مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الدارمي يرى جواز مخالفة السلف في جدال المبتدعة !
محسن زاهد
2008-12-24, 01:50 AM
يقول الدارمي في الرد على الجهمية صـ23 :((وقد كان من مضى من السلف يكرهون الخوض في هذا وما أشبهه , وقد كانوا رُزقوا العافية منهم , وابتُلينا بهم عند دروس الإسلام وذهاب العلماء , فلم نجد بدا من أن نرد ما أتوا به من الباطل بالحق))
يعترف الدارمي أن ما خاض فيه في رده على الجهمية هو من نوع ما نهى عنه السلف , ونحن نعرف جميعا تشديد السلف من التابعين وأتباعهم في النهي عن جدال أهل الأهواء , والدارمي يعترف بذلك , لكنه يرى أن ظروف عصره أباحت له مخالفة ما نهى عنه السلف .
فهل لهذا الأمر نظائر أخرى ؟ مما نهى أو أمر به السلف , ولتغير الأحوال اختلف حكمه , وجازت مخالفة السلف فيه ؟
ولا شك أن هذا ليس مخالفة حقيقية للسلف , لكن قد يظنه البعض كذلك , لولا كلام الإمام الدارمي
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 05:28 PM
هذا فهم غير صحيح!
وإنما هو يرى أن هذا حكم أملته الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
فهو يقول: إن السلف نهوا عن ارتكاب مثل هذا في السعة، إذا وجد الإنسان منه بدا، أما إذا لم يجد منه بدا، فليس بخطأ، بل هو واجب كما ذكر الدارمي نفسه.
محسن زاهد
2008-12-26, 07:41 PM
فهمي وفهمك صحيح
فأنا قد صرحت أن الاختلاف بين السلف والدارمي ليس اختلافا حقيقيا , ومعنى ذلك أنه اختلاف لفظي , وأنهم متفقون جميعهم على قول واحد .
وكل الذي طلبته هو النظر في أحوالنا : ما هي الأمور الأخرى التي تجيز لنا الضرورة مخالفة السلف فيها في شيء من مناهجهم مع المبتدعة ؟ فهل وقفت الضرورة عند عصر الدارمي ؟ أم أنه قد جدّت أمور تستوجب مواقف أخرى ؟ وهل هناك ضرورات معاصرة لم تقع في زمن السلف , تبيح لنا المحظور في زمنهم , بشرط الإباحة الصحيح .
ثم هل النهي عن جدال المبتدع هو الأصل ؟ أم أن جداله هو الأصل , إلا إذا اقتضت المصالح عدم جداله ؟ الذي أفهمه من أمر الله عز وجل بجدال الكفار ((وجادلهم بالتي هي أحسن)) أن الأصل جدال الكفار بالتي هي أحسن , إلا إذا كانت المصلحة تقتضي ترك الجدال , كضعف المجادل في علمه وعدم قدرته على بيان الحق , ونحو ذلك من المصالح .
ثم إن أحسن وسائل دعوة أهل الضلال إلى الهداية هو جدالهم وبيان باطلهم ورد شبهاتهم , وهذا هو ما كان يفعله رسول الله (ص) . فكيف يكون الأصل تحريم الجدال , إلا للضرورة .
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 07:45 PM
وفقك الله وسدد خطاك
أنا كنت أعني عبارتك:
( يعترف الدارمي أن ما خاض فيه في رده على الجهمية هو من نوع ما نهى عنه السلف )
وأما ما سألت عنه، فجوابه يرجع إلى قاعدة المصالح والمفاسد، كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه:
( إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه ).
فإذا كانت المصلحة في هذا الإعراض وأنه فعلا أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، فالسكوت لازم.
وإذا كان القول لا يزداد بالسكوت إلا انتشارا، ولا بالإعراض إلا ذياعا، كان الكلام والرد هو الوجه.
محسن زاهد
2008-12-26, 07:52 PM
ما أحسن الاتفاق وما أعظم أثره على الألفة , وفقك الله تعالى وإياي .
يبقى السؤال الحقيقي عما لو ادعى شخص أنه قد استجدّت أمور تستوجب مخالفة منهج مشهور عن السلف في معاملة أهل البدع , هل نخالفه من جهة أن هذا لا يمكن أصلا ؟ ولا ننظر في اختلاف الأحوال التي قد تقتضي ذلك ؟ أم نخالفه - إذا خالفناه- من جهة أن الأمور التي ذكرتها لا تستوجب خلاف منهج السلف ؟
ثم سؤال آخر فرعي : هل الجدل هو الأصل ؟ أم المنع منه هو الأصل ؟
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 07:55 PM
المنع منه هو الأصل، ولا يلجأ إليه إلا إذا كانت مصلحته أرجح من مفسدته.
