تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : في وداع العلامة محمد سالم بن عدود "منقول"



محمد المبارك
2009-05-01, 08:49 PM
في وداع العلامة محمد سالم بن عدود الخميس 05 جمادى الأولى 1430 الموافق 30 إبريل 2009



عادل بن أحمد باناعمة
كان ذلك منذ سنتين تقريباً ..
في مكة المكرمة .. وفي مقرّ رابطة العالم الإسلاميّ ..

جاء الشيخ وبين يديه رجلٌ مسنٌّ، له لحيةٌ بيضاءُ كثّةٌ، تعلوه الوضاءةُ، ويكسوه الوقارُ، وتقرأ في وجهِهِ علائمَ الصلاح.. تجاذبتني الرهبةُ والفرحةُ حين علمتُ أنني أقف أمام عالم موريتانيا وفقيهها الشيخ العلامة محمد سالم بن عدود .
لم يكن الشيخ (عدود) مشهوراً على نطاقٍ واسعٍ، ولكن لا يمكنُ لأحدٍ خبرَ العلم والعلماء في ذلك القطرِ العريق أن يغفُلَ عنه.
بدأتْ جلساتُ ذلك اليوم وكان موضوعها الرئيسُ ( المحاكم الرسمية في الدول الغربية وموقف المسلمِ من أحكامها ولا سيما في قضايا الأحوال الشخصية )، تتابعت الأوراقُ والشيخ صامتٌ مصغٍ، وأكثرَ الفقهاءُ الحاضرون من الاحتجاج بقوله تعالى : (( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً )) على عدم جواز خضوعِ المؤمن لأحكام هذه المحاكم.


http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif

وبعد أوراق عديدةٍ طلب الشيخ الكلمةَ وقال في إيجازٍ بليغ: لستُ بصدد مناقشة الحكم الفقهيّ في هذه المسألة، ولكنّي وجدتُ إخواني الفقهاء ينزعون بهذه الآية فيجعلونها في غير محلها! ذلك أن المقصود بها يوم القيامةِ، فالله يقول : (( فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)).
فأبطلتْ كلمتُهُ هذه نصفَ الحجج!!
بوغتُّ بهذا الفهم اللطيفِ، فقد كنتُ شخصيا أجد إشكالاً في مدلول هذه الآية، ذلك أن تسلُّط الكافرين على المؤمنين حاصلٌ اليوم، وقد حصل في كثير من العصورِ، فكيف يوفَّقُ بين هذا وبين مدلول الآية؟
ووجدتُ بعد ذلك بمدةٍ حكايةً تؤيّد ماذهب إليه الإمام ابن عدود، فقد جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: كيف هذه الآية: ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً))؟ فكأنّه استشكل ما يرى في الواقع خلافَه، فقال علي رضي الله عنه: ادْنُه ادنه، ثم قال: ((فالله يحكمُ بينكم يوم القيامةِ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))، ذاك يوم القيامة.
انفضّتِ الجلسةُ .. وشرُفتُ بالجلوس حول مائدةٍ واحدة للغداء مع العلامة ابن عدود وشيخنا محمد الحسن، وكنتُ وقتَها أعدّ لبرنامجي ( فقهاء أدباء) فتجاذبت معهما الحديث حول سير الفقهاء المتأدبين فانثال ابن عدود نهراً رقراقاً عذباً نميراً.
وجلسنا من بعدُ دقائق في غرفتِهِ فعرض الشيخُ لدقائقَ في نظم الكتاب العزيز، ولطائف خالف بها المشهور عند النحاةِ، واحتجّ وعلل، وأصّل وفصّل، وشرح ووضّح، فلا والله ما رأيت أعجبَ من يومئذٍ استحضاراً للنصوص، وغوصاً في معانيها، وقدرةً على المفاتشة والمناقشة، وما ندمتُ على شيء ندمي على فواتِ تسجيل ذلك اللقاءِ.
كل هذا الذي ذكرتُ كان حصيلةَ بضع ساعاتٍ من يومٍ واحدٍ .. كانت هي الفرصة الوحيدة التي حظيتُ فيها بلقاء الشيخ عدود رحمه الله .
وكنتُ من قبل أسمعُ شيخي محمد الحسن يقول عنه: لم أرَ أجمع للمعقول والمنقول منه!! وهي شهادةٌ ضخمةٌ من رجلٍ بحجم محمد الحسن.


http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif

ما الذي يُمكن أن يقوله قائلٌ عن الشيخ عدود؟
ذلك الرجل الذي نشأ بين والدين يتنافسان في حلبة العلم!! فأبوه (محمد عالي) كان مرجعَ أهل العلم في المعضلاتِ، وأمه (ميمونة) كانت حافظةً عالمةً.. وقد سمعتُ شيخي محمد الحسن يحدّثُ عن جدتِهِ ميمونة فيقول: كانت أعلم بالجرح والتعديل من زوجها!! يقول هذا ومحمد عالي هو من هو إمامةً وتبحراً.
ما الذي يمكن أن يقوله قائل عن الشيخ عدود؟
ذلك الرجل الذي حفظ (قبل بلوغه) أكثر من ثلاثين متناً يعيا بها الكبار منها: الكافية الشافية لابن مالك، وألفيته مع جامع ابن بونا، وموطأ الفصيح، وعقود الجمان، وألفية العراقي، والكوكب الساطع، والسلم المنورق، ونظم الغزوات، ونظم ابن عاشر وغير ذلك، ومجموع ما حفظه من متون (قبل أن يبلغَ) يقاربُ عشرين ألف بيت!!!
ما الذي يمكن أن يقوله قائل عن الشيخ (عدود)؟
ذلك الرجلُ الذي ذهبَ – وهو ابن خمس سنين لا تزيد – لجلبِ الماء، فلما استوى على أتانِهِ توهَّمَ نفسَهُ على فرسٍ أصيلة فأنشد يقول مرتجلاً:


