مشاهدة النسخة كاملة : بعض العصاة أقوى توكلا من بعض أهل الطاعة واشكال في كلام ابن رجب حول كمال التوكل
أبو عبدالرحمن بن ناصر
2009-05-08, 07:41 PM
قال ابن القيم في ( مدارج السالكين ) - (ج 3 / ص 187) ( [ومنهم ] من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات ولهذا يلقون أنفسهم في المتالف والمهالك معتمدين على الله أن يسلمهم ويظفرهم بمطالبهم )
وقال في الفوائد ( وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب علي الله وحده فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون اليها كما لا ينفعه قوله توكلت علي الله مع اعتماده على غيره وركونه اليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء وتوبة القلب وان لم ينطق اللسان شيء فقول العبد توكلت على الله مع اعتماد قلبه على غيره مثل قوله تبت الي الله وهو مصر على معصيته مرتكب لها )
وقال ابن تيمية في جامع المسائل ( (ومن سره أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله ) )
الاشكال في كلام ابن رجب في شرحه على الأربعين
حيث قال : ( فمن رزقه الله صدق يقين وتوكل ، وعَلِمَ من الله أنَّه يَخرِقُ له العوائد ، ولا يُحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه ، جاز له تَركُ الأسباب ، ولم يُنكر عليه ذلك ، وحديث عمر هذا الذي نتكلم عليه يدلُّ على ذلك )
و جزاكم الله خيرا
السكران التميمي
2009-05-08, 09:47 PM
لعل كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله المراد به مرحلة متقدمة من اليقين والتعلق الصادق، والذي لا يستطيعه أكثر الناس، والتي معها أصبح هذا الشخص عنده نوع من الشعور الداخلي الذي يعلم به من شدة تعلقه بالله أن الله تعالى كافيه ومسهل أمره وفاتح مغاليق قدره سبحانه، وهذا ما يسمى (صدق اليقين) وهي نوع من المكاشفة المحمودة، ويشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير..." الحديث.
وبهذا يزول الإشكال بإذن الله تعالى، والله تعالى أعلم
أبو عبدالرحمن بن ناصر
2009-05-09, 06:56 PM
لعل كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله المراد به مرحلة متقدمة من اليقين والتعلق الصادق، والذي لا يستطيعه أكثر الناس، والتي معها أصبح هذا الشخص عنده نوع من الشعور الداخلي الذي يعلم به من شدة تعلقه بالله أن الله تعالى كافيه ومسهل أمره وفاتح مغاليق قدره سبحانه، وهذا ما يسمى (صدق اليقين) وهي نوع من المكاشفة المحمودة، ويشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير..." الحديث.
وبهذا يزول الإشكال بإذن الله تعالى، والله تعالى أعلم
جزاكم الله خيرا ونفع بكم وهو توجيه ابن رجب لكنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
الحافظة
2009-05-09, 07:22 PM
أقسام الأعمال من جهة التوكل:
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 1/495
1-" أحدها : الطاعات التي أمر الله عباده بها وجعلها سببا للنجاة من النار ودخول الجنة؛ فهذا لابد من فعله، مع التوكل على الله فيه، والاستعانة به عليه؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فمن قَصَّر في شيء مما وجب عليه من ذلك؛ استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدراً، قال يوسف بن أسباط:" يقال اعمل عمل رجلٍ لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كُتِبَ له".
2- والثاني ما أجري الله العادة به في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه؛ كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، والتدفؤ من البرد، ونحو ذلك؛ فهذا أيضا واجب على المرء تعاطي أسبابه، وَمَنْ قَصَّرَ فيه حتى تضرر بتركه –مع القدرة على استعماله-؛ فهو مُفَرِّط؛ لكن الله سبحانه وتعالى قد يُقَوِّي بعض عباده من ذلك مالا يقوى عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره؛ فلا حرج عليه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم - يواصل في صيامه، وينهى عن ذلك أصحابه، ويقول لهم:" إني لست كهيئتكم، إني أُطْعَمُ، وأُسقى"،... والأظهر أنه أراد بذلك: أن الله يَقُوْتُهُ، ويُغَذِّيِهِ بما يُوْرِدُهُ على قلبه من الفتوح القُدْسِية، والمِنَح الإلهية، والمعارف الربانية، التي تغنيه عن الطعام والشراب بُرْهَة من الدهر؛ كما قال القائل(8):
لها أحاديث من ذكــراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء بــه وقت المسير وفي أعقابها حادي
إذا اشتكت من كلال السير أوعدها روح القدوم فتحيا عند ميعاد
3-القسم الثالث: ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب، وقد يخرق العادة في ذلك لمن شاء من عباده، وهو أنواع، منها :
- ما يخرقه كثيرا ويغني كثيرا من خلقه؛ كالأدوية بالنسبة إلى كثير من البلدان، وسكان البوادي ونحوها".
- ومنها ما يخرقه لقليل من العامة؛ كحصول الرزق لمن ترك السعي في طلبه، فمن رزقه الله صدق يقين وتوكل، وعلم من الله أن يخرق له العوائد ولا يحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق، ونحوه؛ جاز له ترك الأسباب، ولم ينكر عليه ذلك، وحديث عمر هذا الذي نتكلم عليه يدل على ذلك.
... أقول وهذا لايكون لكل أحد كما قال رحمه الله إلا لمن رُزق صدق اليقين وكمُل توكله ...
وقال رحمه الله في موضع آخر :
"واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل؛ فالسعي في الأسباب بالجوارح: طاعة له، والتوكل بالقلب عليه: إيمان به؛ قال الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم [النساء]، وقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..)[الأنفال]، وقال: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) [الجمعة].
قال سهل التستري: من طعن في الحركة- يعني في السعي والكسب-؛ فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل؛ فقد طعن في الإيمان؛ فالتوكل حال النبي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ، والكسب سنته؛ فمن عمل على حاله؛ فلا يتركن سنته".
أم معاذة
2009-05-09, 09:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو أن يتفضل أحد ويشرح لي كلام ابن القيم المنقول في بداية الموضوع .
السكران التميمي
2009-05-09, 11:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو أن يتفضل أحد ويشرح لي كلام ابن القيم المنقول في بداية الموضوع .
هنا يبين الشيخ رحمه الله صنفا آخر من أصناف المتوكلين على الله تعالى، حيث أن مجرد التوكل غير مختص بالصالحين من الخلق، أو بالصالح من الأعمال، بل قد يتوكل عليه سبحانه شرار الخلق، على شر الأعمال.
