المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خذ نسختك من شرح الشيخ السحيمي لكتاب فضل علم السلف على الخلف ) لابن رجب الحنبلي مفرغا



أشرف السلفي
2009-01-11, 10:10 AM
بسم الله الرحمان الرحيم

شَــــــــرْحُ كِــتَــــــابِ
فَضْلِ عِلْمِ السَّلـفِ على الخَلَفِ
للْحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ الحَنْبَليِّ
- رَحِمَهُ اللهُ -
شَرْحُ فَضِيلَةِ الشَّــيْخِ صَالِحٍ السُّحَــيْـمِي ِّ
- حَفِظَهُ اللهُ -
إن الحمد لله ؛ نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه - وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد : نبدأ مستعينين بالله - سبحانه وتعالى - هذا الكتاب المبارك ( بيان علم فضل السلف على علم الخلف ) للحافظ أبي الفرج زين الدين عبد الرحمان بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي ثم الدمشقي المولود سنة (736) للهجرة والمتوفى (795) للهجرة - رحمه الله رحمة واسعة - .
وهو صاحب الكتب والتصانيف الكثيرة المعروفة ؛ والتي منها ( جامع العلوم والحكم ) ، وغيرُها من الكتب النافعة ، ومنها ( الفرق بين النصيحة والتعيير ) ، ومنها الكثير والكثير من الكتب النافعة .
وقبل أن نقرأ نص الكتاب أود أن أبين أمورا :
أولا : من هم السلف المقصود ببيان فضل علمهم ؟
ثانيا : ما أدلة هذا الفضل إجمالا ؟ ؛ لأن الشيخ سيدخل في تفاصيل ، لكن سنجمل بعض الأدلة .
ثالثا : لماذا فُضِّـل علم السلف على علم الخلف ؟
أقول - وبالله التوفيق - : إذا أطلق السلف عند أهل السنة والجماعة ؛ فالمقصود بهم - بشكل عام - من تقدم من أهل العلم من هذه الأمة على منهج المصطفى – صلى الله عليه وسلم - : قولا ، وعملا ، واعتقادا .
والبعض من أهل العلم ، أو بعض أهل العلم ؛ لأن بعض اللغويين يقولون : كلمة البعض خطأ لغوي ؛ فنقول : وبعض أهل العلم يقصرون مفهوم السلف على أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة المعروفة ؛ لأدلة سنذكرها – إن شاء الله - .
والبعض – ولعله يكون الأولى – يطلق السلف على كل من تقدم على هذا المنهج ( من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )(1) .
فمن تقدم من المسلمين ، وبخاصة أهل العلم = داعين ومتمسكين بهذا المنهج وداعين إليه وحرصين عليه = هم المعنيون بهذه التسمية ، وأتباعهم هم السلفيون ، هم أهل السنة والجماعة ، هم الطائفة المنصورة ، هم الفرقة الناجية ، هم الجماعة ، هم أهل الحق ، هم أهل الحديث ؛ وإن لم يتخصصوا في علوم الحديث ؛ فهذه الأسماء تعني مسمى واحدا ، تعني مسمى واحدا ، حتى ولو قل الأتباع ، وضَـعُـفَ النصير ، والمهم أن نعلم أن مَـن ثبت على السنة = هم السلف ، ومن تبعهم هم السلفيون ، ولا يتبرمن أحدٌ من الاعتزاء إلى هذا المنهج القويم ، والانتساب إليه ، والتشرف بالاعتزاء إليه ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (2)، وغيرُه : بأن الاعتزاء إليه منقبة للمؤمنين ، وشرف لهم ، ورفعة لهم ؛ فيجب الاعتزاء إليه ، والانتساب إليه ، والتشرف بذلك ، وعدم التبرم من ذلك ؛ فإن وجد من يدعي هذه الدعوى ، وهو ليس على المنهج الواجب ؛ فإنه لا يضر من يعتزي إلى هذا المنهج ؛ فلو تسمى أحد من التكفيريين – مثلا - كما يجري في بعض البلاد - بتسمية السلفيين ، وهم لا يمثلون منهج السلف لا من قريب ، ولا من بعيد ؛ فهذا لا يمنعك من أن تنتسب ، وأن تعتزي ، وأن تتشرف بانتسابك إلى منهج السلف .
... الآن بعض الفرق الضالة مثل الدروز - موقعهم في الإنترنت الآن ( التوحيد ) فهل هم أهل توحيد ؟
هل يزهدنا هذا في أن نشرف بأننا من أهل التوحيد ؟
والقاديانيون الأحمديون - موقعم اسمه ( الإسلام ) فهل يمثلون الإسلام ؟
الجواب : أنهم لا يمثلونه .
فكون فئات تتدعي هذه الدعاوي - كما أن هناك من يدعي الإسلام وهو لا يمثله ، لا من قريب ، ولا من بعيد ؛ وإنما مجرد الانتساب ، فهل يسمى مسلما ؟ هل الانتسباب إلى الهوية - المسلم يعني مجرد الاسم هل يكون مسلما ؟
الجواب : لا ؛ لا يكون مسلما .
فكذلك من ادعى السلفية وليس سلفيا = هذا ليس بسلفي ، ولا نتبرم من الانتساب إلى مذهب السلف من أجل تلك الدعاوى التي لم يقم عليها أهلها بينات .
أحببت أن أوضح هذه النقطة ؛ لأنه اتصل بي قبل شهر إحدى الأخوات تقول : يعني هل يصح أن ننكر الانتساب إلى منهج السلف ، وأن نقول : فلان - إذا قال : سلفي - ننكر عليه قولَه : إنه سلفي ؟
فعياذا بالله ! كيف هذا ؟
قالت : هناك من يقول : لا تقولوا هذا ؛ فإنه غير صحيح .
الجواب :

وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
فلننتبه لهذا . هذا أمر .
الأمر الثاني : الأدلة على فضل السلف على فضل الخلف : أدلة من القرآن ، والسنة ، والإجماع .
فمن القرآن قول الله – تبارك وتعالى – ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ ] التوبة : 100 [ .
وقوله - جل وعلا - ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ ] النساء : 115 [ .
ويقول تبارك وتعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ ] الأنعام : 90 [ .
ويقول - تبارك وتعالى - ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
] الزمر : 18 [ .
ولا شك أن أحسن القول بعد الكتاب والسنة = هو قول السلف الصالح .
وأما السنة فمنها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( عليكم بسنة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ )(3) .
وثناؤه على الصحابة في آخر سورة الحشر ؛ ثم ذكر الآية بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار قال : ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ ] الحشر : 10 [ .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )(4) .
ولا شك أن الإحداث إنما يطلق على ما خالف منهج السلف الصالح ؛ سواء كان : قولا ، عملا ، أو اعتقادا .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا – : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )(5) .
وقد جاءت النصوص على أنه ما يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه ؛ ولذلك يقول حذيفة : ( عليكم بالعتيق )(6) .
ويقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – : ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات )(7) – يعني من مضى من السلف .
وفي رواية : ( فليستن بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ؛ وهم على الهدى المستقيم )(8) .
ويقول – رضي الله عنه – : ( اتبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم )(9) .
ولعل في هذا كفاية لمن تدبر .
و قبل أن ندخل في صلب الكتاب نقول :
لماذا يتبع مذهب السلف ؟
أو لماذا يفضل علم السلف على علم الخلف ؟
أولا : قرب عهدهم من النبوة ؛ فمظنة وقوعهم في الخطأ أقل .
ثانيا : ما تقدم من النصووص التي ذكرنا بعضا منها في بيان فضلهم .
ثالثا : ورعهم ، وزهدهم .
رابعا : صدقهم وتحريهم للصواب .
خامسا : عدم جرأتهم على القول على الله بغير علم ، كما هو حال بعض الخلف ، ووقوفهم عند النصوص الشرعية ، ولزومهم للسنة .
سادسا : أنه كلما العهد متقدما = كان الوقوع في الزلل أقل .
وهناك أمور كثيرة تحتم على المسلم أن يلزم منهج السلف : عقيدة ، وعبادة ، وأحكاما ، وأخلاقا ، وآدابا ، ومنهج حياة .
والآن نبدأ النص لكتاب الشيخ ( فضل علم السلف على علم الخلف )

الْـمَــتْـــنُ
الحمد لله رب العالمين ؛ وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد : فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم ، وانقسامه إلى علم نافع ، وعلم غير نافع ، والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف ؛ فنقول - وبالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله - .

الــشَّــــرْحُ
هنا بدأ المؤلف بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه وأتباعهم ، ثم بين أن ما يدل على مدلول الكتاب ، وأنه سيتحدث فيه عن العلم بأقسامه المعروفة : وأن منه ما هو نافع ، ومنه ما هو غير نافع ، بل منه ما فيه نفع وضرر ويغلب ضرره على نفعه ، إلا أن المشهور ما كان نافعا نفعا خالصا ، وما كان ضارا ضررا خالصا ، وسيذكر أمثلة لذلكم ؛ لأن بعض العلوم فيها نفع من وجه ، وضرر من وجه آخر .

الْـمَــتْـــنُ
قد ذكر الله – تعالى- في كتابه العلم تارة في مقام المدح ؛ وهو العلم النافع ، وتارة في مقام الذم ؛ وهو العلم الذي لا ينفع .
فأما الأول فمثل قوله - تعالى - ﴿ قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ﴾ ] الزمر : 9 [ .
وقوله ﴿ شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط ﴾ ] آل عمران : 18 [ .
وقوله ﴿ وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ﴾ ] طه : 14 [ .
وقوله ﴿ إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾ ] فاطر : 28 [ .
وما قص - سبحانه - من قصة آدم وتعليمه الأسماء ، وعرضهم على الملائكة .
وقولهم ﴿ سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم ﴾ ] البقرة : 32 [ .
وما قصه - سبحانه وتعالى - من قصة موسى - عليه السلام - وقوله للخضر : ﴿ هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا ﴾ ] الكهف : 66 [ .
فهذا هو العلم النافع .

الــشَّــــرْحُ
تحدث المصنف – رحمه الله تعالى – بادئ ذي بدء عن العلم النافع ، والعلم النافع هو علم الكتاب والسنة ، والتفقه في ذلك على منهج السلف الصالح ، وهذا هو العلم الذي يبقى ذخرا لأهله يوم القيامة .
وهذا العلم النافع قد ذكر المصنف – رحمه الله – بعضا من أدلته من الآيات الكريمة التي إذا تأملها المسلم خرج بالنتائج ، أو بالفوائد التالية نذكر بعضا منها :
الفائدة الأولى : أنه لا مقارنة بين الجاهل والعالم ؛ فإن العالم والمتعلم على خير ؛ يتميز عن الجاهل ، بفقهه في دين الله – سبحانه وتعالى – فإنه لا يعمل الشيء إلا إذا عرف أنه مطلوب شرعا ، فلا يقدم على إحداث شيء في الدين مما لم يأذن به الله – سبحانه وتعالى – بل يتوقف عند النصوص الشرعية ؛ لذلك قال تعالى ﴿ هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ﴾ ] الزمر : 9 [ .
ومن ورعه أنه لا يقول على الله بغير علم ، بل يقف عند النصوص الشرعية ، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ ] الإسراء : 36 [ .
الفائدة الثانية : أن طالب العلم - أو العالم ، أو المتعلم - يعبد الله على بصيرة ؛ فلا يعمل عملا إلا إذا كان مستندا إلى الكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، كما يدل عليه قول الله – تعالى – ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
] يوسف : 108 [ .
الفائدة الثالثة : أنه أشد الناس خشية لله – جل وعلا - ؛ ولذلك يقول الله – تعالى – ﴿ إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾
] فاطر : 28 [ .
بل إن أشد الناس خشية لله هم الأنبياء ، ثم من يليهم في الفضل ؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( إني والله لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ) (10) .
الفائدة الرابعة : أنهم مهما تعلموا ؛ فإنهم يطلبون المزيد من العلم ، ولا يدعون كمال العلم إذ أنهم يعلمون أن : ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ ] يوسف : 76 [ ( وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ﴾ ] طه : 14 [ .
ولا يزال الرجل عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم = فقد جهل (11).
الفائدة الخامسة : أنه يقف عند نصوص الشرعية ؛ فلا يتجاوز القرآن والسنة فيما يقول وفيما يترك .
الفائدة السادسة : أنه يَـكِـلُ علم ما لم يعلم إلى عالِمه ، وهو الله - تبارك وتعالى - انظر إلى قول الملائكة في قصتهم مع آدم
﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ ] البقرة : 32 [ . ففضل آدم عليهم بهذا العلم الذي علمه إياه .
الفائدة السابعة : أن الله – عز وجل – يختص بعلمه من يشاء من عباده ، فانظر إلى قصة موسى – عليه السلام - مع الخَـضِـر – عليه السلام - وأن الله قد يخص كلا من الأنبياء بعلم ليس عند الآخر ، وقد يكون الآخر أفضل منه ، ومع ذلك يخص من دونه بعلم لا يوجد عنده ، وفي ذلك بيان لأن العلم الذي لا يحيط به أحد ، ولا ينتهي إلى أمد = هو علم الله – سبحانه وتعالى – .
فهذا هو العلم النافع ، هذا هو العلم النافع الذي أمرنا أن ندعو الله في كل صباح ومساء على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بطلبه ؛ فإنه ورد في الحديث الصحيح من أذكار الصباح والمساء ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، وعملا صالحا ] وفي رواية متقبلا [، وزرقا طيبا )(12) .
فهو الذي أمرنا أن ندعو الله . والعلم النافع هو ما تفقه فيه صاحبه كما قال الله – جل وعلا - ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ ] التوبة : 122 [ .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين )(13) .

الْـمَــتْـــنُ
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكنّ صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى : ﴿ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ﴾ ] الجمعة : 5 [ .
وقال : ﴿ وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ ﴾ ] الأعراف : 175 [ .
وقال تعالى : ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ ﴾ ] الأعراف : 169 [ .
وقال : ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ ﴾ ] الجاثية : 23 [ على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله .
الــشَّــــرْحُ
هنا صنف من العلم أشار إليه الشيخ نافع في نفسه ؛ لم ينتفع به صاحبُـه ، هو نافع في نفسه ، لكن صاحبه لا ينتفع به ، كحال أولئك الذين يقرأون العلوم ولا يطبقونها ، ولا يعملون بها ، ولا يدعون إليها ، ولا يصبرون على الأذى في سبيلها ؛ لأن العلم لابد فيه من العمل ، ولابد في العمل من الدعوة إلى هذا العلم ، ولابد من الصبر في سبيل تطبيقه ، ولو تعرضت للأذى في سبيل ذلك ؛ فمن لم يعمل به ، ولا يدعو إليه ، ولا يصبر على الأذى فيه = فإنه حجة عليه ، هو نافع في نفسه ، لكنه لم ينفع ذلك القلب القاسي عن ذكر الله – جل وعلا – وقد ضرب الله مثلا لذلك بحال اليهود ﴿ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ﴾ ] الجمعة : 5 [ . والأسفار هي الكتب ، هل يستفيد الحمار من حمل الكتب ؟
لا يستفيد ؛ بيما الذي يستفيد غيرُه ، وهو الإنسان ، وكحال بلعان بن باعوراء ذلكم اليهودي الضال الذي وصفه الله بقوله ﴿ وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَاِتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ ] الأعراف : 175 [ ؛ فهو لا يستفيد من علمه ، لم يستفد من علمه ، وهذا ينطبق على حال الزنادقة ، والمنافقين الذين يعلمون العلم ولا يطبقونه ، كما ينطبق على الخوارج المارقين الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ؛ فيعرضون عن القرآن والسنة ، ويحكِّـمون أهواءهم ، وآراءهم ، وبدَعَهم ، وشبهَهُم ؛ فيستحلون دماءَ المسلمين ، وأموالَهم ، يقتلون برَّهم ، وفاجرهم ، وهم يظهرون في كل وقت(14) ؛ كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حالهم ، وأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (15)، وإن كانوا أصحابَ عبادة ؛ فإنها عبادة لا تمثل المنهج الحق الذي يجب أن يسير عليه المؤمن ؛ لأنهم شذوا عن منهج أهل السنة والجماعة ؛ فوقعوا في هذا الداء العضال ، وهذا مصداق قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( والقرآن حجة لك أو عليك )(16) .
فكل من لم يعمل بعلمه ينطبق عليه ذلك ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ؛ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ ] الصف : 2-3 [ .
﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ ] البقرة : 44 [ .
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم - من حديث أسامة – رضي الله عنه – أنه – صلى الله عليه وسلم – قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتابه – يعني أمعاءه – فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى ؛ فيقال : يا فلان ! ألم تكن تأمرنا بالمعروف ، وتنهانا عن المنكر ؟
قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه(17) .
وثبت في الحديث الصحيح(18) – أيضا – أن أول ما تسعر الناس بثلاث ؛ وذكر منهم رجلا يجاء به يوم القيامة ؛ فيعرف نعمة الله ، فيعرفها . ثم يقال له : ماذا عملت بها ؟
فيقول : يارب قرأت كتابك ، وأقرأته الناس .
فيقال له : إنما قرأته ليقال : إنك قارئ ، وقد قيل ، ثم يأمر به ؛ فيسحب على وجهه في النار - والعياذ بالله - .
فهؤلاء لم ينفعهم العلم الذي تعلموه ؛ سواء كان منهم المنافقون الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم عن الآخرة معرضون ، أو الزنادقة الذين ضلوا على علم كحال اليهود ، أو الذين اتبعوا أهواءهم كالخوارج ، وغيرهم من الشذاذ ؛ فليس لهم إلا ما أُشْرِبَوا من أهوائهم .
يذبحون المسلمين ويرون أن هذا هو طريق الجنة : قتلة عثمان ، وقتلة علي ، وقتلة المسلمين في هذه الأزمنة ، والمستأمنين ، والذميين من أمثال أتباع كلاب أهل النار من الفئة الضالة المارقة من الدين ، والتي تستحل دماءَ المسلمين بناء على فتاوي جاهلة من جهلة سفهاء ؛ لا يعرفون من الفتوى إلا ما هو حجة عليهم – والعياذ بالله - فيفتون بغير علم ؛ فـيَـضلون ، ويُـضـلون – والعياذ بالله - ، وما أكثرهم في هذه الأزمنة - لا كثرهم الله - عبر وسائل الإعلام ، وعبر بعض القنوات ، وعبر أجهزة الإنترنت ، ونحو ذلك ممن فتنوا الأمة ، وضيعوا شباب الأمة وراء السراب ، وضيوعهم باسم الجهاد المزيف ، الجهاد المزعوم الذي هو جهاد في سبيل إبليس ، وفي سبيل خدمة اليهود ، والنصارى ، والغرب .
يقتِّـلون المسلمين ، ويفتنونهم ، ويستحلون : التفجيرَ ، والتدميرَ ، والقتلَ في بلاد المسلمين ، ويزعمون أن ذلك هو طريق الجنة ، وهو طريق الشهادة ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ ] الكهف : 102-103 [ .
وهكذا – والعياذ بالله – من طلب الفتوى من غير أهل العلم الخُـلَّـص = فإنه يضل ؛ فاعرفوا عمن تأخذون دينكم إخوتي شبابَ الإسلام ، وشيـبه ؛ فإن الدين لا يأخذ عن كل أحد(19) ، وإنما يأخذ عن العلماء الربانيين الذين يقضون بالحق ، وبه يعدلون ، الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين(20) .
أما المردة ، والزنادقة ، والمنافقين ، وعُـبَّـاد المادة ، والذين أشتريت ذممهم ؛ ليفسدوا أخلاق المسلمين ، وليفسدوا عقائد المسلمين من مُـفْـرِطين ، أو مُـفَـرِّطين = فهؤلاء علمهم حجة عليهم ، ولو كانوا يعرفون الحق ؛ لأنهم ممن ضل على علم - والعياذ بالله - .
فهذا العلم الذي أشار إليه المصنف = هو علم نافع نفسه ، ولكنَّ حملته لم ينتفعوا به ؛ فشبّـههم الله بالحمار ، كما شبَّـه اليهودَ والنصارى .

الْـمَــتْـــنُ
وأما العلم الذي ذكره الله - تعالى - على جهة الذم له فقوله في السحر ﴿ وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
وقوله : ﴿ فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون ﴾ ] غافر : 83 [ .
وقوله تعالى ﴿ يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون ﴾ ] الروم : 7 [ .
ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وغير نافع ، والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع ، وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم(21) عن زيد بن أرقم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ) .
وخرجه أهل السنن(22) من وجوه متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع. وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع .
وخرج النسائي(23) من حديث جابر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يقول ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع ) .
وخرجه ابن ماجه(24) ولفظه : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع .
وخرجه الترمذي(25) من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً ) .
وخرج النسائي(26) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به ) .
وخرج أبو نعيم(27) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع ) .
وخرج أبو داود(28) من حديث بُريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ منَ البيان لسحراً وإن من العلم جهلاً ) وإن صَـعْـصَـة بن صَوْحان فسر قوله (إن من العلم جهلاً) أن يتكلف العالم إلى علمه مالا يعلم فَـيُـجَـهِّـلُ ـهُ ذلك ؛ ويُفسر أيضا بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل ؛ لأن الجهل به خير من العلم به ؛ فإذا كان الجهل به خيراً منه فهو شر من الجهل . وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين ، أو في الدنيا ؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير بعض العلوم التي لا تنفع .

