعري لنا تأويلاتهم فقال :
" قالت المعتزلة : نزول الله معناه نزول آياته أو نزول الملك بأمره " (16).
وفي ذلك دليل على ان المعتزلة كانوا يعتمدون التأويل فإنه لما ترك أبو الحسن الأشعري الاعتزال ترك معه التأويل . واعتبر تأويل المعتزلة إنكارا لصفات الله . فأعرض عن طريقتهم وأعلن في كتابه الابانة أنه على ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل ، وهذا الكتاب الذي لا يزال يتجاهله من ينتسبون للأشعري إلى اليوم .
قال " وقالت المعتزلة ( الرحمن على العرش استوي ) يعني استولي (17).
من الأدلة على مخالفة الأشاعرة للأشعري :
قال ابو الحسن الاشعري " وقالت المعتزلة : نزول الله معناه نزول آياته أو نزول الملك بأمره(18) وذكر الأشعري والجويني وابن خزيمة أن فرعون " كذب موسي في قوله : إن الله سبحانه فوق السموات "(19).
أما الماتريدية والأشاعرة فقد ذهبوا إلى نفس تأويل المعتزلة كالرازي والأيجي والجويني وشراح الجوهرة (20) . وهذا هو تأويل بشر المريسي عينه وهو والد المعتزلة ومؤسسهم حيث قال بأن نزول الله عبارة عن نزول أمره أو نزول رحمته (21).
واعترف ابن فورك أن المتأخرين من الأشاعرة ذهبوا إلى تأويل الاستواء بالقهر والغلبة خلاف قول الاشعري والمتقدمين من أصحابه وأعتبر أبو منصور البغدادي أن قول المعتزلة ( استوي: أي استولي ) قولاً فاسداً باطلاً .(22)
قال الأشعري " وقالت المعتزلة : يد الله بمعني نعمة الله " وقال أبو منصور البغدادي : " وقالت المعتزلة يد الله معناه : قدره الله قال : وقولهم باطل " (23) . وقال " وقال القدرية " (24)يد الله أي قدرته " وقولهم باطل : قا ل" وزعم الجبائي من المعتزلة أن يد الله بمعني النعمة " وهذا خطأ " (25).
وذكر الاشعري أن الجبائي – من المعتزلة – لا يجوز عنده أن يوصف الله بالفوقية ، فإن وجد في القرآن ما يثبت الفوقية فهو مؤول بالقهر والاستيلاء وان الله مسئول على العباد " (26).
(استفدت هاهنا من كتاب(الأشاعرة في ميزان أهل السنة) لفيصل جاسم ,وموسوعة أهل السنة في نقد الأحباش لدمشقية)).
يتبع....
----------------------------------------------------------
(1) طبقات الفقهاء الشافعيين(1/210) ونقله عنه المرتضى الزبيدي في إتحاف سادة المتقين (2/4),ولم يتعقبه.
(2) سير أعلام النبلاء(15/86)
(3) كتاب العرش للذهبي(ص302-303).
(4) مجموع الفتاوى(3/228).
(5) غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة واللباب (ص385-386).
(6) نقض التأسيس(ص90-91) .
(7) سير أعلام النبلاء(14/198).
(8) العلو(ص205).
(9) نقص التأسيس(ص123).
(10)درء التعارض(10/248).
(11)نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس(ص87-88),وابن درباس في((رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري))ص111.
(12) تبيين كذب المفتري 157 – 158 .
(13) تبيين كذب المفتري ص 150
(14) سير أعلام النبلاء 18 : 284 .
(15) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار المعتزلي ص 19 .
(16) مقالات الإسلاميين 291 تبيين كذب المفتري 150 .
(17) مقالات الإسلاميين 157 و 211 رسالة الأشعري إلى أهل الثغر ص 233 –234 التبيين لأبن عساكر 150 وأنظر رسائل العدل والتوحيد لمجموعة من المعتزلة 1 / 216 وشرح الأصول الخمسة 226 ومتشابعه القرآن 72 للقاضي عبد الجبار .
(18) مقالات الإسلاميين 291 وأنظر تبيين كذب المفتري لأبن عساكر 150 .
(19) الإبانة 106 رسالة في إثبات الاستواء والفوقية 1 / 177 ضمن المنيرية والتوحيد لأبن خزيمة 114 .
(20) أساس التقديس :162 ومشكل الحديث 98 – 99 والمواقف 298 والإرشاد 156 وجوهرة التوحيد 93 .
(21) أنظررد عثمان بن سعيد علي بشر المريسي العنيد 20 وشرح الأصول الخمسة 229 ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار 121 .
(22) الأسماء والصفات 3 / 152 – 153 تحقيق الأحباش .
(23) مقالات الإسلاميين 157و 167 و 211 و 195 و 218 و 291 . الإبانة 95 تبيين كذب المفتري 150 وأصول الدين 110 وأنظر شرح الأصول الخمسة 228 ومتشابه القرآن 231 للقاضي عبد الجبار المعتزلي .
(24) والقدرية هم المعتزلة .
(25) أصول الدين 110- 111 .
(26) مقالات الإسلاميين 532 .
جمال البليدي
2009-08-31, 08:51 PM
34-قال الجهمي:
وما هي الجناية علي النص أن ينزه الله عن التشبيه بالمخلوقات!!.
الجناية هي أن جعلتم كلام الله تعالى يوهم التشبيه فهربتم من هذا التشبيه الذين توهمتموه في عقولكم إلى تشبيه الله بالجماد والعدم ووصفتموه بالنقص والعجز فأنتم المشبهة أولا والمحرفة ثانيا فالمعطلة ثالثا.
وليس في إثبات ما أثبته الله لنفسه تشبيها كما تدعون وتفترون
قال نعيم بن حماد الحافظ: من شبه الله بخلقه, فقد كفر, ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به نفسه, ولا رسوله تشبيها.
2- يقول الإمام إسحاق بن راهويه :" إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهاً، قال تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }" ذكره الترمذي في جامعه .
ولو كان إثبات الفوقية أو النزول لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت الصفات الأخرى لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها أيضا, وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم
فأنتم الجهمية ومن شار على شاكلتكم من نفاة الصفات تجعلون كل من أثبتها مجسما مشبها, ومنكم من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب "الزينة" وغيره.
وشبهتكم أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله يرى في الآخرة". هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم.
"إن أهل السنة السلفيين متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من
صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه)
وقد إعترف كبار الأشاعرة بهذا فقال الرازي في رده على المعتزلة((إن كنتم بالمشبهة من يقول بكون الله مشابها لخلقه من بعض الوجوه فهذا لا يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن الله موجود...))..
35-قال الجهمي:
أتريد أن يقول أهل السنة والجماعة مثل ما يقول أهل الحشو
أن الله ينزل بنفسة حقيقة ويتحرك وينتقل ويمر في نزوله علي السماء الاولي والثانية وهكذا؟؟
فما هي الحقيقة عندكم؟
واذا بحثت في قواميس اللغة ستقف علي معني كلمة ينزل بنفسه حقيقة
التي يقول بها الحشوية!!!
ولا يوجد غير معنى واحد يفيد النقلة من أعلى إلى أسفل كما تقولون به وتريدون أن نقول بهذا القول الفاسد ندعوكم لتنزيه الله
وتدعوننا لتجسيم رب العباد!!
واين ورد لفظ الإنتقال والحركة والمكان كما يقول مشايخكم المجسمة ؟؟
أولا: لقد تقدم تحرير أقوال أهل السنة وموقفهم من ألفاظكم المبتدعة(جهة-مكان-حد-حركة –انتقال))) ونحوها فلا داعي للتكرار.
ثانيا: لقد اعترفت بنفسك بأنك لا تفهم من صفات الله إلا ما تفهمه من صفات المخلوقين فقد أكدت للقراء أنك من كبار المشبهين المجسمين بلا منازع في قولك((ولا يوجد غير معنى واحد يفيد النقلة من أعلى إلى أسفل كما تقولون)) .
بل هذا المعنى الذي وجدته أنت في القواميس لكونك أعجميا أو لكونك لا تفهم اللغة العربية-لست أدري – إنما هو في حق المخلوقات لا الخالق فهناك فرق بين المعنى الكلي وبين المعنى الإضافي إذ أغلب القواميس إنما تتكلم عن المعنى الإضافي لا الكلي فمن المعلوم أن معنى(النزول) إذا أضيف لله تعالى غير معناه إذا أضيف للخالق لكن القدر المشترك هو المعنى الكلي ألا وهو(الهبوط) أما الإنتقال من أعلى لأسفل فهذا في حق المخلوق أما الخالق فنقول(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
وكون المخلوق يعجز أن يجمع بين صفة العلو والنزول في آن واحد فإن الخالق لا يوصف بشيء من صفات المخلوق ولا يقاس بأحد من خلقه فدع عنك التشبيه الذي في ذهنك وآمن بما قاله لك ربك ونبينك عليه الصلاة والسلام إني لك من الناصحين.
ثالثا: أما التنزيه المزعوم الذي تدعوا إليه فما هو تعطيل قد صوره الشيطان على هيئة تنزيه إذ أنك كذبت الله ورسوله وادعيت بأنه لا ينزل أو ادعيت بأن الذي ينزل هو الملك أو الأمر أو الرحمة بل وادعيت أن كلام الله وكلام رسوله يعد تشبيها وتجسيما فنفيت صفات ربك وجردته من كل صفات الكمال بل وعدمته وجعلته لا داخل ولا خارج وزعمت أنه لا ينزل ولا يأتي ولا يجئ فلم يبقى لك أن تنكر ذاته فتدخل في تعداد الملحدين والله المستعان.
رابعا: إننا لا ندعوك إلا أن تؤمن بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن التحريف أو التعطيل أو التمثيل أو التكييف.
دعوى أن النزول يستلزم الحلول والتجسيم:
ومن آفات التشبيه الذي يتصوره الجهمية المعاصرون أنهم يتصورن بعقولهم المريضة أن نزول رب العالمين إلى السماء الدنيا يلزم الحلول فيها ,وهذا لأنهم يكيفون النزول في أذهانهم ويحاولون معرفة الكيفية ويقيسون الخالق بالمخلوق .
وبالرغم من أنني رددت على هذه الشبهة في موضوعي(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) إلا أن الجهمي كعادته يهوي التكرار ليقال له: لقدرد..!.
والجواب على فساد تصوره كالتالي:
دعواه أَنَّ مَنْ قالَ ينزلُ بذاتهِ أنَّهُ مجسمٌ حلوليُّ: قولٌ بلا علمٍ وكذبٌ وافتراءٌ: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].
وهذا الجهمي وأمثالهُ لمْ يفهموا منْ نزولِ الخالقِ إلى السَّماءِ الدنيا إلَّا كمَا فهموا منْ نزولِ المخلوقاتِ، «وهذا عينُ التمثيلِ، ثَّم إنَّهم بعدَ ذلكَ جعلوهُ كالواحدِ العاجزِ منهم الذي لا يمكنهُ أنْ يجمعَ منَ الأفعالِ ما يعجزُ غيرهُ عنْ جمعهِ»[1]. وكذبوا في هذا الفهمِ، وضلُّوا في هذا الظنِّ والوهمِ الكاسدِ.
فإنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يطوي الله عزَّ وجلَّ السمواتِ يومَ القيامةِ ثمَّ يأخذهنَّ بيدهِ اليمنى، ثمَّ يقول: أنا الملكُ. أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ُثمَّ يطوي الأرضينَ بشمالهِ ثمَّ يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبَّارونَ أينَ المتكبرونَ؟!»[2].
فمنْ هذهِ عظمتهُ، كيفَ يحصرهُ مخلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ. سماءٌ أو غيرُ سماءٍ؟! حتَّى يقال: إنَّهُ إذا نزلَ إلى السماء الدنيا صارَ العرشُ فوقهُ، أو يصيرُ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ يحصرهُ ويحيطُ بهِ سبحانه وتعالى[3].
واللهُ - ولله المثلُ الأعلى - أعظمُ منْ أنْ يظنَّ ذلكَ بهِ، وإنَّما يظنُّهُ الذينَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67][4].
قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: العليُّ الأعلى العظيمُ، فهو أعلى منْ كلِّ شيءٍ، وأعظمُ منْ كلِّ شيءٍ. فلا يكونُ نزولهُ وإتيانهُ بحيثُ تكونُ المخلوقاتُ تحيطُ بهِ، أو تكونُ أعظمَ منهُ وأكبرَ، وهذا ممتنعٌ[5].
فالمخلوقُ إذا نزلَ من علوٍّ إلى سفلٍ زالَ وصفهُ بالعلوِّ وتبدَّلَ إلى وصفهِ بالسُّفولِ، وصارَ غيرهُ أعلى منهُ.
والرَّبُّ تعالى لا يكونُ شيءٌ أعلى منهُ قطُّ، بلْ هوَ العليُّ الأعلى، ولا يزالُ هوَ العليُّ الأعلى مع أنَّهُ يقربُ إلى عبادهِ ويدنو منهم، وينزلُ إلى حيثُ شاءَ، ويأتي كما شاءَ. وهو في ذلكَ العليُّ الأعلى، الكبيرُ المتعال، عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّهِ.
فهذا وإنْ لمْ يتَّصفْ بهِ غيرهُ فلعجزِ المخلوقِ أنْ يجمعَ بينَ هذا وهذا. كمَا يعجزُ أنْ يكونَ هو الأولَ والآخرَ والظاهرَ والباطنَ[6].
وقَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: ونزولهُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا سلامٌ ممَّا يضادُّ علوَّهُ، وسلامٌ مما يضادُّ غناهُ وكمالهُ، سلامٌ منْ كلِّ ما يتوهَّمُ معطِّلٌ أو مشبِّهٌ، وسلامٌ منْ أنْ يصيرَ تحتَ شيءٍ أو محصورًا في شيءٍ. تعالى الله ربُّنا عن كلِّ ما يضادُّ كمالَهُ[7].
فتبيَّنَ بهذا الكلامِ النفيسِ، بطلانُ ما ذكرهُ هذا الجهمي, وأنَّهُ مبنيٌّ على شفا جرفٍ هارٍ منَ الخيالاتِ والأوهامِ.
وليتأمَّل هذا الجهمي وأمثالهُ منْ أهلِ الكلامِ الأثرَ التالي:
قالَ محمَّدُ بنُ حاتمٍ المظفريُّ: سمعتُ عمرو بن محمد يقولُ: كانَ أبو معاوية الضريرُ يحدِّثُ هارونَ الرشيد، فحدثَّهُ بحديثِ أبي هريرةَ: «احتجَّ آدمُ وموسى»[8] فقالَ عليُّ بنُ جعفرٍ: كيفَ هذا وبينَ آدمَ وموسى ما بينهما؟! قالَ: فوثبَ بهِ هارونُ وقالَ: يحدِّثكَ عَنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضهُ بكيفَ؟! فما زالَ يقولُ حتَّى سكتَ عنهُ[9].
قالَ المحدِّثُ الصابونيُّ معقِّبًا: هكذا ينبغي للمرءِ أنْ يعظِّمَ أخبارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبولِ والتسليمِ والتَّصديقِ، وينكرُ أشدَّ الإنكارِ على منْ يسلكُ فيها غيرَ هذا الطريقِ الذي سلكهُ هارونُ الرشيدُ رحمه الله معَ مَنِ اعترضَ على الخبرِ الصَّحيحِ الذي سمعهُ بـ«كيف»؟! على طريقِ الإنكارِ لهُ، والابتعادِ عنهُ، ولمْ يتلقَّهُ بالقبولِ كمَا يجبُ أنْ يتلقَّى جميعُ ما يردُ مِنَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
جعلنا الله سبحانهُ مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ ويتَّبعونَ أحسنهُ ويتمسَّكونَ في دنياهم مدَّةَ حياتهم بالكتابِ والسنَّةِ، وجنَّبنا الأهواءَ المضلَّةَ والآراءَ المضمحلةَ والأسواءَ المذلَّةَ، فضلًا منهُ ومنَّةً.
الرد على شبهة الجهة:
وادعى الجهمي أن القول بالنزول والعلو يستلزم إثبات الجهة
والجواب عليه:
ما قاله ابن تيمية في ( التدمرية ) ( ص 45 ) : قد يراد ب ( الجهة ) شيء موجود غير الله فيكون مخلوقا كما إذا أريد ب ( الجهة ) نفس العرش أو نفس السماوات وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم . ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء والوفوقية والعروج إليه ونحو ذلك وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته فيقال لمن نفى : أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق ؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم . وكذلك يقال لمن قال : الله في جهة . أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات ؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل ).
وقد يقول قائل : ((هل كان الله تعالى في هذا الحال – أي قبل خلق الكون – جهة وغيرها , إن قالوا نعم كفروا وتناقضوا ) شبهة ذكرها سعيد فودة.
والجواب ما جاء في رسالة إثبات الفوقية للجويني :
((، فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة المحدودة ذات الجهات اقتضت الإرادة المقدسة على أن يكون الكون له جهات من العلو، والسفل، وهو سبحانه منزه عن صفات الحدث، فكوَّن الأكوان، وجعل لها جهتا العلو والسفل، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الكون في جملة التحت؛ لكونه مربوباً مخلوقاً، واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت، ولكن الرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته، فهو الآن كما كان، لكن لما حدث المربوب المخلوق، والجهات، والحدود ذو الخلا، والملا، وذو الفوقية، والتحتية، كان مقتضى حكم عظمة الربوبية أن يكون فوق ملكه، وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون، فإذا أشير إليه يستحيل أن يشار إليه من جهة التحتية، أو من جهة اليمنى، أو من جهة اليسرى، بل لا يليق أن يشار إليه من جهة العلو والفوقية)).
معنى قول الطحاوي(لا تحتويه الجهات الست)):
أما قول الطحاوي(لا تحتويه الجهات الست)) فقد تقدم بيان معناه وهو أن الله لا يحل في أحد من خلقه فـ(لا تحويه الجهات الست) التي هي مخلوقاته، بل هو فوق الجهات والمخلوقات كلها. وهو رد على الحلُولِيَّة والجهمية الذين كانوا يقولون بأن الله حالٌّ في خلقه، وأنه في كل مكان، تعالى الله علو الكبيرا.
قال ابن القيم: وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة؛ إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى. ولكن لا يلزم من كونه فوق العرش هذا المعنى. وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق, وعلوه على خلقه, واستواءه على عرشه فنفيكم لهذا المعنى الباطل, وتسميته جهة اصطلاح منكم توصلتم به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل والفطرة, وسميتم ما فوق العالم جهة, وقلتم منزه عن الجهات, وسميتم العرش حيزاً, و قلتم ليس بمتحيز, وسميتم الصفات أعراضاً, وقلتم الرب منزه عن قيام الأعراض به([2]).
ومنه يتبين أن لفظة الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها ولا نفيها لأن في كل من الإثبات والنفي ما تقدم من المحذور ولو لم يكن في إثبات الجهة إلا إفساح المجال للمخالف أن ينسب إلى متبني العلو ما لا يقولون به لكفى.
وقال القرطبي ( 671 هـ ) بعدما ذكر مذهب المعطلة نفاة العلو لله تعالى ( وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة , ولا ينطقون بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله , كما نطق كتابه وأخبرت رسله , ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة .... , وإنما جهلوا كيفية الاستواء ) الجامع لأحكام القرآن 7/219-220
وكذلك لا ينبغي نفي الجهة توهما من أن إثبات العلو لله تعالى يلزم منه إثبات الجهة لأن في ذلك محاذير عديدة منها نفي الأدلة القاطعة على العلو له تعالى . ومنها نفي رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة فصرح بنفيها المعتزلة والشيعة وعلل ابن المطهر الشيعي في ( منهاجه ) النفي المذكور بقوله : ( لأنه ليس في جهة ) وأما الأشاعرة أو على الأصح متأخروهم الذين أثبتوا الرؤية فتناقضوا حين قالوا : ( إنه يرى لا في جهة ) يعنون العلو.
