المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم.. وبرنامج (مجالس الإيمان) ـ زهير الأيوبي.



محمد المبارك
2009-03-19, 12:37 PM
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم.. وبرنامج (مجالس الإيمان)
بقلم :د. زهير الأيوبي



برنامج (مجالس الإيمان) التلفزيوني لم ينسه الناس، ومن الصعب أن يُمحى من ذاكرتهم..

قبل أيام قليلة طُرق باب بيتي ففتحته، فطالعني رجل في العقد الخامس من العمر، فبادرني بالسلام فرددت عليه، فقال معتذراً: لقد قرأت الاسم من على الباب فوجدت أنه (زهير الأيوبي)!

قلت: نعم.

فقال لي: هل أنت (زهير الأيوبي)؟!

قلت: نعم أنا هو يا أخي.

قال: زهير.. المذيع الذي كان يعمل في التلفزيون؟ ويقدم برنامج (مجالس الإيمان)؟!

قلت: نعم يا أخي الكريم بشحمه ولحمه.. ولكن تفضل بالدخول فقد طال وقوفك بالباب!.

قال: شكراً شكراً أنا لست من أهل (الرياض) أنا من مدينة (عنيزة).. كنت في زيارة صديق لي.. خرجت من عنده، وتمشيت في هذا الشارع، فقرأت اسمك على الباب، فتساءلت: هل يوجد في (ديرتنا) من يحمل هذا الاسم غيرك، وأردت أن استوثق، فطرقت بابك، فلقيتك أنت أنت الذي أعرفه، ولأقول لك في نفس الوقت: إني أحببتك، وأحبك في الله..

فقلت له: أحبك الله الذي أحببتني من أجله.

ثم قال: لولا توجهي إلى المطار الآن لألحق الرحلة المتوجهة إلى (القصيم) لدخلت بيتك وقمت بزيارتك.

ثم قال: ما أخبارك؟ لماذا توقف برنامج (مجالس الإيمان)؟ - وهو متوقف منذ عدة سنوات - لماذا لم تظهر في التلفزيون منذ مدة طويلة؟

فقلت له: القصة طويلة، ولكن ما يمكن أن أوجزه لك، هو أنني تعرضت لظروف صحية صعبة، أجريت خلالها وعلى مدى سنوات ثلاث عمليات جراحية في الظهر، اثنتان منهما كانتا بقدر الله فاشلتين حتى أنني لم أعد قادراً على المشي في نهاية الثانية، والثالثة نجحت والحمد لله بنسبة كبيرة عدت بعدها إلى حياتي الطبيعية.

وأما موضوع ظهوري في التلفزيون فأرجو أن يكون قريباً، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يهيئ الظروف المناسبة لذلك..

ثم ودعني الرجل ليلحق برحلته الجوية المتوجهة إلى القصيم بعد أن تواعدنا على لقاء قريب بمشيئة الله.

وأمثال هذه القصة كثيرة.. وسأكتفي ببيان واحدة منها، جرت قبل عدة سنوات..

كنت أصلي المغرب في أحد مساجد حي (الملز) حيث كنت أسكن.. كنا نصلي فريضة المغرب، وكنا في القعود الأخير من الصلاة.. وما أن أنهى الإمام الصلاة بقوله (السلام عليكم ورحمة الله) حتى سلّمت وقلت ما قال: فإذا بالمصلي الذي كان جالساً عن يميني، يحدّق النظر في وجهي، ويقول لي: لقد سمعت صوت (زهير الأيوبي)!.. فتبسمت وقلت: أنت على حق..

فقال: مذيع التلفزيون الذي كان يقدم برنامج (مجالس الإيمان).

قلت: نعم.. نعم يا أخي الكريم..

وقام وقمت، وتعانقنا، وسلّمنا على بعضنا سلاماً حاراً كأننا صديقان حميمان، تفرقا عن بعضهما عدداً من السنين ثم كتب الله لهما أن يلتقيا..

وكان الرجل هذه المرة من الجنوب من جنوب مملكتنا الحبيبة.

والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا يسأل الناس عن برنامج (مجالس الإيمان)، وقد بدأنا تقديمه من (تلفزيون الرياض) منذ ثلاث وأربعين سنة.. منذ الأسابيع الأولى من افتتاح التلفزيون واستمر لسنوات عديدة طوال؟

والناس، الكثير الكثير من الناس يسألون عن برامج أخرى قدمها العاملون في التلفزيون مع برنامج (مجالس الإيمان) أو بعده.. يسألون عن برنامج (حديث الأصدقاء) وعن برنامج (عشرين سؤال) وعن برنامج (طلابنا في الميدان) وعن برنامج (الأطفال) الذي كان يقدمه (بابا علي) الأستاذ علي الخريجي.. يسألون عن برنامج (فكر تربح) وبرنامج (البادية) الذي كان يعده ويقدمه الشيخ عبدالله العلي الزامل.. يسألون كذلك عن التمثيليات والمسلسلات التي كان يخرجها زميلنا المخرج الكبير الأستاذ منذ النقوري عليه رحمة الله.. يسألون، ويسألون، ويسألون..

إن الناس معظم الناس يحنون إلى سنوات التلفزيون الأولى، الغنية ببرامجه المتنوعة، التي كانت تنتج هنا في بلادنا وفي استوديوهاتنا، حينما كان المسؤول الأول عن التلفزيون هو الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي، وحينما كان وزير الإعلام هو الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان الوزير الألمعي العبقري المفضال ثم الشيخ إبراهيم بن عبدالله العنقري الوزير الإداري الحازم المقدام..

صحيح أن التلفزيون كان شيئاً جديداً طريفاً عجيباً في مجتمعنا السعودي، ليس له من ينافسه من المنافسين الآخرين، وبخاصة قنوات التلفزيون الأخرى، وبصورة أخص الفضائية منها.. لكنني أحسب أن الاحتفاء به وببرامجه والاهتمام بآثاره، واستشعار أهمية الكلمة والصورة المبثوثتين من خلاله، كل ذلك كان أقوى في نفوس المسؤولين عن هذه الوسيلة الإعلامية، والمختارين لخدمتها، والعاملين من مذيعين ومقدمي برامج ومعدين لها ومخرجين لمفرداتها.

قبل حوالي ثلاثة وأربعين عاماً بدأ العمل في تلفزيون (الرياض) وتلفزيون (جدة) في وقت واحد، بعد افتتاح إذاعة (الرياض).. واستقبلنا في الرياض برقية مدير عام الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عباس فائق غزاوي آنذاك عليه رحمة الله، قادمة من جدة بأن المكلفين بقراءة نشرة الأخبار التلفزيونية الرئيسة هم وبهذا الترتيب؛ كاتب هذه السطور، والزميل محمد عبدالرحمن الشعلان، والزميل محمد كامل خطاب، والشاعر بن شاعر العربية الكبير (بدوي الجبل) الزميل منير الأحمد عليهم جميعاً رحمات الله، بالإضافة إلى عملهم في الإذاعة.. وقد نفذ مضمون هذه البرقية، وقد كنت الوحيد بين زملائي المذكورين يرحمهم الله، الذي كان له خبرة سابقة في مجال العمل التلفزيوني، فقد عملت في التلفزيون العربي السوري حوالي خمس سنوات قبل قدومي إلى المملكة، أما زملائي الآخرون رحمات الله عليهم، فقد بدأوا عملهم التلفزيوني لأول مرة مع افتتاح تلفزيون (الرياض)..

ومرت أسابيع قليلة، التقيت بعدها بالشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام في أثناء تجواله في محطة التلفزيون بالرياض، التي كانت في ذلك الحين عبارة عن استوديو واحد متوسط الحجم يتبعه بعض المكاتب الإدارية والفنية، مبنية كلها من طوب خفيف مغطى بالتوتباء (الزنك)، إذا هطل المطر على سقف الاستوديو وبخاصة إن كان (برداً) سمعه المشاهد في بيته كأنه صوت مطارق.. وكان يستخدم هذا الاستوديو الوحيد لبث البرامج والأخبار في عدد من ساعات المساء والليل. أما في الأوقات الأخرى من النهار، أو من ساعات ما بعد البث اليومي من الليل فيستخدم لتسجيل البرامج المختلفة.

قال لي الشيخ جميل في أثناء هذه الجولة متسائلاً: لقد كنت تعد وتقدم برنامجاً دينياً من التلفزيون العربي السوري على الهواء مباشرة اسمه على ما أذكر (مجالس الإيمان)؟

قلت: نعم يا معالي الوزير.. وكان يحضر معي فيه جمهور من الناس، يتابعون حوار المتحاورين من ضيوف البرنامج حول الموضوع المطروح، فإذا جاء وقت الثلث الأخير من البرنامج، توقف الحوار وبدأ الجمهور في طرح أسئلته واستفساراته على الضيوف المتحاورين.