فلذلك قال رحمه الله في بدايات كلامه: (وعموم التوكل ووقوعه: من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم).
ثم بين الحد الفاصل بين توكل هؤلاء بعضهم البعض؛ وأنه متعلق هذا التوكل، فقال: (وإن تباين متعلق توكلهم فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في حصول ما عليه الإيمان ونصرة دينه...)
إلى أن قال: (ودون هؤلاء _ أي في متعلق التوكل _ من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش...)
وهم وإن كانت مطالبهم فاسدة، لكنهم موقنين أنهم لن ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه، فإذا اتفقت جرأتهم وتوكلهم على الله كان الناتج أن يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحابات الطاعات،لأنهم قد يترددون في الأمر، فلذلك هؤلاء قد يلقون أنفسهم في المهالك، ويتلفون أنفسهم بسبب ما أقدموا عليه، وذلك اعتمادا منهم على أن الله سيسلمهم من أجل توكلهم عليه.
والله تعالى أعلم
الحافظة
2009-05-09, 11:59 PM
هنا يبين الشيخ رحمه الله صنفا آخر من أصناف المتوكلين على الله تعالى، حيث أن مجرد التوكل غير مختص بالصالحين من الخلق، أو بالصالح من الأعمال، بل قد يتوكل عليه سبحانه شرار الخلق، على شر الأعمال.
فلذلك قال رحمه الله في بدايات كلامه: (وعموم التوكل ووقوعه: من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم).
ثم بين الحد الفاصل بين توكل هؤلاء بعضهم البعض؛ وأنه متعلق هذا التوكل، فقال: (وإن تباين متعلق توكلهم فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في حصول ما عليه الإيمان ونصرة دينه...)
إلى أن قال: (ودون هؤلاء _ أي في متعلق التوكل _ من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش...)
وهم وإن كانت مطالبهم فاسدة، لكنهم موقنين أنهم لن ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه، فإذا اتفقت جرأتهم وتوكلهم على الله كان الناتج أن يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحابات الطاعات،لأنهم قد يترددون في الأمر، فلذلك هؤلاء قد يلقون أنفسهم في المهالك، ويتلفون أنفسهم بسبب ما أقدموا عليه، وذلك اعتمادا منهم على أن الله سيسلمهم من أجل توكلهم عليه.
والله تعالى أعلم
... جزاكم الله خيرا شيخنا على هذا التوضيح وجعله الله في ميزان حسناتكم ...
أبو القاسم
2009-05-10, 12:56 AM
ليس ثم إشكال في أن توكل بعض العصاة أقوى من توكل بعض أهل الطاعات
بل هذا مشاهد ملموس..مثاله..
أني أعرف رجلاً يصاحب الفتيات ويدخن..كان يوما مع أخي يأكلان
فسقط في إنائه ذبابه فاشمأز..فقال له أخي :النبي قال إذا سقط الذباب في إناء أحدكم..الحديث
فقال له الرجل:أسألك بالله هل قال النبي ذلك؟
قال أخي:نعم..
فما كان منه إلا أن غمس الذبابة ثم ألقاها..وشرب الشراب
هذا الموقف حصل مع بعض المشايخ وهم يعلمون الحديث..
ولم يستطيعوا ما فعله هذا الذي يقال له فاسق..
كما أن التوكل عمل قلبي..فهو مما يتفاوت فيه الناس..كأي عمل آخر
أما كلام ابن رجب..فلا يسلّم به
وهو نفس كلام الغزالي في الإحياء
والله أعلم
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 12:18 PM
بارك الله في الجميع
عندما تتكلم هذه الطائفة كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله ممن جمع بين الخير الذي عند الصوفية المتقدمين والهدي النبوي
فقد يخفى علينا غور بعض كلامهم ونستنكره بادي الرأي والنظر
فإذا دققنا النظر انكشفت لنا درجة الكمال التي وصل إليها القوم
فهذا الذي ذكره الزين ابن رجب مأثور عن السلف كأحمد وإسحاق وغيرهما وليس فيه مخالفة أو دعوى لترك الأسباب فقد فصل رحمه الله في مسألة الأسباب كثيرا وفرق بين الأسباب الواجبة والمندوبة وعكسها والأسباب المباحة التي تترك لمصلحة أعظم منها وعكسها إلى غير ذلك وقد أخذ هذا من شيخه ابن القيم رحمه الله ...
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 12:19 PM
قال رحمه الله في جامع العلوم بعد أن ذكر هذه الدرجة وهي درجة الصدق في التوكل:
"وله في ذلك أسوة بإبراهيم الخليل عليه السلام حيث ترك هاجر وابنها إسماعيل بواد غير ذي زرع وترك عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء فلما تبعته هاجر وقالت له إلى من تدعنا قال لها إلى الله قالت رضيت بالله وهذا كان يفعله بأمر الله ووحيه فقد يقذف الله في قلوب بعض أوليائه من الإلهام الحق ما يعلمون أنه حق ويثقون به
قال المروزي قيل لأبي عبدالله أي شيء صدق التوكل على الله قال أن يتوكل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلا
قال وذكرت لأبي عبدالله التوكل فأجازه لمن استعمل فيه الصدق
قال وسألت أبا عبدالله عن رجل جلس في بيته ويقول أجلس وأصبر ولا أطلع على ذلك أحدا وهو يقدر أن يحترف قال لو خرج فاحترف كان أحب إلي وإذا جلس خفت أن يحوجه إلى أن يكون يتوقع أن يرسلوا إليه بشيء قلت فإذا كان يبعث إليه بشيء فلا يأخذه قال هذا جيد
قلت لأبي عبدالله إن رجلا بمكة قال لا آكل شيئا حتى يطعمني ربي ودخل في جبل أبي قبيس فجاء إليه رجلان وهو متزر بخرقة فألقيا إليه قميصا وأخذا بيده فألبساه القميص ووضعا بين يديه شيئا فلم يأكل حتى وضعا مفتاحا حديدا في فيه وجعلا يدسان في فمه فضحك أبو عبدالله وجعل يتعجب
قلت لأبي عبدالله إن رجلا ترك البيع والشراء وجعل على نفسه أن لا يقع في يده ذهب ولا فضة وترك دوره فلم يأمر فيها بشيء وكان يمر في الطريق فإذا رأي شيئا مطروحا أخذ بيده مما قد ألقي قال المروزي قلت للرجل مالك حجة على هذا غير أبي معاوية الأسود قال بل أويس القرني كان يمر بالمزابل فيلتقط الرقاع فصدقه أبو عبدالله قال قد شدد على نفسه ثم قال لقد جاءني البقلي ونحوه فقلت لهم لو تعرضتم للعمل تشهرون أنفسكم قال وإيش ينالني من الشهرة
