تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أجيبوا هذه الشبهة للرازي في تفسيره !



نضال مشهود
2009-02-19, 01:00 PM
قال أبو عبد الله الرازي :

الحجة السادسة عشرة : وهي حجة استقرائية اعتبارية لطيفة جداً ، وهي أنا رأينا أن الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى وأثبت ، كانت القوة الفاعلية فيه أضعف وأنقص ، وكلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقل وأضعف ، كان حصول القوة الفاعلية أقوى وأكمل ، وتقريره أن نقول وجدنا الأرض أكثف الأجسام وأقواها حجمية ، فلا جرم لم يحصل فيها إلا خاصة قبول الأثر فقط ، فأما أن يكون للأرض الخالصة تأثير في غيره فقليل جداً . وأما الماء فهو أقل كثافة وحجمية من الأرض ، فلا جرم حصلت فيه قوة مؤثرة ، فإن الماء الجاري بطبعه إذا اختلط بالأرض أثر فيها أنواعاً من التأثيرات . وأما الهواء ، فإنه أقل حجمية وكثافة من الماء ، فلا جرم كان أقوى على التأثير من الماء ، فلذلك قال بعضهم أن الحياة لا تكمل إلا بالنفس ، وزعموا أنه لا معنى للروح إلا الهواء المستنشق . وأما النار ، فإنها أقل كثافة من الهواء ، فلا جرم كانت أقوى الأجسام العنصرية على التأثير فبقوة الحرارة يحصل الطبخ والنضج ، وتكون المواليد الثلاثة أعني المعادن والنبات والحيوان . وأما الأفلاك ، فإنها ألطف من الأجرام العنصرية ، فلا جرم كانت هي المستولية على مزاج الأجرام العنصرية بعضها البعض ، وتوليد الأنواع والأصناف المختلفة من تلك التمزيجات ، فهذا الاستقراء المطرد يدل على أن الشيء كلما كان أكثر حجمية وجرمية وجسمية كان أقل قوة وتأثيراً وكلما كان أقوى قوة وتأثيراً كان أقل حجمية وجرمية وجسمية ، وإذا كان الأمر كذلك أفاد هذا الاستقراء ظناً قوياً أنه حيث حصل كمال القوة والقدرة على الإحداث والإبداع لم يحصل هناك ألبتة معنى الحجمية والجرمية والاختصاص بالحيز والجهة ، وهذا وإن كان بحثاً استقرائياً إلا أنه عند التأمل التام شديد المناسبة للقطع بكونه تعالى منزهاً عن الجسمية والموضع والحيز . وبالله التوفيق .

فما يقول له السني السلفي في حل هذه الشبهة بما لا يكمن لمثل الرازي أن يرد عليه ؟
وقد قال في كتابه ذاك : ( وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال إنك أكثرت في تفسير كتاب الله من علم الهيئة والنجوم ، وذلك على خلاف المعتاد! فيقال لهذا المسكين : إنك لو تأملت في كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته ، وتقريره من وجوه . . . ) .

بارك الله فيكم .

الآجري
2009-02-19, 01:27 PM
هذا - والله أعلم - من النظر في ذات الله بالعقل المجرد ، والاستفادة من المحسوسات لمعرفة الله بعيداً عن النص ، ولا جرم أنه سبيل خاطئ ، إذ المعول الأول والوحيد في معرفة صفات الله : النص ، لا العقل والقياس ، ولا الحس ..

نضال مشهود
2009-02-19, 01:32 PM
بارك الله فيكم .

أريد جوابا سنيا وسلفيا كأجوبة الأئمة : أحمد ، والبخاري ، والكناني ، وابن تيمية - رحمهم الله .

المقدادي
2009-02-19, 01:52 PM
الحمدلله و بعد :

الجواب : إننا و إياه لا نتفق على معنى الجسمية الذي يتحدث عنه , فعليه تسقط المسألة من أساسها , ثم هب اننا سلمنا معناه فهل النار جسم في اللغة أصلا ؟



و يقال له أيضا : و نحن قد رأينا أن الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أضعف و أوهي كلما كان الى العدم أقرب ! - مع تقرير اننا نتنزل معه حول إصطلاحه في الجسمية ليس إلا - فإن الجسمية عنده تدخل فيها معان و صفات كثيرة و كلما خلت هذه المعاني من شيء كلما كان أقرب للعدم منه للوجود



ثم إننا لا نسلّم ان هذه الجسمية بالمعنى التي يحكي عنها هي لازم لله تعالى , و هذا على أقل تقدير عرفه بالمشاهدة و نحن لا نقول ان الله تعالى جسم او غير جسم كما هو معروف من مذهبنا لتباين المعاني المقصود بها في هذه اللفظة

و أعطنا جوابك اخي نضال

ابن الرومية
2009-02-19, 03:39 PM
هذه من خزعبلات المتكلمين في الطبيعيات و التي تضحك عليهم الفلاسفة كما قال شيخ الاسلام و عمدتهم في الطبيعيات مثل هذه البراهين الصورية الوسطوية الأرسطية و التي أعظموا فيها الجناية على الالهيات و الطبيعيات معا كقول بعض من يعظمونه ان أسنان البهيمة لا تتعدى عدد أسنان الانسان لاشتراكهما في الحيوانية و لم يكلف نفسه التتبث من الأمر بنفسه ...و كذلك الأمر هنا من أن الأرض أكثر كثافة و لكنها أقل تأثيرا من الماء و الهواء وانما تأثير الشيء على الفرد بحسب قربه منه و احتياجه له لا لكثافته أو رقته فكثير من أنواع الطعام أشد كثافة من من كثير من أنواع الأدوية و مع ذلك تأثير الطعام في الانسان أعظم و أكثر لكون حاجة الانسان اليه أقرب ...و هكذا فالماء أكثر كثافة من السحاب و تأثير الماء أعظم و أكثر من تأثير السحاب لكون أقرب اليه ....و لهذا اذا سأل الناس عن أشد ما يحتاجونه و أكثر شيء يؤثر فيهم لم يقل لهم : فاني لطيف أو فاني أقل الوجود كثافة...بل قيل لهم : فاني قريب....

شذى الجنوب
2009-02-19, 05:15 PM
هذا يبدو أنه قياسا عقليا فاسدا من الرازي المعتزلي..يريد به نفي الذات عن الله تعالى لأنهم يتصورون أن إثبات الذات العلية لله تعالى تعني إثبات جسم وهذا يؤدي بمفهومهم العقلي المجرد إلى مشابهة الخالق للمخلوقين تعالى الله عما يقول المعطلة علوا كبيرا.

والرازي رغم أنه يدعي الذود عن حياض معتقد أهل السنة والجماعة إلا أنه في الحقيقة أشعري جلد، ومن البلاءات في تفسيره -على ما فيه من فوائد- أنه يورد الشبهات دون أن يفندها تفنيدا وافيا!!!
ولذا فقد نصحنا علماؤنا ألا نقرأه في مرحلة الابتداء حتى نتمكن من الأصول..ولازلت حتى هذا اليوم لا أقرأ فيه مخافة ما فيه من شبهات..والله تعالى أعلم.

