عبد الرحمان المغربي
2009-04-19, 03:28 AM
فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحها حتى لا تنشأ أجيال تسلم عقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟
بعد أن غرست الصحوة الإسلامية جذور شجرتها في تربة مجتمعاتنا، فأثمرت قطاعات واسعة من المؤمنين بأهمية العمل من أجل بناء حضارة كبرى، نرى أهمية عمل مراجعات للأطروحات التي ترددت في مرحلة الصحوة، على أساس أننا في عصر جديد يتطلب لغة جديدة، ومراجعات جادة لما طرح من أفكار في الفترة السابقة، لاستبقاء الصالح منها وتطوير بعضها، وهجر الفاسد منها ونبذه دون حرج، وإبداع الجديد الخلاّق النافع لمجتمعاتنا
ومن أهم الأطروحات التي طُرحت في مرحلة الصحوة وكان لها صداها مقولة تتردد بأن في الإسلام أجوبة على كل مشاكلنا، وهي مقولة تحتاج تفصيلاً وتوضيحاً. فهل المقصدود منها أن هناك وصفة جاهزة (Manual) بمجرد تطبيقها في السياسة والاقتصاد والاجتماع ستتحصل المجتمعات على النتائج التي تصبو إليها؟ أم أن المقصود أن المبادئ العامة للإسلام تصلح أن تقوم عليها حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، أما تفصيلاتها فهي محل اجتهاد يقوم به البشر، وهم في ذلك عرضة للصواب والخطأ مثل غيرهم؟ وما هي المجالات التي يقدم فيها الإسلام (الكتاب والسنة) حلاً مباشراً، فيُسأل فيها عن الجواب، وما الجوانب التي تقدم حلولها الخبرة الإنسانية المتراكمة – والتي تبلورت في علوم إدارية واقتصادية وسياسية..الخ؟
وهنا يجب التمييز بين الأجوبة... الأجوبة التفصيلية والأجوبة العامة، فالإسلام في بعض القضايا قدم أجوبة تفصيلية مثل العبادات وكيفية أدائها بشكل صحيح، وبعض قوانين الأحوال الشخصية كالمواريث. وهناك قضايا – وهي الأكثر- لم يورد الإسلام فيها أجوبة تفصيلية، بل ترك للعقل البشري الحرية في إبداع الأجوبة عنها، وهي بصفة عامة تشمل أمور الحياة اليومية، وليس حادث تأبير النخل ومقولة الرسول – صلى الله عليه وسلم- "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" عنا ببعيد.
وحتى المبادئ العامة التي جاء بها الإسلام كالعدل والشورى لا تأخذ لونها في الحياة إلاّ بجهد عقل بشري، فالنصوص أجملت – على سبيل المثال- قضية الشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، أما آليات وأدوات تحقيق هذه الشورى، فلم يفصل الإسلام القول فيها، على أساس أنها ستتغير بتغير الزمان والمكان واحتياجات البشر وتعقّد ظروف حياتهم.
إن الانتقال من الصحوة إلى اليقظة يتطلب تقديم أجوبة حقيقية على أسئلة الواقع، وإذا كانت هذه الأجوبة منطلقة بالأساس من عقل بشري، فلم يتم نسبتها إلى الإسلام على أساس أن هذه هي إجابة الإسلام على سؤال الواقع!! بل هي إجابة المسلمين على أسئلة الواقع، والفارق كبير كما لا يخفى. فإذا كان لدينا خبيران ينطلقان من المبادئ الإسلامية، وطُرحت عليهما مشكلة ما تتطلب حلاً، فليس من المستغرب أن يأتي أحدهما بحل أفضل من الآخر؛ لأننا هنا لا نحاكم إسلامهما، بل نحاكم عقولهما التي تبدع الحلول، فليس بالضرورة أن كل عقل ينطلق من المبادئ الكبرى للإسلام قادر على تقديم أجوبة فعّالة على أسئلة الواقع، وها نحن نشهد أشكالاً مختلفة ومتباينة من الحلول، بداية من الحل الطالباني ومروراً بالحل السوداني وانتهاء بالحل التركي.
