خلدون مكي الحسني
2008-12-04, 07:08 PM
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
بيانُ حُكْمِ الحضْرَة في مذاهب الأَئِمّةِ الأربَعة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله ومن آمنَ به واتّبعه ، أمّا بعد :
فقد شَهِدَ عصرنا الحاضر زيادةً مَرَضِيَّةً سرطانيّة في انتشار الغناء ونجوم الغناء مِنَ الماجنين والماجنات ، وقد دخَلَتْ أغانيهم الهابطة معظم المحلاّت التجارية ، والمنتزهات والمطاعم ، والبيوت ، وجميع وسائل النقل ! إلى حدٍّ مزعج ولا يُطاق ، أسألُ الله العافيةَ والفَرَجَ لي ولكلِّ مسلم غيورٍ على دينه ؛ وهذه مُشكلة من المشاكل التي تعوق نهوضَ الشباب المسلم ، وتُلْهِيه عن الأخطار المحدقة به وبأمّته ، وتحجبه عن معرفة الواجب المنوط به والموقع الريادي الذي عليه أن يتبوّأه . ولكنّ المشكلة الأخرى هي أنّ بعض المسلمين ظنّوا أنهم إذا غيّروا كلمات الأغاني الماجنة وجعلوها من الكلام الأدبي أو الإسلامي مع الإبقاء على الألحان والأنغام نفسها، فإنهم بذلك يَسْلَمون من الوقوع في المحرّمات ويكونون قد أتَوا أمراً مباحاً على أقلِّ تقدير*! ويَسْتَدِلّون لصحّة فعلهم أنّهم قاسوه على مجالس الإنشاد الديني ، ومجالس الذكر والحضرة ، التي يحضرها بعض المشايخ! فإنّ تلك المجالس كما يزعمُ أصحابها هي مِنَ الطّاعات والقُربات أو المُباحات ، التي ينالُ صاحبها الأجر على فعلها أو حضُورها ، ويُنظَرُ إليه في المجتمع على أنه من الصالحين الذين طهّروا آذانهم من سماع الأغاني الماجنة ، وعفّوا عن حضور أماكن اللهو والرقص والعبث . وهنا تكمن المشكلة ؛ فأوّل أمرٍ حصل فيه خلط للمفاهيم هو أنهم سمّوا غناءهم إنشادًا! مع أنّ الإنشاد في اللغة لا يُرادف الغناء ولا يُشبهه . جاء في القاموس المحيط : ((وأنْشَدَ الضالَّةَ : عَرَّفَها واسْتَرْشَدَ عنها ضِدٌّ ، وأَنْشدَ الشِّعْرَ : قرأهُ ، وأنشدَ بِهِمْ : هَجاهُمْ . وتناشَدوا : أنْشَدَ بعضُهم بعضًا . والنِّشْدَةُ بالكسر : الصَّوْتُ . والنَّشيدُ : رَفْعُ الصَّوْتِ والشِّعْرُ المُتَناشَدُ كالأُنْشُودَةِ ج : أناشيدُ . واسْتَنْشَدَ الشِّعْرَ : طَلَبَ إنشادَهُ)).انتهى
وفي لسان العرب : ((وأَنشد الشعر وتناشدوا : أَنشد بعضهم بعضًا والنَّشِيدُ فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَل والنشيدُ الشعر المتناشد بين القوم ينشد بعضهم بعضًا)). انتهى
إذن ليس في الإنشاد أنغام ولا ألحان إنما هو قراءة الشعر بصوت مرتفع، أمّا إذا صار فيه ألحان وأوزان فهو غناء . قال في القاموس المحيط : ((شَدَا الإبِلَ : ساقَها و(شدا) الشِعْرَ : غَنَّى به أو تَرَنَّمَ وأنْشَدَ بَيْتاً أو بَيْتَيْن بالغِناءِ)).انته
فحقيقة الأمر أنّ هذا الذي يسمّي نفسه مُنشدًا إنّما هو مُغَنٍّ ، وما يفعله هو غناء وليس إنشادًا . لذلك نجد في كتب الفقه أنّ الفقهاء يسمّون مجالس السماع عند بعض الصوفية بمجالس الغناء والرقص ، وحتى الصوفيّة أنفسهم كانوا في السابق يُسمّونه غناءً ويظنونَ أنه جائز ومباح . وقد آخذهم العلماء على ذلك .
وقد جمعتُ بعض فتاوى العلماء من المذاهب المعتمدة في بلادنا من الشافعيّة والحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وكذلك عرضتُ كلام بعض كبار الصوفيّة الأوائل في خصوص الغناء والرقص ، ليَتَبّيَّن للقارئ حقيقة موقف فقهاء الإسلام من هذا الأمر .
وغرضي مِنْ ذلك أن يتنبّه المسلمون للخطأ الذي يرتكبونه ، وللإساءة للدِّين التي يمارسونها من دون قصد منهم ، والله أعلم . وهذه الفتاوى هي لكبار علماء المذاهب ومن أشهر كتبهم وعليها العمل . وهم يستعملون عدّة مسمّيات لمسمّىً واحد وهو ما يَفْعلُه الصوفيّة من الغناء في المساجد أو المجامع تحت اسم مجلس ذكر أو احتفال بالمولد! فقد يسمّونه السماع أو التَّغْبِِير أو الغناء وكلّه غير جائز عندهم . وطبعًا كلام العلماء هنا إنما هو على مسألة تلحين الشعر والغناء به والرقص والتّواجد ، وسترى شدّة فتاويهم في منعه وإنكاره ، فما بالك إذا كان هذا الشعر فيه إشكال لما يتضمَّنه من ألفاظ غير شرعية؟!
· أولاً المذهب الحنفي
1ـ قال البزازي الحنفي في الفتاوى البزازية 4/ 349 الطبعة الثالثة التركيّة
(( ....وغرضُه استماع الدف والمزمار واللعب بالرقص الذي أحدثه أولاً السامري حين أخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ، وقد نقلَ صاحبُ الهداية (المرغيناني) فيها : أنّ المغنّي للناس ، إنما لا يَقْبَل شهادَتَه لأنّه يجمَعُهم على كبيرة ، والقرطبي : على أنّ هذا الغناء وضرب القضيب والرقص حرام بالإجماع عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. في مواضعَ من كتابه.
وسيّد الطائفة الشيخ أحمد البسوي صرّحَ بحرمته . ورأيتُ فتوى شيخ الإسلام جلال الملّة والدين الكرماني أنّ مُستَحلّ هذا الرقص كافرٌ . ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفِّر مُسْتَحِلَّه . وللشيخ الزمخشري في " كشافه " كلماتٌ فيهم ، تقوم بها عليهم الطّامة ، ولصاحب "النهاية" والإمام المحبوبي أيضاً كلام أشدّ من ذلك)).انتهى
2ـ وقال في "شرح الكنز للنسفي" بعد ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((كلُّ لَعِبِ ابن آدم حرامٌ إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، وتأديبه لفَرَسه ، ومُناضَلَته لقوسه)) : وهذا نصٌّ صريحٌ في تحريم الرقص الذي يسمّيه المتصوفة الوقت وسماع الطيب ، وإنّما هو سماعٌ فيه أنواعُ الفسق وأنواعُ العذاب في الآخرة)).انتهى
3ـ وفي حاشية الطحاوي على المراقي 2/311 : ((وأما الرقص والتصفيق والصريخ وضرب الأوتار والصنج والبوق الذي يفعله بعض من يدعي التصوف فإنه حرام بالإجماع لأنها زيُّ الكفار)).انتهى
4ـ وفي الفتاوى البزازية 4/338 :"قرَأَ القرآن على ضرب الدفّ والقضيب يكفر لاستخفافه . وأدبُ القرآن أن لا يُقرَأ في مثل هذه المجالس . والمجلس الذي اجتمعوا فيه للغناء والرقص لا يُقرأُ فيه القرآن كما لا يُقرأ في البِيَع والكنائس لأنّه مجمَعُ الشيطان".انتهى
5ـ وقال في "اليتيمة": سُئل الحلواني عمَّن سَمّوا أنفسهم الصوفيّة ، واختصّوا بنوع لِبْسةٍ ، واشتغلوا باللهو والرقص ، وادّعوا لأنفسهم المنزلَةَ ، فقال : أَفْتَرَوا على الله كذباً أم بهم جِنَّةٌ؟!