أبو الفداء أحمد بن طراد
2009-02-19, 07:00 PM
الشيء كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى وأثبت ، كانت القوة الفاعلية فيه أضعف وأنقص ، وكلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقل وأضعف ، كان حصول القوة الفاعلية أقوى وأكمل
إذن هي قاعدة عكسية قد وضعها الرازي لينتهي بنا إلى تلك الأمثلة :
* الأرض أكثف الأجسام وأقواها حجمية ، فلا جرم لم يحصل فيها إلا خاصة قبول الأثر فقط ، فأما أن يكون للأرض الخالصة تأثير في غيره فقليل جداً .
وهذا المثل من قبيل الأول
* وأما الماء فهو أقل كثافة وحجمية من الأرض، فلا جرم حصلت فيه قوة مؤثرة، فإن الماء الجاري بطبعه إذا اختلط بالأرض أثر فيها أنواعاً من التأثيرات.
وهذا من قبيل النوع الثاني
* الهواء ، فإنه أقل حجمية وكثافة من الماء ، فلا جرم كان أقوى على التأثير من الماء ، فلذلك قال بعضهم أن الحياة لا تكمل إلا بالنفس ، وزعموا أنه لا معنى للروح إلا الهواء المستنشق.
وهذا من قبيل النوع الثاني وهو أقوى من الأول لدى الرازي .
وأما النار ، فإنها أقل كثافة من الهواء ، فلا جرم كانت أقوى الأجسام العنصرية على التأثير فبقوة الحرارة يحصل الطبخ والنضج ، وتكون المواليد الثلاثة أعني المعادن والنبات والحيوان
وهذا من قبيل النوع الثاني وهو أقوى من الأول لدى الرازي من ذي قبله .
إلى هذا الحد قد بلغ الرازي من مقولات الفلاسفة الذين يقولون أن القوى الطبيعية ( الماء ، التراب ، الهواء ، النار ) كما قال سقراط
وأما الأفلاك ، فإنها ألطف من الأجرام العنصرية ، فلا جرم كانت هي المستولية على مزاج الأجرام العنصرية بعضها البعض ، وتوليد الأنواع والأصناف المختلفة من تلك التمزيجات.
الاستنتاج :من هذا الاستقراء لتلك الأمثلة خلص الرازي بتلك القاعدة :
كلما كان أكثر حجمية وجرمية وجسمية كان أقل قوة وتأثيراً وكلما كان أقوى قوة وتأثيراً كان أقل حجمية وجرمية وجسمية، وإذا كان الأمر كذلك أفاد هذا الاستقراء ظناً قوياً أنه حيث حصل كمال القوة والقدرة على الإحداث والإبداع لم يحصل هناك ألبتة معنى الحجمية والجرمية والاختصاص بالحيز والجهة ، وهذا وإن كان بحثاً استقرائياً إلا أنه عند التأمل التام شديد المناسبة للقطع بكونه تعالى منزهاً عن الجسمية والموضع والحيز . وبالله التوفيق .
من خلال كلام الرازي علمنا أن الله لا يماثله شيء وذلك بالقياس على تلك الأشياء، ولكن إذا نظرنا إلى كلام الرازي وقياسه وجدناه قد قاس على الأرض و الماء والنار والأفلاك
ولكن في كلامه نظر :
أولاً : قاس مخلوقات على الخالق إذاً هو يعترف بأن الإله يفقد تلك القوى فإن قال لنا قائل :كيف ؟
قلنا :أولاً: إن النار تطفئ وبذلك تنتهي قوتها فبذلك قد فقدت القوة فإذاً الإله كذلك استنتاجاً ـ تعالى الله عن ذلك ـ.
ثانياً: النار ليست جسم وكما هو المعهود الجسم في اللغة: يجمع البدن وأعضاءه من الناس والإبل والدَّوابِّ ونحوه ممّا عظم من الخلق الجسيم كما قال الخليل فينبغي أن يكون لها أثر لغوي يستشهد به على أن النار جسم، وأيضاً اعترافاً عقلياً بذلك فهل من قال بأن النار جسم ملموس الإجابة ستكون بالنفي : لا
ثالثاًُ : إن قال لنا قائل هل كلامنا وقاعدتنا تتنافى مع الرازي قلنا لا :
فهو قد جعل قوة الأرض غير موجودة أو قليلة على حد تعبيره
وجعل لقوة جسميتها تلك القوة الضعيفة ، ومن خلال هذه يؤيد أن الإله ليس له جسم
وله قوة ولكن هل تلك القوى التي ذكرها توافق قوة الرب أو أن ذلك المثال يطابق الرب اللهم إن كان على جهة التمثيل كان أمراً قبيحاً فكيف بالاعتقاد ،إذ أنه قد مثل تلك القوى بقوى الرب وهو يدري ـ نحسبه كذلك ـ أن تلك القوة تفنى فالنار تطفيء والأفلاك تندثر وتموت كما ثبت لدى علماء الفلك موت النجوم عند اكتمال تفاعلاته ، كما أن تلك القوى يطرأ عليها عوراض وتلك العوارض كما نرى ونعلم متمثلة في الأفلاك والنار ، ولا نستطيع أن نطبقها على غيرها من الأرض والرياح لاختلاف الماهية و الكيفية ، أما الماء فإنه يجف فهل الإله تطرئ عليه العوراض التي تطرأ على تلك الأشياء ، وإن كان من باب المماثلة فهل الإله مثل ذلك أين العقول !!!!!!!!
رابعاً : تلك القاعدة هل من خلالها نبرهن أن الإله ليس متحيزاً لأن له قوة وتأثير ، والحجمية لديه والجرمية و الجسمية قليلة أنه بتلك الأمثلة الجوفاء قد قارب الفلاسفة وبدلاً من أن يرد على تلك الشبهة زاد الطين بله ـ سامحه الله ـ بله عن ما يحدث من تأثير على قلوب من يتأثر بكلامه نعوذ بالله من الخذلان .
ثم إن كلامه هذا يبرز لنا بأن الأرض والنار والماء و الهواء والأفلاك قوى متفاضلة فأضعفهم الأرض ، ثم تأتي النار فالأفلاك وهكذا دواليك فهي قوى متافضلة وتقوم القاعدة على أن ما كان أقل جسمية وجرمية كان أضعف ومن كان عكس ذلك فهو أقوى
على هذا فإن تلك القوى المتافضلة في نهايتهم الإله الذي ليس متحيزاً الذي اختاره الرازي
نعوذ بالله من الخذلان
خامساً : كما ندري بأن لتك القوى عوراض فهي أيضاً للمثل به ـ تعالى الله عن هذا ـ وهذه تبرز بأن الإله له متحيز لا كما قال الرازي فقد وقع رغماً عن أنفه في هذا دونما أن يدري لأن تلك الأعراض توجب التحيز والجسم لا كما نفى الرازي .
وتلك الأدلة العقلية
أما الرد المأثور :
فيقال لمثل الرازي :
أولا ً: إنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ أَظْهَرُ فَسَادًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَنْ نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ
ثانياً : لَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْ السلف فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَا بِالْجَوْهَرِ وَالتَّحَيُّزِ فهو أمرٌ حادث أحدثه أهل الكلام كما هو معلوم وكل ما ليس من أمرنا فهو رد كما روى عن النبي من حديث عائشة
ثالثاً : القول على الله بأن له جسم وجوهر وتحيز كما قالت الكرامية ، هذا ديدن اليهود والنصارى وتلك نزعة قديمة لأهل عبادة الأوثان بتجسيم الإله وهذا من قبيل السير على سننهم ومتابعة غبائهم وتلك أيضاً من سنن الإغريق من الفلاسفة بأن للإله جسم وجوهر وتحيز ولكل شيء إله للماء وللنار هكذا قائمٌ بأمره وتلك هي المفاضلة بين تلك الأشياء فعلى قدر قوة تلك تكمن قوة إله ذلكم العنصر وهكذا دواليك و{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
رابعاً : وصف الله بالجوهر والتحيز من الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ .
خامساً : الدليل في الكلام على مثل هذا الأمر السَّمْعُ: هُوَ خَبَرُ الصَّادِقِ عَمَّا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَهُوَ حَقٌّ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ
والله ورسوله أدرى بتلك المسألة لذا فتقديم السمع أولى وأحق والبعد عن كلام المتفلسفة والمتكلمة أحرى وأصوب .
سادساً: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }تقتضي الآية بأن الله ليس كمثله شيء مع إثبات صفتي السمع والبصر دونما ذهاب لتجسيد أو اعتقاد تحيز ٍ أو أي شيئٍ من هذا القبيل.
سابعاً : إن الله أنكر على المجسمة وفي مقدمتهم اليهود ، والنصارى عندما اعتقدوا أن الإله عيسى وأن الإله يحل ويتحد مع المسيح وأن العذاب نال الناسوت دون اللاهوت والخوض في مثل ذلك ليس من حديثنا الآن ، فالمراد أنه أنكر على أولئك فإتيان هذا الباب ضرب من الضلال وهو القول على الله بأنه جسم والتمثيل بذلك الجسم بمثال كالكرامية .
ثامناً : والحق أننا نؤمن بصفات الله وأسمائه على الوجه الذي سنه في كتابه وبينه رسوله وما سوى ذلك عطب وهلاك ولا محيص من بطلانه .
تاسعاً : ليس من إثبات الصفات لله القول بأن له جوهر أو تحيز وليس من القول أن الله يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ تناله الأعراض التي تنال من بني آدم ،أو أن صَفَهُ الِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أو الوجه أو اليد يقتضي التجسيم فإن قال قائل إن هذا يقتضي التجسيم وهو ممن نفى الصفات نقول له : فَأَنْتُمْ قَدْ وَصَفْتُمُوهُ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَهَذَا هَكَذَا ؛ فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا الْجِسْمُ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوصَفَ بِأَحَدِهِمَا مَا لَيْسَ بِجِسْمِ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ؛ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَي ْنِ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ طَرِيقًا فَاسِدًا : لَمْ يَسْلُكْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَا بِالْجَوْهَرِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَارَاتٌ مُجْمَلَةٌ لَا تُحِقُّ حَقًّا وَلَا تُبْطِلُ بَاطِلًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ : مَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ؛ بَلْ هَذَا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ

نضال مشهود
2009-02-21, 02:49 AM
جزاكم الله خيرا على هذه المشاركات .

وبانتظار إجابات أخرى إثراء للموضوع .

أما أنا : فلم يكن عندي ما طلبته منكم . . فأفيدوني أفادكم الله .

نضال مشهود
2009-02-21, 03:23 AM
قال ابن الجوزي في (الزاد) عند تفسير قوله تعالى : ففف وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ققق :

(والمراد بتعظيم الجسم ، فضل القوة ، إذ العادة أن من كان أعظم جسماً ، كان أكثر قوة)

صهود
2009-02-21, 01:41 PM
جزاكم الله خيرا جميعا وبخاصة الاخ ابو الفداء

أبو الفداء أحمد بن طراد
2009-02-21, 04:02 PM
بارك الله فيك أخي صهود

أبو الطيب المتنبي
2009-02-24, 06:47 PM
أخي أبو الفداء لقد أخطأت في فهم عبارة الإمام الحجة الفخر الرازي ابن خطيب الري :{606:ت}:
وأما مغزى العبارة هي أن الإمام الرازي يقصد أن يمثل بتلك القوى ( الماء / الأرض / الهواء / الأفلاك) إلى لطافتها ، وليس يوجه لها ، أن هذا من باب التمثيل وأدعوك إلى النظر ثانية وعاود الكرة صدقني ستجدني في الكرة الثانية حسرة على ما كتب في الأولى ، أما مقصد الإمام الرازي كما قلنا هو: أن يدلل على اسم اللطيف فأتى بالأرض فالأفلاك وهكذا دواليك ليأخذ بلبك إلى ذلك المعنى اللطيف وفقط هو ذا ما أراد يوضحه فلا تجعل بينك وبين ذلك الحجة حرباً عوان فإن رحى القتال ما شُرعت في مسائل العلم هكذا فليفهم ، هكذا فليتدبر، ولا تكن ممن قال فيهم حبيب قلبي ( المتنبي ):
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان ********* فلا كــــــــــانوا ولا الجــــــــــــ ود

أبو الطيب المتنبي
2009-02-24, 08:03 PM
يا أخي ( شذى الجنوب ) الإمام الرازي ليس من المعتزلة ومن قال ذلك فقد افترى وما درى الإمام من الأشاعرة وأهل الكلام ، وبالجملة قد تتلمذ لمحي السنة البغوي ـ فكيف يكون من المعتزلة ـ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أبو الطيب المتنبي
2009-02-24, 08:07 PM
الأخوة ( نضال ـ الآجري ـ صهود ـ أبو الفداء ـ شذى الجنوب) جزاكم الله خيراً ولكن لابد من إعطاء الرازي قدره من العلم ، والرازي وإن أخطأ فهو إمام عصره بلا منازع في المعقول والمنقول

المقدادي
2009-02-24, 09:14 PM
وبالجملة قد تتلمذ لمحي السنة البغوي ـ فكيف يكون من المعتزلة ـ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ليس للرازي تلمذة على الإمام محيي السنة البغوي بل هو شيخ والده , و ليت الرازي اقتفى أثره

المقدادي
2009-02-24, 09:19 PM
والرازي وإن أخطأ فهو إمام عصره بلا منازع في المعقول والمنقول

هذا إطراء ممن لا يعرف كلام الرازي و مدى علمه في المعقول و المنقول ! و يكفي ان شيخ الشافعية الإمام العلامة تاج الدين عبدالرحمن الفزاري رحمه الله - الشهير بالفركاح ت 690هـ - تعقبه في مسألة نفيه لعلو الله تعالى و رد باطله من وجوه عديدة

و أكثر من أحكم الوثاق على كلامه , و تعقبه في فاسد مرامه : شيخ الإسلام الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتب عديدة من أجلّها " بيان تلبيس الجهمية "

أبو الطيب المتنبي
2009-02-24, 09:36 PM
هذا ليس إطراءاً أخي المقدادي وحملتكم على الرازي كقول ابن الرومية ( هذه من خزعبلات المتكلمين ) وقول الأخ شذى الجنوب (هذا يبدو أنه قياسا عقليا فاسدا من الرازي المعتزلي) وهل الرازي من المعتزلة ، و الأخ أبو الفداء أحمد بن طراد الذي أسرف على نفسه حتى أتى بأدلة واهية وقوله : (فيقال لمثل الرازي :)فهل هذا يجوز مع عالم كهذا إن الرازي الذي تحاملتم عليه أخي المقدادي ولك مزيد الشكر فما رأيت لك عبارة مشينة في حق الإمام الفخر ومجمل القول أن منشأ هذا الخلاف عدم الفهم لعبارة الرازي وقد حللته فلينظر ما قلت فيها ، ليفهم ........ والله الموفق

المقدادي
2009-02-24, 09:49 PM
الرازي معروف انه من أئمة الأشعرية و لا أحد منا ينكر هذا و قصد الأخت شذى الجنوب ان للرازي اعتزاليات , بل له مخالفات حقيقية للمذهب الأشعري و أكثر المتأخرين من الأشعرية أخذوا بكلامه , و قد صنّف لهم كتابا سماه أساس التقديس - و حقه ان يُسمى أساس التعطيل - أسس فيه طريقة الجهمية في تحريف صفات الله تعالى و انتدب لرده و نقضه شيخ الإسلام بكتابه الحافل العجيب : تلخيص التلبيس من أساس التقديس أو بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية .


و نُقل عنه انه ندم آخر حياته و تأسف على ولوجه في علم الكلام فالله تعالى أعلم بحقيقة الحال

السكران التميمي
2009-02-24, 09:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أحبتي الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتحية طيبة لكم جميعا، وبعد...
إن الغرض لفخر الدين الرازي من سياق هذه الحجة الإستقرائية العقلية هو تقريره لإثبات مذهبه الأشعري في مسألة نفي الجهة وما يلحق بها من التحيز والموضع.
وعليه إخوتي فالرد عن هذه المسألة قد استوعبها الأئمة الأعلام رحمهم الله تعالى في مصنفاتهم بما يطول ذكره هنا، ويكفي للرد عليه مجرد النظر في كتاب واحد من كتبهم رحمهم الله وقراءة ما علقوه في بيان الرد على أمثال هؤلاء.
وعلى كل فهو هنا قد استخدم ما تعلمه من حكماء الفلاسفة في بيان تقرير ما يستدلون عليه ومحاولة تفكيك المسألة إلى جزئيات متعددة ومن ثم المحاولة مرة أخرى تجميع وربط هذه الجزئيات لتتبلور في جزئية واحدة هي الفلسفة المنتهجة في هذا الأمر أو ذاك.