من حق الآخرين أن يسألوا.. إن كان الإسلام جواباً.. فأين إجابته عن أسئلة المؤسسات التي أنشأها "إسلاميون" وأخفقت، وإذا كان الإسلام جواباً.. فلم نر أحياناً جهوداً كبيرة تعجز عن حل معضلات الواقع الصعب الذي تعيشه، ألم يقدم الإسلام لها جواباً في ذلك؟ أم أن التحدي كان في إبداع العقل البشري آليات التطوير المناسبة.
وإذا كان في الإسلام جواباً.. فلِمَ لمْ تفلح الكثير من الجهود في إيجاد معادلة التعامل مع مجتمعاتها ومحيطها، والوصول إلى حلول للمأزق القائم في كثير من البلاد الإسلامية... أليس الإسلام يمتلك جواباً؟ فما هو هذا الجواب؟ ولِم لا يعمل في الواقع؟ أم أن الحل الإسلامي لا يعمل إلاّ بعد التمكين، ويزهد في تقديم حل عملي لمشكلة التدافع قبله... وهل يُعزى هذا العجز للإسلام أم للعقل البشري وعدم ابتكاره الحل؟ كيف يمكن إقناع الجمهور العريض أن الإسلام سيحل مشاكل دولتهم مع الأمم الكبرى، بينما الذي يظهر أن المسلمين أحياناً لم يتمكنوا من "تخليق" البدائل في ضوئه للتغلب على واقعهم الداخلي.
إن كل هذ الأسئلة بالتأكيد يأتي قصورها من العقل البشري، والإسلام بريء منها، وهو غير مسؤول كدين عن طريقة عمل عقليات معتنقيه بعد أن أمرهم بالتفكر والنظر.
إن على شباب اليقظة أن يعي أن الإسلام (كدين) يجب ألاّ يُقحم قسراً في معركة ليست معركته، بل تسيء له إساءة بالغة.
فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحها حتى لا تنشأ أجيال تسلم عقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟
منقول
بعد أن غرست الصحوة الإسلامية جذور شجرتها في تربة مجتمعاتنا، فأثمرت قطاعات واسعة من المؤمنين بأهمية العمل من أجل بناء حضارة كبرى، نرى أهمية عمل مراجعات للأطروحات التي ترددت في مرحلة الصحوة، على أساس أننا في عصر جديد يتطلب لغة جديدة، ومراجعات جادة لما طرح من أفكار في الفترة السابقة، لاستبقاء الصالح منها وتطوير بعضها، وهجر الفاسد منها ونبذه دون حرج، وإبداع الجديد الخلاّق النافع لمجتمعاتنا
ومن أهم الأطروحات التي طُرحت في مرحلة الصحوة وكان لها صداها مقولة تتردد بأن في الإسلام أجوبة على كل مشاكلنا، وهي مقولة تحتاج تفصيلاً وتوضيحاً. فهل المقصدود منها أن هناك وصفة جاهزة (Manual) بمجرد تطبيقها في السياسة والاقتصاد والاجتماع ستتحصل المجتمعات على النتائج التي تصبو إليها؟ أم أن المقصود أن المبادئ العامة للإسلام تصلح أن تقوم عليها حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، أما تفصيلاتها فهي محل اجتهاد يقوم به البشر، وهم في ذلك عرضة للصواب والخطأ مثل غيرهم؟ وما هي المجالات التي يقدم فيها الإسلام (الكتاب والسنة) حلاً مباشراً، فيُسأل فيها عن الجواب، وما الجوانب التي تقدم حلولها الخبرة الإنسانية المتراكمة – والتي تبلورت في علوم إدارية واقتصادية وسياسية..الخ؟
وهنا يجب التمييز بين الأجوبة... الأجوبة التفصيلية والأجوبة العامة، فالإسلام في بعض القضايا قدم أجوبة تفصيلية مثل العبادات وكيفية أدائها بشكل صحيح، وبعض قوانين الأحوال الشخصية كالمواريث. وهناك قضايا – وهي الأكثر- لم يورد الإسلام فيها أجوبة تفصيلية، بل ترك للعقل البشري الحرية في إبداع الأجوبة عنها، وهي بصفة عامة تشمل أمور الحياة اليومية، وليس حادث تأبير النخل ومقولة الرسول – صلى الله عليه وسلم- "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" عنا ببعيد.