التعطيل تشبيه لله بالمعدوم والجماد:
وينكر الجهمي على أهل السنة إثباتهم الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولا تكييف بحجة أن هذا من التشبيه وقد تقدم معنا معنى التشبيه عند السلف بخلاف معناه عند هذا الجهمي فهو يرى إثبات الصفات تشبيها لهذا رد عليهم الإمام ابن عبد البر بقوله((((ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء))الاستذكار ق/78 مخطوط المحمودية.
لهذا فالمشبهون حقيقة هم الجهمية الذي شبهوا الله تعالى بالجماد والعدم إذ الذي لا ينزل ولا يجيء ولا يأتي ولا يتكلم إنما هو جماد.
وكذلك الذي لا فوق ولا تحت ولا داخل ولا خارج إنما هو عدم.
فالمعطلة الجهمية هم المشبهون حيققة لسببين:
أولاً : لأنهم وقعوا في وهم التشبيه ورأوا نصوص الكتاب والسنة ظاهرة في إثبات التشبيه حتى قال كبيرهم الرازي " إن الأخبار المذكورة في باب التشبيه بلغت مبلغاً كثير في العدد ، وبلغت مبلغة عظيماً في تقوية التشبيه ، وإثبات أن إله العالم يجري مجرى إنسان كبير الجثة عظيم الأعضاء وخرجت عن أن تكون قابلة للتأويل " ([10]) فلجأوا إلى التحريف (التأويل) كحل لإغلاق منافذ وسوسة التشبيه ، فوقعوا في وسوسة التعطيل . فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار .
ثانياً : أنهم يصفون الله بالصفات السلبية فلا يثبتون في الحقيقة إلهاً محموداً بل ولا موجوداً كالذين يقولون : ليس الله داخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا محايث له ، فشبّه ربه بالمعدوم إذ لو سألناه : صف لنا المعدوم ؟ فلن يسعه إلا وصف المعدوم لما وصف به ربه . ولذلك قيل: المشبه يعبد صنماً ، والمعطل يعبد عدماً ، لأن النفي عدمٌ والعدم ليس بشيء ([11]) وإذا حقق الرجل قولهم وما يؤول إليه وجد أنهم يجعلون الله شبحاً وخيالاً وسراباً ، ويكون حينئذ قد وصف الله بصفة لا شيء كما قاله الإمام محمد بن الحسن الشيباني ([12])
ودليل آخر على فساد قولهم : أنهم بقولهم لا داخل العالم ولا خارجه ألزمهم الصوفية بأننا قد اتفقنا على أن الله ليس فوق العالم ، وحينئذ يتعين مداخلته للعالم : إما أن يكون وجوده وجود العالم أو يحل في العالم أو يتحد به . وهذا يبين مدى الارتباط بين أهل الباطل وكيف يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .
ويلزم الذين يعبدون العدم نفي رؤية الله عز وجل لأن الرؤية تكون في محل ومقابلة ، وأما رؤية من ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل ولا خارج محال عقلا ومردود شرعاً .
فإما أن تنفوا أن الله في العلو فيلزمكم معه نفى رؤيته ، وإما أن تثبتوا علوه تعالى كضرورة من أجل إثبات رؤيته وإلا فنقول لكم ما قاله لكم المعتزلة ([13]) " من سلّم أن الله ليس في جهة وادعى مع ذلك أنه يرى فقد أضحك الناس على عقله "
أقوال أهل العلم من أهل السنة والمتكلمين في بيان أن الجهمية يشبهون الله بالعدم:
1- قول كثير من أهل العلم في هؤلاء المعطلة والممثلة لعلو الله تعالى ولكلامه ( المعطل يعبد عدماً والمثل يعبد صنماً , والمعطل أعمى والممثل أعشى , ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ) .
2- الإمام محمد بن الحسن الشيباني ( 189 هـ ) فقد قال ( ... فمن قال بقول الجهم فقد فارق الجماعة , لأنه قد وصفه بصفة لاشيء )([14]) .
3- إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ( 241 هـ ) فقد قال في شرح عقيدة من أنكر علو الله تعالى ( فعند ذلك يتبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء )([15]) .
4- الإمام عبدالعزيز الكناني ( 240 هـ ) قال ( قال لي أحد الجهمية : أقول : إن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء , ولا كالشيء على الشيء , ولا كالشيء خارجاً عن الشيء , ولا مبايناً للشيء , فقلت : فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئاً )([16]) .
5- لقد ذكر شيخ الإسلام هذا النص عن الكناني ثم علق عليه بقوله ( فهذا عبدالعزيز يبين أن القياس والمعقول يوجب أن ما لا يكون في الشيء ولا خارجاً عنه – فإنه لا يكون شيئاً , وأن ذلك صفة معدوم )([17]) .
6- وقال الإمام ابن كلاب إمام الكلابية والأشعرية جميعاً ( 240 هـ ) في الرد على المعطلة ( وأخرج([18]) من النظر والخبر قول من قال : إن الله لا في العالم ولا خارج منه , فنفاه نفياً مستوياً , لأنه لو قيل له : صفه بالعدم , ما قدر أن يقول فيه أكثر منه ... , فإن قالوا لا فوق ولا تحت , أعدموه , لأن ما كان لا تحت ولا فوق فعدم ,فإذا قيل لهم : فهو لا مماس للعالم ولا مبائن للعالم , قيل لهم : فهو بصفة المحال ... , قيل لهم فأخبرونا عن معبودكم ؟ مماس هو أم بائن ؟فإذا قالوا : يوصف بهما .قيل لهم : فصفة إثبات خالقنا كصفة عدم المخلوق , فلم لا تقولون صريحاً : إن الله
عدم ...)([19]) .
7- السلطان العادل كاسر الأصنام محمود بن سبكتكين ( 421 هـ ) لما سمع ابن فورك الأشعري ينفي فوقية الله على خلقه قال له ( فلو أردت أن تصف المعدوم كيف تصفه بأكثر من هذا ؟ ) , وقال هذا السلطان في الرد على ابن فورك أيضاً ( فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم )([20]) .
8- حافظ المغرب الإمام ابن عبدالبر ( 463 هـ ) قال ( وهم ] أي المعطلة [([21]) نافون للمعبود ]يلاشون أي يقولون : لا شيء [([22]) , والحق فيما قاله القائلون ربما نطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة )([23]) .
9- شيخ الإسلام ابن تيمية ( 728 هـ ) فقد رفع إليه سؤال في حق الأشعرية و الماتريدية والجهمية :
يا منكراً أن الإله مبائن *** للخلق يا مقتون بل فاتن
هب قد ضللت فأين أنت فإن تكن *** أنت المباين فهو أيضاً بائن
أو قلت : لست مبائناً قلنا إذن *** بالاتحاد أو الحلو تشاحن
أو قلت : ما هو داخل أو خارج *** هذا يدل بأن ما هو كائن
إذ قد جمعت نقائصاً ووصفته *** عدماً بها هل أنت عنها ضاعن([24])
فارجع وتب من قال مثلك إنه *** لمعطل والكفر فيه كامن([25])
أن الذي يقول : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا مبائن عنه ولا متصل به – فقد جعل الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً , وهذا اللازم ولا محيد له منه .
10- الإمام الذهبي ( 748 هـ ) فقد قال ( مقالة السلف وأئمة السنة بل الصحابة والله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : وأن الله فوق سماواته ... , ومقالة الجهمية الأولى أنه في جميع الأمكنة , ومقالة متأخري المتكلمين من المعتزلة والماتريدية و الأشعرية أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا هو متصل بهم ... , قال لهم أهل السنة والأثر : فإن هذا السلوب نعوت المعدوم تعالى الله جل جلاله عن العدم , بل هو متميز هن خلقه موصوف بما وصف به نفسه في أنه فوق العرش بلا كيف )([26]) .
.
11- الإمام ابن القيم – رحمه الله – ( 751 هـ ) فقد قال :
فاحكم على من قال ليس بخارج *** عنها ولا فيها بحكم بيان
بخلافة الوجهين والإجماع والـ *** عقل الصريح وفطرة الرحمن
فعليه أوقع حد معدوم وذا *** حد المحال بغير ما فرقان
يا للعقول إذا نفيتم مخبراً *** ونقيصه ؟ هل ذاك في إمكان
إذا كان نفي دخوله وخروجه *** لا يصدقان معا لذي الإمكان
إلا على عدم صريح نفيه *** متحقق ببداهة الإنسان([27])
هل في إثبات الصفات تشبيهاً:
وأكثر الجهمي من وصفه لأهل السنة السلفيين بالمجسمة والمشبهة لكونهم يثبتون النصوص على ظاهرها فهو يتهوم أن إثبات النصوص يستلزم التشبيه وما درى المسكين أن أصل التأويل الذي هم عليه بحجة الهروب من التشبيه حجة جهمية ، قال أحمد " وتأول – جهم - القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه كان كافراً وكان من المشبهة ، فأضلّ بكلامه بشراً كثيراً ، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية ([28]) .
وقد نقل الدهلوي عن الحافظ في الفتح أن إجراء هذه الصفات كما هي ليس بتشبيه ، وإنما التشبيه أن يقال : سمع كسمع أو بصر كبصر ، وهذا مروي عن إسحاق بن راهويه كما تقدم ذكره أعلاه ([29]).
كراهية أهل البدع لأهل الحديث:
ثم شنّع الدهلوي على الخائضين في علم الكلام قائلاً " واستطال هؤلاء الخائضون على معشر أهل الحديث وسمّوهم مجسمه ومشبهة وهم المتسترون بالبلكفة وقد وضح لي وضوحاً بيّناً أن استطالتهم هذه ليست بشيء وأنهم مخطئون في مقالتهم رواية ودراية وخاطئون في طعنهم بأئمة الهدى" ([30])
وقال الزبيدي "وسمّت المعتزلة أهل السنة مشبهة وهذا بواسطة قياس الشاهد على الغائب الذي هو عين التشبيه " ومن العجيب منه رحمه الله أنه قسم التشبيه إلى نوعين " أحدهما مذموم وهو تشبيه الحق بالخلق في الذات كما تقوله المجسمة وهو كفر .
والثاني : محمود وهو التشبيه بمعنى إثبات الصفات الثبوتية له ، وهذا التشبيه أيضاً مرتبة عظيمة ومن مراتب الكمال ، وأكملها : الجمع بينهما " ([31]) أي أن لا تشبه ولكن تثبت ما أثبته الله لنفسه ورسوله.
قال عبد الله بن المبارك " من قال لك يا مشبه : فاعلم أنه جهمى " ([32]) ، وقال أبو حاتم الرازي " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة " ([33]) .
وعن أحمد بن سنان " ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث ، وإذا ابتدع الرجل بدعة نزعت حلاوة الحديث من قلبه " ([34]) .
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني وابن قتيبة " والجهمية تسمي مثبتة الصفات مشبهة لإثباتها صفات الباري عز وجل من العلم والقدرة والحياة وغيرها من الصفات ، ومن علامات الزنادقة تسميهم أهل الأثر بالحشوية والمجسمة والمشبهة " ([35]) .
وكل من نفى شيئاً قال لمن أثبته " مجسم مشبه " فالأشاعرة عند الجهمية والمعتزلة مجسمة لأنهم أثبتوا بعض الصفات. كما أن أهل السنة مجسمة عند الأشاعرة لأنهم لم يوافقوهم على نفي ما نفوه من الصفات .
يتبع..........
-----------------
[1] بيان تلبيس الجهمية (2/228 - 229).
[2] رواه مسلم (2788).
[3] مجموع الفتاوى (5/482).
[4] مجموع الفتاوى (6/582 - 583).
[5] مجموع الفتاوى (16/422).
[6] مجموع الفتاوى (16/424).
[7] بدائع الفوائد (2/136).
[8] رواه البخاري (3409 و6614 و7515) ومسلم (2652).
[9] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/181)، وعنه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/243) من طريق آخر وبألفاظ مختلفة، وإسناده صحيح. انظر: «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص127)، تحقيق: بدر البدر.
[10]) - المطالب العالية 9 / 213 .
([11]) - الرسالة التدمرية 39.
([12]) - رواه اللالكاني في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3 / 432 – 433 .
([13]) - شرح الأصول الخمسة 249-353 المغني لعبد الجبار 4 / 139 .
[14] ) رواه اللالكائي فيشرح أصول الاعتقاد 3/432-433 , وانظر الحموية 54 ومجموع الفتاوى 5/50 .
[15] ) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد 105-106 .
[16] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .
[17] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .
[18] ) هكذا في الأصول , ولعل الصواب : ( وخرج ) من اللازم لا من المتعدي .
[19] ) درء التعارض 6-119-121 , ومجموع الفتاوى 5/317-319 , والصواعق المرسلة 4/1241 , واجتماع الجيوش 282-283 من كتاب " المجرد " لابن فورك .
[20] ) مجموع الفتاوى 3/37 , درء التعارض 6/253 , والصواعق المرسلة 4/1287 .
[21] ) الزيادة مني للإيضاح .
[22] ) الزيادة من الصواعق المرسلة 4/1289 , ولم أجدها في التمهيد المطبوع .
[23] ) التمهيد لابن عبد البر 7/145 .
[24] ) هكذا في الأصل ولم أجد مادة ( ضعن ) في اللغة , بالضاد المعجمة والعين المهملة ولعله ( ظاعن ) بالظاء المعجمة والعين المهملة , بمعنى ( السير ) أو ( ضاغن ) بالضاد والغين المعجمتين , بمعنى الميل راجع القاموس 1564 , 1566 .
[25] ) انظر مجموع الفتاوى 5/267-320 .
[26] ) العلو 107 , 195 , ومختصر العلو 146-147 , 287 .
[27] ) النوينة 55 وشرحها توضيح المقاصد 1/386-389 , وشرحها للهراس 1/176-177 , وتوضيح الكافية الشافية
للسعدي 58 .
([28]) - الرد على الجهمية 104 – 105 .
([29]) - فتح الباري 13 / 407 جامع الترمذي 3 / 50 .
([30]) - حجة الله البالغة 64.
([31]) - إتحاف السادة المتقين 9 / 407 .
([32]) - رواه ابن مندة في شرح حديث النزول 53.
([33]) - أنظر اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 2 / 179 والإمام الصابوني في عقيدة السلف 1 / 132 .
([34]) - سير أعلام النبلاء 12 / 245 تذكرة الحفاظ 2 / 521 صون المنطق والكلام للسيوطي 41 معرفة علوم الحديث للحاكم ص 4 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي 73 ط: إحياء السنة النبوية وشرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص 73.
([35]) - الغنية لطالبي الحق 58 وانظر الفقه الأكبر بشرح القاري 13 وتأويل مختلف الحديث 55.
أم تميم
2009-08-31, 10:05 PM
سدَّدَ الله رميكم وقولكم ..
وجعلكم غصَّة في حلوقِ الـمُبتدعَة ..
واصِلوا ..
لا أكبأ الله لكم جوادا ..
مُتابعين ..
خالد المرسى
2009-09-01, 12:12 AM
العفو أخي الكريم .
يمكنك زيارة مدونتي لتجيب على سؤالك(ابتسامة).
المدونة فارغة الا من فلاش تهنئة برمضان ؟
جمال البليدي
2009-09-01, 01:22 AM
سدَّدَ الله رميكم وقولكم ..
وجعلكم غصَّة في حلوقِ الـمُبتدعَة ..
واصِلوا ..
لا أكبأ الله لكم جوادا ..
مُتابعين ..
أحسن الله إليكم وجزاكم الله خيرا على حسن ظنكم .
جمال البليدي
2009-09-01, 01:25 AM
المدونة فارغة الا من فلاش تهنئة برمضان ؟
هذا لأنني أريد أن أجعل تلك الصورة في التوقيع ولا أعرف كيف:)
هذا رابط المدونة:
http://djamel.maktoobblog.com/
وهذه محتوياتها:
قضية فلسطين المسلمة. (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a %d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84 %d9%85%d8%a9/)
منبر الرد على طعونات شمس (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b7%d8%b9%d9%88%d9%86%d8%a7 %d8%aa-%d8%b4%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86/) الدين
رمضانيات (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86 %d9%8a%d8%a7%d8%aa/) (4)
منبر الدفاع عن السلفية... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7 %d8%b9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81 %d9%8a%d8%a9/) (50)
الردود على أعداء الإسلام... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af%d9%88 %d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%b9%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84 %d8%a7%d9%85/) (27)
حقوق المرأة (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%ad%d9%82%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3 %d8%a9/) (8)
الأسرة والمجتمع (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1 %d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac %d8%aa%d9%85%d8%b9/) (4)
التحذير من التطرف و الإر... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%b0 %d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%b1 %d9%81-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87 %d8%a7%d8%a8/) (30)
الرد على الروافض(الشيعة).. . (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7 %d9%81%d8%b6%d8%a7%d9%84%d8%b4 %d9%8a%d8%b9%d8%a9/) (3)
الرد على الصوفية و الأشاعرة... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d9%81 %d9%8a%d8%a9-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%a7 %d8%b9%d8%b1%d8%a9/) (17)
الأشعار و القصائد... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%b9 %d8%a7%d8%b1-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a7 %d8%a6%d8%af/) (1)
التعريف بالمصطفى صلى الله عليه وسلم... (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%b1 %d9%8a%d9%81-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5 %d8%b7%d9%81%d9%89-%d8%b5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d9%88%d8%b3%d9%84%d9%85/) (1)
العقيدة والمنهج (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%8a %d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86 %d9%87%d8%ac/) (4)
أخلاقيات (http://djamel.maktoobblog.com/category/%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82 %d9%8a%d8%a7%d8%aa/) (5)
جمال البليدي
2011-11-06, 12:16 AM
مناقشة ما احتج به الجهمي من الأقوال :
37-واحتج الجهمي ببعض أقوال علماء مذهبه الأشاعرة ودس فيهم بعض أهل السنة التي تخالف مذهبه دون خجل ولا حياء ليُوهِم القارئ بأنه على مذهب السلف الصالح ولكن الحق يقال أن للولد الفراش وللعاهر الحجر:
1- الإمام مالك بن أنس رضي الله : سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.
(التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82)
2- الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( ت ٤٥٨ هـ)
صاحب السنن في كتابه "الأسماء والصفات" عند ذكر هذا الحديث :
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وجاء ربُّك} والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.
السنن الكبرى، البيهقي – المجلد الثالث ص ٣
3- وروى البيهقي بإسناده
عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال :
"سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلي الله عليه وسلم -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف"
الأسماء والصفات – البيهقي – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت – ص ٥٦٨
4- قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) صاحب السنن :
يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، ووأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: {ليس كمثله شيء}
وقال ولم يكن له كفوا أحد{ وقال } هل تعلم له سميا. ا.هـ.
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي – علم الكتب، بيروت – ص ٧٢
5- القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (ت ٤٠٣ هـ)
قال ما نصه : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به – ص ٦٤
6- إمام الحرمين الجويني
يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : وأما الأحاديث التي يتمسكون بها ، فآحاد لا تفضي إلى العلم ، ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاً ، لكنا نوميء إلى تأويل ما دوّن منها في الصحاح ، فمنها حديث النزول ، وهو ما روي عن النبي (ص) أنه قال : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث ، ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام ، وتجويز ذلك يؤدي إلى طرفي نقيض ، أحدهما الحكم بحدوث الإله ، والثاني القدح في الدليل على حدوث الأجسام والوجه حمل النزول وإنْ كان مضافاً إلى الله تعالى ، على نزول ملائكته المقربين ، وذلك سائغ غير بعيد
ونظير ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
معناه : إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله ، ولا يبعد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه تخصيصاً .
