نور السلفية
2009-03-22, 12:56 PM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
بين يدي المبحث قبل أن نشرع في الكلام على مبحث الأسماء والصفات وتعدادها يحسن بنا أن ننبه على بعض النقاط المهمة التي لها صلة وثيقة بالموضوع. أ- إن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود، والقائم بالنفس والمخالف للحوادث، فإن هذه الألفاظ يخبر بها عن الله تعالى، ولا تدخل في باب أسمائه الحسنى، ولفظ (القديم) من هذا الباب لعدم ورود النص به، وباب الأسماء والصفات توقيفي، كما لا يخفى. ب- إن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه تعالى، بل يطلق عليه منها كمال فقط، وهذا كالمريد والفاعل والصانع عند الإطلاق، بل هو فعال لما يريد. فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، فيقال لفاعل الخير فاعل كما يقال لفاعل الشر فاعل، وكذلك المريد والصانع، ولهذا إنما أطلق الله على نفسه من ذلك أكمله. جـ- لا يلزم من الإخبار عنه تعالى بالفعل مقيداً أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى، المضل والفاتن والماكر، والمستهزئ والساخر مثلاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة، فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة. والله أعلم. د-لم يرد حديث صحيح يعتمد عليه في تعداد الأسماء الحسنى التسعة والتسعين وحصرها وهي التي من حفظها دخل الجنة، أو في غيرها من أسمائه الكثيرة التي سمى الله بها نفسه فأنزلها في كتابه أو علمها أحداً من خلقه، ولكن اعتماد أهل العلم في ذلك على الكتاب العزيز مع بعض الآثار التي يشهد لها الكتاب، فأسماؤه من كمالاته، وكمالاته لا تدخل تحت الحصر، وقد أطال الكلام بعض أهل العلم في الأسماء الحسنى حتى ذكر ابن العربي في شرح الترمذي عن بعضهم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله تعالى ألف اسم274. ?- قال الحافظ ابن حجر في التلخيص - بعد أن ذكر أقوال بعض أهل العلم في تعداد الأسماء الحسنى: "وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسماً، ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك، فإن ما ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن الكريم" إلى آخر كلامه. و- حديث أبي هريرة في تعداد الأسماء الحسنى الذي اعتمد عليه كثير من الناس في تعداد الأسماء الحسنى مثل القشيري والرازي والقرطبي والغزالي، ضعيف، وعلته (الوليد بن مسلم) والحديث الثاني الذي صححه (الترمذي) أضعف وعلته (عبد العزيز بن حصين). قال الحافظ: متفق على ضعفه، ووهّاه البخاري ومسلم275، وقد زلت أقدام كثير من أهل الكلام في هذا المبحث على اختلاف مواقفهم، منهم من أثبت أسماء مجردة عن المعاني والأوصاف، كأعلام محضة وزعم أن الله سميع بلا سمع، عليم لا علم، مثلاً إلى آخر الصفات. ومنهم من ينفي الصفات والأسماء، ليزعم تصور وجود ذات مجردة عن الأسماء والصفات معاً، وهو من أفسد مزاعمهم، لأنه ضرب من المحال، فلنسمع الحافظ ابن القيم وهو يناقش هذه المزاعم ويفندها ليكشف عوارهم إذ يقول رحمه الله - وهو يتحدث عن دلالة الأسماء على صفات الكمال -: إن أسماء الله تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات فهي أسماء وهي صفات، وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ولساغ وقوع الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقم، واللهم أعطني، فإنك أن الضار المانع، ونحو ذلك. ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى: {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}276، ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}277، فعلم أن (القوي) من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة، وكذلك قوله: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}278، وساق أمثلة كثيرة من القرآن والأحاديث الصحيحة إلى أن قال: لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنها بأفعالها. فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع من ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة، استحال ثبوت حكمها، وأيضاً فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت كلها سواء ولم يكن فرق بين مدلولاتها: وهذه مكابرة صريحة، وبهت بيّن. فإن من جعل معنى اسم (القدير) هو معنى اسم (السميع البصير)، ومعنى اسم (التواب) هو معنى اسم (المنتقم)، ومعنى اسم (المعطي) هو معنى اسم (المانع)، فقد كابر العقل واللغة والفطرة. فنفي أسمائه من أعظم الإلحاد فيها: والإلحاد فيها أنواع، هذا أحدها، والثاني