6ـ وجاء في "التتارخانيّة" عن الخصاف : هل يجوز الرقص والسماع؟
الجواب : لا يجوز ، وذَكَرَ في "الذخيرة" أنّه كبيرة ، ومَنْ أباحه منَ المشايخ فذلك للذي حركاته كحركات المرتعش.انتهى
7ـ وفي "تحفة الملوك" 1/284 تحت عنوان (تصرفات الصوفية)
((ويجبُ منعُ الصوفية الذين يدَّعون الوَجْدَ والمحبَّة عن رفع الصوت وتمزيق الثياب عند سماع الغناء لأن ذلك حرامٌ عند سماع القرآن فكيف عند سماع الغناء الذي هو حرام خصوصًا في هذا الزمان)).انتهى
· ثانياً المذهب الشافعي
1ـ روى البيهقي في مناقب الشافعي 2 /208 : عنيونس بن عبد الله الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول :
(لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمقَ).
2ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله:
((تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير)(1)، أحدثه الزنادقة ليصدُّوا الناس عن القرآن))
روى ذلك أبو نعيم في الحلية 9/146 والزبيدي في شرح إحياء علوم الدين 6/458 والخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صـ3، وابن الجوزي 244-249.
4ـ وقد سُئلَ الإمام أبو إبراهيم المُزَني رحمه الله ، وكان من كبار أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله ، فقيل له : ما تقول في الرقص على الطار والشبّابة؟ فقال : هذا لا يجوز في الدين . فقالوا أَمَا جوّزه الإمام الشافعي؟ فأنشد رحمه الله تعالى :
حاشا الإمامَ الشافعي النّبيه *** أن يرتقي غير مـعاني نبيه
أو يتركَ السنّةَ في نُسـكه *** أو يبتَدِعَ في الدِّين ما ليس فيه
أو يبتدع طـاراً وشـبابة *** لناسـك فـي الدِّين يقتديه
الضربُ بالطارات في ليلة *** والرقصُ والتصفيقُ فِعْلُ السّفيه
هذا ابتداعٌ وضلالٌ في الورى *** وليس في التنزيل مـا يقتضيه
ولا حديث عن نبيّ الهدى *** ولا صـحابي ولا تـابعـيه
بل جاهلٌ يلعبُ في ديـنه *** قـد ضيّعَ العـمرَ بلهوٍ وتيه
إيّـاك تغـتر بأفعال مـن *** لا يَعـرفُ العـلمَ ولا يبتغيه
جهلٌ وطيشٌ فعلُـهم كله *** وكلُّ مَـنْ دانَ بـه تزدريه
أنكر عليهم إن تكن قادراً *** فهـم رجال ابليس لاشكّ فيه
ولا تخف في الله من لائمٍ *** وفّقـك الله لمـا يرتَـضيه.انتهى
[انظر المدخل لابن الحاج 3/97]
5ـ وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه :"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 2 / 186 :
"وأما الرقص والتصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة ، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب ، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء ، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) ـ متفق عليه ـ ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلّدونهم يفعل شيئاً من ذلك".انتهى
ـ وقال أيضًا في كتابه قواعد الأحكام ص 679 بتحقيق الشيخ عبد الغني الدقر :"الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ، ولا يصلُح إلا للنساء".انتهى
6ـ و من شعر الإمام العز بن عبد السلام في وصف المتصوِّفة:
ذهبَ الرجالُ وحالَ دون مَجَالهم *** زُمَرٌ مـن الأوبـاش والأنذالِ
زَعموا بأنهم علـى آثارهـم *** سـاروا ولـكنْ سِيرة البَطَّالِ
لَبسوا الدَّلوق مرقعاً وتقشَّفوا *** كتقشّف الأٌقطـاب والأبـدالِ
قطعوا طريق السالكين وأظلموا *** سُبُلَ الهدى بجَهـالةٍ وضَـلالِ
عَمروا ظَواهرهم بأثواب التقى *** وحشوا بواطنهم مـن الأدغالِ
إنْ قلتَ : قال اللهُ قـال رسولهُ *** همزوكَ همزَ المنـكرِ المتغالـي
ويقول قال قلبي لي عن خاطري *** عـن سرِّ سري عن صفا أفعالي
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوَتي *** عن جَلْوَتي عن شاهدي عن حالي
عن صفْوِ وقتي عن حقيقة حكمتي *** عن ذات ذاتي عـن صفا أفعالي
دعوى إذا حققتهـا أَلْفَيْتَهـا *** ألقـاب زور لُفِّقَت بمحـالِ
تركوا الشرائع والحقائق واقتدوا *** بطرائق الجهَّـال والضـلالِ
جعلوا المِرَا فتحاً ، وألفاظ الخَنَا *** شطحاً وصالوا صَوْلَةَ الإدلالِ
[انظر الفكر السامي للشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي 3/69]
7ـ وقال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج 4/426 :
قال السبكي (وهو من كبار الأئمّة الشافعية) السماعُ على الصورة المعهودة منكرٌ وضلالة وهو من أفعال الجهلة والشياطين ومَنْ زعم أن ذلك قُربة فقد كذب وافترى على الله ومن قال إنه يزيد في الذوق فهو جاهل أو شيطان ومن نسبَ السماع إلى رسول الله يُؤدَّب أدباً شديداً ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم ومن كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار وليس هذا طريقة أولياء الله تعالى وحزبه وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل وينكر على هذا باللسان واليد والقلب.انتهى
وذَكَرَه أيضًا الدَّمِيري الشافعي في "شرح المنهاج".انتهى
8ـ وجاء في مغني المحتاج 4/426
(( ويُكره الغناء وهو بالمد وقد يقصر وبكسر المعجمة رفعُ الصوت بالشعر لقوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال ابن مسعود هو واللهِ الغناء . رواه الحاكم ورواه البيهقي عن ابن عباس وجماعة من التابعين . هذا إذا كان "بلا آلة" من الملاهي المحرَّمة ، ويكره "سماعه" كذلك ، والمراد استماعه ولو عبّر به كان أولى ، أما مع الآلة فحرامان)).
9 ـ وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني الشافعي صاحب "روض الطالب" و "إرشاد الحاوي" في الفقه الشافعي ، في قصيدته في ذمّ الرقص :
قالوا : رَقصْنا كما الأُحْبوشُ قد رقصوا *** بمسجد المصطفى ، قُلنا : بلا كَذِبِ
الحُبْشُ مـا رقصوا ، لكنهم لَعِبـوا *** مِنْ آلـة الحَرْبِ بالآلات واليَلـَبِ
وذلك اللـعبُ منـدوبٌ تَعلُّمُــه *** في الشرع للحرب تدريباً لكلّ غبي[2] (http://majles.alukah.net/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn2)
10ـ يقول الإمام أبو الطيب طاهر الطبري شيخ الشافعية ( 348-450هـ ) في آخر كتابه في ذمِّ السماع : ((فمن حظّه من التصوف الإلحاح في الطلب ، وكثرة الأكل ، وسهر الليل ، وسماع الغناء ، والفرقعة بالأصابع ، ودق الرجل والطقطقة بالقضيب ، فإنّما هو راكب ظلماء ، وخابط عشواء قد أسرته شهوته ، و أهلكه هواه ، وغلبته نفسه ، وقطعته الغفلة عن الاهتمام بالدين وسياسة النفس ، وكان من الهالكين إلا أن يتوب الله عليه)). انتهى
11ـ وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه "كفاية الأخيار" 1/ 159 ؛وهو من الكتب المعتمدة في المذهب ، في كتاب الزكاة عند بيان الأصناف التي تُدفع إليهم الزكاة :
" ... الأراذل من المتصوّفة الذين قد اشتهر عنهم أنهم من أهل الصلاح المنقطعين لعبادة ربّهم ، قد اتخذ كل منهم زاوية أو مكاناً يُظهر فيه نوعاً من الذكر ، وقد لفَّ عليهم من له زي القوم وربّما انتمى أحدهم إلى أحد رجال القوم كالأحمدية والقادرية ، وقد كذبوا في الانتماء ، فهؤلاء لا يستحقّون شيئًا من الزكوات ، و لا يحلُّ دفع الزكاة إليهم ، ومَنْ دفعها إليهم لم يقع الموقع وهي باقية في ذمّته ، ..... ويجب على كل من يقدر على الإنكار أن يُنكر عليهم ، وإثمهم متعلّق بالحكام الذين جعلهم الله تعالى في مناصبهم لإظهار الحق ، وقمع الباطل وإماتة ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإماتته والله أعلم " .انتهى
9ـ وقال الشيخ الحصني أيضاً في كفاية الأخيار 2/225 كتاب الأقضية عند ذكر من لا تُقبَل شهادتهم :
" ... فلا تُقبل شهادة القمّام ، وهو الذي يجمع القمامة أي الكناسة ويحملها ، وكذا القيّم في الحمّام ، ومَنْ يلْعب بالحمام يعني يُطيّرها لينظر تقلّبها في الجو ، وكذا المغنّي سواء أتى الناس أو أتوه ، وكذا الرّقاص كهذه الصوفيّة الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكسة ، ويُظهرون التواجد عند رقصهم ، وتحريك رؤوسهم ، وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين ، وإذا قُرئ القرآن لا يستمعون له ، ولا يُنصتون ، وإذا نعق مزمار الشيطان صاح بعضهم على بعض بالوسواس قاتلهم الله ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله ، وأرغبَهم في مزمار الشيطان وقرن الشيطان ، عافانا الله من ذلك".انتهى[وهناك أيضاً فتوى الإمام البدر ابن جماعة الشافعي ستأتي في آخر الرسالة ضمن أقوال الصوفية ، حيث يستشهدون بها].