وروى أحمد بن الحسين بن حسان عن أحمد أنه سئل عن رجل يخرج إلى مكة بغير زاد فقال إن كنت تطيق وإلا فلا تخرج إلا بزاد وراحلة لا تخاطر قال أبو بكر الخلال يعني إن أطاق وعلم أنه يقوي على ذلك ولا يسأل ولا يستشرف نفسه لأن يأخذ أو يعطي فيقبل فهو متوكل على الصدق وقد أجاز العلماء التوكل على الصدق قال وقد حج أبو عبدالله وكفاه في حجته أربعة عشر درهما
وسئل إسحاق ابن راهويه هل للرجل أن يدخل المفازة من غير زاد فقال إن كان الرجل مثل عبدالله بن جبير فله أن يدخل المفازة بغير زاد وإلا لم يكن له أن يدخل ومتي كان الرجل ضعيفا وخشي على نفسه أن لا يصبر أو يتعرض للسؤال أو أن يقع في الشك والسخط لم يجز له ترك الأسباب حينئذ وأنكر عليه غاية الإنكار كما أنكر الإمام أحمد وغيره على من ترك الكسب وعلي من دخل المفازة بغير زاد وخشي عليه التعرض للسؤال
وقد روى عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فيحجون فيأتون مكة فيسألون الناس فأنزل الله هذه الآية وتزودوا فإن خير الزاد التقوى البقرة وكذلك قال مجاهد وعكرمة والنخعي وغير واحد من السلف
فلا يرخص في ترك السبب بالكلية إلا لمن انقطع قلبه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكلية وقد روى عن أحمد أنه سئل عن التوكل فقال قطع الاستشراف باليأس من الخلق فسئل عن الحجة في ذلك فقال قول إبراهيم عليه السلام لما عرض له جبريل وهو يرمي في النار فقال له ألك حاجة فقال أما إليك فلا
وظاهر كلام أحمد أن الكسب أفضل بكل حال فإنه سئل عمن يقعد ولا يكتسب ويقول توكلت على الله فقال ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب
وروى الخلال بإسناده عن الفضيل بن عياض أنه قيل له لو أن رجلا قعد في بيته زعم أنه يثق بالله فيأتيه رزقه قال إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنه وثق به لم يمنعه شيء أراده ولكن لم يفعل ذلك الأنبياء ولا غيرهم وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم وكان النبي صلى الله عليه و سلم يؤجر نفسه وأبو بكر وعمر ولم يقولوا نقعد حتى يرزقنا الله عز و جل وقال الله عز و جل فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله الجمعة ولابد من طلب المعيشة
وقد روى عن بشر ما يشعر بخلاف هذا فروى أبو نعيم في الحلية أن بشر سئل عن التوكل فقال اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب فقال له السائل فسره لنا فقال بشر: اضطراب بلا سكون رجل تضطرب جوارحه وقلبه ساكن إلى الله لا إلى عمله وسكون بلا اضطراب رجل ساكن إلى الله بلا حركة وهذا عزيز وهو من صفات الأبدال
وبكل حال فمن لم يصل إلى هذه المقامات العالية فلا بد له من معاناة الأسباب لا سيما من له عيال لا يصبرون وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت وكان بشر يقول لو كان لي عيال لعملت واكتسبت وكذلك من ضيع بتركه الأسباب حقا له ولم يكن راضيا بفوات حقه فإن هذا عاجز مفرط وفي مثل هذا جاء قول النبي صلى الله عليه و سلم المؤمن القوي.....الخ كلامه رحمه الله
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 12:24 PM
فهذا كلام طويل محرر منه وله سلف في ذلك وليس بمتفرد به
وقال رحمه الله في لطائفه:
"و أما إذا قوي التوكل على الله تعالى والإيمان بقضائه وقدره فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادا على الله ورجاء منه أن لا يحصل به ضرر ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك لا سيما إذا كان مصلحة عامة أو خاصة وعلى مثل هذا يحمل الحديث الذي خرجه أبو داود و الترمذي أن النبي صلى الله عليه و سلم: أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال :"كل باسم الله ثقة بالله و توكلا عليه".
وقد أخذ به الإمام أحمد وقد روي نحو ذلك عن عمر و ابنه عبد الله وسلمان رضي الله عنهم
ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه : من أكل السم
ومنه : مشى سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني بالجيوش على متن البحر .
ومنه : أمر عمر رضي الله عنه لتميم حيث خرجت النار من الحرة أن يردها فدخل إليها في الغار التي خرجت منه
فهذا كله لا يصلح إلا لخواص من الناس قوي إيمانهم بالله وقضائه و قدره وتوكلهم عليه وثقتهم به
ونظير ذلك دخول المغاور بغير زاد لمن قوي يقينه وتوكله خاصة وقد نص عليه أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة
وكذلك ترك التكسب والتطبب كل ذلك يجوز عند أحمد لمن قوي توكله فإن التوكل أعظم الأسباب التي تستجلب بها المنافع وتدفع بها المضار
كما قال الفضيل : لو علم الله إخراج المخلوقين من قلبك لأعطاك كل ما تريد
وبذلك فسر الإمام أحمد التوكل فقال: هو قطع الإستشراف باليأس من المخلوقين قيل له : فما الحجة فيه ؟ قال : قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام لما ألقي في النار فعرض له جبريل عليه السلام فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا
فلا يشرع ترك الأسباب الظاهرة إلا لمن تعوض عنها بالسبب الباطن و هو تحقيق التوكل عليه فإنه أقوى من الأسباب الظاهرة لأهله و أنفع منها ....".
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 12:45 PM
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارجه عند سرده تعريفات التوكل:
" وقيل : هو ترك كل سبب يوصلك إلى مسبب حتى يكون الحق هو المتولي لذلك
وهذا صحيح من وجه باطل من وجه فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ".