وراجع لزاما أخي الكريم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الفخر الرازي نفسه في هذه المسألة بالذات في كتابه الماتع (بيان تلبيس الجهمية) ج1/ص502، عند الوجه الثالث عشر. فقد قتل المسألة بحثا وردا هناك رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

أبو الطيب المتنبي
2009-02-24, 10:01 PM
نعلم أن الإمام الرازي من أكابر الأشاعرة ومنشأ رميه بالاعتزال نقله عن أبي مسلم والزمخشري والقاضي عبد الجبار وذلك واضحٌ كما تعلم ، أما المقصد فإنه مهما أخطأ العالم وأي عالم أنه الإمام الرازي لا يقال كما قال الأخوة أصحاب المشاركات وحملتهم على الرازي ذلك ما أردت إيضاحه والله المستعان .
ولقد صدق من قال :
فهرملت همم القوم العجوز ، ومضوا إلى مركوز يخصفون عوارهم وشنارهم لعل مائدة التوبة تتنزل على القوم وتغمرهم الأوبة ولكن سفينة النوح غادرت واستقرت على الجودي واستوت والقيت عصا
الحياة فتكون نهر طالوت فغرف القوم غرف المسرف فتاهوا في بيداء المعصية ونزلت بهم الآفة المردية، فنبح كلب الكهف إلى ما يغضب الله وما كف فبيتهم بيت عنكبوت وهو أوهى البيوت فرضوا بأقل قوت
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه* * *
فالقوم أعداء له وخصوم

أبو الفداء أحمد بن طراد
2009-02-25, 12:39 AM
بارك الله في أخي وحبيبي في الله الذي حل ذلكم الموضوع ، وما كنت لأشترك في ساحة العلماء من أمثالكم ، ولكني استغفر الله إن كان بدر مني ما يشين واللهم اغفر لي ولكم

أبو الفداء أحمد بن طراد
2009-02-25, 01:21 AM
أقصد بأخي وحبيبي السكران التميمي

زوجة وأم
2009-02-25, 10:13 AM
الرد عليه قول الله عز وجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
وما فعله هو قياس ذات الله بالمخلوقات
وهذا باطل لا يجوز
لا نقول جسم ولا غير جسم ولا نبحث في مثل هذا الأمر الذي لم يأتنا فيه دليل شرعي ولا تكلم فيه السلف الصالح، ولا فائدة من بحثه أصلا، وهو من الخوض في ذات الله المنهي عنه.
بل نثبت ما أثبته الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وننفي ما نفاه الله تعالى ورسوله ونسكت عما ليس لنا فيه علم.

نضال مشهود
2009-03-05, 12:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتحية طيبة لكم جميعا، وبعد...
إن الغرض لفخر الدين الرازي من سياق هذه الحجة الإستقرائية العقلية هو تقريره لإثبات مذهبه الأشعري في مسألة نفي الجهة وما يلحق بها من التحيز والموضع.
وعليه إخوتي فالرد عن هذه المسألة قد استوعبها الأئمة الأعلام رحمهم الله تعالى في مصنفاتهم بما يطول ذكره هنا، ويكفي للرد عليه مجرد النظر في كتاب واحد من كتبهم رحمهم الله وقراءة ما علقوه في بيان الرد على أمثال هؤلاء.
وعلى كل فهو هنا قد استخدم ما تعلمه من حكماء الفلاسفة في بيان تقرير ما يستدلون عليه ومحاولة تفكيك المسألة إلى جزئيات متعددة ومن ثم المحاولة مرة أخرى تجميع وربط هذه الجزئيات لتتبلور في جزئية واحدة هي الفلسفة المنتهجة في هذا الأمر أو ذاك.
وراجع لزاما أخي الكريم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الفخر الرازي نفسه في هذه المسألة بالذات في كتابه الماتع (بيان تلبيس الجهمية) ج1/ص502، عند الوجه الثالث عشر. فقد قتل المسألة بحثا وردا هناك رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

بارك الله فيكم أخي الكريم . . أرجو منكم نقل ذلك الرد هنا مشكورين .

خزانة الأدب
2009-03-05, 02:43 PM
وأما الأفلاك ، فإنها ألطف من الأجرام العنصرية ، فلا جرم كانت هي المستولية على مزاج الأجرام العنصرية بعضها البعض ، وتوليد الأنواع والأصناف المختلفة من تلك التمزيجات


كلام خرافيّ!
القمر يتكوَّن من صخور، وقد لمستُ بيدي قطعة منه في أحد المعارض.
أما أنه وأمثاله من الأفلاك مستولٍ على الأمزجة وتوليد الأنواع فمما يضحك الثكلى!

أبو الفداء أحمد بن طراد
2009-03-07, 10:01 PM
يقول الشيخ : محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن العثيمين الوهبي التميمي القصيمي:{1421:ت}:
لو قال لنا قائل : هل تقولون إن الله جسم ؟
فالجواب : لا نقول : إنه جسم ، انظر العبارة : لا نقول : إنه جسم ، أو نقول : إنه ليس بجسم ،
أيهما أصح ؟ يعني هل الصحيح نقول : ليس بجسم ، أو الصحيح نقول : إنه ليس بجسم ؟
الثانية الصحيحة ، يعني لا نقول : إنه جسم ،
لأنك إذا قلت : نقول : إنه ليس بجسم نفيت أنه جسم ،
أما إذا قلت : لا نقول : إنه جسم فقد نفيت القول بأنه جسم وفرق بين النفيين ،لأن الأول نقول : إنه ليس بجسم ، حكمٌ بانتفاء الجسمية عن الله ، وهذا ليس عندنا علم فيه ،
والثاني لا نقول : إنه جسم ، نفيٌ للقول بذلك ونعم نحن ننفي أن نقول بذلك لأننا لا نعلم ،
إذن الجسم نقول : لا نثبته ولا ننفيه ، لماذا ؟
لأن الله لم يثبته لنفسه ولم ينفيه ، فإذا لم ينفه عن نفسه ولم يثبته فليس لنا شغل ، نقف حيث وقف النص ،
ولكن نسأل عن المعنى المراد بالجسم ، يعني اللفظ نتوقف فيه ، المعنى نسأل : ماذا تريد بالجسم ؟
إن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يستحقه من الصفات فهذا المعنى صحيح ،
فإن الله تعالى شيء قائم بنفسه متصف بما يليق به من الصفات يستوي ويأتي وينزل ويفرح ويغضب ويرضى نؤمن بذلك ،
وإن أردت بالجسم الشيء المركب من أجزاء يفتقر بعضها إلى بعض ويجوز انفصال بعضها عن بعض كما في الأجسام المخلوقة فهذا باطل .اهـ شرح العقيدة السفارينية .
ويقول الشيخ : صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الدوسري :{حفظه الله }:
إن لفظ الجسم والتركيب والأعضاء والحواس لم يرد في كتاب الله وسنة رسوله نفيه ولا إثباته، ونحن نثبت ما أثبته الله لنفسه، وننفي ما نفى عن نفسه، ونمسك عما عدا ذلك . أما الوجه واليدان والعينان والساق والأصابع والنزول؛ فهذه قد أثبتها الله لنفسه، وأثبتها له رسوله - صلى الله عليه وسلم - فنحن نثبتها كما جاءت .اهـ
والله المستعان ، أرجو أن أكون قد وفقت في مشاركتي الأولى ....

