عبد الكريم بن عبد الرحمن
2009-07-17, 03:29 AM
الموضوع أصله بدأ في موضوع الأخ عبد الرحمن التونسي http://majles.alukah.net/showthread.php?t=37476 (http://majles.alukah.net/member.php?u=23973)
و لكي لا نفسد موضوعه و نزولا لرغبة الأخت أضع هنا بعض فتاوي العلماء :
الدراسة في المدارس المختلطة
سؤال من الأخ المجتمع .. شادل، وم .. سيفي، والأخت خ .. بوعربي من الجزائر عن حكم الدراسة في المدارس المختلطة، وهل يجب ترك الدراسة فيها ؟ مع أن الأخت تقول إنها متحجبة وتلبس اللباس الشرعي .
لقد بيَّن الله الحدود والأحكام التي تفصل بين الرجال والنساء، وما يجب أن يكون عليه هؤلاء وهؤلاء من السلوك عندما يكونون غرباء عن بعضهم .
ومن هذه الأحكام ما يلي :
وجوب غض البصر: والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فقد خاطب الله عزوجل الرجال بقوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى" لهم (1). ثم خاطب النساء بقوله -تقدست أسماؤه-: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها (2). والحكمة في الأمر بغض البصر أنه مانع مادي ونفسي، يحول دون ميل النفس، واستنفار الحواس والجوارح لدى الجنسين، وقد بدأ الله بالأمر به قبل الأمر بحفظ الفرج، لأنه محظور قد يترتب عليه محظور آخر .
أو هو كما قال الإمام القرطبي: "الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه. وغضه واجب من جميع المحرمات" (1).
إن غض البصر قد لا يتيسر للمرء عند النظرة التي يفاجأ بها دون قصد منه، وإذا كانت هذه النظرة معفواً عنها لصعوبة دفعها، فإن من الواجب -مع ذلك- صرف النظر عنها لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري (2). وما رواه بريدة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) (3).
إن الله تعالى لما أمر المؤمنين بغض البصر بيَّن أن في ذلك تزكية لنفوسهم، وتطهيراً لقلوبهم من وساوس الشيطان وإغوائه. كما أنه عز وجل بيَّن أنه خبير بما يفعله العبد فيعلم ما توسوس به نفسه، وما يميل إليه قلبه فلا تخفى عليه خافية، وفي هذا أيضاً قال عز من قائل: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (4). وقد ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى هذه الآية: أن: "الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدَّ أن لو اطلع على فرجها"(1).
وأما الدليل من السنة في وجوب غض البصر فقول رسول الله : "إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد، إنّما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أتيتُمْ المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر" (2).
وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين الأمة في وجوب غض المسلم بصره، وحفظ فرجه عن المحرمات؛ فإلى جانب أن هذا شرع شرعه الله وحكمٌ حَكَمَ به على عباده، فهو أيضاً أساس لحفظ آداب الأمة، وضبط سلوكها، ورعاية أخلاقها، والبعد بها عن مظان الريب ومزالق الشبهات .
وأما المعقول فإن من حقائق الآداب، وضوابط السلوك ألا ينظر المرء إلى ما لا يعنيه، ولا يتطلع إلى ما ليس له فيه غاية لأن البصر دليل القلب، والقلب محرك الإحساس والجوارح تبعاً لذلك، ولا ينظر المرء إلى شيء ويتأمله إلا إذا كان له فيه غاية، وأول درجات هذه الغاية التلذذ بما يراه فيه، وقد تتطور هذه النظرة إلى تحقيق الغاية، فالذي يتأمل -مثلاً- إحدى لوحات الرسم قد يتطور إعجابه إلى شرائها، والذي تعجبه الزهرة قد يقطفها... وهكذا في الأحوال المشابهة؛ فمن ينظر إلى المرأة يتلذذ بهذه النظرة، وهنا يكمن الخوف من الخلل في قواعد الآداب وضوابط السلوك.
وقد نبه إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة. فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرِّجلُ زناها الخُطَا، والقلب يهوى ''ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذِّبه) (1).