تسمية الأوثان بها، كما يسمونها آلهة إلى أن قال رحمه الله: وحقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها وإخراج حقائق معانيها عنها. هذه حقيقة الإلحاد279 اهـ. وقال في موضع آخر من كتابه (مدارج السالكين): "إن الاسم من أسمائه تبارك وتعالى، كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة280، فإنه يدل دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم. فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم. فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام وكذلك سائر أسمائه وصفاته281 اهـ. هذا وقد أفاض الحافظ ابن القيم في هذا المبحث في كتابه (مدارج السالكين) بما لعله لا يوجد لغيره مجتمعاً في موضع واحد. وقد أشار الإمام البيهقي إلى هذا المعنى الذي أفاض فيه الحافظ ابن القيم رحمه الله، حيث يقول: "فلله عَزَّ اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه"282 ا.هـ وأما الفرق بينهما، فإن الصفات إنما هي من معاني أسمائه الحسنى، والأسماء دالة عليها كما تدل على الذات، إما بالمطابقة أو بالالتزام على ما تقدم بيانه في كلام ابن القيم قريباً. وهذا معنى قول الإمام البيهقي: "وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه". من هنا يتضح جلياً بطلان مذهب المعتزلة وتناقضهم، حيث ينفون الصفات مع إثباتهم لأحكامها، لأنه من المعلوم ضرورة إذا عدم الوصف الذي منه الاشتقاق، فالاشتقاق منه مستحيل، فإذا لم يقم العلم والقدرة بذات مثلاً استحال أن نقول: هي عالمة وقادرة، ولست أدري كيف استساغت عقول المعتزلة وهضمت هذا التناقض، حيث يقولون: إن الله تعالى قادر وعالم لكن لا بقدرة ولا بعلم!! وأنا أعتقد جازماً أن البدوي الجالس أمام خيمته وعند غنمه لو سمع هذا التناقض الذي استساغه العقل المعتزلي، لأنكره ذلك البدوي وسخر منه، لأنه خلاف المنطق، وخلاف العقل السليم الذي يتبلبل بعد بعلم الكلام الاعتزالي وتناقضاته، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من عباده. وسوف نورد بعض النصوص التي تدل على الأسماء الحسنى منها: 1- قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}283. 2- قوله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}284. 3- قوله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}285. 4- حديث حذيفة بن اليمان الذي يقول فيه: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أوى إلى فراشه قال: "اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت، وإذا أصبح قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"286. 5- حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي يقول فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء"287. 6- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"288، وزاد في بعض الروايات: "وهو وتر يحب الوتر". 7- حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر، وهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، وفي رواية المغيث بدل: المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعال، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع289، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث الرشيد، الصبور، الكافي"290 ا.هـ قال الإمام البيهقي بعد أن ساق عدة روايات في هذا الباب وفيها: "من أحصاها دخل الجنة"، قال رحمه الله: وليس في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" نفي غيرها، وإنما وقع التخصيص بذكرها لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني. وفيها ورد الخبر أن من أحصاها دخل الجنة. وفي رواية سفيان: "من حفظها" وذلك يدل على أن المراد بقوله: "من أحصاها" من عدها. وقيل: من أطاقها بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها، في معاملة الرب بها سبحانه، وقيل معناه: من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها والله أعلم291 اهـ. وبعد أن انتهى الإمام البيهقي من سرد الأسماء ذكر معاني الأسماء بالجملة، ثم فصل القول فيها تفصيلاً لم يسبق إليه فيما نعلم حيث نوع الأسماء تنويعاً: نوع يتبع إثبات الباري جل ثناؤه مثل (القديم)292، وإن كان هذا الاسم غير معدود من أسماء الله الحسنى، ولكنه ذكر بالمعنى لأنه بمعنى "الأول الذي ليس قبله شيء" وقد مثل لهذا النوع بعدة أسماء ثم عقد فصلاً آخر لنوع آخر من الأسماء يتبع إثبات وحدانيته عز وجل ومثّل لهذا النوع بعدة أسماء منها: (الواحد) ومنها (الوتر) (الكافي) إلى آخر تلك الأسماء الكثيرة