وقد تقدم أن ابن رجب لا يجيز ترك الأسباب الواجبة المأمور بها
وقال ابن القيم أيضا:
"قوله : وغض العين عن التسبب اجتهادا في تصحيح التوكل معناه : أنه يعرض عن الاشتغال بالسبب لتصحيح التوكل بامتحان النفس لأن المتعاطي للسبب قد يظن أنه حصل التوكل ولم يحصله لثقته بمعلومه فإذا أعرض عن السبب صح له التوكل
وهذا الذي أشار إليه : مذهب قوم من العباد والسالكين وكثير منهم كان يدخل البادية بلا زاد ويرى حمل الزاد قدحا في التوكل ولهم في ذلك حكايات مشهورة وهؤلاء في خفارة صدقهم وإلا فدرجتهم ناقصة عن العارفين ومع هذا فلا يمكن بشرا ألبتة ترك الأسباب جملة
فهذا إبراهيم الخواص كان مجردا في التوكل يدقق فيه ويدخل البادية بغير زاد وكان لا تفارقه الإبرة والخيط والركوة والمقراض فقيل له : لم تحمل هذا وأنت تمنع من كل شيء فقال : مثل هذا لا ينقص من التوكل لأن لله علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد فربما تخرق ثوبه فإذا لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته وإذا لم يكن معه ركوة فسدت عليه طهارته وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته
أفلا تراه لم يستقم له دينه إلا بالأسباب أو ليست حركة أقدامه ونقلها في الطريق والاستدلال على أعلامها إذا خفيت عليه من الأسباب
فالتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلا وشرعا وحسا
نعم قد تعرض للصادق أحيانا قوة ثقة بالله وحال مع الله تحمله على ترك كل سبب مفروض عليه كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة ويكون ذلك الوقت بالله لا به فيأتيه مدد من الله على مقتضى حاله ولكن لا تدوم له هذه الحال وليست في مقتضى الطبيعة فإنها كانت هجمة هجمت عليه بلا استدعاء فحمل عليها فإذا استدعى مثلها وتكلفها لم يجب إلى ذلك وفي تلك الحال : إذا ترك السبب يكون معذورا لقوة الوارد وعجزه عن الاشتغال بالسبب فيكون في وارده عون له ويكون حاملا له فإذا أراد تعاطي تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في المحال
وكل تلك الحكايات الصحيحة التي تحكي عن القوم فهي جزئية حصلت لهم أحيانا ليست طريقا مأمورا بسلوكها ولا مقدورة وصارت فتنة لطائفتين
/// طائفة ظنتها طريقا ومقاما فعملوا عليها فمنهم من انقطع ومنهم من رجع ولم يمكنه الاستمرار عليها بل انقلب على عقبيه
/// وطائفة قدحوا في أربابها وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل مدعين لأنفسهم حالا أكمل من حال رسول الله وأصحابه إذ لم يكن فيهم أحد قط يفعل ذلك ولا أخل بشيء من الأسباب وقد ظاهر بين درعين يوم أحد ولم يحضر الصف قط عريانا كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة واستأجر دليلا مشركا على دين قومه يدله على طريق الهجرة وقد هدى الله به العالمين وعصمه من الناس أجمعين وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد وجميع أصحابه وهم أولوالتوكل حقا وأكمل المتوكلين بعدهم : هو من اشتم رائحة توكلهم من مسيرة بعيدة أو لحق أثرا من غبارهم فحال النبي وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها بها يعلم صحيحها من سقيمها فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم من بعدهم فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب وأن يعبد الله في جميع البلاد وأن يوحده جميع العباد وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد فملؤا بذلك التوكل القلوب هدى وإيمانا وفتحوا بلاد الكفر وجعلوها دار إيمان وهبت رياح روح نسمات التوكل على قلوب أتباعهم فملأتها يقينا وإيمانا فكانت همم الصحابة رضى الله عنهم أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعى فيجعله نصب عينيه ويحمل عليه قوى توكله..".
وقال أبو العباس ابن تيمية في المجموع:
"وقد تكلم الناس في حمل الزاد في الحج وغيره من الأسفار فالذي مضت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وأكابر المشايخ هو حمل الزاد لما في ذلك من طاعة الله ورسوله وانتفاع الحامل ونفعه للناس .
وزعمت طائفة أن من تمام التوكل ألا يحمل الزاد وقد رد الأكابر هذا القول كما رده الحارث المحاسبي في كتاب التوكل وحكاه عن شقيق البلخي وبالغ في الرد على من قال بذلك وذكر من الحجج عليهم ما يبين به غلطهم وأنهم غالطون في معرفة حقيقة التوكل وأنهم عاصون لله بما يتركون من طاعته وقد حكي لأحمد بن حنبل أن بعض الغلاة الجهال بحقيقة التوكل كان إذا وضع له الطعام لم يمد يده حتى يوضع في فمه وإذا وضع يطبق فمه حتى يفتحوه ويدخلوا فيه الطعام فأنكر ذلك أشد الإنكار ومن هؤلاء من حرم المكاسب ..".
فهذه مذاهب العلماء وأقوالهم بين أيديكم فلا ينكر على ابن رجب رحمه الله ما صار إليه والله أعلم
أبو القاسم
2009-05-10, 01:05 PM
أخي الفاضل أمجد..حفظه الله ونفع به
ظاهر كلام العبارة المنقولة..لا يسلم بها..وهي مشكلة حقا
ولم يخف علي حين قلت ذلك ما تفضلتَ به
وأما تفاصيل الكلام على النحو الذي نقلت..فهذا شيء آخر
سأناقشه لاحقا..
قلتم حفظكم الله
دعوى لترك الأسباب
والأصح :دعوة..
وابن رجب لم يبلغ مرتبة ابن القيم في فقه القلوب وهذه الأشياء
والله أعلم
أم معاذة
2009-05-10, 01:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل السكران التميمي جزاكم الله خيرا.
[ومنهم ] من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه
*هل يفهم من هذا أنه يمكن نيل المعاصي بالتوكل على الله والاستعانة به سبحانه؟
بارك الله في الجميع.
أبو القاسم
2009-05-10, 01:30 PM
طبعا..الذي نقلته أخي أمجد فيه الغنية عن الرد..وهذه المسألة من أمثلتها:التداوي
والخلاف فيها بين أهل العلم معروف ..أيهما خير..التداوي أم ترك ذلك اعتمادا على التوكل
على ما قلته من كلام ابن رجب..وإن قال بشبهه الإمام أحمد ..فهو ليس بصحيح ومشكل ومعارض بالهدي النبوي
وبكلام أكابر المحققين كما قال ابن تيمية..لأن من ترك السبب بدعوى التوكل..فإنه قد قدح في عقله وفي توكله معا
ومن اعتمد على السبب دون الله..فقد قدح في التوكل وفي دينه معا
ومحاولة تخصيص ذلك بالخواص مخالف لإمام الخواص صلى الله عليه وسلم
وكبار الصحابة الذين لم يسلكوا هذا المسلك..
وكلام الإمامين ابن تيمية وابن القيم..والذي أنافح عنه
يخرج من مشكاة واحدة..