سَرَاتك سرجي والرِّشاءُ رِكابي ... وزَنْدكِ في التقريبِ ليس بكابي
فِداكِ كُراعٌ والحَرُون وداحسٌ ** وعَلْوَى وجَلْوَى والعَطَا وسَكَابِ

فانظر إلى غلامٍ في الخامسةِ كيف يرتجلُ ويقول!!! ويسردُ أسماء سبعةٍ من مشاهير خيول العربِ!!!
ما الذي يمكن أن يقوله قائل عن الشيخ عدود؟
ذلك الرجل الذي لم يكتف بوافر ما حصّله في المحاضرِ، بل سافر إلى تونس لدراسة الحقوقِ، فلم يرجع إلا وقد تأبط شهادةً قانونية عاليةً ونظَمَ القانون الدوليَّ!!
ما الذي يمكن أن يقوله قائل عن الشيخ عدود؟
ذلك الشاعر العربيُّ الذي امتلأ شعره فخراً بالعربِ، وحثاً لهم على الوحدةِ، وإنكاراً على من أراد عروبةً بلا إسلام.. أليس هو القائل:


ليس للرجعيّ فينا من نسبْ ... كلُّ رجعيٍّ دعيٌّ في العربْ
كم خمدنا ثم ثارتْ نارُنا ... من شرار كامنٍ تحت الحطبْ
نبضةٌ قلبيّة من يَمَنٍ ... أنبضتْ من مصرَ قلباً فوجب ْ
ثم أصغى من هنا أو ها هنا ... كلُّ قلبٍ عربيّ فاقتربْ
إنْ يقل مستعمِر مَنْ أنتمُ ... قلتُ واسمي سالمٌ نحن العربْ
ليت شعري هل ترى بين العربْ ... وحدةً تبقى على مَرِّ الحِقَب
قوّةً ذريّة ضاربةً ... ما لها بالشرق والغرب سببْ

والشاعر السياسي الذي لم يُغفل قضايا الأمة ومشكلاتها، ولم يَغْفَلْ عن أعدائها، أوليس القائل :


سفارة إسرائيل فينا مقيمة ... وأفلاذُ أكباد القطاع تطيرُ
وكلُّ خطوطِ الطول والعرض عندنا ... إلى أمَرِيكَا بالبنان تُشيرُ
وإن الذي دون انفراط نظامها ... لما قد جنت في عمرها ليسيرُ!

والشاعرُ الإصلاحيُّ الوسطيُّ .. أوليس هو القائل:


شكا دين الهدى مما دهاه ... بأيدي جامدين وملحدينا
شباب يحسبون الدين جهلاً ... وشيب يحسبون الجهل دينا

والشاعر العذب الرقيق الوجدانيّ .. أوليس هو الذي يقول:


خلوا النفوس وحبها أجناسها ... وبلادها واستجلبوا إيناسها
نهوى أناسا لا نلائم أرضهم ... ونحب أرضا لا نلائم ناسها
فإذا أتينا الأرض لم نتناسهم ... وإذا أتينا الناس لم نتناسها
كالظبية الدهماء نغَّصَ عيشها ... ألا تضمّ قرينها وكناسَها
لم نَسْهُ عن ذاك الخليط ولا أرى ... ذاك الخليط لفضله عنا سها

ما الذي يمكن أن يقوله قائل عن الشيخ عدود؟
ذلك الرجل الذي خاض السياسةَ حتى صار رئيساً للمحكمة العليا، وعضواً في المكتب السياسي الوطني، ووزيراً للثقافة والتوجيه الإسلاميّ، ورئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى -وهو هيئة دستورية تقدم الاستشارات الشرعية لرئيس الجمهورية كما ينص الدستور- .. فلم يصرفْهُ ذلك كله عن علمه وتواضعِهِ وزهدِهِ، حتى إنّه لما انقطع عن هذه المناصب وتفرغ للتدريس لم يكن له من الدنيا كبيرُ حظٍّ، ولا وافر نصيب!!
ما الذي يمكن أن أقوله عن الشيخ عدود؟
وما الذي يمكنُ أن أقوله في رزئنا به؟
لا أجد أحسن من قوله هو:


لن تُرزءا أبداً بمثل أخيكـــــما ... في بره بالمسلمين ودينِهِ
وصلاته وزكاتـــه وصيامـــه ... وعجيجه بين الحجيج لحينِهِ
وسخائــــه ووفائـــــه وإبائه ... ورضاه إن نزل القضا ويقينِهِ
رُحْمى لشيخ الحيِّ ناظمِ شمله ... حامي مآثرِهِ الحسانِ أمينِهِ