التي وزعها على عدة فصول في أول كتابه (الأسماء والصفات). ومما يشهد للإمام البيهقي فيما ذهب إليه -وهو الحق- من أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في الأسماء التسعة والتسعين المذكورة في بعض الأحاديث السالفة الذكر التي يفهم منها من أول وهلة أن أسماء الله الحسنى هي هذه فقط، التي يمكن حفظها وإحصاؤها - مما يشهد للإمام فيما ذهب إليه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كثر همه فليقل: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو ألهمت عبادك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وفي لفظ: في مكنون الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء همي وغمي، ما قالها عبد قط إلا أذهب الله غمه وأبدله فرجاً"، وفي بعض النسخ (فرحاً) بالحاء المهملة، رواه رزين293. والحديث يدل بكل وضوح على أن أسماء الله كثيرة ومتنوعة حسب توزيع الحديث المذكور وهو أمر واضح، لأن كمالات الله لا تتناهى، بل هو موصوف بكل كمال سبحانه {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}294. هذا، وإتماماً للفائدة ولإعطاء هذه النقطة ما تستحق من البحث، أنقل هنا ما ذكره الحافظ ابن القيم عند قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الآية، لنقف على حقيقة الإلحاد وأنواعه، علماً بأنه قد تقدم بعض ما ذكره هنا فيما أسلفنا. وهاك ملخص كلامه رحمه الله - وهو يتحدث عن معاني الإلحاد-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ}295. ومن أعظم أنواع الإلحاد في أسمائه تعالى إنكار حقائقها ومعانيها والتصريح بأنه مجازات، وهو أنواع: وهذا أحدها. وثانيها: إنكار الأسماء كلية، وهذا يصدق على الجهمية الذين ينفون الأسماء والصفات معاً، وهم أسوأ حالاً من المعتزلة الذين ينفون الصفات، مع إثباتهم296 للأسماء، ولو شكلياً حيث يزعمون أنه تعالى سميع بلا سمع، عليم بلا علم. وثالثها: تشبيه الله تعالى في صافته، وفي معاني أسمائه بصفات المخلوقين وأسمائهم، وهذا النوع من الإلحاد يشمل المشبهة الذي يشبهون الله بالمخلوق في أسمائه وصفاته، ويشمل المعطلة الذي يشبهونه أولاً حيث زعموا أنهم لا يفهمون من الأسماء والصفات إلا الحقائق التي تليق بالمخلوق، ثم ينفون أسماء الله وصفاته بدعوى التأويل لأن إثباتها على ظاهرها يوقع في التشبيه ولهذا يقال فيهم: إنهم يشبهون أولاً، ثم يعطلون ثانياً، ويقال: كل مشبه معطل، وكل معطل مشبه، لأن المشبهة قد عطلوا البارئ عما يليق به بتشبيههم إياه بالمخلوق. كما أن المعطلة قد شبهوه بتعطيله عن صفات الكمال - وصفاته كلها كمال- بجمادات لا توصف بأي صفة لا بالعلم، ولا بالبصر مثلاً. وقد أورد هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من كتبه كالحموية والتدمرية، وقد أنكر الحافظ ابن القيم وجود طائفة معينة تعتقد أن الثابت لله تعالى من صفاته مماثل للمعاني الثابتة للمخلوق فيجعل هذا مذهباً له ويقف عند هذا الاعتقاد دون تأويل كما فعلت المعطلة، هكذا يرى الإمام ابن القيم، ولكننا إذا راجعنا معتقدات بعض الطوائف المنحرفة في عقيدتها نجد (الهشامية) وهم أتباع هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم (جسم وله نهاية، وله حد، طوله كعرضه وعمقه) إلى آخر كلام طويل كله تشبيه وتجسيم. وزعيمهم (هشام بن الحكم) أول من أظهر إطلاق لفظ (التجسيم) من متكلمة الرافضة297. وهناك خمسة فرق من الروافض ولكنهم يقولون بالتجسيم مع اختلافهم في الأسلوب والتفسير، وتوجد هشامية أخرى أتباع هشام بن سالم الجواليقي، التي تزعم أن معبودها على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً، إلى آخر تلك الأوصاف الكفرية، فهما طائفتان جمعهما الإلحاد بالتشبيه والتجسيد وفرقتهما كيفية ذلك التشبيه والصورة. ولعل الإمام ابن القيم يرى أن معبودهم الذي بتلك الصفات ليس هو رب العالمين -وهو الواقع- حتى يقال: إنهم شبهوا الله بخلقه، ولكنهم اتخذوا معبوداً آخر بتلك الصورة. والله أعلم. وإلا فإنهم قد شبهوا أقبح التشبيه، ثم لم يؤولوا كما أولت المعطلة. ويجزم الإمام ابن القيم أن المراد بالمشبهة الذين عُنيَ القرآن بالرد عليهم هم أولئك الذين يثبتون للمخلوق علماً كعلم الخالق، وقدرة كقدرة الخالق، وتصرفاً في الكون كتصرفه حتى عبدوا مخلوقاً مثلهم بعد هذا الغلو فيه، كما يعبد الموحد ربه سبحانه بأنواع العبادات من التذلل والخضوع والذبح والنذر وغير ذلك. ويرى ابن القيم أن هذا هو الواقع من بني آدم قديماً وحديثاً يشبهون أوثانهم وأصنامهم ومعبوداتهم بالخالق. وقطعاً لا يعرف إبّان نزول القرآن غير هذا النوع