· ثالثاً المذهب المالكي
1ـ جاء في كتاب "ترتيب المدارك" للقاضي عياض 2/54 : "قال التِّنيسيُّ : كنا عند مالك وأصحابه حوله ، فقال رجلٌ مِنْ أهلِ نَصيبين : عندنا قوم يُقال لهم الصوفيّة ، يأكلون كثيراً ، ثمّ يأخذون في القصائد ، ثمّ يقومون فيرقصون؟ فقال مالك : أَصبيانٌ هم؟ قال : لا ، قال : أمجانينُ هم؟ قال : لا ، هم قومٌ مشايخ ، وغيرُ ذلك عقلاء، فقال مالك : ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا!!
فقال له الرجل : بل يأكلون ، ثمّ يقومون ويرقصون دَوَائبَ ، ويلطم بعضُهم رأسه ، وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله ، فقال أصحابُ مالك للرجل : لقد كنتَ يا هذا مشؤوماً على صاحبنا ، لقد جالسناه نيِّفاً وثلاثين سنة ، ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم!".انتهى
2ـ وقال أبو العبّاس القرطبي المحدّث صاحب "المفهم في شرح صحيح مسلم" عند كلامه على الغناء عند الصوفيّة : (( .. وأمّا ما ابتدعته الصوفيّة في ذلك ، فمِن قَبيل ما لا يُخْتَلفُ في تحريمه ، لكنّ النفوس الشهوانيّة غلَبَت على كثيرٍ ممن يُنسَبُ إلى الخير ، حتى لقد ظهَرَتْ من كثير منهم فَعَلاتُ المجانين والصبيان ، حتى رَقَصوا بحركاتٍ متطابقة ، وتقطيعاتٍ متلاحقة ، وانتهى التَّواقُحُ بقومٍ منهم إلى أن جعلوها مِنْ بابِ القُرَب وصالحِ الأعمال ، وأنَّ ذلك يُثمِرُ سَنِيَّ الأحوال ، وهذا على التحقيق : مِنْ آثار الزندقة ، وقول أهل المَخْرَقَة ، والله المُستعان)).انته
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي عقِبَه : ((وينبغي أن يُعْكَسَ مُرادهم ، ويُقرأ : ( يُثمرُ سَيِّءَ الأحوال عوض سنيَّ الأحوال).انتهى [انظر فتح الباري 2/368]
3ـ وجاء في المدخل لابن الحاج المالكي الصوفي 3/98 :
(فصلٌ) وأشدُّ من فعلهم السّماع كونُ بعضهم يتعاطونه في المساجد ؛ وقد تقدّم توقير السلف رضي الله عنهم للمساجد ؛ كيف لا يكون ذلك وقد كانوا يكرهون رفع الصوت فيه ذكراً كان أو غيره . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالقراءة فيه ، ........ وبعضُ هؤلاء يفعلون السماع على ما هو عليه اليوم في المساجد ويرقصون فيها وعلى حُصُرِ الوقف!.انتهى
4ـ وقال القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتابه المسمى بكتاب "النهي عن الأغاني" : ((.. وبلغنا أنّ طائفة من إخواننا المسلمين ؛ وفّقنا الله وإيّاهم ؛ قد استزلّهم الشيطان واستهوى عقولهم في حبِّ الأغاني وسماع الطقطقة واعتَقَدَتْه مِنَ الدِّين الذي يُقرّبهم من الله تعالى وجاهرَت به جماعة المسلمين وشاقّت به سبيل المؤمنين وخالفت العلماء والفقهاء وحمَلَةَ الدين {ومن يُشاقق الرسول من بعد ما تبيّنَ له الهُدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً} وقد سُئلَ مالك رحمه الله عمّا رخّص فيه أهلُ المدينة منَ الغناء . فقال : إنّما يفعله عندنا الفسّاق ، ونهى عن الغناء واستماعه . وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكلّ ذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحمّاد وإبراهيم والشعبي لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم أيضاً بين أهل البصرة خلافاً في كراهيّة ذلك والمنع منه . وأمّا الشافعي رحمه الله فقال في كتاب القضاء : إنّ الغناء لهوٌ مكروه ويشبه الباطل والمحال . وكان الشافعي يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن القرآن . ... وهذه الطائفة (يعني الصوفية) مخالفة لجماعة المسلمين لأنهم جعلوا الغناء ديناً ورأت إعلانه في المساجد والجوامع)).انتهى [المدخل 3/101]
5ـ وقال الحسن : "ليس الدفّ من سنّة المسلمين" ، وقد سأَلَ إنسانٌ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (وهو أحد فقهاء المدينة السبعة) عن الغناء .فقال : أنهاك عنه وأكرهه لك ، قال أحرامٌ هو؟ ، قال : انظر يا ابن أخي إذا ميّزَ الله بين الحقّ والباطل منْ أيّهما يحصل الغناء؟
وقال الحكم بن عيينة رحمه الله : السماع يورث النفاق كما ينبت الماء الزرع.
وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا.
وقال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للربّ.
وقال ابن الكاتب : إيّاك والغناء .
وقال المُحاسبي في رسالة الإرشاد : الغناء حرام كالميتة.
وقال بعض الزهاد : الغناء يُورث العناد في قوم ، ويورث التكذيب في قوم ، ويورث الفساد في قوم.
قال ابن الحاج : ((ونحنُ لا نذمّ إنشاد الشعر ولا نحرّمه ، وإنما يصير الشعرُ غناءً مذمومًا إذا لُحّنَ وصُنعَ صَنْعَةً تورثُ الطرب وتزعج القلب وهي الشهوة الطبيعية)).انتهى [المدخل 3/105]
6ـ وقال ابن الحاج المالكي : فإن قيل : أليس قد روي عن جماعة من الصالحين أنهم سمعوه؟ قُلنا : ما بلغنا أنّ أحداً من السلف الصالح سمعه ولا فعله ، وهذه مصنّفات أئمة الدين وعلماء المسلمين مثل مصنّف مالك بن أنس وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وكتاب النسائي رضي الله عنهم إلى غيرها خالية من دعواكم وهذه تصانيف فقهاء المسلمين التي تدور عليها الفتوى قديماً وحديثاً في شرق البلاد وغربها ، فقد صنّف المسلمون على مذهب مالك بن أنس تصانيفَ لا تحصى وكذلك مصنّفات علماء المسلمين على مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من فقهاء المسلمين ، وكلّها مشحونة بالذبّ عن الغناء وتفسيق أهله! فإن كان فعله أحدُ من المتأخّرين فقد أخطأ ولا يلزمنا الاقتداء بقوله ونترك الاقتداء بالأئمة الراشدين)).انتهى[المدخل 3/108]
7ـ ((فإن سألوا عن معنى قراءة القرآن بالألحان . فالجواب : أنّ مالكاً قال : لا تعجبني القراءة بالألحان ولا أحبه في رمضان ولا غيره لأنّه يُشبه الغناء ، ويُضحك بالقرآن فيُقال فلان أقرأ من فلان.