كتاب الإرشاد ص 150 ، 151
7- الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
الجامع لأحكام القرءان، القرطبي – سورة الفجر
8- رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
(ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه، لوجوه:
الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدَثات ويحتاج إلى ثلاثة: منتقِل، ومنتقَل عنه ومنتقَل إليه، وذلك على الله تعالى محال.
الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.
الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.
إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة – دار السلام ١٤١٠ هـ - ص ١٦٤
9- الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب
" بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".
10- الإمام البيضاوي
ما ثبت بالقواطع العقلية أنه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع أعلى إلى ما هو أخفض منه ، فالمراد دنو رحمته ، وقد روي { يهبط الله من السماء العليا إلى السماء الدنيا }
أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال وقهر الأعداء والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام للرأفة والرحمة ، ويقال : لا فرق بين المجيء والإتيان والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والسكون والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الإنتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى .
نقله عنه العيني في عمدة القاري ج7 ص 200
وكذلك بعض كلامة نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني
11- الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"
عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥
12- قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :
"هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
شرح صحيح مسلم، الإمام النووي – المجلد السادس، ص ٣٦ -
13- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري
"وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزِل ملَكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له
(( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ))
ينادي مناد هل من داع يستجاب له
(( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…
وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته." انتهى كلام الحافظ ابن حجر
فتح البارئ شرح صحيح البخاري – المجلد الثالث – كتاب الصلاة: باب الدعاء والصلاة من ءاخر الليل.
14- الإمام العيني في شرح صحيح البخاري
قال أثناء كلامه عن حديث النزول
: وقال ابن فورك : ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم بضم الياء من ينزل يعني من الإنزال وذكر أنه ضبط عمن سمع منه من الثقات الضابطين ، وكذا قال القرطبي قد قيده بعض الناس بذلك ، فيكون معدى إلى مفعول محذوف ، أي ينزل الله ملكاً ، قال : والدليل على صحة هذا ما رواه النسائي من حديث الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد قال : قال رسول الله (ص) : { إنّ الله عز وجل يمهل حتى يأتي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً يقول : هل من داع فيستجاب له } ، وصححه عبد الحق ، وحمل صاحب المفهم على النزول المعنوي على رواية مالك عنه عند مسلم ، فإنه قال فيه ، { يتنزل ربنا } ، بزيادة تاء بعد ياء المضارعة ، فقال : كذا صحت الرواية هنا ، وهي ظاهرة في النزول المعنوي ، وإليها يُرد
> ينزل < على أحد التأويلات ، ومعنى ذلك أنّ مقتضى عظمة الله وجلاله واستغنائه عن خلقه أنّ لا يعبأ بحقير ذليل ، لكن ينزل بمقتضى كرمه ولطفه ، لأنّ يقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ، ويكون قوله
> إلى السماء الدنيا < عبارة عن الحالة القريبة إلينا والدنيا ، والله أعلم عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج7 ص 199
15- وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"
شرح صحيح البخاري، القسطلاني – المجلد الثاني، ص ٣٢٣
16- الحافظ السيوطي
قال السيوطي في أثناء كلامه في شرح حديث النزول في تنوير الحوالك:
فالمـراد إذن نـزول أمره أو الملك بأمره ، وذكـر بن فورك أن بعـض المشايخ ضبطه ينزل بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكاً تنوير الحوالك ج1 ص 167
17- الإمام الزرقاني في شرحه على موطإ الإمام مالك
نقل الزرقاني ما نقله ابن حجر عن ابن العربي وابن فورك وزاد ما نصه: "وكذا حكى عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملِك كذا أي أتباعه بأمره." انتهى كلام الزرقاني.
شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك، الزرقاني - دار الجيل، بيروت - المجلد الثاني، ص ٣٤.
18- الملا علي القاري الحنفي
قال في مرقاة المفاتيح بعد أنْ نقل كلام النووي بشأنْ معنى حديث النزول وأقوال العلماء فيه
وبكلامه ، وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي ، وإمام الحرمين والغزالي ، وغيرهم من أئمتنا يعلم أنّ المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر ، كالمجيء والصورة ، والشخص ، والرجل ، والقدم ، واليد ، والوجه ، والغضب ، والرحمة ، والاستواء على العرش ، والكون في السماء ، وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان ، تستلزم أشياء يُحكم بكفرها بالإجماع ، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره ، وإنما اختلفوا ، هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أنْ نؤوله بشيء آخر ، وهو مذهب أكثر أهل السلف ، وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويلـه بشيء آخر ، وهـو مـذهب أكثر أهل الخـلف وهـو تأويل تفصيلي ...
إلى أنْ قال : بل قال جمع منهم ومن الخلف : أنّ معتقد الجهة كافر كما صرّح بـه العـراقي ، وقال : إنه قـول لأبي حنيفة ومالـك والشافعي والأشعري والباقلاني .
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج3 ص 299
أقول:
أولا :قبل أن أعقب على بعض الأقوال التي احتج بها الجهمي تقليدا منه وتعصبا للرجال دون الوحي المعصوم عندي من الملاحظات ما أقول :
الملاحظة الأولى : أن الجهمي لم يستطع أن يأتي بحرف واحد عن السلف من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين أهل القرون الثلاث المفضلة -بشهادة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم- تنصر مذهبه في التحريف(التأويل) أو التعطيل(التفويض) اللهم إلا رواية مكذوبة عن الإمام مالك كما سأبين عند ردي على الشبهات وكذا قول التابعي عبد الله المزني الذي هو حجة عليه لا له كما سأبين في الملاحظة الرابعة ,وهذا كافي في هدم مذهبه ورد مقالته المليئة بالتلبيس والتحريف ناهيك عن التناقض .
و العبرة عندنا بما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد قال نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم في وصفه للفرقة الناجية((إلا ما كان على مثلي ما أنا عليه اليوم وأصحابي))) وهذه بعض أقوالهم في إثبات الصفات لله تعالى على الحقيقة لا المجاز دون تحريف ولا تعطيل :
1-الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال قيس بن أبي حازم: (لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي)[1].
وفيه تحقيق علو الله تعالى وأنه في السماء، وفيه جواز الإشارة إليه في السماء.
2-ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه
عن عطاء: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل {تجري بأعيننا} القمر14، قال: أشار بيده إلى عينيه[2].
وهذا تحقيق لصفة العين لله تعالى. وليس في إشارة ابن عباس رضي الله عنه إلى عينه تمثيل عين الله تعالى بعين المخلوق إنما أراد تقريب الفهم إلى أذهان وإثبات صفة العين لله تعالى وإلا فالخلق مفطورون على تنزيه الله تعالى عن المماثلة والمشابهة بخلقه فلم يكن في أذهان السلف شيء إسمه التشبيه ألبتة إلا أن جاء الجهمية وأضرابهم من أهل الكلام وشبهوا الله بخلقه ابتداءا في أذهانهم ثم هربوا بهذا التشبيه إلى التعطيل أو التحريف فأصلوا وقعدوا البدع والمحدثات فتناقضوا وتفرقوا إلى أقسام متناحرة فيما بينها .
3- الإمام التابعي ربيعة بن عمرو الخرشي (64هـ)
قال في قول الله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} الزمر67، قال: (ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء)[3].
وهذا ظاهر في إثبات حقيقة اليد لله، وأنها ليست النعمة أو القدرة.
4-الإمام التابعي حكيم بن جابر بن طارق بن عوف الأحمسي (82 هـ)
قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء خلق الجنة بيده ثم جعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك وخلق آدم بيده وكتب التوراة لموسى)[4].
وفيه تحقيق صفة اليد التي من شأنها المسيس.
5 -زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (93 هـ)
قال مستقيم: قال كنا عند علي بن حسين ،قال: فكان يأتيه السائل، قال: فيقوم حتى يناوله، ويقول: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، قال: وأومأ بكفيه)[5].
وفيه تحقيق صفة اليد لله تعالى.
6- التابعي العابد خالد بن معدان الكلاعي الحمصي (103 هـ)
قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا آدم صلوات الله عليه خلقه بيده، والجنة، والتوراة كتبها بيده)[6].
7-عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس (104 هـ)
قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثا : خلق آدم بيده ، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده)[7].
8- الإمام التابعي عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة (117 هـ)
قال نافع بن عمر الجمحي: (سألت ابن أبي مليكة عن يد الله: أواحدة أو اثنتان؟ قال: بل اثنتان)[8].
وفيه إثبات حقيقة اليد لله عز وجل، وإبطال حملها على المجاز والقول بأنها النعمة أو القدرة.
9- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (150 هـ)
قال: (لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه. ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه)[9] اهـ.
وقال أيضاً: (وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال)[10] اهـ.
وقال أيضاً في إثبات النزول لله: (ينزل بلا كيف)[11] اهـ.
وفيه إثبات أن الرضى والوجه واليد ونحوها صفات لله تعالى غير مؤولة.
-10 عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (164 هـ)
قال بعدما ذكر جملة من صفات الله تعالى: (إلى أشباه هذا مما لا نحصيه، وقال تعالى {وهو السميع البصير} الشورى11، و{اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} الطور 48، وقال تعالى {ولتصنع على عيني} طه 39، وقال تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص75، وقال تعالى {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} الزمر67، فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا صغر نظيرها منهم عندهم)[12] اهـ.
فقوله "فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا صغر نظيرها منهم عندهم" صريح في أن ما أثبته الله تعالى لنفسه من الصفات حق على حقيقته، وأن أصل ما وُصف به ربنا من الصفات هو نظير ما وصف به المخلوق في أصل معنى الصفة لا في الحقيقة.
11-الإمام حماد بن زيد (179 هـ)
سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء: "ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا" قال: (حق، كل ذلك كيف شاء الله)[13] اهـ.
وقوله "حق" ظاهر في إثبات حقيقته، لأنه سؤال عن إمرار ما دل عليه ظاهره وإثباته صفة لله، لا عن ثبوته في نفس الأمر، وإلا لكان الجواب: هو صحيح، ونحو ذلك. كما أن قوله "كيف شاء الله" دال أيضاً على أن نزول الرب على حقيقته لغة، إلا أننا لا نعلم كيفيته. ولو لم يكن على حقيقته لما قال "كيف شاء الله". بل يقول: هو نزول أمره، أو رحمته.
وقال أيضاً: (مثل الجهمية مثل رجل قيل له: في دارك نخلة؟ قال : نعم. قيل: فلها خوص؟ قال: لا. قيل: فلها سعف؟ قال: لا. قيل: فلها كرب؟ قال: لا. قيل: فلها جذع؟ قال: لا. قيل: فلها أصل؟ قل: لا. قيل: فلا نخلة في دارك.
هؤلاء الجهمية قيل لهم: لكم رب يتكلم؟ قالوا: لا. قيل: فله يد؟ قالوا: لا. قيل: فيرضى ويغضب؟ قالوا: لا. قيل: فلا رب لكم)[14] اهـ.
12- الفضيل بن عياض (187هـ)
قال الفضيل بن عياض: (وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الإطلاع، كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فاذا قال الجهمى: أنا أكفر برب يزول عن مكانه. فقل: بل أومن برب يفعل ما يشاء )[15] اهـ.
وفيه أن النزول على حقيقته في اللغة، إذ لو كان مجازاً ولم يكن صفة لله تعالى على الحقيقة، لما اعترض الجهمي على إثباته بكونه يستلزم الزوال الذي هو من لوازم حقيقة المخلوق، وهذا بظنهم الفاسد، وإلا فإنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق. وسيأتي تقرير هذا الأصل في الفصل السادس.
-13 الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشى (204 هـ)
قال يونس بن عبد الأعلى المصري: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما ينبغي أن يؤمن به فقال: (لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم .... - إلى أن قال: ونحو ذلك أخبار الله سبحانه وتعالى إيانا أنه سميع، وأن له يدين بقوله {بل يداه مبسوطتان} المائدة64، وأن له يميناً بقوله {والسموات مطويات بيمينه}الزمر67، وأن له وجهاً ... – ثم ذكر صفة القدم، والضحك، والنزول، والعينين، والرؤية، والأصابع، ثم قال:
فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم مما لا يُدرك حقيقته بالفكر والروية، فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته، والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11)[16]اهـ.
فتأمل قوله: "وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته" أي حقيقة اتصاف الله به.
14-الإمام الحافظ يحيى بن معين (233 هـ)
قال يحيى بن معين: (إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل. فقل: أن أؤمن برب يفعل ما يريد)[17] اهـ.
فبين أن النزول فعل الرب، لا فعل ملك، ولا غيره.
-15 إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241 هـ)
قال حنبل بن إسحاق : (قلت لأبي عبد الله : ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم. قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف)[18] اهـ.
وقال حنبل: (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث.
فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقال حنبل في موضع آخر عن أحمد: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه، قد أجمل الله الصفة فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه. قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة)[19] اهـ.
ومراد الإمام أحمد بشناعة من شنع: الجهمية ومن شاكلهم من أصناف المعطلة الذي ينكرون حقائق الصفات لله تعالى، ويفهمون منها ما يُعلم من حقيقة صفة المخلوق، ويُلزمون صفة الله تعالى ما يَلزم من صفة المخلوق، وينسبون من أثبتها إلى التشبيه، فبين رحمه الله أن تشنيعهم هذا لا يمنع من إثباتها على حقيقتها اللائقة بالله تعالى، مع نفي مماثلتها لصفة المخلوق.
واستدلاله أيضاً رحمه الله بهذه الصفات على إثبات رؤية الله تعالى دال على أن الصفات حقيقة على ظاهرها، وإلا لو كانت مجازات لم يكن فيها دلالة على رؤية الله.
وقال أيضاً في إنكاره على من تأول الضحك لله بضحك الزرع: (قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن عبد الله التيمي فقال: صدوق وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع، وهذا كلام الجهمية)[20] اهـ.
وهذا صريح منه كما ترى في أن تأويل الصفات على هذا النحو هو قول الجهمية، وأن الصفة على حقيقتها، لا تطلب لها المعاني المجازية.
وقال يوسف بن موسى: (قيل لأبي عبد الله: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء من غير وصف؟ قال: نعم)[21] اهـ.
وهذا صريح أيضاً في إثبات النزول الحقيقي لله لا المجازي، كالقول بأنه نزول ملك أو نزول أمره. ولذلك قال عن نزوله (كيف شاء).
وقال في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" في "باب بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى": (قال أحمد رضى الله عنه فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره. فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. فقلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون. وحديث الزهري قال: "لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت.
قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك؟ قال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبِّهه؟ قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله[22])[23] اهـ.
وليس أبْيَنَ من هذا في أن الله يتكلم حقيقة بصوت عظيم لائق به لا يشبه أصوات الخلق.
16- الإمام إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي (264 هـ)
قال في "شرح السنة" له: (عالٍ على عرشه في مجده بذاته، وهو دانٍ بعلمه من خلقه .... ))إلى أن قال حاكياً الإجماع على هذا: هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضى ....)[24].
فتأمل حكايته الإجماع على أن الله عز وجل قد علا عرشه بذاته ونفسه، وهذا تحقيق لصفة الاستواء على العرش، وهو علوه عليه وارتفاعه.
-17 الإمام الحافظ محمد بن عيسى الترمذي أبو عيسى (279 هـ)
قال في سننه في الصفات: (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويُؤمن بها، ولا يُتوهم، ولا يُقال كيف؟ هكذا رُوي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه)[25] اهـ.
ومعلوم أنه لو لم يُثبت السلف الصفات كالنزول وغيرها على الحقيقة، وأنها صفات الله، لم يكن لاتهام الجهمية لهم بالتشبيه معنى ولا كان تفويضه للكيفية فائدة.
-18 الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)
قال في "الرد على المريسي" في تحقيق نزول الله بنفسه: (فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته ... إلى أن قال: وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان)[26] اهـ.
وقال في تحقيق صفة اليد لله عز وجل: (وإلا فمن ادعى أن الله لم يَلِ خلق شيء صغير أو كبير فقد كفر. غير أنه ولي خلق الأشياء بأمره، وقوله، وإرادته. وولي خلق آدم بيده مسيساً)[27] اهـ.
وهذا صريح في إثبات حقيقة اليد لله تعالى.
وقال في تحقيق إتيان الله بنفسه يوم القيامة: (وادعيت أيها المريسي في قول الله تعالى {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك} الأنعام158، وفي قوله {إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة210، فادعيت أن هذا ليس منه بإتيان لما أنه غير متحرك عندك، ولكن يأتي يوم القيامة بزعمك، وقوله {يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة210، ولا يأتي هو بنفسه)[28] اهـ.
وقال في الرد على تأويلات المريسي : (فيقال لك أيها المريسي المدعي في الظاهر لما أنت منتف في الباطن: قد قرأنا القرآن كما قرأت، وعقلنا عن الله أنه ليس كمثله شيء، وقد نفينا عن الله ما نفى عن نفسه، ووصفناه بما وصف به نفسه فلم نعده، وأبيت أن تصفه بما وصف به نفسه، ووصفته بخلاف ما وصف به نفسه.
أخبرنا الله في كتابه أنه ذو سمع، وبصر، ويدين، ووجه، ونفس، وكلام، وأنه فوق عرشه فوق سماواته، فآمنا بجميع ما وصف به نفسه كما وصفه بلا كيف. ونفيتها أنت عنه كلها أجمع بعمايات من الحجج، وتكييف، فادعيت أن وجهه: كله، وأنه لا يوصف بنفس، وأن سمعه: إدراك الصوت إياه، وأن بصره: مشاهدة الألوان كالجبال والحجارة والأصنام التي تنظر إليك بعيون لا تبصر، وأن يديه: رزقاه موسعه ومقتوره، وأن علمه وكلامه مخلوقان محدثان. وأن أسماءه مستعارة مخلوقة محدثة، وأن فوق العرش منه مثل ما هو أسفل سافلين، وأنه في صفاته كقول الناس في كذا وكقول العرب في كذا، تضرب له الأمثال تشبيهاً بغير شكلها، وتمثيلاً بغير مثلها، فأي تكييف أوحش من هذا إذا نفيت هذه الصفات وغيرها عن الله تعالى بهذه الأمثال والضلالات المضلات؟)[29] اهـ.
ما أروعه من كلام وأبينه من حجة في إثبات السلف للصفات حقيقة لا مجازاً.
-19 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)
قال بعد ذكره لجملة من صفات الله تعالى: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، . ..) إلى أن قال: (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول:
يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم.
وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم.
ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب.
ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا.)[36] اهـ.
وقال بعد أن أبطل تفسير المعطلة لمجيء الله: بمجيء أمره: (فإن قال لنا منهم قائل: فما أنت قائل في معنى ذلك؟
قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازل إليها في كل لحظة وساعة، وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة. ولا تخلو ساعة من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقت، ما دامت موجودة باقية.
وكالذي قلنا في هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عز وجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه )[37] اهـ.
20- إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (311 هـ)
قال في "كتاب التوحيد" في إثبات حقيقة الوجه لله: (ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة، التي كانت صفة الوجه مرفوعة، فقال: {ذو الجلال والإكرام} الرحمن27، فتفهموا يا ذوي الحجا هذا البيان، الذي هو مفهومٌ في خطاب العرب، ولا تغالطوا فتتركوا سواء السبيل، وفي هاتين الآيتين دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله: هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية، ...)[38] اهـ.