من التشبيه، وهذا ما يعنيه ابن القيم. وقد ساق عدة آيات مؤيداً بها ما ذهب إليه. مثل قوله تعالى: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}298، أي من يساميه ويماثله، وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}299، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}300. قال ابن القيم - وهو يلخص معنى الآيات الثلاث التي ساقها مؤيداً بها مذهبه وهو الصواب - فيما يظهر لنا- فنفي عن المخلوق مماثلته، ومكافأته ومساماته الذي هو أصل شرط بني آدم، فضرب المتكلمون عن ذلك صفحاً وأخذوا يبالغون في الرد على من شبه الله بخلقه، يقول الإمام ابن القيم: "لا نعلم فرقة من بني آدم استقلت بهذه النحلة وجعلتها مذهباً تذهب إليه، حتى ولا المجسمة المحضة الذين حكى أرباب المقالات مذاهبهم كالهشامية والكرامية301، الذين قالوا: إنه جسم لو يقولوا: إنه مماثل للأجسام بل صرحوا بأن معنى كونه جسماً أنه قائم بنفسه موصوف بصفات"302 اهـ. وله رحمه الله كلام نفيس في كتابه (شفاء العليل) عند الكلام على حديث ابن مسعود الذي تقدم ذكره أن يقول رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام: "أسألك بكل اسم هو لك سميت له نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثر به في علم الغيب عندك". قال رحمه الله: إن كانت الرواية محفوظة هكذا ففيها إشكال، فإنه جعل ما أنزله في كتابه أو علّمه أحداً من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، قسيماً لما سمى به نفسه! ومعلوم أن هذا التقسيم تفصيل لما سمى به نفسه، فوجه الكلام أن يقال: سميت به نفسك، فأنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. فإن هذه الأقسام الثلاثة تفصيل لما سمى به نفسه. وأجاب الحافظ على هذا الإشكال بجواب مستفيض وحقق تحقيقاً قلّ ما يوجد له نظير - فيما علمنا- وملخصه هو الآتي: إن العطف بين هذه الجمل من باب عطف الخاص، لأن كل جملة أخص من التي قبلها، والمعهود في باب عطف الخاص على العام أن يكون بالواو دون سائر حروف العطف إلا أن العطف بـ"أو" على العام له فائدة أخرى غير الفائدة التي في العطف بالواو. وهي بناء الكلام على التقسيم والتنويع كما بنى عليه تاماً. فيقال: سميت به نفسك فإما أنزلته في كتابك. وإما علمته أحداً من خلقك303 اهـ. قلت: ولا يستبعد لو قيل: إن "أو" هنا معنى الواو، وهو أسلوب متبع معروف عند أهل اللغة. ثم انتقل ليذكر لنا فائدة أخرى في الحديث، وملخص ذلك: أن الحديث يدل على أن أسماء الله غير مخلوقة، بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل: كل اسم خلقته لنفسك، ولو كانت مخلوقة لم يسأله بها. فإن الله (لا يقسم عليه) بشيء من خلقه، فالحديث صريح في أن أسماء الله ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، ويدل أيضاً على أن الأسماء مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة قائمة به تعالى فأسماؤه غير مخلوقة304 اهـ. فإن قيل: فالاسم عندكم هو المسمى أو غيره؟! قيل: طالما غلط بعض الناس في ذلك وجهلوا الصواب فيه. فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، واستوى الله على عرشه وسمع الله ورأى وخلق فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، أو الرحيم من أسماء الله، وما في هذا المعنى فالاسم ها هنا هو اللفظ الدال على المسمى، ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى، فحق. وإن أريد أن الله كان وليس له أسماء حتى خلق لنفسه أسماء أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد305 اهـ. ثم واصل كلامه قائلاً قوله: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك" دليل على أن أسماء الله أكثر من تسعة وتعسين، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها غيره. وعلى هذا فقوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" لا ينفي أن يكون له سبحانه غيرها والكلام جملة واحدة306 اهـ. قلت: وعلى هذا يكون إعراب الجملة هكذا: لله جار ومجرور حال مقدمة على صاحبها، وتسعة وتسعون مبتدأ307، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم الحال وهو جار ومجرور، وهو المسوغ أيضاً لكون صاحب الحال نكرة، وجملة من أحصاها دخل الجنة خبر المبتدأ. ويكون المعنى هكذا: تسعة وتسعون اسماً حال كونها ثابتة لله مخبر عنها بدخول الجنة لمن حفظها وأحصاها، مؤمناً بها دون إلحاد فيها، والله أعلم. وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري إلى هذا المعنى نقلاً عن الخطابي. وقد أوضح ابن القيم هذا المعنى بقوله: "كما يقال لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد.