لافي الخلف
2009-07-21, 07:44 PM
اعلم أخي الحبيب وفقنا الله وإياك أن الخير كله في منهج أهل السنة والجماعة اللذين تكلموا بعلم ووقفوا عن علم ، ولم يخوضوا فيما خاض فيه المتكلمون مما لا يعود على المسلم بنفع في دينه ولا في دنياه
فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
وإذا أراد طالب العلم النظر فيما كتبه أرباب الكلام فعليه أولا أن يكون متحصنا باعتقاد أهل السنة والجماعة ملما به على وجه الإجمال والتفصيل حتى تنكشف له شبه أهل الباطل ويتضح له الحق
وأنا أذكر لك كلاما نافعا قرره الشيخ الفاضل وليد بن راشد السعيدان في رسالته
( تيسير الاعتقاد ) فيه رد على المبتدعة ومن سار على نهجهم ، عسى الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها .
قال حفظه الله تعالى :


أي ومن الأمور التي لا بد منها لفهم منهج أهل السنة في هذا الباب ، أن تعلم رحمك الله تعالى هذا المذهب مبني على ثلاثة نقاط : إذا ألممت بها فقد ألممت بمذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وهي كما يلي :
الأولى : في الإثبات ، فهم يثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فهذا مذهبهم في الإثبات .
الثانية : في النفي ، فينفون عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه في كتابه وما نفاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته ، مع إثبات كمال ضد الصفة المنفية ، فهذا في النفي.
الثالثة : فيما لم يرد فيه دليل بخصوصه ، وهذا هو الذي أريد أن أطيل فيه وأسرد فيه الأمثلة حتى يتشربه ذهنك وتفهمه الفهم الكامل ، فأقول في بيانه وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون .
اعلم رحمنا الله وإياك أن المبتدعة في هذا الباب قد تكلموا بألفاظ لا وجود لها بلفظها في القرآن ولا في السنة ولا في كلام السلف الصالح ، وذلك كلفظ الجهة والحيز والجسم والمكان .
وبنوا على هذه الألفاظ معتقداتهم في أسماء الله وصفاته ، فحرفوا الكلم عن مواضعه بسبب هروبهم من هذه الألفاظ ،
فيقول الأشاعرة مثلاً لو أثبتنا له العلو لاستلزم ذلك أن يكون في جهة وهي ممتنعة على الله تعالى .
ويقول المعتزلي مثلاً : لو أثبتنا الصفات لله تعالى لاستلزم وصفه بالجسمية ، وهي ممتنعة على الله تعالى فلما كثر جدالهم بهذه الألفاظ على عوام المسلمين نظر أهل السنة إليها بنظرين :
فنظروا إلى ألفاظها بنظرة ونظروا إلى معانيها بنظرة ، فقالوا :
إن هذه الألفاظ التي لم يرد لها دليل بخصوصها لا من القرآن ولا من السنة ولا عن سلف هذه الأمة ، هذه الألفاظ لنا فيها مذهبان ، مذهب في ألفاظها ومذهب في معانيها ، فأما مذهبنا في ألفاظها فإننا نتوقف فيها فلا نتكلم بها نفياً ولا إثباتاً ، أي لا نثبت ألفاظها ولا ننفيها ، فلا نقول : الله في جهة ، ولا نقول : ليس في جهة ، وكذلك لا نقول : الله له جسم ، ولا نقول : ليس له جسم ، وكذلك لا نقول : الله في حيز ولا نقول : ليس في حيز ، وكذلك لا نقول : الله في مكان ولا نقول : ليس الله في مكان ، فلا نثبت شيئاً من هذه الألفاظ و لا ننفيه ، وذلك لأنه لم يرد في القرآن ولا في السنة ولا في كلام السلف لا نفيه ولا إثباته ، وما لم يرد إثباته ولا نفيه في القرآن والسنة وكلام السلف فلا حق لأحدٍ أن يثبته أو ينفيه ، فهذا بالنسبة لذهب أهل السنة في ألفاظها وأعيده مختصراً فأقول : نتوقف في ألفاظها فلا نثبتها ولا ننفيها. ونمسك ألسنتنا عن الخوض فيها ، فهذا بالنسبة لمعتقدنا في هذه الألفاظ .
وأما بالنسبة لمعانيها ، فقبل أن أبين لك مذهب أهل السنة فيها أحب أن أقدم لك مقدمة مهمة جداً لفهم حقيقة هذه الألفاظ ، وهي كما يلي :
أعلم رحمنا الله وإياك أن هذه الألفاظ لها معانٍ فالجهة لها معانٍ والمكان له معانٍ والجسم له معانٍ والحيز له معانٍ ، وهذه المعاني التي تحملها هذه الألفاظ ليست باطلاً محضاً لترد مطلقاً ولا حقاً محضاً لتقبل مطلقاً ، بل فيها حق وباطل ، وقد تقرر عند السلف رحمهم الله تعالى أن ما أحتمل الحق والباطل ، فإنه لفظ مجمل ، فلا يردونه مطلقاً لأن فيه حقاً والحق لا يرد ولا يقبلونه مطلقاً لأن فيه باطلاً والباطل لا يقبل ، إذاً لا بد من أن يتميز حق هذه المعاني من باطلها ، ولا يمكن ذلك إلا بالاستفصال ، والمراد به طلب التفصيل من المتكلم بهذه الألفاظ فبالإستفصال يزول الإشكال ويتضح المقال، فإذا بين المعنى الحق فإنه يقبل وإذا قصد المعنى الباطل فإنه يرد ، وهذا شأن جميع الألفاظ المجملة ، وهذا هو الميزان الحق الذي به توزن هذه الألفاظ ، فإن الضلال في كثير من الأبواب إنما حصل بسبب هذه الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً ، ولكن على مذهب أهل السنة رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى فلا ضلال ولا حيرة ولا شكوك ، بل هو العدل والإنصاف مع الموافق والمخالف ، فأهل السنة رحمهم الله تعالى يعطون كل ذي حقٍ حقه ، ويرحمون الخلق ويقولون الحق ، حتى يتضح لك الأمر أكثر أضرب لك بعض الأمثلة هي غالب ما يقرره أهل السنة رحمهم الله تعالى ، فأقول وبالله التوفيق :
منها : الجهة ، لأهل السنة فيها نظران ، نظر من ناحية لفظها ونظر من ناحية معناها ، فأما لفظها ، فأما لفظها فيتوقفون فيه فلا يثبتونه ولا ينفونه ، ولا يتكلمون به ، فلا يقولون : الله في جهة ولا يقولون : الله ليس في جهة ، وأما معناها فيستفصلون فيه ، فإن كان المتكلم بها يريد جهة سفل فهذا ممتنع باطل لأن السفل نقص والله تعالى منزه عن كل نقصٍ ، وإن كان يريد جهة علو محيطة بالله تعالى فهذا ممتنع باطل أيضاً لأن الله تعالى لا يحيط به شيء من لعظمته وكبره جل وعلا ، وإن كان يريد جهة علو غير محيطة بالله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته فهذا حق وصدق وبه جاءت الأدلة ولكن نقول : الله في العلو المطلق ، كما نطقت بذلك النصوص الكثيرة المتواترة المتنوعة من الكتاب والسنة . وهذا واضح .
ومنها : المكان ، فإن لأهل السنة فيه نظران ، نظر من ناحية لفظه ونظر من ناحية معناه ، فأما لفظه فيتوقفون فيه فلا يثبتونه ولا ينفونه ، أي لا يقولون : الله في مكان ، ولا يقولون : ليس الله في مكان ، لأنه لفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته ، وأما معناه فإنهم يستفصلون فيه ، فإن كان المتكلم به يقصد مكان سفلٍ فهذا ممتنع باطل لأن السفل نقص والله منزه عن النقص ، وإن كان يقصد مكان علوٍ محيط بالله تعالى فهو باطل ممتنع على الله كل الامتناع لأن الله تعالى لا يحيط به شيء ، وإن كان يقصد به مكان علو غير محيط على ما يليق بجلاله وعظمته فهذا حق وصدق يجب إثباته لله تعالى ولكن لا نطلق عليه لفظ المكان وإنما نقول : الله مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته ، ولا نغتر بالألفاظ المجملة التي بها يدخل أهل الأهواء على النصوص تحريفاً وتعطيلاً .
ومنها : الجسم ، فإن لأهل السنة رحمهم الله تعالى في هذا اللفظ نظرين ، نظر من ناحية لفظه ونظر من ناحية معناه ، فأما من ناحية لفظه فإنهم يتوقفون فيه فلا يثبتونه ولا ينفونه ، أي لا يقولون : الله له جسم ، ولا يقولون : ليس لله جسم ، فاللفظ يتوقفون فيه ولا يتكلمون به نفياً أو إثباتاً ، وأما معناه فإنهم يستفصلون فيه ، فإن كان المتكلم بهذا اللفظ يقصد الجسم المعهود في حقنا من كونه أجزاء وأبعاض يفتقر بعضها إلى بعض ، فهذا باطل ممتنع على الله كل الامتناع ، وهو مذهب الممثلة ، الذين يعتقدون أن صفات الله تعالى كصفاتنا ، وقد قال سبحانه ( ليس كمثله شيء ) فهذا المعنى باطل لا يجوز إضافته إلى الله جل وعلا ، وأما إن كان المتكلم به يقصد الذات الإلهية الكاملة من كل وجه الموصوفة بصفات الكمال والجمال والمنعوتة بنعوت الجلال على ما يليق بالله جل وعلا ، فهذا حق لا ريب فيه ولكن لا نقول هذا جسم ، وإنما نقول : الله له ذات وصفات ، كما بذلك أهل السنة والجماعة رحم الله أمواتهم وثبت أحيائهم .
ومنها : الحيز ، فإن أهل السنة رفع الله قدرهم في الدنيا والآخرة ، لهم فيه نظران : نظر من ناحية لفظه ونظر من ناحية معناه ، فأما من ناحية لفظه فقالوا : نتوقف فيه ، فلا نثبته ولا ننفيه ولا نتكلم به نفياً ولا إثباتاً ، أي لا نقول : الله في حيز، ولا نقول : ليس الله في حيز ، وأما معناه فإنهم يستفصلون فيه فإن كان المتكلم به يقصد أن الله تعالى يحوز الأشياء أوهي تحوزه ، فهذا باطل ممتنع كل الامتناع ، أي أن الأشياء داخلة في ذات الله تعالى ، أو أنه جل وعلا داخل في الأشياء حالٌّ فيها ، فهذا الضلال بعينه والتعطيل بعروقه وهو مذهب أهل الحلول والاتحاد الذين يقولون ـ لعنهم الله ـ إن الله تعالى داخل في الأشياء وهي داخلة فيه ، هو حال فيها وهي حالة فيه وهذا المذهب كفر بلا شك ، لأنه مفضٍ إلى تعطيل الخالق جل وعلا ، وأما إن كان المتكلم به يقصد أن الله تعالى منحاز عن المخلوقات بمعنى منفصل عنها كل الانفصال فليس فيه شيء منها وليس فيها شيء منه فهذا حق وصدق وهو الذي يجب اعتقاده ولكن نقول بما قال أهل السنة أن الله تعالى فوق السموات مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ليس فيه شيء منهم وليس فيهم شيء منه ، وبهذا قد تحرر الحق هذه الألفاظ الأربعة أعني لفظ الجهة والمكان والحيز والجسم ، وبه يتضح ذلك الأمر إن شاء الله تعالى ، وأعيده لك ملخصاً : فأقول : مذهبنا في الإثبات إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته إثباتاً بلا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف . ومذهبنا في النفي نفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى لله عليه وسلم في سنته مع اعتقاد كمال الضد .ومذهبنا فيما لم يرد فيه دليل بخصوصه أننا من ناحية لفظه نتوقف فيه فلا نثبته ولا ننفيه ومن ناحية معناه فإننا نستفصل فيه فإن أريد به الباطل رددناه والله ربنا أعلى وأعلم ولعل الأمر قد أتضح لك بحول الله وقوته وأستغفر الله تعالى وأتوب عليه .