فقال الشيخ جميل: حسناً.. أريد أن تستأنف إعداد وتقديم هذا البرنامج من على التلفزيون عندنا..

وأضاف يقول: أريدك يا أخ زهير أن تلاحظ هذه الأمور الثلاثة..

قلت: ما هي يا معالي الوزير؟

فقال: الأمر الأول أن البرنامج سيكون مسجلاً في أول الأمر وستقدمه على الهواء مباشرة في مستقبل قريب.

الأمر الثاني: سنتريث في مشاركة الجمهور في الوقت الحاضر، ونتدارس أمر حضوره في فترة لاحقة.

الأمر الثالث: لا بد من إيجاد الوسيلة المناسبة والطريقة المثلى لمشاركة المشايخ والعلماء في هذا البرنامج الديني التلفزيوني الجديد على مجتمعنا.. وأظن أنك ستحتاج إلى جهود إضافية في سبيل إقناعهم بالمشاركة.

كنت في حقيقة الأمر أنتظر هذه الفرصة السانحة التي ألهم الله بها معالي الوزير وفاتحني بخصوصها.. وكنت كذلك أقدر سلفاً الصعوبات التي ستواجهني في سبيل تحقيق هذا الأمر.

لكنني أجبته: سأتولى تنفيذ هذا التكليف بإذن الله، بعزم وقوة.. وأنا أقدر كل التقدير عدم عرضه على الهواء مباشرة، والاكتفاء الآن بتقديمه مسجلاً للناس، ودون مشاركة من الجمهور.. وأما موضوع مشاركة العلماء والمشايخ فأستعين بالله العلي القدير على تسهيل هذه المهمة.. لقد واجهتني هذه المشكلة في دمشق فتمنّع في أول الأمر كثير من العلماء والمشايخ من الظهور في التلفزيون، ومنهم الشيخ علي الطنطاوي - عليه رحمة الله -.. فقد رفض أن يظهر في التلفزيون في برنامج (مجالس الإيمان) في سوريا.. وبقي رافضاً لذلك إلى أن غادر سوريا.. ولم يغيّر رأيه - عليه رحمة الله - هنا في المملكة إلا بعد اجتماعي به، وتحاوري معه في هذا الموضوع، واقتناعه، وموافقته على التحدث بالتلفزيون، وإتقانه لفن الحديث التلفزيوني، إلى أن أصبح نجماً من نجوم التلفزيون الذين يتحرى الناس حديثه ويتتبعونه في المملكة وفي كل الوطن العربي.

كان بيني وبين الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ عليه رحمة الله في تلك الآونة معرفة، حصل فيها لقاءات، كان في حينها مديراً لمكتب والده سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي عام المملكة آنذاك.. وكنت أشعر أنه مسلم صادق الإسلام، وأنه ودود صادق الود، وأنه على درجة عالية من التربية والخلق والأدب.. وكان يشعرني وأنا أجيبه على أسئلته عن مسيرتي في الحياة، وشؤوني وشجوني في سوريا، أنه في غاية السعادة والغبطة، وبخاصة حينما أخبرته عن حرصي على مجالسة العلماء في سوريا، والاستفادة مما عندهم من العلم والمعرفة، وإنني خطبت الجمعة بتشجيع منهم وأنا شاب صغير لا يتجاوز عمري الخامسة عشرة، في جوامع كبيرة معروفة، منها الجامع الذي يقرر فيه سماحة المفتي العام في سوريا الشيخ أحمد كفتارو عليه رحمة الله، دروسه اليومية والأسبوعية جامع (أبوالنور).

لذلك حينما ألقى عليّ الشيخ جميل الحجيلان قوله الثقيل ذلك بتكليفي باستئناف إعداد وتقديم برنامج (مجالس الإيمان)، وضعت نصب عيني أخي وصديقي الشيخ إبراهيم بن محمد، فتوجهت إليه، وألقيت بحملي الثقيل بين يديه.. توجهت إلى مكتبه في (الديرة) آنذاك وكان على مقربة من مكتب والده عليهما رحمات الله، وعرضت عليه ما كلفت به، وطلبت إليه تهيئة موعد لي مع سماحة الشيخ المفتي العام، لأبدأ معه اللقاء الأول من (مجالس الإيمان).. هكذا وبلا مقدمات، ولا خوف، ولا تردد، ولا استحياء!!!.

فتبسم الشيخ إبراهيم عليه رحمة الله ضاحكاً من قولي، وحدّق في وجهي ملياً، ثم قال لي: اترك موضوع سماحة الوالد الآن.

قلت: ولكن ماذا أعمل؟

قال: سأكتب لك أسماء عدد من الشخصيات العلمية والدينية والأدبية الموثوق بها بإذن الله.. تتصل بها بعد أن أتصل بها خلال الأيام الثلاثة المقبلة.. وستتجاوب معك، فتشارك في (مجالس الإيمان)، وتقرّ عينك، وتؤدي مهمتك، أو على الأقل ستبدأ في أداء مهمتك.. ثم أخرج ورقة رسمية من درج مكتبه عليها (دائرة الإفتاء)، كتب عليها الأسماء التالية:

الشيخ عبدالرزاق عفيفي وكان نائباً لرئيس هيئة كبار العلماء، والشيخ عبدالله بن منيع وكان عضواً في دار الإفتاء، والشيخ عبدالله بن خميس الأديب والشاعر الكبير وكان رئيساً لمصلحة مياه الرياض، والشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير وكان قاضياً في محكمة التمييز، والشيخ عبدالعزيز الهويش وكان قاضياً في ديوان المظالم ونائباً لرئيس الديوان والشيخ عبدالعزيز المسند وكان مديراً عاماً للكليات والمعاهد العلمية، والشيخ مناع القطان وكان أستاذاً في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض، والشيخ محمد الهويش وكان قاضياً في ديوان المظالم، والشيخ راشد بن خنين وكان واحداً من كبار موظفي وزارة العدل.

وهذه الورقة الرسمية التي كتبها الشيخ إبراهيم بن محمد عليه رحمة الله بخط يده وتضمنت هذه الأسماء التسعة لا زلت أحتفظ بها ضمن محفوظاتي النادرة العزيزة.

شكرت للشيخ إبراهيم عليه رحمة الله اهتمامه، وشكرت له حفاوته البالغة بي، واغتباطه وسروره بهذا التكليف الذي كلفت به، وتهوينه الأمر عليّ واستعداده للقيام بأية مساعدة ممكنة لتحقيقه.. وانصرفت من عنده، على أمل أن أتصل به فيما بعد لأبلغه نتائج اتصالاتي بالمشايخ ورجال العلم هؤلاء.

وبدأت الاتصال بالشخصيات التي رشحها لي الشيخ إبراهيم، فقمت بزياراتهم في بيوتهم أو في مكاتبهم..

أما الشيخ عبدالرزاق عفيفي عليه رحمة الله، فقد رحب بي وشكر مسعاي الذي أقوم به، وقال لي: لقد أخبرني الشيخ إبراهيم بأنني سأزوره، ولكنه قال: إن ظهوره على شاشة التلفزيون مرهون بظهور شخصيتين قبله، هما سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المفتي العام، ورئيسه بطبيعة الحال في حينها، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز وكان حينذاك نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وكرر رحمه الله بأنه لن يظهر في التلفزيون إن ظهر إلا بعدهما..

وأما الشيخ راشد بن خنين وهو من هو خلقاً وأدباً وتواضعاً ورقة، فقال لي: بأن الشيخ إبراهيم أخبره بأنني سأزوره ثم قال: كان بودي أن أحقق رغبتك بالمشاركة لكنني أفضل أن تتصلوا بغيري، ممن هو أقدر مني على الحديث، في هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة.. وكان اعتذاره حاسماً أيضاً.

أما المشايخ العلماء السبعة الآخرون فقد استجابوا لدعوتي لهم للحديث في برنامج (مجالس الإيمان) وتسابقوا في تثمين الدور المهم الذي أقوم به، وتنافسوا في إكرامي والثناء عليّ.. وإن نسيت فلا أنسى مواقفهم جميعاً، وبخاصة موقف الشيخ محمد بن جبير عليه رحمة الله، وموقف اللغوي الأديب الشيخ محمد الهويش - حفظه الله - وموقف العالم الفاضل الشيخ عبدالعزيز المسند - حفظه الله -.