وأما قولك (إذا ادعى شخص .... ) إلخ، فهو راجع أيضا لما سبق ذكره من المصالح والمفاسد.
محسن زاهد
2008-12-26, 07:57 PM
ما الدليل على أن الجدل الأصل فيه المنع ؟ مع أن هذا في ظاهره خلاف كلام الله تعالى ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 08:00 PM
بل هو يوافق كلام الله ورسوله تمام الموافقة.
والدليل قوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، وقوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}، وقوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}.
وقوله صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا).
والنصوص في هذا عن السلف والأئمة أكثر من أن تحصى.
محسن زاهد
2008-12-26, 08:14 PM
أما قول الله عزوجل{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، فهي تدل على عدم جواز الجدل الذي لا يكون بالتي هي أحسن , وليست في النهي عن الجدل بالتي هي أحسن . ونحن نقاشنا أصلا في الجدال بالتي هي أحسن هل الأصل فيه المنع أم عدم المنع . أما الجدال بالتي هي أسوأ فلا خلاف في أنه غير جائز , وليس هو الجدل المأمور به قي قوله تعالى ((وجادلهم بالتي هي أحسن)) , يقول ابن سعدي في تفسير الآية ((أي ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح بالحكمة أي كل أحد على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبدأة بالأهم فالأهم وبالأقرب إلى الأذهان والفهم وبما يكون قبوله أتم وبالرفق واللين فإن انقاد بالحكمة وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها والنواهي من المضار وتعدادها وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعيه إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا من ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنه أقرب إلى حصول المقصود وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها)) .
وقوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}، لا يدل على تحريم الجدل مطلقا , لكنه يدل على صفة في الإنسان , منها المذموم ومنها الممدوح .
وقوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}, هذا في جدال الكفار للمسلمين , لا في جدال أهل الحق لأهل الباطل .
وقوله صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا).فالمراء غير الجدال الذي أمر الله تعالى به , ولو كان هو لكان جدال الرسول(ص) للكفار مما يعارض ذلك , وجدال الصحابة للخوارج منه أيضا , فإن الرسول (ص) كان محقا في كل جدله , وابن عباس ررر كان محقا في جداله مع الخوارج , وما تركوا الجدال , لكنهم تركوا المراء .
وأما أقوال السلف فلا يمكن أن تخالف ذلك , ولا بد من الجمع بينها وبين النصوص الآمرة بالجدل والدعوة بالتي هي أحسن .
أفلااطون
2008-12-26, 08:15 PM
قال تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) فهذا أمر بالجدال , فمن أين لك أن هذا الأمر ليس أصلا بل هو استثناء ...!!!!
وقال تعالى في قصة نوح (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) فتأمل عبارة : فأكثرت جدالنا , ثم عد إلى قول بعضهم "المنع منه هو الأصل،" . هذا لعمري من التقرير وفق المألوف , دون استحضار لعموم النصوص في الباب .
تحياتي .
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 08:16 PM
لا خلاف بيننا فيما تقول، وأنا لم أقل إن الجدل بالتي هي أحسن محرم، فتأمل.
المقصود بهذه النصوص أن الأصل في الجدل هو المنع؛ لأن التقييد يفيد ذلك، فقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} فيه نهي واستثناء، وهذا يدل على أن الجواز محصور في الاستثناء وأن الأصل هو المنع.
وباقي النصوص تفيد هذا المعنى أيضا، فتأمل.
فقوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} واضح أنه في سياق الذم، فلولا أن الأصل هو ذم الجدل لما صح المعنى.
وقوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا} يفيد ذلك أيضا؛ إذ لو كان الأصل مدح الجدل لما ذمهم بذلك، ولقيد الكلام بأن يقول مثلا (ما ضربوه لك إلا جدلا مذموما)، كما قيده في الآية الأخرى {إلا بالتي هي أحسن}.
فالتقييد في موضع والإطلاق في موضع آخر يدل على أن الإطلاق هو الأصل، وهو سياق الذم.
ونصوص السلف واضحة لا تحتمل التأويل، وهي المرجع في فهم معاني النصوص.
محسن زاهد
2008-12-26, 08:26 PM
رجعنا للاتفاق بحمد الله وهو أن الجدل بالتي هي أحسن الأصل فيه أنه مأمور به , إلا إذا اقتضت المصلحة تركه
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 08:30 PM
هذا لم نتنازع فيه أصلا، لأن كلامي كان عن سؤالك هذا:
ثم سؤال آخر فرعي : هل الجدل هو الأصل ؟ أم المنع منه هو الأصل ؟
فأنت سألت عن مطلق الجدل، ولم تسأل عن (الجدل بالتي هي أحسن).
وهذا كما نقول: الغيبة جائزة في الاستفتاء والجرح والتعديل ونحو ذلك.
وكذلك كما نقول: الكذب جائز في ثلاث.