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-10, 01:40 PM
وهذا بيان كون ترك السبب يقدح في التوكل نفسه..
لما كان التوكل معنى يلتئم من الثقة بالله والاعتماد عليه كما قال العلامة ابن القيم
فإن الثقة بالله سبحانه تقتضي امتثال أمره..وقد أمر سبحانه بالعمل بالأسباب كما لا يخفى
سواء على وجه العموم..أو بآيات خاصة ..(سيأتي إن شاء الله بيانها)
والحديث ظاهر في معنى التوكل ..أعني موعود رسول الله بالرزق كالطير
ذلك أن الطير لا تبقى في أعشاشها..بل تطير تسعى في رزقها..كما قال تعالى "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"
ثم إن ترك السبب إخلاد إلى الأرض وهو قادح في العقل الذي خلقه الله وسيلة للفكر في المعاش وعامة الأشياء
ولو كان تعمد ترك السبب من التوكل في شيء..لكان أولى به إمام المتوكلين..فلايع رف عنه صلى الله عليه وسلم
أنه ترك ذلك قيد أنملة..حتى حين أنزل الله عليه "والله يعصمك من الناس" فليس فعله من ترك السبب
ولكنه تسليم لأمر الله بأنه معصوم من أذيتهم..فبعد أن كانت حراسته بوساطة سبب..جعلها الله في آخر عمره
مكفولة به سبحانه مباشرة دون سبب..
وللكلام بقية
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 01:42 PM
فإنه قد قدح في عقله وفي توكله معا
هذا غريب فأين هذا من كلام الإمام أحمد وإسحاق وابن رجب ومذهبهم
الأمر أدق مما تتصور وأكبر مما فهمته
أبو القاسم
2009-05-10, 01:44 PM
أخي ناقش بتواضع بارك الله فيك
دعك من هذه الطعون في الفهم والتصور
إن أردت النقاش بعلم..فحدد موضع النزاع
واذكر الحجة..وبين لي ضعف عقلي وتصوري
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 01:45 PM
ينبغي أولا تحرير محل النزاع وفهم القول المعترض عليه
فلا أحد يقول بترك الأسباب مطلقا فلا داعي لذكر الأدلة التي توجب الأخذ بالأسباب فهذا لا يخفى على صغار الطلبة فضلا عن كبار أهل العلم كاحمد وابن رجب ومن وافقهم
أبو القاسم
2009-05-10, 01:46 PM
وبالمناسبة ما اعترضت علي به..هو من كلام الإمام ابن القيم
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 01:47 PM
أخي الكريم لا أدري لماذا هذه الحساسية المفرطة عندك
اطرد عنك سوء الظن بارك الله فيك
أبو القاسم
2009-05-10, 01:47 PM
قول إبراهيم عليه السلام لما عرض له جبريل وهو يرمي في النار فقال له ألك حاجة فقال أما إليك فلا
وهل هذا يصح يا أخي أمجد؟
أبو القاسم
2009-05-10, 01:49 PM
لا حاجة لكلام:أكبر مما تتصور وأصغر مما تفهم..إلخ..
حرر موضع النزاع..أنت سارعت بالاعتراض دفاعا عن الحافظ ابن رجب
وكلام ابن القيم وابن تيمية رد واضح على العبارة محل النقاش
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 01:50 PM
ظاهر كلام الإمام أحمد أنه صحيح فلا يؤثر فيه اعتقادك أنه ضعيف
ولو لم يصح فحجتهم ليست مبنية على هذا الدليل فقط
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 01:53 PM
لا لابد من تحرير محل النزاع أولا قبل الاعتراض
وكون أحد الطلبة لم يفهم كلام عالم من العلماء لا يقدح فيه ولا في فهمه
وكون أحد الطلبة صحح له هذا الفهم أو أرشده إلى إعادة النظر فيه لا يفهم منه تكبر كما لا يفهم منه انتقاص للآخر
أبو القاسم
2009-05-10, 01:54 PM
أخي الكريم
أنت لا تريد أن تناقش..تكتفي بالنقاش باستعلاء ثم تتهمني بسوء الظن..والحديث ليس بصحيح بل هو منكر
بين إن كنت تريد النقاش بعلم..سوء فهمي..ونقص تصوري وإدراكي
أبو القاسم
2009-05-10, 01:57 PM
سؤال :ظاهر عبارة ابن رجب..مشكل أم لا؟
ومتى يكون ترك السبب محمودا..؟
أجب من فضلك..
أبو القاسم
2009-05-10, 02:13 PM
قال الإمام ابن القيم..طبيب هذه الأمور وجذيلها المحكك:
لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه، من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، الذي حقيقته: اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره فيهما، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، . .
السكران التميمي
2009-05-10, 03:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حي الله الجميع، وجزاهم الله خير الجزاء آمين
حقيقة لم أشأ أن أتدخل بينكما حفظكما الله تعالى، لكن رأيت تحتم بيان الأمر وتوضيحه.
ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى لم يكن بدعا به، ولم يكن مقلدا به كما ذكرتموه للغزالي رحمه الله، بل هو والله أمر متقرر عند السلف رحمهم الله تعالى، لكنه أمر لا يوجد في أكثر الناس؛ بل هو في خاصتهم، فلذلك من يقرأ هذا الكلام لأول وهلة يعتقد أن فيه خللا، والصحيح عكس ذلك بإذن الله تعالى، إذ هي مرحلة متقدمة جدا جدا في التعلق الإلهي لا يستطيعها أكثر الناس، بل هي لأفراد مخصوصين قد بلغوا قمة لم يبلغها غيرهم في باب التوكل والتعلق وفراغ القلب إلا من الله وحده.
روى الإمام الحافظ البيهقي رحمه الله بسنده عن أبي يعقوب النهرجوري قوله: (التوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم خليل الرحمن في تلك الحال التي قال لجبريل عليه السلام: أما لك فلا، لأنه غابت نفسه بالله؛ فلم ير مع الله غير الله، وكان مهابا بالله من الله إلى الله بلا واسطة، وهو من علامات التوحيد وإظهاره القدرة لنبيه عليه السلام).
وروى بسنده عن أبو عبد الرحمن السلمي قال: (سئل الاستاذ أبو سهل محمد بن سليمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: "ماذا أبقيت لنفسك"؟ قال: الله ورسوله.
قال: هو التجرد لله بالكلية، وإدخال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه لمكان الإيمان؛ وحقيقة التعلق بالسبب في الوصول إلى المسبب الأعلى؛ أن عليه انقطاعه، فإذا كمل توكل الموتكل وتحقق فيه، أخبر إن شاء عن السبب، وإن شاء عن المسبب، لأن الكل عنده واحد، لتعلق الفروع في الكل بالأصل).