وقال في بيان حقيقة صفة اليدين: (الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه نحن نقول: لله جل وعلا يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونقول: كلتا يدي ربنا عز وجل يمين، على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن الله عز وجل يقبض الأرض جميعاً بإحدى يديه، ويطوي السماء بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، لا شمال فيهما، ونقول: من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان، مستوي التركيب، لا نقص في يديه، أقوى بني آدم، وأشدهم بطشاً له يدان عاجز عن أن يقبض على قدر أقل من شعرة واحدة، من جزء من أجزاء كثيرة، على أرض واحدة من سبع أرضين .... – إلى أن قال: فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من وصف يد خالقه بما بينا من القوة والأيدي، ووصف يد المخلوقين بالضعف والعجز مشبهاً يد الخالق بيد المخلوقين؟ ...- إلى أن قال: نقول: لله يدان مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بهما خلق الله آدم عليه السلام، وبيده كتب التوراة لموسى عليه السلام، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة غير قديمة، فانية غير باقية، بالية تصير ميتة ، ثم رميماً ،ثم ينشئه الله خلقاً آخر تبارك الله أحسن الخالقين، فأي تشبيه يلزم أصحابنا - أيها العقلاء - إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه، وأثبته له نبيه المصطفى r، ..)[39] اهـ.
فتأمل ذكره لما اتصفت به يد الله تعالى من الكمال والعظمة، مما تعجز عنه يد المخلوق، الأمر الذي ينبؤك أن صفة اليدين لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز، كما هي في المخلوق حقيقة لا مجاز.
وقال في تحقيق صفة النزول لله بعد أن ذكر الأدلة من السنة: (وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح : أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول : نزل من أسفل إلى أعلى ، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل)[40] اهـ.
الملاحظة الثانية :أن هذا الجهمي الناقل لهذه الأقوال متناقض أشد التناقض, ولا يقف على مذهب واحد بل يرقص على مذهبين متناقضين فتارة يشيد بالتعطيل(التفوي )) وينصر ذلك بأقوال بعض السلف التي يفسرها على غير وجهها ويحملها على غير سياقها وهذا منه غير مستغرب فالرجل حرف صفات الله تعالى فكيف لا يحرف كلام البشر - كما سبق بيانه عند الكلام على معنى قول السلف((أجروها على ظاهرها)) -وهاهو الآن الجهمي نفسه الذي كان ينصر التعطيل(التفويض) ) ينقل أقوال الأشاعرة المؤولة ومن وقع في أخطاءهم في التأويل(التحريف) ) لينصر بذلك مذهب التحريف(التأويل) فتبين بهذا أن الجهمي لا هو مؤول ولا هو مفوض بل مجادل بالباطل همه الطعن في مخالفه ومحاولة إطفاء نور الحق بشتى الطرق الممكنة ولو بالرقص على مذهبين متناقضين كما بينا آنفا عند الكلام عن تناقض الأشاعرة وطعنهم في بعضهم البعض(طعن المؤولة في المفوضة))) وسيأتي رد المفوضة على المؤولة من باب الإنصاف!
الملاحظة الثالثة :أن الجهمي احتج بأقوال علماء مذهبه على طريقة المثل الجزائري(عويشة تزكي عويشة)) أو المثل العربي((القرد عند أمه غزال)) أو(قال من يشهد للعروس قال أمها))) فاحتج الجهمي بأقوال الأشاعرة المؤولة كالباقلاني و الجويني والقرطبي وبدر الدين بن جماعة والبيضاوي وابن فورك و القسطلاني والسيوطي و الزرقاني والملا علي القاري من أجل نصرة مذهب التحريف الذي رده السلف جميعا وهذا باعتراف الأشاعرة المفوضة أنفسهم والذي أشاد بهم هذا الجهمي وبمذهبه التفويضي(=التجهي لي) قبلها بل وبعدها بسطور لهذا سأكتفي بنقل ردود شيوخه الأشاعرة المفوضة على شيوخه الأشاعرة المؤولة وإلا ففي أقوال السلف وأئمة السنة كفاية لكن أنقل أقوال الأشاعرة المفوضة من باب إلزام الجهمي ومن باب(من فمك أدينك)) ليتبين بذلك خلطه وخبطه في العقيدة وليعلم القارئ أن القوم ليسوا على عقيدة واحدة كما يدعون ولا علاقة لمذهبهم بنور الوحي كما يزعمون .
جمال البليدي
2011-11-06, 12:20 AM
رد الأشاعرة المفوضة على الأشاعرة المؤولة :
من الحجج الظاهرة على الأشاعرة في إبطال التأويل ما جاء عن كبار أئمتهم وعلمائهم في باب التأويل :
ما نقله مرتضى الزبيدي في [ إتحاف السادة المتقين 2/12و79 و110] عن القشيري اعترافه أن من السلف : الشافعي ومالك وأحمد والمحاسبي والقلانسي اختاروا عدم التأويل للمتشابهات ،، وأن أحمد سد باب التأويل على الإطلاق كما نقل عن والد الجويني أن طريقة كثير من السلف كابن عباس وعامة الصحابة الإعراض عن الخوض في التأويل .
وقال القشيري في [ التحبير في التذكير ص 73 ] : الله تعالى نهى العبد في وصفه ما لم يعلمه وإن كان صادقاً في قوله قال تعالى { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
وقال إمام الحرمين الجويني في الرسالة النظامية [ ص21-24 ] :
اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع .
ونقله الحافظ ابن حجر في الفتح (16/179) ونقله الذهبي في العلو للعلي الغفار (1/257) ومذهب الجويني في هذه الرسالة النظامية هو التفويض !!
وقال الشعراني في في اليواقيت والجواهر (1/106) :
إن الله تعالى ما أمرنا أن نؤمن إلا بعين اللفظ الذي أنزله ، لا بما أوَّلناه بعقولنا ، فقد لا يكون التأويل الذي أوَّلناه يرضاه الله تعالى .
وقال الغزالي ضمن وصاياه في قانون التأويل :
والوصية الثالثة : أن يكفَّ عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالظن والتخمين خطر، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظهار مراده، فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده، إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات، ويبطل الجميع إلا واحداً، فيتعين الواحد بالبرهان . ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير، فمتى ينحصر ذلك، فالتوقف في التأويل أسلم. اهـ
وكلامه السابق لهذا في تقديم للعقل على النقل ..
رد البيهقي على الرازي وغيره في وجوب التأويل:
فقد قرر الرازي في أساس التقديس (182-183) أن مذهب جمهور المتكلمين وجوب الخوض في تأويل المتشابهات .
ويرد البيهقي هذا الإيجاب حيث يرى كما نقله ابن حجر في فتح الباري (4/190) عنه قال : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم . اهـ
الملاحظة الرابعة: أن الجهمي نقل بعض الأقوال الخارجة عن محل النزاع كما نقل بعض الأقوال الخارجة عن الموضوع وبرهان ذلك بما يلي :
1-نقل الجهمي كلام عبد الله المزني الذي فيه :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وجاء ربُّك} والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا.
التعليق :
هذا الأثر الذي رواه البيهقي عن عبد الله المزني هو حجة على هذا الجهمي لو كان يفقه لأن فيه إثبات للصفة كما وردت مع نفي المشابهة والمماثلة وهذا هو مذهب أهل السنة السلفيين بخلاف مذهب هذا الجهمي الذي يتصور في ذهنه أن إثبات الصفة يستلزم التشبيه لهذا نجد أن المزني رد على المعطلة(المفوضة) الذين كان يحتج بهم محاورنا قبلها بسطور فقال-يعني عبد الله المزني-(( جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته)) فهذا رد على المعطلة ثم قال بعدها((والمشبهة بها علوا كبيرا.)) وهذا رد على هذا الجهمي المشبه الذي تصور في ذهنه أن إثبات النزول والمجيء يلزم منه إثبات التحول والحركة والإنتقال فهرب إلى التأويل فوقع في التحريف فالجهمية ينكرون هذه الصفة وينفونها نفيا مطلقا بدليل أن محاورنا الجهمي نقل كلام شيخ مذهبه بدر الدين بن جماعة المناقض لكلام المزني السابق فقال :
- رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
(ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه......)) ..
فالفرق بين كلام عبد الله المزني السلفي المذهب وبين بدر الدين بن جماعة الخلفي المذهب هو أن المزني أثبت الصفة ونفى التشبيه فجمع بين الإثبات وبين النفي لكن بن جماعة لم يثبت شيء بل بدأ كلامه بنفي الصفة لأنه توهم في ذهنه أن صفة نزول الإلهي معناها الإنتقال المشاهد في حق المخلوق وهذا ما نفاه عبد الله المزني فشتان شتان بين السلف وبين الخلف.
2-نقل الجهمي :
عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال :
"سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلي الله عليه وسلم -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف".
التعليق :
الإمام إسحاق بن راهوية يثبت النزول لله تعالى ولا يعطل مثل هذا الجهمي ولا يحرف نزول الله تعالى إلى نزول رحمته كما هو حال هذا الجهمي الراقص بين التفويض والتعطيل فمن أولى بكلام الإمام اسحاق بن راهوية؟ !.
3-نقل الجهمي كلام بعض الأشاعرة المؤولة كالبيضاوي وبدر الدين بن جماعة والبيضاوي في الكلام عن الانتقال والحركة والحدوث وقد سبق وبينا أن هذا خارج محل النزاع لأننا نتكلم عما أثبته الله لنفسه من النزول والمجيء والإتيان وليس عما تصوره الجهمية في عقولهم عند قراءتهم لنصوص الصفات.
يتبع.....
------------
[1] رواه ابن أبي شيبة (7/9)، وأبو نعيم في الحلية (1/47) وابن قدامة في العلو (ص111) كلاهما من طريق ابن أبي شيبة، وأورده الذهبي في العلو بإسناده إلى ابن أبي شيبة (ص77) وقال: إسناده كالشمس.
[2] رواه اللالكائي (3/411).
[3] رواه ابن جرير (24/25) وعبد الله في السنة (2/501).
[4] رواه ابن أبي شيبة (13/96) وهناد بن السري في الزهد (46) وعبد الله في السنة (1/275) والآجري في الشريعة (ص340) وأورده الذهبي في العلو (ص125).
[5] رواه ابن سعد في الطبقات (5/166).
[6] رواه عبد الله في السنة (1/297).
[7] رواه عبد الله في السنة (1/296).
[8] رواه الدارمي في رده على المريسي (1/286).
[9] الفقه الأبسط ص56. نقلاً من أصول الدين عند أبي حنيفة (ص298).
[10] الفقه الأكبر مع شرحه للدكتور محمد الخميس ص37.
[11] رواه الصابوني في اعتقاد أهل الحديث (ص60) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص572).
[12] رواه ابن بطة في الإبانة (3/63) واللالكائي (3/502) والذهبي في السير بإسناده من طريق الأثرم (7/312) وأورده في العلو (ص141) وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاوى ابن تيمية (5/44) وفي تلبيس الجهمية (2/186) وعزاه للأثرم في السنة ولأبي عمرو الطلمنكي.
[13] رواه ابن بطة في الإبانة (3/302). وعزاه ابن تيمية للخلال في السنة وساقه بإسناده كما في مجموع الفتاوى (5/376).
[14] رواه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة (ص91) وأبو يعلى في إبطال التأويلات (1/55) وأبو القاسم التيمي في الحجة (1/441) وأورده الذهبي في العلو (ص250).
[15] رواه البخاري في خلق أفعال العباد (ص17) وابن بطة في الإبانة (3/203) واللالكائي (3/452) وعزاه شيخ الإسلام اين تيمية للخلال في السنة كما في مجموع الفتاوى (5/61) وفي درء التعارض (2/23).
[16] طبقات الحنابلة في ترجمة الشافعي (1/283)، وذكر طرفاً منه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/407) وعزاه إلى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي.
[17] رواه ابن بطة في الإبانة (3/206) واللالكائي (3/453).
[18] رواه ابن بطة في الإبانة (3/242) واللالكائي (3/453) والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/260).
[19] عزاه ابن قدامة للخلال في السنة (ذم التأويل ص21) وابن تيمية في درء التعارض (1/254) وفي بيان تلبيس الجهمية (1/431) وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص211).
[20] رواه ابن بطة في الإبانة (3/111) والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/75).
[21] رواه أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/260) وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/146).
[22] وهذا لفظ حديث جابر t: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1119) والبزار كما في مجمع الزوائد (8/204) وابن بطة في الإبانة (2/310) وأبو نعيم في الحلية (6/210) والآجري في الشريعة (ص316) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص348) وعزاه ابن كثير في تفسيره (1/589) إلى ابن مردويه، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، قال عنه ابن كثير في تفسيره (1/589): (ضعيف بمرة).
وأما حديث الزهري: فقد رواه عبد الرزاق في تفسيره (2/238) وابن أبي حاتم في تفسيره من طريقه (4/1119) وعبد الله في السنة (1/283) وابن جرير (6/29) وابن بطة في الإبانة (311) والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص35)، كلهم من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال أخبرني جرير بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول: (لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا، حتى كلمه آخر ذلك بلسانه بمثل صوته، فقال موسى: هذا يارب كلامك؟ قال الله تعالى: لو كلمتك كلامي لم تكن شيئاً، أو قال: لم تستقم له، قال: أي رب هل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خلقي شبه كلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق). قال ابن كثير في تفسيره (1/589): (هذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين).
قلت: وليست الحجة في هذا الحديث الضعيف، وإنما في استشهاد الإمام أحمد به، وقبوله لما دل عليه من صفة كلام الله تعالى وأنه بصوت مسموع حقيقة.
[23] الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ص132). وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه منها: مجموع الفتاوى (6/154) ودر التعارض (1/377).
[24] شرح السنة للمزني (ص75،89).
[25] سنن الترمذي (3/50).
[26] الرد على المريسي (1/214).
[27] المرجع السابق (1/230).
[28] المرجع السابق (1/339).
[29] المرجع السابق (1/428).
[30] المرجع السابق (2/680).
[31] المرجع السابق (2/688).
[32] المرجع السابق (2/769-780).
[33] المرجع السابق (2/755).
[34] المرجع السابق (2/866)
[35] الرد على الجهمية (ص73).
[36] التبصير في معالم الدين (141-145).
[37] المرجع السابق (148-149).
[38] التوحيد (22-23).
[39] المرجع السابق (83-85).
[40] المرجع السابق (125-126).
[41] المرجع السابق (230-231).
[42] نقله ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة 433هـ بتمامه، وشيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (6/254) وفي نقض التأسيس (ص113)، وابن القيم في الصواعق المرسلة (4/1288)، والذهبي في السير (16/213).
[43] طبقات الحنابلة (2/210).
[44] تهذيب اللغة (3/246).
[45] نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/80).
[46] التعرف لمذهب أهل التصوف (ص47-48).
[47] الإبانة (3/240).
[48] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/73).
[49] الرد على الجهمية (ص68).
[50] المرجع السابق (ص94).
[51] المرجع السابق (ص102).
[52] أصول السنة (ص110-113) ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/56) وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص164).
جمال البليدي
2011-11-06, 12:22 AM
الشبهات الواردة في الأقوال التي احتج بها الجهمي :
ثانيا :المتأمل لنصوص الأشاعرة (أو بعض من وافقهم عن اجتهاد غلطوا فيه) التي نقلها محاورنا الجهمي يجد في طياتها أوهام ظنوها أدلة وحجج عقلية وما هي إلا شبهات فلسفية لا تثبت على قدم التصديق ولا في ميزان التحقيق وسأرد على هذه الشبهات برد إجمالي أبين فيه الموقف الحق من الصفات الواردة في الكتاب والسنة بما في ذلك صفة النزول-وقد مر بنا موقف الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في هذا- ثم أتبعه بالرد المفصل بتتبعها واحدة واحدة مع عزوها إلى صاحبها رغم أنها لم تأتي بجديد فقد رددت على أكثرها في بحثي السابق(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين)) فمحارونا الجهمي لم يأتي بكلام جديد ولا بدليل مفيد بل هو تكرار لما سبق بيانه في البحث الساق فبتقصي وتحليل الأقوال التي احتج بها الجهمي نستلخص منها الشبه التالية :
الشبهة الأولى :دعواهم بأن النزول يستلزم الحركة والإنتقال والتحول
الشبهة الثانية : انتقال الليل من مكان إلى مكان
الشبهة الثالثة : احتاجهم ببدعة الكلام النفسي .
الشبهة الرابعة : تأويلهم لنزول الله تعالى بنزول رحمته أو أمره أو أحد ملائكته
الشبهة الخامسة : : دعواهم في أن نزول الله تعالى يستلزم منه خلو العرش ويستلزم منه أن السماء تقله
الشبهة السادسة : احتجاجهم بما رواه النسائي في(عمل اليوم والليلة))أن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له )).
الشبهة السابعة :احتاججهم بالأثر المنسوب للإمام مالك رحمه الله .
الشبهة الثامنة :ما نسبه الإمام النووي رحمه الله إلى الأوزاعي .
وهذه الشبه هي نفسها التي رددت عليها في بحثي(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) والتي عجز الجهمي عجزا فاضح عن ردها والتعقيب عليها فما وجد سبيلا إلا تكرارها مختبئ وراء أصحابها تعصبا منه وتقليدا لهم, والله تعالى يقول ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله))) فالجهمية وأضرابهم من أهل الكلام ليس لهم مستند فيما ابتدعوه إلا التقليد فالجهمي والأشعري قد أخذ مذهبه عن طريق التقليد وليس عن طريق الوحي المعصوم وهذا أمر معلوم لهذا لا تجد في طبقة العوام من هو أشعري لأن الأشعري حتى يكون كذلك عليه إما بدخول مدرسة أشعرية أو باتباع شيخ الطريقة وهذا هو حال جميع أهل البدع يتعصبون إلى شيوخهم وأئمتهم وإذا جادلتهم نقلوا لك مذهب شيوخهم ثم يدسون فيه بعض أقوال أهل السنة مبتورة عن سياقها لينصروا باطلهم فليس لأهل البدع إلا ذاك .وفي هذا يقول الاللالكائي المتوفى سنة 418هـ -رحمه الله- في كتابه الفذ: «شرح أصولاعتقاد أهل السنة والجماعة» (1/32- 25):
«ثم كل من اعتقد مذهباً فإلى صاحب مقالته التي أحدثها ينتسب، وإلى ربه يستند، إلا أصحاب الحديث فإن صاحب مقالتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون، فمن يوازيهم في شرف الذكر، ويباهيهمفي ساحة الفخر، وعلو الاسم؟!)).
ولله در القائل :
وقول أعلام الهدى لا يعمل * * * بقولنا بدون نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث * * * وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيقة الإمــــام * * * لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالـي حتى تعرضا * * * على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة * * * قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبــول * * * ومنه مردود سوى الرســول
والشافعي قال إن رأيتم * * * قولي مخالفاً لما رويـتم
من الحديث فاضربوا الجدار * * * بقولي المخالف الأخبار
وأحمد قال لهم لا تكتبــوا * * * ما قلته بل أصل ذلك فاطلـبوا
فاسمع مقالات الهداة الأربعـة * * * واعمل بها فإن فيها منفعة
لقمعها لكل ذي تعصب * * * والمنصفون يكتــفون بالنبي
ودونك الرد المجمل على تلك الشبهات ثم المفصل :
الرد المجمل على شبهات الأشاعرة في تحريفهم لحديث النزول :
((قبلَ البدءِ بذكرِ الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ النزولِ والردِّ عليها أذكرُ كلامًا نفيسًا يزيلُ كثيرًا منَ الشُّبهاتِ في هذا البابِ وغيرهِ.
اعلمْ رحمكَ اللهُ بأنَّ صفاتِ الله لا يتوهَّمُ فيها شيءٌ منْ خصائصِ المخلوقينَ لا في لفظهَا ولا في ثبوتِ معناهَا. فإثباتهَا للرَّبِّ تعالى لا محذورَ فيهِ بوجهٍ، بلْ تثبتُ لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، ولا يشابههم، فمنْ نفاها عنهُ لإطلاقهَا على المخلوقِ ألحدَ في أسمائهِ، وجحدَ صفاتِ كمالهِ. ومنْ أثبتهَا على وجهٍ يماثلُ فيها خلقهُ فقدْ شبَّههُ بخلقهِ، ومنْ شبَّهَ الله بخلقهِ فقدْ كفرَ، ومنْ أثبتهَا لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، بلْ كما يليقُ بجلالهِ وعظمتهِ فقد برىءَ من فرثِ التَّشبيهِ ودمِ التَّعطيلِ، وهذا طريقُ أهلِ السنَّةِ.