رُحمى لك ياشيخنا ..
ورُحمى لنا .. نحنُ الذين فُجعنا بفقدك..
*عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

أبو القاسم
2009-05-01, 09:08 PM
هل يعقل أنه ارتجل البيتين وهو ابن خمس سنين؟
ليس يخفى علي علو كعبه وأنه من نوادر العصر
لكني شعرت من ترجمته أنه يفوق الإمام الشافعي
ومالكا وابن تيمية وأمثالهم

ماجد مسفر العتيبي
2009-05-02, 08:01 AM
رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في جنته

وجزاك الله كل خير يا شيخ محمد على النقل المبارك

محمد المبارك
2009-05-02, 12:58 PM
بارك الله في الاخوة الكرام

ابو البراء الغزي
2009-05-02, 08:11 PM
رحمه الله الشيخ الجليل محمد سالم بن عدود
و اسكنه الجنه

أبو إسحاق إبراهيم
2009-06-26, 11:48 PM
في وداع العلامة الجليل محمد سالم )عدود( رحمه الله

في وداع الـحَـبر..
على ساحل البحر ..
على ساحل بحره .. نخط على الرمل سطراً !
في يوم الأربعاء الرابع من هذا الشهر )جمادى الأولى) غربت عن أفق العالم الإسلامي شمس من شموس العلم الساطعة , ففقد علما ً من أعلامه , إنه العلامة الكبير والجهبذ النحرير , الشيخ محمد سالم بن عبدالودود الشهير بـ" عدّود " . أحد أفذاذ العلماء العاملين وأحد أوعية العلم المحققين وأحد أذكياء الدنيا وأكابر علماء المسلمين . اشتهر رحمه الله بالحفظ المدهش فكان يحفظ القصيدة من سماع مرة واحدة , والفهم الثاقب وعرف بالألمعية والنجابة منذ نعومة أظفاره . أعاد سيرة أئمة العلم المتقنين الذين حفظ التاريخ أخبارهم في التبحر في أنواع العلوم والفنون كالشعبي والشافعي وابن تيمية وأمثالهم من نوادر العباقرة . إنه عبقري الصحراء الذي فاخرت به حواضر المعمورة . والذي ضبط علوم السلف وألم بمعارف العصر . فيه من الصحراء بساطتها ومن البحر شموخه .
وكان إذا تحدث في علم ظن المستمع أنه لا يحسن غيره لما يورده من متين العلم ولطائف الفوائد . وذكر صديقه شيخنا الشيخ العلامة أحمد بن محمد الأمين بن أحمد الشنقيطي حفظه الله أنه حين ابتعث الشيخ محمد سالم من موريتانيا إلى تونس للتدريب ضمن مجموعة من القضاة الشرعيين أن تونس كانت تستفيد منه أكثر من استفادته منها , لأنه أتى عالماً حاذقاً , وكان طلبة العلم في محظرة والده – العالم الكبير محمد عالي بن عبد الودود رحمه الله - يحاول كل واحد منهم أن يستأثر به وهو طفل صغير يحضر معهم , فيحمله على عاتقه ليعيد عليه دروس والده . أنعم الله تعالى على الشيخ الفقيد بسرعة الحفظ وشدة الضبط حتى كانت المنظومات العلمية وكتب العلم تصحح من حفظه , لقد كنا نرى ما يحكى عن بعض علماء شنقيط المتقدمين (العلامة محمود بن التلاميذ التركزي الشنقيطي) الذي يقال إن نسخة من القاموس المحيط صححت من حفظه في مصر أمراً في غاية الغرابة , حتى رأينا عياناً تصحيح نسخ مطبوعة من المنظومات العلمية الألفية من حفظ الشيخ رحمه الله وشاهدنا كيف يُثبت الصواب في الكتب المسطرة اعتماداً على ما اختزنه فؤاد الشيخ الذكي من العلم المحقق.هذا مع حسن التعليل والتدليل على ما يذكر بالشواهد التي هي على طرف لسانه وأسَلة بنانه. والتوجيه بقواعد العربية , التي هو أعلم أهل عصره بها .إنه ابن بجدتها , وجُذيلها المحكك وعذيقها المرجّب . مع علو كعبه ورسوخ قدمه في شتى الفنون , وكل الصيد في جوف الفَرا . وله في بعض محاضراته في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم استشهادات فريدة , ومحاضراته كما هو معروف غير محضّرة وذلك كما يعتذر بسبب كثرة أشغاله , وأظن أنه لا يحتاج إلى تحضير محاضرة أياً كان موضوعها, فذاكرة الرجل الثرية لا تخونه عند أدنى استدعاء , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . و تلك المحاضرات الرفيعة تزدان بحسن الإلقاء , ونصاعة العبارة و اللغة الراقية التي أعاد فيها سحر العربية وأجلى رونقها , فثَم ينعم المستمع بلذة العلم ونشوة المعرفة . لقد كان رحمة الله عليه بحراً لا تكدره الدلاء , وحدث عن البحر ولا حرج !