وقد روى بسنده رحمه الله تعالى آثارا كثيرة جدا من هذا الباب، فانظرها لزاما في (شعب الإيمان ج2).
وقد سبقه إلى تقرير مثل هذا عن السلف رحمهم الله تعالى الإمام الحكيم الترمذي رحمه الله، حيث قال بعد كلام له حول الموضوع وذكره الحديث القدسي والذي في آخره: [وعزتي لأكفينه صادقا أو كاذبا]: (فإنما قال: صادقا أو كاذبا لأن السابق المقرب؛ وهو الموقن إذا قال: حسبي الله؛ صدقه بفعله، فهو صادق، لأنه لا يتعلق بعد ذلك قلبه بالأسباب، وذلك مثل إبراهيم عليه السلام حين وضع في المنجنيق.
قال: وإنما عارضه جبريل عليه السلام في الهواء بما عارضه ليبرز صدق مقالة إبراهيم عليه السلام في قوله: حسبي الله، عن مكنون قلبه، وليعلم الصادقون من بعده غاية الصدق في المقالات، فاتخذه خليلا.
قال: فهكذا يكون قول أهل اليقين في حسبي الله، والمخلط كذبه بفعله حيث تعلق بالأسباب وبالمخلوقين حتى صاروا فتنة عليه).
قلت: وهؤلاء قد أطلق عليهم أهل العلم (أهل مقام التفويض)، وليس في فعلهم رحمكم الله أي مخالفة شرعية إطلاقا لمن تدبر المقام وعرف الطريق.
روى ابن عساكر في (تاريخ دمشق) قال:
(أخبرنا أبو المظفر، أنا أبو بكر، أنبأني محمد بن الحسين، نا أبو العباس محمد بن الحسن، نا أبو القاسم بن أبي موسى، نا محمد بن أحمد، نا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التوكل فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق. قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ثم طرح في النار اعترض له جبريل عليه السلام فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. قال: فسل من لك إليه الحاجة؟ فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه.
أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم، أنا أبو بكر البيهقي قال: وأنبأني أبو عبد الرحمن السلمي، نا أبو عبد الله بن حمدان، نا ابن مخلد، نا المروروذي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن لكل شيء كرما وكرم القلوب الرضا عن الله عز وجل.
أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد بن كادش فيما ناولني أباه وقرأ علي إسناده وقال: اروه عني، أنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، أنا القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا، نا محمد بن العباس بن الوليد قال: سمعت أحمد بن يحيى ثعلب يقول: دخلت على أحمد بن حنبل فرأيت رجلا تهمه نفسه لا يحب أن تكثر عليه، كأن النيران قد سعرت بين يديه).
ملاحظة: بالنسبة لحديث إبراهيم عليه السلام فقد رواه ابن عساكر بطرق كثيرة لا مجال لاعتراضها.
هذا ما أردت توضيحه على عجل وإلا الأمر متقرر عند السلف قبل الخلف، ولا أعتقد أبدا أبدا أن يتكلم الإمام الحافظ خريج الأئمة الأعلام بكلام مخالف أو لم يسبق إليه أو لم يقرره غيره.
والله تعالى أعلم
أبو القاسم
2009-05-10, 03:31 PM
الحمد لله وبعد..
إيتوني بحادثة للنبي صلى الله عليه وسلم ترك فيها الأخذ بالأسباب..
وأما حديث إبراهيم الخليل:أما إليك فلا..فهو منكر..لا يحاج به في هذا..(افتحوا إن شئتم دراسة للحديث في قسم الحديث)
فجعل ذلك للخواص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة..
وb
أبو القاسم
2009-05-10, 03:42 PM
ثم جعل ذلك خاصا بالخواص..مشكل من وجوه
1-الخواص قدوة للعوام..فتركهم للسبب مظنة أن يقلدهم غيرهم
2-والأمر بالعمل متواتر في الكتاب والسنة..وأولى الناس بالامتثال الخواص أنفسهم
3-ثم هذا تزكية منهم لذواتهم..لأن من يترك السبب منهم سيكون صنف نفسه من الخواص
وغير ذلك..
ومازلت أطالب بأجوة على سؤالاتي..
والله الموفق للرشاد
أبو عبدالرحمن بن ناصر
2009-05-10, 05:52 PM
شيخنا أمجد وفقكم الله
ما نقلته عن ابن القيم وابن تيمية يناقض ما قاله ابن رجب لو تدبرت وتأملت . ومراد ابن القيم بقوله (القوم ) الصوفية والزهاد . بخلاف السلف فقد حكى عنهم الأخذ بالأسباب .
والتدواي لا يدخل في مسألتنا هذه - والله أعلم - لأنه ليس من الأسباب المقطوع بها بخلاف ترك التزود للطعام فهو مخالف للأمر القرآني ( و تزودوا ) ولم يخص أهل التقوى والتوكل من غيرهم
وقول ابن رجب ( ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه : من أكل السم
ومنه : مشى سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني بالجيوش على متن البحر .
ومنه : أمر عمر رضي الله عنه لتميم حيث خرجت النار من الحرة أن يردها فدخل إليها في الغار التي خرجت منه فهذا كله لا يصلح إلا لخواص من الناس قوي إيمانهم بالله وقضائه و قدره وتوكلهم عليه وثقتهم به ) هذه كرامات إن صحت أكرم الله بها الصالحين . وليس فيها ترك الأسباب ، ولا يخرم الأصل بالكرامة . فعند الاضطرار يكرم الله من شاء من عباده الصالحين . وقد يكون ذلك بسبب دعاء أو نحوه .
ولم تأت بدليل صحيح من القرآن والسنة أو صحابي يؤيد ما قاله ابن رجب . وإنما ذكر ابن رجب عن أحمد وإسحاق وهناك ما يعارضها من قول أحمد نفسه ومن أقوال أهل العلم . ولابد أن ينكر على ابن رجب إذا كان كلامه يخالف الكتاب والسنة و أقوال الصحابة .
وما قاله أخونا الفاضل أبو القاسم من اشكالات متوجه . والنقول عن الصوفية في هذا الباب كثيرة ولكن لا عبرة بهم . كالحكيم الترمذي وغيره
السكران التميمي
2009-05-10, 06:18 PM
أخي الحبيب (أبا القاسم) رعاه الله وحفظه
لا بد من تصور واضح للمسألة أخي العزيز حتى ينجلي الإشكال رعاك الله.