الــشَّــــرْحُ
هنا يبين المصنف – رحمه الله تعالى – أن الكتاب والسنة قد جاءا ببيان العلم النافع ، والعلم الذي لا ينفع ، وقد بينا – كما نص المصنف – في بيان العلم النافع ، ما هو العلم النافع ؛ ثم بين المصنف العلم النافع الذي لا ينتفع به صاحبُـه ، ثم انتقل في المرحلة الثالثة إلى بيان بعض العلوم الضارة المحضة ، أو العلوم التي ضررها يغلب على نفعها ، ومما يدل على أن العلم قسمان : نافع ، وغير نافع الحديث الذي أورده المصنف والروايات التي أتبعها به ، وهو ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ) .
والرويات التي أوردها بعد ذلك ؛ مما يدل على أن من العلوم ما لا ينفع ألبتة ، وضرب الشيخ – رحمه الله – أمثلة لذلك ؛ من ذلك :
علم السحر ؛ فإنه علم ضار محض ، ضرره محض ومتحقق قال الله – عز وجل – ﴿ وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
وقبل ذلك قال : ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
.
فعلم السحر = علم ضار ضررا محضا ، بل إنه كفر وخروج من الدين ، وهو نوعان : سحر حقيقي ، وسحر تخييلي .
فالسحر الحقيقي : هو الذي يؤثر في الأبدان فقد يقتل ، وقد يمرض باستخدام الأرواح الخبيثة من الشياطين ، وأعوانهم من أجل أن يؤثر ذلك السحر ، وهذا في الغالب لا يتحقق إلا بالكفر ، بعد أن يكفر صاحبه بالله كأن يسجد لغير الله ، أو يهين شيئا فيه ذكر الله ، أو أن يستهزئ بالدين ، أو أن يترك فرضا تركه كفر ، أو أن يفعل محرما مستحلا ذلك ، ومجيزا ذلك ، أو أن يشرك بالله ، أو أن يجعل معه إلها آخر ، ونحو ذلك .
أو بإهانة شيء فيه ذكر الله - جلا وعلا – فالمقصود أن السحر ضرر محض ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ ] طه : 69 [ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ] يونس : 81 [ .
فالسحر من العلوم الضارة التي لافائدة فيها ألبتة ؛ ولذلك فإن تعلمه حرام ، وهذا هو ما حدا ببعض أهل العلم إلى أن يقولوا : إن الساحر لا تقبل توبته(29) – أي عند الناس – فيما يبدوا للناس ، أما عند الله ؛ فأمره إلى ربه ؛ لأنه – غالبا – قد يبقى معه هذا العلم ؛ فيصعب عليه التخلص منه ، ومن مزوالته – والعياذ بالله - .
والسحر لا يجوز ، حتى ولو لقصد المعالجة به ؛ فإن الغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام ، المؤمنون يتداوون بما أباح الله لهم ، ويبتعدون عن المحرمات ، فإن السحر ضرر محض ، ولا يجوز تعلمه ، ولا تعليمه ، لا لقصد حل السحر ، ولا لأي قصد آخر ، إذ أن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة ، فيجب التعاون على إزالة آثار السحرة ، وعدم التستر عليهم ، ومن تسر عليهم انطبق عليهم الحديث ( لعن الله من آوى محدثا )(30) وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – إن من البيان لسحرا (31).
هل قاله على سبيل الذم ، أم على سبيل المدح ؟
على سبيل الذم ؛ لماذا على سبيل الذم ؟ أي أن بعض الناس يتفاصح ، ويتكلف ، ويتخلل بلسانه ! كما تتخلل البقرة ؛ بأساليب ساحرة ربما أثرت على ضعاف الإيمان ، ومن ليس عندهم علم ؛ فتؤثر عليهم تلك الأساليب ؛ لأنها أساليب قوية ، بسبب ما فيها من فصاحة زائدة ؛ ولذلك فإن أبغض الناس إلى الله الألد الخصم .
ونهى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتخلل المسلم بلسانه كما تتخلل البقرة(32) ، يعني التكلف ، هذا هو المقصود بقوله : إن من البيان لسحرا .
يعني ليس المقصود أن البيان يؤثر بالناس تأثيرا طيبا ، أحيانا البيان والبلاغة والتعمق فيها = قد يؤدي إلى أمر عكسي ؛ ولذلك كره أهل العلم الإفراط في علم البلاغة ، وعلم النحو ، مع أنهما نافعان ، كآلة لتعلم العلوم النافعة .
لكن مع ذلك نهى العلماء عن التكلف في هذه العلوم ؛ ولذلك قيل : أوهى من حجة نحْـوي ؛ هذا لا يدل على أن علم النحو ليس مفيدا ، علم النحو مفيد إذا لم يخرج عن المؤلوف ، وإذا لم يصل إلى درجة العمق ، والتكلف ، حتى إن من النحْـويين المتكلفين ، ومن البلاغيين المتكلفين من أوَّلَ نصوص القرآن ، والسنة ، وبخاصة نصوص الأسماء والصفات .
وهذا هو وجه ذم علم النحو -كما ستأتي الإشارة إليه - .
والخلاصة – يا عبدَ الله – أن كل علم لا ينفع ، أو كل علم ضررُه غالب على نفعه ؛ فإنه يجب البعد عنه ؛ ومن ذلك :
علم الكلام .
وعلم المنطق .
وعلم النجوم فيه تفصيل سيأتي بيانُـه بعد قليل – إن شاء الله - .

أشرف السلفي
2009-01-11, 10:17 AM
بسم الله الرحمان الرحيم



الْـمَــتْـــنُ
ففي مراسيل أبي داود(33) عن زيد بن أسلم قال : قيل يا رسول الله ! ما أعلمَ فلانا ؟
قال : بم ؟
قالوا : بأنساب الناس .
قال : علم لا ينفع وجهالة لا تضر .
وخرجه أبو نعيم في كتاب ( رياض المتعلمين ) من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا وفيه ( إنَّهم قالوا أعلم الناس بأنساب العرب وأعلم الناس بالشعر وبما اختلفت فيه العرب ) ، وزاد في آخره ( العلم ثلاثة ما خلاهن فهو فضل : آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة ) ؛ وهذا الإسناد لا يصح ، وبقية دَلَّسهُ عن غير ثقة .
وآخر الحديث خرجه أبو داود وابن ماجه(34) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ( العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة ) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وفيه ضعف مشهور .
وقد ورد الأمر بأن يُتعلم من الأنساب ما توصل به الأرحام من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) أخرجه الإمام أحمد والترمذي(35) .
وخرجه حميد بن زنجويه من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا ، وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا ، وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا ) وفي إسناد رواته ابن لَهيعة(36) .
وخرج - أيضاً - من رواية نعيم بن أبي هند قال قال عمر : تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا ، وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم أمسكوا(37) .
وروى مسعر عن محمد بن عبيد الله قال قال عمر بن الخطاب ( تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ) .
وكان النخعي لا يرى بأساً أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به (38).
ورخص في تعلم منازل القمر أحمد وإسحق نقله عنها حرب(39) ؛ زاد إسحاق: ويتعلم من أسماء النجوم ما يهتدى به(40) .
وكره قتادة تعلم منازل القمر(41) ؛ ولم يرخص ابن عيينه فيه ذكره حرب عنهما .
وقال طاوس : " رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق خرجه حرب. وخرجه حميد بن زنجويه " من رواية طاوس عن ابن عباس(42) .
وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فإن علم التأثير باطل محرم .
وفيه ورد الحديث المرفوع ( ومن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ) خرجه أبو داود(43) من حديث ابن عباس مرفوعا ، وخرج(44) - أيضاً - من حديث قبيصة مرفوعاً : " العيافة والطِيَرة والطرق من الجبت.." والعيافة : زجر الطير ، والطرَّْق : الخط في الأرض ؛ فعلم تأثير النجوم باطل محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم ، وتقريب القرابين لها كفر .
وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ، ومعرفة القبلة ، والطرق كان جائزاً عند الجمهور(45) ، وما زاد عليه فلا حاجة إليه ؛ وهو يشغل عما هو أهم منه ، وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين في أمصارهم(46) ، كما وقع ذلك كثيراً من أهل هذا العلم - قديماً وحديثاً - ؛ وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار ؛ وهو باطل .
وقد أنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي وقال : إنما ورد ما بين المشرق والمغرب قبلة ؛ يعني لم يرد اعتبار الجدي ونحوه من النجوم .
وقد أنكر ابن مسعود على كعب قوله : إن الـفَـلَـك تدور ، وأنكر ذلك مالك وغيره ، وأنكر الإمام أحمد على المنجمين قولهم : إن الزوال يختلف في البلدان ، وقد يكون إنكارهم أو إنكار بعضهم لذلك ؛ لأن الرسل لم تتكلم في هذا ، وإن كان أهله يقطعون به ، وإن كان الاشتغال به ربما أدى إلى فساد عريض(47) .
وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر ؛ وقال : ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان ؛ فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين . ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين(48) .
وكذلك التوسع في علم الأنساب هو مما لا يحتاج إليه : وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه مع أن طائفة من الصحابة والتابعين كانوا يعرفونه ويعتنون به(49) .
وكذلك التوسع في علم العربية : لغة ونحواً = هو مما يشغل عن العلم الأهم ، والوقوف معه يـَحْـرم علماً نافعاً .
وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال أوله شغل وآخره بغي(50) .
وأراد به التوسع فيه ؛ ولذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد(51) توسعه في ذلك ، وقال : هو يشغل عما هو أهم منه ؛ ولهذا يقال : إن العربية في الكلام كالملح في الطعام ؛ يعني : أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام ، كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام ، وما زاد على ذلك = فإنه يفسده .
وكذلك علم الحساب يحتاج منه إلى ما يعرف به حساب ما يقع من قسمة الفرائض والوصايا ، والأموال التي تقسم بين المستحقين لها ، والزائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إليه ويشغل عما هو أهم منه .

الــشَّــــرْحُ
هذا الموضوع الذي استطرد فيه الشيخ – رحمه الله تعالى - كله مبني على بيان العلوم غير النافعة ، أو بيان العلوم التي التوسع فيها غير نافع ، إما أن يكون الاشتغال بها ليس نافعا ألبتة ، بل هو ضار ضرر محض ؛ وهذا كعلم السحر - وقد تقدم - ، وإما أن يكون الاشتغال بها يشغل عما هو خير منها ، وإما أن يكون لها جانبان : جانب فيه نفع ، وجانب فيه مضرة ؛ فيكتفى بالجانب الذي فيه النفع ، ويترك ويبتعد عن الجانب الذي فيه مضرة ، هذه كل ما مثل له المصنف – رحمه الله - بهذه الأمثلة .
وذكر منها علم النجوم ، والتحذير منه ، وذكر منها علم الأنساب ؛ فعلم الأنساب الذي يشتغل به البعض - التوسع فيه مشغلة ، وربما أدى إلى عصبية جاهلية ، أو أدى إلى فتن وحروب طائفية قبلية ، لكن كون المسلم يحافظ على نسبه هذا لا اعتراض عليه ، وكون المسلم يتعلم من نسبه ما يصل به رحمه هذا أمر مطلوب شرعا كما جاء في الحديث الذي صححه غيرُ واحد من أهل العلم ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )(52) وإن كان البعض قد يرى ضعفه ، ولكن الحقيقة أنه يصل – إن شاء الله - إلى درجة الحسن - على الأقل – وأما النهي الصريح عن تعلم الأنساب فمحمول على النهي الذي يوصل صاحبه إلى التعصب للقبيلة المحضة ، حتى ولو كان على حساب الدين ، ولو كان بمخالفة شرع الله – عز وجل – من التعصبات الجاهلية الخطيرة ، وقد استفدنا من شيخنا الشيخ حماد الأنصاري – رحمه الله تعالى – تحذيره من تعصبات أربع :
التعصب القبلي العرقي القومي الجاهلي المنتن .
والتعصب الطرقي الطائفي الصوفي .
والتعصب الترابي الأرضي البهيمي .
وهنا أقف وقفة ليس المراد الذب عن أوطان المسلمين ومحبة المسلمين ، وحبك لوطنك ، ولبدك ، وذوذك عنه ، هذا أمر ليس فيه محل جدال ، لكن المقصود أن يتحول الخلاف بين المسلمين إلى خلاف على هذا التراب .
والرابع : التعصب المذهبي الفقهي الذي وصل به الأمر إلى أن يوجد في المسجد الحرام ، قبل مجيء الملك عبد العزيز – رحمه الله تعالى – كان فيه أربعة محاريب كل أتباع إمام يصلون وحدهم ، والأئمة – رحمهم الله - يرضون بذلك ، أم أنهم برئيون من ذلك ؟
لا شك أنهم برئيون من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
فهذه التعصبات الأربع ممقوتة ، والمقصود أن الأنساب - عناية المسلم بنسبه لا اعتراض عليه . عنايته بقبيلته ، والعناية بتكافلهم ، ومساعدة فقيرهم ، وتعليم جاهلهم ، والرفق بضعيفهم = هذا أمر مطلوب ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يعطي كل قبيلة راية ، هذا لا اعتراض عليه ، لكن أن يصل إلى درجة التعصب ؛ حتى تقرب قريبك في النسب ، ولو كان كافرا ، أو ملحدا وتفضله على أخيك المؤمن الذي هو أخوك في الإسلام ؛ فهنا تكون الكارثة ؛ فإن الإسلام قد وضع أناسا ، ورفع آخرين ، رفع بلالا ، وصهيبا ، وخبابا ، عمارا - رضي الله عنهم وأرضاهم – وكانوا مسترقين لدى كفار قريش ، في الوقت الذي أذل أبا جهل ، وأبا لهب ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وغيرهم من طواغيت الكفر .
الخلاصة : أن تعلمك لنسبك ، بقصد المحافظة عليه ، وبقصد صلة الأرحام = هذا أمر مشروع ومباح ، وأما ما زاد عن ذلك من التعصب الجاهلي ، أو ما يفضي إلى التعصب الجاهلي ، أو إلى الحروب ، أو إلى المفاخر بالأحسباب والأنساب ، المفاخرة بالأحساب والأنساب = فهذا العلم علم باطل ممقوت .
أما تعلم علم النجوم فقد ورد كثير من تحذير السلف منه ، وقد بين الله – عز وجل - في كتابه ما يدل على تحديد الفوائد من النجوم ، من تعلم علم النجوم قال الله – تبارك وتعالى – :
﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ ] الملك : 5 [ .
وقال تعالى : ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾
] النحل : 16 [ .
وورد في الآثار عن الصحابة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشايطين ، وعلامات يهتدى بها(53) .
فما خرج عن ذلك ؛ فإنه إما أن يكون محرما – كما سنبينه – وإما أن يكون فضولا يفضي إلى ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك جاء في الحديث ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر )(54) .
وثبت في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : قال الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ؛ فمن قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ؛ فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ، ومن قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ؛ فهو كافر بي ، مؤمن بالكوكب(55) .
وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت(56) .
وما جاء في ذم علم النجوم ؛ فالمقصود به التأثير ؛ لأن علم النجوم على قسمين :
علم التأثير ، وعلم التسيير .
فعلم التأثير : الاعتقاد بأن للكواكب السيارة - أو غيرها من النجوم - تأثيرا في أحداث الكون لميت عظيم ، أو ولادة عظيم ، أو سعد ، أو نحس ، أو بركة ، أو قحط ، أو نحو ذلك ؛ فهذا المعتقد محرم ، وهو علم التأثير ، وهو الذي أفضى بالصائبة إلى عبادة الكواكب الذين بعث الله فيهم إبراهيم – عليه السلام – ؛ فأصبحوا يبنون لها الهياكل والنجوم ، والتماثيل ، ومثله ما يفعله البعض – الآن - من دعوى الحظ ، والسعد ، والنحس ، وأنت طالعك فلان ، وفلان طالعه فلان ، وفلان نجمه فلان السعيد ، وفلان نجمه فلان النحس ، وهكذا ، هذا كله من علم التأثير المحرم ، وهو محرم بإجماع المسلمين .
والمقصود بعلم التسيير هو الاستدلال بالنجوم على نحو ما ذكرنا قبل قليل ، كالاستدلال على القبلة ، وعلى الطريق ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ ] النحل : 16 [ ؛ ومعرفة القبلة .
وأما ما أورده المصنف من أن أحمد كان يكره الاستدلال بالجدي ، يقصد بهذا التنطع ، الجدي هو النجم القبطي الشمالي ، التنطع في تحديد القبلة لمن كان بعيدا عنها ؛ فإن ما بين المشرقين قبلة(57) كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؛ فلذلك : التدقيق والتعمق والتكلف في هذا لا يجوز ، وإلا قد ينبني عليه بطلان صلوات المسلمين المتقدمين الذين اجتهدوا في تحديد المحاريب التي توجه إلى القبلة ، فتكفي مجرد الجهة ، ولا تلزم إصابة عين الكعبة بالنسبة لمن كان بعيدا عنها ، بل المقصود التوجه إليها ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ ] البقرة : 144و 150 [ أي نحوه ، وليس المقصود النهي عن معرفة علوم النجوم مثل الجدي وغيره ، والاستدلال به على القبلة - هذا لا بأس ، لكن أن يتحول إلى تنطع وتكلف بحيث يختلف الناس بسبب ذلك = هذا لا يجوز ، إذا اختلفوا فبالنسبة لمن يسكن شمال مكة فما بين المشرقين قبلة .
ولا يتشدد بهذا .
ومثله التوسع في علم العربية ، وفي علم البلاغة الذي أشرنا إلى ما يجوز منه ، وما لا يجوز .
بقي من درس الأمس مسألتان تكلم عنهما المصنف – رحمه الله تعالى - :
المسألة الأولى : أن ثمة من العلوم ما لاينفع علمه ، ولا يضره جهله ؛ فهذا = العلم به والجهل به سيان ، وهناك فضول من العلوم ، لاطائل تحتها ، لا تفيد ، لا في أمر الدين ولا في أمر الدنيا ؛ فالعلم به لا ينفع ، بل والجهل به لا يضر ، ولا يترتب عليه مصلحة للأمة في أمر دينها ودنياها .
وأشار إلى مسألة الفلك ، ودوارنه ؛ فمثل هذا لو أن الأمة جهلته ، أو لم تتعلمه ؛ الأمر فيه سعة ، ولكن الذي أحب أن أنبه إليه : أننا لا نخضع آيات القرآن لهذه العلوم ؛ فإن توصل إلى علم لا يعارض النصوص ، وفيه مصلحة للأمة في أمر دينها ودنياها ؛ فالحمد لله ، وهو يدخل في قول الله – تعالى – : ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ ] فصلت : 53 [ .
وإن كانت مجرد نظريات بحتة ؛ فهذه لها ثلاثة أحوال :
- إما أن يكون في النصوص الشرعية ما يدل عليها ، أو يشير إليها .
- وإما أن لا يوجد ما يعارضها على الأقل .
- وأما أن تكون معارضة للشرع – جملة وتفصيلا - .
فإن كانت تلك النظرية معارضة للشرع ؛ فيجب اطـِّراحها ، ولا شك أنهم سيصلون يوما من الأيام إلى أنها نظرية باطلة . مثل نظرية التطور والارتقاء ، نظرية دارون التي تزعم أن أصل الإنسان يعني حيوان بحري ، ثم قرد ، ثم ... ثم ... ثم تطور إلى أن أصبح إنسانا ؛ فهذه النظرية باطلة - جملة وتفصيلا - بل يعارضها حتى الكفار أنفسهم ؛ لذلك يقول أحدهم : نحن نعلم أن الناس من أبناء آدم ، وآدم من تراب .
ولا ندري ما إذا كان دارون صاحب هذه النظرية ، ما إذا كان قردا أم لا ؟
هذا يقوله بعض الكفار ؛ فأي نظرية تعارض القرآن ، تعارض السنة تعارض شيئا من العقيدة = فهي نظرية باطلة ، لا يجادل فيها ولا يناقش .
ثانيا : النظريات التي لا يعارضها نص ، ولا يؤيدها ، يعني مسألة صعودهم القمر - إن صح ذلك – الذي يبدو أنها ما زالت نظرية ، بل إن بعض أساطينهم يشكك في ما يدعون أنهم نزلوا عليه أهو القمر ، أم غيره ، ونحن لا نعرض النصوص لهذه النظريات ، كشأن الذين يقولون : إن مما يدل على طلوعهم القمر قول الله – تعالى - ﴿ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ ] الرحمان : 33 [ . هذا كذب ؛ لأن الآيات تتحدث عن يوم القيامة ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾ ] الرحمان : 33 – 35 [ الآيات كلها تتحدث عن يوم القيامة .
فسواء صعدوا إلى القمر أو المريخ ما يعنينا ، إن ثبت علميا تجريبيا صحيحا بالتجارب الحقيقة الحسية ؛ فنحن نقول : ليس عندنا في الشرع ما يعارض ذلك ؛ ربما أن ذلك يحصل – الله أعلم - ، لكن لا نتسرع في التصديق ، ولا في التكذيب ، وفي الوقت نفسه لا نستخدم النصوص لا في التصدييق ، ولا في التكذيب - في أمر لا يؤيده الشرع ، ولا ينكره .
المسألة الثالثة : إذا وجد في الشرع ما يشير إليه ؛ مثل دوران الكواكب ، وما إلى ذلك ، ما عدا الأرض ، أنا مع قصر علمي أتوقف في القول بدوارنها ، وهم أنفسهم متناقضون في القول بدوارن الأرض ، أما الكواكب الأخرى ، لا شك أن الله – عز وجل - ذكر أنها تدور ، ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ ] ياسين : 40 [ هل تدخل في ذلك الأرض ، أو لا تدخل ، الله أعلم ، نكل علم هذا إلى الله – عز وجل – ولكن نعلم أن الأرض ثابتة من حيث إنها لا تموج ولا تتحرك تحركا مضطربا ، ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ ] النازعات : 32 [ ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ﴾ ] المرسلات : 27 [ .
وهم يؤمنون بأن الجبال مثبتة للأرض ، ووازن لحركتها ، هم يقرون بهذا ، لكن هل تدور حول محورها ؟ ، هل تدور حول بعض الكواكب ؟ هل تدور كذا ، وكذا ؟ ، هذا أمر لا نتدخل فيه ، إلا إذا ثبت ما يدل من العلم التجريبي الصحيح الثابت .
لكن دعوى أن الشمس ثابتة ، والأرض تدور = هذا باطل فالشمس تدور لقول الله – عز وجل - : ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ] ياسين : 38 [ وجاء أنها تستأذن يوما ما ؛ فلا يؤذن لها ؛ فتطلع من المغرب(58) .
فلا شك أن الشمس تجري ، ومن زعم أنها ثابتة = فهو كذاب ، بقي موضوع الأرض : أنا ممن يتوقف فيه ، وإن كان شيخنا الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – له رأي في هذا وهو أنها لا تدور ألبتة ، أقلّ ما نقول : هو التوقف ؛ يعني إما أن تكون نظرية باطلة ، وإذا بنا لم نقحم أنفسنا في إثباتها ، أو إنكارها ، وإما أن تكون نظرية صحيحة ؛ فإذا بنا لم نعرض النصوص للإثبات أو الإنكار .
أما الكواكب ، الشمس ، القمر ؛ فهذه تجري شاءوا أم أبوا ، قالوا بذلك ، أم لم يقولوا ، ادعوا علما في هذا ، أم لم يدعوا : ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ] ياسين : 38 [ وقوله تعالى ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ ] ياسين : 40 [ .
هل هذا الفلك كله يدرو حول مجرة واحدة ، بما فيه الأرض ؟ الله أعلم .
لاشك أن النجوم تدور ، والكواكب تدور ، وتغرب ، وتذهب ، لكن هل الأرض تدرو ، أو لا تدور ؟ هذا أمر ما زالت نظريات ، لا ينبغي أن نعرض النصوص لها : لا نفيا ، ولا إثباتا .
هذا الذي يبدو لي في هذه المسألة .
النظريات التي فيها - هناك ما يشير إليها ، أو ما يدل عليها ، بعضها ثبت بالتجارب العلمية ، وقد دلت الآيات عليها من مئات السنين ، مثل قضية خلق الجنين من بين الصلب والترائب ، يزعم أحد اليهود أنه هو الذي توصل إلى هذه النظرية : من صلب الرجل وترائبه ، ومن صلب المرأة وترائبها ، وليس المقصود أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، بل من صلب وترائب الرجل ، ومن صلب وترائب المرأة – الاثنين ، وهذا أمر - الآن - ربما أنه ثبت عليما ، والحمد لله أن القرآن قد سبق إلى بيانه ، المهم نحن لا نعرض القرآن لهذه المسائل ؛ لئلا نقع في شيء من الإفراط ، أو التفريط .
أما المسألة الثانية : وهي مسألة علاقة نزول الرب – سبحانه وتعالى – ، بدوران الفلك ، واختلاف الوقت ، بعبارة أوضح : أننا - الآن - الساعة عندنا – مثلا – هنا في المملكة قرب الخامسة ، نجدها في أمريكيا - مثلا - العاشرة صباحا ، بينما نجدها في اليابان – مثلا - الحادية عشر ليلا – الآن – أو الثانية عشر ليلا ، في أندونيسيا العاشرة ليلا ، اختلاف الوقت هذا ، بعض من تخصصوا في هذه الفنون دخلوا فيما لا يعنيهم ، قالوا : كيف نقول : إن الرب ينزل في الثلث الأخير من اليل ، بينما اختلاف الوقت ثابت علميا بين البلدان ، اختلاف الوقت لا شك ، الآن بين المدينة وبين ينبع كم دقيقة ؟ = عشر دقائق ، بين المدينة والرياض = نصف ساعة ، بين المدينة والشرقية = خمس وأربعون دقيقة ، هذا أمر مسلَّم - قديما وحديثا - ، لكن ما الذي يجعل هؤلاء المساكين يعرضون صفات الرب – سبحانه وتعالى - لهذه النظريات ، أو لهذه الأحوال الفلكية ؟
الذي أوقعهم في ذلك = هي كلمة كيف .
وهذا هو الذي أضل كثيرا من البشر ( كلمة كيف ) ، أضل الجهمية : كيف يستوي ربنا على عرشه ؟
نحن نعرف أن الإنسان يصنع الكرسي ، ثم يجلس ، ثم يأتي ، ثم يتكلف حتى يهيأ له هذه الكرسي ؛ إذا قلنا : إن الله يستوي على عرشه أشبه من ؟ المخلوقين .
رتبوا على هذا نفي الاستواء ، ونفي العلو ، كيف نقول : إن الله فوقه جميع خلقه ؟
لو قلنا بذلك ؛ لقلنا : إنه محدود ، بحد معين ، أو أنه جسم ، أو أنه يعني متحيز ، ونحو ذلك .
إذًا كلمة كيف ؟ هي التي أوقعتهم في هذا .
نسي هؤلاء المساكين أنهم لا يعرفون كيفية الروح التي بين جنبيهم ؛ أسألهم هذا السؤال : تؤمن بأن فيك روحا ، أم لا ؟
يقول لك : نعم فيّ روح .
تؤمن بأن معك ملكين : أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار ؟
يقول لك : نعم ؛ كيف !
هل تراهما ؟
يقول لك : لا .
طيب هل تؤمن بهما ؟
يقول لك : نعم .
طيب ألا تؤمن بأن الله يفعل ما يشاء ويختار ؟
يفعل ما شاء إذا شاء كيف شاء ؛ بغض النظر عن اختلاف الأوقات ، لأن الله – عز وجل – لا يكرثه شيء ، ولا يعجزه شيء ، يفعل ما يشاء ويختار ، لا تقسه بنفسك ، ولا تقسه بالمخلوقين ، أيا كانوا ؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عند أصل ذكره في التدمرية(59) : القول في الصفات فرع عن القول في الذات .
كيف ؟
إذا قال لك الأشعري : كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، وهل يخلو منه العرش ، أو لا يخلو ، وهل تحيط به السماوات ، أو لا تحيط ، وما الحجم الذي نزل فيه ، وكيف ينزل ، وبأي طريقة ؟
اسأله سؤالا معاكسا : قل له : هل تؤمن بوجود الله ، هل تؤمن بذات الله ، بأن له ذاتا تخصه ؛ لا تشبه ذوات المخلوقين ؟
يقول لك : نعم .
تؤمن له ذاتا خاصا لا تشبه ذوات المخلوقين ؟
الجواب : نعم .
هل تشبه الذوات ؟
لا .
طيب ! كذلك له صفات لا تشبه الصفات .
فإذا قال لك : كيف ينزل ؟
قل له : كيف هو ؟
سيقول لك : لا يعلم كيف هو إلا هو .
قل له : ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو .
فهذه قضية خطيرة جدا .
كان زميلا لنا تخرج معنا قبل أكثر من ثلاثين سنة من إحدى البلدان العربية الإسلامية ، تخرج ودرس هذه القضايا ، درس الطحاوية ، ودرس كل شيء ، لكن ما استفاد شيئا ؛ لأنه غرس في ذهنه أن لا يستفيد .
فجاءني بعد ما تخرجنا ، قال : والله ! يا أخي أنا ما زالت قضية النزول مشكلة عليّ ؛ لاختلاف الوقت ، إذًا ربنا بظل طالع نازل (60)!
انظر هذا المسكين .... !
قلتُ له : أنت قست الله بنفسك ، ولو أنك آمنت بأنه يفعل ما يشاء ويختار ، وأنه لا يعلم كيف هو ، إلا هو ، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو ، لما وقعت في هذا المأْزِق الذي أقحمت نفسك فيه .
وهذا ينسحب على سائر صفات الرب – سبحانه وتعالى - ؛ فأي منكر لصفات الله ناقشه بمثل هذه المناقشة ؛ فإما أن يسلّم ، وإلا أن ينفي الصفات والأسماء ، كما نفتها المعتزلة ، ويصبح – حينئذ – خارج الحلبة .
إذًا لا ننظر إلى دوران الفلك مقارَنا مع نزول الرب - سبحانه وتعالى - ، نقول : الرب – تبارك وتعالى – ينزل كيف شاء ، متى شاء ، إذا شاء ، أما لا تقسه بنزولك ، ولا تقسه باختلاف الوقت ؛ لأن هذا أمر ينزه الله عنه ؛ فالله – تعالى - لا يشبه أحدا من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله – سبحانه وتعالى – .

الْـمَــتْـــنُ
وأما ما أحدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوما وظنوا أن من لم يكن عالماً بها فهو جاهل ، أو ضال ؛ فكلها بدعة وهي من محدثات الأمور المنهي عنها ؛ فمن ذلك ما أحدثته المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال للَّه ، وقد ورد النهي عن الخوض في القدر ، وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً ( لا يزال أمر هذه الأمة موافيا ومقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر )(61) وقد روي موقوفا(*) ، ورجح بعضهم وقفه .
وخرج البيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعاً ( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا )(62) وقد روي من وجوه متعددة في أسانيدها مقال .
وروي عن ابن عباس أنه قال لميمون بن مهران : إياك والنظر في النجوم ؛ فإنها تدعو إلى الكهانة ، وإياك والقدر ؛ فإنه يدعو إلى الزندقة ، وإياك وشتم أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم ف- ؛ َيُكِبَّكَ اللَه في النار على وجهك(63) .
وخرجه أبو نعيم مرفوعاً ، ولا يصح رفعه .
والنهي عن الخوض في القدر يكون على وجوه :
منها ضرب كتاب اللَه بعضه ببعض ؛ فينزع المثبت للقدر بآية والنافي له بأخرى ، ويقع التجادل في ذلك .
وهذا قد روي أنه وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب من ذلك ، ونهى عنه ، وهذا من جملة الاختلاف في القرآن والمراء فيه ، وقد نهي عن ذلك .
ومنها الخوض في القدر إثباتاً ونفياً بالأقيسة العقلية ؛ كقول القدرية : لو قدر وقضى ثم عذب ؛ كان ظالماً .
وقول من خالفهم : إن اللَه جبر العبادَ على أفعالهم ، ونحو ذلك .
ومنها الخوض في سر القدر ؛ وقد ورد النهي عنه عن علي(64) وغيره من السلف ؛ فإن العباد لا يطلعون على حقيقة ذلك .

الــشَّــــرْحُ
بدأ - الآن - في بعض العلوم الضارة ضررا محضا ؛ فهناك أمور أحدثت : مثل علم المنطق ، ومثل الخوض في القدر ، ومثل الجدل الذي لا طائل تحته ، وتشقيق المسائل بغير طائل مما يوقع الناس في الحيرة والحرج ؛ فهذه علوم مبتدَعة ، لا تنفع المسلمين بشيء أبتة ، بل هي ضرر محض ؛ فالخوض في علم النجوم – إذا خرج عن علم التسيير – فهو علم باطل ، أدى بالبعض إلى أن يقع في السحر ، والكهانة ، وما وقع فيه الرازي وكتابه ( السر المكتوم )(65) وربط تلك الأمور بالنجوم ؛ هذا في غاية من الشرك والكفر ، ويبدو – والله أعلم – أنه – رحمه الله – رجع عن هذه الأمور ، كما تدل عليه بعض عباراته (66).
فالخوض في علم النجوم – إذا خرج عن ما إذن الشرع فيه من كونه علامات ، ورجوما للشياطين ، وزينة للسماء ، وعلامات على فصول العام ، وعلى الزراعة ، وما إلى ذلك ؛ إذا خرجت الأمور عن هذا ؛ فإنها تصبح علوما ضارة ، لا سيما إن وصل الأمر إلى اعتقاد علاقة الكواكب والنجوم بهلاك الكون ، أو حياة زيد ، أو موت عمرو ؛ فلا شك أن هذا من الشرك الذي نهى الله عنه .
ومن تلك الأمور : الخوض في شأن ما جرى بين الصحابة(67) ؛ حيث إن السلف كانوا يكفون عما جرى بينهم ، ويذكرونهم بالجميل(68) ، ويحبونهم ، ويوالونهم ، ويترضون عنهم ، ويعقدون عدالتهم جميعا ، يعتقدون أنهم جميعا عدول(69) ، وأنهم أفضل هذه الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – سواء كان الخلفاء الراشدين ، أو بقية العشرة ، أو أهل بدر ، أو المهاجرين ، أو الأنصار ، أو من أسلم من بعد الفتح .
وكل من رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – مسلما ، ومات على ذلك ، ولو تخللت ذلك ردة في أصح أقوال أهل العلم(70) .
فيجب أن لا يذكروا إلا بالجميل ، كما يجب الكف عما شجر بينهم .
سئل عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – عما بين الصحابة ، كما جرى بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما - وما بين علي وأهل الجمل ؛ فقال : أولئك قوم طهر أيدينا من دمائهم ؛ فلنطهر ألسناتنا من أعراضهم ، أو كما قال – رحمه الله تعالى -(71) .
واقرأوا في هذا الباب كتاب ( العواصم من القواصم )(72) لابن العربي القرطبي الإشبيلي المعافري أبي بكر صاحب كتاب ( عارضة الأحوذي ) وكتاب ( أحكام القرآن ) وكتاب ( العواصم من القواصم ) وغيرها .
فعلينا أن لا نخوض فيما جرى بينهم .
تجرأ بعض الناس على الكلام في الصحابة ، ليس من الرافضة فحسب ، والخوارج الذين يسبون الصحابة ، بل من المنتسبين إلى أهل السنة ؛ وبخاصة معاوية – رضي الله عنه – أرسل إليّ من إحدى البلاد الإسلامية ، أو من إحدى الجامعات الإسلايمة رجلٌ بحثا يريد أن أقومه له ، وينشر في مجلة الجامعة الإسلامية بعنوان ( خدعة التحكيم ) والتحكيم نسج حوله الرافضة ، والكذابون من المؤرخين من الأراجيف ما لا يمكن حصره ، ومن أراد التحقيق ، والوقوف على حقيقة المسألة ؛ فليقرأ كتابا(73) قام بجمعه أخونا الدكتور محمد بن عبد الله الغَـبَّـان وكيل كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية – سابقا – وهو في قسم التاريخ ، بالجامعة الإسلامية ، عن قصة عثمان ، ثم لعله تعرض – أيضا – إلى قضية التحكيم في عهد علي – رضي الله عنه – .
هذا الرجل أرسل إليّ من إحدى البلاد الإسلامية - العنوان ( خدعة التحكيم ) ماذا تحت العنوان ؟ لا يوجد فيه إلا سب معاوية – رضي الله عنه – ، وعمرو بن العاص – رضي الله عنه – هذا كل ما خرج من التحكيم ؛ لأنه صدّق الفرية التي تقول : إن عمرا قال : ( إني أخلع عليا ، وأثَـبِّـتُ معاوية ) . وهذا كذب ، لم يقل هذا عمرو بن العاص ، وليس هذا من حقيقة التاريخ ، بل من أكاذيب التاريخ ، من أكاذيب الكلبي ، والواقدي ، وغيرهم .
ومن أكاذيب صاحب ( مروج الذهب ) المسعودي و ( تاريخ اليعقوبي ) لأنها رافضيان ؛ المسعودي واليعقوبي = رافضيان ؛ فالتاريخ لا نأخذه من أي شخص ؛ وإنما يعني يحقق في بعض القصص التي تروى ، فانظر إلى هذا المسكين ، يسب الصحابة ، ويريد أن ننشره له في الجامعة الإسلامية ! في مجلة الجامعة ! طيب هذا دكتور أستاذ مشارك ، أو لعله وكيل كلية في بلد ما :
أين عقله ؟
أين علمه ؟
ستر الصحابة من ؟ الذي قال عنه أيوب السختياني(74) : إنه ستر الصحابة ؛ من هو ؟ معاوية ! فمن تكلم في معاوية فقد خرق هذا الستر - رضي الله وأرضاه ، وأخزى الله من أبغضه وقلاه - معاوية خال المؤمنين ، وكاتب الوحي لرسول – صلى الله عليه وسلم - ؛ فانتبهوا لهذه المسألة .
كذلك من العلوم الفاسدة : الخوض في القدر ؛ سواء بضرب الآيات بعضها ببعض - نفيا أو إثباتا - ، أو الكلام على إنكاره بالعقل المجرد ، أو إثباته – كذلك - ، أو الكلام في سر القدر .
أما الأول : وهو الخوض في الآيات بغير علم ، وضرب بعضها في بعض ؛ فإن القدرية تمسكوا بالآيات التي فيها إثبات مشيئة العبد ؛ فجعلوا له مشيئة مطلقة ثابتة تعارض مشيئة الله – تعالى - ، وزعموا أن العبد هو الخالق لفعله ، وفهموا من قول الله – تعالى – ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ ] النساء : 79 [ أن قوله ( من نفسك ) = فهموا من هذا أن العبد هو الخالق لفعله ، ورتبوا على هذا نفي القدر .
وهؤلاء القدرية مجوس هذه الأمة كما سماهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ونهي عن زيارتهم ، إذا مرضوا فلا تعودهم ، وإذا ماتوا فلا تتبعوا جنائزهم(75) .
ووجه الشبه بينهم وبين المجوس = أن كلا من المجوس والقدرية أثبتوا خالقين ، أثبتوا خالقين ؛ فقد أثبتت المجوس النور إلها ، النور خالق الخير ، والظلام خالق الشر .
وقالت القدرية : الله خالق للعبد ، والعبد خالق لفعله .
فتمسكت القدرية بقوله ( فمن نفسك ) .
عاكستهم الجبرية ؛ فتمسكوا بقول الله – تعالى – ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ ] النساء : 78 [ لكن ليس تمسك أهل السنة ، وإنما رتبوا على ذلك أن العبد مجبور على فعله ، رتبوا على ذلك أن العبد مجبور على فعله ؛ فهو كالغصن في مهب الريح ؛ حيث ما تميّله يميل .
وزعموا أنه ما دام مجبورا على فعله ؛ فإنه غير مؤاخذ بما يفعل .
أهل السنة كيف فهموا هذا ( كل من عند الله ) = تقديرا وخلقا ، وهو منك سببا ومباشرة واختيارا ؛ فالعبد يفعل الفعل باختياره ، وبسبب فعله ، والله أقدره على الأسباب ، لكن مع هذا كله فإن جميع الكون لا يخرج عن مشيئة الله العامة ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ ] التكوير : 29 [ .
فالجبرية احتجوا بحجة إبليس ، وحجة المشركين ، ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا ﴾ ] النعام : 148 [ وبحجة إبليس ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ ] الأعراف : 16 [ يعني قول : أنت أجبرتني على هذا .
والمجوس ، والقدرية الذين أشبهوا المجوس احتجوا بأن العبد هو الخالق لفعله .
المسألة الثانية : احتجاجهم بالعقل في باب القدر ، هذا من العلوم الفاسدة ، فقالت القدرية النفاة : إن الله لو خلق أفعال العباد ثم عاقبهم عليها = كان ظالما لهم ! فحتى ننزه الله عن ذلك ننفي القدر ، ونقول : إن العبد هو الخالق لفعل نفسه ، وإنه لا يدخل تحت مشيئة الله العامة ، بل هو الخالق لفعل نفسه ؛ لأنه لو قيل : إن الله هو خالق الأفعال ، ثم يعذبهم عليها ؛ كان هذا ظلما - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - ؛ فأثبتوا خالقين كما أثبتتها المجوس ، ونسوا قول الله – تعالى - ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ] الصافات : 96 [ وقوله تعالى ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ] الزمر : 62 [ .
الجبرية عكسوا هذا الأمر تماما ؛ قالوا : إن العبد مجبور على الفعل ، وإذا كان مجبورا على الفعل ؛ فليفعل ما يشاء ؛ فإنه لا يعاقب على ذلك .
أهل السنة قالوا : إن الله خالق العباد وأفعال العباد ؛ كما قال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ] الصافات : 96 [ ، وأن لله مشيئة عامة ، وللمخلوق مشيئته الخاصة به ، وأنه – كونا وقدرا - لا يخرج عن مشيئة الله ، أما فيما يتعلق بما يحبه الله ، ويرضاه ، فإنه قد لا ينفذ ذلك – أعني : العبد .
فالعبد له مشيئة ، وله اختيار ، لكنها تابعة لمشيئة الله العامة النافذة ، وقد جمع الله بين الأمرين في قول الله تعالى﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ ] التكوير : 28-29 [ .
المسألة الأخيرة : خوضهم في سر القدر ومحاولة علمه ، وهذا عبث ، يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ( القدر سر الله في خلقه فلا نكشفه )(76) يعني لا نقحم أنفسنا في كشفه ؛ لأننا غير قادرين على الوصول إلى ذلك ، لسنا قادرين على كشفه ؛ لأنه لا يعلمه إلا الله ؛ حتى الأنبياء ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾ ] الأعراف : 188 [ نعم ، يمكن أن يحتج الجبري ؛ لو أنه يعلم سر القدر ، أمَـا وقد طوى الله ذلك عنه ؛ فإنه ليس له فيه حجة ، ليس لهم فيه حجة ، وهذا هو معنى قول علي - رضي الله عنه - : القدر سر الله في خلقه فلا نكشفه .

أشرف السلفي
2009-01-11, 10:25 AM
بسم الله الرحمان الرحيم
الْـمَــتْـــنُ
ومن ذلك أعني محدثات الأمور ما أحدثه المعتزلة ، ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله – تعالى - وصفاته بأدلة العقول ؛ وهو أشد خطراً من الكلام في القدر ؛ لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله ، وهذا كلام في ذاته وصفاته . وينقسم هؤلاء إلى قسمين :
أحدهما : من نفى كثيراً مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده للتشبيه بالمخلوقين كقول المعتزلة : لو رئي ؛ لكان جسما ؛ لأنه لا يرى إلا في جهة .
وقولهم : لو كان له كلام يسمع ؛ لكان جسما ، ووافقهم من نفى الاستواء ؛ فنفوه لهذه الشبهة ؛ وهذا طريق المعتزلة والجهمية ، وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم ، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين .
والثاني : من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر ، ورد على أولئك مقالتهم كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم ، وتابعهم طائفة من المحدثين - قديماً وحديثاً – ، وهو - أيضاً - مسلك الكرامية فمنهم من أثبت لإثبات هذه الصفات الجسم : إما لفظًا ، وإما معنى .
ومنهم من أثبت للَّه صفاتٍ لم يأت بها الكتابُ والسنةُ كالحركة ، وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة .
وقد أنكر السلفُ على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل ، وبالغوا في الطعن عليه .
ومنهم من استحل قتله منهم : مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيرُه .
والصواب ما عليه السلفُ الصالحُ من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك ألبتة خصوصاً الإمام أحمد ؛ ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها ، وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة مقاتل ؛ فلا يقتدى به في ذلك ، إنما الاقتداء بأئمة الإسلام : كابن المبارك ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ونحوهم ، وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة ، ولم يدخل ذلك في كلام من سلم من قدح وجرح ، وقد قال أبوزرعة الرازي : كل من كان عنده علم فلم يصن علمه واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه .

الــشَّــــرْحُ
مازال الشيخ يستطرد في ضرب أمثلة من العلوم غير النافعة ، بل هي علوم ضارة ، وضررها محض ثابت ؛ فذكر منها ما اشتغلت بها الجهمية ، والمعتزلة ، وتابعتهم الماتريدية والأشاعرة ، من إخضاع الكلام فيما يتعلق بذات الله ، وأسمائه وصفاته إلى علم الكلام والمنطق ، والبعد عن كتاب الله – تعالى – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك لما وقعوا في هذا المأزِق ؛ اختلفوا اختلافا كثيرا ، وهذا مصداق قول الله – جل وعلا – ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ ] النساء : 82 [ .
لما ابتغوا العلم من المنطق والكلام ومن القلقلة التي لا تجدي ، بل تضر ؛ فإنهم وقعوا في الاختلاف ؛ فمنهم من أنكر جميع الأسماء والصفات كجهم وأتباعه ، ومنهم من أثبت الأسماء دون الصفات كالمعتزلة ، ومنهم من اضطرب فأثبت البعض ، ونفى البعض الآخر كما فعلت الأشاعرة والماتريدية .
أما أهل السنة فأثبتوا لله – تعالى – ما أثبت لنفسه ، وما أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – ونفوا عنه ما نفى عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تأويل ، ولا تشبيه ولا تأويل ؛ على حد قول الله – سبحانه وتعالى – ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ ] الشورى : 11 [ .
لما أعرضوا عن القرآن ، وجاءوا بعلم المنطق = ضيعهم ، وأوقعهم في هذه الحيرة .
جهم لما درس على السُّمنية وعلى الفلاسفة وعلى المناطقة = ترك الصلاة أربعين يوما ، ثم غاب عن الناس ، ثم خرج بعقيدة الإرجاء ، وبعقيدة نفي الأسماء والصفات(77) .
الإرجاء :
قال : العمل ليس من الإيمان ، وفتن الأمة بهذه المقولة ؛ فرتبوا على ذلك : أنه لا فرق بين إيمان أبي بكر ، وبين إيمان الزنادقة ، والذين لا يؤدون من العمل شيئا ، حتى ولو لم يصلوا ، ولو لم يزكوا ، ولو لم يأمروا بمعروف ، ولو لم ينتهوا عن منكر ؟!
فهؤلاء وقعوا في شر مما فروا منه ، زعموا أنهم يريدون أن ينزهوا الله ؛ قالوا : لو استوى على عرشه ؛ للزم من الاستواء أن العرش يحيط به ، أو يظله ، أو يقله ، أو يحمله ، ولو نزل للزم من النزول أن يأتي بين السماوات وكذا !
ولو قلنا بصفة الوجه ؛ للزم أن يكون هناك شعر ، وعروق وما إلى ذلك ، ولو قلنا بصفة القدم ؛ لوجب وجود عروق وعظام وما إلى ذلك .
ولو قلنا بصفة المجيء ؛ لترتب على ذلك أنه يجيء على شكل كذا وكذا ، والله منزه عن ذلك ، ولو أنهم أثبتوها كما نص الإمام مالك بقوله : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة )(78) ؛ لما وقعوا فيما وقعوا فيه .
إذًا وقعوا في هذا الأمر حتى أغوهم الشيطان ، فوقعوا في نفي الأسماء والصفات ، جاءت المعتزلة قالوا : الأسماء لا يمكن أن ننفيها ، لكنها أسماء جوفاء لا معنى لها ، وهذا نفسه ما وقع فيه جهم ؛ فمن أثبت أسماء ليست لها معان = كما نفى الأسماء والصفات .
جاءت الأشاعرة – بعد ذلك - فأثبتوا البعض وأولوا البعض الآخر .
وهذه الطريقة يمجها العقل السليم والفطرة السليمة .
جاء أعرابي إلى الجهم بن صفوان ، وهو يقرر أن الله عليم بلا علم ، حكيم بلا حكمة ، سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ، رحيم بلا رحمة ، جواد بلا جود ، وهكذا دواليك ؛ فارتجل قصيدة ذم فيها جهما ؛ أعني ذلك الأعرابي الذي على فطرته ؛ فقال – أذكر لكم بعض أبياتها - :
ألا إن جهما كافر بان كفره /// ومن قال يوماً قول جهم فقد كفر
لقد جن جهم إذ يسمي إلهه // سميعاً بلا سمع بصيراً بلا بصر
عليماً بلا علم رضياً بلا رضا /// لطيفاً بلا لطف خبيراً بلا خبر
أيرضيك أن لو قال يا جهم قائل // أبوك امرؤ حر خطير بلا خطر
مليح بلا ملح بهي بلا بها /// طويل بلا طول يخالفه القصر
حليم بلا حلم وفي بلا وفا /// فبالعقل موصوف وبالجهل مشتهر
جواد بلا جود قوي بلا قوى /// كبير بلا كبر صغير بلا صغر
أمدحا تراه أم هجاء وسبة /// وهزأ كفاك الله يا أحمق البشر
فإنك شـيـطان بعثـت لأمة /// تصـيرهم عما قـريـب إلـى سـقر
والعياذ بالله !
راجعوا هذه الأبيات في كتاب ( جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ) للألوسي – رحمه الله – محمود شكري الألوسي الأب صاحب كتاب ( الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنيفة السادات )(79) وله مؤلفات كثيرة .
ما المقصود بالأحمدين ؟
الشيخ ابن تيمية والهيتمي - بالتاء - .
الهيتمي : ابن حجر الهيتمي صاحب كتاب ( الزواجر )(80) ؛ لأنه اعتدى على شيخ الإسلام كثيرا بألفاظه البذيئة ؛ فأجرى بينهما محاكمة ؛ انتصر فيها لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – .
إذًا هذه العلوم التي أفضت إلى هذا الحال = علوم ضارة ؛ ولذلك بعضهم بعد أن كبر ، وشعر بدنو أجله تبرأ من كل هذه العلوم ، وكان أحدهم يقول - في علم الكلام - :
نهاية إقـــدام العـقـول عـقـال // وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا // وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثناطول عمرنا // سوى أن جمعنا فيه قيل وقال(81)
وقال آخر - والأول لعله الشهرستاني ، والآخر أظنه الرازي -(82) :
لعمر ي لقد طفت المعاهد كلها // وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر // على ذقن أو قارعا سن نادم(83)
فإذًا هذه حال من اشتغل بعلم الكلام والمنطق ، وترك كتاب الله – عز وجل – وراءه ظهريا ، وكل من اشتغل بالفلسفة ، أوالمنطق = وقع في هذه المآزق ، وفي هذا الاضطراب ؛ ولذلك تجد كتبهم لا تجد فيها : قال الله وقال رسوله ، إنما تجد قاعدة تنبي عليها أمور أخرى ، المقدمة تنبي عليها نتائج ، مثل النظريات ، واقرأوا – إن شئتم – كتاب ( المواقف ) للأيجي ، وكتاب ( شروح الجوهرة )(84) وغيرها تجدونها كلها عبارة عن هراء ، وكلام فارغ لا يمت إلى الدبن ، ولا إلى العقيدة بصلة ؛ فلنحذر من هذه الأمور التي تصل بأصحابها إلى الحيرة ، ولنلزم هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – .

الْـمَــتْـــنُ
ومن ذلك - أعني محدثات - العلوم ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها ؛ وسواء أخالفت السنن أم وافقتها طرداً لتلك القواعد المقررة ، وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة ، لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها ؛ وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء أهل الرأي بالحجاز والعراق ، وبالغوا في ذمه وإنكاره ، فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث ؛ فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولا به عند الصحابة ، ومن بعدهم ، أو عند طائفة منهم ؛ فأما ما اتفق على تركه ؛ فلا يجوز العمل به ؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به .
قال عمر بن عبد العزيز : خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم ؛ فإنهم كانوا أعلم منكم(85) .
فأما ما خالف عمل أهل المدينة من الحديث ؛ فهذا كان مالك يرى الأخذ بعمل أهل المدينة ، والأكثرون أخذوا بالحديث(86) .
ومما أنكره أئمة السلف : الجدال ، والخصام ، والمراء في مسائل الحلال والحرام - أيضاً - ، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام ، وإنما أحدث ذلك بعدهم كما أحدثه فقهاء العراقين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية ، وصنفوا كتب الخلاف ، ووسعوا البحث والجدال فيها ، وكل ذلك محدث لا أصل له .
وصار ذلك علمهم حتى شغلهم ذلك عن العلم النافع ، وقد أنكر ذلك السلف .
وورد في الحديث المرفوع في السنن ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم قرأ ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ ] الزخرف : 58 [ (87)وقال بعض السلف(88) : إذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل ، وفتح عليه باب الجدل .
وقال مالك : أدركت أهل هذه البلدة ؛ وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه الناس اليوم (89) - يريد المسائل - .
وكان يعيب كثرة الكلام والفتيا ، ويقول : يتكلم كأنه جمل مغتلم يقول : هو كذا ، هو كذا يهدر في كل شيء(90) .
وكان يكره الجواب في كثرة المسائل ، ويقول : قال اللَهُ - عز وجل – ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ ] الإسراء : 85 [ فلم يأته في ذلك جواب .
وقيل له : الرجل له علم بالسنة يجادل عنها ؟
قال : لا ، ولكن ليخبر بالسنة ؛ فإن قبل منه وإلا سكت(91) .
وقال : المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب العبد(92) .
وقال : إنه يُقسي القلب ، ويورث الضغن(93) .
وكان يقول - في المسائل التي يسئل عنها كثيراً - : لا أدري(94) .
وكان الإمام أحمد يسلك سبيله في ذلك .

الــشَّــــرْحُ
.... ما يهمه الدليل ، وإنما يهمه أن يعرف أن هذا القول قد قاله فلان من الناس ، والقول عنده ما قال فلان ، ولو خالف الدليل ، إذ أن الحق عنده يعرف بالرجال ، لا أن الرجال يعرفون بالحق ، والصواب العكس ؛ وهو أن الرجال هم الذين يعرفون بالحق ، لا أن الحق يعرف بالرجال ، والتعصب الفقهي احتدم في العصور المتأخرة بين الشافعية والحنفية ، حتى إن الحنفية قالوا : لا يحل للحنفي أن يتزوج الشافعية إلا عند الضرورة قياسا على الكتابية(95) !!
وبلغ بهم الأمر إلى رد النصوص إذا خالفت قول الإمام المعين ؛ فقد قال الكرخي وغيره : ما وجدتم من قول إمامنا مخالفا للكتاب أو السنة فإنه الكتاب أو ما جاء من الكتاب والسنة مخالفا لقول إمامنا فإنه مؤول أو منسوخ(96) !
فإما أن يكون مؤولا ، له معنى آخر غير مقصود ، وإما أن يكون قد وقع فيه النسخ ، وهل يقع النسخ بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - ؟!
فهذا التعصب في غاية الخطورة يورث صاحبه البعد عن النصوص ، وقد أورد المصنف أقوالا عن عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد ، وعن مالك ، وعن غيرهم من أئمة الهدى والدين ، أقوالا تبين وجوب التمسك بالسنة ولو كنت وحدك ؛ فالحق أحق بالاتباع ، ولو خالفه الناس .
ومن المشاكل في هذا الباب أن البعض منهم يتصدى إلى الفتوى بغير علم ، فيسأل فيقحم نفسه في المسائل الكبار التي لا يحسن التعامل معها ، مع أن الأئمة كانوا يتورعون عن الفتوى ، وكانوا إذا جاءهم سائل = كل منهم يحيل إلى أخيه(97) .
حتى في المسائل التي يختلفون فيها ، كل منهم يحيل إلى أخيه ، ورعا ، وإيثارا ، وتواضعا لله – عز وجل - .
هذا الإمام مالك – رحمه الله تعالى – يسأل عن أربعين مسألة ؛ فيجيب عن اثنتين ويقول في الباقي : لا أدري !
فلما اعترض السائل - قال له : أنت إمام المدينة تقول في كل هذه المسائل : لا أدري ؟!
قال له : اذهب إلى كل الأمصار ، وقل : إنني سألت مالكا ، فقال : إنه لا يدري(98) .
وليس الحال كحال البعض - الآن - ، ممن يتصدون للفتوى ، ويفتون بغير علم ، ويفتون الشباب بما يضيعهم ، وما يضيع مستقبلهم ، وما يضيع عليهم دينهم ، بإفراط ، أو تفريط ، فالواجب الـبُـعد عن هذا التعصب ، ثم بين الشيخ – رحمه الله – أن هذا التعصب أفضى بهم إلى الجدل ، والجدل في غاية الخطورة ، وقد نهينا عن الجدل إلا بالتي هي أحسن ، والجدل من سمات الكفار والمنافقين والكفار ، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ ] الحج : 3 [ .
ومنهم من يجادل من أجل تحقيق باطل ، أو إخفاء حق - والعياذ بالله - ، من هنا قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : أنا زعيم ببيت ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا(99) .
والجدل والمراء المنهي عنهما هما الجدل بغير حق ، ] ومن [ يجادل بغير علم ؛ ليصل إلى مأرب معين ، قال الإمام مالك رحمه الله - : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد – صلى الله عليه وسلم – لجدله (100) ؟
أو لذلك الذي اشتهر بالجدل وعرف بالجدل ، تترك السنة من أجل هؤلاء = هذا عين الباطل ، وكذا سائر الأئمة .
أما المناقشة لإعلاء كلمة الله ، ولتقرير المسائل العلمية بشرط أن يتخذ المناقشُ آداب الحوار ، وآداب النقاش ، وآداب الخلاف منهجا له ؛ ] فهذا أمر مطلوب [ ، وهذا لا يتحقق إلا بالإفادة من كتب الأقدمين ؛ ولذلك أقول : إنه يجب على طالب العلم أن يقرأ - قبل أن يدخل في مسائل الخلاف - كتاب ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – ؛ فإن من يقرأ هذا الكتاب يعرف احترام الأئمة ، واحترام فقه الأئمة ، ويعطي كل ذي حق حقه(101) .
فالبعد عن الجدل غنيمة كبرى ، لاسيما إذا عرفت أن هناك من هو أعلم منك ، وأقرب منك إلى السنة .
فلابد من البعد عن الجدل بكل أحواله ، اللهم إلا مباحثات ، ونقاش هادئ في المسائل التي فيها وجهات نظر من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف .

الْـمَــتْـــنُ
وقد ورد النهي عن كثرة المسائل وعن أغلوطات المسائل وعن المسائل قبل وقوع الحوادث وفي ذلك ما يطول ذكره .
ومع هذا ففي كلام السلف والأئمة : كمالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق = التنبيه على مأخذ الفقه ، ومدارك الأحكام بكلام وجيز مختصر يفهم به المقصود من غير إطالة ولا إسهاب ، وفي كلامهم من رد الأقوال المخالفة للسنة بألطف إشارة ، وأحسن عبارة ؛ بحيث يغني ذلك من فهمه عن إطالة المتكلمين في ذلك بعدهم ،بل ربما لم يتضمن تطويل كلام من بعدهم من الصواب في ذلك ما تضمنه كلام السلف والأئمة مع اختصاره وإيجازه ؛ فما سكت من سكت عن كثرة الخصام والجدال من سلف الأمة : جهلا ، ولا عجزاً ؛ ولكن سكتوا عن علم وخشية للَّه .
وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم ، ولكن حباً للكلام ، وقلة ورع . كما قال الحسن - وسمع قوما يتجادلون - : هؤلاء قوم ملوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا(102) .
وقال مهدي بن ميمون : سمعت محمد بن سيرين وما رآه رجل ففطن له فقال إني أعلم ما يريد إني لو أردت أن أماريك كنت عالماً بأبواب المراء ، وفي رواية قال أنا أعلم بالمراء منك ولكني لا أماريك(103) .
وقال إبراهيم النخعي : ما خاصمت قط (104).
وقال عبد الكريم الجزري : ما خاصم ورع قط(105) .
وقال جعفر بن محمد : إياكم والخصومات في الدين ؛ فإنها تشغل القلب ، وتورث النفاق(106) .
وكان عمر بن عبد العزيز يقول : إذا سمعت المراء فاقصر(107) .
وقال : من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل(108) .
وقال : إن السابقين عن علم وقفوا وببصر نافذ قد كفوا وكانوا هم أقوى على البحث لو بحثوا (109).
وكلام السلف في هذا المعنى كثير جداً .

الــشَّــــرْحُ
هنا يبين المصنفُ : أن أكثر ما وقع الضلال في المتأخرين بسبب كثرة الجدل ، وتشقيق المسائل .
أنا أذكر أنه مر بي في كتاب اسمه ( الأسرار ) للدبوسي ؛ أربعة لوحات- مخطوط - كلها نقاش لرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه في مسألة المصراة .
فيجادلون بغير فائدة ؛ لأنهم ما عندهم إلا الجدل ، وكثرة الكلام ، والسلف كانوا يصمتون إلا إذا دعت الحاجة ، يمتثلون قول النبي – صلى الله عليه وسلم – من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت(110) ، وقول الله – عز وجل – قبل ذلك ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ ] الفرقان : 63 [ .
وإن تشقيق المسائل وتفريعها بدون ضرورة كان من الأمور التي يكرهها السلف ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم(111) .
فـ ( كثرة سؤالهم ) يقصد بـ]ـه [ الأسئلة المتعمقة المتكلَّـفة التي فيها تنطع ، روي عن أبي حنيفة – رحمه الله – أنه دخل عليه رجل ذو هيئة ، وكان قد مد رجليه من العتب ؛ فلما رأى ذلك الرجل كفكف رجليه وجلس معتدلا وما علم أن هذا الرجل جسم البغال وأحلام العصافير ! فقال : أيها الشيخ ! متى يفطر الصائم ؟
فقال الإمام أبو حنيفة : إذا غربت الشمس .
قال : وإذا لم تغرب ؟
قال : وإذا لم تغرب يمد أبو حنيفة رجليه ولا يبالي(112) .
فإذا البعض أوتي أسئلة لا طائل تحتها ، الله – عز وجل – لـمـا سأل الكفارُ عما لا يعنيهم ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ ] الإسراء : 85 [ .
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾ ] الأعراف : 187 [ .
فالأسئلة التي ليس فيها فائدة = إنما تعود على الإنسان بأن يشدد على نفسه ، أو يَـفْـهَـم أن هذا الجدل والتشقيق للمسائل = أنه يرفعه . بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – حذر من أولئك المتفاصحين الذين يبالغون في البلاغة ، وفي البيان ، وفي التورية ، حتى يصبح ذلك معمى على الناس .
فالواجب البعد عن ذلك ، وأن لا نسأل عن شيء حتى يقع(113) ، وإذا وقع نسأل عنه بعد تثبت ، وأن لا نصدق الإشاعات التي تروج هنا وهناك(114) .
فالبعد عن الجدل وعن كثرة الأسئلة التي لا طائل تحتها ، والبعد عن الاختلاف نعمة كبرى ، من وفق لها فقد أوتي خيرا كثيرا ، وأما الذي يتكلف ويتعمق ويشغل الناس بما ليسوا بحاجة إليه ، مثل بعض الكتب التي هي عبارة عن إنشاءات تخلو من قال الله ، وقال رسوله ، هذه كتب ليس فيها بركة ، وأحيانا تبث سما زعافا في أروقة شبابنا ؛ فيقعون فريسة لها .
فماذا بعد الحق إلا الضلال .
المسلم لا يجادل إلا بالحق ، نعم تجوز المجادلة في حدود المعقول ، ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ] العنكبوت : 46 [ ، ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ] النحل : 125 [ .
فإذًا لابد من الاجتهاد في مسك اللسان وكفه ، وعدم إطلاقه في كل ما يخطر بالبال ، وأولئك الذين يفرعون على المسائل - مسائل متكلَّـفة ، ما أنزل الله بها من سلطان ، بعضها تتأسف أن توجد في الفقه الإسلامي ، ولو أننا تأملنا سيرة السلف لوجدنا أنها لم تسمع من غير المتأخرين ، وهذا كله بسبب بعدهم عن السنة ؛ فكلما بعد الناس عن السنة ، وعن تطبيق الكتاب والسنة = وقعوا في الجدل العقيم الذي لا يصلون فيها إلى بر النجاة .
والتعصب بلغ بين بعض المتفقهين من المتأخرين إلى حد الاقتتال(115) – والعياذ بالله – بل إنه كان يوجد في المسجد الحرام أربعة محاريب ، حتى أزيلت – ولله الحمد - من أوائل عهد الملك عبد العزيز – يرحمه الله - .
وما أوتي قوم جدلا بعد هدى آتاهم إلا ضلوا(116) ؛ لأنهم يشتغلون بالجدل ويتركون الهدى ، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ ] النساء : 82 [ .

الْـمَــتْـــنُ
وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا ؛ فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين = فهو أعلم ممن ليس كذلك ، وهذا جهل محض ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر ، وعمر ، وعلي ، ومعاذ ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت كيف كانوا ؟ = كلامهم أقل من كلام ابن عباس ، وهم أعلم منه ، وكذلك كلام التابعين = أكثر من كلام الصحابة ؛ والصحابة أعلم منهم ، وكذلك تابعو التابعين = كلامهم أكثر من كلام التابعين ؛ والتابعون أعلم منهم ؛ فليس العلم بكثرة الرواية(117) ، ولا بكثرة المقال ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبدُ الحقَّ ويميز به بينه وبين الباطل ، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد .
وقد كان النبي - صلي الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم(118) واخْـتُـصِـرَ له الكلامُ اختصاراً (119)؛ ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن اللَه لم يبعث نبيا إلا مبلغاً وإن تشقيق الكلام من الشيطان(120) .
يعني أن النبي – صلى الله عليه وسلم - إنما يتكلم بما يحصل به البلاغ .
وأما كثرة القول وتشقيق الكلام = فإنه مذموم .
وكانت خطب النبي - صلى الله عليه وسلم – قصداً (121). وكان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه(122) .
وقال : إن من البيان سحراً(123) . وإنما قاله في ذم ذلك لا مدحاً له كما ظن ذلك من ظنه ؛ ومن تأمل سياق ألفاظ الحديث قطع بذلك .
وفي الترمذي ، وغيره عن عبد الله بن عمرو - مرفوعاً - ( أن اللَه يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها )(124) ، وفي المعنى أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة عن : عمر ، وسعد ، وابن مسعود ، وعائشة ، وغيرهم من الصحابة .
فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطـه للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك .
وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم ؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله .
ومنهم من يقول : هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين = وهذا يلزم منه ما قبله ؛ لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولا ممن كان قبلهم ؛ فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله = كان أعلم ممن كان أقل منهم قولا بطريق الأَوْلى : كالثوري ، والأوزاعي ، والليث ، وابن المبارك ، وطبقتهم ، وممن قبلهم من التابعين والصحابة – أيضاً - ؛ فإن هؤلاء كلَّهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم ، وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءةُ ظنٍّ بهم ، ونسبته لهم إلى الجهل ، وقصور العلم ، ولا حول ولا قوة إلا باللَه .
ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة : أنهم أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علوماً ، وأقلها تكلفاً .
وروي نحوه عن ابن عمر أيضاً .
وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً ، وأكثر تكلفاً .
وقال ابن مسعوداً - أيضاً - : إنكم في زمان كثير علماؤه ، قليل خطباؤه ، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه ، كثير خطباؤه ؛ فمن كثر علمه ، وقلَّ قوله = فهو الممدوح ، ومن كان بالعكس = فهو مذموم .

الــشَّــــرْحُ
هناك فهم لدى البعض بأن كثرة الكلام = دليل على الأحقية ، وأن من كثر كلامُـه ، وشقق الأساليب ، ونوع الإنشاءات ، ودخل في صنوف البيان ، والبديع ، والكنايات ، وأغرب في ذلك ، وأكثر من التأليف بأساليب مختلفة ، هذا هو المقياس عند البعض في العلم ؛ فيظن أن العلم عند من كثر كلامُـه ، ونسي من يتصور ذلك أن الله – عز وجل – في كتابه قد بين كل شيء في أوجز عبارة وألطف إشارة في كتاب عجزت العرب أن يأتوا بمثل آية ، أو سورة ، أو عشر سور مثله ، بعد أن تحداهم الله به ، وكذا النبي - صلى الله عليه وسلم – أوتي جوامع الكلم ؛ انظر إلى قوله – صلى الله عليه وسلم – مثلا : ( قل آمنت بالله ثم استقم )(125) ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )(126) .
وقوله – صلى الله عليه وسلم - : اتق الله حيثما كنت(127) .
وقوله – صلى الله عليه وسلم - : البر حسن الخلق(128) .
وقوله – صلى الله عليه وسلم - : إن الحلال بَـيِّـن ، وإن الحرام بَـيِّـن وبينهما أمور مشتبهات(129) .
وقوله – صلى الله عليه وسلم - : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك(130) .
وأحاديثه الكثيرة التي توخَّى فيها قلة الكلام مع كثرة الفوائد التي تنتدرج تحت هذا الكلام الوجيز ، من هنا يُـنَـنـَّـبه الإخوة طلبة العلم إلى أن كثرة تشقيق العبارات ليست هي الدليل على سعة العلم ، وإلا فالبعض من الناس يتكلم من الصباح إلى الليل ما يسكت ، أوتي حنجرة ، وأمورا تجعله لا ينتهي من الكلام ، وخير الكلام – كما يقال - ما قلَّ ودَلَّ .
فلا نعبأ بكثرة التشقيقات الواردة في عبارات المتأخرين ، بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – حذر أن يتخلل المسلمُ بلسانه كما تتخلل البقرةُ بلسانها(131) .
وقال : إن أبغض الرجال إلى الله الألد الـخَـصِـم(132) .
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ ] البقرة : 204- 205 [ .
خلاصة هذه المسألة : أن العلم ليس بكثرة الكلام ، وإنما العلم بقال الله ، وقال رسوله ؛ ولذلك يقول عمر بن عبد العزيز في وصف الصحابة : إنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبا ، وأقلها تكلفا ، وأعمقها علما(133) .
وكان أحدُهم لا يتكلم إلا لماما ؛ إذا دعت الحاجة إلى الكلام ، وكانوا لا يكثرون الكلام بدون ضرورة ؛ لأن كثرة الكلام = توقع في الأوهام ، وزوغ الأفهام ؛ فمن كثر كلامه كثر سقطه وغلطه ؛ لذلك يعني روي عن عمر بن عبد العزيز ، وعن الإمام أحمد ، وعن مالك ، وعن غيرهم : أن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا أقل الناس كلاما . ومع هذا هم أنفعهم للناس ، يليهم التابعون ، ثم من جاء بعدهم ، وكلما توسع الناس وتأخروا كلما زاد الكلام الذي في كثير من الأحيان ليس له معنى مفيد .
إذًا العبرة - يا إخواتاه ! - بمدلول الكلام ، لا بكثرة تشقيقه ، وبكثرة نحته .
والسلف خير مثال لذلك ؛ فمن زعم أن المتأخرين أفقه من السلف نظرا لكثرة كلامهم ؛ فقد أعظم على الله الفرية ؛ إذ أن هذا ليس مقياسا ، وإنما المقياس ما دل عليه الدليل من كتاب رب العالمين :
العلم قال الله قال رسوله // قال الصحابة ليس بالتمويه
أما من يجعجع ويطحن كطحن القرون ؛ ثم في النهاية لا توجد نتيجة ملموسة ؛ فإن هذا من أخطر الأمور على الناشئة ، ولا سيما إذا تلقف هذا الكلام عن أولئك المنظِّرين الذين يكتبون بالصفحات ، ويتكلمون بالأشرطة الكثيرة ، يشققون عبارة من العبارات حتى فتنوا الأمة ، وشغلوها بما لا يفيدها ؛ فعلينا أن ندرس سيرة السلف في هذه المسألة ، وأن نتأمل ما قالوه ، وأن نسير على منوالهم في ذلك ؛ حتى نصل إلى بر النجاة – بإذن الله – سبحانه وتعالى - .

الْـمَــتْـــنُ
وقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل اليمن بالإيمان والفقه (134) ؛ وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم ، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ، ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك ؛ وهذا هو الفقه والعلم النافع ؛ فأفضل العلوم في تفسير القرآن ، ومعاني الحديث ، والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق ؛ فضبط ما روي عنه في ذلك = أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه ، إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق بكلامهم وأما ما كان مخالفاً لكلامهم = فأكثره باطل ، أو لا منفعة فيه ، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة ؛ فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله .
ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم به .

الــشَّــــرْحُ
ما زال المصنف يبين أن كلام السلف قليل في مبناه عظيم في معناه ، وكلام الخلف كثير في مبناه ، وقليلة فوائده ، ليبين ما تقدم من القاعدة وهو أن كثرة الكلام ليست دليلا على أن صاحب الكلام الكثير = هو الذي على الحق ، وإنما - في الغالب – صاحب كلام الحق يزن كلامه ، فلا ينطق إلا بكلام قليل مفيد للأمة ، ولا يكثر من الهذرمة والثرثرة التي تخرج حتى عن المالوف ، وإنما كان الصحابة والتابعون فمن بعدهم كانوا أقل الناس كلاما ، وهم أعمقهم علما ، وأقلهم تكلفا ؛ لذلك لابد من البعد عن كثرة الشقشقة التي لا طائل تحتها ، فكلام السلف قليل كثير البركة ، وكلام من جاء بعدهم = كثير قليل البركة (135) ، يستثنى من هذا ما كان شرحا لكلام السلف ، وتوضيحا ، وتفريعا مفيدا للأمة ، كما ستجدون بعض الشروح على بعض المتون للأمة ، أو لأئمة أهل الدين ، وأما الخلط وكثرة إيراد العبارات المترادفة ، والإنشاءات التي ملئت بها بطون الكتب في هذه الأزمنة = فإن ذلك قد شغل الأمة ، مثل ثرثرة الصحف ، كثير من كلامها مكرر لا خير فيه ، والبعض من أصحاب التوجهات الفاسدة الحزبية = يردد كلاما هو هو بأساليب كثيرة ، يفتن بها ضعاف الإيمان ؛ فيتبعونه مع أن كلامه الذي قاله في قالب هذا اليوم = هو نفس الكلام الأول الذي قاله في قالب آخر فيما مضى ، وإنما هو ينوع العبارة ويشققها حتى يسمعه الناس ؛ فيلتفون حوله .
وهذا ليس دليلا على أن من كثر أتباعه هو الذي على حق ، بل الله – عز وجل – يقول ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ] الأنعام : 116 [ .

أشرف السلفي
2009-01-11, 10:29 AM
بسم الله الرحمان الرحيم




الْـمَــتْـــنُ
فمن لم يأخذ العلم من كلامهم = فاته ذلك الخير كلُّـه ، مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم ، ويحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل ؛ فمن لم يعرف ذلك = فهو غير واثق بما ينقله من ذلك ، ويلتبس عليه حقه بباطله ، ولا يثق بما عنده من ذلك ؛ كما يرى من قل علمه بذلك = لا يثق بما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن السلف لجهله بصحيحه من سقيمه ؛ فهو لجهله يُـجوِّز أن يكون كله باطلا ؛ لعدم معرفته بما يعرف به صحيح ذلك وسقيمه .
قال الأوزاعي : العلم ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما لم يجئ عنهم = فليس بعلم (136) .
وكذا قال الإمام أحمد . وقال في التابعين : أنت مخير (137) - يعنى مخيرا في كتابته وتركه - .
وقد كان الزُهري يكتب ذلك ، وخالفه صالح بن كيسان ، ثم ندم على تركه كلام التابعين (138) .
وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأبي عبيد ، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم ؛ فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة ، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ، ونحوهم ، وهو أشد مخالفة لها ؛ لشذوذه عن الأئمة ، وانفراده عنهم بفهم يفهمه ، أو يأخذ مالم يأخذ به الأئمة من قبله .
فأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين ، أو الفلاسفة = فشر محض ؛ وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم كما قال أحمد : لا يخلو من نظر في الكلام من أن يتجهم . وكان هو وغيره من أئمة السلف يحذرون من أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة .

الــشَّــــرْحُ
يؤكد المصنف – رحمه الله تعالى – أن كلام السلف قليل وفيه خير كثير ، وكلام الخلف كثير والغالب فيه أنه لا خير فيه (139) .
وكان الإمام مالك ، وأحمد ، والشافعي ، وعبد الله بن المبارك ، والسفيانان وغيرهم من أئمة الهدى والدين يكتبون كلام أهل العلم القديم ؛ فيستدلون به على المسائل ، ويستفيدون منه ، ولو أنك نظرت إلى الكتب التي يطلق عليها اسم السنة في العقيدة مثل :
( السنة ) للإمام أحمد ، و( السنة ) لعبد الله بن الإمام أحمد ، و ( السنة ) للخلال ، و ( السنة ) لابن أبي عاصم ، و ( الإيمان ) لأبي عبيد القاسم بن سلام ، و( الإيمان ) لابن أبي شيبة ، و( الإيمان ) لابن منده ، و( شرح اعتقاد أصول السنة والجماعة ) للالكائي ؛ لو تأملت هذه الكتب = وجدتها مملوءة بكلام السلف الذي هو قليل وفوائده عظيمة ؛ فقد كان السلف لا يلتفتون إلى بعض كلام المتأخرين الذين وصل بهم الحال إلى الترف الكلامي ، وإلى فضول القول . وصل بهم الحال إلى أن الأشياء التي يجادلون فيها ، أو يناقشون فيها ما هي إلا جدل بزنطي ، حتى إنهم أصبحوا يأتون بمسائل يعني غريبة جدا ، وافتراضات ، واستطرادات ونحو ذلك .
تجد في بعض كتب الفقهاء المتأخرين ما يندى له الجبين ، ولا ينبغي أن يحسب على الفقه الإسلامي ، بينما كلام السلف هو من القلة بحيث يتمكن المسلم من استيعابه في أسرع وقت ممكن .

الْـمَــتْـــنُ
وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام الـمُحْـدَث ، واتبع أهله مِـنْ ذم مَـنْ لم يتوسع في الخصومات ، والجدال ، ونسبته إلى الجهل ، أو إلى الحشو ، أو إلى أنه غير عارف باللَه ، أو غير عارف بدينه = فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ باللَه منه .
ومما أحدث من العلوم : الكلام في العلوم الباطنة من المعارف ، وأعمال القلوب ، وتوابع ذلك ؛ بمجرد الرأي والذوق ، أو الكشف ، وفيه خطر عظيم ، وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيرِه .
وكان أبو سليمان (140) يقول : ربما وقع في قلبي النكتةُ من نُكَتِ القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنة (141) .
وقال الجنيد : علمنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة ، من لم يحفظ الكتاب ، ويكتب الحديث ، ولم يتفقه ، لا يقتدى به (142).

الــشَّــــرْحُ
هنا – أيضا – بعد أن بَـيَّـنَ المصنفُ : أن كلام السلف يتمثل في الإيجاز مع الفوائد الجمة ، وكلام الخلف يتمثل في التوسع مع قلة الفوائد .
وبعد هذا – أيضا - يظن البعض : أن العلم هو في كلام هؤلاء الخلف ، وأنهم بسبب تشقيق الكلام أعلم من السلف ؛ ولذلك لهم مقالة مشهورة ؛ لعلها مرت بكم في الحموية ، عندما قالوا : كلام السلف أسلم ، وكلام الخلف أعلم وأحكم ؛ معنى هذا الكلام : أن كلام السلف أسلم (143) ، يعني مثل ما يقولون في عرفنا الآن : فلان ابن حلال ، يعني أجودي من الأجاويد ، لكن لا يفهم بعض الأمور .
ومثل ما قال أحد المنظرين للحزبيين عن شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى - : إنه رجل موسوعة ، عنده علوم ، ويحفظ المتون ، وطيب لكنه لا يستطيع أن يحل شبهة تعترض سبيله ، ونحن – كما يقول – لا نريد علماء محنطين !! (144) ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ ] الكهف : 5 [ .
فهذا في غاية الخطورة ، كيف كلام السلف أسلم ، وكلام الخلف أعلم وأحكم ؟!!
يعني قولون : إن السلف يقرأون النصوص ولا يفهمون معانيها ، وإن المتأخرين من الخلف : من أهل الكلام والفلفسة = هم الذين توصلوا إلى معرفة حقائق الأشياء ؛ فلذلك قالوا : إنهم أعلم وأحكم ، وسبب قولهم هذا = أنهم فهموا أن السلف لا يعرفون معانِـيَ النصوص ، وأن النصوص عندهم عبارة عن نصوص جوفاء لا يُـفْـقَـهُ لها معنى ؛ حتى جاء المتأخرون من المتكلمين والمتفلسفين ؛ فتوصلوا إلى حقائق الأشياء ؛ فضلوا في فهم طريقة السلف ، وأخطأوا في تصويب طريقة الخلف .
هذا هو الذي أوقعهم في هذا ؛ كيف يكون أفراخ أفلاطون ، وأفراخ اليهود والنصارى ، وأفراخ الأنباط ، والمتشبهون بالفلاسفة والمتكلمين أعلمَ بكتاب الله – عز وجل – من الصحابة والتابعين الذين عن بصيرة كفوا ، وعلى قدم راسخة وقفوا ، والذين هم أفهم الناس ، وأعلم الناس بكتاب الله – عز وجل - وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، وهل كان القرآنُ والسنة ألغازا وأحاجي امتحن بها الناس ، أم كانت كلاما عربيا مبينا واضحا ؛ يفهمه كل من أراد الفهم ؟
إذًا طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم ، أما طريقة الخلف ؛ فإنهم تخبطوا ؛ لأنهم استقوا علومهم من غير القرآن والسنة ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ ] النساء : 82 [ .
هذا ما يتعلق بأهل الكلام .
الفرقة الثانية التي أشار إليها المصنف = الفلاسفة ؛ والفلاسفة ظنوا أن الأمور تخييلية ، وأنه قد قصد بها إصلاح العالم ، وإلا فلا تقصد حقائقها ؛ فأدى بهم ذلك إلى إنكار اليوم الآخر ، وإنكار المغيَّبات .
ثم ضرب مثالا ثالثا للمتصوفة أصحاب الوجد والشوق والذوق ؛ والذين يحكمون أذواق عقولهم ، وفهمهم في الشريعة ؛ حتى وصل بهم الأمر إلى سقوط التكاليف الشرعية ، بل وصل بهم الأمر إلى أن يقولوا بوحدة الوجود ، وهو :
الرب عبد والعبد رب /// يا لـيت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك حق /// وإن قلت رب فأنى يكلف(145)
وهذا ما توصل إليه القائلون بوحدة الوجود مثل : ابن عربي ، والفارابي ، وابن سبعين وغيرهم من أئمة الضلال .
يقول : لكن كل شيء تراه في الوجود هو الله ، فالجدار ، والحيوانات ، والجمادات ، والنباتات ، والسماوات ، والأرض ، و ... و ... و ... = هذا كله هو الله ! بل قال فيهم ابن القيم – رحمه الله - (146):
يا أمة معبودها موطوؤها
لماذا قال : يا أمة معبودها موطوؤها ؟
لأنهم يقولون : أعلى درجات الاتحاد مع الله = عندما يضاجع أهله !!
هذه أعلى درجات الوحدة مع الرب – سبحانه وتعالى – ؛ تعالى الله عما يقول المجرمون علوا كبيرا .
وقد حشي كتاب ( الإحياء ) للغزالي من هذه الأمور ، كما حشيت ( طبقات الشعراني ) من الكفريات والإلحاديات ، وقد حشيت ( كتب الشعراني) وكتاب ( المشرع الروي في تراجم آل علوي ) (147) ، وجاء أبو يزيد البسطامي الذين يسمونه طيفور الذي هو يعتبر المؤسس للقول بوحدة الوجود الذي يقول : لا تقل سبحان الله ؛ فإنك – حينئذ – تكون سبحت نفسك ؛ وإنما تقول : سبحاني سبحاني ما أعظم شأني ! ونحو ذلك .
إخوتي ترى هذه الأشياء موجودة – الآن – تدرس في جامعات المسلمين في بعض البلاد على قدم وساق ؛ بدعوى أنها من العلوم الشرعية ؛ فمن سلك هذا الطريق = ينتهي به الأمر إلى أن يترك الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ؛ لأنه وصل إلى مرحلة تسقط عنه فيها التكاليف .
كنت في إحدى البلاد الإسلامية ؛ فكان في الشقة التي تحتنا رجل عجوز ، وزوجته عجوز مثله ، وثالثهم كلبهم ، وأولادهم قد ذهبوا إلى أعمالهم وتركوهم ؛ فرأينا ذلك العجوز لا يصلي = جالس على الأغاني والإذاعة ويستمع الغناء ، فقلنا له : يا عم فلان ! لماذا لا تصلي ؟
قال : أنا لا أحتاج إلى الصلاة ! ؛ لأن شيخ الطريقة فلانا يتحمل عني كل شيء ، شيخ الطريقة يتحمل عني كل شيء !
كما أشار الشيخُ – هنا – إلى أنهم يصلون إلى مرحلة يعتقدون فيها سقوط الأمر والنهي ؛ فمثل هؤلاء – ولا شك – قد حادوا عن سواء السبيل ، وبعدوا عن منهج الله الحق ، ولا شك في كفرهم . وتجدهم يتعلقون ببعض الدراويش إلى درجة العبادة ؛ يشربون فضلات غسلهم ، ويتبركون بلعابهم ، وبريقهم ، وعرقهم ، وينطرحون على الأرض بين أيديهم ، ويرون أنهم من أولياء الله الصالحين ، وهم من أولياء إبليس – والعياذ بالله – ؛ فهذا هو الضلال المبين ؛ يعني ألقى الشيطان أغلوطة : أن هؤلاء الأولياء وصلوا إلى مرحلة لا يسألون عما يفعلون .
ترى أحدهم يزني ما تنكر عليه ؛ لأنه يزني في في نظرك أنت ، لكن هو في الحقيقة يسد ثغرة انفتحت على الإسلام – كما يدعون - .
ترى أحدهم يفعل المنكرات = لا تنكر عليه ؛ ولذلك يعتقد بعضهم أن أولياءهم يتصرفون في الكون ، يتصرفون في الكون ، يقول : إن الشيخ عبد القادر ينصب خيمته على متن جهنم ؛ ليخرج أتباعه منها !
ما شاء الله !
طبعا الشيخ عبد القادر – رحمه الله – يبدو أنه بريء من كل ما ينسب إليه .
وقالوا : إنه ذات يوم قبض الملك روح رجل من أتباعه وهو وحيد أمه ؛ فجاء فإذا بالعجوز تبكي ؛ ما الذي يبكيك ؟
قالت : وحيدي فلان أخذه الموت ؛ فطار الشيخ عبد القادر ، ولحق بملك الموت - مع أن هذا الكلام خلاف حتى السنة من بعيد ؛ أن الذين يصعدون بالروح هم ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب - وقال : لماذا تأخذ روح ابن مريدتي فلان ؟
قال : الله أمرني بذلك .
فلطمه على وجهه ؛ فسقطت منه الأرواح جميعا ، وعادت كل روح إلى جسدها !!
أرأيتم هذا الهراء ؟!
وفي كتاب موجود في مكتباتنا اسمه ( المشرع الروي في تراجم آل علوي ) هذا الكتاب مليء بالأباطيل .
يقول : إنه يوم من الأيام أراد أن يؤدب تلاميذه ؛ فبحث عن – أنا والله لا أذكرها على سبيل القَـصص يا إخوان ، والله لا أذكرها على سبيل القصص ، لكن تمثيلا لما ذكره المصنف – رحمه الله – مما وصل إليه الناس من الاشتغال بالعلم الذي لا ينفع ؛ فهم اشتغلوا بهذه العلوم الشيطانية التي زينها لهم الشيطان وأغواهم .
يقول : إنه غضب على أحد تلاميذه يوما ؛ فبحث عن عصا يؤذبهم بها ؛ فلم يجد فأمسك بإحليل نفسه ؛ فستطال إحليله (148)حتى صار طوله ستة أذرع ؛ يعني : لَيْ ( خرطوم ) ؛ فجلدهم به حتى شفى غليله ؛ فلما شفى غليله أمسك بإحليله مرة أخرى فعاد كما كان .
يا إخوان أعداء الإسلام عندما يسمعون بهذه الأشياء يظنون أن الإسلام عبارة عن خرافات ، وحكايات من حكايات ( ألف ليلة وليلة ) لا أكثر ولا أقل ، وهذا كثير = الهراء الذي عند المتصوفة ؛ ولذالك قال المصنف هنا : إنهم يعتقدون أن أوليائهم أفضل درجة من الأنبياء والرسل .
يقول ابن عربي نفسه (149):
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
يعني أن أولياءهم يفوقون الأنبياء ، وهذا شابهوا فيه الرافضة ، حيث قال خمينيهم في كتابه ( الحكومة الإسلامية ) (150) : من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل .
رتب على اعتقادهم أن الأولياء أفضل من الأنبياء أنهم نسبوا أن الأولياء ، يقولون للشيء : كن فيكون ؛ ولذلك يقول أحد زعمائهم المعاصرين إبراهيم إنياس (151) :
قد خصني بالعلم والتشريف إن قلت : كن يكن بلا تسويف !
– والعياذ بالله - .
ولو قرأتم كتاب ( طبقات الشعراني ) وكتاب ( المشرع الروي ) وكتاب ( الإحياء ) للغزالي ؛ لوجدتم العجب العجاب من هذا الهراء الذي لا يصدقه عاقل - فضلا عن مسلم - .

الْـمَــتْـــنُ
وقد اتسع الخرق في هذا الباب ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق ودعوى أن أولياء اللَه أفضل من الأنبياء ، أو أنهم مستغنون عنهم .

الــشَّــــرْحُ
قد ضربت لكم أمثلة عن ذلك ؛ حتى إن بعضهم قال : لا يحتاج أن تدعو الله – عز وجل – وإنما يكفيك أن تردد مدح الشيخ – شيخ الطريقة ، وجدنا في بعض الدول الإسلامية وجدناه في : السودان ، وفي نيجيرنا ، وفي السنغال ، وفي الهند ، وفي الباكستان ؛ يكتفون بذكر مشايخ طرقهم والثناء عليهم ؛ ويرون أن هذا يقربهم إلى الله – جل وعلا - .

الْـمَــتْـــنُ
وإلى التنقص بما جاءت به الرسل من الشرائع ، وإلى دعوى الحلول والاتحاد ، أو القول بوحدة الوجود ، وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان .

الــشَّــــرْحُ
وقد ضربت لكم أمثلة في القول بوحدة الوجود ، وكذلك الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي .

الْـمَــتْـــنُ
.... كدعوى الإباحة ، وحل محظورات الشرائع .

الــشَّــــرْحُ
بل قال بعضهم بحل كل شيء ، المهم أن تتبع شيخا معينا تسبح بحمده من دون الله ؛ ثم لك أن تفعل ما تشاء .

الْـمَــتْـــنُ
وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرةً ليست من الدين في شيء :
فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص .
وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس كعشق الصور المحرمة ونظرها .
وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس ، وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة .
وبعضه يصد عن ذكر اللَه وعن الصلاة كالغناء والنظر إلى المحرم ، وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً .

الــشَّــــرْحُ
وصل الحال ببعض المتصوفة ، وأصحاب الوجد والذوق إلى أن يعتبروا ] أن [ المحرمات = هي طريق الوصول إلى الحق ؛ فيبيحون الغناء بدعوى أنه يرقق القلوب ، ويقربها إلى الله ، ويُـتَـوِّبـُون العصاة بالغناء ، وببعض الصياح ، وببعض الهذيان ؛ كما يحصل - الآن - في بعض المراكز ، ويجعلون الأناشيد - وما أشبه الليلة بالبارحة - التي تسمى – الآن – بالأناشيد الإسلامية - البعض منها قد وصل إلى هذه المرحلة ؛ أليس كذلك ؟!
بل ويلحنونها بألحان خطيرة جدا ، بألحان شبان مردان ، أصواتهم تفتن ، لا تقل نعومة وغنجا عن أصوات النساء .
فيقعون من هذا في حبائل الشيطان ، وهذا كثير ، وقفت في أحد المعارض ، في بلادنا - معرض من معارض الكتاب ؛ فسمعت صوتا رخيما عجيبا = يشبه صوت إحدى المغنيات ؛ فهرعت إلى المكان ؛ قلت له : يا أخي ما هذا ؟ هذه امرأة ؛ والله ما ظننتها إلا امراة !
قال : لا يا شيخ ! حرام عليك هذه أناشيد – أناشيد إسلامية !
أناشيد إسلامية بهذا الشكل الغنائي ؟!
هذا في غاية الخطورة ، والآن ملئت بها ساحات التسجيلات ، وكثير منها لا خير فيه ؛ لا في لفظه ، ولا في معناه ، ولا في لحنه .
اللفظ تهييجي خارجي .
والمعني مفسد للقلوب .
واللحن مفسد للقلوب ؛ حيث يجر إلى سماع الغناء .
ويرون أن هذا يرقق القلوب ، ويقربها إلى الله !
أنا أسأل بالله : من لم يرق قلـبُـه لقول الله – تبارك وتعالى – ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ﴾ ] النبأ : 21 [ .
ولمثل قول الله – تبارك وتعالى – ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ ] الهمزة : (8 – 9 [ .
ولقول الله – تعالى - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ ] النساء : 56 [ .
ولقول الله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ ] الهمزة : 1 [ .
ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ﴿ إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ﴾ (152) .
ولقوله – صلى الله عليه وسلم - : ﴿ اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء ﴾ (153) .
ولقول الله – تبارك وتعالى - ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ ] ق : 30 [ .
ولقول الله – تبارك وتعالى – ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ] ق : 18 [ .
ولقوله تعالى ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ ] ق : 21 [ .
وغير ذلك من الآيات .
أنا أسأل سؤالا : من لم يتأثر بهذه الآيات ، من لم يدعه إيمانـُـه بهذه الآيات إلى الإيمان ، وإلى الإقلاع عما هو عليه ؛ هل ستنجح معه الأغاني في رجوعه إلى الله ؟
ولو قدر أنها نجحت وقتا ؛ هل تجعله يثبت على ما هو عليه ؛ أم تجعله يتذبب ويضيع ؟! لا شك تجعله يتذبب ويضيع .
يقول ابن القيم – رحمه الله – في أبيات أوردها في ( إغاثة اللهفان )(154) في الرد على الذين اتخذوا الغناء طريقا للتوبة ، وطريقا لترقيق القلوب يقول :
ألا قل لهم قول عبد نصوح //// وحق النصيحة أن تستمع
مـتـى عـلـم الـنـاس فى ديـنـنا //// بأن الـغـنـا سنة تتبع
وأن يأكل المرء أكل الحمار //// ويرقص فى الجمع حتى يقع
وقالوا : سكرنا بحب الإله ////وما أسكر القومَ إلا القصع
كـذاك الـبـهـائم إن أشبـعـت //// يـرقـصها ريها والشبع
ويـسكـره النـاى ثم الغـنا /// وياسين لـو تليـت ما انصدع
فـيـا للـعـقـول، ويـا للـنهى //// ألا مـنـكـر مـنكم للبدع
تـهـان مساجدنـا بالسما ع //// وتـكرم عن مثل ذاك الـبيـع
نعم ؛ لو سمع سوة ( ياسين ) وغيرها من سور القرآن ؛ ما تأثر قلبـُـه ، ما تأثر فؤادُه ، لكن لو سمع الغناء الذي يسمونه الأناشيد = يرقص طربا ، يرقص ، كنت في أحد المعسكرات الكشفية في بلادنا ، وكان هناك برنامج أدخلوا فيه أغنية سموها أنشودة ، واختاروا طالب علم صوتـُه عذب بالقرآن ؛ إذا قرأ القرآن = لا تريده أن يسكت ، فاختاروه ليفسدوا لسانه ؛ وبالتالي قد ينتقل ذلك إلى فساد قلبه ؛ فلما عجز عن تلحين الأغنية التي سموها أناشيد ، والله أنا أسميها أغاني – حقيقة – هي مثل الأغاني ، واسألوا شيخنا الشيخ صالحا الفوزان عن حكمه في هذه الأناشيد .
جاء الأستاذ المنظر = دكتور تخصصه شرعي في أصول الفقه ؛ ولحن هذه الأنشودة = الأغنية للطالب حتى أتقنها ؛ فلما أتقنها ، ولحنها أمامنا ، واعترضتُ على هذا المشهد .
قال : رئيس المعسكر الكشفي : يا أخي ! اتق الله !
هذه الأنشودة لما أنشدها هذا الولد في المعسكر الكشفي الذي أقيم للمسلمين في قبرص وفيه ثلاثة آلاف نسمة كلهم أجهشوا بالبكاء !!
وكنت أستحضر القصيدة التي أوردها ابن القيم هذه ؛ فقرأتها عليه .
هو يبكي من اللحن أليس كذلك ؟ مِن تأثره بماذا ؟
الآن الممثلات الفنانات ! ترى فنان بمعنى حمار في اللغة العربية – على فكرة – من بعض معاني فنان أي الحمار ، وارجعوا إلى القاموس ، ولسان العرب .
أقول : إن الفنانين والفنانات ، والممثلين والممثلات ؛ إذا مثلوا بعض الأدوار يبكون أليس كذلك ؟
يتأثرون بالمواقف ، تنهمر دموعهم ، وهذا المسكين الذي صُرِفَ عن القرآن إلى الأغاني التي سموها أناشيد ؛ ماذا حصل ؟
تأثروا بتلك الألحان ؛ حتى فتنوا بها ؛ فأصبحت مقدَّمة عندهم حتى على القرآن الكريم ؛ أي نعم ! هذا هو الحاصل ؛ فيبكون ويتأثرون معهم ؛ فَتَلَوْتُ بعض الآيات التي تذكر مشاهد من الجنة والنار ؛ فقلت : هذه التي تلين القلوب ؛ أم تلك الأغنية التي علمتها لهذا الطالب المسكين ؟!
فيجب علينا أن نَـتَـنَـبَّـه ، الأمر في غاية الخطورة ، هذا من العلم الذي لا ينفع – كما نبه المصنف – رحمه الله تعالى – وهذه الأناشيد من العلوم التي لا تنفع .
ووالله وتالله ! أكثر ما أوقع شبابنا في المنهج التكفيري = هي هذه الأناشيد ؛ يغني حتى يسبح في الخيال ! فوق ! يسرح فوق = يظن أنه دخل الجنة بهذه الأناشيد ؛ خلاص !
وتجده يأخذ شهرا ما قرأ آية من كتاب الله ، ولا حديثا من سنة رسول - صلى الله عليه وسلم – .
بينما عنده أربع مئة شريطا في الأناشيد :
في السيارة أناشيد .
وفي البيت أناشيد .
وفي المدرسة أناشيد .
ما بقي إلا المسجد ، بل في بعض البلاد الإسلامية حتى المساجد فيه الطبول والأناشيد والأغاني ؛ فليتق الله المربون الذين فتنوا شباب الأمة بهذه البهرجة ، وبهذه الوسائل الخبيثة المخبثة ، وأن يعيدوهم إلى حظيرة القرآن والسنة ، وإلى منهج السلف الصالح ؛ إذا أرادوا سلامة هؤلاء الشباب .