فما لزمَ الصفَّة لإضافتها إلى العبدِ وجبَ نفيهُ عَنِ الله كما يلزمُ حياةُ العبدِ منَ النَّومِ والسِّنةِ والحاجةِ إلى الغذاءِ والمرضِ والموتِ، وكذلكَ علمهُ محفوفٌ بنقصينِ: جهلٌ سابقٌ، ونسيانٌ لاحقٌ؛ وكذلكَ ما يلزمُ إرادتهُ عنْ حركةِ نفسهِ في جلبِ ما ينتفعُ بهِ ودفعِ ما يتضررُ بهِ، وكذلكَ ما يلزمُ علوُّهُ من احتياجهِ إلى ما هو عالٍ عليهِ وكونهِ محمولًا بهِ مفتقرًا إليهِ محاطًا بهِ، كلُّ هذا يجبُ نفيهُ عنِ القدُّوسِ السَّلامِ - تباركَ وتعالى ـ.
فإذا أحطتَ بهذهِ القاعدةِ خبرًا وعقلتهَا كما ينبغي خلصتَ مِنَ الآفتينِ اللتينِ هما أصلُ بلاءِ المتكلِّمينَ، آفةُ التَّعطيلِ وآفةُ التَّشبيهِ، فإنَّكَ إذا وفَّيتَ هذا المقامَ حقَّهُ أثبتَ لله الأسماءَ الحسنى والصفِّاتِ العلى حقيقةً، فخلصتَ مِنَ التَّعطيلِ ونفيتَ عنهَا خصائصَ المخلوقينَ ومشابهتهم فخلصتَ مِنَ التَّشبيهِ.
فعليكَ بمراعاةِ هذا الأصلِ والاعتصامِ بهِ، واجعلهُ جُنَّتَكَ التي ترجعُ إليهَا في كلِّ ما يطلقُ على الرَّبِّ تعالى وعلى العبدِ[1].
وبعدَ هذا الكلامِ النَّفيسِ نذكرُ شبهاتِ القومِ ونأتي عليهَا مِنَ القواعدِ بإذنِ العليِّ الأعلى الكبيرِ المتعالِ سبحانه وتعالى.)) من كتاب الكلمات الحسان في بيان علو الرحمان.
يتبع بالرد المفصل.....
جمال البليدي
2011-11-06, 12:24 AM
الرد المفصل :
الشبهة الأولى :دعواهم بأن النزول يستلزم الحركة والإنتقال والتحول
أكثر الجهمي من النقولات عن بعض العلماء في نفيهم للحركة والإنتقال فكان مما نقله :
4- قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) صاحب السنن :
وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم……. ا.هـ.
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي – علم الكتب، بيروت – ص ٧٢
5- القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (ت ٤٠٣ هـ)
قال ما نصه : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به – ص ٦٤
6- إمام الحرمين الجويني
يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث ، ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام ، وتجويز ذلك يؤدي إلى طرفي نقيض ، أحدهما الحكم بحدوث الإله ، والثاني القدح في الدليل على حدوث الأجسام……
كتاب الإرشاد ص 150 ، 151
7- الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
الجامع لأحكام القرءان، القرطبي – سورة الفجر
9- الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب
" بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".
التعليق : ملخص ما ورد في هذه الأقوال-الغير المعصومة- أن النزولُ نقلةٌ والنقلةُ منْ خصائصِ الأجسامِ، فيلزمها لوازم تمتنعُ في حقِّ الله تعالى كالتجسيم والحدوث والتغير هذا مايرمي إليه محارونا الجهمي لهذا أقول :
لا تغترَّ أيُّها النَّاظرُ بهذهِ التلفيقاتِ المزوَّقةِ، والكلماتِ المدبَّجة، والعباراتِ المبهرجةِ. فإنَّها كلماتٌ خاليةٌ مِنَ التَّحقيقِ عاريةٌ مِنَ التَّوفيقِ.
والردُّ على الشُّبهةِ المذكورةِ منْ وجوهٍ:
الوجهُ الأوَّل:
نقولُ: هذا جدالٌ بالباطلِ لا يرتضيهِ مَنْ هو عارفٌ بكيفيَّةِ الاستدلالاتِ، وعالمٌ بمداركِ الشَّرعِ والمدلولاتِ، «وليسَ بمانعٍ منَ القولِ بحقيقةِ النزولِ!!
هل أنتمْ أعلمُ بما يستحقُّه الله عزَّ وجلَّ منْ أصحابِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم؟!فليسَ إجلالنا لله كإجْلالِ الصَّحابةِ ولا قريبًا منهُ.وليسَ حرصنَا على العلمِ بصفاتِ الله كحرصِ الصَّحابةِ، وهم ما قالوا هذه الاحتمالاتِ أبدًا، قالوا: سمعنا وآمنَّا وقبلنا وصدَّقنا.وأنتمْ أيُّها الخالفونَ المخالفونَ تأتونَ الآنَ وتجادلونَ بالباطلِ وتقولونَ: كيفَ؟! وكيفَ؟!»[2].
الوجهُ الثاني:
إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أعلمُ الخلقِ بالحقِّ، وأنصحُ الخلقِ للخلقِ، وأفصحُ الخلقِ في بيانِ الحقِّ، وأحْرصُ الخلقِ على هدايةِ الخلقِ، فما بيَّنهُ منْ أسماءِ اللهِ وصفاتهِ هو الغايةُ في هذا البابِ «فإذا كانَ كذلكَ كانَ المتَحذْلِقُ والمنكِرُ عَلَيهِ مِنْ أضَلِّ النَّاسِ، وأجهلهمْ وأسوَئهمْ أدبًا، بل يجبُ تأديبهُ وتعزيرهُ، ويجبُ أنْ يصانَ كلامُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الظنونِ الباطلةِ، والاعتقاداتِ الفاسدةِ»[3].
الوجهُ الثالثُ:
ليسَ فِي القولِ بلازمِ النزولِ محذورٌ البتَّةَ، وَلاَ يستلزمُ ذلكَ نقصًا وَلاَ سلبَ كمالٍ، بلْ هوَ الكمالُ نفسُهُ.وهذهِ الأفعالُ كمالٌ ومدحٌ، فهي حقٌّ دالٌّ عليهِ النَّقلُ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ.
وقولنا: إنَّه نزولٌ لا محذورَ فيهِ، فإنَّه ليسَ كانتقالِ الأجسامِ منْ مكانٍ إلى مكانٍ كَمَا قلتم: إنَّ سمعَهُ وبصرَهُ وحياتَهُ وقدرتَهُ وإرادتَهُ ليستْ كصفاتِ الأجسامِ، فليسَ كمثلهِ شيءٌ فِي ذاتهِ وَلاَ فِي صفاتهِ وَلاَ فِي أفعالهِ.
ونحنُ لم نتقدَّم بينَ يديِّ الله ورسولهِ، بلْ أثبتنا لله ما أثبتهُ لنفسهِ وأثبتهُ لهُ رسولُه صلى الله عليه وسلم. فألزمتم أنتم منْ أثبتَ ذلكَ القولَ بالانتقالِ، ومعلومٌ أنَّ هذا الإلزامَ إنَّما هو إلزامٌ لله ورسولهِ، فإنَّا لمْ نتعدَّ ما وصفَ بهِ نفسهُ، فكأنَّكمْ قلتمْ: منْ أثبتَ لهُ نزولًا لزمهُ وصفهُ بالانتقالِ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم هوَ الذي أثبتَ ذلكَ لله فهوَ حقٌّ بلا ريبٍ.
فكانَ جوابنا: إنَّ الانتقالَ إنْ لزمَ منْ إثباتِ ما أثبتهُ الله تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فلا بدَّ من إثباتهِ ضرورةً، إذْ لازمُ الحقِّ حقٌّ، وإنْ لم يكنْ ذلكَ لازمًا لهُ، فأنتم معترضونَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم كاذبونَ عليهِ، متقدِّمونَ بينَ يديهِ، فبطلَ إلزامكم.
قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: لا نسلِّمُ لزومهُ؛ فإنَّ نزولَهُ ليسَ كنزولِ المخلوقينَ، ولهذا نقلَ عنْ جماعةٍ من الأئمَّةِ: أنَّهُ ينزلُ، ولا يخلو منهُ العرشُ[4].
وقالَ الحافظُ الذهبيُّ رحمه الله: الصَّوابُ في حديثِ النزولِ ونحوه ما قالهُ مالكٌ وأقرانُه يمرُّ كمَا جاءَ بلا كيفيَّةٍ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ، ونفيُ الانتقالِ وإثباتُهُ عبارةٌ محدثةٌ، فإنْ ثبتَتْ في الأثرِ رويناهَا ونطقنا بهَا، وإنْ نفيتْ في الأثرِ نطقنا بالنَّفيِ، وإلَّا لزمنا السُّكوتَ وآمنَّا بما ثبتَ في الكتابِ والسنَّةِ على مقتضاه[5].
وقالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: والأحسنُ في هذا البابِ مراعاةُ ألفاظِ النُّصوصِ. فالألفاظُ التي جاءَ بها الكتابُ والسنَّةُ في الإثباتِ تثبتُ، والتي جاءتْ بالنَّفيِ تنفى. والألفاظُ المجملةُ كلفظِ «الحركةِ» و«النزولِ» و«الانتقالِ» يجبُ أنْ يقالَ فيهَا: أنَّهُ منزَّهُ عنْ مماثلةِ المخلوقينَ منْ كلِّ وجهٍ، لا يماثلُ المخلوقَ لا في نزولٍ، ولا في حركةٍ، ولا انتقالٍ ولا زوالٍ، ولا غيرِ ذلكَ[6]. وهذه سبيلُ مَنِ اعتصمَ بالعروةِ الوثقى[7].
الوجهُ الرابعُ:
يقالُ لهم: ربُّ العالمينَ إمَّا أنْ يقبلَ الاتصافَ بالإتيانِ والمجيءِ والنزولِ وجنسِ الحركةِ، وإمَّا أنْ لا يقبلهُ؛ فإنْ لمْ يقبلْهُ كانتِ الأجسامُ التي تقبلُ الحركةَ ولم تتحرَّكْ أكملَ منهُ؛ وإنْ قبلَ ذلكَ ولمْ يفعلهُ كانَ ما يتحرَّكُ أكملَ منهُ؛ فإنَّ الحركةَ كمالٌ للمتحرِّك، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يمكنهُ أنْ يتحرَّكَ بنفسهِ أكملُ ممَّنْ لا يمكنهُ التحرُّكُ، وما يقبلُ الحركةَ أكملُ ممَّنْ لا يقبلهَا[8].
قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: «ومنْ نزَّههُ عنْ نزولهِ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، ودنوهِ عشيةَ عرفةَ منْ أهلِ الموقفِ، ومجيئهِ يومَ القيامةِ للقضاءِ بينَ عبادهِ، فرارًا منْ تشبيههِ بالأجسامِ، فقد شبَّههُ بالجمادِ الذي لا يتصرَّفُ ولا يفعلُ ولا يجيءُ ولا يأتي ولا ينزلُ»[9].
الوجهُ الخامسُ:
أنْ يقالَ: النزولُ والصُّعودُ والمجيءُ والإتيانُ، ونحو ذلكَ ممَّا هوَ منْ أنواعِ جنسِ الحركةِ لا نسلِّمُ أنَّهُ مخصوصٌ بالجسمِ الصناعيِّ الذي يتكلَّمُ المتكلِّمونَ فِي إثباتهِ ونفيهِ، بلْ يوصفُ بهِ ما هو أعمُّ منْ ذلكَ. ثمَّ هنا طريقانِ:
(أحدُهما): إنَّ هذه الأمورَ توصفُ بها الأجسامُ والأعراضُ فيقالُ: جاءَ البردُ، وجاءَ الحرُّ، وجاءتِ الحُمَّى، وهيَ أعراضٌ. وبهِ يُعْلمُ أنَّ أنواعَ جنسِ الحركةِ كالنزولِ ونحوه ليسَ منْ خصائصِ الأجسامِ، فيجوزُ أنْ يوصفَ بهَا الله مَعَ أنَّهُ ليسَ بجسمٍ.
(الطريقُ الثاني): أنْ يقالَ: المجيءُ والإتيانُ والصُّعودُ والنُّزولُ توصفُ بهِ روحُ الإنسانِ التي تفارقهُ بالموتِ، وتسمَّى النَّفسُ، وتوصفُ بهِ الملائكةُ. وليسَ نزولُ الرُّوحِ وصعودهَا منْ جنسِ نزولِ البدنِ وصعودهِ، فإنَّ روحَ المؤمنِ تصعدُ إلى فوقَ السَّماواتِ ثمَّ تهبطُ إلى الأرضِ فيما بينَ قبضهَا ووضعِ الميِّتِ فِي قبرهِ. وهذا زمنٌ يسيرٌ لا يصعدُ البدنُ إلى فوقَ السَّماواتِ ثمَّ ينزلُ إلى الأرضِ فِي مثلِ هذا الزمانِ[10].
وإذا كانتِ الروحُ تعرجُ مِنَ النَّائمِ إلى السَّمَاءِ مَعَ أنَّهَا فِي البدَنِ كَمَا قَالَ تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر: 42]، عُلِمَ أنَّهُ ليس عروجُهَا منْ جنسِ عروجِ البدنِ الذي يمتنعُ هذا فيهِ.
وعروجُ الملائكةِ ونزولُهَا منْ جنسِ عروجِ الرُّوحِ ونزولها، لا منْ جنسِ عروجِ البدنِ ونزولهِ.
و«نزولُ» الرَّبِّ عزَّ وجلَّ فوقَ هذَا كلِّهُ وأجلُّ من هذا كلِّهِ؛ فإنَّهُ تَعَالَى أبعدُ عنْ مماثلةِ كلِّ مخلوقٍ مِنْ مماثلةِ مخلوقٍ بمخلوقٍ.
وإذا عرفَ هَذَا: فإنَّ للملائكةِ منْ ذلكَ ما يليقُ بهم، وأنَّ ما يوصفُ بهِ الرَّبُّ تبارك وتعالى: هو أكملُ وأعلى وأتمُّ منْ هذا كلِّهِ[11]، وأولى بالإمكانِ، وأبعدُ عنْ مماثلةِ نزولِ الأجسامِ، بلْ نزولهُ لا يماثلُ نزولَ الملائكةِ وأرواحِ بني آدمَ[12].
ومنْ ظنَّ أنَّ ما يوصفُ بهِ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ لا يكون إلَّا مثلَ ما توصفُ بهِ أبدانُ بني آدم؛ فغلطهُ أعظمُ منْ غلطِ منْ ظنَّ أنَّ ما توصفُ بهِ الرُّوحُ مثل ما توصفُ بهِ الأبدانُ[13].
الوجه السادس :لفظ التغير لفظ مجمل .فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث ,بل إن لفظ التغير في كلام الناس المعروف يتضمن استحالة الشيء.
والناس إنما يقولون تغير :لمن استحال من صفة إلى صفة.
فالإنسان مثلا إذا مرض وتغير في مرضه كأن اصفر لونه أو شحب أو نحل جسمه يقال: غيره المرض.
وكذا إذا تغير جسمه بجوع أو تعب ,قيل قد تغير.
وكذا إذا غير لون شعر رأسه ولحيته ,قيل قد غير ذلك .
وكذا إذا تغير خلقه ودينه,مثل أن يكون فاجرا فيتوب ويصير برا أو يكون برا فينقلب فاجرا .فهذا يقال عنه:أنه تغير.
ومن هذا الباب,قول النبي صلى الله عليه وسلم ((غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد))رواه مسلم.
وكذا الشمس إذا اصفرت ,قيل:تغيرت .ويقال:وقت العصر مالم يتغير لون الشمس.
والأطعمة إذا استحالت يقال لها تغيرت قال تعالى { فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين } محمد: 15 فتغير الطعم استحالت من الحلاوة إلى الحموضة ونحو ذلك
ومنه قول الفقهاء إذا وقعت النجاسة في الماء الكثير لم ينجس إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه وقولهم إذا نجس الماء بالتغير زال بزوال التغير ولا يقولون إن الماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه تغير ولا يقال عند الإطلاق للفاكهة والطعام إذا حول من مكان إلى مكان انه تغير ولا يقال للإنسان إذا مشى أو قام أو قعد قد تغير اللهم إلا مع قرينة ولا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت ذاهبة من المشرق إلى المغرب إنها متغيرة بل يقولون إذا إصفر لون الشمس إنها تغيرت ويقال وقت العصر ما لم يتغير لون الشمس ويقولون تغير الهواء إذا برد بعد السخونة ولا يكادون يسمون مجرد هبوبه تغيرا وإن سمى بذلك فهم يفرقون بين هذا وهذا لونه لون لباس المسلمين وتقول العرب تغايرت الأشياء إذا اختلفت والغيار البدال
والناس إذا قيل لهم التغير على الله ممتنع فهموا من ذلك الاستحالة والفساد مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص أو تفرق الذات ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله عنه
وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته فيخلق ويستوي ويفعل ما يشاء بنفسه ويتكلم إذا شاء ونحو هذا لا يسمونه تغيرا
ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة كما قال الإمام أحمد: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم حتى يتوهم الجاهل أنهم يعظمون الله وهم إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله.
وخلاصةُ هذهِ الشبهةِ وما تدورُ عليهِ عندَ جميعِ منْ يحتجُّ بها سواءٌ مِنَ الجهميَّةِ أو
مِنْ غيرهمْ «إنَّ النزولَ نقلةٌ، والنُّقلةُ منْ خصائصِ الأجسامِ فيلزمهَا لوازمٌ تمتنعُ في حقِّ اللهِ تعالى»، وهذهِ اللوازمُ التي يذكرونها تلزمُ فيمنْ ليسَ بإلهٍ، وربٍّ للخلقِ. والله سبحانه وتعالى «منزَّهٌ أنْ تكونَ صفاتهُ مثلَ صفاتِ الخلقِ كما كانَ منزَّهًا أنْ تكونَ ذاتُهُ مثلَ ذواتِ الخلقِ فمجيئهُ وإتيانهُ ونزولهُ على حسبِ ما يليقُ بصفاتهِ منْ غيرِ تشبيهٍ وكيفٍ»[14].
وما أحسنَ قول الشاعرِ:
الرَّبُّ ربٌّ وإنْ تنزَّل والعبدُ عبدٌ، وإنْ ترقَّى![15]
الشبهة الثانية : الليلُ ينتقلُ منْ مكانٍ إلى آخرَ فثلثُ الليلِ مثلًا في الشَّرقِ ينتقلُ حتَّى يكونَ في الغربِ، ويختلفُ الزمنُ فكيفَ نوفِّقُ بينَ هذا وبينَ تقييدِ نزولِ الله عزَّ وجلَّ بثلثِ الليلِ؟
فقد نقل الجهمي قول شيخه بدر الدين بن جماعة :
رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
(ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" -----
الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم.....)))والجواب على هذه الشبهة :
قال الحافظ "وقد استشكل ذلك (الحديث) وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تُدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة"(2).
فإذا كان العقل لا يدرك كيفية رجوع الروح إلى جسد النبي فمن باب أولى أن لا يدرك كيفية نزول الله. ولكن أهل البدع يتناقضون: فتارة يقدّمون العقل على النقل وتارة يقدمون النقل على العقل وتارة يجوّزون عقلاً ما لا يجوز شرعاً وتارة يجوّزون شرعاً ما لا يجوز عقلاً.