نضال مشهود
2009-07-23, 08:47 PM
قال ابن الجوزي في (الزاد) عند تفسير قوله تعالى : ففف وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ققق :

(والمراد بتعظيم الجسم ، فضل القوة ، إذ العادة أن من كان أعظم جسماً ، كان أكثر قوة)

ومن المعروف أيضا أن الله هو (الصمد) ، والصمد - كما فسره بعض السلف : المصمت الذي لا جوف له .

وقد عاب إبليس آدم أبا البشر كونه مجوفا ، والظاهر أن جسم إبليس أقوى من جسم آدم .

نضال مشهود
2009-07-23, 08:55 PM
الرازي معروف انه من أئمة الأشعرية و لا أحد منا ينكر هذا و قصد الأخت شذى الجنوب ان للرازي اعتزاليات , بل له مخالفات حقيقية للمذهب الأشعري و أكثر المتأخرين من الأشعرية أخذوا بكلامه , و قد صنّف لهم كتابا سماه أساس التقديس - و حقه ان يُسمى أساس التعطيل - أسس فيه طريقة الجهمية في تحريف صفات الله تعالى و انتدب لرده و نقضه شيخ الإسلام بكتابه الحافل العجيب : تلخيص التلبيس من أساس التقديس أو بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية .


و نُقل عنه انه ندم آخر حياته و تأسف على ولوجه في علم الكلام فالله تعالى أعلم بحقيقة الحال

الذي أحسست أن الرازي جمع إلى أشعريته مواد فلسفية التقطها من فلسفيات ابن سينا ،
أما الاعتزاليات فلا تظهر في مباحثه كثيرا إلا في مقام الرد عليه ونقضه وجعلها شبهات اعترض عليها .

عبد الباسط بن يوسف الغريب
2009-07-24, 11:53 PM
جزاك الله خيرا , وهو إشكال قوي
ويمكن أن يجاب عنه بالإضافة إلى ما ذكره الإخوة كما يلي :
أ- لا يسلم له قوله " كلما كان حصول معنى الجسمية فيه أقوى وأثبت ، كانت القوة الفاعلية فيه أضعف وأنقص "
وقد مثل على ذلك بالأرض , فمعلوم أن أقوى العناصر التي ذكرها ( الماء , النار , الهواء ) هي العنصر الرابع وهو التراب , وهذا في ظني أثبته العلم الحديث , ومعلوم أن التراب هي المادة الأساسية التي تتكون منه الأرض .
ثم لو سلمنا جدلا بما قال , لنقض عليه أن الإنسان وهو أقوى المؤثرات - المخلوقة الممكنة - مخلوق من تراب الأرض ؛ والإنسان هو أقوى - الممكنات - المؤئرة الفاعلة - أو - القوة الفاعلة - وتأثيره لا يخفى حتى على هذه العناصر اللطيفة التي أشار إليها ( الماء , النار , الهواء ) , -وهو أكثف منها- وهو جسم - بل لعلها هذه سخرت لقوته الفاعلة المؤثرة فيها .
ب- ثم إن قوله ذلك وهو قوله بالقوة الفاعلة ل (الماء , النار , الهواء ) منقوض بمذهبه , فمعلوم أن مذهب الأشاعرة لا يثبت طبائع الأشياء , فعلى مذهبهم لا خواص لها ؛ والذي معناه لا قوة فاعلة مؤثرة بنفسها , فعاد الأمر إلى سفسطة !
ج -وقد وقع في كلامه أخطاء علمية , فقوله عن الأفلاك أنه أجسام لطيفة ؛ غير صحيح ويرده العلم الحديث .
والله أعلم

عبد الباسط بن يوسف الغريب
2009-07-25, 01:51 AM
ثم عده " الأفلاك " بعد العناصر الثلاث الماء ثم الهواء ثم النار يوهم أن الأفلاك أقلها ما فيه معنى الجسمية , وأن لها القوة الفاعلية الأكبر !
وهذا مذهب الفلاسفة الذين كانوا يظنون بتأثير الأفلاك في هذا الكون .
ثم إن الأفلاك أعظم الأشياء التي فيها معنى الجسمية والكثافة كما هو معلوم , فعده الأفلاك بعد الثلاث يوهم أنها الأقل جسمية وكثافة .
والله أعلم

الواحدي
2009-07-25, 08:39 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
إضافة إلى ما تفضَّل به الشيخ عبد الباسط من اعتراضات وجيهة، كلام الرازي، رحمه الله، يمكن ردّه من جانبين اثنين: من حيث صدق استقرائه ثم انطباقه على جميع الكائنات، ثم من حيث تعلقه بعظمة االذات الإلهية.