انتهى الشرح
الأسْـئـــلَـةُ
- يقول السائل : إنه طبيب إخصائي نساء وولادة ، وأن والدته في حالة اضطرارية والمستشفى بعيد ليس قريبا منه ، هل يقوم بتوضيعها هو بنفسها أفيدونا أفادكم الله . يعني أمه في حالة ولادة اضطرارية ؟
- الشيخ : وهو طبيب ! إذا جاز له توليد غيرها ؛ فتوليد أمه من باب أولى – الجواز ، وهذا بشرط أن لا يوجد نساء يُجِدْنَ هذا العمل ؛ فإن وجد نساء يجدن ، فيتقصر عليهن .
- تقول السائلة : إذا كان معها ماجستير دراسات إسلامية هل يحق لها أن تدعو إلى الإسلام ؟
- الجواب : الدعوة إلى الإسلام ليس مرهونا بالماجستبر ، أو الدكتوراه ، نعم هذه لا شك أن ما يحصل في هذه المراحل علوم نافعة - إن شاء الله تعالى – لكن المهم أن نتفقه في الدعوة على منهج السلف الصالح ، أن نتفقه في الدعوة على منهج السلف ، بأن ندرس منهج السلف في الدعوة إلى الله ؛ فندعو إلى الله على بصيرة كما قال الله – سبحانه وتعالى - ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ ] يوسف : 108 [ .
فعلى الأخت الفاضلة – وفقنا الله وإياها للعلم النافع ، والعمل الصالح - أن تجتهد في تلقي العلم عن العلماء الربانيين ، حتى تكون مؤهلة للدعوة إلى الله - عز وجل - .
- يقول السائل : ما حكم الرجل يفضل زوجته على أمه ؟
- الجواب : هذه من المصائب التي ابتلي به الناس ، ولا سيما في هذا العصر ، جاء رجل أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يطوف بالكعبة ويحمل أماه على ظهره ؛ فقال : يارسول الله ! هل أديت حقها ؟
قال : ولا بلحظة ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولا بطلق مما يصيبها عند الولادة ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم(155) . يعني ولا بمقدار ما يصيبها في حال الطلق الذي يأتيها قبيل الولادة ؛ فحق الوالدين عظيم ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة(156) .
فيا من ابتلي بمثل هذه الحال : من تفضيل زوجتك عل أمك ، أقول لك : اتق الله ! ؛ فإن الجنة تحت أقدام الأمهات(157) .
ولا شك أنه يجب أن تعطي كل ذي حق حقه ؛ فتعطي زوجتك حقها ، وتعطي أمك حقها ، ولكن أن يتحول أحدُنا إلى خروف تقوده المراة حيث تشاء ، ولو على حساب ترك والديه = فهذه مصايب عظيمة ، لا ينبغي للمسلم أن يكون جلفا مع امرأته مثل الجاهليين الأوائل ، ومثل بعض الجهلة القدامي الذين كانوا ما عندهم إلا الضرب ، يكسرها بعمود البيت - قديما - ، يأخذ العمود ، عمود بيت الشعر ، ويضربها حتى يكسر عضلاتها ؛ لا !
هذا - أيضا – والعياذ بالله - حيوانية ، وإسفاف ، لكن - الآن - انعكس الأمر : قديما يجفون زوجاتهم ، الآن تقودهم بعض زوجاتهم إلى عصيان أمهاتهم ، حتى أن البعض قد يُـلْـجَـأ إلى أن يجعل أبويه ، أو أحدهما في دار الرعاية – والعياذ بالله - وفي دار العجزة ، وهذه مصيبة عظيمة ، مصيبة عظيمة ، أين نحن من الرجل الذي وقف وصبيته يتضاغون تحته ، وقف بالإناء حتى أصبحا عند الصباح فشربا ؛ ففرج الله عنه بذلك ذلكم الهم الذي أصابه بإزالة الصخرة(158) ، فعلى المسلم أن يتقي الله – عز وجل - وأن يعطي كل ذي حقه ، كما أنني - هنا - أوجه – أيضا - نداءً للأمهات الفاضلات : أن لا يكلفن أولادهن ما لا يطيقون ؛ لأن بعض الأمهات - وهن قلة – قد تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ؛ فقد تحمل ولدَها على العقوق ، أو تحمله على طلاق زوجته ، وليس من حقها أن تطلب طلاق زوجته بدون وجه شرعي تُعْذَرُ به أمام الله – عز وجل – فيا عبد الله ! أعط كل ذي حقه ، أعط والديك حقوقهما ، وأعط زوجاتك حقن ، ولا تجعل حقا يطغى على حق .
- هناك من يقول : هناك بدعة حسنة ، وبدعة سيئة ؛ فما قولكم وجزاكم الله خيرا ؟
- الجواب : إذا وقفنا على الأحاديث التي تحذر من البدع = يتضح لنا الجواب .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في خطبة الحاجة : إن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة . وفي حديث العرباض : كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة(159) .
وفي حديث أبي هريرة وعائشة – رضي الله عنهما - : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد(160) .
( من عملا عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )(161) .
وفي حديث آخر ( إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته )(162) .
هل جاء في التحذير من البدع أي استثاء يقول : إلا إذا كانت بدعة حسنة ؟
إذًا ما هو مفهوم الأحاديث ؟
أن كل بدعة سيئة ؛ وليست ثمة بدعة حسنة .
ثم إذا أردنا أن نقول : نفرق بين الحسن والقبح ؛ من الذي يحدد الحسن والقبح ؟
كيف نعرف أن هذا العمل : حسن ، أو قبيح ؟
بالرجوع إلى الكتاب والسنة ؛ فإذا كان الكتاب والسنة قد حسّـنا عملا ؛ فكيف نسميه بدعة ؟! ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول : وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ؟!
وقد قبح الكتاب والسنة جميع البدع بلا استثناء ؛ فلنحذر من هذه الشبهة الخبيثة .
- أنا طالبُ علمٍ حديثُ الاستقامة ما هي الكتب التي تنصحوننا بقراءتها ، وكذلك أرجو أن تذكر لنا كتابا يبين لنا أسماء الفرق الضالة وعقائدها ؟
- الجواب : أما الكتب التي أنصحك بالبدء بها فأولها كتاب الله – عز وجل – تجتهد في حفظه ، أو فهمه – على الأقل - وتحفظ منه – على الأقل – ما تستعين به على عبادتك ، وكذلك يمكن أن تبدأ بـ ( الأربعين النووية ) وفي التوحيد تبدأ بـ ( الأصول الثلاثة ) وبكتاب ( التوحيد ) المجرد بدون شروح ، وفي الفقه تبدأ بكتاب ( المخلص الفقهي ) ( العبادات ، قسم العبادات ) لمعالي شيخنا فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ؛ ثم بعد ذلك إذا اتقنت هذه ؛ إن شاء الله – نوجهك إلى ما بعدها من الكتب الأخرى .
- هناك من يستخدم النكت وكثرة الضحك ، والتمثيل في الدعوة إلى الله – عز وجل – فما قولكم ؛ وجزاكم الله خيرا ؟
- الجواب : الحقيقة أن هؤلاء الناس قد تحولت دعوتهم إلى تمثيليات ، أقرب ما تكون إلى التمثيل ، والتمثيل كذب ، ويُـضَـيّـعون الأوقات بهذه النكت ، أنا لا أمنع أن يتخلل الدرس طرفة = توقظ النِّـيَام ، والأولى أن يكون لها علاقة بالدرس ، لكن أن يتحول الدرسُ – كلُّه – إلى مسخرة ، وإلى مهزلة ، ومع هذا تجد هؤلاء يحضر لهم الآلاف ، ولو دعي سماحة المفتي = لما حضر له مئة أو مئتان !
هذا هو الواقع ؛ وهذا ناتج عن خلل في الدعوة الله – عز وجل - أكثر الوسائل التي تستخدم = ليست وسائل دعوية صحيحة ؛ سواء كان منها : التمثيليات ، أو الأناشيد ، أو الإفراط في ذكر القصص ، أنا لا أمنع أن تذكر قصة ، أو قصتين للعبرة ، لكن أن يتحول الدرسُ – كلُّه – إلى قصص ، وقد كان السلف يضربون الوعاظ القُصَّاص الذين لا يعتمدون على قال الله ، وقال رسوله ، وإنما يعتمدون – فقط - على القصص ، والإفراط في القصص ؛ فعلى المسلمين أن يؤتوا البيوت من أبوابها ، ووسائل الدعوة توقيفية ، أما ان تتحول الوسائل إلى : تمثيليات ، وأغان ، وصياح ، وتقليد ، وتفحيط = فالحقيقة هذا لا يصلح أبدا ، وليس من وسائل الدعوة .
- هل في هذا البيت من خطأ عقدي :
أن تدخلني ربي الجنة ذلك أقصى ما أتمنى .
- الجواب : أن تدخلني ربي الجنة ذلك أقصى ما أتمنى ؟
يجب أن يطلب رضا الله قبل ذلك ؛ لأنه هو الذي يوصل إلى الجنة ، اطلب رضا الله ، وحب الله ورسوله ؛ فهذا يدخلك إلى الجنة ، ولا شك أن الجنة مطلوبة .
والرسول - صلى الله عليه وسلم – قال لرجل : كيف تقول في الصلاة ؟
قال : أتشهد ، وأقول : اللهم إني أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار ، أما إني لا أحسن دندنتك ، ولا دندنة معاذ .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : حولها ندندن(163) .
أنا لا يظهر لي – فيه - كبير مخالفة ، لكن الأولى أن تكون الغاية القصوى هي عبادة الله – جل وعلا – وهي متضمنة للظفر بالمرغوب والحذر من المكروب .
- السائل : بالنسبة يا شيخ ! قول المعتزلة : في نفي الرؤية لله – عز وجل – كما قال الزمخشري : فوز ليس بعده فوز ؟
- الشيخ : هذا قاله الزمخشري عند قول الله – تبارك وتعالى – ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ ] آل عمران : 185 [ .
قال : وأي شيء أعظم من هذا ؟ وأي فوز أعظم من هذا ؟ ماذا يقصد ؟
إنكار رؤية الباري – سبحانه وتعالى – ؛ فإذا كان القائل لهذا البيت يعني مثل هذا المعنى ؛ فلا شك أن هذا إلحاد ولا يجوز .
- ما رأيكم في قناة المجد الفضائية وجزاكم الله خيرا ؟
- : أنا لم أسمعها كثيرا ، لكن يلفت نظري فيها ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أنه يتكلم فيها من هب ودب ؛ فيتكلم فيها السلفي والخلفي ، وقد طُلِـبَ مني أن أشارك ، وأنا متردد حتى الآن ؛ ومع أنه قد ألح عليّ ، وربما أشارك بكتاب من كتب التوحيد ، لكن ما زال عندي شيء من التردد ، وإذا كان قد ابتلي بها المرء يسمع كلام مشايخنا الذين – قد – يظهرون فيها ، ويبتعد عما سواه .
إذًا أخشى أن تكون في أغلب الأحيان = دعاية لبعض المنـظِّـرين الذين ينـظِّـرون للخوارج من طرف خفي ، وهذا حاصل ؛ لأن فيها تمجيدا لبعض الرموز .
الأمر الثاني : الذي يلفت النظر : أن وسائل الدعوة المتخذة عندهم منها : التمثيليات ، والتمثليلات كذب ، وأنا أسمع أن فيها تمثيليات ، وأنا لم أقف على هذا .
والأمر الثالث : يدعون أنهم ألغوا الموسيقا ، وأحدثوا موسيقا بالفم ؛ فهم يصنعون موسيقا بأفواههم ! يعني هي موسيقا أكثر ما تعلموها من : تري رم ، تري رم ، ونحو ذلك !
فإذًا هذه أشياء تلفت النظر ؛ ونسأل الله القائمين عليها لتوجيهها التوجيه الصحيح ؛ لأنها قد ملأت البيوت – الآن - .
- ما حكم القروض البنكية ، والأسهم المتداولة ؛ علما بأن هناك من يقول : بتحليلها ، أو تحريمها ؟
- الجواب : كلمة القروض خطيرة ؛ إذا كان يعني بالقرض : أن البنك يقرض بفائدة ؛ فهذا هو الربا بعينه ، لكن بعض الناس يطلق ( القروض ) ويريد بها تداول ، أو بيع الأسهم بأجل ، أو أخذ سلعة بأجل من البنك ، ومثل هذه أفتى علماؤنا أنه لا شيء فيها ؛ إذا تجنب الشركات المحظورة الربوية ، أو التي تشتري المحرمات ، وارجعوا إلى اللجنة المشكلة ، ومنهم فضيلة الشيخ عبد الله المنيع – وفقه الله تعالى - .
- ما حكم من يترحم عن النصارى والرافضة ، ويدعي العلم ؛ وجزاكم الله خيرا ؟
- الجواب : أعوذ بالله ! هذا جاهل ؛ إن كان جاهلا = يعلم ، وإن كان معاندا مكابرا ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
- أصحاب وحدة الأديان من أمثال الترابي وغيره يقولون بهذا ، بل هناك دعوات نشأت في الكويت ، وفي غير الكويت في أنه لا يجوز أن نقول لليهود : كفار ، ولا للنصارى !
ولا شك أن من لم يكفر الكافر فهو كافر ؛ فيجب أن توضع النقاط على الحروف ، والرافضة هم شر من اليهود والنصارى ، لكن وضعهم بيننا كوضع المنافقين في عهد النبي – صلى الله عليهم وسلم – ؛ يجب أن نداريهم ولا يجوز أن نستفزهم درءًا للفتنة ؛ فهم يعيشون بيننا ، ونعاملهم كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعامل المنافقين ، نداريهم ، ولا نستفزهم ، ولكن لا نمكنهم من تبليغ دعوتهم ، بل نكن على حذر منهم ؛ فلا شك أن الترحم على الكفار = اعتداء ، وجهل مركب ، وإن كان يترحم عليهم من واقع مودة لهم في قلبه = فهو كافر ، يعني إن كان يودهم ويحبهم في قلبه ؛ فهو كافر ، لا شك في ذلك .
وما دام سئل عن هذا السؤال أحب أن أبين – من باب : سبحان الله ! إنها صفية ، تعرفون الحديث ؟!
لما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسجد وعنده أزواجه فَرُحْنَ فقال لصفية بنت حيي : لا تعجلي حتى أنصرف معك ، وكان بيتها في دار أسامة ؛ فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - معها ؛ فلقيه رجلان من الأنصار ؛ فنظرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أجازا .
وقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - : تعاليا ! إنها صفية بنت حيي .
قالا : سبحان الله يا رسول الله !
قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا (164) .
أذكر هذا ؛ لأنه أشيع عني من قبل أحد الكذابين الأفاكين في المدينة ، وما أكثر الأفاكين ! أشيع عني أنني قلت : إن بابا الفاتيكان في الجنة !
وإني أقول لكم – كما قلت في مناسبات أخرى - : أسأل الله أن يُريني في هذا الكذاب عجائب قدرته ؛ فقد افترى عليَّ ، هل يمكن - أو هل يتصور عاقل - أن يقول مسلم – فضلا عن طالب علم - ونرجو أن نكون طلاب علم – : إن زعيم النصارى من أهل الجنة ؟!
فهذا – والعياذ بالله – من إرجاف المرجفين ؛ وما أكثر المرجفين ! لا كثرهم الله .
- أقول – أحسن الله إليكم - : هناك من يتهم الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى - بالإرجاء ؟
- الجواب : شيخنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني شيخ السنة وإمام أهل الحديث ، وقِرْنٌ وأخ لمشايخنا : الشيخ ابن باز – رحمه الله - ، الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – ، كلهم قد خدموا السنة ، وقدموا الكثير ، و ( كلمة أظنها الشيء ) الكثير في خدمة المنهج الحق ، والسنة النبوية ؛ فهذا القول = افتراء ؛ نتج عن إجمالات في مسألة عند الشيخ ؛ عندما يقول : إن العمل في الإيمان شرط كمال ، ونحن لا نقر الشيخ على الكلمة ، نحن نقول ما قاله السلف : العمل من الإيمان ، والإيمان قول وعمل ، ومن أخرج العمل من الإيمان بالكلية فهو مرجئ ملحد .
- وربما جرأ البعض رأيُه في حكم تارك الصلاة تهاونا ، ونحن وإن كنا نخالفه في هذا ؛ فنعتقد أن تارك الصلاة – تهاونا – يكفر ، ويخرج من دين الإسلام ، لكن هذه المسألة للشيخ فيها سلف أم لا ؟
نعم ؛ مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، ورواية عن أحمد كلهم يرون هذا الرأي ؛ فإذا قلنا : إن الألباني مرجئ في هذه المسألة = لابد أن نقول ذلك – أيضا - عن مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة .
والحق أن هذا ليس من الإرجاء في شيء ؛ هذا اختلاف في هذه المسألة – قديما وحديثا – اختلاف في مسألة تارك الصلاة – تهاونا - .
في الحقيقة نحن - مع ضآلة علمنا - مع من يقول : إن تارك الصلاة يكفر ، ولا شك ، بل لا أكاد أشك في كفره ، من ترك الصلاة - ولو تهاونا - كفر ، لكن هل إذا اقتنعت بهذا الرأي ألزم العلماء الربانيين القدامى ، ومن السلف الصالح بأن من خالفني في هذا الرأي = يكون مرجئا ؟!
لا ؛ هذا لا يجوز ؛ لكن المسألة تزعمها بعض شذاذ الآفاق من الجهلة ، وبعض الحداديين ، بدأ بها محمود الحداد ، وسلكها بعض الناس من بعده ؛ ونقول لهؤلاء قول النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن الله : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب(165) .
والله يا إخوتاه ! في السنة التي حمل فيها بعض الشذاذ على الشيخ ناصر ؛ بعدها بأسابيع قليلة رشحته الدولة - وفقها الله – لجائزة الملك فصيل في خدمة السنة ؛ فأخذها وهو أهل لها – رحمه الله رحمة واسعة - ؛ فالمسؤولون – وفقهم الله – يعرفون أنه عالم من كبار علماء المسلمين ، ولا يسمعون إلى نعيق زيد ، أو عمرو ممن يصفونه بالإرجاء .
وكم من عائب قولا صحيحا //// وآفته من الفهم السقيم
والقائلون بهذا لا يخرجون عن ثلاثة أصناف :
- إما جاهل إمعة كالببغاوات يقلد الناس فيما يقولون .
- وإما مريض في قلبه مرض على أهل العقيدة ؛ فيريد أن يسقط علماءهم .
- وإما أنه صاحب مصلحة وهوى ؛ يريد أن يتوصل بهذا إلى التزلف ، ويستغل بعض الأمور ؛ ليركب مطية الشيطان هذه .
- أُثِـرَ عن مجاهد في مسألة المقام المحمود وهو إجلاس النبي – صلى الله عليه وسلم – على العرش ؛ فما هو الصواب في هذه المسألة ؟
- الجواب : الصواب – فيما يبدو – في مسألة المقام المحمود : أنه الشفاعة العظمى التي يتخلى عنها أولي العزم من الرسل ، والتي طالب النبي منا أن ندعو له بها ، وهي متحققة – بإذن الله تعالى – ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ ] الإسراء : 79 [ ؛ فيقول العلماء : عسى من الله واجبة ؛ يعني متحققة ، ليس المقصود بالوجوب على الله ؛ أنه يلزمه أن يفعل كذا ، وكذا ؛ لا ! لكن من الله ثابتة لا شك فيها ، وهي الدرجة العالية الرفيعة ، الشفاعة الكبرى ؛ وكذلك هو يعطى أعلى مكان في الجنة ، أما الإجلاس على العرش ؛ فالأحاديث الواردة فيه أحاديث لا تصح ؛ فلا نشغل أنفسنا بها .
- نحن نحضر الدروس من العصر إلى العشاء ؛ فهل نحتسب هذا بنية الاعتكاف ؟
- الجواب : نرجو الله – عز وجل – أن يكتب لكم ذلك ، وتعلم ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، ، وذكرهم الله فيمن عندهم )(166) هذا أمر عظيم جدا ؛ فسواء يطلق عليه اسم الاعتكتاف ، أم لم يطلق ؛ فأحسن ما فيه أنه تنطبق عليهم هذه البشائر الأربع – إن شاء الله – في هذا الحديث .
- يقولون : إن القمر غير مضيء ، والنور الذي ينبعث منه ناتج عن انعكاس شعاع الشمس ؛ فما رأيك في هذا القول ؟
- الجواب : الله أعلم ؛ لا أقول أكثر من ذلك .
- هناك كتاب للشيخ حمود التويجري – رحمه الله – في أن الأرض ثابتة لا تدور ؟
- الجواب : أنا كنت أشرتم لكم إلى قول شيخنا الشيخ ابن باز – رحمه الله – وكذلك لشيخنا الشيخ حمود – رحمه الله – في هذه المسألة ، ومع جلالتهما ؛ فإن الذي يظهر – والله أعلم – هو التوقف في مسألة دوران الأرض ؛ وأن لا نعرض النصوص لأن تتناقض ؛ فالتوقف هو الأولى ، لكن نحن نثبت أن الشمس تجري ، وأن القمر يجري ، وأن الكواكب تجري ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ ] ياسين : 40 [ هل تدخل الأرض مع هذه ، أو لا تدخل ؟! أيضا أقول في ذلك : الله أعلم .
- يقول : ما رأيك فيمن يطعن في الصحابة – رضي الله عنهم - كأبي بكر وعمر ، وغيرهما ؟
- الجواب : الذين يقعون في الصحابة ثلاثة أصناف :
- الرافضة وهؤلاء كفّروا أكثر الصحابة ، واعتقدوا ردتهم إلا أربعة ، أو سبعة ، أو أربعة عشر منهم ، يستثنون ذلك ، وهؤلاء لا ينظر فيهم إلى مذاهبهم – أصلا لأنهم مخالفون للمسلمين – جملة وتفصيلا – .
- ثم - أيضا - الخوارج ؛ صح لا يسبون أبا بكر وعمر ، لكن يكفرون عليا ، وعثمان ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وغيرهم ، وهم النواصب ، هؤلاء - أيضا – توقف بعض المسلمين في تكفيرهم ، وممن توقف فيهم علي – رضي الله عنه – مع أنهم قد كفروه ، وأنا أشهد على شيخنا الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – أنه كفرهم ، كفر من ؟ كفر الخوارج ، قبل وفاته بسنة ، سمعت ذلك من فيه ، ونحن في مكتبه في مدينة الطائف ، والعلماء لهم في تكفيرهم قولان :
الرافضة لا شك في كفرهم وإلحادهم وبعدهم عن الدين ، لكن – كما قلت - : يعاملون كما يعامل المنافقون ، لكن الخوارج يتوقف بعض أهل العلم ، ويكفرهم آخرون ، ولا يرى تكفيرهم آخرون ؛ فيهم ثلاثة أقوال ، وأنا - مع سماعي لفتوى شيخنا – فإني ما زلت أتوقف في الحكم عليهم .
وهناك صنف ثالث لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء أخذ بعض القصص التاريخية ، وهو في الجملة منتسب إلى أهل السنة ، لكن أخذ بعض القصص التاريخية مسلمة ؛ فنتج عن هذا أنه كفر بعض الصحابة ، وضلل بعضهم ؛ فقال عن عصر عثمان : إنه عصر فجوة ، وأن عثمان ظالم ، وأن خلافته ضعيفة ، وأنه ليس أهلا للخلافة ، وأنه محاب لأقاربه ، أخذ هذا من أكاذيب الرافضة ، ثم كفر معاوية وعليا ، وقال بكفر كل من شارك في صفين والجمل ، وتعلمون أن بينهم من الصحابة ، بل بينهم ممن هو مبشر بالجنة ؛ فهؤلاء الناس بثوا في كتبهم هذه الأمور ، والعجيب أن البعض لا يريد أن يُـتكلم فيهم ، ولا في بيان هذه الأمور ، ونحن عندما نتكلم فيهم ، لا نتلكم في مآلهم ، ولا في مصيرهم عند ربهم ؛ فنكل أمرهم إلى الله – عز وجل – ؛ لعلهم جهلة ؛ فيعذرون ، الله أعلم بحالهم ، نقول : أمرهم إلى الله ، لكن هل يصح السكوت عن ما عندهم من أخطاء في العقيدة ؟!! كتكفيرهم بعض الصحابة ، أو نيلهم من بعض الأنبياء كموسى – عليه السلام - ، أو دعوتهم إلى الاشتراكية في بعض كتبتهم ، أو نفيهم أسماء الله وصفاته ، وتأويلها ، أو قولهم بوحودة الوجود ، أو نحو ذلك ، هذا أمر لا يجوز السكوت عليه .
قد يبين المسلم الخطأ الذي عند الصحابة والتابعين ؛ فما بالك بكاتب جاهل جاء بعد أكثر من ألف وثلاث مئة سنة ؛ ثم أخذ يصدر أحكامه على الصحابة ؟!!
فينبغي أن نَـتَـنَـبَّـهَ لهذا ، وإن كان لا يعجب بعضَ الناس هذا الكلامُ ، لكن نحن نقول الحق ، ولا نبالي به ؛ صحيح نحن لا نرى كفره ، كما يتهمنا بعضُهم بأننا نكفره ، الذي يبدو أنه بعيد عن العلم الشرعي ؛ فيتوقف في أمره ، ويوكل أمره إلى ربه ، لكن فتاواه هذه لابد أن تبين للأمة ؛ حتى لا ينخدع الناس بها .
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد .

انتهت

أشرف السلفي
2009-01-11, 10:30 AM
بسم الله الرحمان الرحيم



بسم الله الرحمان الرحيم

الحواشي :

(1) كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح ؛ انظر ( السلسلة الصحيحة ) رقم (204) .
(2) انظر ( مجموع الفتاوي ) (4/149) .
(3) انظر ( السلسلة الصحيحة ) رقم (2735) .
(4) انظر التعليق السابق .
(5) ( السلسلة الصحيحة ) رقم (699) و (700) فالحديث صحيح ثابت ، لكن بلفظة ( الناس ) بدلا من ( القرون )؛ فإنها ليست في شيء من كتب الحديث .
(6) المشهور أنه من قول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وليس حذيفة – رضي الله عنه – وهذه الجملة من الأثر أخرجها المروزي في ( السنة ) برقم (86) ، واللالكائي في ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة ) برقم (108) .
(7) أخرجه ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله ) برقم (1810) وانظر تعليق المحقق عليه .
(8) انظر التعليق السابق ، والتعليق رقم (136) .
(9) أخرجه أبو خيثمة في ( كتاب العلم ) رقم (54) بإسناد صحيح .
(10) متفق عليه من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه - .
(11) أخرج الدينوري في ( المجالسة وجواهر العلم ) (2/186) عن ابن المبارك – رحمه الله – أنه قال : لا يزال المرء عالما ما طلب العلم ؛ فإذا ظن أنه قد علم ؛ فقد جهل .
(12) أخرجه أحمد ، وابن ماجه ، والنسائي في الكبرى والطيالسي في مسنده ، والطبراني في الدعاء ، وغيرُهم ، وما بين معقوفتين للطبراني في الدعاء والطيالسي ، والحديث حسن ، انظر ( نتائج الأفكار ) انظر (2/329) للحافظ ابن حجر .
(13) متفق عليه من حديث معاوي بن أبي سفيان – رضي الله عنهما - .
(14) إشارة إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – الذي رواه أحمد ، والطيالسي برقم (2407) وغيرُهما ؛ والذي جاء فيه : يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون مع بقيتهم الدجال . وقال الهيثمي – رحمه الله - في ( مجمع الزوائد ) (6/344) : رواه الطبراني وإسناد حسن .
(15) وردت روايات كثيرة في هذا الباب ، وتجد كثيرا منها في صحيحي البخاري ومسلم .
(16) أخرجه مسلم برقم (223) عن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه - .
(17) أخرجه البخاري ، وغيرُه عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما - .
(18) أخرجه مسلم برقم (1905) عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
(19) كما قال ابن سيرين – رحمه الله – وغيرُه : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . مقدمة صحيح مسلم (1/14) ، وللشيخ أحمد بن عمر بازمول – حفظه الله – شريط طيب بعنوان ( إن هذا العلم دين ) .
(20) إشارة إلى الحديث الثابت الذي رواه غير واحد من الصحابة – رضوان الله عليهم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وهو قوله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . رواه جمع من أهل العلم . وقد صححه جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد وابن عبد البر ، وابن القيم ، وابن الوزير ، والقسطلاني وغيرهم ، وقد أفرده بالتصنيف غير واحد من أهل العلم ، ولشيخنا الشيخ سليم الهلالي – وفقه الله – جزء حديثي طبع في مجلدع عن مكتبة الفرقان / الإمارات بعنوان ( إرشاد الفحول إلى تحرير النقول في تصحيح حديث العدول : رواية ، ودراية ، ورعاية ) .
(21) برقم (2722) .
(22) أخرجه الترمذي (3482) ، والنسائي (8/255) ، وابن ماجه (250) وأبو داود (1533) وغيرهم عن أنس – رضي الله عنه - .
(23) في ( السنن الكبرى ) برقم (7818) .
(24) برقم (3843) .
(25) برقم (3593) .
(26) في ( السنن الكبرى ) برقم (7819) .
(27) لعله في كتابه ( رياض المتعلمين ) لأن الحافظ ابن رجب – رحمه الله - قد نقل عنه – هنا - في هذا الكتاب ، أما جملة ( اللهم إنا نسألك إيمانا دائما ) فقد رواها أبو نعيم في ( الحلية ) (6/179) بسند ضعيف ، وروى ابن أبي شيبة في ( الإيمان ) برقم (106) بسند صحيح عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه كان يقول : اللهم إني أسألك إيمانا دائما ، وعلما نافعا ، وهديا قيما . قال معاوية : فنرى أن من الإيمان إيمانا ليس بدائم ، ومن العلم علما لا ينفع ، ومن الهدي هديا ليس بقيم .
قلت ( أشرف ) : معاوية هو ابن قرة الراوي عن أبي الدرداء .
(28) برقم (4911) .
(29) اختلف أهل العلم في حكم استتابة الساحر ، وقبول توتبه ؛ والذي عليه جمع من أهل العلم – قديما وحديثا – أنه لا يستتاب ، ولا تقبل توبته ، وهو قول الإمام مالك – رحمه الله - .
(30) أخرجه بهذا مسلم برقم (1978- وما بعده) ، وغيرُه عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - .
(31) انظر حاشية رقم (28) .
(32) سيأتي تخريجه عند رقم (127) .
(33) انظر ( السلسلة الضعيفة ) رقم (3872) .
(34) أخرجه أبو داود برقم (2885) ، وابن ماجه برقم (54) .
(35) أخرجه أحمد (2/374) ، والترمذي برقم (1979) .
(36) هناك جمع من الرواة ممن صحت روايتهم عنه ، غير العبادلة .
(37) انظر ( الدر المنثور ) (3/34) و ( فيض القدير ) (3/256) و ( كنز العمال ) (10/219) .
(38) أخرجه ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله ) برقم (1475) بإسناد حسن .
(39) هو حرب بن إسماعيل الكرماني ، من أصحاب الإمام أحمد توفي سنة (280) هجرية ، وله مسائل عن الإمام أحمد طبع جزء منه بتحقيق ناصر السلامة ، وطبع عن مكتبة الرشد .
(40) قال الشيخ صالح – هنا - إذا أطلق إسحاق دون أن يذكر اسم أبيه ؛ فالغالب أن المعني به إسحاق بن راهُويَـه .

(41) انظر ( الدر المنثور ) (3/34) .
(42) أخرجه الطبرلني في ( الكبير ) (10980) وهو موضوع ، علته خالد بن يزيد العمري ، وهو كذاب ، كما في ( المجمع ) (5/117) ، وانظر ( الدر المنثور ) (3/35) و ( كنز العمال ) (10/218) ، لكن أخرجه عبد الرزاق في (المصنف ) (11/26) والبيهقي (8/139) وابن عبد البر (2/39) بإسناد قوي .
(43) برقمه (3905) وإسناده صحيح .
(44) برقم (3907) وهو ضعيف .
(45) انظر ( أبجد العلوم ) (2/551) .
(46) انظر ( المغني ) (1/440) .
(47) انظر كلام البغوي في (شرح السنة ) (2/183) حول هذه المسألة .
(48) انظر جواب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا في ( شرح حديث النزول ) (101-107) طبع المكتب الإسلامي .
(49) منهم أبو بكر ، كما أخرجه الإمام مسلم في ( صحيحه ) (2490) من حديث عائشة .
(50) رواه الخطيب البغدادي في ( اقتضاء العلم العمل ) برقم (150) ؛ قلت ( أشرف ) : قال الشاطبي – رحمه الله – في كتابه ( الاعتصام ) (1/334-335) طبعة الدار الأثرية : وما ذكر عن القاسم بن مخيمرة قد رجع عنه ؛ فإن أحمد بن يحيى ثعلباً قال : كان أحد الأئمة في الدين يعيب النحو ويقول : أول تعلمه شغل ، وآخره بغي يزدري العالم به الناس ، فقرأ يوماً : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) ؛ فقيل له : كفرت من حيث لا تعلم ! تجعل الله يخشى العلماء ؟! فقال : لا طعنت عن علم يؤول بي إلى معرفة هذا أبداً .
قال عثمان بن سعيد الداني : الإمام الذي ذكره أحمد بن يحيى هو القاسم بن مخيمرة . انتهى .
وانظر كلام الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – في ( حلية طالب العلم ) ص (60) طبعة مؤسسة قرطبة حول كلام القاسم بن مخيمرة هذا .
(51) انظر ( مسائل الإمام أحمد ) (2/167) رواية ابن هانئ .
(52) انظر ( السلسلة الصحيحة ) (1/558-560) رقم (276) .
(53) أورده البخاري معلقا بصيغة الجزم عن قتادة – رحمه الله - .
(54) أخرجه أحمد ، وأبو دواد ، وابن ماجه ، وغيرهم .
(55) متفق عليه من حديث زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه - .
(56) أخرجه مسلم برقم (934) عن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه - .
(57) أخرجه النسائي ، والترمذي وابن ماجه ، وغيرهم انظر ( إرواء الغليل ) رقم (292) .
(58) أخرجه الترمذي عن أبي ذر – رضي الله عنه – انظر ( صحيح الترمذي ) رقم (2186) و (3227) .
(59) ص (43) طبعة العبيكان / تحقيق السعوي .
(60) يبدو أن الرجل - بحسب اللهجة التي قال بها الشيخ هذه العبارة – من أهل سوريا ، والله أعلم .
(61) رواه ابن حبان (1824- موارد ) والطبراني في ( الكبير ) (12/162) والبزار كما في ( المجمع ) (7/202) ، وصححه ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
(*) كذا الأصل ، ولعله سبق قلم ؛ صوابه : مرفوعا ، والله أعلم .
(62) رواه الطبراني في الكبير ، وغيرُه ، انظر ( السلسلة الصحيحة ) (1/75-80) رقم (34) .
(63) رواه الخطيب البغدادي في كتاب ( النجوم ) كم ذكر السيوطي في ( الدر المنثور ) (3/35) ، وأخرجه بسند ضعيف السهمي في ( تاريخ جرجان ) ص (429) مرفوعا عن ابن عباس .
(64) سيأتي تخريجه – إن شاء الله - .
(65) انظر ( كشف الظنون ) حيث ذهب إلى أن هذا الكتاب منحول عليه ؛ وللفائدة فإن للملطي كتابا في الرد عليه اسمه ( اقضاض البازي في انفضاض الرازي ) .
(66) هذا إذا ثبت أن هذا الكتاب – أو هذا الكلام – له .
(67) ورحم الله الإمام القحطاني القائل في نونيته :
قـل خير قول في صحابة أحـمــد // وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى // بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فـقـتـيـلهم منـهم وقاتلهم لهم // وكلاهما في الحشر مرحومان
(68) ورحم الله الإمام الطحاوي القائل في عقيدته : وعلماء السلف من السابقين ، ومن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر ، وأهل الفقه والنظر – لا يُذكرون إلا بالجميل ، ومن ذكرهم بسوء ؛ فهو على غير السبيل . ص (104) ( العقيدة الطحاوية : شرح وتعليق ) للإمام الألباني – رحمه الله - .
(69) قال النووي : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم ، بإجماع من يعتد به ( التقريب والتيسير – تدريب الراوي ) (2/674) .