وهذا المثال يظهر به ما تعانيه نفوسهم من مرض التشبيه، وحيازتهم لأدواء فاسدة يسمونها التأويل يظنون أن بها شفاءهم.
والحجة الدامغة في ذلك أن أفاضل هذه الأمة رووا هذا الحديث وكتبوه في كتبهم وسئلوا عن معناه فلم يعارضوه بعقولهم ولم يضربوا له مثل السوء الذي ضربتموه، بل المعروف عنهم عدم التعرض لأحاديث الصفات بما يعرض للعقول من وساوس.
ولهذا أجاب الحافظ ابن رجبعلى من قال "إن ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين" فقال رحمه الله "معلوم بالضرورة قبح هذا الاعتراض وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه، بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين".
وقد رد على هذه الشبهة السخيفة شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : ((ومن هنا يظهر عما ذكره ابن حزم وغيره في حديث النزول حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر".
فقالوا: قد ثبت أن الليل يختلف بالنسبة إلى الناس فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق قبل أوله ونصفه وثلثه بالمغرب قالوا فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل إذ لا يزال في الأرض ليل قالوا أو لا يزال نازلا وصاعدا وهو جمع بين الضدين.
وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم وهذا عين التمثيل ثم إنهم بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم الذي لا يمكنه أن يجمع من الأفعال ما يعجز غيره عن جمعه وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يومالقيامة كل منهم يراه مخليا به ويناجيه لا يرى أنه متخليا لغيره ولا مخاطب لغيره, وقد قال النبيصلى الله عليه وسلم: "إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي".
فكل من الناس يناجيه والله تعالى يقول لكل منهم ذلك ولا يشغله شأن عن شأن, وذلك كما قيل لابن عباس كيف يحاسب الله تعالى الخلق في ساعة واحدة فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة.
ومن مثل مفعولاته التي خلقها بمفعولات غيره فقد وقع في تمثيل المجوس القدرية فكيف بمن مثل أفعاله بنفسه أو صفاته بفعل غيره وصفته.
يقال لهؤلاء أنتم تعلمون أن الشمس جسم واحد وهي متحركة حركة واحدة متناسبة لا تختلف ثم إنه بهذه الحركة الواحدة تكون طالعة على قوم, وغاربة عن آخرين, وقريبة من قوم وبعيدة من آخرين؛ فيكون عند قوم عنها ليل وعند قوم نهار وعند قوم شتاء وعند قوم صيف وعند قوم حر وعند قوم برد؛ فإذا كانت حركة واحدة يكون عنها ليل ونهار في وقت واحد لطائفتين وشتاء وصيف في وقت واحد لطائفتين فكيف يمتنع على خالق كل شيء الواحد القهار أن يكون نزوله إلى عباده ونداه إياهم في ثلث ليلهم, وإن كان مختلفا بالنسبة إليهم وهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ولا يحتاج أن ينزل عن هؤلاء ثم ينزل على هؤلاء بل في الوقت الواحد الذي يكون ثلثا عند هؤلاء وفجرا عند هؤلاء يكون نزوله إلى سماء هؤلاء الدنيا وصعوده عن سماء هؤلاء الدنيا فسبحان الله الواحد القهار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
وقال العلَّامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله: وأوردَ المتأخرونَ الذينَ عرفوا أنَّ الأرضَ كرويةٌ وأنَّ الشمسَ تدورُ عَلَى الأرضِ إشكالًا؛ قالوا: كيفَ ينزلُ فِي ثلثِ الليلِ؟! وثلثُ الليلِ إِذَا انتقلَ عَنِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، ذهبَ إلى أوروبا وما قاربها؟! أفيكونُ نازلًا دائمًا؟![16].
فنقولُ: إنَّهُ لا إشكالَ في ذلكَ بحمدِ الله تعالى، فإنَّ هذا الحديثَ منْ صفاتِ الله تعالى الفعليةِ، والواجبُ علينا نحوَ صفاتِ الله تعالى سواءٌ كانت ذاتيةً كالوجهِ واليدينِ، أم معنويةً كالحياةِ والعلمِ، أمْ فعليةً كالاستواءِ على العرشِ والنزولِ إلى السَّماء الدُّنيا، فالواجبُ علينا نحوهَا مَا يلي:
أ - الإيمانُ بهَا على مَا جاءتْ بهِ النُّصوصُ مِنَ المعاني والحقائقِ اللائقةِ بالله تعالى.
ب - الكفُّ عنْ محاولةِ تكييفها تصوُّرًا في الذهنِ، أو تعبيرًا في النُّطقِ؛ لأنَّ ذلكَ مِنَ القولِ على الله تعالى بلا علمٍ، وقدْ حرَّمهُ الله تعالى في قولهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف: 33]، وفي قولهِ تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا *} [الإسراء: 36].
ولأنَّ الله تعالى أعظمُ وأجَلُّ مِنْ أنْ يدركَ المخلوقُ كنهَ صفاتهِ وكيفيتهَا، ولأنَّ الشيءَ لا يمكنُ إدراكهُ إلَّا بمشاهدتهِ أو مشاهدةِ نظيرهِ أو الخبرِ الصَّادقِ عنهُ، وكلُّ ذلكَ منتفٍ بالنِّسبةِ لكيفيةِ صفاتِ الله تعالى.
ج - الكفُّ عنْ تمثيلها بصفاتِ المخلوقينَ سواءٌ كانَ ذلكَ تصوُّرًا في الذِّهنِ أم تعبيرًا في النُّطقِ، لقولهِ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
فإذا علمتَ هذا الواجبَ نحوَ صفاتِ الله تعالى، لمْ يبقَ إشكالٌ في حديثِ النزولِ، ولا غيرهِ مِنْ صفاتِ الله تعالى، وذلكَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرَ أمَّتهُ أنَّ الله تعالى ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ، مخاطبًا بذلكَ جميعَ أمَّتهِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربهَا، وخبرهُ هذا منْ علمِ الغيبِ الذي أظهرهُ الله تعالى عليهِ، والذي أظهرهُ عليه - وهو الله تعالى - عالمٌ بتغيُّرِ الزمنِ على الأرضِ، وأنَّ ثلثَ الليلِ عندَ قومٍ يكونُ نصفَ النَّهارِ عندَ آخرينَ مثلًا.
وإذا كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخاطبُ الأمَّةَ جميعًا بهذا الحديثِ الذي خصَّصَ فيهِ نزولَ الله تباركَ وتعالى بثلثِ الليلِ الآخرِ فإنَّه يكونُ عامًّا لجميعِ الأمَّةِ، فمنْ كانوا في الثلثِ الآخرِ مِنَ الليلِ تحقَّقَ عندهم النزولُ الإلهيُّ، وقلنا لهم: هذا وقتُ نزولِ الله تعالى بالنِّسبةِ إليكم، ومنْ لم يكونوا في الوقتِ فليسَ ثمَّ نزولُ الله تعالى بالنِّسبةِ إليهم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حدَّدَ نزولَ الله تعالى إلى السَّماء الدُّنيا بوقتٍ خاصٍّ، فمتَّى كانَ ذلكَ الوقتُ كانَ النزولُ ومتى انتهى انتهى النزولُ، وليسَ في ذلكَ أيُّ إشكالٍ، وهذا وإنْ كانَ الذِّهنُ قدْ لا يتصوَّرهُ بالنسبةِ إلى نزولِ المخلوقِ، لكن نزولَ الله تعالى ليسَ كنزولِ خلقهِ حتَّى يقاسُ به ويجعل ما كانَ مستحيلًا بالنِّسبةِ إلى المخلوقِ مستحيلًا بالنِّسبةِ إلى الخالقِ.
فمثلًا: إذا طلعَ الفجرُ بالنِّسبةِ إلينا وابتدأَ ثلثُ الليلِ بالنِّسبةِ إلى منْ كانوا غربًا قلنا: إنَّ وقتَ النزولِ الإلهيِّ بالنِّسبةِ إلينا قَدِ انتهى، وبالنِّسبةِ إلى أولئكَ قَدِ ابتدأَ، وهذا في غايةِ الإمكانِ بالنِّسبةِ إلى صفاتِ الله تعالى، فإنَّ الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][17].
الشبهة الثالثة :
11- الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"
عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥والجواب على هذه الشبهة من أوجه :
الوجهُ الأوَّلُ:
هذا الكلامُ يعتبرُ مصادمةٌ صريحةٌ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم واعتراضٌ واضحٌ عليهِ، فإنَّهُ هو الذي قالَ: «ينزلُ ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ ويقولُ: مَنْ يدعُوني فأستجيبَ لهُ، منْ يسألني فأعطيهُ، منْ يستغفرُني فأغفرَ لهُ».
وكلُّ منْ عارضَ نصوصَ الأنبياءِ بقياسِهِ ورأيِهِ فهوَ منْ خلفاءِ الشَّيطانِ وأتباعِهِ فنعوذُ باللهِ مِنَ الخِذْلانِ، نسألُهُ التَّوفيقَ والعصمةَ منْ هذا البلاءِ الذي ما رُميَ العبدُ بشرٍّ منهُ، وأنْ يَلْقَى الله بذنوبِ الخلائقِ كلِّها ما خلا الإشراكَ بهِ أسلمُ لهُ منْ أنْ يلقى اللهَ وقدْ عَارَضَ نصوصَ أنبيائِهِ برأْيِهِ ورأيِ بني جنسِهِ. وهلْ طردَ الله تعالى إبليسَ ولعنهُ وأحلَّ عليه سخطَهُ وغضبَهُ إلَّا حيثُ عَارضَ النَّصَّ بالرأيِ والقياسِ ثمَّ قدَّمهُ عليهِ؟ واللهُ يعلمُ أن شُبَهَ عدوِّ الله مَعَ كونها داحضةً باطلةً أقوى منْ كثيرٍ منْ شُبَهِ المعارضينَ لنصوصِ الأنبياءِ بآرائهم وعقولِهم، فالعالمُ يَتَدَبَّرُ سِرَّ تكريرِ الله تعالى لهذهِ القصّةِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، وليحذرْ أنْ يكونَ لهُ نصيبٌ منْ هذا الرأيِ والقياسِ وهوَ لا يشعرُ[18].
الوجه الثاني :
إنَّما المقصودُ مِنَ النِّداءِ حكمٌ عظيمةٌ يعلمها اللهُ - جلَّ وعلا - ونحنُ وإنْ لمْ نسمعْ كلامَ الله تعالى هذا بآذاننا، إلَّا أنَّا آمنَّا بذلكَ حتَّى لكأنَّ القائمَ في ذلكَ الوقتِ - الثلثُ الأخيرُ - كأنَّهُ يسمعُ أنَّهُ تعالى ينادي بذلكَ النِّداءِ، وذلكَ لعلمنَا أنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا ينطقُ عَنِ الهوى، إنْ هوَ إلَّا وحيٌ يوحى، وهذا الخبرُ قدْ تواترَ عنهُ صلى الله عليه وسلم، ومِنَ الحكمِ التي نعلمهَا منْ هذا النِّداءِ العظيمِ: هوَ إقبالُ العبدِ بكليَّتهِ على ربِّه في هذا الوقتِ، والإلحاحُ عليهِ في الدعاءِ، والشعورُ بقربهِ وفضلهِ، فيجدُ قائمُ الليلِ مِنْ حلاوةَ المناجاةِ، وطيبِ الذِّكرِ واليقينِ بإجابةِ الدُّعاءِ مَا لا يجدهُ في غيرِ هذا الوقتِ، يعلمُ ذلكَ ضرورةً قُوَّامُ الليلِ، ولذلكَ فإنَّ قُوَّامَ الليلِ يكثرونَ مِنَ الاستغفارِ والذِّكرِ والدُّعاءِ في وقتِ السَّحرِ أشدَّ ممَّا قبلهُ، لعلمهمْ أنَّ وقتَ النزولِ يمتدُّ إلى طلوعِ الفجرِ، ولذلكَ ينتظرُ عبادُ الرحمنِ تلكَ السَّاعاتِ القليلةِ بفارغِ الصبرِ.
الوجه الثالث :
أنَّهُ مِنْ عادةِ الملوكِ الكرماءِ، والسَّادةِ الرُّحماءِ، إذا أرادوا أنْ يكرموا أهلَ بلدٍ، أنْ يحلُّوا عليهم قريبًا منْ بلادهمْ، أو في ديارِهِمْ، ليكرموهم بما يريدونَ، ويَسْمَعُوا حاجاتِهم، ويلبُّوا رغباتِهمْ، ولوْ عرضنَا على العقلِ مَلِكَينِ أرادا أنْ يكرما أهلَ بلدٍ، أحَدهمَا جاءَ إلى أهلِ هذا البلدِ بنفسهِ وسمِعَ حاجاتهمْ، وأكرمهمْ في بلادهمْ، ولبَّى طلباتهم، والآخرُ أرسلَ أحدَ وزرائهِ أوْ أرسلَ رسالةً مَعَ أحدِ جنودهِ، بما يريدُ أنْ يكرمهم بهِ، لقطعَ العقلُ بأنَّ الأوَّلَ أكرمُ وأجَلُّ وأعظمُ في الإكرامِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ كلَّ كمالٍ في المخلوقِ لا نقصَ فيهِ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ فالخالقُ أولى بهِ، وواهبُ الكمالِ أحقُّ بهِ، فالرَّبُّ تعالى، ينزلُ بنفسهِ إلى أدنى سماءٍ وهي السَّماءُ الدُّنيا، وهوَ فوقَ عرشهِ، وهي أقربُ السَّمواتِ إلى قُوَّامِ الليلِ، ويقولُ: «لا أسألُ عنْ عبادي أحدًا غيري»، فهلْ هذا إلَّا عينُ الكمالِ، مع أنَّهُ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
فمَا أجهلَ الإنسانَ بربِّهِ، وبكرمهِ، وبعظمِ فضلهِ، فللهِ الحمدُ كمَا ينبغي لجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانهِ.
وبهذا يعلم أنَّ قولَهُ: بلْ كانَ يمكنهُ أنْ ينادينا وهو على عرشهِ، سوءُ أدبٍ مَعَ الله تعالى.
الوجه الرابع :
أنَّ هؤلاءِ المعطِّلةِ كلّهم أنكروا أنْ يكونَ لله تعالى كلامٌ بحرفٍ وصوتٍ! فكيفَ يمكنُ لهم أنْ يسمعوا نداءَ الله تعالى؟! وكيفَ يقرعُ صوتَ الله تعالى أسماعهم؟! لأنَّهم قائلونَ ببدعةِ الكلام النفسيِّ الذي ليس بحرفٍ ولا بصوتٍ فهم أبشعُ حالًا وأشنعُ بدعةً في بابِ تعطيلِ صفةِ الكلامِ من الجهمِيَّةِ الأولى؛ لأنَّ الجهميَّةَ الأولى كانوا يقولونَ ببدعةِ خلقِ القرآنِ فقطْ، وأمَّا هؤلاءِ المعطِّلةِ فهمْ يقولونَ مَعَ القولِ ببدعةِ خلقِ القرآنِ، ببدعةِ القولِ بالكلامِ النفسيِّ. فخرقوا بذلكَ إجماعَ أهلِ السنَّةِ، وأتوا بما لا يقرُّه عقلٌ صريحٌ، ولا نقلٌ صحيح، ولا لغةٌ، ولا عرفٌ ولا إجماعٌ.
الوجه الخامس :
أنَّ هؤلاءِ المعطِّلة لكثيرٍ مِنَ الصِّفاتِ ولا سيَّما صفةَ النزولِ، قد أوَّلُوا حديثَ النزولِ وحرَّفوه إلى: نزولِ الملكِ، فيقولونَ: إنَّ الله لا ينزلُ بنفسهِ، بلْ ينزلُ ملكٌ مِنَ الملائكةِ بأمرهِ، فينادي هذا الملكُ ويقولُ: «منْ يدعوني..، منْ يسألني...، منْ يستغفرني...».
أقولُ: إذا كانَ الأمرُ كذلكَ، وأنَّ الملكَ ينزلُ وينادي فهلْ أهلُ التأويلِ سمعوا نداءَ هذا الملكِ؟!
وهل طرقَ صوتُ هذا الملكِ الذي ينزلُ وينادي أسماعَهم؟!
وإذا لم يسمعوا نداءَ هذا الملكِ، فأيُّ فائدةٍ منْ نزولِ هذا الملكِ وندائهِ؟!
ونحنُ نقلبُ كلامهم عليهم ونقولُ لهم: وإذا كانَ نزولُ هذا الملكِ مِنَ السَّماءِ الدنيا ليسمعنَا نداءهُ، فهذا الملكُ لم يسمعنا نداءهُ وصوتهُ، فأيُّ فائدةٍ منْ نزولهِ.
ولقدْ كانَ يمكنُ هذا الملكُ أنْ ينادينا وهو في السَّماءِ..، وهل هذا إلَّا مثلُ منْ يريدُ - وهو بالمشرقِ - إسماعَ شخصٍ في المغربِ، فتقدَّمَ إلى المغربِ بخطواتٍ معدودةٍ، وأخذَ يناديهِ، وهو يعلمُ أنَّه لا يسمعُ نداءهُ، فيكونُ نقلهُ الأقدامِ عَمَلًا باطلًا، وسَعْيهُ نحوَ المغربِ عبثًا صرفًا، لا فائدةَ فيهِ، وكيفَ يستقِّرُ مثلُ هذا في قلبِ عاقلٍ؟[19].
وقدْ سدَّ هؤلاءِ المؤوِّلةُ على النَّاسِ طريقَ معرفةِ ربِّهم عزَّ وجلّ، فحرموهمْ منْ خيرٍ عظيمٍ، بلْ منْ أعظمِ عَلَمٍ في الوجودِ، فاللهُ الموعدُ.
الشبهة الرابعة : تأويلهم لنزول الله تعالى بنزول رحمته أو أمره أو أحد ملائكته
قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: ........... وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.
6- إمام الحرمين الجويني
يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : ......والوجه حمل النزول وإنْ كان مضافاً إلى الله تعالى ، على نزول ملائكته المقربين ، وذلك سائغ غير بعيد
ونظير ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
معناه : إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله ، ولا يبعد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه تخصيصاً .
كتاب الإرشاد ص 150 ، 151
13- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري
"وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه.
وقال ابن فورك : ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم بضم الياء من ينزل يعني من الإنزال وذكر أنه ضبط عمن سمع منه من الثقات الضابطين ، وكذا قال القرطبي قد قيده بعض الناس بذلك ، فيكون معدى إلى مفعول محذوف ، أي ينزل الله ملكاً.
وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"التعليق:
“اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ أصحابَ الحديثِ المتمسِّكينَ بالكتابِ والسنَّةِ - حفظَ الله أحياءهم ورحمَ أمواتهم - يؤمنونَ بنزولِ الله سبحانه وتعالى إلى السَّماءِ الدنيا، ولا يعتقدونَ تشبيهًا لنزولهِ بنزولِ خلقهِ، ولا يحرِّفونَ الكلامَ عنْ مواضعهِ تحريفَ المعتزلةِ والجهميَّةِ أهلكهمُ الله، ولا يكيِّفونهُ بكيفٍ أو يشبِّهونهُ بنزولِ المخلوقينَ تشبيهَ المشبِّهَةِ خذلهمُ الله، وقدْ أعاذَ اللهُ سبحانه وتعالى أهلَ السُّنةِ مِنَ التحريفِ والتكييفِ والتَّشبيهِ، ومنَّ عليهم بالتَّعريفِ والتَّفهيمِ حتَّى سلكوا سبلَ التَّوحيدِ والتَّنزيهِ، وتركوا القولَ بالتَّعطيل والتَّشبيهِ، واتَّبعوا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][20].