بالنسبة لجعل هذا الأمر لخواص الناس ليس نحن من يقرره وينزله عليهم، حتى ولا هم أنفسهم من تلقاء أنفسهم، بل هي أعمال زائدة مستمرة قلبية داخلية، وعملية وقولية خارجية بها وصلوا إلى ما وصلوا إليه حفظك الله مما قلنا وبينا، وإلا ليس لأحد يد في هذا أبدا.
فلما خلصوا لله قلبا وعملا وقولا وتعلقا وتوكلا، بخلاف غيرهم من الغائبين المقصرين البعيدين الذين لم يبلغوا ما بلغوا من هذا الصدق والإخلاص والمثابرة والمواصلة في التعلق بالله على ما ذكرت لك، ارتقوا إلى مرحلة أسمى وأرفع وأكرم مما بقي غيرهم عليها.
فلا وجه رعاك الله لقولك: (أن جعل هذا للخواص لا دليل عليه).
فمن نحن حتى نقسم الناس ونوزعهم، إنما هي أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم هي التي أوصلتهم إلى هذه المرتبة.
كما لاوجه لقولك رحمك الله: (أن ترك الخواص للسبب مظنة لأن يقلدهم العوام على ذلك لأنهم قدوة لهم).
إذ يلزم من هذا رعاك الله أن يقصر الخواص في تعلقاتهم وأعمالهم وانصرافهم لله تعالى من أجل دفع أمر فرضي ليس مسوغا لي كعامي تقليد الخاص عليه حتى أبلغ مرتبته. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
كما أنه رحمك الله تركهم للسبب كما تفضلت هو ترك صوري فقط، وإلا عند التحقيق فهم قد أخذوا بالسبب بلا شك، وهو العمل والتعلق والتواصل مع الله الذي أبلغهم هذه المرتبة، فلا معنى لأن يوصفوا بأنهم لم يفعلوا الأسباب حينئذ، بل والله فعلوها وبقوة أيضا، ولعمري من يقدر على فعل ما فعلوا، ومثلك لا يخفاه قوة هذا الأمر وأنه مما يتفضل الله به على من يشاء من عباده.
وهذا الكلام الأخير يبين لك عدم وجاهة قولك: (والأمر بالعمل متواتر في الكتاب والسنة..وأولى الناس بالامتثال الخواص أنفسهم).
ثم اعلم غفر الله لك آمين أن مثل هذه الأمور غالبا إن لم أقل دائما أنها أمور خفية بين العبد الذي بلغ وبين ربه، لا يطلع عليها أحد، بل هي خواطر قلبية ينتشر فيضها على جوارح العبد وأركانه يختلي بها بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، وبهذا يرد على قولك عفى الله عنك: (ثم هذا تزكية منهم لذواتهم..لأن من يترك السبب منهم سيكون صنف نفسه من الخواص).
ويعلم الله أخي لرجال وصلوا بالرقي في عباداتهم، وتعلقاتهم، وتمسكهم، إلى مثل هذه الحدود ليربأ بهم مثل هذه الأمور، وحاشاهم أن يكونوا متابعين مطاوعين للشيطان الماكر الذي قد يلبس عليهم لذة ما هم فيه بعد أن عرفوا أنهم بالابتعاد عنه وصلوا ما وصلوا إليه.
ولتتضح الصورة لديك أخي الحبيب ارجع إلى ما قاله العلماء حول مراتب اليقين، فقد تكلموا بما يشفي الصدور بإذن الله تعالى.
ولو تمعنت النظر أخي الحبيب لوجدت أن في بعض النصوص تلميح لفحوى مثل هذا الأمر، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "لو توكلتم على الله حق التوكل..."، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"، وغيرها.
فقط تأمل أخي العزيز أن هذه المسألة مسألة ترقي في التوجه إلى الله تعالى : عبادة، وطلبا، ودعاء، وعملا، وقولا، وتعلقا، ورجاء، ووووو.
فلم يصل إليها إلا بفعل كل هذا وزيادة، فكان قريبا جدا من مسألة (الإحسان).
ولكي أريحك يا أخي هؤلاء من أندر النوادر، فلا تخف أبدا.
نسأل الله تعالى أن نكون من حزبه وخاصته آمين. والحمد لله رب العالمين
أمجد الفلسطيني
2009-05-10, 07:39 PM
بارك الله فيكم ورفع قدركم
أما ابن القيم فلا أرى كلامه متعارضا مع كلام ابن رجب لأن ابن رجب لا يقول بترك الأسباب بالكلية بل يفصل كما أسلفت في أول مشاركاتي
وظاهر كلامه أنه لا يراه طريقا مسلوكا ولكن من أحوال أهل الأبدال
وهذا عينه كلام ابن القيم
فليس في كلامه الدعوة إلى الأخذ بالأسباب مطلقا ولا تركها مطلقا بل يفصل ففي النقل السابق عند تعليقه على من عرف التوكل بترك كل سبب ... قال:
" وهذا صحيح من وجه باطل من وجه ...".
وقال أيضا: فالتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلا وشرعا وحسا.
فمطلق التجرد من الأسباب ليس مذموما كما أن مطلق الأخذ بالأسباب ليس محمودا
وذلك أن التوكل درجات
ودرجة الكمال دقيقة جدا قد تختلط على السالكين بسبب عدم تحرير مسألة الأخذ بالأسباب وتركها
فالفرق بين هذه المضائق أدق من الشعرة الواحدة
وابن القيم لم يذم أصحاب هذا الفريق من عباد السلف بل اعتذر لهم بأن ما يفعلون حالات وليس طريقا ثم ذكر أن الناس انقسموا فيهم على طائفتين بسبب عدم فهمهم هذا منهم أو لأنهم نظروا إلى فعلهم من غير هذه الجهة
وظاهر كلامه أنه لا يريد الصوفية الذي ضلوا الطريق بل يريد متقدمي العباد وأسلاف الصوفية إن صح التعبير كالخواص وذي النون وبشر ونحوهم لأنه ذكر من الطوائف الذين فهموا أفعالهم هلى جهة خاطئة الصوفية الذي اتخذوا هذا الأمر طريقا لا أحوالا وهي الطائفة الأولى
وابن القيم لا يذم المتقدمين من الصوفية كذي النون وأمثاله فيما أعلم بل يرى أن الصوفية المتأخرين منهم براء
وابن القيم كثيرا ما يحكي مذهب طائفة فيُظن أنه موافق لها آخذ بما تقول وعند التحقيق يظهر خلاف ذلك
أما مذهب ابن تيمية فظاهره مخالف لمذهب ابن رجب لذلك ختمت كلامي بـ:
فهذه مذاهب العلماء وأقوالهم بين أيديكم فلا ينكر على ابن رجب رحمه الله ما صار إليه والله أعلميعني لا ينكر عليه لأنه استند إلى أقوال أحمد وغيره
يتبع إن شاء الله...