وقال مالك : لم تكن القراءة في المصحف في المسجد من أمرِ الناس القديم ، وأوّل منْ أحْدَثَه الحجّاج . وقال : وأكره أن يُقرأ في المصحف في المسجد.
وقال بعض الصالحين : مَنْ تلذّذَ بألحان القرآن حُرِمَ فَهْمَ القرآن)).
وقال ابن الحاج : ((وأمّا الدفّ والرقص بالرجل وكشفُ الرأس وتخريق الثياب فلا يخفى على ذي لبٍّ أنه لعبٌ وسُخْفٌ ونبذٌ للمروءة والوقار ولِما كان عليه الأنبياء والصالحون .... ولو لم يكن في السماع والرقص شيء يُذمّ إلا أنه أول من أحدَثَه بنو إسرائيل حين اتخذوا العجلَ إلهاً من دون الله تعالى فجعلوا يغنّون بين يديه ويُصفّقون ويرقصون ... فهم أصلٌ لما ذُكر وما كان هذا أصله فينبغي بل يتعيّن على كلّ عاقل أن يهربَ منه ويولّي الظهر عنه إنْ كان عاجزاً عن تغييره ، وأمّا إن كان له قدرة على ذلك فيتعين عليه والله الموفّق .
وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار.
وقال ابن القاسم : سألتُ عنه مالكاً فقال : قال تعالى (فماذا بعد الحقّ إلا الضلال) أفحقٌّ هو؟!)).انتهى[المدخل 3/ 110ـ118]
8ـ ((وسُئل الإمام القاضي أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصُّوفية؟ وأُعْلِمَ - حرس اللهُ مُدَّتَه - أنه اجتمع جماعة من الرجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ثمَّ إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيَّاً عليه ، ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين يرحمكم الله .
الجواب : - يرحمك الله - مذهبُ الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الرقص والتواجد فأوَّل من أحدثه أصحاب السامري ، لمّا اتّخَذَ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون فهو دينُ الكفار وعبّاد العجل ، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور قي المساجد وغيرها ، ولا يحلُّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق)).انتهى [من تفسير القرطبي (11/237- 238 )]
9ـ ((وقد ذُكرَ أنّ بعض الناس عمَلَ فتوى وكان ذلك في سنة إحدى وستين وستمئة ومشى بها على الأربع مذاهب ولفظها : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفّقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته ، في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلدٍ فقصدوا إلى المسجد وشَرَعوا يصفّقون ويُغنّون ويرقصون تارةً بالكفّ ، وتارةً بالدّفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المسجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى .
فقالت الشافعيّة : السماع مكروه يشبه الباطل مَنْ قال به تُرَدُّ شهادته والله أعلم .
وقال المالكيّة : يجبُ على ولاة الأمور زجرهم وردعهم وإخراجهم من المساجد حتى يتوبوا ويرجعوا، والله أعلم.
وقالت الحنابلة : فاعلُ ذلك لا يُصلّى خلفه ولا تُقبل شهادته ولا يُقبل حكمه وإنْ كان حاكماً . وإنْ عُقِدَ النكاح على يده فهو فاسد ، والله أعلم.
وقالت الحنفيّة : الحُصُرُ التي يُرقص عليها لا يُصلّى عليها حتى تُغسل والأرضُ التي يُرقصُ عليها لا يُصلّى عليها حتى يحفر ترابها ويُرمى ، والله أعلم)).انتهى [المدخل 3/99]
10ـ وقال القرطبي المُفسِّر الصوفي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" 7/348 عند تفسيره لقوله تعالى :
{إنما المؤمنون الذين إذا ذُكرَ الله وَجِلَت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون}
فقال رحمه الله : " وصَفَ الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوَجَل عند ذكره . وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ، وكأنّهم بين يديه . ونظير هذه الآية {وبشّر المُخبتين ، الذين إذا ذُكرَ الله وجلت قلوبهم} وقال:{وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله} فهذا يرجِعُ إلى كمال المعرفة وثقة القلب . والوَجَل : الفزع من عذاب الله ؛ فلا تناقض . وقد جمعَ الله بين المعنيين في قوله {الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مَثَانيَ تقشعرُّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثمّ تلينُ جلودُهم وقلوبهم إلى ذكر الله} أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله . فهذه حالة العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته ؛ لاكما يفعله جُهّال العوامّ والمبتدعة الطَّغام مِنَ الزعيق والزّئير، ومِنَ النُّهاق الذي يُشبه نُهاق الحمير . فيُقال لمن تعاطى ذلك وزعم أنّ ذلك وجدٌ وخشوع : لم تبلغ أنْ تساوي حالَ الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهْمَ عن الله والبكاء خوفاً من الله . ولذلك وصفَ الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : {وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعيُنَهُم تفيضُ من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}
فهذا وصفُ حالهم وحكايةُ مقالهم . ومنْ لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ؛ فمن كان مُستنَّاً فليستنّ بهم ، ومَنْ تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو أخسّهم حالاً ؛ والجنون فنون.انتهى
11ـ وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره 14/58 :
قال أبو الفرج : وقال القفّال من أصحابنا : لا تقبلُ شهادة المغنّي والرقاص .
قلتُ : وإذا ثبتَ أنّ هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا يجوز . وقد ادعى أبو عمر بن عبد البرّ الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك.انتهى
12ـ وسُئل الشيخ الصالح عبد العزيز بن محمد القيرواني المالكي عن قومٍ تسمّوا بالفقراء يجتمعون على الرقص والغناء ، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاماً كانوا أعدّوه للمبيت عليه ، ثمّ يَصِلُونَ ذلك بقراءة عشْرٍ من القرآن والذكر ، ثمّ يُغنّون ويرقصون ويبكون ، ويزعمون في ذلك كلّه أنهم على قُربة وطاعة ويدعون الناس إلى ذلك ... فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم هل تجوزُ إمامتهم وتقبلُ شهادتهم أم لا ؟ بيّنوا لنا ذلك .
فأجاب : بأن قال : ..... ولم يكن أحدٌ في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف ، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأميّة الجاهلة الغبيّة الذين وَلَعوا بجمع أقوام جهّال فتصدّوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة ، وعقولهم قاصرة ، فدخلوا عليهم من طريق الدّين ، وأنهم لهم من الناصحين وأنّ هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبّين ، فصاروا يحضّونهم على التوبة والإيثار والمحبّة وصدق الأخوّة ، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بالكلّية ، وصرفه إليه بالقصد والنيّة . وهذه الخصال محمودة في الدّين فاضلة ، إلا أنّ الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة ، وطامّاتٌ هائلة . وهذه الطائفة أشدُّ ضرراً على المسلمين ، منْ مرَدَةِ الشياطين ، وهي أصعبُ الطوائف للعلاج ، وأبعدها عن فهم طُرُقِ الاحتجاج ، لأنهم أول أصلٍ أصّلوه في مذهبهم ، بُغضُ العلماء والتنفير عنهم ، ويزعمون أنهم عندهم قطّاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق ، فمن كانت هذه حالته ، سقطت مكالمته ، وبعدت معالجته ، فليس للكلام معه فائدة ، والمتكلّم معه يَضْرِبُ في حديدٍ بارد ، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم ، لعلّه يسلم من عاديتهم ، وينجو من غاويتهم .
واعلموا أنّ هذه البدعة في فساد عقائد العوام ، أسرع من سريان السمّ في الأجسام ، وأنها أضرّ في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام ، فإنّ هذه المعاصي كلها معلوم قبحها ، عند من يرتكبها ويجتلبها ، فلا يُلَبِّس مُرْتَكِبُها على أحد ، وتُرجى له التوبة والإقلاع عنها . وصاحبُ هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات ، وأعلى القربات ، فبابُ التوبة عنه مسدود ، وهو عنه شرودٌ مطرود ، فكيف ترجى له منها التوبة ، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة ، بل هو ممن قال الله فيهم :
{قل هل أُنبّئُكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ً} ، وممن قال فيهم : {أفَمَنْ زُيِّنَ له سوءُ عمَلِه فَرَآهُ حَسَناً} .
ثمَّ ضررُ المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة ، وضررُ هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة ، فإذا أُفسد الأصل ، ذهب الفرع والأصل ، وإذا فسد الفرعُ بقي الأصل و يُرجى أن ينجبر الفرع وإن لم ينجبر الفرع لم تذهب منفعة الأصل . ثمَّ إنّ الذي يُغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته ، يكونُ عليه وزره ووزر من استنّ بسنّته . قال الله العظيم : {لِيَحْمِلُوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامة وَ مِنْ أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْمٍ ، ألا ساء ما يَزِرون} ...