(70) انظر ص (149- وما بعدها) من ( النكت على نزهة النظر ) .
(71) أخرج أبو نعيم في الحلية (9/114) بسنده عن الإمام الشافعي أنه قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : ما تقول في أهل صفين ؟
قال : تلك دماء طهر الله يدي منها ؛ فلا أحب أن أخضب لساني فيها .
وروى (9/129) عن الشافعي أنه قال : سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلى صفين فقال : ... فذكره . غير أنه ذكر ( ألطخ ) بدلا من ( أخضب ) انظر .
(72) طبع الكتاب مرارا منها طبعة الطالبي ، ومنها طبعة الخطيب ؛ وطبعة الطالبي كاملة ، وطبعة الخطيب ناقصة ، لكن عليها تعليقات جيدة .
(73) طبع الكتاب في مجلدين في أكثر من ستين وثماني مئة صفحة عن مكتبة العبيكان بعنوان ( فتنة عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - )
(74) المعروف أن الذي قال هذا هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي – رحمه الله – كما في ( البداية والنهاية ) لابن كثير – رحمه الله – (8/202) دار ابن كثير .
(75) انظر ( ظلال الجنة ) رقم(328) و(338) و (342) وصحيح الجامع رقم (4442) كلاهما للإمام الألباني – رحمه الله رحمة واسعة - .
(76) ويروى مرفوعا ، ولا يصح .
(77) انظر ( شرح العقيدة الطحاوية ) لابن أبي العز الحنفي – رحمه الله – ص (522- وما بعدها) طبع المكتب الإسلامي .
(78) للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر – حفظه الله – دراسة نافعة قيمة حول أثر الإمام مالك – رحمه الله – بعنوان (الأثر المشهور عن الإمام ماالك في صفة الاستواء دراسة تحليلية ) طبعت مفردة عن دار ابن الأثير ، وطبع ضمن ( الجامع للبحوث والرسائل ص (59-192) دار كنوز إشبيليا .
(79) كذا قال الشيخ ؛ والصواب : أن كلا الكتابين لأبي البركات خير الدين نعمان الألوسي ؛ ابن المفسر المشهور صاحب " روح المعاني " .
(80) هو كتاب ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) طبع مرارا .
(81) انظر ص (11) من ( الفتوى الحموية ) طبعة دار ابن حزم و(1/419- وما بعدها ) من ( بيان تلبيس الجهمية ) طبعة مجمع الملك فهد ؛ وغيرها من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - .
(82) بل الأبيات الأولى للرازي ، والثانية للشهرستاني .
(83) انظر ( الفتوى الحموية ) ص (10-11) طبعة دار ابن حزم .
(84) " المواقف " وشروح " جوهرة التوحيد " من الكتب التي عطلت وحرفت عقيدة السلف الصالح ؛ لذا تجد أن أهل العلم يحذرون من هذين الكتابين الخلفيين، وأمثالهما .
(85) أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (5/270 و315) بلفظين قريبين ، وذكره ابن الجوزي في ( سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ) ص (275) بلفظ ( خذوا من الرأي ما قاله من كان قبلكم ، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم ؛ فإنهم كانوا خيرا منكم ، وأعلم . انتهى . وهذا أحد الألفاظ التي رواها أبو نعيم في حليته .
(86) وفي أصول مذهب أهل المدينة كتب جمع من أهل العلم – قديما وحديثا - ؛ ولشيخ افسلام كلام نفيس في مجموع فتاواه (20/294-396) ، وطبعت مفردة بتحقيق أحمد الطهطاوي ! عن دار الفضيلة / مصر .
(87) أخرجه الترمذي وغيره ؛ انظر ( صحيح الترمذي ) رقم (3253) و ( ظلال الجنة ) رقم (101) .
(88) هو معروف الكرخي كما في ( سير أعلام النبلاء ) (9/340) ، وقريبا من هذا اللفظ أخرجه ابن الجوزي في ( مناقب معروف الكرخي وأخباره ) ص (123) .
(89) انظر ( ترتيب المدارك وتقريب المسالك ) للقاضي عياض (1/179) .
(90) انظر ( ترتيب المدارك وتقريب المسالك ) للقاضي عياض (1/190) .
(91) ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض (2/39) .
(92) ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض (2/39) .
(93) ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض (2/39) .
(94) انظر ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض (1/180-185) .
(95) انظر ( صفة الصلاة ) للإمام الألباني – رحمه الله – ، ص (65) طبعة مكتبة المعارف ، و ( بدعة التعصب المذهبي ) لمحمد عيد عباسي – وفقه الله – ص (205) ، وكلاهما عزا هذا القول لـ( البحر الرائق ) لابن نجيم الحنفي !
(96) انظر رسالة أبي الحسن الكرخي في الأصول ص (129-130) المطبوعة مع ( تأسيس النظر ) للدبوسي / طبعة دار الفكر .
(97) وأوضح مثال على ذلك فعل الصحابة – رضوان الله عليهم – فقد أخرج الدارمي برقم (137) بسند صحيح عن ابن أبي ليلى – رحمه الله – أنه قال : لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومئة من الأنصار ، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا يسأل عن فتيا إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا .
(98) انظر ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض (2/181) ، وقد ورد عن الإمام مالك في مثل هذا عدة آثار .
(99) أخرجه أبو داود وغيرُه عن أبي أمامة – رضي الله عنه - ، انظر ( السلسلة الصحيحة ) (1/552-556) رقم (273) .
(100) انظر ( سير أعلام النبلاء ) (8/99) .
(101) وسيأتي مزيد تأكيد من الشيخ - حفظه الله - على قراءة هذا الكتاب الحافل .
(102) أخرجه أحمد في الزهد ص (272) ، وأبو نعيم في الحلية (2/156) .
(103) أخرجه ابن سعد في طبقاته (6/188-199) .
(104) أخرجه ابن بطة في ( الإبانة الكبرى – تحقيق رضا نعسان ) برقم (631) و (632) .
(105) أخرجه ابن بطة في ( الإبانة الكبرى – تحقيق رضا نعسان ) برقم (634) .
(106) أخرجه ابن بطة في ( الإبانة الكبرى – تحقيق رضا نعسان ) برقم (635) والآجري في ( الشريعة ) ص (58) .
(107) أخرجه ابن بطة في( الإبانة الكبرى – تحقيق رضا نعسان ) برقم(644) و (651) .
(108) أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (3/198) ، وذكره الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) (11/285) .
(109) أخرجه أبو داود في سننه رقم (4612) طبعة دار ابن حزم ، وابن وضاح في ( البدع والنهي عنها ) رقم (79) بإسناد صحيح .
(110) متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - .
(111) متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - ، واللفظ لمسلم .
(112) ينسب كثير من أهلم هذه القصة إلى أبي حنيفة – رحمه الله – ولم أقف على ذكر لها في كتب أهل العلم المتقدمين ، ولكني وقفت على قصة مشابهة لها عن تلميذه الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم – رحمه الله – ، وهي : قال طاهر بن أحمد الزبيري : كان يجلس إلى أبي يوسف رجل فيطيل الصمت ، فقال له أبو يوسف : ألا تتكلم ؟
فقال : بلى . متى يفطر الصائم ؟
فقال : إذا غابت الشمس .
فقال : فإن لم تغب إلى نصف الليل ؟!
فضحك أبو يوسف وقال : أصبت في صمتك ، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك ، ثم تمثل :
عجبت إزراء الغبي بنفسه /// وصمتِ الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
أخرجها وكيع في ( أخبار القضاة ) ص (656) وذكرها ابن الجوزي في ( أخبار الحمقى والمغفلين ) ص (116-117) وتحرف – في هذه الطبعة - الزبيري إلى الزهري ، وذكرها ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) (6/383- دار الثقافة ) .
(113) وردت روايات كثيرة عن السلف في ذم السؤال عن المسائل التي لم تقع ، وأفردها بعضهم بتصنيف مستقل .
(114) هناك رسالة نافعة للشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان – حفظه الله – بعنوان ( أخي احذر الإشاعة ) .
(115) وهذا عليه دلائل كثيرة ؛ ومما سمعته من شيخنا أيي أنس محمد آل نصر – حفظه الله - في أحد دروسه أن رجلا وجد آخر يحرك أصبع السبابة في التشهد فكسرها لها ، وهو يصلي ! والعياذ بالله ، وانظر – حول التعصب المذهبي ، وآثاره السيئة – كتاب ( بدعة التعصب المذهبي ) للشيخ محمد عيد عباسي – وفقه الله - .
(116) يشير الشيخ إلى الحديث الذي مر ذكره معنا – هنا – برقم (89) .
(117) ورد هذا عن جملة من السلف منهم : أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – كما في ( إبطال الحيل ) لابن بطة رقم (9) ، وابن مسعود – رضي الله عنه – كما في ( إبطال الحيل ) لابن بة رقم (29) وإبراهيم الخواص كما في ( اقتضاء العلم العمل ) للخطيب البغدادي رقم (24) و( شعب الإيمان ) للبيهقي رقم (1684) ، والإمام مالك كما في ( الجامع لأخلاق الراواي وآداب السامع ) للخطيب البغدادي رقم (1574) .
(118) ثبت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : أعطيت جوامع الكلم . انظر ( صحيح الجامع ) رقم (4222) .
(119) وورد ذلك في حديث ، لكنه لا يصح ؛ انظر ( السلسلة الضعيفة ) (6/392-395) رقم (2864) ، لكن معناه صحيح .
(120) أخرجه معمر في جامعه (20209- المصنف) عن مجاهد مرسلا ؛ ولجملة ( تشقيق الكلام من الشيطان ) شاهد صحيح عند البخاري في ( الأدب المفرد ) رقم (875) طبعة مكتبة المعارف .
(121) أخرجه الستة إلا البخاري عن جابر بن سمرة – رضي الله عنه - ؛ انظر ( تمام المنة ) للإمام الألباني – رحمه الله – ص (336) .
(122) متفق عليه من حديث عائشة – رضي الله عنها - .
(123) أخرجه البخاري ومسلم .
(124) أخرجه أبو دواد ، والترمذي عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – انظر ( السلسلة الصحيحة ) (2/540) رقم (880) .
(125) ( صحيح الجامع ) رقم (4395) .
(126) أخرجه البخاري ، وغيرُه عن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه - .
(127) ( صحيح الجامع ) رقم (97) .
(128) ( صحيح الجامع ) رقم (2880) .
(129) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما - .
(130) ( صحيح الجامع ) رقم (3377) و(3378) .
(131) مر برقم (127) .
(132) متفق عليه من حديث عائشة – رضي الله عنها - .
(133) لقد سبق برقم (8) أن هذا من قول ابن مسعود – رضي الله عنه – ولم أقف عليه من قول عمر – رحمه الله - ، لكن أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (1/305-306) عن ابن عمر – رضي الله عنه – ، وسنده ضعيف ، وأخرجه ابن عبد البر في ( جامع بين العلم ) رقم (1807) ، والآجري في ( الشريعة ) رقم (1161) و (1984) عن الحسن البصري – رحمه الله - وسنده حسن – كما قال محقق الشريعة - ، وانظر ( السلسلة الصحيحة ) (6/309 وحاشيتها ) .
(134) انظر ( صحيح الامع ) رقم (53) ورقم (54) .
(135) انظر ( مدارج السالكين ) لابن القيم (1/137) ، ( شرح العقيدة الطحاوية ) لابن أبي العزي الحنفي ص (76) طبعة المكتب الإسلامي .
(136) ( سير أعلام النيلاء ) (7/120) .
(137) وجاء عن الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – أنه قال : ما جاء عن رسول - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن الصحابة اخترنا ، وما كان غير ذلك فهم رجال ونحن رجالٌ .
(138) انظر ( سير أعلام النبلاء ) (5/455) .
(139) انظر التعليق رقم (138) .
(140) هو الداراني .
(141) ( سير أعلام النبلاء ) (10/183) و (18/231) وجاء في حاشيتها : وأراد بـ ( النكتة ) : الحكمة ، وبـ ( القوم ) : الصالحين ممن اشتهر بالخير .
(142) انظر( سير أعلام النبلاء ) (14/67) .
(143) ( الفتوى الحموية ) ص (9) طبعة دار ابن حزم ، وانظر لنقض هذا الكلام المتهافت ( شرح فتح رب البرية بتلخيص الحموية ) للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – شريط رقم (4) ، وللشيخ صالح السحيمي – حفظه الله – شريط بديع رائع ماتع بعنوان ( منهج السلف أسلم واعلم وأحكم ) .
(144) وهو عبد الرحمان عبد الخالق ؛ وانظر للرد على مقولته ( النصر العزيز على الرد الوجيز ) و ( وجماعات واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات ) و ( بيان فساد المعيار حوار مع حزبي متستر ) وغيرها من كتبه – حفظه الله - .
(145) القائل هو ابن عربي الصوفي ؛ وذلك في كتابه ( الفتوحات المكية ) !
(146) وهو صدر بيت من ( الكافية الشافية ) المشهورة بـ ( النونية ) وعجزه هو : أين الإله وثغرة الطعان .
انظر ص (60) بيت رقم (311) من طبعة دار ابن الجوزي .

(147) سيأتي في كلام الشيخ – بعد قليل – مزيد بيان عن هذا الكتاب ، وذكر بعض ما فيه من ضلال .
(148) ضحك الشيخ هنا ، ثم قال : شر البلية ما يضحك .
(149) انظر ( شرح العقيدة الطحاوية ) لابن أبي العز – رحمه الله – ص (493) .
(150) ص (52 ) .
(151) ولعل الصواب أن تكون كلمة ( التصريف ) بدلا من كلمة ( التشريف ) كما في بعض المصادر ، وإبراهيم بن إنياس هذا من كولخ - السنغال ؛ ثم استقر في نيجيريا ، وبدأ في نشر الطريقة التيجانية ، ومن الغريب أن إنياس هذا كان عضوا في رابطة العالم الإسلامي !! ثم – بحمد الله - فصل – بعد أن انكشف أمره – بأمر من الشيخ السلفي محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله رحمة واسعة - .
وهلك إيناس بلندن عام (1395) هجرية ، ونقل جثمانه إلى موطنه ( كولخ ) !
ومن مقولته التي قالها في باريس وهو في المستشفى على فراش الموت :
بباريسَ هل هذا المحل محله // رأيت رسول الله جهراً ويقظة
والكلام عنه وعن طريقته يطول ، لكن انظر بعض عقائده في مقال للدكتور علي بن محمد ناصر فقيهي – حفظه الله – بعنوان ( حديث عن الدورة وأثرها على المجتمع الذي أقيمت فيه ) ؛ وهي في الأصل محاضرة ألقيت بقاعة المحضرات الكبرى بالجامعة الإسلامية : مساء الأربعاء 3/1 / 1403 هجرية ، ونشرت في ( مجلة الجامعة الإسلامية ) عدد (59) .
وانظر كتاب ( منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين ) للشيخ صالح بن سعد السحيمي – حفظه الله – حاشية ص (28-29) من مطبوعات مركز الإمام الألباني .
وللتوسع انظر كتاب ( الشيخ إبراهيم إنياس السنغالي : حياته ، وآراؤه وتعاليمه ) لمحمد طاهر ميغري البرناوي / تقديم أبى بكر قومي / طبع الدار العربية .

(152) أخرجه مسلم وأحمد – واللفظ له – وغيرهما -
(153) أخرجه أحمد ، وغيرُه ، وهو صحيح دون لفظة ( الأغنياء ) . قال الشيخ الألباني – رحمه الله - في ( السلسلة الضعيفة ) (6/316) تحت حديث رقم (2008) : نعم ؛ الحديث صحيح ، لكن بدون قوله : " الأغنياء " ، فقد ثبت عن جمع من الصحابة حاشا هذه الزيادة .
(154) (1/421-422) طبعة دار ابن الجوزي .
(155) ضعيف : أخرجه البزار ، وقال : لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه ، انظر تفسير ابن كثير (8/471) / طبعة أولاد الشيخ ، لكن ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – بإسناد صحيح ؛ فقد أخرج البخاري في ( الأدب المفرد ) برقم (11) عن سعيد بن أبي بردة قال سمعت أبي يحدث ؛ أنه شهد ابن عمر ، ورجل يماني يطوف بالبيت - حمل أمه وراء ظهره – يقول :
إني لها بعيرها المذلل /// إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال : يا ابن عمر ! أتراني جازيتها ؟
قال : لا، ولا بزفرة واحدة .

(156) أخرجه مسلم برقم (2551) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - .
(157) يورده بعضهم – بهذااللفظ - على أنه حديث صحيح ، ولم يصح بهذا اللفظ ، بل حكم عليه الشيخ الألباني – رحمه الله – بالوضع انظر ( السلسلة الضعيفة ) رقم (593) ، ويغني عنه ما جاء في الصحيح من قوله – صلى الله عليه وسلم – لأحد الصحابة – رضوان الله عليهم - في حق الوالدة : الزمها ؛ فإن الجنة تحت أقدامها . انظر ( صحيح الجامع ) رقم (1249) .
(158) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - .
(159) انظر تخريج هذا الحديث بتوسع رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – ( خطبة الحاجة التي كان
(160) متفق عليه من حديث عائشة – رضي الله عنها - .
(161) رواه مسلم وذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم .
(162) أخرجه الطبراني في ( الأوسط) والبيهقي في ( الشعب ) وغيرُهما ؛ انظر ( السلسلة الصحيحة ) رقم (1620) .
(163) رواه أبو دواد برقم (792) .
(164) متفق عليه .
(165) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - .
(166) أخرجه مسلم رقم (2699) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - .



قال أبو عبد الخالق : أنهيتُ تفريغ هذه المادة الطيبة – إن شاء الله – عند الساعة (11:25) من ليلة الخميس المسفر صبحها عن الحادي عشر من شهر رمضان لعام (1429) هجرية ، الذي يوافقه من التاريخ الصليبي (10/9/2008) .
ثم راجعته بعد ذلك عدة مرات ، كان آخرها ليلة الأحد المسفر صبحها عن الخامس عشر من شهر المحرم لعام ثلاثين وأربع مئة وألف للهجرة ، الذي يوافقه من التاريخ الصليبي (11/1/2008) .

تنبيهات :

1 - إذا لم يذكر الشيخُ الحديثَ بلفظه ؛ فإني أبدله باللفظ الموجود في مصدره .
2 - أن القارئ يزيد في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظة ( وآله ) وبما أنها ليست في الكتاب فلم أثبتها .
3 - يوجد بعض الخلل في التسجيل فجاء بعض الكلام غير مرتب ؛ فقدمت جملة على أخرى ، ووضعت ما يلزم بين معقوفتين ] .. [ .
4 – نقلت بعض تعليقات الشيخ علي الحلبي – حفظه الله – على متن الكتاب ( فضل علم السلف على الخف ) في المتن ، وقد أزيد عليها ، وقد أنقص منها ، وكل ما وجد من تعليقات على الشرح فهي مني .
5 - الذي فرغته ثلاثة أشرطة ؛ لكن الشرح ليس كاملا ، بل بقي عدة صفحات من الكتاب لم يشرحه الشيخ ، أو أنه شرحه ، ولكن الأشرطة المكملة لهذا الشرح غير موجودة ، فقد بحثت عنها ولم أجدها ، وللتنبيه فإن للشيخ شرحا آخر على هذا الكتاب يقع في ستة أشرطة ، يسر الله له من يفرغه .
6 – لابد وأن وقعت بعض الأخطاء في تفريغي هذا ؛ فمن وجد شيئا من تلكم الأخطاء = فليبادر بإرسالها إليّ ؛ لأقوم بتصحيحها – إن شاء الله - ؛ فالمؤمن مرآة أخيه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين




.

أشرف السلفي
2009-01-22, 02:00 PM
بسم الله الرحمان الرحيم

يرفع

ابن الأزهر النيسابوري
2009-01-24, 07:14 PM
أخي ما أخبار تفريغ الإصدار الكامل في ستة أشرطة ، ليتك تتحفنا به مشكورا ؟ أحسن الله إليك.

ابن الأزهر النيسابوري
2009-01-27, 12:51 AM
يمكنك تحميل الاشرطة الكاملة من هنا :
http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?t=12309

ابوعبدالله السعدي
2010-03-18, 04:17 PM
شكر الله لك أخي ونفع بك وجعله نورا لك بعد مماتك ولو أمكن جعله في ملف وورد لزاد أجرك إن شاء الله

يوسف الأمريكي
2010-03-18, 06:09 PM
موقع الشيخ صالح بن سعد السحيمي حفظه الله
http://alsoheemy.net (http://alsoheemy.net/)
أشرطة شرح فضل علم السلف على الخلف (http://alsoheemy.net/catplay.php?catsmktba=125)