إن هؤلاء الفرسان السبعة الذين قضى بعضهم نحبه ومعهم رضوان الله ورحمته ومغفرته بإذن الله، والذين منهم من ينتظر مجاهداً صابراً داعياً إلى الله بإذنه وما بدلوا تبديلاً.. إن هؤلاء الفرسان السبعة الأبطال الأماجد هم الطليعة العظيمة التي وضعت اللبنات الأولى لبرنامج (مجلس الإيمان).. وهي التي زرعته في قلوب الناس، وحفرته في ذاكرتهم، وهي التي مهدت لكل الخطوات الكبيرة التي تحققت من بعدهم.. ويذكر من عاصر الحلقات الأولى من برنامج (مجلس الإيمان) قبل أكثر من أربعين عاماً، الحلقات التسع التي شارك فيها كل من الشيخ عبدالله بن خميس الأديب الشاعر المعروف، والشيخ مناع القطان الداعية الخطيب الباحث، والشيخ عبدالعزيز المسند العالم الأديب الاجتماعي، وتناول البحث فيها، مشكلات الزواج وخصوصاً ما يتعلق بغلاء المهور والتغالي في حفلات الزواج وتكاليفه.

كان سرور الشيخ جميل الحجيلان بالغاً جداً بظهور برنامج (مجالس الإيمان) من خلال الشخصيات الدينية والعلمية والأدبية البارزة التي شاركت وتشارك فيه، وكذلك فقد كان السرور والشعور بالنجاح كبيراً جداً لدى الشيخ إبراهيم بن محمد عليه رحمة الله، الذي ما انفك يدعمني ويساندني ويشجعني على الصمود والاستمرار كلما التقيت به، بل كان شديد المتابعة للموضوعات والبحوث التي نطرحها في حلقات البرنامج، ويثني على القضايا الساخنة التي كانت مدار أبحاثنا في معظم الحلقات.. واقترب موسم الحج، فوجّه الشيخ جميل الحجيلان بانتدابي وزميلي منذر النفوري عليه رحمة الله، بالسفر إلى (جدة) لتسجيل حلقات جديدة من البرنامج هناك، مع شخصيات علمية ودينية في المنطقة الغربية، ومع أعضاء من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الذي يعقد اجتماعاته السنوية آنذاك ومع الشخصيات الدينية البارزة القادمة من شتى أصقاع العالم الإسلامي تحج بيت الله الحرام.. وهناك التقيت بفضيلة العلامة الكبير الموسوعي الشيخ علي الطنطاوي عليه رحمة الله بصورة مطوّلة.. أنا أعرف الشيخ من سوريا، وأتابع أحاديثه الإذاعية منذ نعومة الأظفار، وأطالع مقالاته التي كان يكتبها في (الرسالة) منذ وقت مبكر من العمر.. وحينما بدأ التلفزيون عمله في سوريا، وبدأت أعد وأقدم برنامج (مجلس الإيمان) دعوته للمشاركة أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يأبى ويعتذر! وحينما التقيت به في رحلتي هذه إلى (جدة)، ذكّرني عليه رحمة الله، بموقفه من المشاركة في التلفزيون، فاعتذر مجدداً!

قلت: إن التلفزيون هنا في المملكة يا فضيلة الشيخ يختلف اختلافاً كبيراً عن التلفزيون في سوريا من حيث البرامج.

قال: كيف

فقلت: إن برامج التلفزيون هنا يغلب عليها الطابع الثقافي، وكلها تحترم الدين، وتضعه في المقام الأعلى.. وهي في أقل الأحوال، وأضعف الإيمان تحرص على عدم مخالفته..

قال لي رحمه الله: ولكن ماذا تقول في هذه المعازف وتلك الملاهي التي تطل من هناك وهناك؟

قلت: على فرض وجود هذه المعازف والملاهي، فهي أقل بكثير مما نراه ونشهده في محطات تلفزيون غيرنا من الدول العربية والإسلامية.

فسكت عليه رحمة الله.. لكنني تابعت كلامي وقلت: يا أستاذنا الفاضل، أنت مطلوب، وكلامك مرغوب فيه، والناس كل الناس يتابعون أحاديثك في الإذاعة، ويجرون وراءك إلى أي مكان تذهب إليه، ليسمعوا كلامك ويهتدوا بهديك، وينتصحوا بنصائحك.. وأنا أحمل لك دعوة من معالي الشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام للمشاركة في برامج التلفزيون وخصوصاً في برنامج (مجالس الإيمان).. وهي دعوة شخصية من معاليه، وبنفس الوقت هي دعوة رسمية.. ويريد معاليه وأريد معه، ويريد معنا كل مخلص لدينه، مخلص لأمته، مخلص لبلده، ألا تحرم جماهير التلفزيون التي سحرها، واستحوذ على إعجابها، وملك عليه سمعها وبصرها وحواسها، ألا تحرم هذه الجماهير، من فيض علمك وأدبك، وخالص نصحك، وجميل موعظتك، وحسن توجيهك، وخفيف ظلك..

وبعد ذلك.. أود أن اسألك سؤالاً

قال لي تفضل:

قلت: أتظن أن التلفزيون وجد في هذا البلد ليبقى أم ليتوقف بعد فترة من الزمن؟

قال : بل ليبقى

قلت: وبرامجه ومواده التي تعرض على شاشته.. أتظن أنها ستكون في زيادة مع الزمن أم في نقصان؟

قال: بل في زيادة

قلت: وحينما تتخلف أنت عن المشاركة في برامج التلفزيون.. وأنت مَنْ يُعَد ويُعتبر في طبقة المحدثين الممتازة بل فائقة الامتياز.. أليس من الطبيعي أن توجه الدعوة إلى من هو أدنى منك حديثاً.. فإذا اعتذر فستوجه الدعوة إلى مَنْ هو أدنى منه وهكذا.. إلى أن نصل إلى تكليف مَن لا يصلح!

وأكّدت كلامي هذا بالقول: إذن، فتخلفك يا شيخنا الفاضل باعتذارك عن قبول الدعوة، وتخلف من بعدك ممن هو أدنى منك حديثاً وموعظة وتوجيهاً، سيكون السبب الرئيس لمجيء طبقة من المحدثين لا سمح الله ولا قدر، لا يكونون أهلاً للحديث، ولا أهلاً للتعليم، ولا مصدراً من مصادر الحكمة والموعظة الحسنة، الأمر الذي لا تحبه ولا ترضاه.

لقد كانت مشاركة الشيخ علي الطنطاوي حدثاً مهماً بارزاً في برنامج (مجالس الإيمان).. وأذكر أنه شارك عليه رحمة الله في البرنامج أكثر من مرة، في زياراتي التي تكررت إلى (جدة)... شارك مرة في أربع حلقات كان معه فيها مشاركاً، كل من الأستاذ محمد أحمد باشميل الباحث المؤرخ، والأستاذ محمد صلاح الدين الأزهري أحد أساتذة كلية الشريعة بمكة المكرمة، وقد دار البحث والحوار في هذه الحلقات حول موضوع (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)... وشارك في مرة أخرى بأربع حلقات أخرى كانت موضوعاتها مثيرة جداً، فقد كانت تدور حول (حقيقية الجن) و(حقيقة السحر) و(تأثير العين على الإنسان وغيره من المخلوقات)، وقد شاركه في البحث والحوار كل من الشيخ ضياء الدين رجب المفكر الإسلامي والمحامي المعروف، والدكتور مجاهد الصواف الباحث والمحامي المشهور.

ولا أريد أن يصرفني الشيخ الطنطاوي عليه رحمة الله بما له من جاذبية وتأثير إلى السير معه في رحلته المجيدة الرائدة في الإعلام وخصوصاً في ميدان التلفزيون... فقد أحبه هذا (التلفزيون) وأحبه هو، وشق فيه طريقه من خلال برنامجه الذي لا ينساه الناس (نور وهداية) ومن خلال برنامجه الآخر الذي كان ينتظره الناس في أيام شهر رمضان (على مائدة الإفطار)..

لقد كان برنامج (نور وهداية) للشيخ علي الطنطاوي عليه رحمة الله وبرنامج (خواطر الشيخ الشعراوي) عليه رحمة الله في (تفسير القرآن الكريم) البرنامجين التلفزيونيين اللذين أخذا بمسامع وأبصار المستمعين والمشاهدين في المملكة وفي كل أرجاء العالم العربي... وأذكر أن أحد الزملاء الإعلاميين كان يردد: إذا رأيت أن الناس قد أووا إلى بيوتهم، طواعية ودون توجيه أوامر من الحكومة، وخلت الشوارع منهم، فاعلم أن التلفزيون يعرض في تلك الساعة (نور وهداية) من الشيخ الطنطاوي، أو (خواطر من خواطر) الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير كتاب الله العظيم.. فالناس كل الناس يعيشون في أثناء عرض تلك (الأنوار) و(الخواطر) فترة (منع التجول).. والناس كل الناس تجمعوا في محالهم التجارية، أو توقفوا عن الطعام ان كانوا في مطاعمهم، أو سكنوا إلى بيوتهم، ومنعوا أطفالهم من الحركة أو الكلام أو الصخب، أو توقف الأطفال عن ذلك من أنفسهم، وتسمّرت أعين الجميع، والقوا سمعهم، الى أجهزة التلفزيون ينعمون ب(أنوار) الشيخ علي الطنطاوي، ويتمتعون ب(خواطر) الشيخ الشعراوي، بكل التفصيلات وكل الجزئيات، وكل الحركات، وكل السكنات.