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سنّ سُنّةً حسنة كان له أجرُها وأجرُ من عمِل بها إلى يوم القيامة ، ومن سنَّ سُنّةً سيّئةً كان عليه وِزرُها ووِزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة)) ولا تنشأ هذه العلل إلاّ مِنْ مَرَضٍ في القلب خفيّ ، أو حُمْقٍ جليّ ، فاحذروها واحذروا أهلها . ولا تغترّوا بهم ولو أنّهم يطيرون في الهواء ، ويمشون على الماء . فإنّ ذلك فتنةٌ لِمَنْ أراد الله فتنَتَه ، وعَلِمَ شِقوَته . قال الله تعالى :{ومَنْ يُرِد الله فِتْنَتَه فَلَنْ تَملك له من الله شيئاً}.فلا يغترّ أحدُكم بما يَظْهَرُ منَ الأوهام والخيالات مِنْ أهل البدع والضلالات ، ويعتقد بأنّها كرامات ، بل هي شُرُكٌ وحِبالات ، نصَبَها الشيطان لِيَقتَنِصَ بها مُعْتَقِدَ البدع ومرتكبَ الشهوات ، وإنّما تكون من الله الكرامة لِمَنْ ظهرت منه الاستقامة ، وإنما تكون الاستقامة باتّباع الكتاب والسنّة ، والعمل بما كان عليه سلَفُ هذه الأمّة ، فمن لم يسلُك طريقهم ، ولم يتّبع سبيلهم ، فهو ممن قال الله فيهم :{وَمَنْ يُشاققِ الرسول مِنْ بعد ما تَبَيَّنَ له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً} .
فمَنْ حرَّفَ كتابَ الله أو تركَ العمل به أو عطّله ، فقد افترى على الله كذباً ، واتّخذ آيات الله هزواً ولعباً ، فإذا رأيتم مَنْ يُعظّم القرآن فعظّموه ، وإذا رأيتم من يُكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه . قال الله العظيم :{ومن يُعظّم حُرُمات الله فهو خيرٌ له عند ربّه} . ومن رأيتموه خالفَ القرآن فارْفُضُوه واهجروه في الله وأبغضوه . ومن رأيتموه يُجانب العلماء فجانبوه ، فإنّه لا يُجَانِبُهم إلا ضالٌ مبتدع ، غير مقتدٍ بالشرع ولا متّبع ، فإنّ الشرائع لا تُؤخذُ إلا عن العلماء ، الذين هم ورَثَة الأنبياء ، كيف وقد جعل الله شَهَادَتَه وشهادة ملائكته كشهادة أُولي العلم . قال الله تعالى :{شَهِدَ اللهُ أنّه لا إله إلا هوَ والملائكةُ و أُلوا العلم ، قائماً بالقسط} . ولَسْتُ أعني بالعلماء المشتغلين في زماننا هذا بعلوم الجدال والمماراة ، ولا المُعْتنين بدَرْسِ مسائل الأقضية والشهادات ، فيتقرّبون بذلك إلى جمع الحُطام ، والتّقرّب من الوُلات والحكّام ، ونَيْلِ الرِّياسة عند العوام ، وإنّما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَحْمِلُ هذا الدّين من كُلّ خَلَفٍ عُدُولُه ، ينفونَ عنه تحريفَ الغالين ، وانتحال المبطلين)) فأولئك وَرَثَةُ النّبيين وأئمّة المتّقين الذين يجب أن يُقتَدى بهم ويتأدّب بآدابهم ، ويُقتفى آثارهم ، وتحفظ أخبارهم ، ولكنّهم ضمّهم لحودهم ، وقلَّ على بسيط الأرض وجودهم فما يورد من آثارهم أثر ، فهم الكبريتُ الأحمر ، وإنْ كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصّر ، لكنّه يعرفُ الحقّ فلا يغلط في نفسه ولا يغترّ ، فهذه النّصيحة لِمَنْ وَقَفَ عليها مِنَ الإخوان الصّادقين والمريدين ، والعامّة المسلمين المصحِّحين ، لِيُميِّزوا بها بين المُحِقِّين والمُبطلين مِنَ المنتمين إلى الدّين ولا يغْتَرّوا بالملْبَس منْ أجل حُسن الظنّ ومحبّتهم للصالحين ، ويدخل عليهم الخلل في عقائدهم ، ويميلون بها إلى عوائدهم .
وأمّا ما ذكَرْتُموه مِنْ أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغنا والنّوح فممنوعٌ غيرُ جائزٍ ، قال الله تعالى :{ومِنَ النّاس منْ يَشْتَري لهْوَ الحديث لِيُضلَّ عن سبيل الله} .
قال مالك في المدوّنة : "وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك".
قال عياض : معناه نوحُ المُتَصوِّفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء ، فمن اعتقد في ذلك أنّه قُرْبة لله تعالى فهو ضالٌ مُضِلّ ، وَلا يعْلَمُ المسكين أنّ الجنّة حُفّت بالمكاره ، وأنّ النار حُفّت بالشهوات ، والله تعالى لم يَبعَث أحداً منَ الأنبياء باللهو والرّاحة والغِناء ، وإنّما بُعِثوا بالبِرِّ والتقوى وما يُخالف الهوى . قال تعالى :{وأمّا مَنْ خَافَ مقامَ رَبِّهِ ونهى النَّفْسَ عنِ الهوى فإنَّ الجنّة هي المأوى}. فالباطل خفيفٌ على النفوس ، ولذلك خفّ في الميزان ، والحقُّ ثقيلٌ ، ولذلك ثَقُلَ في الميزان ، قال تعالى :{إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قوْلاً ثَقيلاً}...............
وأمّا ما ذكرتموه منْ قراءة القرآن والاستماع إليه فإنه جائز . وفيه قربة وطاعة لله عزّ وجل قال تعالى :{وإذا قُرِىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون}. وإن كان بعضٌ أوّل ذلك في الصلاة . وهذا إذا كان على الوجه المأذون فيه ؛ لا يقصد به رياءً ولا سُمعة.
قال أبو محمد في رسالته : "ويبجّل كتاب الله العزيز فلا يُتلى إلا بسكينة ووقار" . والنساء فيما ذكرنا كالرجال فالمنعُ في حقّهن أشدُّ .
وكتب عبد العزيز بن محمد القيرواني حامداً الله ومصلٍ على نبيّه المصطفى.
ـ وسُئلَ فقيهُ بجاية وصالحها أبو زيد سيّدي عبد الرحمن الواغليسي عن مثل هذا السؤال .
فأجابَ عنه بما نصّه :
"قد نصَّ أهلُ العلم فيما ذكرتَ منْ أحوال بعض الناس منَ الرقص والتصفيق ، على أنّ ذلك بدعةٌ وضلال. وقد أنكره مالك وتعجّب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أنّ أقواماً يفعلون ذلك فقال : أصبيانٌ هم أم مجانين؟! ما سمِعْنا أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.انتهى [المعيار المُعْرب للونشريسي ج11/29]
13ـ وجاء في المدونة الكبرى 3 / 432
قلتُ : أكان مالك يكره الغناء؟ قال : كره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف لا يكره الغناء!!انتهى
(1) جاء في لسان العرب : قال الأَزهري وقد سَمَّوْا ما يُطَرِّبون فيه من الشِّعْر في ذكر الله تَغْبيراً كأَنهم إذا تنَاشَدُوهُ بالأَلحان طَرَّبوا فَرَقَّصوا وأَرْهَجوا فسُمّوا مُغَبِّرة لهذا المعنى قال الأَزهري وروينا عن الشافعي رضي الله عنه أَنه قال أَرى الزَّنادِقة وَضَعوا هذا التَّغْبِير ليَصُدّوا عن ذكر الله وقراءة القرآن .
(2) انظر رسالة الرّهص والوقص لمستحلّ الرقص (حُكم الحضرة في الإسلام) للعلاّمة إبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي 956هـ
صاحب كتاب (ملتقى الأبحر) ص42 بتحقيق الأستاذ حسن السماحي سويدان . واليَلَب : هو سيور تلبس بمنزلة الدرع ، وهو من أسماء الترس.