وكما قيل عنه فهو " سيبويه عصره " وأحد أبرز فقهاء دهره . أما رواية الأشعار فهي بمثابة النَّفس عنده كما ذكروا . وقد سمعت الشيخ د. عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي حفظه الله وأتت سيرة الشيخ محمد سالم رحمه الله قبل سنتين تقريباً فقال : "ما رأيت مثله في العربية والتفسير . وقال : ما رأيت مثله في العلم والعبادة." , ولكثرة محفوظاته من المنظوم والمنثور عرف عند العامة بـ" المكتبة المتنقلة " . ومن أراد أن يقف على طرف من أخبار هذا العالم المبارك الذي يعد ظاهرة علمية شهدها العصر فليطلع على حديث ومقال له عن بعض أخبار الشيخ الفقيد وليطالع ترجمة في بداية "متن الموثق من عمدة الموفق" كتبها تلميذه الشيخ د. عبدالله الحكمي وفقه الله وكذا ترجمة موجزة لتلميذه الشيخ عادل رفوش وفقه الله .لقد كان رحمه الله كُنيِّف مليء علماً .ولقد كان بحق جامعة علمية اجتذبت طلاب المعرفة وشداة العلم من مختلف أقطار العالم ومن شتى الأجناس يفيء عليهم في محظرته العريقة بما تجود به نفسه وما تفيض به كفه من سخاء , فكان رُحلة يؤمه أهل المشرق والمغرب. وكانت " أم القرى " -بضم القاف , و بكسرها إنباءاً عن كرم أهلها وجودهم- مثابة لطلبة العلم , يتزودون من جامعة الصحراء المرموقة أشرف العلوم وأزكاها.
ومع هذه المواهب العلمية النادرة التي اشتهر بها الشيخ والموسوعية المدهشة التي عرف بها والتي تجمع بين عمق المعرفة وسعة الاطلاع امتاز الشيخ رحمه الله بالتواضع المفرط وهضم النفس وإنكار الذات إلى درجة تبعث على الإعجاب والتقدير , ومن ذلك أنه في نهاية تصحيح نظم الآجرومية لعبيدربه الغلاوي عليه بالمسجد النبوي موسم حج عام1428, زاد الشيخ بيتاً في المنظومة لضرورة رآها فقال له أحد طلاب العلم مداعباً :احمرار , يقصد: كزيادات العلامة بن بونا على ألفية ابن مالك. فصرف الشيخ الكلام عن مديح الطالب له بلطف واستشهد ببيت المتنبي :
لقد أطال ثنائي طول لابسه إن الثناء على التنبال تنبال
وهذا من تواضع الكبار , وإلا فهو العالم الجليل الذي قال في نفس تلك المجالس وقد حلق في سبح لغوي : أخطا صاحب القاموس في كلمتين : وزى , وكلمة أخرى ذكرها .
وفي حادثة أخرى تبين حلمه وعلمه وتواضعه رحمه الله حيث جلس إليه رجل جزائري , فرحب الشيخ به وهش في وجهه وسأله من أي مناطق الجزائر سؤال العارف, وحين أخبره أنه من (قسطنطينة) , ذكر له الشيخ أن (قسطنطينة) أصلها (قسطنطينية) نسبة إلى القائد الروماني
( قسطنطين) وخففت للتسهيل ولكن ذلك الرجل قال للشيخ : لا أظن , ولم يعلل . فما زاد الشيخ رحمه الله على التبسم .
تحتشد المناقب في ساحته وتتسابق المناقب في سيرته , أجمع من عرفه على دماثة خلقه ولين جانبه وعظيم تواضعه وسماحة نفسه وكرم أخلاقه وسخاء يده وزهده وبذله العلم لأهله وتقريبه لطالبيه , مع تودده للغرباء ودعابته التي لا تنقص من هيبته ووقاره. يحبه من عرفه لأول وهلة ويراه من لا يعرفه فيرى فيه شموخ العالم وإخبات العابد وسيما الصلاح .
فرحمه الله من عالم جليل راسخ القدم , كريم الشيم , كان كالغيث حيثما نزل نفع , حمل هم الأمة و سعى في فلاحها وكانت له مواقف مشهودة في نصرها والذب عنها ففقدته ونعته .
غدا غدوة والحمد نسج ردائه فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر
مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ستفتقده المجامع الفقهية والمجالس العلمية والأندية الأدبية ومحافل الثقافة وساحات الدعوة وصروح القضاء و واحات الصحراء " المحاظر" . أخلف الله على المسلمين بعده , ولئن رحل العلامة محمد سالم رحمه الله فقد ورث علماً و ترك بعده من بقوم مقامه من أهل العلم والفضل في أهل بيته والذي هو أحد بيوت العلم والصلاح , كان الله تعالى لهم ولأوليائهم ولياً .
اللهم ارحم الشيخ محمد سالم وارفع درجته في المهديين مع النبيين والصديقين واخلفه في أهله في الغابرين واغفر له ولنا يا ارحم الراحمين . آمين .