كما نبه إلى ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فلما خرجت امرأة وهي متطيبة علاها بالدرة، ثم قال: "لا تخرجن أيتها النساء متطيبات فيجد الرجل ريحكن، وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم. اخرجن تفلات"(2).
تحريم التبرج: تدل طبائع الأشياء على أنه ما من فعل إلا ينتج منه فعل آخر مقابل، أو مغاير له ، وما من خطيئة إلا قد ينتج منها خطيئة أخرى ؛ فإظهار المرأة لزينتها ومحاسنها وسيلة إلى افتتان الرجال بها. وقد يترتب على هذا الافتتان خطيئة وفساد، لهذا نهى الله نهي تحريم عن التبرج في كافة صوره ؛ فخاطب أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفهن وطهرهن وتقواهن فقال عزوجل: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى (3).
والمراد من تشبيه التبرج بفعل الجاهلية أن النساء في ذلك الزمان كن يمشين بين الرجال وهن متبخترات مع إبداء زينتهن، مما كان وسيلة لشيوع الرذيلة وانتشار الخطيئة وذهاب عفاف المرأة وهدر كرامتها .
وتحريم التبرج لا يختص بزمان أو مكان، بل هو محرم لذاته، وغايته، ووسيلته؛ وتحريمه في هذا الزمان أدعى وآكد، لأن زينة المرأة وأنواع لباسها إذا كانت محدودة في سابق زمانها، فإنها أخطر في هذه الأزمنة، التي أصبح فيها عرض الأجساد، وعرض الأزياء شائعاً في العديد من بلاد العالم، مما يتنافى مع كرامة المرأة وشرفها.
تحريم اللين في القول: للمرأة خصائص تختلف فيها عن الرجال، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الخصائص لأن ذلك خلق الله، ولا مبدل لخلقه؛ ولأنه أعلم بهذه الخصائص فقد نهى النساء عن الخضوع في أقوالهن، وأول من خاطب سبحانه بذلك النهي أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفهن وطهرهن وتقواهن، فقال عز وجل: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (1). وهذا النهي -وإن كان المخاطبات به نساء النبي- فإن نساء الأمة مخاطبات به في كل زمان وفي كل مكان، والمراد منه تحريم اللين في القول والرقة في الصوت مع غير المحارم، حتى لا يكون ذلك مثاراً لمن ضعف إيمانه وقل حياؤه .
وينبني على هذا عدة أحكام: أولها- أنه لا يجوز للمرأة رفع صوتها في الصلاة إذا طرأ لها طارئ كما هو الحال للرجال، بل عليها التنبيه بالتصفيق. وثانيها- أنه لا يجوز لها الأذان للصلاة، ولا يجوز لها كذلك أن تؤم الرجال. وثالث الأحكام- أنه لا يجوز لها رفع الصوت بالتلبية في الحج. ورابع الأحكام- أنه لا يجوز لها الجهر بالقول في الأحوال التي تستدعي خروجها، كحضورها للوكالة أو الشهادة أو نحو ذلك .
تحريم الاختلاط: الاختلاط هو الاجتماع بين نساء ورجال غير ذوي محارم لهن، والأصل في النهي عنه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن (1). وأما السنة فعن أبي أسيد الأنصاري أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (استأخرن فليس لكن أن تَحْقُقْنَ الطريق. عليكن بحافات الطريق). قال أسيد بن مالك بن ربيعة راوي الحديث: إن المرأة كانت تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به (2).
وفي الاختلاط لا يتيسر غض البصر، وقد يحدث فيه التبرج لأن من طبيعة المرأة التزين في لباسها، وقد يحدث فيه اللين في القول، فتجتمع كل هذه المحرمات في الاختلاط فيكون أشد فتنة، وأشد تحريماً. وقد دلت الوقائع والشواهد أن الاختلاط بين الرجال والنساء من غير المحارم يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وما يحصل في المنتديات ومحلات الاختلاط يشهد على ذلك مما يعرفه العامة والخاصة .