بيانُ حُكْمِ الحضْرَة في مذاهب الأَئِمّةِ الأربَعة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله ومن آمنَ به واتّبعه ، أمّا بعد :
فقد شَهِدَ عصرنا الحاضر زيادةً مَرَضِيَّةً سرطانيّة في انتشار الغناء ونجوم الغناء مِنَ الماجنين والماجنات ، وقد دخَلَتْ أغانيهم الهابطة معظم المحلاّت التجارية ، والمنتزهات والمطاعم ، والبيوت ، وجميع وسائل النقل ! إلى حدٍّ مزعج ولا يُطاق ، أسألُ الله العافيةَ والفَرَجَ لي ولكلِّ مسلم غيورٍ على دينه ؛ وهذه مُشكلة من المشاكل التي تعوق نهوضَ الشباب المسلم ، وتُلْهِيه عن الأخطار المحدقة به وبأمّته ، وتحجبه عن معرفة الواجب المنوط به والموقع الريادي الذي عليه أن يتبوّأه . ولكنّ المشكلة الأخرى هي أنّ بعض المسلمين ظنّوا أنهم إذا غيّروا كلمات الأغاني الماجنة وجعلوها من الكلام الأدبي أو الإسلامي مع الإبقاء على الألحان والأنغام نفسها، فإنهم بذلك يَسْلَمون من الوقوع في المحرّمات ويكونون قد أتَوا أمراً مباحاً على أقلِّ تقدير*! ويَسْتَدِلّون لصحّة فعلهم أنّهم قاسوه على مجالس الإنشاد الديني ، ومجالس الذكر والحضرة ، التي يحضرها بعض المشايخ! فإنّ تلك المجالس كما يزعمُ أصحابها هي مِنَ الطّاعات والقُربات أو المُباحات ، التي ينالُ صاحبها الأجر على فعلها أو حضُورها ، ويُنظَرُ إليه في المجتمع على أنه من الصالحين الذين طهّروا آذانهم من سماع الأغاني الماجنة ، وعفّوا عن حضور أماكن اللهو والرقص والعبث . وهنا تكمن المشكلة ؛ فأوّل أمرٍ حصل فيه خلط للمفاهيم هو أنهم سمّوا غناءهم إنشادًا! مع أنّ الإنشاد في اللغة لا يُرادف الغناء ولا يُشبهه . جاء في القاموس المحيط : ((وأنْشَدَ الضالَّةَ : عَرَّفَها واسْتَرْشَدَ عنها ضِدٌّ ، وأَنْشدَ الشِّعْرَ : قرأهُ ، وأنشدَ بِهِمْ : هَجاهُمْ . وتناشَدوا : أنْشَدَ بعضُهم بعضًا . والنِّشْدَةُ بالكسر : الصَّوْتُ . والنَّشيدُ : رَفْعُ الصَّوْتِ والشِّعْرُ المُتَناشَدُ كالأُنْشُودَةِ ج : أناشيدُ . واسْتَنْشَدَ الشِّعْرَ : طَلَبَ إنشادَهُ)).انتهى
وفي لسان العرب : ((وأَنشد الشعر وتناشدوا : أَنشد بعضهم بعضًا والنَّشِيدُ فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَل والنشيدُ الشعر المتناشد بين القوم ينشد بعضهم بعضًا)). انتهى
إذن ليس في الإنشاد أنغام ولا ألحان إنما هو قراءة الشعر بصوت مرتفع، أمّا إذا صار فيه ألحان وأوزان فهو غناء . قال في القاموس المحيط : ((شَدَا الإبِلَ : ساقَها و(شدا) الشِعْرَ : غَنَّى به أو تَرَنَّمَ وأنْشَدَ بَيْتاً أو بَيْتَيْن بالغِناءِ)).انته
فحقيقة الأمر أنّ هذا الذي يسمّي نفسه مُنشدًا إنّما هو مُغَنٍّ ، وما يفعله هو غناء وليس إنشادًا . لذلك نجد في كتب الفقه أنّ الفقهاء يسمّون مجالس السماع عند بعض الصوفية بمجالس الغناء والرقص ، وحتى الصوفيّة أنفسهم كانوا في السابق يُسمّونه غناءً ويظنونَ أنه جائز ومباح . وقد آخذهم العلماء على ذلك .
وقد جمعتُ بعض فتاوى العلماء من المذاهب المعتمدة في بلادنا من الشافعيّة والحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وكذلك عرضتُ كلام بعض كبار الصوفيّة الأوائل في خصوص الغناء والرقص ، ليَتَبّيَّن للقارئ حقيقة موقف فقهاء الإسلام من هذا الأمر .
وغرضي مِنْ ذلك أن يتنبّه المسلمون للخطأ الذي يرتكبونه ، وللإساءة للدِّين التي يمارسونها من دون قصد منهم ، والله أعلم . وهذه الفتاوى هي لكبار علماء المذاهب ومن أشهر كتبهم وعليها العمل . وهم يستعملون عدّة مسمّيات لمسمّىً واحد وهو ما يَفْعلُه الصوفيّة من الغناء في المساجد أو المجامع تحت اسم مجلس ذكر أو احتفال بالمولد! فقد يسمّونه السماع أو التَّغْبِِير أو الغناء وكلّه غير جائز عندهم . وطبعًا كلام العلماء هنا إنما هو على مسألة تلحين الشعر والغناء به والرقص والتّواجد ، وسترى شدّة فتاويهم في منعه وإنكاره ، فما بالك إذا كان هذا الشعر فيه إشكال لما يتضمَّنه من ألفاظ غير شرعية؟!
· أولاً المذهب الحنفي
1ـ قال البزازي الحنفي في الفتاوى البزازية 4/ 349 الطبعة الثالثة التركيّة
(( ....وغرضُه استماع الدف والمزمار واللعب بالرقص الذي أحدثه أولاً السامري حين أخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ، وقد نقلَ صاحبُ الهداية (المرغيناني) فيها : أنّ المغنّي للناس ، إنما لا يَقْبَل شهادَتَه لأنّه يجمَعُهم على كبيرة ، والقرطبي : على أنّ هذا الغناء وضرب القضيب والرقص حرام بالإجماع عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. في مواضعَ من كتابه.
وسيّد الطائفة الشيخ أحمد البسوي صرّحَ بحرمته . ورأيتُ فتوى شيخ الإسلام جلال الملّة والدين الكرماني أنّ مُستَحلّ هذا الرقص كافرٌ . ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفِّر مُسْتَحِلَّه . وللشيخ الزمخشري في " كشافه " كلماتٌ فيهم ، تقوم بها عليهم الطّامة ، ولصاحب "النهاية" والإمام المحبوبي أيضاً كلام أشدّ من ذلك)).انتهى
2ـ وقال في "شرح الكنز للنسفي" بعد ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((كلُّ لَعِبِ ابن آدم حرامٌ إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، وتأديبه لفَرَسه ، ومُناضَلَته لقوسه)) : وهذا نصٌّ صريحٌ في تحريم الرقص الذي يسمّيه المتصوفة الوقت وسماع الطيب ، وإنّما هو سماعٌ فيه أنواعُ الفسق وأنواعُ العذاب في الآخرة)).انتهى
3ـ وفي حاشية الطحاوي على المراقي 2/311 : ((وأما الرقص والتصفيق والصريخ وضرب الأوتار والصنج والبوق الذي يفعله بعض من يدعي التصوف فإنه حرام بالإجماع لأنها زيُّ الكفار)).انتهى
4ـ وفي الفتاوى البزازية 4/338 :"قرَأَ القرآن على ضرب الدفّ والقضيب يكفر لاستخفافه . وأدبُ القرآن أن لا يُقرَأ في مثل هذه المجالس . والمجلس الذي اجتمعوا فيه للغناء والرقص لا يُقرأُ فيه القرآن كما لا يُقرأ في البِيَع والكنائس لأنّه مجمَعُ الشيطان".انتهى
5ـ وقال في "اليتيمة": سُئل الحلواني عمَّن سَمّوا أنفسهم الصوفيّة ، واختصّوا بنوع لِبْسةٍ ، واشتغلوا باللهو والرقص ، وادّعوا لأنفسهم المنزلَةَ ، فقال : أَفْتَرَوا على الله كذباً أم بهم جِنَّةٌ؟!