أبو القاسم
2009-05-11, 05:21 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:25 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:28 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:33 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:38 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
وأسأل:هل الخروج للسفر في الصحراء من بغداد لمكة..بغير زاد مباح أم من قبيل إلقاء النفس بالتهلكة؟
وسيأتي بيان معنى عبارته بتوضيح أكثر
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:45 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
وأسأل:هل الخروج للسفر في الصحراء من بغداد لمكة..بغير زاد مباح أم من قبيل إلقاء النفس بالتهلكة؟
وسيأتي بيان معنى عبارته بتوضيح أكثر
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 05:54 AM
سأشرع في الرد على أخي الفاضل أمجد ثم على الفاضل الحبيب التميمي..
بعد حمد الله تعالى أقول
-مازالت الأسئلة تنتظر جوابا محددا..فليس هذا من الكهانة
أوليس النقاش والمحاورة تتطلب ذلك؟
قول ابن القيم ليس مشكلا ولا متعارضا..بل هو واضح..
وما نقلته عنه:"وهذا صحيح من وجه باطل من وجه "
تكفّل هو نفسه بتفسيره رحمه الله فقال :
فترك الأسباب المأمور بها : قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة : فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم ". وهل بعد هذا البيان من كلام؟
وأسأل:هل الخروج للسفر في الصحراء من بغداد لمكة..بغير زاد مباح أم من قبيل إلقاء النفس بالتهلكة؟
وسيأتي بيان معنى عبارته بتوضيح أكثر
فكلامه هذا وغيره مما سبق نقله..بين في معارضته لظاهر عبارة ابن رجب
وحسبك بإمام المحققين في أعمال القلوب..ومخرّج ابن القيم :ابن تيمية..وكلامه واضح في الشأن أيضا
---------------------
والآن مع الأخ المكرم التميمي..حفظه الله تعالى
فحاصل ما فهمته من كلامك أن هذا الأمر خفي ولا يدرك وأن هذه مرتبة يقينية سامية..إلخ
وأقول لابد من التدليل على صحة ذلك..لأنه أمر شرعي ويلزم من إطلاق القول به أمور فاسدة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات التوكل ومتابعة هديه وسيرته في كل أحداثها
تبين أن منهجه المطرد اتخاذ الأسباب..مع أنه عليه الصلاة والسلام..يسعه أن يتميز بهذه الأحوال اليقينية عن غيره
كما تميز بالخصائص المعروفة..من زواجه بأكثر من أربعة..وغير ذلك
-------------
ثم أقول مستعينا بالله وحده
وختاما :لابد على المخالف لي ولأخي أبي عبد الرحمن الناصر..أن يحدد لنا الحيز الذي يكون ترك السبب فيه غير خارم للتوكل
فضلا عن أن يكون من تمام التوكل!..وبهذا ينجلي الإشكال..مع التدليل عليه
فهذا وإن صح في أحوال استثنائية فهو خلاف الأصل العريض المتواتر في الكتاب والسنة وسير الصحابة وعامة السلف
وسبب الإشكال عند بعض العلماء في المسألة يتلخص في الآتي:-
-أنهم قصروا معنى التوكل على التفويض لله دون النظر إلى أن الله نفسه جعل من سنته أن تكون الأشياء منوطة بأسبابها
فكأنما طلبوا خرق العادات من جنس المعجزات التي تحصل للنبيين..وهذا مناطه الضرورة والحاجة والمصلحة القوية التي لا تعارض بمفسدة أرجح..وليس هو الأصل كما ساقه ابن رجب..فهذا كما في توكل أبي مسلم الخولاني على الله حين دخل نار العنسي..
أما تقصّد ترك السبب وتعمده بحجة التوكل ثم ادعاء أن هذا من المقامات العالية لأهل التوكل..فهو يقدح في التوكل نفسه
لأن حقيقته :الثقة بالله تعالى وتفويض الأمر إليه وتصديقه والاعتماد عليه..
وإذا كان ذلك كذلك..فإن الله الموثوق به..قد أمر باتخاذ الأسباب..ونهى عن الركون عنها..
ودل على ذلك الهدي النبوي..فمن لازم الثقة به أن يعمل بالسبب حيث كان سببا شرعيا..
وتارة يكون العمل به مستحبا..وتارة يكون واجبا..
ومثل القاعد عن السبب بحجة التوكل على الله..كمثل القاعد عن العمل بحجة الإيمان بالله
والله الموفق
أبو القاسم
2009-05-11, 07:43 AM
فصل في بيان سبب عطف التوكل على العبادة في مواضع من القرآن الكريم
قال تعالى "فاعبده وتوكل عليه"..ومعلوم أن التوكل من أجل العبادات
وفي عطفه عليه فوائد..منها التنبيه على مسألة العمل الأسباب..نظير قوله تعالى
"إياك نعبد وإياك نستعين" كأنه قال :لا تركن إلى عبادتك وحدها مهملا الأسباب
فإن الله تعالى لا يحابي في سننه أحدا..
ثم إن الذي يعمل بالسبب ويقول توكلت على الله أصدق توكلا من الذي لا يعمل به ويدعي نفس الدعوى من وجوه:-
1-أنه حين أخذ بالسبب لم ينصرف قلبه إلى التعلق بالسبب نفسه مع أخذه به..وهذه كبيرة إلا على المتوكلين
بخلاف من ترك السبب وقال:على الله اعتمادي..فلم يفعل شيئا ذا بال..لأن الله هو الوكيل في كل حال
2-وأنه ممتثل ..وذلك سلبي
3-قول الله"إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"
وهذا في معرض الحرب والنصر ولا يخفى ما كان يبذله النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب تتضمن وسائل الإعداد المادي والحرب النفسية..فلو كان من مقتضى كمال التوكل التراخي في مسألة الأسباب..لم يعلق نصرهم على الإعداد والإيمان
4-والذي يأخذ بالسبب ثم لا يتأتى له النجاح في الذي سعى من أجله سيعلم أن ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن..ويزداد توكلا بذلك أي لأنه بذل السبب فلم يحقق له السبب شيئا..أما من يقعد ويدعي التوكل..فإذا لم يتحقق له مراده..كان أقرب إلى إساءة الظن بالله تعالى أو إلى التعلق بالسبب نفسه بعد ذلك
أكتفي بهذا الآن..والله أعلم
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.