بين يدي المبحث قبل أن نشرع في الكلام على مبحث الأسماء والصفات وتعدادها يحسن بنا أن ننبه على بعض النقاط المهمة التي لها صلة وثيقة بالموضوع. أ- إن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود، والقائم بالنفس والمخالف للحوادث، فإن هذه الألفاظ يخبر بها عن الله تعالى، ولا تدخل في باب أسمائه الحسنى، ولفظ (القديم) من هذا الباب لعدم ورود النص به، وباب الأسماء والصفات توقيفي، كما لا يخفى. ب- إن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه تعالى، بل يطلق عليه منها كمال فقط، وهذا كالمريد والفاعل والصانع عند الإطلاق، بل هو فعال لما يريد. فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، فيقال لفاعل الخير فاعل كما يقال لفاعل الشر فاعل، وكذلك المريد والصانع، ولهذا إنما أطلق الله على نفسه من ذلك أكمله. جـ- لا يلزم من الإخبار عنه تعالى بالفعل مقيداً أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى، المضل والفاتن والماكر، والمستهزئ والساخر مثلاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة، فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة. والله أعلم. د-لم يرد حديث صحيح يعتمد عليه في تعداد الأسماء الحسنى التسعة والتسعين وحصرها وهي التي من حفظها دخل الجنة، أو في غيرها من أسمائه الكثيرة التي سمى الله بها نفسه فأنزلها في كتابه أو علمها أحداً من خلقه، ولكن اعتماد أهل العلم في ذلك على الكتاب العزيز مع بعض الآثار التي يشهد لها الكتاب، فأسماؤه من كمالاته، وكمالاته لا تدخل تحت الحصر، وقد أطال الكلام بعض أهل العلم في الأسماء الحسنى حتى ذكر ابن العربي في شرح الترمذي عن بعضهم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله تعالى ألف اسم274. ?- قال الحافظ ابن حجر في التلخيص - بعد أن ذكر أقوال بعض أهل العلم في تعداد الأسماء الحسنى: "وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسماً، ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك، فإن ما ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن الكريم" إلى آخر كلامه. و- حديث أبي هريرة في تعداد الأسماء الحسنى الذي اعتمد عليه كثير من الناس في تعداد الأسماء الحسنى مثل القشيري والرازي والقرطبي والغزالي، ضعيف، وعلته (الوليد بن مسلم) والحديث الثاني الذي صححه (الترمذي) أضعف وعلته (عبد العزيز بن حصين). قال الحافظ: متفق على ضعفه، ووهّاه البخاري ومسلم275، وقد زلت أقدام كثير من أهل الكلام في هذا المبحث على اختلاف مواقفهم، منهم من أثبت أسماء مجردة عن المعاني والأوصاف، كأعلام محضة وزعم أن الله سميع بلا سمع، عليم لا علم، مثلاً إلى آخر الصفات. ومنهم من ينفي الصفات والأسماء، ليزعم تصور وجود ذات مجردة عن الأسماء والصفات معاً، وهو من أفسد مزاعمهم، لأنه ضرب من المحال، فلنسمع الحافظ ابن القيم وهو يناقش هذه المزاعم ويفندها ليكشف عوارهم إذ يقول رحمه الله - وهو يتحدث عن دلالة الأسماء على صفات الكمال -: إن أسماء الله تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات فهي أسماء وهي صفات، وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ولساغ وقوع الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقم، واللهم أعطني، فإنك أن الضار المانع، ونحو ذلك. ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى: {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}276، ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}277، فعلم أن (القوي) من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة، وكذلك قوله: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}278، وساق أمثلة كثيرة من القرآن والأحاديث الصحيحة إلى أن قال: لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنها بأفعالها. فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع من ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة، استحال ثبوت حكمها، وأيضاً فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت كلها سواء ولم يكن فرق بين مدلولاتها: وهذه مكابرة صريحة، وبهت بيّن. فإن من جعل معنى اسم (القدير) هو معنى اسم (السميع البصير)، ومعنى اسم (التواب) هو معنى اسم (المنتقم)، ومعنى اسم (المعطي) هو معنى اسم (المانع)، فقد كابر العقل واللغة والفطرة. فنفي أسمائه من أعظم الإلحاد فيها: والإلحاد فيها أنواع، هذا أحدها، والثاني تسمية الأوثان بها، كما يسمونها آلهة إلى