6ـ وجاء في "التتارخانيّة" عن الخصاف : هل يجوز الرقص والسماع؟
الجواب : لا يجوز ، وذَكَرَ في "الذخيرة" أنّه كبيرة ، ومَنْ أباحه منَ المشايخ فذلك للذي حركاته كحركات المرتعش.انتهى
7ـ وفي "تحفة الملوك" 1/284 تحت عنوان (تصرفات الصوفية)
((ويجبُ منعُ الصوفية الذين يدَّعون الوَجْدَ والمحبَّة عن رفع الصوت وتمزيق الثياب عند سماع الغناء لأن ذلك حرامٌ عند سماع القرآن فكيف عند سماع الغناء الذي هو حرام خصوصًا في هذا الزمان)).انتهى
· ثانياً المذهب الشافعي
1ـ روى البيهقي في مناقب الشافعي 2 /208 : عنيونس بن عبد الله الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول :
(لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمقَ).
2ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله:
((تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير)(1)، أحدثه الزنادقة ليصدُّوا الناس عن القرآن))
روى ذلك أبو نعيم في الحلية 9/146 والزبيدي في شرح إحياء علوم الدين 6/458 والخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صـ3، وابن الجوزي 244-249.
4ـ وقد سُئلَ الإمام أبو إبراهيم المُزَني رحمه الله ، وكان من كبار أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله ، فقيل له : ما تقول في الرقص على الطار والشبّابة؟ فقال : هذا لا يجوز في الدين . فقالوا أَمَا جوّزه الإمام الشافعي؟ فأنشد رحمه الله تعالى :
حاشا الإمامَ الشافعي النّبيه *** أن يرتقي غير مـعاني نبيه
أو يتركَ السنّةَ في نُسـكه *** أو يبتَدِعَ في الدِّين ما ليس فيه
أو يبتدع طـاراً وشـبابة *** لناسـك فـي الدِّين يقتديه
الضربُ بالطارات في ليلة *** والرقصُ والتصفيقُ فِعْلُ السّفيه
هذا ابتداعٌ وضلالٌ في الورى *** وليس في التنزيل مـا يقتضيه
ولا حديث عن نبيّ الهدى *** ولا صـحابي ولا تـابعـيه
بل جاهلٌ يلعبُ في ديـنه *** قـد ضيّعَ العـمرَ بلهوٍ وتيه
إيّـاك تغـتر بأفعال مـن *** لا يَعـرفُ العـلمَ ولا يبتغيه
جهلٌ وطيشٌ فعلُـهم كله *** وكلُّ مَـنْ دانَ بـه تزدريه
أنكر عليهم إن تكن قادراً *** فهـم رجال ابليس لاشكّ فيه
ولا تخف في الله من لائمٍ *** وفّقـك الله لمـا يرتَـضيه.انتهى
[انظر المدخل لابن الحاج 3/97]
5ـ وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه :"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 2 / 186 :
"وأما الرقص والتصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة ، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب ، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء ، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) ـ متفق عليه ـ ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلّدونهم يفعل شيئاً من ذلك".انتهى
ـ وقال أيضًا في كتابه قواعد الأحكام ص 679 بتحقيق الشيخ عبد الغني الدقر :"الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ، ولا يصلُح إلا للنساء".انتهى
6ـ و من شعر الإمام العز بن عبد السلام في وصف المتصوِّفة:
ذهبَ الرجالُ وحالَ دون مَجَالهم *** زُمَرٌ مـن الأوبـاش والأنذالِ
زَعموا بأنهم علـى آثارهـم *** سـاروا ولـكنْ سِيرة البَطَّالِ
لَبسوا الدَّلوق مرقعاً وتقشَّفوا *** كتقشّف الأٌقطـاب والأبـدالِ
قطعوا طريق السالكين وأظلموا *** سُبُلَ الهدى بجَهـالةٍ وضَـلالِ
عَمروا ظَواهرهم بأثواب التقى *** وحشوا بواطنهم مـن الأدغالِ
إنْ قلتَ : قال اللهُ قـال رسولهُ *** همزوكَ همزَ المنـكرِ المتغالـي
ويقول قال قلبي لي عن خاطري *** عـن سرِّ سري عن صفا أفعالي
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوَتي *** عن جَلْوَتي عن شاهدي عن حالي
عن صفْوِ وقتي عن حقيقة حكمتي *** عن ذات ذاتي عـن صفا أفعالي
دعوى إذا حققتهـا أَلْفَيْتَهـا *** ألقـاب زور لُفِّقَت بمحـالِ
تركوا الشرائع والحقائق واقتدوا *** بطرائق الجهَّـال والضـلالِ
جعلوا المِرَا فتحاً ، وألفاظ الخَنَا *** شطحاً وصالوا صَوْلَةَ الإدلالِ
[انظر الفكر السامي للشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي 3/69]
7ـ وقال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج 4/426 :
قال السبكي (وهو من كبار الأئمّة الشافعية) السماعُ على الصورة المعهودة منكرٌ وضلالة وهو من أفعال الجهلة والشياطين ومَنْ زعم أن ذلك قُربة فقد كذب وافترى على الله ومن قال إنه يزيد في الذوق فهو جاهل أو شيطان ومن نسبَ السماع إلى رسول الله يُؤدَّب أدباً شديداً ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم ومن كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار وليس هذا طريقة أولياء الله تعالى وحزبه وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل وينكر على هذا باللسان واليد والقلب.انتهى
وذَكَرَه أيضًا الدَّمِيري الشافعي في "شرح المنهاج".انتهى
8ـ وجاء في مغني المحتاج 4/426
(( ويُكره الغناء وهو بالمد وقد يقصر وبكسر المعجمة رفعُ الصوت بالشعر لقوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال ابن مسعود هو واللهِ الغناء . رواه الحاكم ورواه البيهقي عن ابن عباس وجماعة من التابعين . هذا إذا كان "بلا آلة" من الملاهي المحرَّمة ، ويكره "سماعه" كذلك ، والمراد استماعه ولو عبّر به كان أولى ، أما مع الآلة فحرامان)).
9 ـ وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني الشافعي صاحب "روض الطالب" و "إرشاد الحاوي" في الفقه الشافعي ، في قصيدته في ذمّ الرقص :
قالوا : رَقصْنا كما الأُحْبوشُ قد رقصوا *** بمسجد المصطفى ، قُلنا : بلا كَذِبِ
الحُبْشُ مـا رقصوا ، لكنهم لَعِبـوا *** مِنْ آلـة الحَرْبِ بالآلات واليَلـَبِ
وذلك اللـعبُ منـدوبٌ تَعلُّمُــه *** في الشرع للحرب تدريباً لكلّ غبي[2] (http://majles.alukah.net/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn2)
10ـ يقول الإمام أبو الطيب طاهر الطبري شيخ الشافعية ( 348-450هـ ) في آخر كتابه في ذمِّ السماع : ((فمن حظّه من التصوف الإلحاح في الطلب ، وكثرة الأكل ، وسهر الليل ، وسماع الغناء ، والفرقعة بالأصابع ، ودق الرجل والطقطقة بالقضيب ، فإنّما هو راكب ظلماء ، وخابط عشواء قد أسرته شهوته ، و أهلكه هواه ، وغلبته نفسه ، وقطعته الغفلة عن الاهتمام بالدين وسياسة النفس ، وكان من الهالكين إلا أن يتوب الله عليه)). انتهى
11ـ وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه "كفاية الأخيار" 1/ 159 ؛وهو من الكتب المعتمدة في المذهب ، في كتاب الزكاة عند بيان الأصناف التي تُدفع إليهم الزكاة :
" ... الأراذل من المتصوّفة الذين قد اشتهر عنهم أنهم من أهل الصلاح المنقطعين لعبادة ربّهم ، قد اتخذ كل منهم زاوية أو مكاناً يُظهر فيه نوعاً من الذكر ، وقد لفَّ عليهم من له زي القوم وربّما انتمى أحدهم إلى أحد رجال القوم كالأحمدية والقادرية ، وقد كذبوا في الانتماء ، فهؤلاء لا يستحقّون شيئًا من الزكوات ، و لا يحلُّ دفع الزكاة إليهم ، ومَنْ دفعها إليهم لم يقع الموقع وهي باقية في ذمّته ، ..... ويجب على كل من يقدر على الإنكار أن يُنكر عليهم ، وإثمهم متعلّق بالحكام الذين جعلهم الله تعالى في مناصبهم لإظهار الحق ، وقمع الباطل وإماتة ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإماتته والله أعلم " .انتهى
9ـ وقال الشيخ الحصني أيضاً في كفاية الأخيار 2/225 كتاب الأقضية عند ذكر من لا تُقبَل شهادتهم :
" ... فلا تُقبل شهادة القمّام ، وهو الذي يجمع القمامة أي الكناسة ويحملها ، وكذا القيّم في الحمّام ، ومَنْ يلْعب بالحمام يعني يُطيّرها لينظر تقلّبها في الجو ، وكذا المغنّي سواء أتى الناس أو أتوه ، وكذا الرّقاص كهذه الصوفيّة الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكسة ، ويُظهرون التواجد عند رقصهم ، وتحريك رؤوسهم ، وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين ، وإذا قُرئ القرآن لا يستمعون له ، ولا يُنصتون ، وإذا نعق مزمار الشيطان صاح بعضهم على بعض بالوسواس قاتلهم الله ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله ، وأرغبَهم في مزمار الشيطان وقرن الشيطان ، عافانا الله من ذلك".انتهى[وهناك أيضاً فتوى الإمام البدر ابن جماعة الشافعي ستأتي في آخر الرسالة ضمن أقوال الصوفية ، حيث يستشهدون بها].