أبو إسحاق إبراهيم
2009-06-26, 11:54 PM
على ساحل البحر ..
نخطّ على الرمل سطراً ..
ونقطف من روضه الاُنف عطرا ..
ويحكي الأسى .. أنا فقدناك ..
يا بحر العلوم ..
فقدناك ..
شمساً , وبدراً ..
فطبت يا عالم العصر ..
فوق الثرى .. وبورك أرضاَ ضمت البحر .. قبراً

أبو إسحاق إبراهيم
2009-06-26, 11:58 PM
ذكر أحد عارفي الشيخ وأصدقائه القدامى .. أنه تعرف على الشيخ محمد سالم رحمه الله في رحلة لهما على السفينة مرتحلين من موريتانيا - عند سفر الشيخ رحمه الله - إلى تونس - في الستينات , أنه سمع أن هناك ابناً نبيهاً نابغة للشيخ محمد عالي رحمه الله وأن يلقب بالبحر , وعند لقائه وتعرفه بالشيخ أنشده أبياتاً في جناس بديع .. بين البحر الذي يمخرون عبابه بالسفينة والبحر ( الشيخ )..

أبو إسحاق إبراهيم
2009-06-27, 12:45 AM
حياة الشيخ عدود
الاحد 07/06/2009
منح الله الشيخ محمد سالم ولد عدود ذاكرة قوية وهيأ له الأسباب بوجود والده ووالدته وهما موسوعتان فدرس عليهما مختلف العلوم الشرعية وتبحر فيها، وكان كل العلوم التي تدرس..






منح الله الشيخ محمد سالم ولد عدود ذاكرة قوية وهيأ له الأسباب بوجود والده ووالدته وهما موسوعتان فدرس عليهما مختلف العلوم الشرعية وتبحر فيها، وكان كل العلوم التي تدرس في هذه البلاد لديه سواء كان أيضاً على إلمام ببعض العلوم الأصلية التي يحتاج إليها الفقيه والمحدث والقاضي والداعية
فلم يكن منغلقاً على كتب معينة ولم يكن حبيس المكتبة بل كان ذهنه سائلاً وكان يطلع على المحافل العلمية وما فيها وعلى وسائل الإعلام وما تنشره المكتبات من الدراسات الحديثة ويشارك في المؤتمرات ويلقي الباحثين المبدعين ويستمع إليهم ويصحح ويقوم ويركب الأفكار من خلال ثقافته التي مصادرها متنوعة.


ويمكن أن نقسم العلوم التي تبحر فيها الشيخ إلى سلالات، فمنها – مثلاً- علم القرآن الذي يشمل سبعة علوم: علم الأداء الذي هو علم التجويد، وعلم القراءات، وكان في تطبيقه وقراءاته حريصاً على قراءة نافع وقلما يقرأ بغيرها.. والعلم الثالث علم التفسير وللشيخ إبداعات كثيرة في المقارنات والمقاربات في القرآن.. والعلم الرابع من هذه السلالة هو علم الرسم والضبط وهو من المتخصصين فيه وقد أخذه عن والدته رحمة الله عليها وكانت متقنة لهذا الفن
والفن الخامس من هذه السلالة هو علم علوم القرآن وهذا العلم يشمل العلوم المتعلقة بالقرآن التي جمعت تحت عنوان واحد كعلم أسباب النزول وعلم المكي والمدني وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الشتوي والصيفي وعلم الترجمة ونحو ذلك، وهذا العلم ألف فيه الكثير من الكتب، والشيخ كان متخصصاً فيه لأنه درسه وهو صغير.



العلم السادس من هذه السلالة هو علم تاريخ التفسير، والشيخ له مهارة تاريخية عجيبة في المقارنات في الكتب يرتبها حسب تاريخ مؤلفها ويحكم بالتصحيح والتضعيف بالتاريخ، فمثلاً في كتب السيوطي يقول في ترتيبها في أبيات له:

ما ذكر الخلال في الإتقان

وفي عقوده من الجمان

من منع الاقتباس عند مالك أكثر في تنويره الحوالك
مَن ردَه ونسب الفشارى لمن إلى تحريمه أشارا
أقول والتاريخ بالتأخير يحكم للتنوير حاوي الخير
الفن السابع هو علم طبقات القراء والمفسرين.. والشيخ له عناية بهذا الجانب لأنه من المتعلقين بالإمام الذهبي..
أما السلالة الثانية التي برز فيها الشيخ محمد سالم واشتهر بها في هذه البلاد هي سلالة علم الحديث، وتشمل سبعة فنون أيضاً منها: علم المصطلح، وقد حفظ ألفية العراقي وأتقنها وهو صغير وحفظ عدداً كبيراً من كتب شروحها ومن غيرها.
الفن الثاني هو علم الحديث رواية، وقد اجتهد في طلب الرواية وأجازه عدد كبير من مشايخ الحديث، وأول من أجازه من المشاهير الشيخ محمد طاهر بن عاشور في تونس وهو مؤلف كتاب "التحرير والتنوير" (تفسير القرآن) ومؤلف كتاب "المسوي في شرح الموطأ" ثم أجازه عدد من علماء الحجاز والشام والهند في كتب الحديث.