أن قال رحمه الله: وحقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها وإخراج حقائق معانيها عنها. هذه حقيقة الإلحاد279 اهـ. وقال في موضع آخر من كتابه (مدارج السالكين): "إن الاسم من أسمائه تبارك وتعالى، كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة280، فإنه يدل دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم. فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم. فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام وكذلك سائر أسمائه وصفاته281 اهـ. هذا وقد أفاض الحافظ ابن القيم في هذا المبحث في كتابه (مدارج السالكين) بما لعله لا يوجد لغيره مجتمعاً في موضع واحد. وقد أشار الإمام البيهقي إلى هذا المعنى الذي أفاض فيه الحافظ ابن القيم رحمه الله، حيث يقول: "فلله عَزَّ اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه"282 ا.هـ وأما الفرق بينهما، فإن الصفات إنما هي من معاني أسمائه الحسنى، والأسماء دالة عليها كما تدل على الذات، إما بالمطابقة أو بالالتزام على ما تقدم بيانه في كلام ابن القيم قريباً. وهذا معنى قول الإمام البيهقي: "وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه". من هنا يتضح جلياً بطلان مذهب المعتزلة وتناقضهم، حيث ينفون الصفات مع إثباتهم لأحكامها، لأنه من المعلوم ضرورة إذا عدم الوصف الذي منه الاشتقاق، فالاشتقاق منه مستحيل، فإذا لم يقم العلم والقدرة بذات مثلاً استحال أن نقول: هي عالمة وقادرة، ولست أدري كيف استساغت عقول المعتزلة وهضمت هذا التناقض، حيث يقولون: إن الله تعالى قادر وعالم لكن لا بقدرة ولا بعلم!! وأنا أعتقد جازماً أن البدوي الجالس أمام خيمته وعند غنمه لو سمع هذا التناقض الذي استساغه العقل المعتزلي، لأنكره ذلك البدوي وسخر منه، لأنه خلاف المنطق، وخلاف العقل السليم الذي يتبلبل بعد بعلم الكلام الاعتزالي وتناقضاته، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من عباده. وسوف نورد بعض النصوص التي تدل على الأسماء الحسنى منها: 1- قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}283. 2- قوله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}284. 3- قوله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}285. 4- حديث حذيفة بن اليمان الذي يقول فيه: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أوى إلى فراشه قال: "اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت، وإذا أصبح قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"286. 5- حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي يقول فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء"287. 6- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"288، وزاد في بعض الروايات: "وهو وتر يحب الوتر". 7- حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر، وهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، وفي رواية المغيث بدل: المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعال، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع289، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث الرشيد، الصبور، الكافي"290 ا.هـ قال الإمام البيهقي بعد أن ساق عدة روايات في هذا الباب وفيها: "من أحصاها دخل الجنة"، قال رحمه الله: وليس في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" نفي غيرها، وإنما وقع التخصيص بذكرها لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني. وفيها ورد الخبر أن من أحصاها دخل الجنة. وفي رواية سفيان: "من حفظها" وذلك يدل على أن المراد بقوله: "من أحصاها" من عدها. وقيل: من أطاقها بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها، في معاملة الرب بها سبحانه، وقيل معناه: من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها والله أعلم291 اهـ. وبعد أن انتهى الإمام البيهقي من سرد الأسماء ذكر معاني الأسماء بالجملة، ثم فصل القول فيها تفصيلاً لم يسبق إليه فيما نعلم حيث نوع الأسماء تنويعاً: نوع يتبع إثبات الباري جل ثناؤه مثل (القديم)292، وإن كان هذا الاسم غير معدود من أسماء الله الحسنى، ولكنه ذكر بالمعنى لأنه بمعنى "الأول الذي ليس قبله شيء" وقد مثل لهذا النوع بعدة أسماء ثم عقد فصلاً آخر لنوع آخر من الأسماء يتبع إثبات وحدانيته عز وجل ومثّل لهذا النوع بعدة أسماء منها: (الواحد) ومنها (الوتر) (الكافي) إلى آخر تلك الأسماء الكثيرة التي وزعها على عدة فصول في أول كتابه (الأسماء