وكما نقول: الحرير جائز فيما دون أربع أصابع.
فالأصل في مثل هذا كله المنع، ولا يصح أن يقال: (ما الأصل في الحرير دون أربع أصابع)؟
لأن هذا الموضع أصلا فرع لا أصل.
محسن زاهد
2008-12-26, 08:37 PM
بل الأصل أني أسأل عن الجدل المباح وهو الجدل بالتي هي أحسن , كيف أسأل عن الجدل المحرم الذي بالتي هي أسوأ ؟
أرجع وأقول :رجعنا للاتفاق بحمد الله وهو أن الجدل بالتي هي أحسن الأصل فيه أنه مأمور به , إلا إذا اقتضت المصلحة تركه .
فهل على هذا كان السلف ؟؟
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 08:41 PM
وفقك الله وسدد خطاك
لا يصح السؤال عن الأصل في (الجدل المباح)؛ لأنه مقيد في السؤال بأنه مباح، فكيف يسأل عنه؟
وكذلك لا يصح السؤال عن الأصل في (الجدل المحرم)؛ لنفس العلة.
المقصود بقولنا (الأصل) أنه هو المرجوع إليه عند الاختلاف، فمثلا إذا وجد موطن معين من الجدال واختلفنا أنا وأنت في كونه مشروعا أو ممنوعا، فحينئذ يحق لواحد منا أن يستدل بأن الأصل في الجدال هو المنع.
فهذا هو المراد، بارك الله فيك.
محسن زاهد
2008-12-26, 08:54 PM
خرجنا أخيرا بأن الجدل بالتي هي أحسن في أقل أحواله أنه مباح , إلا إذا أفضى إلى مفاسد أعظم من مصالحه .
وسؤالي كان منطلقا من جدال أهل العلم كالدارمي , والذي الأصل فيه أنه من المباح . فكنتم أجببتم بأن الأصل فيه المنع . هذا سبب الإشكال عندي .
ولنترك هذا جانبا , فقد وصلنا إلى الاتفاق بأن الجدل بالتي هي أحسن ليس الأصل فيه أنه مباح , بل إنه مأمور به (مستحب أو واجب).
فإذا أردنا أن نقرر مذهب السلف ينبغي أن نقول : إنهم نهوا عن الجدل بالتي هي أسوأ , وأما الجدل بالتي هي أحسن فلم ينهوا عنه , إلا إذا أفضى إلى مفاسد أعظم من مصالحه . ولا يصح إطلاق القول بنهيهم عن جدال أهل الضلال ؟؟
أبو مالك العوضي
2008-12-26, 09:01 PM
(الجدل بالتي هي أحسن) ما المقصود به؟
إما أن يقصد (التي هي أحسن مطلقا)، وإما أن يقصد (التي هي أحسن في الأسلوب).
فإن كان المقصود (التي هي أحسن في الأسلوب) فحينئذ يرد التقسيم الذي تفضلت بذكره.
وأما إن كان المقصود (التي هي أحسن في كل شيء) فحينئذ لا يرد هذا التقسيم؛ لأن (الجدل بالتي هي أحسن مطلقا) لا يمكن أن يؤدي إلى مفسدة أعظم من المصلحة، وإلا صار (بالتي هي أسوأ)!
وليس المراد بقولنا (الأصل) إطلاق القول بالنهي عن الجدال، وإنم المراد ما سبق ذكره في المشاركة 15.
محسن زاهد
2008-12-26, 09:08 PM
ما زلنا نتفق , ليت كل حواراتنا هكذا
فالجدال بالتي هي أحسن إما أن نقول إن الأصل فيه أنه مأمور به , وهو إن كان المراد بالتي هي أحسن الأسلوب .
وإما أن نقول هو مأمور به مطلقا , ولا أصل ولا استثناء فيه , وذلك إن كان المراد بالتي هي أحسن الإحسان في كل شيء , حتى في غلبة مصالحه على مفاسده .
وهذا أقوى لتقريري السابق , الذي أتثبت من صحته , وهو قولي :فإذا أردنا أن نقرر مذهب السلف ينبغي أن نقول : إنهم نهوا عن الجدل بالتي هي أسوأ , وأما الجدل بالتي هي أحسن فلم ينهوا عنه , إلا إذا أفضى إلى مفاسد أعظم من مصالحه . ولا يصح إطلاق القول بنهيهم عن جدال أهل الضلال ؟؟
أفلااطون
2008-12-26, 09:28 PM
المنع منه هو الأصل.
قارن بين هذا وبين قوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) فهذا أمر بالجدال , فمن أين لك أن هذا الأمر ليس أصلا بل هو استثناء ...!!!!
وقال تعالى في قصة نوح (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) فتأمل عبارة : فأكثرت جدالنا , ثم عد إلى قول القائل "المنع منه هو الأصل،" . هذا لعمري من التقرير وفق المألوف , دون استحضار لعموم النصوص في الباب .