وفي زيارتي الأولى إلى (جدة) التي ذكرت بأنها كانت في موسم الحج... التقيت بعددٍ كبيرٍ من رجال الفكر والدعوة الإسلامية من المملكة ومن أقطار العالم الإسلامي، وكان أكثرهم أعضاء في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الأستاذ الباحث المؤلف الداعية الكبير، أحمد محمد جمال، والداعية العراقي خطيب الجماهير الشيخ محمد محمود الصواف، وأحد كبار علماء سوريا الشيخ محمد بهجت البيطار، والدكتور سعيد رمضان (المصري) والداعية المعروف، والشيخ أبوبكر جومي كبير القضاة في نيجيريا، والدكتور محمد علي الصابوني من علماء سوريا المعروفين، والأستاذ صالح أوزجان رئيس تحرير مجلة (الهلال) التركية، والشيخ عبدالله القلقيلي مفتي الديار الأردنية، والشيخ سعدي ياسين من كبار علماء لبنان والسيد علاّل الفاسي المفكر الإسلامي المغربي المعروف ورئيس حزب الاستقلال والشيخ منصور المحجوب من كبار علماء ليبيا، والشيخ محمد الفاضل بن عاشور مفتي الديار التونسية، واللواء محمود شيت خطاب الباحث المؤرخ العراقي المعروف والدكتور محمد ناصر رئيس حزب (ماشومي) الإسلامي في إندونيسيا، والشيخ إبراهيم نياس رئيس جمعية أنصار الدين وكبير علماء السنغال، وأحد رجال الدعوة الإسلامية الكبار في إفريقيا، والسيد أبو الحسن علي الحسني الندوي العالم الهندي الكبير وأحد رجال الفكر والدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي، والسيد كامل الشريف المفكر الإسلامي الأردني المعروف.. رحم الله من سبقونا إلى لقائه الكريم، وأسبغ أثواب الصحة والعافية على من كان منهم على قيد الحياة.

وانتهى موسم الحج، فعدت إلى (الرياض) وسجلت حلقات جديدة من البرنامج مع عددٍ من العلماء والمفكرين والأدباء الذين يهمهم بيان قضايا المجتمع على ضوء الإسلام، ويهمهم تقدم المجتمع وارتقاءه ونماءه، من جميع النواحي، منهم الأستاذ الأديب عبدالله بن إدريس، والأستاذ المربي عثمان الصالح، والأستاذ الفقيه صالح العلي الناصر، والدكتور عبدالله التركي، والشيخ زيد بن فياض، والأستاذ سعيد جندول والأستاذ جميل أبو سليمان، والأستاذ يحيى الأيوبي والدكتور عبدالرحمن الباشا، والأستاذ الدكتور علي عبدالواحد وافي، والأستاذ الدكتور محمد خير العرقسوسي، والأستاذ الباحث المؤرخ محمد فتحي عثمان والدكتور عبدالكريم عثمان، والدكتور مازن المبارك، والأستاذ زين العابدين الركابي، والدكتور عمر الخطيب وآخرون وآخرون..

وفي كل مرحلة من مراحل هذا البرنامج يكون فيها فتح جديد يشاركني فيه مجموعة جديدة من العلماء والمشايخ والمفكرين، اتلقى معه من الشيخ إبراهيم بن محمد عليه رحمة الله المزيد من الإعجاب، ويشعرني أنه ماض معي في مسيرتي وأنّ المطلوب مني هو الصبر والثبات والاستمرار في خدمة برنامج (مجلس الإيمان) لأنه أسلوب مميز من أساليب الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الحق، الدعوة إلى الفضيلة، والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (33) سورة فصلت. وكان الشيخ جميل الحجيلان يطالبني بأن أحرك البرنامج فلا استقر به في مكان واحد، أو في مدينة واحدة من مدن المملكة، ويحرص على أن يشارك فيه كل المفكرين والعلماء والمشايخ الذين يمثلون كل مناطق المملكة، وان انتهز فرصة انعقاد اللقاءات والاجتماعيات والندوات الإسلامية في مدن المملكة وخصوصاً في (مكة المكرمة) و(الرياض) و(المدينة المنورة) واستضيف المشاركين فيها من رجالات العالم الإسلامي فضلاً عن رجالات المملكة.. كان يذكرني باستمرار - طيب الله أوقاته - بألا أنسى دعوة الشيخ عبدالعزيز بن باز نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والشيخ عبدالله المسعري رئيس ديوان المظالم، والشيخ عبدالعزيز بن حسن وزير المعارف السابق وأحد كبار العلماء، والشيخ محمد الحركان رئيس المحكمة الكبرى في جدة، والشيخ ناصر الحمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات عليهم رحمات الله جميعاً وغيرهم وغيرهم.. وكنت لا أتوقف عن التجاوب مع رغباته الكريمة، والعمل على تنفيذها ما استطعت.

وتوجهت الى المنطقة الشرقية بعد افتتاح محطة تلفزيون (الدمام).. وهناك سجلت مجموعة من حلقات البرنامج، شارك فيها عدد طيب من مفكري وعلماء وقضاة وأدباء المنطقة، كان منهم على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ صالح بن غصون والأستاذ محمد سليمان الشيحة، والشيخ محمد بن زيد آل سليمان، والشيخ علي بن صالح المحويتي، والشيخ صالح النجيدي، والشيخ عبدالكريم الشيحة.. ثم عدت الى الرياض فسجلت عدداً آخر من الحلقات مع مجموعة جديدة من المفكرين والعلماء والقضاة وأساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الملك سعود، وأعضاء دار الإفتاء وغيرهم.ثم توجهت إلى (المدينة المنورة) بعد افتتاح محطة التلفزيون فيها، وسجلت عدداً من الحلقات مع الشيخ عبدالعزيز بن صالح رئيس المحكمة الكبرى وإمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، ومع نائبه الشيخ عبدالمجيد بن حسن، والدكتور أكرم العمري الباحث العراقي المعروف والشيخ محمد المجذوب الداعية الأديب السوري، والأستاذ محمد أبو سردانة العالم القاضي الفلسطيني المعروف، والدكتور نور الدين العتر، وهؤلاء الأربعة كانوا يدرّسون في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.. وكذلك سجلت حلقات أخرى مع الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد، والشيخ عطية محمد سالم.. وهذان الشيخان الكريمان بالإضافة إلى الشيخ أبوبكر الجزائري كانوا من المدرسين الرئيسين في الحرم النبوي الشريف آنذاك.

وانتهى عهد معالي الشيخ جميل الحجيلان في وزارة الإعلام، وكلف بوزارة الصحة.. وجاءنا الشيخ إبراهيم بن عبدالله العنقري وزيراً جديداً للإعلام.. جاءنا بحزمه ونزاهته (ومقداميته)، فكان بحق وزيراً من الوزراء أولي العزم، كسلفه الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان.. وكانت عنايته ببرنامج (مجالس الإيمان) كبيرة لا تقل عن عناية سلفه به.. ولقد سرني أنه كان من المتابعين لحلقاته، المتفاعلين مع الموضوعات التي كانت تطرح فيه، المعجبين بالكثير من محدثيه.

تابعت تسجيل حلقات البرنامج متنقلاً بين الرياض وجدة والمدينة المنورة، والقصيم وأبها بعد افتتاح محطة التلفزيون في كل منهما... ولقد سجلت حلقات خاصة في أكثر من موسم من مواسم الحج في مشاعره الأساسية وخلالها في (عرفات) وفي (منى) وشارك في هذه الحلقات كثيرٌ من العلماء والمفكرين والقضاة والأدباء من المملكة ومن شتى أقطار العالم الإسلامي، وهم وأنا معهم في ملابس الإحرام.

وبعد مرور عددٍ من السنوات على إنتاج البرنامج داخل المملكة عرضت على الشيخ إبراهيم العنقري أن أسافر إلى بعض الدول العربية، وأسجل حلقات منه في هذه الدول بالتعاون مع محطات التلفزيون، مستفيدين من الطاقات العلمية والفكرية فيها محققين فكرة التنوع المطلوب في البرنامج، عاملين بالقول المأثور (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فاستحسن الشيخ إبراهيم العنقري هذا العرض، وباركه وأيده بقوة، ووجّه الجهات المختصة في وزارة الإعلام إلى تقديم التسهيلات اللازمة لذلك.. وإن نسيت فلا أنسى في هذا الميدان الاهتمام الكبير الذي أبداه الشيخ محمد عبد الرحمن الشيباني وكيل وزارة الإعلام المكلف بالإشراف على الإذاعة والتلفزيون في حينها، من خلال البرقيات والاتصالات التي أجراها مع سفارات جلالته في البلدان التي سافرنا إليها، والمسؤولين عن أجهزة الإذاعة والتلفزيون في تلك البلدان، مما كان له أعظم الآثار الطيبة، والنتائج الإيجابية في إنجاز مهمتنا على الوجه الأكمل.