هذا من حيث العموم. أما من حيث الاختلاط في أماكن الدراسة محل سؤال الإخوة، فالواجب ألا يكون هناك اختلاط في مدارس بلاد المسلمين؛ لأن هذا الاختلاط مدعاة للفتنة، وسبيل محتمل إلى الخطيئة، فلا أحد ينكر النزعات التي يتعرض لها الشباب من الذكور والإناث وهم في تلك المرحلة من المراهقة وعدم الإدراك .
ومن الملاحظ أن البلاد التي تبيح الاختلاط في المدارس وغيرها أصبحت تعاني من المشكلات التي تحدث بسببه، سواء في المدارس، أم في وسائل النقل، وقد بدأت بعض الجامعات الأمريكية تنشئ كليات خاصة بالفتيات لا يسمح فيها بالاختلاط، وفي اليابان وضعت الحكومة عربة خاصة للنساء من عربات السكك الحديدية وقطار الأنفاق، وذلك لتلافي ما يحدث من الرجال من تحرش بالنساء، ولم يكن هذا القرار إلا بعد الشكاوى الكثيرة التي رفعتها النساء عما يتعرضن له من الأذى بسبب الاختلاط مع الرجال .
قلت: وستجد بلاد المسلمين -التي قلدت أو تقلد البلاد التي تبيح الاختلاط- نفسها على المدى البعيد مثقلة بالمشكلات التي سوف تتراكم نتيجة هذا الاختلاط، وليس من حل يتلافى هذه المخاطر إلا بالفصل بين الجنسين، سواء في المدارس، أم وسائل النقل أم غيرها. ولا شك أن المملكة العربية السعودية هي النموذج الأمثل في هذا، حيث استطاعت التغلب على كل المعوقات، فأنشأت مدارس وكليات مستقلة للبنات. وسيظل هذا العمل مثالاً رائعاً في التمسك بالأحكام والآداب الشرعية، واقتفاء أثر السلف الصالح .
أما السؤال عما تفعله الفتاة التي تدرس في مدارس مختلطة بحكم الواقع الذي تعيشه؛ فالواجب ألا تترك دراستها، لأن هذا ترك للعلم، وقبول بالجهل، والعلم يعد واجباً لما ورد من الفضل فيه، والحث عليه مما هو معلوم من كتاب الله ومن سنة رسوله محمد .
وعلى المرأة التي اضطرها واقعها أن تعيش هذا الاختلاط أن تصبر وتحافظ على نفسها ؛ فتأتمر بما أمرها الله به من غض البصر وعدم اللين في القول، وعليها كذلك ارتداء الحجاب ونبذ التبرج، وعسى الله أن يجعل لها من أمرها يسراً، وعسى الله أن يوفق الأمة فتجعل شريعة الله أساساً في حياتها، وسلوكها، ومختلف شئونها، لأنه لن يتحقق لها عزة، ولن تكون لها كرامة، ولن تهتدي إلى قوة إلا إذا حافظت على شريعتها، واهتدت بها في مختلف الأزمنة والأمكنة.
وخلاصة المسألة: لقد بيّن الله الحدود والأحكام التي تفصل بين الرجال والنساء، وما يجب أن يكونوا عليه من السلوك عندما يكونون أجانب عن بعضهم، ومن هذه الأحكام: غض البصر، وعدم اللين في القول، وتحريم التبرج، وفي مقدمة ذلك الاختلاط لما يحدث فيه من عدم غض البصر واحتمال اللين في القول والتبرج، فيكون لهذه الأسباب أشد فتنة وأعظم في التحريم.
وفيما يتعلق بالسؤال عن الاختلاط في المدارس، فالواجب ألا يكون هناك اختلاط في مدارس المسلمين ؛ لأنه مدعاة للفتنة وسبيل محتمل للخطيئة، خاصة في تلك المراحل التي يغلب فيها على الفتيان والفتيات طابع المراهقة، ولا شك أن البلاد التي تبيح الاختلاط أصبحت تعاني من مخاطره، فأخذت تنشئ كليات خاصة بالفتيات وعربات خاصة لنقل النساء، وبلاد المسلمين التي قلدت أو تقلد البلاد التي تبيحه ستجد نفسها مثقلة بالمشكلات والمخاطر. وليس من حل يتلافى هذا إلا بالفصل بين الجنسين سواء في المدارس أم غيرها. والمملكة العربية السعودية تعد نموذجاً مثالياً في ذلك حيث استطاعت أن تفصل بينهما.