تحياتي .
عدنان البخاري
2008-12-26, 10:00 PM
/// بارك الله فيكم،، في نظري -ما دام الأمر للجدل الممدوح والمذاكرة- أنَّ ما نقله الدَّارمي عن السَّلف أيضًا في نهيهم عن الجدل يحتاج إلى تحرير معناه وصورته.
/// والذي يظهر أنَّ السَّلف إنَّما تركوا الجدل والمناظرة مع أهل البدع والباطل، وغلَّبُوا الهجر والمتاركة لنفعه دواءً، ولظهور الحقِّ وخفاء الباطل إلَّا قليلًا، وفي موضوعي عن الهجر على هذا الرابط من كلام ابن تيمية وما نقله عن الإمام أحمد دلائل على شيءٍ من هذا، ههنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=213
محسن زاهد
2008-12-26, 11:50 PM
ما ذكرتموه شيخنا عدنان في ذلك المقال الرائع هو عين الصواب , وهو الذي يدل عليه الدليل , وهو تقرير أهل التحرير من السلف وأتباعهم .
أبو القاسم
2009-02-02, 05:02 PM
وفقك الله أخي محسن
هو نفسه من السلف وإن كان بالنسبة لمن سبقه خلفا
..فالعنوان فيه نظر
وجدال المبتدعة من الجهاد..
والجهاد بعضه واجب وبعضه مستحب
فالواجب كرد الشبهات فهذا كجهاد الدفع
وأما تحذير السلف من مجادلتهم..
فهو حين يكون الضرر رابيا على المصلحة
وليس في كل حال..
وبعضهم لايحب جدالهم مطلقا لأن طبيعته كذلك
قال الإمام ابن تيمية :
كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين
(درء التعارض)
عدنان البخاري
2009-06-12, 01:57 PM
/// الأخ الكريم: محسن زاهد.. بارك الله فيك وهدانا وسدَّدنا لمعرفة الحق والثبات عليه
/// ولإثراء هذا الموضوع ومثيله أحببت نقل كلام إمامٍ خبيرٍ بكلام السَّلف ومنهجهم، وخبير بطرق الجدال مع المبتدعة بأصنافهم، وهو الإمام ابن تيميَّة رحمه الله.
/// قال في درء التَّعارض (7/144-177): «... والمقصودُ: أنَّ ظهور هذه في الإسلام كان ابتداؤه من جهة هؤلاء المتكلِّمين المبتدعين، وهذه هي من أعظم أصول هؤلاء المتكلِّمين، وهذه وأمثالها هي من الكلام الذي اتَّفَق سلف الأمَّة وأئمتُّها على ذمِّهِ والنَّهي عنه، وتجهيل أصحابه وتضليلهم؛ حيث سلكوا في الاستدلال طُرُقًا ليست مستقيمةً، واستدلُّوا بقضايا متضمِّنة للكذب، فلزمهم بها مسائل خالفوا بها نصوص الكتاب والسُّنَّة وصرائح المعقول، فكانوا جاهلين، كاذبين، ظالمين في كثيرٍ من مسائلهم، ووسائلهم، وأحكامهم، ودلائلهم.
وكلام السَّلف والأئمة في ذمِّ ذلك كثيرٌ مشهورٌ في عامَّة كتب الإسلام، وما من أحدٍ قد شَدَا طَرَفًا من العِلْمِ إلَّا وقد بَلَغَه من ذلك بعضُه، لكن كثير من الناس لم يحيطوا علمًا بكثيرٍ من أقوال السَّلَف والأئمَّة في ذلك وبمعانيها...
وممَّن ذكر اتِّفاق السَّلف على ذلك الغَزَالي في أجَلِّ كتبه، الذي سمَّاه «إحياء علوم الدِّين»، قال: «... وقال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبدًا، ولا تكاد ترى أحدًا نَظَر في الكلام إلَّا وفي قلْبِهِ دَغَلٌ»، قال: «وبَالَغ فيه حتَّى هَجَر الحارث المحاسبي، مع زهده وورعه بسبب تصنيفه كتابًا في الردِّ على المبتدعة وقال: ويْـحَكَ! ألستَ تحكي بدعتهم أوَّلًا ثم تردّ عليهم؟ ألستَ تحمل النَّاس بتصنيفك على مطالعة البِدعة والتفكُّر في تلك الشُّبُهات، فيدعوهم ذلك إلى الرَّأي والبحث».