والصفات). ومما يشهد للإمام البيهقي فيما ذهب إليه -وهو الحق- من أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في الأسماء التسعة والتسعين المذكورة في بعض الأحاديث السالفة الذكر التي يفهم منها من أول وهلة أن أسماء الله الحسنى هي هذه فقط، التي يمكن حفظها وإحصاؤها - مما يشهد للإمام فيما ذهب إليه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كثر همه فليقل: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو ألهمت عبادك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وفي لفظ: في مكنون الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء همي وغمي، ما قالها عبد قط إلا أذهب الله غمه وأبدله فرجاً"، وفي بعض النسخ (فرحاً) بالحاء المهملة، رواه رزين293. والحديث يدل بكل وضوح على أن أسماء الله كثيرة ومتنوعة حسب توزيع الحديث المذكور وهو أمر واضح، لأن كمالات الله لا تتناهى، بل هو موصوف بكل كمال سبحانه {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}294. هذا، وإتماماً للفائدة ولإعطاء هذه النقطة ما تستحق من البحث، أنقل هنا ما ذكره الحافظ ابن القيم عند قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الآية، لنقف على حقيقة الإلحاد وأنواعه، علماً بأنه قد تقدم بعض ما ذكره هنا فيما أسلفنا. وهاك ملخص كلامه رحمه الله - وهو يتحدث عن معاني الإلحاد-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ}295. ومن أعظم أنواع الإلحاد في أسمائه تعالى إنكار حقائقها ومعانيها والتصريح بأنه مجازات، وهو أنواع: وهذا أحدها. وثانيها: إنكار الأسماء كلية، وهذا يصدق على الجهمية الذين ينفون الأسماء والصفات معاً، وهم أسوأ حالاً من المعتزلة الذين ينفون الصفات، مع إثباتهم296 للأسماء، ولو شكلياً حيث يزعمون أنه تعالى سميع بلا سمع، عليم بلا علم. وثالثها: تشبيه الله تعالى في صافته، وفي معاني أسمائه بصفات المخلوقين وأسمائهم، وهذا النوع من الإلحاد يشمل المشبهة الذي يشبهون الله بالمخلوق في أسمائه وصفاته، ويشمل المعطلة الذي يشبهونه أولاً حيث زعموا أنهم لا يفهمون من الأسماء والصفات إلا الحقائق التي تليق بالمخلوق، ثم ينفون أسماء الله وصفاته بدعوى التأويل لأن إثباتها على ظاهرها يوقع في التشبيه ولهذا يقال فيهم: إنهم يشبهون أولاً، ثم يعطلون ثانياً، ويقال: كل مشبه معطل، وكل معطل مشبه، لأن المشبهة قد عطلوا البارئ عما يليق به بتشبيههم إياه بالمخلوق. كما أن المعطلة قد شبهوه بتعطيله عن صفات الكمال - وصفاته كلها كمال- بجمادات لا توصف بأي صفة لا بالعلم، ولا بالبصر مثلاً. وقد أورد هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من كتبه كالحموية والتدمرية، وقد أنكر الحافظ ابن القيم وجود طائفة معينة تعتقد أن الثابت لله تعالى من صفاته مماثل للمعاني الثابتة للمخلوق فيجعل هذا مذهباً له ويقف عند هذا الاعتقاد دون تأويل كما فعلت المعطلة، هكذا يرى الإمام ابن القيم، ولكننا إذا راجعنا معتقدات بعض الطوائف المنحرفة في عقيدتها نجد (الهشامية) وهم أتباع هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم (جسم وله نهاية، وله حد، طوله كعرضه وعمقه) إلى آخر كلام طويل كله تشبيه وتجسيم. وزعيمهم (هشام بن الحكم) أول من أظهر إطلاق لفظ (التجسيم) من متكلمة الرافضة297. وهناك خمسة فرق من الروافض ولكنهم يقولون بالتجسيم مع اختلافهم في الأسلوب والتفسير، وتوجد هشامية أخرى أتباع هشام بن سالم الجواليقي، التي تزعم أن معبودها على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً، إلى آخر تلك الأوصاف الكفرية، فهما طائفتان جمعهما الإلحاد بالتشبيه والتجسيد وفرقتهما كيفية ذلك التشبيه والصورة. ولعل الإمام ابن القيم يرى أن معبودهم الذي بتلك الصفات ليس هو رب العالمين -وهو الواقع- حتى يقال: إنهم شبهوا الله بخلقه، ولكنهم اتخذوا معبوداً آخر بتلك الصورة. والله أعلم. وإلا فإنهم قد شبهوا أقبح التشبيه، ثم لم يؤولوا كما أولت المعطلة. ويجزم الإمام ابن القيم أن المراد بالمشبهة الذين عُنيَ القرآن بالرد عليهم هم أولئك الذين يثبتون للمخلوق علماً كعلم الخالق، وقدرة كقدرة الخالق، وتصرفاً في الكون كتصرفه حتى عبدوا مخلوقاً مثلهم بعد هذا الغلو فيه، كما يعبد الموحد ربه سبحانه بأنواع العبادات من التذلل والخضوع والذبح والنذر وغير ذلك. ويرى ابن القيم أن هذا هو الواقع من بني آدم قديماً وحديثاً يشبهون أوثانهم وأصنامهم ومعبوداتهم بالخالق. وقطعاً لا يعرف إبّان نزول القرآن غير هذا النوع من التشبيه، وهذا ما يعنيه ابن القيم. وقد