سافرت وسافر معي الزميل الأخ منذر النفوري، عليه رحمة الله، المخرج العتيد لبرنامج (مجالس الإيمان) والزميل الأخ عطا الله الطعيمي من هندسة الإذاعة الخارجية إذاعة الرياض، ليتولى من جهته تسجيل برنامج (دعاة الخير) الذي كنت أعده وأقدمه مستفيداً من ضيوف برنامج (مجالس الإيمان) ليذاع بصورة أسبوعية في إذاعة الرياض.

اخترنا في سفرنا هذا خمس دول عربية هي الكويت والأردن وسوريا ولبنان والجمهورية التونسية.

ففي الكويت رحّب بنا وكيل وزارة الإعلام الأستاذ عبد العزيز جعفر والأستاذ حمد المؤمن مدير الإذاعة والأستاذ رضا الغيلي مدير التلفزيون وقدموا لنا كل التسهيلات المطلوبة، وتمكنا من تسجيل عدد من الحلقات المميزة التي شارك فيها عدد من الشخصيات الكويتية البارزة في ميدان الفكر والدعوة الإسلامية، وعدد آخر ناشط في هذا الميدان من رجالات الدول العربية التي تعمل في جامعة الكويت.. فمن الشخصيات الكويتية الشيخ عبد الله النوري الذي كان يعتبر مفتي الكويت، والأستاذ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي الوزير والمفكر الإسلامي المعروف، والأستاذ عبد الرحمن المحجم وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والأستاذ عبد الله العقيل مدير عام شؤون الدعوة بوزارة الأوقاف.. ومن الشخصيات العربية، شارك معنا في (مجالس الإيمان) الدكتور شاكر مصطفى الوزير والمفكر السوري المعروف، والدكتور المؤرخ نور الدين حاطوم، والأستاذ الدكتور محمد فاروق النبهان، والدكتور حسان حتحوت الشاعر الإسلامي المصري المعروف، والدكتور زغلول النجار عالم الطبيعة الباحث الإسلامي المعروف، والشيخ بدر المتولي عبد الباسط، والدكتور محمد البهي... وسعدنا كذلك باستضافة العالم الفقيه الموسوعي السوري الكبير الشيخ مصطفى الزرقا، عليه رحمة الله، الذي كان يعمل في الكويت آنذاك خبيرا مشرفاً على إعداد وإصدار الموسوعة الفقهية، وغيرهم وغيرهم.

ومع استعدادنا للسفر مغادرين الكويت، طلب إلينا الإخوة المسؤولون في تلفزيون الكويت أن يحتفظوا بنسخ من أشرطة حلقات برنامج (مجالس الإيمان) التي سجلناها عندهم، ليعرضوها من على تلفزيونهم في الوقت الذي نسمح لهم فيه، فوافقنا على ذلك, وشددنا الرحال باتجاه الأردن.

وشددنا الرحال إلى (الأردن) وكان في استقبالنا في مطار (عمان) الأستاذ عبد الرحمن العقرباوي ممثلاً لوزارة الإعلام ثم توجهنا إلى مقابلة الدكتور عدنان أبو عودة وزير الإعلام آنذاك الذي رحب بنا ترحيباً كبيراً، وقال لنا: أهلاً وسهلاً في بلدكم الأردن آمنين، وقدم لنا والمسؤولون في الإذاعة والتلفزيون من المساعدات والتسهيلات الشيء الكثير، واستطعنا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل هذه التسهيلات وما لنا من صداقات وعلاقات في الأردن أن نسجل عدداً طيباً من حلقات برنامج (مجالس الإيمان) وبرنامج (دعاة الخير) وقد شارك في هذه الحلقات عدد كبير من الشخصيات الأردنية والفلسطينية المميزة منهم المفكر المؤرخ والموسوعي المعروف الدكتور ناصر الدين الأسد الوزير السابق رئيس مؤسسة (آل البيت) والدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة أبرز قيادات العمل الإسلامي، والدكتور إسحق الفرحان الوزير السابق، وأحد قيادات العمل الإسلامي، والأستاذ المربي الشاعر يوسف العظم، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني الإعلامي الإسلامي المعروف، والأستاذ أحمد العناني الإعلامي الإسلامي المعروف، والشيخ عبد الله القلقيلي مفتي الديار الأردنية عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

وقبل أن نغادر (الأردن) استأذننا المسؤولون في التلفزيون هناك بالحصول على نسخ من حلقات برنامج (مجالس الإيمان) ليتولوا عرضها على تلفزيونهم في الوقت الذي نسمح به فوافقنا على ذلك، مثلما فعلنا في الكويت.

توجهنا بعد ذلك إلى (سوريا) فاستقبلنا استقبالاً كبيراً شعبياً كان على رأسه سماحة المفتي العام الشيخ أحمد كفتارو، عليه رحمة الله، ورسمياً كان على رأسه الشيخ عبد الستار السيد عليه رحمة الله وزير الأوقاف، وممثلون من سفارة جلالته في دمشق...

ولقد أعاننا الله سبحانه وتعالى فوظفنا ذلك الاستقبال الكبير وذلك الترحيب المميز لمصلحة البرنامج، ولقد وفقنا الله سبحانه في زيارتنا لسوريا فحققنا خطوتين مهمتين كبيرتين جديدتين، الخطوة الأولى، كانت تسجيل حلقات من برنامج (مجالس الإيمان) بمشاركة جمهور غفير من الناس، فقد استضفنا سماحة الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام في سوريا عليه رحمة الله في أربع حلقات تم تسجيلها على مدرج (جامعة دمشق) أعرق المدرجات في سوريا بحضور جمهور كبير من الرجال والنساء... الرجال على المدرج وعددهم يزيد على الألف والنساء على الشرفات الملحقة به وعددهن يزيد على مائتي امرأة كان موضوع الحلقتين الأوليين اللتين دار حوله الحوار:

(القضاء والقدر: مفهومه وأهميته والنقاط التي يخطئ فيها كثير من الناسي حوله) وأما موضوع الحلقتين الثالثة والرابعة فكان (كيف عامل الإسلام المرأة وما هي مكانتها فيه)... لقد كانت هذه الحلقات الجماهيرية نقلة نوعية كبيرة في مسيرة هذا البرنامج وكانت إجابات سماحة الشيخ كفتارو عليه رحمة الله على الأسئلة الكثيرة المتعددة التي وجهتها إليه، ووجهها إليه جمهور الناس من الرجال والنساء كانت موفقة مفيدة سديدة لافتة للنظر.. لقد كانت تلك الحلقات التي لا ينساها الناس، بموضوعاتها والأسئلة التي طرحت فيها والإجابات على تلك الأسئلة، والجماهير الغفيرة التي شهدتها تمثل كاشفاً حقيقياً عن طبيعة الشعب السوري، وحبه للإسلام، ومدى تعلقه بأحكامه وتوجيهات.... ولا شك أن الاستفادة من معطيات مدرج جامعة دمشق، وهذه مسألة تحمد عليها وزارة التعليم العالي، وجامعة دمشق، واستخدام الأجهزة الفنية على أحسن مستوى وفي طليعة ذلك سيارة النقل الخارجي التلفزيوني، وهذه مسألة تحمد عليها وزارة الإعلام، والحشد الجماهيري الكبير وهذه مسألة تحمد عليها وزارة الأوقاف، والكتلة الشعبية الكبيرة من تلامذة سماحة الشيخ كفتارو عليه رحمة الله ومريديه ومحبيه، كل ذلك ساهم مساهمة فعالة في نجاح تلك الحلقات المهمات المميزات.. والخطوة المهمة الثانية التي تمثل نقلة نوعية أخرى والتي حققناها خلال زيارتنا لسوريا أننا سجلنا حلقات من هذا البرنامج مع شخصيات نسائية شابة كانت تنشط في حقل الدعوة الإسلامية، وقد تم ذلك بمشاركة كل من المربية الداعية (إنصاف رمضان) والداعية السيدة (إنعام العطار) والداعية السيدة (مكية السيد)..