والعلم الثالث من علوم الحديث هو علم متون الحديث، ومن عنايته بهذا الفن أنه رتب لنفسه دراسته على نحو ما رتبه العراقي في ألفيته..
الفن الرابع هو علم شرح الحديث وقد اعتنى الشيخ محمد سالم به فاجتهد بمعرفته في شروح الصحيح للبخاري بالأخص فتح الباري للحافظ بن حجر وشرح الكرماني وإرشاد الساري للقسطلاني، فهذه الشروح الثلاثة كان مهتماً بها اهتماماً بالغاً، وكذلك شروح الموطأ وخاصة التمهيد والاستذكار لابن عبد البر والمنتقي للباجي وشرح محمد بن عبد الباقي الزرقاني.
العلم الخامس من هذه السلالة هو علم الرجال، فدرس كتاب "الجرح والتعديل" لابن حاتم الرازي، وهو من أول الكتب في علم الرجال التي اقتناها الشيخ، وكان يحفظ تقريباً التراجم التي أوردها الذهبي في ميزان الاعتدال والتراجم التي أوردها الحافظ بن حجر زيادة عليه في لسان الميزان.
العلم السادس من هذه السلالة علم التخريج ودراسة الأسانيد، وقد أولاها الشيخ عناية كبيرة.



ومن العلوم التي برز فيها الشيخ محمد سالم سلالة الفقه، وهذه السلالة فيها أربعة عشر علماً هي الفقه المذهبي، وقد تخصص شيخنا في المذهب المالكي ونظمه نظماً كاملاً، نظم أولاً مختصر خليل ثم زاد عليه بشروحه ثم زاده المدونة والعتبية والذخيرة وغير ذلك من كتب المذهب، وهذا الشرح (كتاب) من أهم ما فيه استدراكه على كل الكتب المالكية المطبوعة، ما فيها من الأخطاء يبينه، من المدونة إلى مختصر خليل، وأيضاً فإن كل فرع في المذهب المالكي من 120 ألف فرع يذكر أول من قال به، فإذا كان من اجتهاد مالك وخرج من دماغه يبين ذلك في العتبية أو المدونة، وإذا لم يكن من فقه مالك يبين أول من قال به هل هو لابن القاسم أو أشهب أو ابن نافع، وإذا لم يكن لأصحاب مالك يأتي بأول من قال به من أصحابهم كسحنون وإذا لم يكن من هؤلاء يأتي بطلابهم كـلباد ثم ينزل إلى أن يصل إلى خليل.. وهذا الكتاب طبع الآن تقريباً وقد عكف الشيخ حتى في مرضه الذي توفي فيه على إخراجه


ومن المعلوم أن الشيخ محمد سالم تولى القضاء في بداية تأسيس الدولة الموريتانية، حيث أرسل سنة 1965 ضمن بعثة إلى تونس، التي أقام فيها سنتين أتاحت له التدرب في المحاكم التونسية والاعتناء بتوثيق الأحكام فكانت المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف في تونس تعهد إليه بتحرير الأحكام دون غيره لما لمست فيه من قدرة وعبقرية، وما زال يوجد إلى اليوم سجل للأحكام التي حررها في تلك الفترة في المحاكم التونسية.
ولدى قفوله من تونس تولى الشيخ عدود منصب نائب رئيس المحكمة الابتدائية، التي كانت المحكمة الوحيدة في البلد من هذه الدرجة في ذلك الوقت الذي كان القضاء الموريتاني ينقسم فيه إلى نوعين تجسدهما غرفتين للقضاء الشرعي والوضعي، تكون رئاسة المحكمة من نصيب هذه الأخيرة.
وشغل الشيخ عدود نائب رئيس المحكمة الابتدائية مدة طويلة، عمل خلالها بصبر وأناة على إلغاء القانون الوضعي وتهذيب ما لابد منه من القانون المدني.


وخلال هذه الفترة نظم الشيخ القانون الدولي العام والقانون الإداري في ألفية تم طبعها كما سعى إلى تقنين الفقه المالكي وبدأ هذا المشروع وحده إلى أن تبنته الدولة سنة 1980 ليتوج بالمساطر الإجرائية الحالية في موريتانيا والتي من ضمنها مجلة المرافعات المدنية والتجارية.
وعين الفقيد قبل إلغاء القانون الوضعي نائباً لرئيس المحكمة العليا مدة طويلة ثم رئيساً للمحكمة العليا بعد إلغاء القانون المذكور وهذا آخر منصب له في القضاء.
وخلال رئاسته للمحكمة العليا التي كانت هي المسؤولة عن أداء القضاة جميعاً وتفتيشهم اعتنى بمسائل ومشاكل موروثة لم تحل قبله يعود بعضها إلى 170 سنة تناسختها الأجيال في الميراث ولم يحلها أي قاض قبله وهذا ما يشير إليه في شعره الشعبي الذي هو من باب الدعابة.
وقد ترك الشيخ عدود القاضي أثره وبصماته الواضحة في القضاء الموريتاني، فبالإضافة إلى المساطر القانونية التي أشرف على إعدادها، تتلمذ عليه العديد من القضاة النابهين الذين أخذوا عنه ولازموه.
وفي مجال الدعوة وإصلاح شأن المسلمين والذود عن حياض الإسلام كان الشيخ يشعر في شبابه بالمرارة لسيطرة الاستعمار على البلد وعمل جاهداً على التخلص منه وجسد ذلك في شعره حيث يقول:
كفى حزنا أن لا يزال يقودنا على الخسف داع من دعاة جهنما
كما عمل على إصلاح التعليم عبر مشاركته في وضع المناهج التربوية في المعهد التربوي الوطني ومدرسة تكوين المعلمين والمدرسة الوطنية للإدارة، ومشروع جامعة نواكشوط.


