المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موعظة خاطفة !



أبو المظَفَّر السِّنَّاري
2009-07-05, 09:31 PM
ماذا ينفع العلم إذا كان بلا عمل ! وماذا يُجْدي حسن العمل إذا كان بلا إخلاص ؟
بالله دعونا من كل شيئ الآن ! واصرفوا عنا مشاغل تلك الأزمان !
فمنذ قليل : اتصل بي بعض أصحابنا هاتفيا : وأخبرني أن هناك امرأة - هي أم صديق له مسافر - قد وافتْها المنيًّة صبيحة هذا اليوم ! وليس هناك أحد من محارمها أصلا ! اللهم إلا ابنتها وحدها ! وهي لا تدري ماذا تفعل !
فسرعان : ما ذهبتُ إليه ، وأتينا بغاسلة من الفاضلات ، وحملنا المغسلة من المسجد إلى بيت المتوفاة ، وشرع صاحبنا بالقيام بمهام التصريح بالدفن ، وإحضار العربة التي سوف تنقلها وإيانا .
ولما انتهت الغاسلة من التغسيل : شرعنا في حملها إلى أقرب مسجد ، ثم صلينا عليها .
وذهبنا إلى مقابر النخَّال خلف مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة .
وهناك : لم نجد أحدا من محارم تلك المرأة ؛ كي يقوم بإنزالها ، وتسوية مدفنها !
أتصدقون ذلك ؟ لم يكن معنا غير ابنتها الوحيدة ، وبعض جيران المرأة من النساء !
وهنا : اضطررتُ لحمل المرأة ، والنزول بها إلى أسفل قبرها ! حيث شاهدتْ عيني تلك الأجساد الراقدة ، وأبصر ناظري بقايا هاتيك الأجسام الهامدة ! ولم يكن تلك أول مرة أنزل فيها قبرا !
فوالله ما أدري ما أصابني ؟ فلقد صَغُرتْ الدنيا في عيني حتى كدتُ لا أرى إلا نفسي ووَهِيجَ القبور ! وصُكَّ مسْمَعي حتى ما أستطيع أسمع سوى زفرات جهنم وحسيسها !
فيا ويلي وويل أمي من عذاب يومئذٍ ! ويا سوء حالي ، وقبيح فعالي من خالقي ومولاي .
هذا يُناديني بـ : ( الفاضل ) ! وليس الفضل مني ولا أنا منه في شيئ !
وآخر يقول عني : (يا شيخنا ) ! وأنا بيني وبين المشيخة كما بين السحاب والسراب !
وهؤلاء معذرون لا محالة ! قد حملهم حسن الظن بأخيهم على أن يصفوه بما هو بعيد عنه !
وليس يعرف دخيلتي سوى خالقي ، وليس يدري جرائمي غير مولاي وسيدي .
والله : لو كانت للذنوب رائحة ، ما استطاع أحد مجالستي !
فبالله : أيُّ لذة تطيب يكون بعدها زُقُّوم الموت ؟ وأيُّ شهوة تستقيم وقد صرخ فيَّ هاذم اللذات بالدرك قبل الفوت ! ولكن لا زلت لا أسمع ذلك الصوت !
تالله ما أجد عندي من الخيرات ما أتبجَّح به وأقول : ربي اغفر لي كذا بكذا !؟
ووالله لا أكاد أدري ؟ على أيِّ شيئ أذَرُ العيون تذرف وتبكي !؟
وحتى متى سأظل سادرًا في غفوتي ، غارقا في بحور عِثاري وغفلتي ؟
بالله : من يكون شفيعي عند ربي وأكون له خادمًا ؟
بل من يدرأ عني ملامات خالقي وأصير له عبدًا ؟
ومَنْ مِنْ عذاب غدٍ يخلِّصني ؟ ومن ظلمة القبر من يُبْعدني ويُنْجِيني ؟
لو كانت أوضاري مما تُغْسل بالدموع السوافك ما رغبتُ عن إراقة مُهْجتي ! فضلا عن نوازف أدْمُعي !
ولكن المصيبة : أنْ ليس أحدٌ سوف يتحمَّل جرائري سُواي !
فاللهم قد ساءت الظنون من أهل الأرض إلا ما شاء الله ، وانطبق الصدر على غمٍّ عظيم لا يكاد يبرحني !
فمن لي بمن يدفع عني بعض تلك الأسقام ؟ وأين لي بتلك الغلائل التي تتكسر دونها الخطوب العظام؟
وغدا أموت ! وماذا بعد الموت ؟ فيا طول عنائي مما أعانيه ، ويا كثرة أحزاني مما أنا فيه .
وختاما أقول :
ويلٌ لمنْ لم يرحمِ الله *** ومَنْ تكون النار مثواه .
كأنه قد قيل في مجلسٍ *** كنتُ آتيهِ وأغشاه .
مات سعيدٌ بغتةًّ *** يرحمنا الله وإيَّاه .
يرحمنا الله وإيَّاه .

ابومصعب الكويتي
2009-07-07, 12:03 AM
اثابك الله على هذه الموعظة...