على أننا سجلنا كذلك حلقات مميزة أخرى مع الأستاذ الشيخ عبد الستار السيد وزير الأوقاف والعالم الخطيب الجماهيري المعروف، ومع الأستاذ رياض العابد نقيب المحامين وعضو مجلس الشعب، ومع الدكتور مروان شيخو الداعية الخطيب الجماهيري الفذ وعضو مجلس الشعب ومع الدكتور زياد الأيوبي الداعية الخطيب المعروف، خطيب جامع سعد بن معاذ وزارة الأوقاف في الوقت الراهن، ومع الأستاذ الشيخ محمد بشير الباني، عضو محكمة النقض وخطيب الجامع الأموي الكبير، والأستاذ الشيخ حسين خطاب شيخ القراء في سوريا وخطيب جامع باب مصلى، والأستاذ الشيخ كريم راجح المربي الداعية المعروف، والأستاذ الشيخ عبد الرحمن يركان العالم الداعية خطيب جامع الروضة، والأستاذ أحمد عبد الفتاح راجح الداعية الخطيب المعروف، والأستاذ الشيخ أسامة الخاني الداعية المعروف وخطيب جامع الجسر الأبيض، وإن نسيت فلا أنسى الحلقات التي شارك فيه العميد المتقاعد والوزير السابق السيد أمين نفوري وهم من كبار الضباط الذين كان لهم دورهم في فترة الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي في سوريا.

توجهنا بعد ذلك إلى (لبنان) وهنا استقبلنا اللواء علي الشاعر الملحق العسكري السعودي آنذاك بالترحيب وتقديم كل مساعدة أو مساندة أو تسهيل، ولقد كان مكتب اللواء الشاعر بحق وكما رأينا في تلك الأيام موئلاً لكل اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم، وميولهم السياسية، وكان كذلك موئلاً لكل السوريين المتململين من الحكم في سوريا الهاربين إلى لبنان... وكان هؤلاء وغيرهم يلقون من اللواء الشاعر والعاملين في مكتبه كل مساعدة يستطيعون أن يقوموا بها دون كلل أو ضجر أو تلف..... لقد جاء اللواء علي الشاعر في أعقاب رحيل الملحق العسكري المصري السيد عبد الحميد غالب إلى لبنان، الذي كان حاكماً فعلياً للبنان.

واستطاع اللواء علي الشاعر بحكمته وإخلاصه وحسن سياساته وتدبيره وتربيته ودبلوماسيته، وأصالته وكرمه، أن يحول أنظار اللبنانيين كل اللبنانيين وغيرهم معهم، أن يحولها صوب البيت الحرام، وأهل البيت الحرام، وسدنة البيت الحرام.. إن السيد علي حسن الشاعر هو النموذج المميز، والأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة لكل من يود أن يعمل في السلك الدبلوماسي عسكرياً كان أو مدنياً، فيكون الخادم المخلص الأمين لوطنه العزيز، وولاة أمره الأخيار، وأمته المجيدة ودينه العظيم.

ويذكرني اللواء علي الشاعر، عليه سلام الله، بشخصية أخرى كريمة عملت في الوزارة، وعملت ردحاً طويلاً من الزمن في السلك الدبلوماسي، وخلفت وراءها سيرة عطرة من الأعمال الطيبة والخصال المجيدة، والباقيات الصالحات، هي شخصية الوزير السفير الشيخ محمد الحمد الشبيلي عليه رحمات الله.

أكرمني اللواء علي الشاعر بإجراء الاتصالات اللازمة بمختلف الشخصيات اللبنانية العلمية والدينية والأدبية، وكذلك بالشخصيات السورية الموجودة في لبنان في ذلك الوقت.. وكذلك أجرى الاتصالات اللازمة مع (تلفزيون لبنان والمشرق) المسمى بالقناة (11)، وبمديره السيد جورج سلامة الذي لقينا منه كل مساعدة وتسهيل، وهيأ لنا الحجوزات والديكورات اللازمة وسجلنا عدداً من الحلقات الجديدة... كان أبرز ضيوفنا في تلك الزيارة الشيخ حسن خالد عليه رحمة الله مفتي الجمهورية آنذاك، والدكتور صبحي الصالح عليه رحمة الله المفكر الإسلامي الباحث الداعية الخطيب المعروف والأستاذ اللغوي الكبير الشيخ عبد الله العلايلي - والعلامة الباحث المؤرخ الدكتور عمر فروخ، والعلامة الشيخ نديم الجر مفتي طرابلس، والأستاذ الشيخ شفيق يموت قاضي بيروت الشرعي، والشيخ طه الصابونجي قاضي طرابلس ومفتيها الحالي، والأستاذ حسني القوتلي مدير عام دار الإفتاء...

ومن الشخصيات السورية التي سجلنا معها الأستاذ محمد المبارك الوزير السابق وعميد كلية الشريعة السابق والمفكر الإسلامي المعروف، والأستاذ ظافر القاسمي الباحث المعروف ونقيب المحامين السابق، والأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد الباحث المحقق المعروف، والأستاذ نصوح بابيل رئيس تحرير صحيفة (الأيام) والأستاذ بشير العوف رئيس تحرير صحيفة (المنار) والدكتور محمد علي الزعبي الباحث المحقق المعروف.

المحطة الأخيرة في رحلتنا في عدد من الدول العربية هذه كانت في (تونس) تونس الخضراء، البلد العربي المسلم، بلد الجامعة الزيتونية... البلد الذي فتحته على أنوار الإسلام جحافل (عقبة بن نافع) ومن بعده جحافل (موسى بن نصير)، و(طارق بن زياد) طيب الله ثراهم جميعاً.

كان في استقبالنا في مطار (تونس) الأستاذ عبد الرحمن الشبل عليه رحمة الله، القائم بأعمال سفير خادم الحرمين الشريفين -وهو ابن عم زميلنا الإعلامي الكبير الأستاذ ماجد الشبل شفاه الله وعافاه وزوج أخته الكريمة واستقبلنا كذلك وفد من وزارة الإعلام التونسية ممثلاً بالسيدة سعاد الأصرم والأستاذ أحمد بوسنينة الذي بقي معنا مرافقاً في كل أعمالنا ونشاطاتنا في تونس...

لقد رحب بنا الأستاذ الشبل ترحيباً كبيراً على الصعيد الرسمي كما مر معنا وأكرم وفادتنا أنا وزميلي الأستاذ المخرج منذر النفوري عليه رحمة الله، والأستاذ المهندس عطا الله الطعيمي، وأجرى من الاتصالات بالتعاون مع وزارة الإعلام بالشخصيات العلمية والدينية والفكرية ما سهل علينا مهمتنا وتمكنا من تسجيل عدد من حلقات برنامج (مجالس الإيمان) وبرنامج (دعاة الخير)، وقدم لنا التلفزيون التونسي كل ما احتجناه لإنجاز الحلقات المطلوبة.. كان من بين الشخصيات التونسية المميزة التي شاركت معنا في حلقات هذين البرنامجين، الأستاذ الشيخ الفاضل بن عاشور مفتي الديار التونسية، والشيخ مصطفى كمال التارزي وكان يشغل منصباً رفيعاً في مجلس الوزراء، والشيخ محمد الحبيب بلخوجه من كبار علماء تونس وهو يشغل الآن منصب الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي في جدة، والأستاذ الدكتور علي الشابي الأستاذ في الجامعة الزيتونية، وصار فيما بعد وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية، والشيخ الحبيب المستاري رئيس تحرير مجلة (جوهر الإسلام) والأستاذ العروسي المطوي، والأستاذ الشاعر الكبير محمود الباجي، والدكتور الحبيب الهيلة، والأستاذ مصطفى كمال جعيط، الأستاذين في الجامعة الزيتونية.

ووجدناها فرصة طيبة فاستفدنا من إقامة السياسي الكبير والمفكر العراقي الدكتور فاضل الجمالي في تونس في تلك الفترة فأشركناه في حلقات من البرامج التي نقوم بتسجيلها وقد طلب إلينا أخوانن المسؤولون في تلفزيون تونس في نهاية المطاف كما طلب إخواننا المسؤولون في الكويت، والمسؤولون في الأردن نسخا من حلقات (مجلس الإيمان) ليذيعوها فيما بعد في الأوقات التي نحددها لهم فوافقنا على ذلك... وقد كان في وداعنا في مطار (تونس) كما كان في استقبالنا الأستاذ عبد الرحمن الشبل عليه رحمة الله القائم بأعمال سفير جلالته في تونس، والأستاذ أحمد بوسنينة ممثل وزارة الإعلام التونسية كما كان في استقبالنا..

وعدنا إلى الرياض بعد جولة عملية غنية حافلة استمرت حوالي شهرين بأكثر من سبعين حلقة من حلقات (مجالس الإيمان) وبالمادة الخام لأكثر من خمسين حلقة من حلقات برنامج (دعاة الخير)...