وحتى المبادئ العامة التي جاء بها الإسلام كالعدل والشورى لا تأخذ لونها في الحياة إلاّ بجهد عقل بشري، فالنصوص أجملت – على سبيل المثال- قضية الشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، أما آليات وأدوات تحقيق هذه الشورى، فلم يفصل الإسلام القول فيها، على أساس أنها ستتغير بتغير الزمان والمكان واحتياجات البشر وتعقّد ظروف حياتهم.
إن الانتقال من الصحوة إلى اليقظة يتطلب تقديم أجوبة حقيقية على أسئلة الواقع، وإذا كانت هذه الأجوبة منطلقة بالأساس من عقل بشري، فلم يتم نسبتها إلى الإسلام على أساس أن هذه هي إجابة الإسلام على سؤال الواقع!! بل هي إجابة المسلمين على أسئلة الواقع، والفارق كبير كما لا يخفى. فإذا كان لدينا خبيران ينطلقان من المبادئ الإسلامية، وطُرحت عليهما مشكلة ما تتطلب حلاً، فليس من المستغرب أن يأتي أحدهما بحل أفضل من الآخر؛ لأننا هنا لا نحاكم إسلامهما، بل نحاكم عقولهما التي تبدع الحلول، فليس بالضرورة أن كل عقل ينطلق من المبادئ الكبرى للإسلام قادر على تقديم أجوبة فعّالة على أسئلة الواقع، وها نحن نشهد أشكالاً مختلفة ومتباينة من الحلول، بداية من الحل الطالباني ومروراً بالحل السوداني وانتهاء بالحل التركي.
من حق الآخرين أن يسألوا.. إن كان الإسلام جواباً.. فأين إجابته عن أسئلة المؤسسات التي أنشأها "إسلاميون" وأخفقت، وإذا كان الإسلام جواباً.. فلم نر أحياناً جهوداً كبيرة تعجز عن حل معضلات الواقع الصعب الذي تعيشه، ألم يقدم الإسلام لها جواباً في ذلك؟ أم أن التحدي كان في إبداع العقل البشري آليات التطوير المناسبة.
وإذا كان في الإسلام جواباً.. فلِمَ لمْ تفلح الكثير من الجهود في إيجاد معادلة التعامل مع مجتمعاتها ومحيطها، والوصول إلى حلول للمأزق القائم في كثير من البلاد الإسلامية... أليس الإسلام يمتلك جواباً؟ فما هو هذا الجواب؟ ولِم لا يعمل في الواقع؟ أم أن الحل الإسلامي لا يعمل إلاّ بعد التمكين، ويزهد في تقديم حل عملي لمشكلة التدافع قبله... وهل يُعزى هذا العجز للإسلام أم للعقل البشري وعدم ابتكاره الحل؟ كيف يمكن إقناع الجمهور العريض أن الإسلام سيحل مشاكل دولتهم مع الأمم الكبرى، بينما الذي يظهر أن المسلمين أحياناً لم يتمكنوا من "تخليق" البدائل في ضوئه للتغلب على واقعهم الداخلي.
إن كل هذ الأسئلة بالتأكيد يأتي قصورها من العقل البشري، والإسلام بريء منها، وهو غير مسؤول كدين عن طريقة عمل عقليات معتنقيه بعد أن أمرهم بالتفكر والنظر.
إن على شباب اليقظة أن يعي أن الإسلام (كدين) يجب ألاّ يُقحم قسراً في معركة ليست معركته، بل تسيء له إساءة بالغة.
فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحها حتى لا تنشأ أجيال تسلم عقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟
منقول