وفي المجال الدعوي كان الفقيد من أوائل المحاضرين في هذا البلد في الموضوعات الدعوية العامة، حيث اعتنى بترشيد الشباب وتهذيب الشيوخ وفي ذلك يقول:
شكي دين الهدى مما دهاه أيدي جامدين وملحدينا
شباب يحسبون الدين جهلا وشيب يحسبون الجهل دينا
وفي المجال الاجتماعي بالخصوص كان الشيخ من كبار المصلحين في هذا البلد فحارب كثيراً من العادات الاجتماعية السيئة وقضى على كثير منها وكان يغير كثيراً مما درج الناس عليه في هذه البلاد من العادات الاجتماعية المخالفة للدين ومن ذلك قضاؤه على بدعة معروفة تعرف "بحل أصرر" وهي عادة نصرانية لم يكن الناس يستشعرون أصلها النصراني، وكذلك بعض البدع الأخرى التي أزالها أو تمكن من إزالتها ولو جزئياً في بعض المناطق.
ويتمتع الشيخ عدود رحمه الله بملكة عجيبة في الحفظ ورثها عن والده محمد عالي، الذي يعرف عنه أنه كان يحفظ كل ما يسمع، وقد درب ابنه الشيخ محمد سالم على ذلك حتى صقل هذه الملكة والموهبة.


فحدث أن اصطحب الشيخ محمد عالي ولده محمد سالم وكان يدرسه ترجمة الفاعل وشواهد كثيرة لها، ولما جلسا قال محمد سالم لوالده لقد حفظت 50 بيتاً من هذه الشواهد في السماع الأول وأنشده إياها. وفي المجال الإنساني كان الشيخ رقيقاً حنوناً إذا رأي ضعيفاً أو مظلوماً لم تمنعه الشجاعة المعروفة عنه من أن تسيل دموعه ويرق لحاله، حيث كان يحضر مجالس العزاء والمناسبات الاجتماعية وينصح الناس، رجالاً ونساءً و أطفالاً وكباراً، ويصحب حتى من هم أصغر سنا منه، ومثال ذلك صداقته لجمال ولد الحسن الذي كان بمثابة ولده وكذلك إبراهيم ولد الشيخ سيديا.
وكانت لديه صداقة حميمة مع كبار السن فالمختار ولد حامد وعدد كبير من الذين اشتركوا معه في العمل أصدقاء له رغم أن المختار كان بسن والده.
والشيخ رحمه الله لم يكن يضربنا في تأديبه لنا وإنما كان إذا رأي من أحدنا ما لا يرضيه يغضب غضباً شديداً حتى يجف لسانه عن الكلام ولم يضرب أحداً منا قط.
ومن المعلوم أن محظرة الشيخ قديمة يعود تاريخ إنشائها إلى حوالي 300 سنة كما أن والده يعتبر أحد أعلام هذه المحظرة، الذين أعطوها شهرة كبيرة. ورغم أن الشيخ شغل عن التدريس في المحظرة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يشغل جميع وقته بالتدريس، حتى في الطائرة ومن ذلك قوله:
وبعضه نظمته في القاهرة وبعضه نظمته في الطائرة
وفي فترة عمله كان له طلاب يرافقونه وكان إذا أخذ الإجازة عاد إلى المحظرة ليزاول التدريس فيها.
وكانت محظرته تستقبل طلاباً من الشيشان وأذربيجان وأوربا وأمريكا ومن داخل البلاد.


وفي المحظرة الآن نساء من الجزائر ومن ليبيا يدرسن كما يدرس أزواجهن وهذه ورثها كذلك عن والده. والشيخ محمد سالم كان يرى أن العلم حق للجميع وأنه عبادة بذاتها كما كان والده يقول: لا فرق عندي بين الصلاة والقراءة والتدريس فكلاهما يلزم الخشوع ويلزم أن يكون عبادة لله خالصة وكان يكره الكلام أثناء التدريس.

------------------------------------------------------------
منقول عن موقع الإسلام ويب ( islamweb.net)

أبو إسحاق إبراهيم
2009-07-31, 12:45 AM
إلى الله .. في الخالدين

أبو إسحاق إبراهيم
2009-07-31, 12:47 AM
وأخبر الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي وفقه الله وحفظه أنه رافق الشيخ محمد سالم رحمه الله في بداية الستينيات الميلادية (62 تقريباً) فوجده بحراً لا ساحل له في الحفظ .. وعالماً مكتملاً .

القرافي المالكي
2009-08-03, 04:53 PM
بارك الله فيك على ما نقلت.

أبوخالد الجكني
2010-12-15, 01:33 AM
رحم الله تعالى الشيخ رحمة واسعة على بذله وسعيه.فقد أفدنا منه كثيرا

أبوطلحة الجزائري
2010-12-18, 11:47 PM
والله من يقرأ ترجمته يظن أن الرجل عاش 400 سنة، فلله دره و رحمه الله رحمة واسعة.