** _ الجانب الأول:

استقراؤك باطل من عدة أوجُه:

1_ الوجه الأول: ما هو مفهوم الحجمية والجرمية والجسمية عندك؟ هل هو كثافة المرئي؟ أم حجمه وإن لم يكن ظاهرًا بالتكثُّف؟
_ إن كنت تقصد بالحجمية والجرمية والجسمية كثافة المرئي، فما ذكرتَه تبطله المشاهدة. ودليله: النار تُحرق النبات. لكن إذا كان حجم النار ضئيلا، ثم أتينا بكَمٍّ كبير ووضعناه على النبات، أبطَل حجمَ النار وغَمَّها. ودليل آخر: النار تطفئ النبات. والنار تؤثر في الماء بالحرارة؛ لكن إذا كان حجم الماء أكبر أنقص تأثيرَها، وكلّما ازداد حجم الماء، كان أكثر قوة وأكثر تأثيرًا في النار.
_ وإن كنتَ تقصد بالحجمية والجرمية والجسمية حجمه الفعلي الحقيقي، وإن لم يكن ظاهرًا بالتكثُّف، فإنّ النظرية الذّرِّية التي تعتمدها ويؤيدها العلم تُبطِل مقالتك؛ لأنَّ الأجسام عندئذ تتشابه، والذي يميِّز بينها إنَّما هو الخاصِّيَّة الناتجة عن اعتبارات خارجة عنها. والذي يبطل اعتبارك النار أكثر تأثيرًا من الهواء، لأنّها أقل كثافة، هو أنَّ الريح (وهي جسم غير متكثِّف وغير مرئي) تطفئ النار. وعلاقة التأثير بينهما إنَّما هي الحجمية مضافة إلى الخاصَّيَّة. فكلَّما قويت الريح وكانت أكثر، كان تأثيرها في النار أقوى وأكبر؛ والعكس أيضًا صحيح.

2_ الوجه الثاني: تقرِّر مستندًا إلى استقرائك أنَّ الماء أقوى من التراب، لأنَّ الماء ألطف أو أقل كثافة وجرمية من الأرض. وهذا لا يطَّرد، كما أنَّه لا يصحّ الاستدلال به.
ولبيان ذلك، نلجأ إلى مثال القلّة. فهي نتاج امتزاج التراب والماء والنار.
أ_ وهذا المثال يثبتُ أنَّ مقولتك غير قابلة للطرد، وذلك لأنها استقراء ناقص. فالتراب في هذا المثال هو الجزء المحدِّد لماهية القلَّة. إذا نقص كثيرًا، بحيث يغلب عليه الماء أو النار: انعدم مسمَّى القلَّة، وتحوَّل إمَّا إلى سائل أو إلى رماد. وإذا كبر حجمُه بصفة غير مناسبة للماء والنار: انعدم مسمَّى القلّة أيضًا؛ لكنَّه يظل محافظًا على وجوده، بينما يتلاشى تأثير الماء والنار.
ودليل آخر: إنَّ مسمَّى القلَّة هو نتيجة تفاعل التراب، والماء، والنار. والقلَّة في ظاهرها وماهيتها تندرج تحت الجمادات الصلبة، لا السائلة. فأثبت ذلك أنَّ الحجم له تأثير، وأنه جزء في مؤثِّر ضعف أو قوّة خاصِّيَّة القدرة.

ب_ استقراؤك لا يصحّ الاستدلال به بدليل مثال القوة. فهذا المثال يؤكِّد حدوث شيء لا عن موجود واحد، بل عن ثلاث موجود مختلفة الخاصِّية، وهذا الوحدوث وقع عن طريق التفاعل، والتفاعل هو نتيجة تأثير وتأثُّر؛ فلا الماء غيَّر طبيعة التراب الذي امتزج به، ولا النار فعلت ذلك، بل امتزاجها بمقادير معيَّنة أدّى إلى وجود شيء اسمه "القلّة".


3_ الوجه الثالث: مذهبك أنَّ أجسام العالَم متساوية في ماهيَّة الجسمية. فدلّ ذلك على أنّ كلّ ما ذكرتَه من استقراء لا علاقة له بالجسمية، بل بشيء آخر سمَّيتَه "الحجمية أو الجرمية"، وهو مبحث آخَر لا تعلُّق له بالمبحث الذي قرَّرتَ فيه كلامك.


4_ الوجه الرابع: قولك: "إنّ الأرض أكثف الأجسام وأقواها حجمية" لا يصحّ. فالمشترى أكبر منها. والمشترى من الأفلاك. فمقتضى كلامك أنّه أقوى تأثيرًا من الأرض والماء والنار، مع أنَّه أكثف وأقوى حجمية من الأرض! وهذا عين التناقض...

5_ الوجه الخامس: قولك إنَّ النار أقل كثافة من الهواء: غير مسلَّم به. وذلك متوقِّف على قصدك بلفظ "الكثافة".
فإن كنت تقصد به البروز للرائي، فالنار أبرز للرائي من الهواء؛ فهي أكثف، والهواء ألطف.
وإن كنت تقصد بالكثافة الحجميِّةَ والجرميّة، فذلك لا يصح أيضًا. فظاهر كلامك أنّ ما تسمِّيه نارًا هو ما نسمِّيه في أيَّامنا: الطاقة. والطاقة أكبر حجمًا من الهواء، لأنّها تسري في الهواء وفي غيره من الموجودات.


6_ الوجه السادس: الواقع المشاهَد يدلُّ على أنَّ التأثير لا علاقة له بالحجم، بل بالقدرة أو الخاصِّيَّة. لكن هذا لا يعني أنَّ الحجم أو الجرم لا تأثير له في ذلك. وقد سبق التدليل على ذلك. وإذا قلتَ: إنَّ التأثير متعلِّق بالقدرة، قوَّةً وضعفَا، صحَّ ذلك، دون إضافة شرط لطافة الجسم أو كثافته.
ومثال ذلك: البعوضة ضئيلة الحجم، لكن لها ضرب من التسلُّط على الإنسان بالإيذاء. والأسد كبير الحجم مقارنة بالبعوضة، لكن إذا روِّض زال إيذاؤه عن الإنسان، لزوال خاصيّة الهيجان والعدوان عنه. ولو جئنا بحشرة في حجم البعوضة، لكنَّها تفتقد خاصيَّة الإيذاء الموجودة في البعوض، لما كان لها تأثير على الإنسان. وكذلك لو جئنا بأسد متوحِّش لم يروَّض، لوجدنا فيه خاصِّيَّة الإيذاء للإنسان.
فالتأثير متعلِّق بالخاصِّيَّة والقدرة، ولا علاقة له بالحجم أو الجرم. فقد يكون كبير الحجم أكثر تأثيرًا من صغيره، كما قد يقع العكس. لكن وقوعه من الكبير كمال، وليس الأمر كذلك بالنسبة لصغير الحجم، لأنَّ صغر حجمه من علامات نفصه على وجهٍ ما.
والله أعلم.
أمّا الجانب الثاني، فلعلّني أعود إليه قريبًا بإذن الله، إذا كان في الوقت فسحة...
والله ولِيُّ التوفيق.

الواحدي
2009-07-25, 10:13 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

** تصويب واستدراك:




ودليله: النار تُحرق النبات. لكن إذا كان حجم النار ضئيلا، ثم أتينا بكَمٍّ كبير ووضعناه على النبات، أبطَل حجمَ النار وغَمَّها.


وكان قصدي:" ثم أتينا بكَمٍّ كبير من النبات ووضعناه على النار،"

استدراك: تعرّضتُ لكلام الفخر الرازي مستخدما ضمير الخطاب، وكان الأوْلَى استعمال ضمير الغائب، تأدُّبًا وتوقيرًا لمكانته بين أهل العلم. وكان شيخ الإسلام من المقرِّين له بالتميُّز في العلوم العقلية...

