المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (من كان كذلك وفّقه الله وسدده وألهمه رشده وعلمه مالم يكن يعلم)كلام نفيس وقيم لإبن رجب



الحافظة
2009-02-04, 08:32 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

....


.......


........



قال ابن رجب رحمه الله في تفسير قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عَـن أشياءَ إِن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم و إن تسألوا عنها حين يُـنَـزَّل القرآنُ تُبدَ لكم عفا اللهُ عنها و الله غفورٌ حليم } " المائدة :101 "


قال الحسن :شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يغمون بها عباد الله .

وقال الأوزاعي : إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل الناس علماً.

وقال ابن وهب :عن مالك أدركت هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه الناس اليوم يريد المسائل .

وقال أيضا :سمعت مالكا وهو يعيب كثرة الكلام وكثرة الفتيا، ثم قال :يتكلم كأنه جملٌ مُغتَلِمٌ يقول : هو كذا ،هو كذا يهدر في كلامه .

وقال : سمعت مالكا يكره الجواب في كثرة المسائل وقال: قال الله عزوجل (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) "الإسراء: 85 " ، فلم يأتِهِ في ذلك جوابٌ .

وكان مالك يكره المجادلة عن السنن أيضاً. قال الهيثم بن جمل : قلت لمالك :يا أبا عبدالله ،الرجل يكون عالماً بالسنن يجادل عنها ؟قال : لا ولكن يخبر بالسنة ،فإن قُبِلَ منه وإلا سكت .

وقال إسحاق بن عيسى :كان مالك يقول : المراء والجدال في العلم يذهب ُبنور العلم في قلب الرجل.

وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغن .

وكان أبو شريح الإسكندراني يوما في مجلسه فكثُرَت المسائل فقال: قد دَرِنَت قلوبكم منذ اليوم فقوموا إلى أبي حميد خالد بن حميد اصقلوا قلوبكم وتعلموا هذه الرغائب فإنها تجدد العبادة وتورث الزهادة وتجر الصداقة وأقلوا المسائل إلا مانزل فإنها تقسي القلوب وتورث العدواة.

وقال الميومني: سمعت أبا عبدالله -يعني أحمد-يسأل عن مسألة فقال:وقعت هذه المسالة ؟ بُليتم بها بعد؟


وقد انقسم الناس في هذا الباب أقساماً :

فمن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قلّ فقه وعلمه بحدود ماأنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقه .

ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها مايقع في العادة منها ومالايقع واشتغلوا بتكلف الجواب على ذلك وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعدواة والبغضاء ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه الناس وهذا مماذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه .

وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم هممهم البحث عن معاني كتاب الله عزوجل ومايفسره من السنن الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعن سنة رسول الله صلى الله عله وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها ثم التفقه فيها وتفهمها والوقوف على معانيها ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسن في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانين وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أُحدث من الرأي مما لا ينتفع به ولايقع وإنما يُورثُ التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال وكثرة القيل والقال .

وكان الإمام أحمد كثيرا ًإذا سئل عن شيء من المسائل المولدات التي لاتقع يقول : دعونا من هذه المسائل المحدثة.

وماأحسن ماقاله يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر فإذا هو الحديث والرأي فوجدت في الحديث ذكر الرب عزوجل وربوبيته وإجلاله وعظمته وذكر العرش وصفة الجنة والنار وذكر النبيين والمرسلين والحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير فيه ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل وقطيعة الأرحام وجماع الشر فيه .

وقال أحمد بن شبويه : من أراد علم القبر فعليه بالآثار ومن أراد علم الخير فعليه بالرأي .

ومن سلك طريقه لطلب العلم على ماذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها ولابد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أئمة أهله المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك وأخذ بما لا يجوز الأخذ به وترك مايجب العمل به .

ومِلاكُ الأمر كله أن يقصد بذلك وجه الله والتقرب إليه بمعرفة ما أنزله على رسوله وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق إليه ومن كان كذلك وفقه الله وسدده وألهمه رشده وعلمه مالم يكن يعلم وكان من العلماء الممدوحين في قوله تعالى:(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) فاطر :28 ومن الراسخين في العلم. (انتهى)

ثم قال رحمه الله :

قال نافع بن يزيد : يقال: الراسخون في العلم : المتواضعون لله المتذللون لله في مرضاته لايتعاطُون من فوقهم ولايحقرون من دونهم .

ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أتاكم أهل اليمن هم أبر قلوباً وأرق أفئدة ، الإيمان يمان ،والفقه يمان ،والحكمة يمانية ) أخرجه البخاري ومسلم.

(انتهى)

تفسير ابن رجب الحنبلي الجزء الأول ص456-460 دار العاصمة للنشر والتوزيع .

أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يوفقنا لمرضاته ...

أبو القاسم
2009-02-04, 08:42 AM
لا حرمنا الله من قلم يذكّر بهذه العظات
الكريمة بين حين وآخر..
شكر الله لك
وأكرمك
وبارك فيك

إمام الأندلس
2009-02-04, 09:59 AM
جزاك الله خيرا...

الحافظة
2009-02-05, 03:26 PM
... بارك الله فيكم وزادكم من فضله ووفقكم لما يحب ويرضى ...

ربوع الإسـلام
2009-06-04, 08:10 AM
للرفع ..

الحافظة
2009-06-10, 12:18 AM
بارك الله فيك أختي ووفقك لمرضاته

شجرة الدرّ
2009-06-10, 01:54 AM
الحافظة نقلت كلام الحافظ .. من عجيب الموافقات ..

أسأل الله أن يجزيكِ خيرا .. وأن يجعل لك من اسمك أوفر الحظ والنصيب ..

ابن الرومية
2009-06-10, 03:33 AM
قلت لمالك :يا أبا عبدالله ،الرجل يكون عالماً بالسنن يجادل عنها ؟قال : لا ولكن يخبر بالسنة ،فإن قُبِلَ منه وإلا سكت
كم مرة كنت أقرأ مثل هذا النفس الزكي فـأحسبه من قلة الحجة و ان احسنت الظن قلت هو من المبالغة في الورع حتى جربت غير ذلك السلوك في عامة المسائل من الصانع الى صفاته الى شرائعه و حدوده و جربت نفسي و نفوس الخلق فتحققت علما و حالا و احساسا انه من كمال العقل و تمام الحجة

خلوصي
2009-06-13, 01:43 PM
نعم و رب الكعبة !!!
هكذا كانوا .
جزاكم الله خيرا .

الحافظة
2009-06-14, 06:12 AM
بارك الله فيكم وزادكم من فضله ووفقكم لمرضاته

ماجد مسفر العتيبي
2009-06-14, 11:20 AM
جزاك الله كل خير اختي الحافظة وبارك فيك ونحن بحاجة لمن يذكرنا باستمرار بمثل هذه النصائح القيمة

الحافظة
2009-06-25, 08:42 AM
بارك الله فيكم وزادكم من فضله