ومن توفيق الله سبحانه وتعالى لنا أن برنامج (مجالس الإيمان) بصورة عامة، وكانت مدة الحلقة الواحدة منه ساعة كاملة، كان يمكن أن يذاع على الفور بعد تسجيله دونما حاجة إلى عملية (المونتاج)، فقد كان من القليل بل النادر أن أحتاج إلى ذلك فأضطر إلى حذف جملة غير مناسبة، أو عبارة لاتصلح للبث، أو فقرة شذت عن السياق، فقد كان البرنامج يعد إعداداً جيداً، وترسم خطوطه العامة، وتحدد الأسئلة التي تطرح فيه بصورة مسبقة، وتوزع توزيعاً محدداً مستقلاً ومتداخلاً على الأساتذة المشاركين فيه.. أما الاجتماع والحوار التجريبي (البروفة) الذي يتم بيني وبين المتحدثين فيه قبل التسجيل النهائي بيومين أو ثلاثة أيام فيعتبر من الأمور الضرورية التي لايجوز التنازل عنها.

شرحنا لمعالي الوزير الشيخ إبراهيم أنا وزميلاي، النفوري والطعيمي ماجرى معنا في هذه الرحلة، وبيننا الحصيلة الكبيرة الغنية التي عدنا بها من هذه الرحلة، ومظاهر الترحيب، ووقائع التكريم التي قوبلنا فيها، وخصة من الأستاذ عبدالعزيز جعفر وجماعته في الكويت، والدكتور عدنان أبو عودة وربعه في الاردن.. وأوضحنا لمعاليه الحفاوة البالغة التي قوبل بها مشروعنا في سوريا، ومالقيناه ولمسناه من مواقف رائعة من سماحة المفتي العام الشيخ كفتارو وجماعته، والاستاذ الشيخ عبدالستار السيد وزير الاوقاف، ووزارة الإعلام، ووزارة التعليم العالى.. ثم توقفنا كثيراً في لبنان عند التسهيلات المميزة التي قدمها لنا اللواء علي الشاعر الملحق العسكري السعودي آنذاك وكان لها أكبر الاثار في إنجاز مهمتنا على الوجه الأكمل.. وختمنا بتونس والتسهيلات الكثيرة التي قدمها لنا الأستاذ عبدالرحمن الشبل عليه رحمة الله، القائم بأعمال سفير جلالته هناك في ذلك الوقت، والمسؤولون في وزارة الإعلام.. فشكر لنا معالي الوزير أنا وزميلي النفوري عليه رحمة الله، وزميلي الطعيمي ضيفنا، وسر سروراً بالغاً بما توصلنا إليه من لقاءات عظيمة بهذه الشخصيات المتميزة في بعض من أجزاء عالمنا العربي.. وطلب إلينا مواصلة الهمة، ومتابعة الجهود المباركة بإذن الله، والثبات على الحق، والصبر على عمل الخير.

وما أن عرضت الحلقة الأربع التي سجلناها مع سماحة الشيخ كفتارو عليه رحمة الله، في مدرج جامعة دمشق حتى اتصل بي الشيخ إبراهيم بن محمد عليه رحمة الله راغباً في لقائي.. وقد اتصل بي في تلك الليلة كثير من الناس عن طريق الهاتف، أو لارسائل فيما بعد، معبرين عن فرحتهم بهذا الانجاز، أو عن دهشتهم له، أو عن اعجابهم به، ذلك لأنه أول لقاء جماهيري كبير يتم من خلال تلفزيون الرياض لبرنامج من البرامج الدينية.

توجهت إلى الشيخ إبراهيم بن محمد عليهما رحمات الله، فالتزمني وعانقني، وأسمعني من عبارات الشكر والتقدير على الجهود التي بذلتها وأبذلها في تسجيل برنامج (مجالس الإيمان) مالاأنساه.. وقال لي: أن جهودك مشكورة ومبرورة بإذن الله على حشد هذه الشخصيات العلمية والفكرية والأدبية التي جمعتها من المملكة ومن الاقطار العربية الأخرى.. ثم توقف قليلاً وقال: لكنني متعجب كثيراً يا أخ زهير مما عملتم في سوريا.. في دمشق.. دمشق في الحلقات التي تحدث فيها سماحة المفتي العام الشيخ كفتارو، وعرضتم الحلقة الأولى منها.. وقبل أن أجيبه، تابع يقول: لاتؤاخذني الكل يعلم، أن (البعث) هو الحزب الحاكم في سوريا.. والبعث حزب علماني، لايشجع على الأقل حصول هذه التجمعات الشعبية الإسلامية، وعلى مدرج (جامعة دمشق) فما الحكاية؟... أخبرني من فضلك!

قلت للشيخ إبراهيم عليه رحمة الله: سؤالك أو تساؤلك في مجلة، وقد سألنيه غيرك كثيرون، بالهاتف أو بصورة مباشرة أو عن طريق الرسائل التي باتت تردني من كل الجهات..

وتابعت: مارأيته في (دمشق) يافضيلة الشيخ من ذلك التجمع الجماهيري في مدرج (جامعة دمشق) في أثناء تسجيلنا لحلقات (مجالس الإيمان) مع سماحة الشيج كفتارو - رحمه الله - وهي أربع حلقات كان مظاهرة.. وكان مهرجاناً حقيقياً عبر فيه الناس بصورة غير مباشرة عما في نفوسهم، وعما تكنه ضمائرهم من محبة الإسلام، والتعلق بالإسلام والتفكير في الإسلام.. ولما حدث ورأيته أسباب، أهمها:

أولاً: توفيق الله سبحانه وتعالى، وتيسير الله سبحانه وتعالى لمهمتنا تلك.

الأمر الثاني: صداقاتي الكثيرة، وصداقات الأخ منذر النفوري - عليه رحمة الله - مع زملائنا العاملين والمسؤولين في التلفزيون السوري، فقد بدأت العمل فيه قبل مجيئي إلى المملكة بخمس سنوات، وكذلك الأخ منذر.. فأكثر العاملين والمسؤولين في التلفزيون العربي السوري هم أصدقاؤنا وزملاؤنا.. ونحن - أنا ومنذر - نعتبر من الجيل المؤسس للتلفزيون العربي السوري، وقد بدأنا العمل فيه منذ افتتاحه،.. فضلاً عن الثقة بالله والجسارة اللتين تسلحنا بهما ونحن نبدي رغبتنا بما حدث..

السبب الثالث، وهو مهم جداً، وهو الشعبية الكبيرة التي تقف وراء الشيخ كفتارو - رحمه الله - وتتابع دروسه، ومحاضراته التويهية الاسبوعية في جامعه الرئيسي (جامع أبو النور) وفي (الجامع الأموي الكبير) وفي (جامع يلبغا) وفي غيرها، وما حبي الله به (الشيخ) من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والاسلوب الوسطي، والعقلية الحكيمة المتفتحة، والنظرة الإنسانية التي يتعامل بها، مع عباد الله جميعاً.

السبب الرابع: التدخل الإيجابي الذي قامت به وزارة الاوقاف ممثلة بالوزير - آنذاك - الشيخ عبدالستار السيد - عليه رحمة الله - مع وزارة الإعلام، ووزارة التعليم العالى.. فتيسرت جميع الأمور وخاصة تهيئة مدرج جامعة دمشق لاستقبال تلك الجماهير الشعبية، واستيعابها وتنظيم أمورها في موضوع الحضور والانصراف، وتوفير جو الهدوء في أثناء تسجيل الحلقات، وتكليف سيارة النقل الخارجي التلفزيوني لانجاز هذا العمل، في الوقت الذي لاتخدم هذه السيارة إلا المناسبات المهمة السياسية التي تخص الدولة!

الأمر الخامس: لاحظنا أن المسؤولين في سوريا - في ذلك الوقت - كانوا يحرصون على إظهار نواياهم الحسنة، وخاصة فيما يتعلق بحبهم للإسلام، وحرصهم على دعم النشاطات الإسلامية، وبعدهم عن الظهور بالمظهر اللاديني البعيد عن الإسلام!

وانتهى عهد الوزير الإداري الحازم المقدام الشيخ إبراهيم العنقري، كما انتهى عهد الوزير الذكي الألمعي العبقري الشيخ جميل الحجيلان..

وجاء عهد الوزير المجتهد المجد الدكتور محمد عبده يماني.. واستمر برنامج (مجالس الإيمان).. أسجل حلقاته تارة في الرياض، وتارة في جدة، وتارة في المدينة المنورة، وتارة في الدمام، وتارة في القصيم وتارة في أبها، مستفيداً من الطاقات الواعية الدينية والفكرية والاجتماعية والادبية، من رجالات الفكر والدعوة الإسلامية، وأساتذة الجامعات، وكبار القضاة، وكبار المسؤولين في الدولة ممن لهم علاقة بمناحي الحياة الاجتماعية، أو المهتمين بقضايا التربية والتعليم، سواء منهم أبناء هذه البلاد، أو القادمون إلينا من الدول العربية والإسلامية وغيرها، المشاركون لنا في حركة البناء والنماء، والتربية والتعليم، والنهوض الصحي والعمراني، مستغلاً في كل سنة موسم الحج الذي يتقاطر فيه في العادة العدد الكبير من رجالات العالم العربي والإسلامي، أو الممثلون للتجمعات الإسلامية الأخرى في العالم، ميممين وجوههم شطر المسجد الحرام، وشادين رحالهم صوب المسجد النبوي الشريف.. ومستغلاً كذلك اللقاءات والاجتماعات الخاصة بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والجامعات والمؤسسات الإسلامية الأخرى، فأسجل المزيد من حلقات هذا البرنامج.