فتح البارى
2009-10-03, 09:01 AM
بارك الله فيك

أبو المظَفَّر السِّنَّاري
2009-10-05, 08:07 PM
بارك الله في الجميع.

القارئ المليجي
2010-10-04, 02:50 PM
نسأل الله عز وجل أن يعاملنا جميعًا بلطفه ورحمته.

ابو عبد الاله المسعودي
2010-10-05, 01:20 AM
بارك الله فيك ..موعظة بليغة .. مُوجِلَة مُخَوِّفَة
و إني أحببتُ أن أذيّلها بأشعار في الرجاء ،لأن المؤمن في سيره إلى الله ؛ بمنزلة الطائر.. والخوف و الرجاء جناحاه:
//////
يـارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد عـلمت بأن عفوك أعظم
إن كـان لا يرجوك إلا مـحسن
فبمن يـلوذ ويستجير المجرم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعا
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مــالي إليك وسيلــة إلا الرضا
وجميل عــفوك ثم أني مسلم
//////
فففربـّاهققق
(في رحلة الإيمان .. الحج 2000م )
للدكتور فاضل السامرائي
//////
سعيت ولم أركب إليك النّواجيا =وجئتك يا ربّاه رَجلان حافيا
يسابقني قلبي إليك وخاطري =مغذا إليك السّير هيمان صاديا
جفوت منامي والخليّون هجع =نيام ولكن الكرى ما اهتدى ليا
وناموا وما نامت عيون مسهّد = يبيت طوال الليل يقظان صاحيا
فزعت إلى مولاي أطرق بابه = وأستصرخ الرّحمن أن يفتحنْ ليا
فهل يفتح المولى لمثلي بابه = وقد جئته صفرا من البِرِّ عاريا
وهل يغسل الأوضار صب مدامع =وقد كنّّ سودن السّنين الخواليا
أتيت إلى الرحمن أطلب عفوه = وقائمة الأوزار ملأى كما هيا
فهل يقبل الديّان مني رجعة = وبي من كبير الإثم والذنب ما بيا
علمت بأن الله يقبل عبده =إذا جاء توابا، وقد جئت ساعيا
منيبا إلى ربي ليقبل توبتي =وقد قيل لي: لا يطرد الله آتيا
فيا رب لا تطرد ذليلا مضيقا=هوى مستجيرا عند بيتك جاثيا
ويمسح مسكوبا على الخد جاريا =يلوذ برب البيت والركن خائفا
أيرجع مطرودا وقد خاب ظنه = وقد كان حسن الظن كل رجائيا؟
وأنت الذي قد طبق الكون جوده = وليس جواد في الحقيقة ثانيا
لقد قيل فيما قبل من شعرِ مَنْ مضى= "ومن قصد البحر استقل السواقيا"
فكيف، وقد جئت الذي أوجد الورى =وعم نداه الكائنات الثمانيا
فما من مجير غير حلمك سيدي = وما من مجيب غير فضلك داعيا
فحسبي ربي أن أفوز بنظرة = وحسبي ربي أن تكوننْ راضيا
فيا ليت شربي غير ودك غصّة = ويا ليت شربي من ودادك صافيا

القارئ المليجي
2010-10-05, 09:37 AM
ما شاء الله ... رائعة.

وأستسمحُك في هذه المواضع .. إعادة النظر:
= أدعوك ربي كما أمرت تضرعا
صوابها: أدعوك ربِّ كما أمرت تضرعا
= وحسبي ربي أن تكوننْ راضيا
صوابها: وحسبي ربي أن تكوننَّ راضيا
- - -
= قول الشاعر: وأستصرخ الرّحمن أن يفتحنْ ليا
لا أدري لم أكَّد الفعل بالنون الخفيفة هنا والثقيلة في (أن تكوننَّ) وليس هذا موضع توكيد الفعل المضارع.

ابو عبد الاله المسعودي
2010-10-06, 02:31 AM
ما شاء الله ... رائعة.
وأستسمحُك في هذه المواضع .. إعادة النظر:
= أدعوك ربي كما أمرت تضرعا
صوابها: أدعوك ربِّ كما أمرت تضرعا

* بارك الله فيك على التصويب .. و كذلك هو في: "ديوان أبي نواس-جمع حمزة بن الحسن الأصفهاني"-المطبعة العمومية بمصر 1898م اعتنى به محمود أفندي واصف ؛ ص199
لطيفة:
قيل أن أبا نواس رُئي في النّوم، وسُئل عمّا فُعل به، فقال: غُفر لي بسبب الأبيات التي أولها: "يا رب إن عظمت ذنوبي" .
** أما قصيدة الدكتور فاضل السّامرائي، فليس بين يديّ مصدرها لأوثقها منه .. وإن كنتُ أثق بتصويبكم؛ فقد نمُي إلي أن القارئ المليجـي -حفظه الله- شاعرٌ و عروضيٌّ ..
*** أما نقدكم لتوكيده الفعل المضارع بالنون(الخفيفة و الثقيلة) في غير محلّه ..فهذا أيضا من صناعتكم.. وناقلُ قصيدته، بضاعتُه في النّحو مزجاة، وما ثقفه منه في أيّام الطّلب، أتتْ عليه الأيّام، وأكل عليه الدّهر و شرب.