ساق عدة آيات مؤيداً بها ما ذهب إليه. مثل قوله تعالى: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}298، أي من يساميه ويماثله، وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}299، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}300. قال ابن القيم - وهو يلخص معنى الآيات الثلاث التي ساقها مؤيداً بها مذهبه وهو الصواب - فيما يظهر لنا- فنفي عن المخلوق مماثلته، ومكافأته ومساماته الذي هو أصل شرط بني آدم، فضرب المتكلمون عن ذلك صفحاً وأخذوا يبالغون في الرد على من شبه الله بخلقه، يقول الإمام ابن القيم: "لا نعلم فرقة من بني آدم استقلت بهذه النحلة وجعلتها مذهباً تذهب إليه، حتى ولا المجسمة المحضة الذين حكى أرباب المقالات مذاهبهم كالهشامية والكرامية301، الذين قالوا: إنه جسم لو يقولوا: إنه مماثل للأجسام بل صرحوا بأن معنى كونه جسماً أنه قائم بنفسه موصوف بصفات"302 اهـ. وله رحمه الله كلام نفيس في كتابه (شفاء العليل) عند الكلام على حديث ابن مسعود الذي تقدم ذكره أن يقول رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام: "أسألك بكل اسم هو لك سميت له نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثر به في علم الغيب عندك". قال رحمه الله: إن كانت الرواية محفوظة هكذا ففيها إشكال، فإنه جعل ما أنزله في كتابه أو علّمه أحداً من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، قسيماً لما سمى به نفسه! ومعلوم أن هذا التقسيم تفصيل لما سمى به نفسه، فوجه الكلام أن يقال: سميت به نفسك، فأنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. فإن هذه الأقسام الثلاثة تفصيل لما سمى به نفسه. وأجاب الحافظ على هذا الإشكال بجواب مستفيض وحقق تحقيقاً قلّ ما يوجد له نظير - فيما علمنا- وملخصه هو الآتي: إن العطف بين هذه الجمل من باب عطف الخاص، لأن كل جملة أخص من التي قبلها، والمعهود في باب عطف الخاص على العام أن يكون بالواو دون سائر حروف العطف إلا أن العطف بـ"أو" على العام له فائدة أخرى غير الفائدة التي في العطف بالواو. وهي بناء الكلام على التقسيم والتنويع كما بنى عليه تاماً. فيقال: سميت به نفسك فإما أنزلته في كتابك. وإما علمته أحداً من خلقك303 اهـ. قلت: ولا يستبعد لو قيل: إن "أو" هنا معنى الواو، وهو أسلوب متبع معروف عند أهل اللغة. ثم انتقل ليذكر لنا فائدة أخرى في الحديث، وملخص ذلك: أن الحديث يدل على أن أسماء الله غير مخلوقة، بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل: كل اسم خلقته لنفسك، ولو كانت مخلوقة لم يسأله بها. فإن الله (لا يقسم عليه) بشيء من خلقه، فالحديث صريح في أن أسماء الله ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، ويدل أيضاً على أن الأسماء مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة قائمة به تعالى فأسماؤه غير مخلوقة304 اهـ. فإن قيل: فالاسم عندكم هو المسمى أو غيره؟! قيل: طالما غلط بعض الناس في ذلك وجهلوا الصواب فيه. فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، واستوى الله على عرشه وسمع الله ورأى وخلق فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، أو الرحيم من أسماء الله، وما في هذا المعنى فالاسم ها هنا هو اللفظ الدال على المسمى، ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى، فحق. وإن أريد أن الله كان وليس له أسماء حتى خلق لنفسه أسماء أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد305 اهـ. ثم واصل كلامه قائلاً قوله: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك" دليل على أن أسماء الله أكثر من تسعة وتعسين، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها غيره. وعلى هذا فقوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" لا ينفي أن يكون له سبحانه غيرها والكلام جملة واحدة306 اهـ. قلت: وعلى هذا يكون إعراب الجملة هكذا: لله جار ومجرور حال مقدمة على صاحبها، وتسعة وتسعون مبتدأ307، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم الحال وهو جار ومجرور، وهو المسوغ أيضاً لكون صاحب الحال نكرة، وجملة من أحصاها دخل الجنة خبر المبتدأ. ويكون المعنى هكذا: تسعة وتسعون اسماً حال كونها ثابتة لله مخبر عنها بدخول الجنة لمن حفظها وأحصاها، مؤمناً بها دون إلحاد فيها، والله أعلم. وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري إلى هذا المعنى نقلاً عن الخطابي. وقد أوضح ابن القيم هذا المعنى بقوله: "كما يقال لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد.