ابن رجب
2007-06-06, 04:12 PM
O
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه التي تترى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن الرحيم عالم السر والنجوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم رسله المبعوث بالحق والهدى ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
وبعد:
فهذه قاعدة اعجبتني ملخصة من كتاب الشيخ عمرو عبد المنعم سليم مع اضافة بسيطة جعلتها في الهوامش باللون البني وهوامش الشيخ باللون الازرق , نسال الله ينفع بهذه الفائدة .
تنبيه :
من كان عنده أضافة أو ملاحظة فليضعها , لكي يعم النفع , وجزاكم الله خيرا.
تفرد الصدوق ومن في رتبته:
قاعدة :
قال الامام الذهبي رحمه الله في الموقظة:
((وقد يعد مفرد الصدوق منكر )) وقال :
((وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي يتفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرا)).
قلت: وغالب المشتغلين من المعاصرين على أن حديث الصدوق من درجة الحسن (1) , سواء تفرد بالحديث أو لم يتفرد , اي دون اعتبار الرواية.
ولايعتبرون في حاله ما أذا كان يُحتمل من مثله التفرد , لاسيما بسنة ــ أو باصل ــ لم يتابعه عليها احد.
ومثال ذلك:
ما اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد وفي التاريخ زالترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم من طريق: إسرائيل عن يوسف بن ابي بردة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان النبي إذا خرج من الخلا قال : غفرانك .
قلت : ومدار هذا الحديث على يوسف بن ابي بردة وقد تفرد بهذه السنة , ولايعلم أن احدا رواه غيره , ولايعلم في هذه الباب إلا حديث أم المؤمنين عائشة _ رضي الله عنها _ كما صرح بذلك الحافظ الترمذي رحمه الله .
والناظر لهذا السند يجد أن يوسف بن أبي بردة هذا لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي , وهما مشهوران بالتساهل كما هو معروف عند اهل هذا الشأن , وقال الذهبي : ( ثقة) كما في تلخيص المستدرك وكما في الكاشف وأما الحافظ ابن حجر فقال في التقريب( مقبول) , أي اذا توبع , وإلا فلين الحديث , وغالبا مايطلق الحافظ هذا الوصف على من كان مجهول الحال.
فعلى تقدير أنه صدوق , أو أنه حسن الحديث , أو أنه ثقة على أفضل الاحوال فقد تفرد بسنة لم يتابعه عليها غيره ,وقد تحايد البخاري ومسلم حديثه مع أنه حجة في الباب , وليس في الباب أحسن منه , وتحايدهما للحديث ـ مع كونه الحجة في باب من الابواب ـ يدل على أنه ليس شرطهما , ولاعلى شرط أحدهما , وهذا ظاهر جدا على أن ثمة علة فيه تقتضي عدم احتجاجهما به , وهذا ظاهر من التفر البين (2).
ولكن كثير من المعاصرين على تصحيح هذا الحديث , وهذه مخالفة واضحة جدا للقاعدة السابقة.
وقد قال الترمذي في هذه الحديث:
((حسن غريب))وهو غالب مايطلق هذا الوصف على مافيه نكارة.
ثم وجد ـ بعد ـ أخانا الفاضل : ابا الحسن مصطفى بن اسماعيل _ حفظه الله _ يقول في كتابه إتحاف النبيل )):
((قد صحح هذا الحديث جماعة من أهل العلم ذكرهم الشيخ الالباني حفظه الله في ((إرواء الغليل )) ولم أعلم احدا من أهل العلم ضعف هذا الحديث , اليس تصحيح الامام من الا ئمة لحديث يكون تقوية منه لحال رواته في الجملة ؟ فلماذا لايقال : إن هؤلاء الائمة الذين صححوا هذا الحديث قد حسنوا من حال يوسف بن ابي بردة في هذا الحديث ؟لاسيما وأن الحديث يدور عليه ؟ ومن قال : لعلهم صححوه لمتابعات له , قلنا: هذا اقوى , فإن وقف الاشمة على متابعات له ونحن لم نقف عليها وصححوا الحديث أخذنا بقولهم.
قلت وهذا الحديث فيه مناقشات:
* اولا: أن التصحيح التي نقلها الشيخ الالباني هي:
عن الحاكم , وابي حاتم الرازي , وابن خزيمة , وابن حبان , وابن الجارود , والنووي , والذهبي.
فأما الحالكم وابن حزيمة وابن حبان والنووي فمتساهلون في التصحيح كما لايخفى على المشتغل بهذا العلم , لاسيما النووي (3) فإنه يجري الحكم على الحديث على طريقة الفقهاء , وهم لايعتبرون بسمألة التفرد التفرد ولا الشذوذ كما نبه عليه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح )) والذهبي في الموقظة.
ويبقى قول أبي حاتم الرازي , فالمعروف أن ابا حاتم الرازي لم يصححه , وإنما غاية الامر أنه قال كما في العلل لابنه:
(( أصح حديث في هذا الباب حديث عائشة )).(4)
وهذا لايقتضي الصحة ولا التصحيح بحال , إنما يفيد المقارنة , فإن أحاديث الباب أشد ضعفا من هذا الحديث كما بينته تفصيلا في كتابي:(الايرادات العلمية على تحصيل مافات التحديث بما قيل لايصح فيه حديث)).
ثم هنا مسألة : وهي ان ابن ابي حاتم قد اورد يوسف بن ابي بردة في الجرح والتعديل
, ونقل عن أبيه أسماء الرواة عنه , ولم ينقل عنه فيه جرحا ولا تعديلا , فلو كان ثقة عنده , أو صدوقا, أو حتى صالحا , أو ضعيفا لذكر ذلك عنه , وإنما إعراضه عن إيراد الجرح والتعديل فيه دليل على انه لم يقف فيه على جرح أو تعديل , لاعن أبيه ولاعن غيره.(5)
وقد صرح في مقدمة كتابه ـ رحمه الله ـ أنه قد يذكر أسماء جماعة مهملين من حيث الجرح والتعديل , رجاء الوقوف بعد ذلك على ما ورد فيهم من جرح أو تعديل فقال:
((على أن قد ذكرنا أسماء كثيرة مهملة من الجرح والتعديل , كتبناها ليشمل الكتاب على ما رُوي عنه العلم , رجاء وجود الجرح أو التعديل فيهم , فنحن ملحقوها بهم من بعد أن شاء الله تعالى )).(6)
وعل تقدير أنه قد عرفه أبو حاتم بتعديل , فالقول , بأنه صحح حديثه يقتضي أن يكون يوسف هذا عنده ثقة , إذ إنه لا يحتج بحديث الصدوق ومن دونه , فإذا كان كذلك , فلماذا أحجم عن ذكر حاله عندما سأله ابنه عنه ؟!
وأما تصحيح الذهبي لهذا الحديث , فمبني على توثيقه ليوسف بن أبي بردة , وهذا التوثيق لم يسبقه إليه أحد من المعتبرين وإنما سبقه إليه ابن حبان والرجل غير مشهور.
وإما تصحيح ابن الجارود له , فأين نص على ذلك ؟ ... فإن كان تصحيحه بان أخرجه في (( منتقاه )) فليس بلازم أن يكون صحيحا , فقد أخرج ابن خزيمة حديث جماعة في ((صحيحه)) , وهم ضعفاء وأحاديثهم مردودة , هذا وقد صرح بان مادة كتابة كتابه الصحيح , فكيف بمن لم يصرح بذلك , وإنما اغتر البعض بقول الذهبي (( أحدايث (المنتقى) لاتنزل عن درجة الحسن إلا في الناذر))(6) , فهذا كلام مجمل , وعند المحاققة ففيه جملة من الروايات الضعيفة , وأنظر إن شئت تحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني عليه الموسوم بــ))غوث المكدود)).(7)
ثم أني قد وجدت بعد ذلك البزار والدار قطني يعلان الحديث بالتفرد.
فقال البزار :((لا نعلمه يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد)).
وقال الدار قطني في الأفراد:
((تفرد به إسرائيل عن يوسف , وتفرد به يوسف عن أبيه , وأبوه عن عائشة)).
نقله الحافظ في تخريج الأذكار.
* ثانياً: ادعاء أن العلماء قد وقفوا على متابعات تقوية إحالة على جهالة , فهذه مصنفات الحديث اليوم مبسوطة في كل عصر ومصر , ومجموعة بين طلاب العلم , فأين هذه المتابعات المفقودة , ثم إن قول البزار والدارقطني , وقبلهم الترمذي يدل على أن الحديث ليس له حديث متابعات , نعم له عدة شواهد إلا أنها واهية جداً لا ينجبر بها ضعف ولا تقوم بها حجة .
الهوامش:
1ـ درجة الصدوق ومن في رتبته من قبيل الحسن إن انتفى عنه شرط الشذوذ أو النكارة , وهذا يتحقق بروايته مالاينكر عليه , سواء بالمخالفة أو بالتفرد بما لايحتمل
2ــ إلا انك تسمع في مثل هذا المقام قول القائل: ((إن شرط الشيخين لم يشترط غخراج كل الاحاديث الصحيحة )) , وهذا ولاشك كلام جيد صحيح , ولكنها كذلك لم يكونا يتركا حديثا في باب من الابواب المهمة كهذا الباب , لاسيما وقد خرجا بعض الاخبار الصحيحة في الذكر عند دخول الخلاء , فكان الاليق بهما إخراج ماصح في الخروج من الخلاء , فاجتماعهما على تحايد هذا الحديث وغيره يدل على ماذكرناه , فالقول الذي ذكرناه في موضع الاعتراض ليس على اطلاقه , وإنما لابد من اعتبار صنيع الشيخين في تخريج أحاديث الباب , حتى يُعلم هل يُجرى عليهما هذا القول في هذه الابواب أم لا ؟.
3ــ وهذا حق فالنووي كثيرا ما يخالف الائمة في التصحيح والتحسين فيجب التنبه لهذا.
4ــ قال محقق كتاب العلل لابن أبي حاتم ((ومعلوم أن هذا ليس تصحيحا
).
5ــ كأبي زرعة.
6ـقال محقق كتاب العلل لابن أبي حاتم . بعنون كبير ((فائدة في حال الراوي المترجم له في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم بدون ذكر شيء في ترجمته جرحا أو تعديلا))
قال ابن ابي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل)
((على أن قد ذكرنا أسماء كثيرة مهملة من الجرح والتعديل , كتبناها ليشمل الكتاب على ما رُوي عنه العلم , رجاء وجود الجرح أو التعديل فيهم , فنحن ملحقوها بهم من بعد أن شاء الله تعالى )).
وهذا يُفهم منه أن ابن أبي حاتم لا يوثقه ولا يحكم بجهالته , وقد تكلم بعض أهل العلم فيمن هذا شأنه , فرأينا الشيخ عبدالفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب (( الرفع والتكميل)) يختار أنه ثقة , وكذا الشيخ احمد شاكر في مواضع كثيرة من تحقيقاته لاسيما في تخريج وتحقيق (( مسند أحمد)) ولم أطلع على كلام لإحد من المتقدمين يدل على توثيق من هذا حاله , بل على العكس من ذلك , ففي تفسير الحافظ ابن كثير موضع يدل على أنه يرى أن من هذا حاله فهو مستور كما قال في ذكره لموسى بن جبير الأنصاري : ( ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا , فهو مستور الحال )) , وهو مذهب ابن القطان كما في(( بيان الوهم والإيهام )) (3/390) .
وزبدة هذا البحث في تأييده بصنيع ابن أبي حاتم , فانه يحكم بجهالة كثير من الرواة هاهنا في ((علل الحديث)) , وهم مذكرون الجرح والتعديل بدون جرح ولا تعديل منهم:
1- رباح بن عبدالرحمن .
2- عبدالله بن عبدالمطلب العجلي .
3- عقيل بن شبيب .
4- محمد بن خالد الوهبي .
5- محمد بن أبراهم بن العلاء .
6- مسور بن يزيد المالكي.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهالة هؤلاء المذكورين في الجرح والتعديل بدون ذكر شيء فيهم من جرح أو تعديل , وان لم يدل على شيء فغاية ما يقال إن المسكوت عليهم لايعد سكوتهم في جانب تقويتهم .
7ــ هذا ماجعلتني أتتبع كتاب أحكام الشيخ الحويني في احكامه على المنتقى بالضعف ومقارنتها بكلام الذهبي , ولمَ الذهبي اطلق هذه العبارة ؟ وهل عبارة الذهبي صحيحة ؟.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه التي تترى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن الرحيم عالم السر والنجوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم رسله المبعوث بالحق والهدى ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
وبعد:
فهذه قاعدة اعجبتني ملخصة من كتاب الشيخ عمرو عبد المنعم سليم مع اضافة بسيطة جعلتها في الهوامش باللون البني وهوامش الشيخ باللون الازرق , نسال الله ينفع بهذه الفائدة .
تنبيه :
من كان عنده أضافة أو ملاحظة فليضعها , لكي يعم النفع , وجزاكم الله خيرا.
تفرد الصدوق ومن في رتبته:
قاعدة :
قال الامام الذهبي رحمه الله في الموقظة:
((وقد يعد مفرد الصدوق منكر )) وقال :
((وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي يتفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرا)).
قلت: وغالب المشتغلين من المعاصرين على أن حديث الصدوق من درجة الحسن (1) , سواء تفرد بالحديث أو لم يتفرد , اي دون اعتبار الرواية.
ولايعتبرون في حاله ما أذا كان يُحتمل من مثله التفرد , لاسيما بسنة ــ أو باصل ــ لم يتابعه عليها احد.
ومثال ذلك:
ما اخرجه احمد والبخاري في الادب المفرد وفي التاريخ زالترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم من طريق: إسرائيل عن يوسف بن ابي بردة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان النبي إذا خرج من الخلا قال : غفرانك .
قلت : ومدار هذا الحديث على يوسف بن ابي بردة وقد تفرد بهذه السنة , ولايعلم أن احدا رواه غيره , ولايعلم في هذه الباب إلا حديث أم المؤمنين عائشة _ رضي الله عنها _ كما صرح بذلك الحافظ الترمذي رحمه الله .
والناظر لهذا السند يجد أن يوسف بن أبي بردة هذا لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي , وهما مشهوران بالتساهل كما هو معروف عند اهل هذا الشأن , وقال الذهبي : ( ثقة) كما في تلخيص المستدرك وكما في الكاشف وأما الحافظ ابن حجر فقال في التقريب( مقبول) , أي اذا توبع , وإلا فلين الحديث , وغالبا مايطلق الحافظ هذا الوصف على من كان مجهول الحال.
فعلى تقدير أنه صدوق , أو أنه حسن الحديث , أو أنه ثقة على أفضل الاحوال فقد تفرد بسنة لم يتابعه عليها غيره ,وقد تحايد البخاري ومسلم حديثه مع أنه حجة في الباب , وليس في الباب أحسن منه , وتحايدهما للحديث ـ مع كونه الحجة في باب من الابواب ـ يدل على أنه ليس شرطهما , ولاعلى شرط أحدهما , وهذا ظاهر جدا على أن ثمة علة فيه تقتضي عدم احتجاجهما به , وهذا ظاهر من التفر البين (2).
ولكن كثير من المعاصرين على تصحيح هذا الحديث , وهذه مخالفة واضحة جدا للقاعدة السابقة.
وقد قال الترمذي في هذه الحديث:
((حسن غريب))وهو غالب مايطلق هذا الوصف على مافيه نكارة.
ثم وجد ـ بعد ـ أخانا الفاضل : ابا الحسن مصطفى بن اسماعيل _ حفظه الله _ يقول في كتابه إتحاف النبيل )):
((قد صحح هذا الحديث جماعة من أهل العلم ذكرهم الشيخ الالباني حفظه الله في ((إرواء الغليل )) ولم أعلم احدا من أهل العلم ضعف هذا الحديث , اليس تصحيح الامام من الا ئمة لحديث يكون تقوية منه لحال رواته في الجملة ؟ فلماذا لايقال : إن هؤلاء الائمة الذين صححوا هذا الحديث قد حسنوا من حال يوسف بن ابي بردة في هذا الحديث ؟لاسيما وأن الحديث يدور عليه ؟ ومن قال : لعلهم صححوه لمتابعات له , قلنا: هذا اقوى , فإن وقف الاشمة على متابعات له ونحن لم نقف عليها وصححوا الحديث أخذنا بقولهم.
قلت وهذا الحديث فيه مناقشات:
* اولا: أن التصحيح التي نقلها الشيخ الالباني هي:
عن الحاكم , وابي حاتم الرازي , وابن خزيمة , وابن حبان , وابن الجارود , والنووي , والذهبي.