قلت [يعني: ابن تيميَّة]: هجران أحمدَ للحارثِ لم يكن لهذا السَّبب الذي ذكره أبوحامد، وإنَّما هَجَرَه لأنَّه كان على قول ابن كلَّاب، الذي وافق المعتزلة على صِحَّة طريق الحركات وصِحَّة طريق التَّركيب، ولم يوافقهم على نفي الصِّفات مطلقًا، بل كان هو وأصحابه يثبتون أنَّ الله فوق الخلق عالٍ على العالم، موصوف بالصِّفات ويقرِّرون ذلك بالعقل، وإن كان مضمون مذهبه نفي ما يقوم بذات الله تعالى من الأفعال، وغيرها ممَّا يتعلَّقُ بمشيئته واختياره، وعلى ذلك بَنَى كلامه في مسألة القرآن...
وأحمد رضي الله عنه قد ردَّ على الجهميَّة وغيرهم بالأدلة السمعيَّة والعقليَّة، وذكر من كلامهم وحججهم ما لم يذكره غيره، بل استوفى حكاية مذهبهم وحججهم أتمَّ استيفاءٍ، ثمَّ أبطل ذلك بالشَّرع والعقل...
ولكن أحمد ذمَّ من الكلام البِدْعيِّ ما ذَمَّه سائر الأمَّة، وهو الكلام المخالف للكتاب والسُّنَّة، والكلام في الله ودينه بغيره علمٍ.
واستدلَّ أحمد بقوله تعالى: (قل إنَّما حرَّم ربِّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأنْ تشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
وأحمد أشهر وأكثر كلامًا في أصول الدِّين بالأدلَّة القطعيَّة؛ نَقَلَها وعَقَلَها من سائر الأئمَّة؛ لأنَّه ابتُلِي بمخالفي السُّنة، فاحتاج إلى ذلك، والموجود في كلامه من الاحتجاج بالأدلَّة العقليَّة على ما يوافق السُّنَّة لم يوجد مثله في كلام سائر الأئمَّة...
والمقصودُ: أنَّ أحمد يستدلُّ بالأدلَّة العقليَّة على المطالب الإلهيَّة إذا كانت صحيحة؛ إنَّما يذمُّ ما يخالف الكتاب والسُّنة، أو الكلام بلا علمٍ، والكلام المبتدع في الدِّين، كقوله في رسالته إلى المتوكل: «لا أحبُّ الكلام في هذا إلَّا ما كان في كتاب الله أو حديثٍ عن الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أو الصَّحابة أو التَّابعين، فأمَّا غير ذلك فإنَّ الكلام فيه غير محمودٍ».
وهو لا يكره -إذا عرف معاني الكتاب والسُّنَّة- أن يعبِّر عنها بعبارات أخرى، إذا احتيج إلى ذلك، بل هو قد فعل ذلك، بل يكره المعاني المبتدعة في هذا، أي فيما خاض النَّاس فيه -من الكلام في القرآن والرؤية والقَدَر والصفات- إلَّا بما يوافق الكتاب والسنة وآثار الصَّحابة والتَّابعين، ولهذا كره الكلام في «الجسم» وفي «الحيِّز»، وفي اللَّفظ بالقرآن نفيًا وإثباتًا؛ لما في كُلٍّ من النَّفي والإثبات من باطلٍ، وكلامه في هذه الأمور مبسوطٌ في موضع آخر، كما هو معروفٌ في كتابه وخطابه.
والمذموم شرعًا ما ذمَّه الله ورسوله، كالجدل بالباطل، والجدل بغير علمٍ، والجدل في الحقِّ بعد ما تبين، فأمَّا المجادلة الشَّرعيَّة، كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السَّلام، وأَمَر بها، مثل قوله تعالى: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)، وقوله: (وتلك حُجَّتنا آتيناها إبراهيم على قومه)، وقوله تعالى: (ألم تَرَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه)، وقوله تعالى: (وجادِلْـهُم بالَّتي هي أحسن)، وأمثال ذلك، فقد يكون واجبًا أو مستحبًّا، وما كان كذلك لم يكن مذمومًا في الشَّرع...
هذا مع أنَّ السَّلَف والأئمة يذمُّون ما كان من الكلام والعقليَّات والجَدَل باطلًا، وإنْ قَصَد به نَصَر الكتاب والسُّنَّة؛ فيذمُّون من قَابَلَ بدعةً ببدعةٍ، وقابَلَ الفاسد بالفاسد، فكيف من قابل السُّنَّة بالبِدْعة، وعارض الحقَّ بالباطل، وجادل في آيات الله بالباطل؛ ليدحض به الحقَّ.
ولكن المقصود هنا: بيان ما ذكره من اتِّفاق أئمَّة السُّنَّة على ذَمِّه، وما ذكره من أنَّه هو وطريق الفلسفة لا يفيد كشف الحقائق ومعرفتها، مع خبرته بذلك.
وهو تكلَّم بحسب ما بَلَغَه عن السَّلَف، وما فهِمَه وعلِمَه ممَّا يُحْمَد ويُذَمُّ، ولم تكن خبرتُهُ بأقوال السَّلَف وحقيقة ما جاء به الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم كخبرته بما سلَكَه من طُرُق أهل الكلام والفلسفة؛ فلذلك لم يكن في كلامه من هذا الجانب من العِلْم والخبرة ما فيه من الجانب الذي هو به أخبر من غيره.