محب طلب العلم
2011-07-21, 12:19 AM
هل للشيخ دروس صوتية؟

أبو عبد الرحمن الجزائري
2011-07-21, 12:29 AM
العلامة محمد فال ولد عبد الله(اباه) شيخ محظرة النباغية يرثي العلامة محمد سالم ولد عدود:


أما تبرح الأيــام من أمرهـا الإمــر * تقلب أحشـاء القلـوب على جمـر

يتـابعنـا طــولَ الليـالي تبيعُهــا * متـابعـة المثـؤور فى طلب الثـأر

فمـا تنقضي أوتـارهـا الدهر عندنـا * فمن ذا لنا منهـا يطـالب بالوتـر

تحذرنـا منهــا الغـرورَ بـواطـنٌ * وإن كـان زهو من ظواهرها يُغري

أيـا دهـر روعت القلـوب بداهــم * على العلم والتقــوى كأنك لاتدري

ألست بهـذا الشيـخ أقـررت أعينـا * وشنفت آذانـا بواسطـة النحــر

فمـا لك إن فــاكهتنـا بحــلاوة * تنغص ذاك الحلـو يادهـر بالمـر

فجعت العلى والمكـرمـات بسـالـم * فأبدلت منهـا سـالم الجمع بالكسـر

رددت من العليــاء للعجز صدرهـا * وقد كان رد العجز أصلا على الصدر

فمـاذا به تصديـر غُـــر منـاقب * أبى كلُّهـا إلا الـتصدرَ بالقســـر

له نـافع العـلم الذى هـو عـاصـم * إلى ما ازدهى وازدان من عمل البـر

إذا ما تلا الذِّكْرَ الحكيـم يســـوقـه * إلى سُنَنٍ قد كـان منهـا على ذُكـر

يسيـرعلى هذا سحـابـةََ يــومـه * ويسري مع الليل البهيـم إذا يسـري

له عِز إيمــان وخشيـةُ عـــالم * إلى دَل إخبـات ومنهـاج مُستبـري

وأخلاقه مثل النسيـم الذي يســري * بنشر مشيج من كِبـاءٍ ومن نِسر(ين)

وإن سيـم دين الله بالخـسف ينقلـبْ * على حِلمه ليثـا هزبـرا أبـا أجـر

وكـم أدب منـه يلف معــانيـــا * فحـق لذاك اللف بعض من النشــر

فـآدابـه قد كـن روضـة نـاظـر * ولاروضـة غنـاء زاهيـة الزهــر

فكـم من أمـال طـارحتهـا نـوادر * ومقصـورة قد سـاجلت دمية القصـر

فأشهـى إلى الآذان من رعـد مُسْنِتٍ * وأحلى لدى الأجفـان من غفـوة الفجر

يعـد لديهم شـاعر الفقهـا كمـــا * يعد - ولا إطرا - فقيـه ذوى الشعـر

ولله منـه ذاكــرٌ ومذكِّــــرٌ * بتذكيـره ارتـاحت نفـوس ذوى الذِّكر

وإن عدت عنه بعد إيضـاح مشكـل * تقـول كـأني كنت منـه على خُبــر

وإن تشك وعرا من حدود ابن عُرْفَـةٍ * نـزلت هنـاك السهل من ذلك الوعـر

ومـا لابن رشد ينتمـي وابن راشد * وما قد عزا القاضى إلى شيخه الفهري

وإن خضت فى أصلي كتـاب وسنـة * رأيت لـديـه البحـر مدا بـلا جـزر

إلى غير هذا من علــوم فإنـه * يطــول بك استقراؤه حيث تستقـري

مصـاب جليـل غير أن مصـابنـا * بخيـر البـرايـا بالذى بعده يـزري

ولسنـا نسب الدهـر إن صروفـه * يقلبهـا فى ظـرفـه مـالـكُ الدهـر

تبـاركت ربي حُكْمُك العَـدْلُ نـافـذٌ * بمـا لك من خَلـقٍ وما لك من أمــر

سقـى الله قبـرا حله وابـل الرضـى * يحف ببشـر قد أضيف إلى بشـر

فروضـاته من زهـره الغض تـزدهي * وأنهــاره من تحت جنـاتـه تجـري

وكـان لـه فى الأهـل خيـر خليفـة * وألهـم كـلا بعـده أجمـلَ الصبـر

عليكـم سـلام أهـلَ ذا البيت إنكــم * بدور تمــام فى العلـى وبنـو بـدر

بحـور علــوم بل نجــوم هـدايـة * بأفق سمــاء فى صميم من الفخــر

هـو البيت بيت المكـرمــات فعلمـه * تألف من شطـر وتقــواه من شطـر

فأبقــاهم المولـى الكـريم وحـاطهـم * بســور من الحفظ المعـزز بالنصـر

محمد عبد العزيز الجزائري
2012-01-10, 05:35 PM
أسأل الله تعالى أن يغفر للشيخ ابن عَدُّود ويرحمه ويزيده في إحسانه ويعلي درجاته ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنَّة...
إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وإنَّا على فقد ابن عدُّود لمحزونون ولا نقول إلاَّ ما يُرضي ربَّنا؛ فالحمد لله على كلِّ حال.

ابراهيم الغامدي ابو احمد
2012-01-10, 05:53 PM
رحمه الله الشيخ الجليل محمد سالم بن عدود
رحمة واسعة وجمعنا به في جنته و اسكنه الجنه