وكذلكَ يقولونَ في جميعِ الصِّفاتِ التي نزلَ بذكرهَا القرآنُ ووردتْ بها الأخبارُ الصِّحاحُ... منْ غيرِ تشبيهٍ لشيءٍ منْ ذلكَ بصفاتِ المربوبينَ المخلوقينَ، بلْ ينتهونَ فيهَا إلى ما قالهُ الله تعالى وقالهُ رسوله صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ زيادةٍ عليهٍ، ولا إضافةٍ إليه، ولا تكيِيفٍ لهُ، ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ، ولا تبديلٍ، ولا تغيِيرٍ، ولا إزالةٍ للفظِ الخبرِ عمَّا تعرفهُ العربُ وتضعهُ عليهِ بتأويلٍ مُنْكَرٍ، ويُجْرُونَهُ على الظَّاهرِ[21].
ومنْ تأوَّلَ النزولَ عَلَى غيرِ حقيقتهِ فجعلهُ مجازًا، أو تأوَّلهُ بنزولِ مَلَكٍ مِنَ الملائكةِ، أو نزولِ أمرِ الله ورحمتهِ. فإنْ أرادَ أنَّهُ سبحانهُ إِذَا نزلَ وأتىَ حلَّتْ رحمتهُ وأمرهُ فهذا حقٌّ، وإنْ أرادَ أنَّ النُّزولَ للرَّحمة والأمرِ ليسَ إلَّا فهوَ باطلٌ منْ وجوهٍ:
الوجه الأول:أن أمره وملائكته ورحمته دائما تنزل أناء الليل وأطراف النهار وفي كل ساعة فلما تخصيص الثلث الأخير من الليل فقط؟!
قال الطبري رحمه الله(((ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها كل ليلة,ولا نقول:معنى ذلك ينزل أمره,بل نقول:أمره نازل إليها كل لحظة وساعة وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين مادامت موجودة.ولا تخلو ساعة من أمره,فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتا دون وقت,مادامت موجودة باقية))(25 ).
قال ابن عبد البر رحمه الله ((وقد قال قوم:إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته.وهذا ليس بشيء ,لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمه ينزل بالليل والنهار بلا تقويت ثلث الليل ولا غيره))(26)
وقال ابن خزيمة((وأنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا,ومن زعم أن علمه ينزل أو أمره ضل)(27)
وقالَ الإمامُ عبدُ القادر الجيلاني رحمه الله: «وأنَّهُ تعالى ينزلُ في كلِّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا كيفَ شَاءَ وكما شَاءَ، فيغفرُ لمن أذنبَ وأخطأ وأجرمَ وعصى لمنْ يختارُ من عبادهِ ويشاءُ، تباركَ وتعالى العليُّ الأعلى، لا إله إلَّا هو لهُ الأسماءُ الحسنى، لا بمعنى نزولِ الرَّحمةِ وثوابهِ على ما ادَّعتهُ المعتزلةُ والأشعريةُ»[22].
الوجه الثاني:كيف نجيب عن قوله "من يدعوني . . .إلخ" فهل يعقل أن يكون هذا قول الملك؟ فإنه حينئذ يكون كافراً. قال تعالى {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}.
الوجه الثالث:أن ألفاظ الحديث تبطل التأويل بنزول الملك,ففي بعض الروايات أن الرب تعالى يقول(أنا الملك,أنا الملك,من يدعوني فأستجيب له)(28(
وفي بعضها أن تعالى يقو((لا أسأل عن عبادي أحدا غيري))(29 )
وكلاهما صحيح.
قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله((وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول ويدحضان حجة كل مبطل))
ومعلوم أن الكلام المذكور في الحديث هو كلام الله الذي لا يقوله غيره فإن الملك لا يقول((لا أسأل عن عبادي أحدا غيري)) ولا يقول((من يسألني فاعطينه)).بل الذي يقول الملك :ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(( إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض))وذكر البغض مثل ذلك.
فالملك إذا نادى عن الله لا يتكلم بصيغة المخاطب,إنما يقول:إن الله أمر بكذا وكذا وقال بكذا .
والسلطان إذا أمر خادمه بشيء فإن الخادم لن يقول مباشرة كذا كذا بل يقول:قال لكم السلطان كذا وكذا.
الوجه الرابع:أنه قال((من ذا يدعوني فأستجيب له؟من ذا الذي يسألني فأعطينه؟من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟حتى يطلع الفجر))ومعلوم أنه لا يجيب الدعاء ولا يغفر الذنوب إلا الله تعالى.
الوجه الخامس:نزول رحمته وأمره لا يكون إلا منه وهذا يقتضي أن الله في العلو ,وإلا من تنزل الرحمة؟!!
ولهذا قال بعض النفاة لبعض المثبتين:ينزل أمره ورحمته,فقال المثبت:فممن ينزل؟ما عندك فوق العالم شيء ,فممن ينزل الأمر؟من العدم المحض؟؟؟فبهت النافي وكان كبيرا فيهم(31)
قال الإمام الدارمي رحمه الله(ونفس الحديث يبطل هذا التفسير ويكذبه,غير أنه أغيظ حديث للجهمية,وأنقض شيء لدعواهم,لأنهم لا يقرون أن الله فوق عرشه فوق سمواته,ونفس الحديث ناقض لدعواهم وقاطع لحججهم)(32 )
الوجه السادس:لو كان النزول هو نزول الملائكة والرحمة والأمر لكان أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك فلا شك أن صرف النصوص المحكمة الصريحة عن ظاهرها يعتبر تحريفا للشرع وتكذيب للإسلام شعروا بذلك أم لم يشعروا.
الوجه السابع:إن سلف الأمة وأئمتها مجمعون على إثبات صفة النزول لله تعالى من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل.ولم يثبت عن أي واحد منهم أنه تأول شيئا من الصفات ألبتة
بل الثابت عن السلف والأئمة أنه لما ظهرت الجهمية والزنادقة وأنكروا نزول الله تعالى ردوا عليهم وشنعوا عليهم وبينوا أن الله عز وجل ينزل إلى السماء دنيا نزولا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته.
حدث الإمام حماد بن سلمة رحمه الله(167ه) بحديث النزول ثم قال((من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه)(33 )
وقال الإمام نعيم بن حماد رحمه الله((228ه)(حد يث نزول يرد على الجهمية قولهم))(34 )
وأفرد الإمام أبو داود في (كتاب السنة) بابا في الرد على الجهمية وأورد حديث النزول(11).
وقال عباد بن العوام((قدم علينا شريك بن عبد الله منذ نحو من خمسين سنة ,فقلت له:يا أبا عبد الله إن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث(أي أحاديث النزول)قال:فحد ني بنحو من عشرة أحاديث في هذا.وقال:أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمن أخذوا))(35 )
وقد وقع بين إسحاق بن راهويه وبين إبراهيم بن صالح المعتزلي ، وبينه وبين منصور بن طلحة أيضاً منهم كلام ، بعضه عند عبد الله بن طاهر بن عبد الله المعتزلي ، وبعضه عند أبيه طاهر بن عبد الله .
قال إسحاق بن راهويه : جمعني وهذا المبتدع ـ يعني إبراهيم بن صالح ـ مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها ، فقال إبراهيم : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ، فقلت آمنت برب يفعل ما يشاء ، قال فرضي عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم . وقد أخذ إسحاق كلامه هذا عن الفضيل بن عياض رحمه الله فإنه قال : إذا قال الجهمي : أنا أكفر برب ينزل ويصعد ، فقل آمنت برب يفعل ما يشاء ، ذكره أبو الشيخ ابن حبان في كتاب السنة .
وقالَ البربهاريُّ شيخُ الحنابلةِ ببغدادَ (329هـ): «وإذا سمعتَ الرَّجلَ يقولُ: إنَّا نحنُ نعظِّمُ الله - إذا سمعَ آثارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - فاعلمْ أنَّهُ جهميٌّ، يريدُ أنْ يردَّ أثرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويدفعهُ بهذهِ الكلمةِ، وهو يزعمُ أنَّه يعظِّمُ الله وينزِّههُ إذا سمعَ حديثَ الرؤيةِ وحديثَ النزولِ وغيرَهُ، أفليسَ قدْ ردَّ أثرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ قالَ: إنَّا نحنُ نعظِّمُ الله أنْ ينزلَ منْ موضعٍ إلى موضعٍ!! فقدْ زعمَ أنَّه أعلمُ باللهِ منْ غيرهِ»[23].
وقالَ الإمامُ الآجريُّ رحمه الله (360هـ) في كتابهِ «الشَّريعة»: «بابُ الإيمانِ والتَّصديقِ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ.
الإيمانُ بهذا واجبٌ، ولا يسعُ المسلمَ العاقلَ أنْ يقولَ: كيفَ ينزلُ؟ ولا يردُّ هذا إلَّا المعتزلةُ؛وأمَّ ا أهلُ الحقِّ فيقولونَ: الإيمانُ بهِ واجبٌ بلا كيفٍ، لأنَّ الأخبارَ قدْ صحَّتْ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ، والذينَ نقلوا إلينا هذهِ الأخبارَ هم الذينَ نقلوا إلينا الأحكامَ مِنَ الحلالِ والحرامِ، وعلمِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحجِّ والجهادِ، فكمَا قبلَ العلماءُ عنهم ذلكَ، كذلكَ قبلوا منهم هذهِ السُّننَ، وقالوا: مَنْ رَدَّها فهو ضَالٌّ خَبِيثٌ، يَحْذَرُونَهُ ويُحَذِّرُونَ منهُ»[24].
وقالَ الإمامُ الدارميُّ رحمه الله - بعدَ أنْ ذكرَ جملةً منْ أحاديثِ النزولِ -: فهذهِ الأحاديثُ قدْ جاءتْ كلُّها وأكثرُ منها في نزولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى في هذهِ المواطنِ، وعلى تصديقها والإيمانِ بها أدركنا أهلَ الفقهِ والبصرِ منْ مشايخنا، لا ينكرُهَا منهم أحدٌ، ولا يمتنعُ منْ روايتها، حتَّى ظهرت هذه العصابةُ، فعارضتْ آثارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بردٍّ، وتشمَّروا لدفعها بجدٍّ، فقالوا: كيفَ نزولهُ هذا؟ قلنا: لم نُكَلَّف [معرفةَ] كيفيةِ نزولهِ في ديننا، ولا تعقلهُ قلوبنا، وليسَ كمثلهِ شيءٌ منْ خلقهِ فنشَبِّهُ منهُ فعلًا أو صفةً بفعالهم وصفتهم، ولكنْ ينزلُ بقدرتهِ ولطفِ ربوبيتهِ كيفَ يشاءُ، فالكيفُ منهُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ بقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في نزولهِ واجبٌ، ولا يُسألُ الرَّبُّ عمَّا يفعلُ كيفَ يفعلُ، وهم يسألونَ، لأنَّهُ القادرُ على ما يشاءُ أنْ يفعلَهُ كيفَ يشاءُ، وإنَّما يقالُ لفعلِ المخلوقِ الضعيفِ الذي لا قدرةَ لهُ إلَّا ما أقدرهُ الله تعالى عليهِ: كيف يصنعُ؟! وكيف قدرَ؟!
ولو قدْ آمنتم باستواءِ الرَّبِّ على عرشهِ وارتفاعهِ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ بدءًا إذْ خلقها، كإيمانِ المصلِّينَ بهِ، لقلنا لكم: ليسَ نزولهُ منْ سماءٍ إلى سماءٍ بأشدَّ عليهِ ولا بأعجبَ مِنِ استوائهِ عليها إذْ خلقها بدءًا، فكمَا قدرَ على الأولى منهما كيفَ يشاءُ، فكذلكَ يقدرُ على الأخرى كيفَ يشاء[25].
وقالَ الإمامُ ابنُ بطة العكبريُّ رحمه الله - بعدَ أنْ ذكرَ جملةً مِنْ أحاديثِ النزولِ -: «وقد اختصرتُ مِنَ الأحاديثِ المرويةِ في هذا البابِ ما فيهِ كفايةٌ وهدايةٌ للمؤمنِ الموفَّقِ الذي شرحَ الله صدرَهُ للإسلامِ، وأمدَّهُ ببصائرِ الإيمانِ، وأعاذهُ منْ عنادِ الجهميَّةِ، وجحودِ المعتزلةِ؛ فإنَّ الجهميَّةَ تردُّ هذهِ الأحاديثَ وتجحدها، وتكذِّبُ الرواة، وفي تكذيبها لهذه الأحاديثِ ردٌّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومعاندةٌ لهُ؛ ومنْ ردَّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقد ردَّ على الله. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]»[26].
الوجه الثامن :
إنَّ القرآنَ يصدِّقُ معنى الحديثِ كما احتجَّ بهِ أئمَّةُ السَّلفِ.
قال الإمامُ الدارميُّ: «فممَّا يعتبرُ بهِ منْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ في النُّزولِ ويحتجُّ بهِ على منْ أنكرهُ، قولُهُ تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَة ُ} [البقرة: 210]، وقولهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22]. وهذا يومَ القيامة إذا نزلَ الله ليحكمَ بينَ العبادِ..، فالذي يقدرُ على النزولِ يومَ القيامةِ مِنَ السَّموات كلِّها ليفصلَ بينَ عبادهِ، قادرٌ أنْ ينزلَ كلَّ ليلةٍ منْ سماءٍ إلى سماءٍ، فإنْ ردُّوا قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في النُّزولِ، فماذا يصنعونَ بقولِ الله عزَّ وجلَّ، تبارك وتعالى»[27].
وسئلَ الإمامُ إسحاقُ بنُ راهوية في مجلسِ الأميرِ عبدِ الله بنِ طاهرٍ عنْ حديثِ النُّزولِ أصحيحٌ هوَ؟ قالَ: نعم. فقالَ لهُ بعضُ القوادِ كيفَ ينزلُ؟ قالَ: أثبتهُ فوق حتَّى أصفَ لكَ النُّزولَ! فقالَ الرجلُ: أثبتهُ فوق، فقالَ إسحاق: قالَ الله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22] فقالَ ابنُ طاهرٍ: هذا يا أبا يعقوب يوم القيامةِ. فقالَ: ومنْ يجيءُ يومَ القيامةِ منْ يمنعهُ اليومَ؟[28].
وقالَ محمَّدُ بنُ الحسنِ: قالَ حمَّادُ بنُ أبي حنيفة رحمه الله: «قلنا لهؤلاءِ: أرأيتم قولَ الله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22] قالوا: أمَّا الملائكةُ فيجيئونَ صفًا صفًا، وأمَّا الرَّبُّ تعالى فإنَّا لا ندري ما عنيَ بذلكَ، ولا ندري كيفَ مجيئهُ. فقلتُ لهم: إنَّا لم نكلِّفكم أنْ تعلموا كيفَ مجيئهُ، ولكنَّا نكلِّفكم أنْ تؤمنوا بمجيئه. أرأيتم مَنْ أنكرَ أنَّ الملكَ يجيء صفًّا صفًّا ما هوَ عندكم؟ قالوا: كافرٌ مكذِّبٌ. قلتُ: فَكَذلِكَ إنْ أَنْكَرَ أنَّ اللهَ سبحانه يَجِيءُ فهو كَافِرٌ مُكَذِّبٌّ»[29].
قال الرازي في «أساس التقديس» (ص143): «إنَّ الربَّ هو المربي، فلعلَّ ملكًا عظيمًا هو أعظمُ الملائكةِ كان مربيًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ هو المراد من قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22]».
وقد علق شيخ الاسلام على تأويل الرازي هذا بقوله: «فهل يشك من له أدنى مسكة من عقل وإيمان أنه من المعلوم بالاضطرار في دين الاسلام أنَّ هذا من أعظم الافتراء على الله وعلى رسوله، وعلى كلامه، وأنَّ الله لم يجعل لمحمدٍ قط ربًا غير الله: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]»[30].
الوجه التاسع :
يقالُ لهم مَا قالهُ الإمامُ الدارميُّ للجهميَّةِ: ]بيننا وبينكم حجَّةٌ واضحةٌ يعقلهَا منْ شاء الله مِنَ النِّساءِ والولدانِ: ألستم تعلمونَ أنَّا قد أتيناكم بهذهِ الرواياتِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعنْ أصحابه والتابعينَ، منصوصةً صحيحةً عنهم، أنَّ الله تبارك وتعالى ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدنيا، وقد علمتم يقينًا أنَّا لمْ نخترعْ هذه الرواياتِ، ولم نفتعلها، بل رويناها عَنِ الأئمَّةِ الهادينَ الذينَ نقلوا أصولَ الدين وفروعَهُ إلى الأنامِ، وكانتْ مستفيضةً في أيديهم، يتنافسونَ فيها، ويتزينون بروايتها، ويحتجُّونَ بها على منْ خالفها. قدْ علمتم ذلكَ ورويتموهَا كما رويناها إنْ شاء الله، فأتوا ببعضهَا أنَّهُ لا ينزلُ منصوصًا كما روينا عنهم النُّزولَ منصوصًا حتَّى يكونَ بعضُ ما تأتونَ بهِ ضدًّا لبعضِ ما أتيناكم بهِ، وإلَّا لم يدفعْ إجماعُ الأمَّةِ، وما ثبتَ عنهم في النُّزولِ منصوصًا بلا ضدٍّ منصوصٍ منْ قولهم، أو منْ قولِ نظرائهم، ولم يُدْفَعْ شيءٌ بلا شيءٍ لأنَّ أقاويلهم ورواياتهم شيءٌ لازمٌ، وأصلٌ منيعٌ، وأقاويلكم ريحٌ ليستْ بشيءٍ[31].
يتبع.....
[/SIZE]
جمال البليدي
2011-11-06, 12:26 AM
الشبهة الخامسة : دعواهم في أن نزول الله تعالى يستلزم منه خلو العرش ويستلزم منه أن السماء تقله
رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
(ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.
إمام الحرمين الجويني
يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : .... ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام))
الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان
- الإمام البيضاوي
لا فرق بين المجيء والإتيان والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والسكون والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الإنتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى .
التعليق:
اعلمْ - سلَّمكَ الله مِنَ الشبهاتِ والشهواتِ - بأنَّ «الأوهامَ الباطلةَ والعقولَ الفاسدةَ لمَّا فهمتْ منْ نزولِ الرَّبِّ مَا يُفهمُ منْ نزولِ المخلوقِ - وهو أنْ يفرغَ مكانًا ويشغلَ مكانًا - نفتْ حقيقةَ ذلكَ فوقعتْ فِي محذورينِ: محذورُ التَّشبيهِ ومحذورُ التَّعطيلِ. ولوْ علمتْ هذهِ العقولُ الضعيفةُ أنَّ نزولَهُ سُبْحَانهُ لا يشبهُ نزولَ المخلوقِ كَمَا أنَّ سمعَهُ وبصرَهُ وعلمَهُ وحياتَهُ كذلك. وإذا كانَ نزولًا لَيْسَ كمثلهِ نزولٌ فكيفَ تنفِي حقيقتَهُ»؟![32].
والكلماتُ المذكورةُ باطلةٌ وعنْ حلى التحقيقِ عاريةٌ.
وزَعْمُ الأشاعرة المعطلة أَنَّ مَنْ قالَ ينزلُ بذاتهِ يستلزم التجسيم والحلول قولٌ بلا علمٍ وكذبٌ وافتراءٌ: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].
والجهمية وأمثالهُم لمْ يفهموا منْ نزولِ الخالقِ إلى السَّماءِ الدنيا إلَّا كمَا فهموا منْ نزولِ المخلوقاتِ، «وهذا عينُ التمثيلِ، ثَّم إنَّهم بعدَ ذلكَ جعلوهُ كالواحدِ العاجزِ منهم الذي لا يمكنهُ أنْ يجمعَ منَ الأفعالِ ما يعجزُ غيرهُ عنْ جمعهِ»[33]. وكذبوا في هذا الفهمِ، وضلُّوا في هذا الظنِّ والوهمِ الكاسدِ.
فإنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يطوي الله عزَّ وجلَّ السمواتِ يومَ القيامةِ ثمَّ يأخذهنَّ بيدهِ اليمنى، ثمَّ يقول: أنا الملكُ. أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ُثمَّ يطوي الأرضينَ بشمالهِ ثمَّ يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبَّارونَ أينَ المتكبرونَ؟!»[34].
فمنْ هذهِ عظمتهُ، كيفَ يحصرهُ مخلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ. سماءٌ أو غيرُ سماءٍ؟! حتَّى يقال: إنَّهُ إذا نزلَ إلى السماء الدنيا صارَ العرشُ فوقهُ، أو يصيرُ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ يحصرهُ ويحيطُ بهِ سبحانه وتعالى[35].
واللهُ - ولله المثلُ الأعلى - أعظمُ منْ أنْ يظنَّ ذلكَ بهِ، وإنَّما يظنُّهُ الذينَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67][36].
قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: العليُّ الأعلى العظيمُ، فهو أعلى منْ كلِّ شيءٍ، وأعظمُ منْ كلِّ شيءٍ. فلا يكونُ نزولهُ وإتيانهُ بحيثُ تكونُ المخلوقاتُ تحيطُ بهِ، أو تكونُ أعظمَ منهُ وأكبرَ، وهذا ممتنعٌ[37].
فالمخلوقُ إذا نزلَ من علوٍّ إلى سفلٍ زالَ وصفهُ بالعلوِّ وتبدَّلَ إلى وصفهِ بالسُّفولِ، وصارَ غيرهُ أعلى منهُ.
والرَّبُّ تعالى لا يكونُ شيءٌ أعلى منهُ قطُّ، بلْ هوَ العليُّ الأعلى، ولا يزالُ هوَ العليُّ الأعلى مع أنَّهُ يقربُ إلى عبادهِ ويدنو منهم، وينزلُ إلى حيثُ شاءَ، ويأتي كما شاءَ. وهو في ذلكَ العليُّ الأعلى، الكبيرُ المتعال، عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّهِ.
فهذا وإنْ لمْ يتَّصفْ بهِ غيرهُ فلعجزِ المخلوقِ أنْ يجمعَ بينَ هذا وهذا. كمَا يعجزُ أنْ يكونَ هو الأولَ والآخرَ والظاهرَ والباطنَ[38].
وقَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: ونزولهُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا سلامٌ ممَّا يضادُّ علوَّهُ، وسلامٌ مما يضادُّ غناهُ وكمالهُ، سلامٌ منْ كلِّ ما يتوهَّمُ معطِّلٌ أو مشبِّهٌ، وسلامٌ منْ أنْ يصيرَ تحتَ شيءٍ أو محصورًا في شيءٍ. تعالى الله ربُّنا عن كلِّ ما يضادُّ كمالَهُ[39].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : ((((علينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا، إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته. كما أننا نقول استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه، ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول استوى استواء يليق بجلاله وعظمته، ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية، حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلية، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل السنة والجماعة تبعاً لهم فأقروا بما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) يعني عن الكيفية، ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة رضي الله عنها عن ربيعه بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمهما الله: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان بذلك واجب)، ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة، وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص وأن لا نزيد على ذلك، وهكذا نقول يسمع ويتكلم ويبصر، ويغضب ويرضى على وجه يليق به سبحانه، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة، وطريق العلم وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، وبذلك يسلم المؤمن من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد علم الكيفية إلى ربه سبحانه وتعالى، والله سبحانه ولي التوفيق.)) انتهى كلامه رحمه الله.
فتبيَّنَ بهذا الكلامِ النفيسِ، بطلانُ ما ذكرهُ بن جماعة ومن قال بقوله؛ وأنَّهُ مبنيٌّ على شفا جرفٍ هارٍ منَ الخيالاتِ والأوهامِ.
وليتأمَّل الجهمية وأمثالهم منْ أهلِ الكلامِ الأثرَ التالي:
قالَ محمَّدُ بنُ حاتمٍ المظفريُّ: سمعتُ عمرو بن محمد يقولُ: كانَ أبو معاوية الضريرُ يحدِّثُ هارونَ الرشيد، فحدثَّهُ بحديثِ أبي هريرةَ: «احتجَّ آدمُ وموسى»[40] فقالَ عليُّ بنُ جعفرٍ: كيفَ هذا وبينَ آدمَ وموسى ما بينهما؟! قالَ: فوثبَ بهِ هارونُ وقالَ: يحدِّثكَ عَنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضهُ بكيفَ؟! فما زالَ يقولُ حتَّى سكتَ عنهُ[41].
قالَ المحدِّثُ الصابونيُّ معقِّبًا: هكذا ينبغي للمرءِ أنْ يعظِّمَ أخبارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبولِ والتسليمِ والتَّصديقِ، وينكرُ أشدَّ الإنكارِ على منْ يسلكُ فيها غيرَ هذا الطريقِ الذي سلكهُ هارونُ الرشيدُ رحمه الله معَ مَنِ اعترضَ على الخبرِ الصَّحيحِ الذي سمعهُ بـ«كيف»؟! على طريقِ الإنكارِ لهُ، والابتعادِ عنهُ، ولمْ يتلقَّهُ بالقبولِ كمَا يجبُ أنْ يتلقَّى جميعُ ما يردُ مِنَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
جعلنا الله سبحانهُ مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ ويتَّبعونَ أحسنهُ ويتمسَّكونَ في دنياهم مدَّةَ حياتهم بالكتابِ والسنَّةِ، وجنَّبنا الأهواءَ المضلَّةَ والآراءَ المضمحلةَ والأسواءَ المذلَّةَ، فضلًا منهُ ومنَّةً[42].
الشبهة السادسة : احتجاجهم بما رواه النسائي في(عمل اليوم والليلة)(أن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له )).
قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له
(( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ))
ينادي مناد هل من داع يستجاب له
(( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…
14- الإمام العيني في شرح صحيح البخاري
قال أثناء كلامه عن حديث النزول
: وقال ابن فورك : والدليل على صحة هذا ما رواه النسائي من حديث الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد قال : قال رسول الله (ص) : { إنّ الله عز وجل يمهل حتى يأتي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً يقول : هل من داع فيستجاب له } ، وصححه عبد الحق ، وحمل صاحب المفهم على النزول المعنوي على رواية مالك عنه عند مسلم ، فإنه قال فيه ، { يتنزل ربنا } ، بزيادة تاء بعد ياء المضارعة ، فقال : كذا صحت الرواية هنا ، وهي ظاهرة في النزول المعنوي ، وإليها يُرد
والجواب على ذلك:
أولاً: أن هذه الرواية لا ذكر فيها: لا لنزول الله ولا نزول الملك، فمن أين حكمت بأن النزول هو نزول الملك بأمره؟ فالتعويل على هذه الرواية يلغي موضوع النزول برمته.
ثانياً: أنه تفرد بهذه اللفظة حفص بن غياث وهو ممن تغير حفظه قليلا بأخرة,وخالفه غير واحد من الثقات ,مثل:شعبة ومنصور بن المعتمر وفضيل بن غزوان ومعمر بن راشد,فرووه بلفظ((إن الله يمهمل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ,نزل إلى السماء الدنيا,فيقول:ه من مستغفر....)).
فروايته السابقة شاذة وإن صحت فلها وجه وهو:
الثالث : إن هذا إن كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك,..ويأمر مناديا فينادي...لا أن المنادي يقول((من يدعوني فاستجيب له)) ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه-مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفا عن السلف-فاسد في المعقول,يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين,كما روى بعضهم((يُنزِّل )) بالضم وكما قرأ بعضهم(وكلم اللهَ موسى تكليما)) ونحو ذلك من تحريفهم للفظ والمعنى .
الرابع : أن الرواية على ضعفها خبر آحاد وتمسكك بها أيها الجهمي ينقض ما زعمت التزامه وهو عدم الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد فأنت الذي نقلت قول شيخك الجويني في ذلك :
يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : وأما الأحاديث التي يتمسكون بها ، فآحاد لا تفضي إلى العلم ، ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاً ، لكنا نوميء إلى تأويل ما دوّن منها في الصحاح ، فمنها حديث النزول ، وهو ما روي عن النبي (ص) أنه قال : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث
فلينظر القارئ اللبيب إلى تناقض هذا الجهمي وليحصي عدد تناقضاته وتخبطاته العقدية وليحمد الله تعالى على ما عفاه من عقيدة التعطيل والتحريف الذي لا تثبت على قدم وساق.
الخامس : أن تحريفكم هذا يحقق حكم أبي الحسن الأشعري فيكم أنكم من أهل الزيغ والضلالة. فقد روى الحافظ ابن عساكر عن أبي الحسن الأشعري أن الله هو الذي "يقول (هل من سائل هل من مستغفر) خلافاً لما قاله أهل الزيغ والضلالة.
وقال "ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا.
فاعدد: كم من المسائل خالفت بها الأشعري ووافقت بها المعتزلة.
الشبهة السابعة :احتاججهم بالأثر المنسوب للإمام مالك رحمه الله :
- الإمام مالك بن أنس رضي الله : سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.
(التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82).
والجواب على هذا من أوجه :
أولاً: أن هذه الرواية إن صحت (وهي ضعيفة السند) تعارض رواية مالك الصحيحة المشهورة في الاستواء.
والأشاعرة تتناقض موافقهم ففي حديث العلو يحتجون بقول مالك (وكيف عنه مرفوع) وفي حديث النزول يجعلون الكيف معقولاً ومؤولاً بنزول الرحمة.
ففي حين ينهى مالك عن إعطاء كيفية للاستواء يجيز حسب هذه الرواية إعطاء تكييف للنزول بأنه رحمة لا نقلة. وكان بإمكانه أن يقول في الاستواء (علو مكانة لا علو جهة وتحيز). فكيف ينهى مالك عن طلب الكيفية في الاستواء ثم يفصل النزول بكيفية نزول؟ هذا تناقض!
ثانياً: أن المعتمد عند الجهمي وعند عامة الأشاعرة والماتريدية أن السلف فوضوا آيات الصفات ولم يتأولوها وإنما كان التأويل بدعة الخلف. فكيف يذهب مالك إلى قول الخلف؟
ثالثاً: أن الرواية عن مالك لم تصح، فيها حبيب بن أب حبيب قال أحمد "كان يكذب" وقال أبو داود "كان من أكذب الناس" وقال ابن حبان "أحاديثه كلها موضوعة، كان يُدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم".
وقال الحافظ ابن عبد البر شيخ المالكية في عصره عن رواية حبيب "وأنكره آخرون فقالوا: هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبداً في الليل والنهار". وشكك الذهبي في صحة الروية عن حبيب.
وفيها محمد بن علي الجبلّي فقيل إنه كان رافضياً شديد الرفض
وفيها جامع بن سوادة "ضعيف") ومطرف بن عبد الله بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت الإمام مالك: كان مضطرب الحديث وكان يحدث عن مالك وغيره بالمناكير فلعل هذا من مناكيره
فرواية الاستواء قد تلقاها سائر أهل العلم بالقبول وتواترت عندهم. أما رواية النزول فهي واهية معلولة لو صحت لكانت شاذة فكيف وقد ثبت ضعفها!
رابعاً: أن الثابت عن مالك خلاف ذلك، فقد ذكر البيهقي صفات الفوقية والنزول والإتيان، ثم روى بسنده عن الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك والثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا "أمرّوها كما جاءت".
هكذا أثبته الصابوني عنهم في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وأثبته ابن عبد البر عن مالك: وهو أعلم بمذهب مالك من غيره.
ولذا حكى الشيخ عبد القادر الجيلاني عقيدة أهل السنة وذكر منها إيمانهم بأنه تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء، ونسب تأويل النزول بنزول الرحمة إلى الأشاعرة والمعتزلة.
خامساً: أن مالكاً لم يتأول صفة الاستواء حين سأله السائل عن كيفية الاستواء، وإنما اكتفى بالقول: الاستواء معلوم والكيف مجهول. ولو كان متأولاً شيئاً من صفات الله لتأول صفة الاستواء من باب أولى. وسئل أبو حنيفة عن النزول فقال "ينزل بلا كيف" فأثبت أبو حنيفة النزول ولم يبطله بنزول الملك بأمره أو نزول رحمته. وليس من العقل الجمع بين النقيضين كأن نقول: ينزل، ولكن ينزل الملك بأمره!
ـ أن تأويل النزول بنزول الرحمة باطل فإن الرحمة لا ينقطع نزولها. وتأويلها بنزول الملائكة أكثر بطلاناً فإن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار وليس في الثلث الأخير من الليل فقط.
ـ وقولهم ينزل أمره باطل ومتناقض فإنه ليس عندهم في السماء شيء فمن أين ينزل أمره؟ أليس ينزل الأمر ممن هو فوق؟.
ـ ومن المعلوم عند أهل الكلام أن الرحمة صفة، وأن الصفة لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل، وهي لا تتكلم بنفسها ولا تقول أنا الله، فالقائل هو الله حقيقة والفاعل هو الله حقيقة. ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم يتنزل إلينا فأي منفعة لنا في ذلك؟
سابعاً: أنه إذا ثبت عن مالك وأحمد وغيرهما تأويل شيء في موارد النزاع فهو تنازع يُرَدّ إلى الكتاب والسنة. وهو تنازع مسبوق بتنازع الصحابة في تفسير القرآن وغيره. فقد اختلف ابن عباس وابن مسعود في قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قال ابن عباس "هو دخان يجيء قبل يوم القيامة، بينما قال ابن مسعود "هو ما أصاب قريشاً من الجوع.
ـ وروى البخاري عن الفضيل بن عياض أنه قال "إذا قال لك الجهمي أننا لا نؤمن بربٍ ينزل عن مكانه فقل له أنت: أنا أؤمن بربٍ كيف يشاء"(57).
وسئل ابن المبارك عن حديث النزول – كيف ينزل؟ فأجابك "ينزل كيف يشاء"(58).
ـ فلماذا الميل إلى تأويل صفة النزول؟ أخوفاً من التشبيه، فإنه لا يعتبر تشبيهاً إلا عند أهل الوسوسة. فكما أنهم يؤمنون بإرادةٍ لله ليست كإرادتنا وبكلام ليس ككلامنا: فما الذي يمنعهم أن يؤمنوا بنزول ليس كنزولنا وباستواء ليس كاستوائنا؟!
الشبهة الثامنة : نسبة التأويل إلى الإمام الأوزاعي
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :
والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
أقول :
أولا : لقد تقدم الرد على من تأول النزول بنزول الرحمة والأمر والملائكة كما تقدم الرد على نسب التأويل إلى الإمام مالك رحمه الله فلا فائدة في تكرار هذا.
ثانيا : أما نسبة التأويل للأوزاعي فلا تصح ونتنقصها الدقة وكل ما في أمر أنهم تمسكوا بقوله وقول السلف في حديث النزول(يفعل الله ما يشاء) فحملها المأولة على غير محملها وقالو:أنه يحدث شيئا منفصلا عنه من دون أن يقوم به هو فعل أصلا!!!ومعلوم أن هذا لم يرد عن السلف ألبتة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف
و لم يرد التأويل في كلام الأوزاعي.
قال الأوزاعي – رحمه الله -: (كنا – والتابعون متوافرون – نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته)الأسما والصفات للبيهقي ص( 408
وفي ختامِ الرَّدِّ على الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ التنزيلِ نقولُ وبالله التَّوفيق: إنَّ «الحقَّ الحقيقَ الذي ينبغي عليهِ التَّعويلُ أنْ نؤمنُ بما وصلَ إلينا عنْ طريقِ محمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنَّ الله ينزلُ إلى السّمَاء الدُنْيَا حينَ يبقى الثلثُ الآخرُ مِنَ الليلِ، ويقولُ: منْ يدعوني فأستجيبَ له؟ منْ يسألني فأعطيهُ؟ منْ يستغفرني فأغفرَ له؟!
ولا يغترُّ بما فاهَ بهِ: جمعٌ منْ أهلِ الكلامِ، ورهطٌ منْ أصحابِ الأوهامِ؛ النَّاكبونَ عنِ الصِّراطِ السويِّ، والمنهجِ النبويِّ. الجامدونَ على سيرِ المنطقيينَ والمتفلسفينَ، فإنَّهم بمعزلٍ عنْ طريقةِ السَّلفِ الصَّالحينَ، وعلى مراحلَ شاسعةٍ عنْ منهاجِ المتقينَ، الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ وممَّا رزقناهم ينفقونَ.
فدعْ عنكَ نهبًا صيحَ في حجراتهِ وهاتِ حديثًا ما حديثُ الرواحلِ»[43].
[1] انظر: بدائع الفوائد (1/173)، وجلاء الأفهام (ص82 - 83).
[2] انظر: شرح العقيدة الواسطية (ص400)، للعلاّمة: ابن عثيمين رحمه الله.
[3] مجموع الفتاوى (18/129 - 130).
[4] الذيل على طبقات الحنابلة (4/34).
[5] المهذّب في اختصار السنن الكبير (2/470).
[6] مجموع الفتاوى (16/426).
[7] مجموع الفتاوى (16/432).
[8] مجموع الفتاوى (8/23).
[9] طريق الهجرتين (ص295).
[10] مجموع الفتاوى (5/436 - 437).
[11] مجموع الفتاوى (5/527).
[12] مجموع الفتاوى (5/527).
[13] مجموع الفتاوى (5/458 - 459).
[14] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص59)، تحقيق: بدر البدر.
[15] السراج الوهاج (10/514 - 515).
[16] شرح العقيدة الواسطية (ص401).
[17] الجواب المختار لهداية المحتار (ص33 - 35)، للعلاّمة: ابن عثيمين رحمه الله.
[18] بدائع الفوائد (4/952) [مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الطبعة الأولى].
[19] التنبيهات السنية (ص207 - 208).
[20] راجع: عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص26 - 27).
[21] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص28).
[22] الغنية (1/57).
[23] شرح السنّة (ص56).
[24] الشريعة (ص1124 - 1126).
[25] الرد على الجهمية (ص79).
[26] الإبانة (3/239).
[27] الرد على الجهمية (ص63).
[28] رواه الذهبي في «العلو» (ص1127)، وصححه الألباني في «مختصر العلو» (ص193).
[29] رواه أبو عثمان الصابوني في «عقيدة السلف» (ص64)، وإسناده صحيح.
[30] بيان تلبيس الجهمية (6/306 – 307) طبعة مجمع الملك فهد.
[31] الرد على الجهمية (ص82).
[32] مختصر الصواعق (2/228 - 229).
[33] بيان تلبيس الجهمية (2/228 - 229).
[34] رواه مسلم (2788).
[35] مجموع الفتاوى (5/482).
[36] مجموع الفتاوى (6/582 - 583).
[37] مجموع الفتاوى (16/422).
[38] مجموع الفتاوى (16/424).
[39] بدائع الفوائد (2/136).
[40] رواه البخاري (3409 و6614 و7515) ومسلم (2652).
[41] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/181)، وعنه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/243) من طريق آخر وبألفاظ مختلفة، وإسناده صحيح. انظر: «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص127)، تحقيق: بدر البدر.
[42] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص127 - 128) تحقيق: بدر البدر.
[43] السراج الوهاج (10/509 - 511)
ابو حيان التوحيدى
2011-11-06, 12:55 AM
وقال حنبل: (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث.
فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
.
-19 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)
قال بعد ذكره لجملة من صفات الله تعالى: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، . ..) إلى أن قال: (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول:
يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم.
وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم.
ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب.
ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا.)[36] اهـ.
اخى الافضل مامعنى قول الامام احمد بلا كيف وبلا معنى وبلا حد وبلا غاية؟؟
ومامعنى قول الامام الطبرى وليست جارحة مع العلم انكم تنكرون على من نفى الجارحة وقال ان الله منزه عن الاعضاء والجوارح؟؟؟
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.