فأما الحالكم وابن حزيمة وابن حبان والنووي فمتساهلون في التصحيح كما لايخفى على المشتغل بهذا العلم , لاسيما النووي (3) فإنه يجري الحكم على الحديث على طريقة الفقهاء , وهم لايعتبرون بسمألة التفرد التفرد ولا الشذوذ كما نبه عليه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح )) والذهبي في الموقظة.
ويبقى قول أبي حاتم الرازي , فالمعروف أن ابا حاتم الرازي لم يصححه , وإنما غاية الامر أنه قال كما في العلل لابنه:
(( أصح حديث في هذا الباب حديث عائشة )).(4)
وهذا لايقتضي الصحة ولا التصحيح بحال , إنما يفيد المقارنة , فإن أحاديث الباب أشد ضعفا من هذا الحديث كما بينته تفصيلا في كتابي:(الايرادات العلمية على تحصيل مافات التحديث بما قيل لايصح فيه حديث)).
ثم هنا مسألة : وهي ان ابن ابي حاتم قد اورد يوسف بن ابي بردة في الجرح والتعديل
, ونقل عن أبيه أسماء الرواة عنه , ولم ينقل عنه فيه جرحا ولا تعديلا , فلو كان ثقة عنده , أو صدوقا, أو حتى صالحا , أو ضعيفا لذكر ذلك عنه , وإنما إعراضه عن إيراد الجرح والتعديل فيه دليل على انه لم يقف فيه على جرح أو تعديل , لاعن أبيه ولاعن غيره.(5)
وقد صرح في مقدمة كتابه ـ رحمه الله ـ أنه قد يذكر أسماء جماعة مهملين من حيث الجرح والتعديل , رجاء الوقوف بعد ذلك على ما ورد فيهم من جرح أو تعديل فقال:
((على أن قد ذكرنا أسماء كثيرة مهملة من الجرح والتعديل , كتبناها ليشمل الكتاب على ما رُوي عنه العلم , رجاء وجود الجرح أو التعديل فيهم , فنحن ملحقوها بهم من بعد أن شاء الله تعالى )).(6)
وعل تقدير أنه قد عرفه أبو حاتم بتعديل , فالقول , بأنه صحح حديثه يقتضي أن يكون يوسف هذا عنده ثقة , إذ إنه لا يحتج بحديث الصدوق ومن دونه , فإذا كان كذلك , فلماذا أحجم عن ذكر حاله عندما سأله ابنه عنه ؟!
وأما تصحيح الذهبي لهذا الحديث , فمبني على توثيقه ليوسف بن أبي بردة , وهذا التوثيق لم يسبقه إليه أحد من المعتبرين وإنما سبقه إليه ابن حبان والرجل غير مشهور.
وإما تصحيح ابن الجارود له , فأين نص على ذلك ؟ ... فإن كان تصحيحه بان أخرجه في (( منتقاه )) فليس بلازم أن يكون صحيحا , فقد أخرج ابن خزيمة حديث جماعة في ((صحيحه)) , وهم ضعفاء وأحاديثهم مردودة , هذا وقد صرح بان مادة كتابة كتابه الصحيح , فكيف بمن لم يصرح بذلك , وإنما اغتر البعض بقول الذهبي (( أحدايث (المنتقى) لاتنزل عن درجة الحسن إلا في الناذر))(6) , فهذا كلام مجمل , وعند المحاققة ففيه جملة من الروايات الضعيفة , وأنظر إن شئت تحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني عليه الموسوم بــ))غوث المكدود)).(7)
ثم أني قد وجدت بعد ذلك البزار والدار قطني يعلان الحديث بالتفرد.
فقال البزار :((لا نعلمه يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد)).
وقال الدار قطني في الأفراد:
((تفرد به إسرائيل عن يوسف , وتفرد به يوسف عن أبيه , وأبوه عن عائشة)).
نقله الحافظ في تخريج الأذكار.