***

كنت مديراً لإذاعة الرياض.. فكلفت بالسفر إلى جدة وكلفت بالعمل مشرفاً عاماً على إذاعة جدة وإذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة.. وعملت على مدى ستة أشهر على إتمام عدد من الإجراءات والإصلاحات الإدارية والمالية، تكللت بحمد الله بالنجاح والتوفيق.. ثم عدت بعدها إلى الرياض، فكلفت بالعمل مديراً عاماً للإذاعة على أثر استقالة الأستاذ خالد حمزة غوث مدير عام الإذاعة الأصيل.. واستمر عملي مديراً عاماً مكلفاً لمدة عام كامل.. بذلت فيه من الجهود والاعمال المتواصلة، الله بها عليم.. وكان من الأعمال التي بذلت فيها الإذاعة جهوداً مميزة تغطيتها لعودة الملك خالد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه من الخارج معافى بعد العملية الجراحية التي أجريت له، وتغطيتها للزيارات التي قام بها جلالته عليه رحمة الله إلى عدد من مدن المملكة ومناطقها، بقصد اطمئنان جماهير الشعب عليه بعد عودته الميمونة، ونقل مشاعرهم الفياضة بالفرح والسرور وقد عاد بحمد الله سالماً غانماً.. كل ذلك ينقل على الهواء، وقسم كبير من المسيرات ومظاهر الاستقبال الشعبية على الطرق الرئيسية ينقل لأول مرة.. كنت أتوقع أن تلاقى جهودي تلك، وحرصي على أداء عملي على الوجه الأكمل، التقدير والتشجيع، وقد وعدت بذلك، لكنني فوجئت بترقية زملائي المتساوين معي في المرتبة، وعددهم أربعة أو خمسة، في الوزارة، دون أن أترقى معهم.. تأثرت كثيراً.. لاسيما أنني ما عملت في يوم من الأيام وأنا أدير الإذاعة إلا ما يرضى الله عزوجل، ويقر عين المسؤولين عني.. ثم نقلت من (إذاعة الرياض) إلى (إدارة الإعلام الخارجي) بالإضافة إلى العمل (مستشاراً) لوكيل الوزارة للشؤون الإعلامية.. بقيت في عملي هذا حوالي سننة، لم أعمل فيها عملاً يذكر بمعنى الكلمة، وأنا المتعود على العمل الكثير، والانتاج الكثير، والجهود الكبيرة التي أبذلها..

وما أن سمع بموضوع تهميشي في وزارة الإعلام، ما إن سمع بذلك معالي الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، وكان حين ذلك وزيراً للعدل، حتى دعاني إلى مكتبه عليه رحمة الله، وعرض علي العمل رئيساً لتحرير مجلة (الدعوة)، فشكرته وطلبت إليه مهلة للتفكير..

ثم ترامى إلى سمع أخيه الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم عليهم رحمة الله، وكان يشغل في حينها عمل الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موضوع تهميشي في وزارة الإعلام، حتى دعاني إليه، والتقينا في مكتبه، وسألني عن أحوالي فأجبته.. فقال لي رحمه الله: مارأيك أن تكون مديراً عاماً للعلاقات العامة والاعلام في الرئاسة عندنا: قلت له يا شيخ تأبى أن تكون إلا أصيلاً كريماً عريقاً مسلماً حقاً مثل أخيك الشيخ إبراهيم، بارك الله فيكما، وزادكما الله من فضله وكرمه وتوفيقه.. أترك لي من فضلك فرصة للتفكير.. وفي تلك الآونة، اتصل بي ممثل (الشركة السعودية للأبحاث والتسويق) الأخ الأستاذ محمد معروف الشيباني، وقال لي: إن الشركة تود إصدار مجلة أسبوعية إسلامية حديثة تحت اسم (المسلمون) ستعد وتطبع وتوزع من (لندن) كباقي مطبوعاتها، جريدة (الشرق الأوسط)، ومجلة (المجلة) ومجلة (سيدتي).. وقد اختارك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، والأب الروحي لهذه الشركة، اختارك من بين عدد من المرشحين لرئاسة تحرير هذه المجلة..

قابلت سمو الأمير الشيخ الإعلاميين في بلادنا بل في العالم العربي كله، وشكرته على ترشيحه أياي لرئاسة تحرير (المسلمون).. وتوكلت على الله، فاستقلت من عملي في وزارة الإعلام.. وكنت كالذي يخلع قلبه من صدره.. فقد خلقت للعمل في الإذاعة والتلفزيون، وقد اتقنت عملي وأخلصت له - وهذا من فضل الله على - حتى عشقته، وتفانيت فيه، فكان نور عيني، ونبض قلبي، والوجع الذي لايزال يقض مضجعي..

وحملت نفسي وأهلي وأولادي ومتاعي وسافرت إلى لندن، وأصدرت مجلة (المسلمون).. إلى آخر هذا المشروع العملاق العظيم.. الذي مات مع الأسف الشديد شاباً جميلاً مكتملاً واعداً قبل أن يكمل عامه الأول.. مات وكان موته مأساة حقيقية من مآسي القرن الماضي التي يجب أن لاينساها المسلمون.. المسلمون الذين يعملون للقضايا الإسلامية.. المسلمون الذين يأبون ان يموتوا إلا وهم واقفون، مصرون على أن تكون راية (الله أكبر) في جوانحهم، تضمها أيديهم إلى صدورهم.. قد ازدانت رؤوسهم بزينة العزة والكرامة.. وشخصت أبصارهم إلى علياء السماء..

أود أن أقول: إن برنامج (مجالس الإيمان)، والبرنامج الآخر (نور على نور) الذي كان يعده ويقدمه الأستاذ أحمد فراج عليه رحمة الله، هما البرنامجان الدينيان الاولان في العالم العربي، وقد انطلقا في يوم انطلقا في يوم واحد، هو اليوم الثالث والعشرين من شهر تموز (يوليه) من عام الف وتسع مائة وستين، يوم الذكرى الثامنة لقيام الثورة المصرية، وذلك في سنة من سنوات الوحدة بين سوريا ومصر، في ظلال الجمهورية العربية المتحدة.. ثم توقف برنامج (مجاس الإيمان) في دمشق على أثر الاحداث السياسية التي أعقبت الثامن آذار (مارس) من عام ألف وتسع مائة وثلاثة وستين.. وشاء الله سبحانه وتعالى أن يستأنف برنامج (مجالس الايمان) بعد ذلك التوقف القصير، قوياً عزيزاً من تلفزيون الرياض، وأن يصبح مع الوقت برنامجاً دينياً موسوعياً جامعاً يحبه الناس ويتابعونه، وينتظرون موعد عرضه، ويسألون عنه.. ولقد ولد هذا البرنامج من جديد، هنا في الرياض، وشب وترعرع، واشتد عوده، وحفر له مكاناً مميزاً في عقول الناس وقلوبهم على يد ثلاثة من الرجال الكبار، الرجال أولي العزم، الرجال الذين تمر الأيام، وتمضي السنوات، وتبقى اعمالهم الجليلة، وتخلد جهودهم الكبيرة.. هؤلاء الرجال الكبار الأصلاء الأخيار الأبرار الثلاثة، هم (جميل) واحد و(إبراهيمان) اثنان. أما الجميل ف (جميل) بخلقه وتعامله ومصداقيته وإخلاصه وتواضعه ووفائه..

وأما ال (إبراهيمان) الآخران، فإبراهيم بن محمد الذي أسأل الله أن يوسع له في رحمته، ويعلي له في الجنة منزلته، ويجعله مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين.. وإبراهيم العنقري الذي أسال الله سبحانه وتعالى أن يمد في عمره، ويتم عليه صحته، وأن يزيد في تحقيق الخير على يديه، وان يجزيه خير الجزاء.. وأحسب أن كلاً من (إبراهيم بن محمد) عليه رحمة الله، و(إبراهيم العنقري) عليه سلام الله كان له من اسمه الكريم نصيب، فقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله..).وبعد: رحمك الله يا (إبراهيم بن محمد) رحمة واسعة، فلقد كان (مجالس الإيمان) كلمة طيبة من الكلمات الطيبة الكثيرة التي كنت تقولها في مجالسك، أو تعمل من أجلها في مواقفك، أو تنفق من أجل إعزازها ورفعتها ليلك ونهارك، وكل ساعة من ساعات حياتك وصدق الله العظيم الذي يقول:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}

محمد المبارك
2009-04-11, 12:41 PM
>>>>>>>>>>>