وذلك أنَّ ما ذَكَرَه من أنَّ مضرَّته هي إثارة الشُّبهات في العِلْم وإثارة التعصُّب في الإرادة إنَّما يقال إذا كان الكلام في نفسِهِ حقًّا؛ بأن تكون قضاياه ومقدِّماته صادقةً بل معلومةً.
فإذا كان مع ذلك قد يورث النَّظَر فيه شُبَهًا وعداوةً قيل فيه ذلك.
والسَّلف لم يكن ذمُّهُم للكلام لمجرَّد ذلك، ولا لمجرَّد اشتماله على ألفاظٍ اصطلاحيَّةٍ إذا كانت معانيها صحيحةً، ولا حرَّموا معرفة الدَّليل على الخالق وصفاته وأفعاله؛ بل كانوا أعلم النَّاس بذلك، وأعرفهم بأدلَّة ذلك، ولا حرَّموا نظرًا صحيحًا في دليلٍ صحيحٍ، يفضي إلى علمٍ نافعٍ، ولا مناظرة في ذلك نافعة؛ إمَّا لهدى مسترشدٍ، وإما لإعانة مستنجدٍ، وإمَّا لقطع مُبْطِلٍ متلدِّدٍ؛ بل هم أكمل النَّاس نظرًا واستدلالًا واعتبارًا، وهم نظروا في أصحِّ الأدلَّة وأقومِها...
والسَّلف كان نظرهم في خير الكلام وأفضلِه وأصدقِه وأدلِّه على الحقِّ؛ وهو كلام الله تعالى، وهم ينظرون في آيات الله تعالى التي في الآفاق، وفي أنفسهم؛ فيرون في ذلك من الأدلَّة ما يبيَّن أنَّ القرآن حقٌّ، قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنَّه الحق)...
والمقصود هنا: أنَّ السَّلف كانوا أكمل النَّاس في معرفة الحقِّ وأدلَّته، والجواب عمَّا يعارضه، وإن كانوا في ذلك دَرَجات، وليس كُلٌّ منهم يقوم بجميع ذلك، بل هذا يقوم بالبعض، وهذا يقوم بالبعض، كما في نقل الحديث عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وغير ذلك من أمور الدِّين.
والكلام الذي ذمُّوه نوعان:
أحدُهما: أنْ يكون في نفسِهِ باطلًا وكذِبًا، وكل ما خالف الكتاب والسُّنَّة فهو باطلٌ كذبٌ؛ فإنَّ أصدق الكلام كلامُ الله.
والثَّاني: أنْ يكون فيه مفسدة، مثلما يوجد في كلام كثير منهم، من النَّهي عن مجالسة أهل البِدَع ومناظرتهم ومخاطبتهم والأمر بهجرانهم. وهذا لأنَّ ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم؛ فإنَّ الحق إذا كان ظاهرًا قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أنْ يدعو إلى بدعته فإنَّه يجب منعُهُ من ذلك.
فإذا هُجِر وعُزِّر كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ بن عِسْل التَّميمي وكما كان المسلمون يفعلونه، أو قُتِل، كما قَتَل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القَدَري وغيرهما =كان ذلك هو المصلحة.
بخلاف ما إذا ترك داعيًا وهو لا يقبل الحق؛ إمَّا لهواه، وإمَّا لفساد إدراكه؛ فإنَّه ليس في مخاطبته إلَّا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين.
والمسلمون أقاموا الحُجَّة على غيلان ونحوه، وناظروه وبيَّنُوا له الحق، كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستَتَابه، ثم نكث التوبة بعد ذلك فقتلوه. وكذلك عليٌّ رضي الله عنه بَعَث ابن عبَّاسٍ إلى الخوارج فنَاظَرهم، ثُمَّ رَجَع نِصْفُهم، ثم قاتل الباقين.
والمقصود: أنَّ الحقَّ إذا ظَهَر وعُرِف، وكان مقصود الدَّاعي إلى البِدْعة إضرار النَّاس قُوْبِل بالعقوبة؛ قال الله تعالى : (والذين يحاجُّون في الله من بعد ما استجيب له حُجَّتُهم داحضةٌ عند ربِّهم وعليهم غَضَبٌ ولهم عذابٌ شديدٌ).
وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة؛ إذا كان المناظِرُ ضعيف العِلْم بالحُجَّة، وجواب الشُّبهة؛ فيُخَاف عليه أنْ يفسده ذلك المضِلُّ، كما يُنْهَى الضَّعيف في المقاتلة أن يقاتل عِلْجًا قويًّا من عُلُوج الكُفَّار؛ فإنَّ ذلك يضرُّه ويضرُّ المسلمين بلا منفعةٍ، وقد يُنْهَى عنها إذا كان المناظِر معاندًا يظهر له الحق فلا يقبله –وهو: السُّوفسْطائي-؛ فإنَّ الأمم كلهم متَّفقُون على أنَّ المناظرة إذا انتهت إلى مقدِّماتٍ معروفةٍ بيِّنةٍ بنفسها، ضروريَّةٍ، وجحدها الخصم كان سوفسطائيًّا، ولم يُؤْمَر بمناظرته بعد ذلك، بل إن كان فاسد العقل داوَوْه، وإن كان عاجزًا عن معرفة الحق -ولا مضرَّة فيه- تَرَكُوه، وإن كان مستحقًّا للعقاب عاقبوه، مع القدرة؛ إمَّا بالتَّعزير وإمَّا بالقتل، وغالب الخلق لا ينقادون للحق إَّلا بالقهر.
والمقصودُ: أنَّهم نَهَوا عن المناظرة مَنْ لا يقوم بواجبها، أو من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة.
فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
وأمَّا جنس المناظرة بالحقِّ فقد تكون واجبةً تارةً، ومستحبَّةً تارةً أخرى.
وفي الجملة: جِنْسُ المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطلٌ...
وممَّا يبين هذا أنَّ السَّلف لم يذمُّوْا التَّكلُّم بأسماء مفردةٍ؛ كالجوهر والجسم والعَرَض؛ فإنَّ الاسم المفرد ليس بكلامٍ، ولا يتكلَّم به أحدٌ!
وإنَّما ذمُّوا الكلام المؤلَّف، الدَّال على معانٍ، والذين كانوا يتكلَّمون بهذه الأسماء كان كلامهم متضمِّنًا لأمورٍ فيها افتراء على الله ورسوله، إمَّا إثبات ما نفاه الله، وإمَّا نفي ما أثبته الله، ومتضمَّنة لمعانٍ باطلةٍ هي كذبٌ وباطلٌ في نفس الأمر.
والمقصود هنا: التَّنبيه على جنس ما مَدَحه السَّلف وذمُّوه، وأنَّهم كانوا أعرف النَّاس بالحقِّ وأدلَّته، وبطلان ما يعارضه.
وإنَّما يَظُنُّ بهم التَّقصير في هذا من كان جاهلًا بحقيقة الحقِّ، وبما جاء الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم من العِلْم والإيمان، وبما وَصَل إليه السَّلف والأئمَّة، فجهْلُه بالأول يوجب أن لا يعلم الحقَّ، بل يعتقد نقيضه، وجهْلُه بالثَّاني يوجب ظنَّه أنْ ليس فيما جاء به الرَّسول بيان الحقِّ بأدلَّته، والمناظرة عنه، وجهْلُه بالثَّالث يوجب ظنَّه أنَّ السَّلف ذمُّوا الكلام بالأدلَّة الصَّحيحة المفضية إلى العِلْم بالله وصفاته خوفًا من الشُّبهات والأهواء!
بل الأصل في ذمِّ السَّلف للكلام هو اشتماله على القضايا الكاذبة، والمقدِّمات الفاسدة، المتضمِّنة للافتراء على الله تعالى وكتابه ورسوله ودينه؛ فهذا هو الكلام المذموم بالذَّات، وهو الكلام الكاذب الباطل.
وأمَّا الكلام الذي هو حقٌّ وصِدْقٌ فهذا لا يُذَمُّ بالذَّات، وإنَّما يُذَمُّ المتكلِّم به أحيانًا؛ لاشتمال ذلك على مضرَّةٍ عارضةٍ، مثل ما يحرم القذف وإن كان القاذف صادقًا إذا لم يكن له أربعة شهداء، ومثل ما تحرم الغيبة والنَّميمة ونحو ذلك ممَّا هو صِدْقٌ، لكن فيه ظُلمٌ للغير». انتهى مختصرًا.
/// وقال رحمه الله في درء التَّعارض (8/51-52) أيضًا: «... قلتُ: قول القائل : (إنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم ماتوا وما عرفوا ذلك) فيه تفصيلٌ، وذلك أنَّ هذا الكلام فيه حقٌّ وباطلٌ.
فأمَّا الباطل فهو مثل إثبات الجوهر الفرد، وطفرة النَّظَّام، وامتناع بقاء العَرَض زمانين، ونحو ذلك =فهذا قد لا يخطر ببال الأنبياء والأولياء من الصَّحابة وغيرهم، وإنْ خطر ببال أحدهم تبيَّن له أنَّه كذب؛ فإنَّ القول الباطل الكذب هو من باب ما لا ينقض الوضوء، ليس له ضابط، وإنَّما المطلوب معرفة الحق والعمل به. وإذا وقع الباطل عُرِف أنَّه باطِلٌ، ودُفِع، وصار هذا كالنَّهي عن المنكر، وجهاد العدوِّ، فليس كُلُّ شيءٍ من المنكر رآه كل من الصَّحابة وأنكروه، ومع هذا فلا يُقْطَع على كُلٍّ من الصَّحابة بأنَّهم لم يعرفوا أمثال هذه الأقاويل، ويعرفوا بطلانها؛ فإنَّهم فتحوا أرض الشَّام ومصر والمغرب والعراق وخراسان، وكان بهذه البلاد من الكفار المشركين الصَّابئين وأهل الكتاب من كان عنده من كتب أهل الضَّلال -من الفلاسفة وغيرهم- ما فيه هذه المعاني الباطلة فربَّما خُوْطِبوا بهذه المعاني بعبارةٍ من العبارات، وبيَّنوا بطلانها لـمَنْ سَأَلهم.
والواحد مِنَّا قد يجتمع بأنواعٍ من أهل الضَّلَّال ويسألونه عن أنواعٍ من المسائل ويُوْرِدُون عليه أنواعًا من الأسولة والشُّبُهات الباطلة؛ فيجيبهم عنها، وأكثر النَّاس لا يعلمون ذلك، ولا ينقلونه.
والشَّافعي و أحمد وغيرهما من الأئمَّة قد ناظروا أنواعًا من الجهميَّة أهل الكلام، جرى بينهم من المعاني ما لم يُنْقَل، ولكن مَنْ عَرَف طريق المناظرين لهم، والمسائل التي ناظروهم فيها عَلِم ما كانوا يقولونه، كالفقيه الذي يعرف أنَّ فقيهين تناظَرَا في مسألةٍ من مسائل الفقه، مثل مسألة قتل المسلم بالذِّمِّي أوالقتل بالمثقَّل ونحو ذلك =فينقل المناظرة من لم يفهم ما قالاه فيعرِفُ الفقيه الفاضل ممَّا نُقِل ما لم يُنْقَل».
ابن الرومية
2009-06-13, 09:00 AM
و مع كل هذا التفصيل يبقى ما أرشد اليه السلف من ذكر السنة و عدم الجدال عليها أحسن الطرق و اوفرها للجهد و المال و الوقت و ارجاها تأثيرا و تناغما مع عامل الوقت وأنفعها في اطفاء نار الفتن لمن خبر نفسه و ميلها للزهو ونفوس الناس وميلها للعناد و المكابرة مع ان في كل الطرق خير و بعضها قد يتأكد قبل البعض الآخر
العاصمي من الجزائر
2009-06-13, 01:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي المحسن الزاهد زاده الله احسانا وزهدا ووفقني واياه لقول الحق والعمل به أما بعد
فقد لفت انتباهي قولك الإمام الدارمي يرى جواز مخالفة السلف في جدال المبتدعة
والعبارة بهذه الصيغة بحاجة الى تحرير أو تصحيح فالامام الدارمي رحمه الله لا يرى جواز مخالفة السلف في جدال المبتدعة بليرى خلافا لبعض السلف جواز جدال المبتدعة للحاجة والضرورة
وعليه فعبارتك بتلك الصياغة المشار اليها موهمة فأرجوا البيان وشكرا ...
عدنان البخاري
2009-06-19, 09:01 AM
و مع كل هذا التفصيل يبقى ما أرشد اليه السلف من ذكر السنة و عدم الجدال عليها أحسن الطرق و اوفرها للجهد و المال و الوقت و ارجاها تأثيرا و تناغما مع عامل الوقت وأنفعها في اطفاء نار الفتن لمن خبر نفسه و ميلها للزهو ونفوس الناس وميلها للعناد و المكابرة مع ان في كل الطرق خير و بعضها قد يتأكد قبل البعض الآخر
/// بارك الله فيكم وجزاكم خيرا.. وقد أعجبني تفصيلك في آخر تعقيبك.
/// وفي مسائل أحمد رواية صالح (2/167) قال: "كتب رجل إلى أبي يسأله عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم، فأملى علي جوابه: أحسن الله عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور.
الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله جل وعز. لا يعد ذلك.
ولم يزل الناس يكرهون كل محدث من وضع كتاب أو جلوس مع مبتدع ليورد عليه بعض ما يلبس عليه في دينه.
فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم.
فليتق الله رجل وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غدا من عمل صالح يقدمه لنفسه ولا يكون ممن يحدث أمرا فإذا هو خرج منه أراد الحجة له فيحمل نفسه على المحك فيه وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو باطل ليزين به بدعته وما أحدث.
وأشد ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب فأخذ عنه فهو يريد يزين ذلك بالحق والباطل وإن وضح له الحق في غيره نسأل الله التوفيق لنا ولك ولجميع المسلمين والسلام عليك".
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.