* ثانياً: ادعاء أن العلماء قد وقفوا على متابعات تقوية إحالة على جهالة , فهذه مصنفات الحديث اليوم مبسوطة في كل عصر ومصر , ومجموعة بين طلاب العلم , فأين هذه المتابعات المفقودة , ثم إن قول البزار والدارقطني , وقبلهم الترمذي يدل على أن الحديث ليس له حديث متابعات , نعم له عدة شواهد إلا أنها واهية جداً لا ينجبر بها ضعف ولا تقوم بها حجة .
الهوامش:
1ـ درجة الصدوق ومن في رتبته من قبيل الحسن إن انتفى عنه شرط الشذوذ أو النكارة , وهذا يتحقق بروايته مالاينكر عليه , سواء بالمخالفة أو بالتفرد بما لايحتمل
2ــ إلا انك تسمع في مثل هذا المقام قول القائل: ((إن شرط الشيخين لم يشترط غخراج كل الاحاديث الصحيحة )) , وهذا ولاشك كلام جيد صحيح , ولكنها كذلك لم يكونا يتركا حديثا في باب من الابواب المهمة كهذا الباب , لاسيما وقد خرجا بعض الاخبار الصحيحة في الذكر عند دخول الخلاء , فكان الاليق بهما إخراج ماصح في الخروج من الخلاء , فاجتماعهما على تحايد هذا الحديث وغيره يدل على ماذكرناه , فالقول الذي ذكرناه في موضع الاعتراض ليس على اطلاقه , وإنما لابد من اعتبار صنيع الشيخين في تخريج أحاديث الباب , حتى يُعلم هل يُجرى عليهما هذا القول في هذه الابواب أم لا ؟.
3ــ وهذا حق فالنووي كثيرا ما يخالف الائمة في التصحيح والتحسين فيجب التنبه لهذا.
4ــ قال محقق كتاب العلل لابن أبي حاتم ((ومعلوم أن هذا ليس تصحيحا
).
5ــ كأبي زرعة.
6ـقال محقق كتاب العلل لابن أبي حاتم . بعنون كبير ((فائدة في حال الراوي المترجم له في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم بدون ذكر شيء في ترجمته جرحا أو تعديلا))
قال ابن ابي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل)
((على أن قد ذكرنا أسماء كثيرة مهملة من الجرح والتعديل , كتبناها ليشمل الكتاب على ما رُوي عنه العلم , رجاء وجود الجرح أو التعديل فيهم , فنحن ملحقوها بهم من بعد أن شاء الله تعالى )).
وهذا يُفهم منه أن ابن أبي حاتم لا يوثقه ولا يحكم بجهالته , وقد تكلم بعض أهل العلم فيمن هذا شأنه , فرأينا الشيخ عبدالفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب (( الرفع والتكميل)) يختار أنه ثقة , وكذا الشيخ احمد شاكر في مواضع كثيرة من تحقيقاته لاسيما في تخريج وتحقيق (( مسند أحمد)) ولم أطلع على كلام لإحد من المتقدمين يدل على توثيق من هذا حاله , بل على العكس من ذلك , ففي تفسير الحافظ ابن كثير موضع يدل على أنه يرى أن من هذا حاله فهو مستور كما قال في ذكره لموسى بن جبير الأنصاري : ( ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا , فهو مستور الحال )) , وهو مذهب ابن القطان كما في(( بيان الوهم والإيهام )) (3/390) .
وزبدة هذا البحث في تأييده بصنيع ابن أبي حاتم , فانه يحكم بجهالة كثير من الرواة هاهنا في ((علل الحديث)) , وهم مذكرون الجرح والتعديل بدون جرح ولا تعديل منهم:
1- رباح بن عبدالرحمن .
2- عبدالله بن عبدالمطلب العجلي .
3- عقيل بن شبيب .
4- محمد بن خالد الوهبي .
5- محمد بن أبراهم بن العلاء .
6- مسور بن يزيد المالكي.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهالة هؤلاء المذكورين في الجرح والتعديل بدون ذكر شيء فيهم من جرح أو تعديل , وان لم يدل على شيء فغاية ما يقال إن المسكوت عليهم لايعد سكوتهم في جانب تقويتهم .
7ــ هذا ماجعلتني أتتبع كتاب أحكام الشيخ الحويني في احكامه على المنتقى بالضعف ومقارنتها بكلام الذهبي , ولمَ الذهبي اطلق هذه العبارة ؟ وهل عبارة الذهبي صحيحة ؟.