عبد الباسط بن يوسف الغريب
2009-07-25, 10:46 PM
جزاك الله خيرا أخي الواحدي
وهذه نقطة مهمة ؛ وهي قولهم بتماثل الأجسام في الماهية ؛ فالتراب والماء والهواء والنار وكل ما يتصور فيه الجسمية فهو متماثل ثم أضف إلى ذلك سلبهم لخواص وطبيعة الأشياء ! وبالتالي عدم القوة الفاعلة , فعاد الأمر في جملته إلى سفسطة وقرمطة .
فتخيل أن الأرض والأفلاك والهواء والماء والنار ماهيته واحدة ولا خواص أو طبيعة لأي واحد منها , فكيف يكون هذا أشد قوة فاعلة من هذا , والماهية واحدة , ولا خاصية أو طبيعة له .

الواحدي
2009-07-25, 11:32 PM
بوركت شيخنا الفاضل!
وقد أشرتَ إلى مسألة بالغة الأهمية في الرد على مقولة الفخر الرازي، لكنَّك ذكرتها بعبارة "لطيفة"، وهي تحتاج إلى شيء من "التكثيف"، حتى تكون واضحة للعيان.
وهذه المسألة هي: نفي الأشاعرة للسببية، وقولهم بجريان العادة، وكذا تجويز انقلاب خواص الأشياء أو مخالفتها لما كانت عليه؛ بل نفيهم للخواصّ. فالنار تُحرِق، لا لخاصيّة الإحراق فيها، لكن لأنَّ العادة جرت بوجود الإحراق عند اقتران النار بغيرها. وهذا وحده ينسف كل استدلالات الرازي، لأنَّ افتراض إمكان انتفاء التأثير أو غيابه يعني: أنّ الحجم لا تعلّق له بالتأثير...
ولهذه المسألة أوجُه أخرى تُستنبَط من العالَم المشاهد بالتأمُّل، وكلُّها تؤدِّي إلى نقض ما استنبطه الرازي حول علاقة حجم الأجسام بقوَّتها وتأثيراتها.
والله الهادي إلى سبيل الرشاد...

الواحدي
2009-07-25, 11:45 PM
ودليل آخر: إنَّ مسمَّى القلَّة هو نتيجة تفاعل التراب، والماء، والنار. والقلَّة في ظاهرها وماهيتها تندرج تحت الجمادات الصلبة، لا السائلة. فأثبت ذلك أنَّ الحجم له تأثير، وأنه جزء في مؤثِّر ضعف أو قوّة خاصِّيَّة القدرة.
ب_ استقراؤك لا يصحّ الاستدلال به بدليل مثال القوة. فهذا المثال يؤكِّد حدوث شيء لا عن موجود واحد، بل عن ثلاث موجود مختلفة الخاصِّية، وهذا الوحدوث وقع عن طريق التفاعل، والتفاعل هو نتيجة تأثير وتأثُّر؛ فلا الماء غيَّر طبيعة التراب الذي امتزج به، ولا النار فعلت ذلك، بل امتزاجها بمقادير معيَّنة أدّى إلى وجود شيء اسمه "القلّة".


وقع اضطراب في عبارات هذه الفقرة، نتيجة الإرهاق؛ وهذا تصويبه:
_ وأنه جزء في مؤثِّر ضعف أو قوّة خاصِّيَّة القدرة = وأنه جزء مؤثِّر في ضعف أو قوّة خاصِّيَّة القدرة.
_ بدليل مثال القوة = بدليل مثال القُلَّة.
_ بل عن ثلاث موجود = بل عن ثلاث موجودات
_ وهذا الوحدوث = وهذا الحدوث

عبد الباسط بن يوسف الغريب
2009-07-31, 10:19 PM
وقد وقفت على كلام قد يفسر هذا الاستقراء الذي ادعاه الرازي .
قال الزركان في كتابه الفخر الرازي وآراؤه الكلامية (394) : .. أن الرازي تابع الفلاسفة في ترتيب الموجودات الطبيعية على النحو التالي : الأرض في المركز وتحيط بها كرة الماء وهذه محاطة بكرة الهواء وكرة الهواء محاطة بكرة النار . انتهى
ومن بعدها الفلك !
ثم نقل الزركان أن الرازي نقد الفلاسفة في هذا الترتيب .
فالأرض يحيط بها كرة الماء ثم كرة أوسع وهي الهواء ثم كرة أوسع وهي النار ثم من حولها الفلك , واعتقاد الفلاسفة كما نقل - الزركان - :" أما أن النار هي الأقرب فاحتجوا عليه بأن الفلك لطول محاكاته للجسم الذي يتحرك عليه يجعله نارا .. وأما أن الأرض هي البعدى فلأنها في غاية البعد عن تأثير الفلك ثم الهواء أقرب إلى النار لخفته والماء أقرب إلى الأرض لثقله " .
وقارن بهذا الكلام الذي سقته وبين كلام الرازي في تفسيره يتبين لك وجه الارتباط .
والله أعلم .

نضال مشهود
2009-08-04, 11:46 AM
جزاكم الله خيرا كثيرا على هذه المداخلات القيمة .

نأمل المزيد . . لا حرمنا الله من بركاتكم .

ابن خويز
2010-01-03, 04:20 PM
بسم الله
إخواني الأعزاء، أنا مشارك جديد في هذا المنتدى.
أما الرد على هذه الشبهة فمن وجوه:
1. أنه اعتمد في إثبات شبهته على دليل الاستقراء، والاستقراء ينقسم قسمين:
استقراء ظني: وهو تتبع عامة الجزئيات للخروج بحكم عام.
لكن هذا الدليل ظني فلا يجوز تقديمه على أدلة الكتاب والسنة قطعيها أوظنيها؛
أما عدم جواز تقديمه على قطعيها فلأن الظني لا يقدم على القطعي، وأما عدم جواز تقديمه على ظنيها فلأن الظني لا يقدم على الظني لذاته، إلا إذا اعتضد بما يرفع مرتبته، فكيف إذا كان باطلاً كما سيأتي.
والقسم الثاني هو الاستقراء القطعي.

2. أنه قال-ما معناه- كلما خفت جسومية الشيء زاد تأثيره، وهذا غير صحيح أصلاً: فنحن نعلم أن القطة أشد من الفأر وهي أكثر جسومية منه، وكلب الصيد أشد من القطة وهو أكثر جسومية منها، والنمر أشد من كلب الصيد وهو أكثر جسومية منه...
هذا من وجه، أما من وجه آخر: فالنار ليست أشد تأثيرا من الهواء بل قد يقال العكس لأمرين:
الأول: لأن كثرة الهواء وسرعته الشديدة تخمد النار.
الثاني: أن أصل نشأة النار من الهواء فلو انعدم الهواء لأخمدت النار كما هو مجرب بل ومعلوم في الكيمياء من معادلات الاحتراق. فهو مؤثر فيها وجودا وعدما، أما النار فتأثيرها في الوجود، وما كان تأثيره في الوجود والعدم فهو أشد.
وكذلك قد يقال في الماء فإنه يطفأ النار وهو اشد جسومية منها.
3. هذا وما ذكره رحمه الله إنما هو لزوم عادي يرجع إلى الأحكام العادية، والأحكام العادية يصح تخلفها كما هو مقرر في علوم المنطق والأصول، وإذا صح تخلفها كان لمن يناقش الرازي أن يقدر أن ما يريد إثباته مما صح فيه التخلف وإن كان قليلاً لكنه موجود وإلا صار الحكم عقلياً وهو عادي فهذا خلف، فكيف إذا كان فيما يدعي من يناقش الرازي نكتة تنقله من حيز المشهود إلى حيز المغيب؟
عافاني الله وإياكم من الشُّبه كلها، فإنها إن علقت بالقلب أحالته خراباً لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. فلا أنصح إخواني بمطالعتها إلا للضرورة.