وعلى الفتاة التي اضطرها واقعها أن تعيش هذا الاختلاط أن تصبر، وألا تترك الدراسة، لأن هذا الترك ترك للعلم وقبول بالجهل، ولا شك أن العلم يعد واجباً، وعلى المرأة المحافظة على نفسها في هذه الأماكن، فتأتمر بما أمرها الله به من غض البصر، وعدم اللين في القول، وعليها ارتداء الحجاب ونبذ التبرج، فعسى الله أن يجعل لها من أمرها يسراً، وعسى الله أن يوفق الأمة فتجعل شريعة الله أساساً في حياتها وسلوكها ومختلف شئونها.
------------------
(1) سورة النور الآية 30 .
(2) سورة النور من الآية 31 .
(1) الجامع لأحكام القرآن ، ج12 ص223 .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الآداب، باب نظر الفجأة ، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ، ج7 ص320، برقم (2159) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في نظرة المفاجأة ، سنن الترمذي، ج5 ص94، برقم (2777) ، وأخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غضّ البصر، سنن أبي داود ، ج2 ص246، برقم (2149) .
(4) سورة غافر الآية 19 .
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، ج4 ص76-77 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصُّعَدَات ، فتح الباري ، ج5 ص134، برقم (2465) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب زنى الجوارح دون الفرج، فتح الباري، ج11 ص28، برقم (6243) ، وأخرجه مسلم في كتاب القدر، واللفظ له، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي ، ج9 ص30-31، برقم (2657) .
(2) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، ج4 ص370-371، باب طيب المرأة ثم تخرج من بيتها، برقم (8107) .
(3) سورة الأحزاب من الآية 33 .
(1) سورة الأحزاب الآية 32 .
(1) سورة الأحزاب من الآية 53 .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، سنن أبي داود، ج4 ص369، برقم (5272) .
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة : مسائل في الفقه
و لكي لا نفسد موضوعه و نزولا لرغبة الأخت أضع هنا بعض فتاوي العلماء :
الدراسة في المدارس المختلطة
سؤال من الأخ المجتمع .. شادل، وم .. سيفي، والأخت خ .. بوعربي من الجزائر عن حكم الدراسة في المدارس المختلطة، وهل يجب ترك الدراسة فيها ؟ مع أن الأخت تقول إنها متحجبة وتلبس اللباس الشرعي .
لقد بيَّن الله الحدود والأحكام التي تفصل بين الرجال والنساء، وما يجب أن يكون عليه هؤلاء وهؤلاء من السلوك عندما يكونون غرباء عن بعضهم .
ومن هذه الأحكام ما يلي :
وجوب غض البصر: والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فقد خاطب الله عزوجل الرجال بقوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى" لهم (1). ثم خاطب النساء بقوله -تقدست أسماؤه-: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها (2). والحكمة في الأمر بغض البصر أنه مانع مادي ونفسي، يحول دون ميل النفس، واستنفار الحواس والجوارح لدى الجنسين، وقد بدأ الله بالأمر به قبل الأمر بحفظ الفرج، لأنه محظور قد يترتب عليه محظور آخر .
أو هو كما قال الإمام القرطبي: "الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه. وغضه واجب من جميع المحرمات" (1).
إن غض البصر قد لا يتيسر للمرء عند النظرة التي يفاجأ بها دون قصد منه، وإذا كانت هذه النظرة معفواً عنها لصعوبة دفعها، فإن من الواجب -مع ذلك- صرف النظر عنها لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري (2). وما رواه بريدة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) (3).
إن الله تعالى لما أمر المؤمنين بغض البصر بيَّن أن في ذلك تزكية لنفوسهم، وتطهيراً لقلوبهم من وساوس الشيطان وإغوائه. كما أنه عز وجل بيَّن أنه خبير بما يفعله العبد فيعلم ما توسوس به نفسه، وما يميل إليه قلبه فلا تخفى عليه خافية، وفي هذا أيضاً قال عز من قائل: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (4). وقد ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى هذه الآية: أن: "الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدَّ أن لو اطلع على فرجها"(1).
وأما الدليل من السنة في وجوب غض البصر فقول رسول الله : "إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد، إنّما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أتيتُمْ المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر" (2).
وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين الأمة في وجوب غض المسلم بصره، وحفظ فرجه عن المحرمات؛ فإلى جانب أن هذا شرع شرعه الله وحكمٌ حَكَمَ به على عباده، فهو أيضاً أساس لحفظ آداب الأمة، وضبط سلوكها، ورعاية أخلاقها، والبعد بها عن مظان الريب ومزالق الشبهات .
وأما المعقول فإن من حقائق الآداب، وضوابط السلوك ألا ينظر المرء إلى ما لا يعنيه، ولا يتطلع إلى ما ليس له فيه غاية لأن البصر دليل القلب، والقلب محرك الإحساس والجوارح تبعاً لذلك، ولا ينظر المرء إلى شيء ويتأمله إلا إذا كان له فيه غاية، وأول درجات هذه الغاية التلذذ بما يراه فيه، وقد تتطور هذه النظرة إلى تحقيق الغاية، فالذي يتأمل -مثلاً- إحدى لوحات الرسم قد يتطور إعجابه إلى شرائها، والذي تعجبه الزهرة قد يقطفها... وهكذا في الأحوال المشابهة؛ فمن ينظر إلى المرأة يتلذذ بهذه النظرة، وهنا يكمن الخوف من الخلل في قواعد الآداب وضوابط السلوك.
وقد نبه إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة. فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرِّجلُ زناها الخُطَا، والقلب يهوى ''ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذِّبه) (1).
كما نبه إلى ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فلما خرجت امرأة وهي متطيبة علاها بالدرة، ثم قال: "لا تخرجن أيتها النساء متطيبات فيجد الرجل ريحكن، وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم. اخرجن تفلات"(2).
تحريم التبرج: تدل طبائع الأشياء على أنه ما من فعل إلا ينتج منه فعل آخر مقابل، أو مغاير له ، وما من خطيئة إلا قد ينتج منها خطيئة أخرى ؛ فإظهار المرأة لزينتها ومحاسنها وسيلة إلى افتتان الرجال بها. وقد يترتب على هذا الافتتان خطيئة وفساد، لهذا نهى الله نهي تحريم عن التبرج في كافة صوره ؛ فخاطب أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفهن وطهرهن وتقواهن فقال عزوجل: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى (3).
والمراد من تشبيه التبرج بفعل الجاهلية أن النساء في ذلك الزمان كن يمشين بين الرجال وهن متبخترات مع إبداء زينتهن، مما كان وسيلة لشيوع الرذيلة وانتشار الخطيئة وذهاب عفاف المرأة وهدر كرامتها .
وتحريم التبرج لا يختص بزمان أو مكان، بل هو محرم لذاته، وغايته، ووسيلته؛ وتحريمه في هذا الزمان أدعى وآكد، لأن زينة المرأة وأنواع لباسها إذا كانت محدودة في سابق زمانها، فإنها أخطر في هذه الأزمنة، التي أصبح فيها عرض الأجساد، وعرض الأزياء شائعاً في العديد من بلاد العالم، مما يتنافى مع كرامة المرأة وشرفها.
تحريم اللين في القول: للمرأة خصائص تختلف فيها عن الرجال، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الخصائص لأن ذلك خلق الله، ولا مبدل لخلقه؛ ولأنه أعلم بهذه الخصائص فقد نهى النساء عن الخضوع في أقوالهن، وأول من خاطب سبحانه بذلك النهي أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفهن وطهرهن وتقواهن، فقال عز وجل: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (1). وهذا النهي -وإن كان المخاطبات به نساء النبي- فإن نساء الأمة مخاطبات به في كل زمان وفي كل مكان، والمراد منه تحريم اللين في القول والرقة في الصوت مع غير المحارم، حتى لا يكون ذلك مثاراً لمن ضعف إيمانه وقل حياؤه .
وينبني على هذا عدة أحكام: أولها- أنه لا يجوز للمرأة رفع صوتها في الصلاة إذا طرأ لها طارئ كما هو الحال للرجال، بل عليها التنبيه بالتصفيق. وثانيها- أنه لا يجوز لها الأذان للصلاة، ولا يجوز لها كذلك أن تؤم الرجال. وثالث الأحكام- أنه لا يجوز لها رفع الصوت بالتلبية في الحج. ورابع الأحكام- أنه لا يجوز لها الجهر بالقول في الأحوال التي تستدعي خروجها، كحضورها للوكالة أو الشهادة أو نحو ذلك .
تحريم الاختلاط: الاختلاط هو الاجتماع بين نساء ورجال غير ذوي محارم لهن، والأصل في النهي عنه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن (1). وأما السنة فعن أبي أسيد الأنصاري أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (استأخرن فليس لكن أن تَحْقُقْنَ الطريق. عليكن بحافات الطريق). قال أسيد بن مالك بن ربيعة راوي الحديث: إن المرأة كانت تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به (2).
وفي الاختلاط لا يتيسر غض البصر، وقد يحدث فيه التبرج لأن من طبيعة المرأة التزين في لباسها، وقد يحدث فيه اللين في القول، فتجتمع كل هذه المحرمات في الاختلاط فيكون أشد فتنة، وأشد تحريماً. وقد دلت الوقائع والشواهد أن الاختلاط بين الرجال والنساء من غير المحارم يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وما يحصل في المنتديات ومحلات الاختلاط يشهد على ذلك مما يعرفه العامة والخاصة .
هذا من حيث العموم. أما من حيث الاختلاط في أماكن الدراسة محل سؤال الإخوة، فالواجب ألا يكون هناك اختلاط في مدارس بلاد المسلمين؛ لأن هذا الاختلاط مدعاة للفتنة، وسبيل محتمل إلى الخطيئة، فلا أحد ينكر النزعات التي يتعرض لها الشباب من الذكور والإناث وهم في تلك المرحلة من المراهقة وعدم الإدراك .
ومن الملاحظ أن البلاد التي تبيح الاختلاط في المدارس وغيرها أصبحت تعاني من المشكلات التي تحدث بسببه، سواء في المدارس، أم في وسائل النقل، وقد بدأت بعض الجامعات الأمريكية تنشئ كليات خاصة بالفتيات لا يسمح فيها بالاختلاط، وفي اليابان وضعت الحكومة عربة خاصة للنساء من عربات السكك الحديدية وقطار الأنفاق، وذلك لتلافي ما يحدث من الرجال من تحرش بالنساء، ولم يكن هذا القرار إلا بعد الشكاوى الكثيرة التي رفعتها النساء عما يتعرضن له من الأذى بسبب الاختلاط مع الرجال .
قلت: وستجد بلاد المسلمين -التي قلدت أو تقلد البلاد التي تبيح الاختلاط- نفسها على المدى البعيد مثقلة بالمشكلات التي سوف تتراكم نتيجة هذا الاختلاط، وليس من حل يتلافى هذه المخاطر إلا بالفصل بين الجنسين، سواء في المدارس، أم وسائل النقل أم غيرها. ولا شك أن المملكة العربية السعودية هي النموذج الأمثل في هذا، حيث استطاعت التغلب على كل المعوقات، فأنشأت مدارس وكليات مستقلة للبنات. وسيظل هذا العمل مثالاً رائعاً في التمسك بالأحكام والآداب الشرعية، واقتفاء أثر السلف الصالح .
أما السؤال عما تفعله الفتاة التي تدرس في مدارس مختلطة بحكم الواقع الذي تعيشه؛ فالواجب ألا تترك دراستها، لأن هذا ترك للعلم، وقبول بالجهل، والعلم يعد واجباً لما ورد من الفضل فيه، والحث عليه مما هو معلوم من كتاب الله ومن سنة رسوله محمد .
وعلى المرأة التي اضطرها واقعها أن تعيش هذا الاختلاط أن تصبر وتحافظ على نفسها ؛ فتأتمر بما أمرها الله به من غض البصر وعدم اللين في القول، وعليها كذلك ارتداء الحجاب ونبذ التبرج، وعسى الله أن يجعل لها من أمرها يسراً، وعسى الله أن يوفق الأمة فتجعل شريعة الله أساساً في حياتها، وسلوكها، ومختلف شئونها، لأنه لن يتحقق لها عزة، ولن تكون لها كرامة، ولن تهتدي إلى قوة إلا إذا حافظت على شريعتها، واهتدت بها في مختلف الأزمنة والأمكنة.
وخلاصة المسألة: لقد بيّن الله الحدود والأحكام التي تفصل بين الرجال والنساء، وما يجب أن يكونوا عليه من السلوك عندما يكونون أجانب عن بعضهم، ومن هذه الأحكام: غض البصر، وعدم اللين في القول، وتحريم التبرج، وفي مقدمة ذلك الاختلاط لما يحدث فيه من عدم غض البصر واحتمال اللين في القول والتبرج، فيكون لهذه الأسباب أشد فتنة وأعظم في التحريم.
وفيما يتعلق بالسؤال عن الاختلاط في المدارس، فالواجب ألا يكون هناك اختلاط في مدارس المسلمين ؛ لأنه مدعاة للفتنة وسبيل محتمل للخطيئة، خاصة في تلك المراحل التي يغلب فيها على الفتيان والفتيات طابع المراهقة، ولا شك أن البلاد التي تبيح الاختلاط أصبحت تعاني من مخاطره، فأخذت تنشئ كليات خاصة بالفتيات وعربات خاصة لنقل النساء، وبلاد المسلمين التي قلدت أو تقلد البلاد التي تبيحه ستجد نفسها مثقلة بالمشكلات والمخاطر. وليس من حل يتلافى هذا إلا بالفصل بين الجنسين سواء في المدارس أم غيرها. والمملكة العربية السعودية تعد نموذجاً مثالياً في ذلك حيث استطاعت أن تفصل بينهما.
وعلى الفتاة التي اضطرها واقعها أن تعيش هذا الاختلاط أن تصبر، وألا تترك الدراسة، لأن هذا الترك ترك للعلم وقبول بالجهل، ولا شك أن العلم يعد واجباً، وعلى المرأة المحافظة على نفسها في هذه الأماكن، فتأتمر بما أمرها الله به من غض البصر، وعدم اللين في القول، وعليها ارتداء الحجاب ونبذ التبرج، فعسى الله أن يجعل لها من أمرها يسراً، وعسى الله أن يوفق الأمة فتجعل شريعة الله أساساً في حياتها وسلوكها ومختلف شئونها.
------------------
(1) سورة النور الآية 30 .
(2) سورة النور من الآية 31 .
(1) الجامع لأحكام القرآن ، ج12 ص223 .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الآداب، باب نظر الفجأة ، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ، ج7 ص320، برقم (2159) .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في نظرة المفاجأة ، سنن الترمذي، ج5 ص94، برقم (2777) ، وأخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غضّ البصر، سنن أبي داود ، ج2 ص246، برقم (2149) .
(4) سورة غافر الآية 19 .
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، ج4 ص76-77 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصُّعَدَات ، فتح الباري ، ج5 ص134، برقم (2465) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب زنى الجوارح دون الفرج، فتح الباري، ج11 ص28، برقم (6243) ، وأخرجه مسلم في كتاب القدر، واللفظ له، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي ، ج9 ص30-31، برقم (2657) .
(2) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، ج4 ص370-371، باب طيب المرأة ثم تخرج من بيتها، برقم (8107) .
(3) سورة الأحزاب من الآية 33 .
(1) سورة الأحزاب الآية 32 .
(1) سورة الأحزاب من الآية 53 .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، سنن أبي داود، ج4 ص369، برقم (5272) .
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة : مسائل في الفقه