· ثالثاً المذهب المالكي
1ـ جاء في كتاب "ترتيب المدارك" للقاضي عياض 2/54 : "قال التِّنيسيُّ : كنا عند مالك وأصحابه حوله ، فقال رجلٌ مِنْ أهلِ نَصيبين : عندنا قوم يُقال لهم الصوفيّة ، يأكلون كثيراً ، ثمّ يأخذون في القصائد ، ثمّ يقومون فيرقصون؟ فقال مالك : أَصبيانٌ هم؟ قال : لا ، قال : أمجانينُ هم؟ قال : لا ، هم قومٌ مشايخ ، وغيرُ ذلك عقلاء، فقال مالك : ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا!!
فقال له الرجل : بل يأكلون ، ثمّ يقومون ويرقصون دَوَائبَ ، ويلطم بعضُهم رأسه ، وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله ، فقال أصحابُ مالك للرجل : لقد كنتَ يا هذا مشؤوماً على صاحبنا ، لقد جالسناه نيِّفاً وثلاثين سنة ، ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم!".انتهى
2ـ وقال أبو العبّاس القرطبي المحدّث صاحب "المفهم في شرح صحيح مسلم" عند كلامه على الغناء عند الصوفيّة : (( .. وأمّا ما ابتدعته الصوفيّة في ذلك ، فمِن قَبيل ما لا يُخْتَلفُ في تحريمه ، لكنّ النفوس الشهوانيّة غلَبَت على كثيرٍ ممن يُنسَبُ إلى الخير ، حتى لقد ظهَرَتْ من كثير منهم فَعَلاتُ المجانين والصبيان ، حتى رَقَصوا بحركاتٍ متطابقة ، وتقطيعاتٍ متلاحقة ، وانتهى التَّواقُحُ بقومٍ منهم إلى أن جعلوها مِنْ بابِ القُرَب وصالحِ الأعمال ، وأنَّ ذلك يُثمِرُ سَنِيَّ الأحوال ، وهذا على التحقيق : مِنْ آثار الزندقة ، وقول أهل المَخْرَقَة ، والله المُستعان)).انته
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي عقِبَه : ((وينبغي أن يُعْكَسَ مُرادهم ، ويُقرأ : ( يُثمرُ سَيِّءَ الأحوال عوض سنيَّ الأحوال).انتهى [انظر فتح الباري 2/368]
3ـ وجاء في المدخل لابن الحاج المالكي الصوفي 3/98 :
(فصلٌ) وأشدُّ من فعلهم السّماع كونُ بعضهم يتعاطونه في المساجد ؛ وقد تقدّم توقير السلف رضي الله عنهم للمساجد ؛ كيف لا يكون ذلك وقد كانوا يكرهون رفع الصوت فيه ذكراً كان أو غيره . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالقراءة فيه ، ........ وبعضُ هؤلاء يفعلون السماع على ما هو عليه اليوم في المساجد ويرقصون فيها وعلى حُصُرِ الوقف!.انتهى
4ـ وقال القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتابه المسمى بكتاب "النهي عن الأغاني" : ((.. وبلغنا أنّ طائفة من إخواننا المسلمين ؛ وفّقنا الله وإيّاهم ؛ قد استزلّهم الشيطان واستهوى عقولهم في حبِّ الأغاني وسماع الطقطقة واعتَقَدَتْه مِنَ الدِّين الذي يُقرّبهم من الله تعالى وجاهرَت به جماعة المسلمين وشاقّت به سبيل المؤمنين وخالفت العلماء والفقهاء وحمَلَةَ الدين {ومن يُشاقق الرسول من بعد ما تبيّنَ له الهُدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً} وقد سُئلَ مالك رحمه الله عمّا رخّص فيه أهلُ المدينة منَ الغناء . فقال : إنّما يفعله عندنا الفسّاق ، ونهى عن الغناء واستماعه . وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكلّ ذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحمّاد وإبراهيم والشعبي لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم أيضاً بين أهل البصرة خلافاً في كراهيّة ذلك والمنع منه . وأمّا الشافعي رحمه الله فقال في كتاب القضاء : إنّ الغناء لهوٌ مكروه ويشبه الباطل والمحال . وكان الشافعي يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن القرآن . ... وهذه الطائفة (يعني الصوفية) مخالفة لجماعة المسلمين لأنهم جعلوا الغناء ديناً ورأت إعلانه في المساجد والجوامع)).انتهى [المدخل 3/101]
5ـ وقال الحسن : "ليس الدفّ من سنّة المسلمين" ، وقد سأَلَ إنسانٌ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (وهو أحد فقهاء المدينة السبعة) عن الغناء .فقال : أنهاك عنه وأكرهه لك ، قال أحرامٌ هو؟ ، قال : انظر يا ابن أخي إذا ميّزَ الله بين الحقّ والباطل منْ أيّهما يحصل الغناء؟
وقال الحكم بن عيينة رحمه الله : السماع يورث النفاق كما ينبت الماء الزرع.
وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا.
وقال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للربّ.
وقال ابن الكاتب : إيّاك والغناء .
وقال المُحاسبي في رسالة الإرشاد : الغناء حرام كالميتة.
وقال بعض الزهاد : الغناء يُورث العناد في قوم ، ويورث التكذيب في قوم ، ويورث الفساد في قوم.
قال ابن الحاج : ((ونحنُ لا نذمّ إنشاد الشعر ولا نحرّمه ، وإنما يصير الشعرُ غناءً مذمومًا إذا لُحّنَ وصُنعَ صَنْعَةً تورثُ الطرب وتزعج القلب وهي الشهوة الطبيعية)).انتهى [المدخل 3/105]
6ـ وقال ابن الحاج المالكي : فإن قيل : أليس قد روي عن جماعة من الصالحين أنهم سمعوه؟ قُلنا : ما بلغنا أنّ أحداً من السلف الصالح سمعه ولا فعله ، وهذه مصنّفات أئمة الدين وعلماء المسلمين مثل مصنّف مالك بن أنس وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وكتاب النسائي رضي الله عنهم إلى غيرها خالية من دعواكم وهذه تصانيف فقهاء المسلمين التي تدور عليها الفتوى قديماً وحديثاً في شرق البلاد وغربها ، فقد صنّف المسلمون على مذهب مالك بن أنس تصانيفَ لا تحصى وكذلك مصنّفات علماء المسلمين على مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من فقهاء المسلمين ، وكلّها مشحونة بالذبّ عن الغناء وتفسيق أهله! فإن كان فعله أحدُ من المتأخّرين فقد أخطأ ولا يلزمنا الاقتداء بقوله ونترك الاقتداء بالأئمة الراشدين)).انتهى[المدخل 3/108]
7ـ ((فإن سألوا عن معنى قراءة القرآن بالألحان . فالجواب : أنّ مالكاً قال : لا تعجبني القراءة بالألحان ولا أحبه في رمضان ولا غيره لأنّه يُشبه الغناء ، ويُضحك بالقرآن فيُقال فلان أقرأ من فلان.
وقال مالك : لم تكن القراءة في المصحف في المسجد من أمرِ الناس القديم ، وأوّل منْ أحْدَثَه الحجّاج . وقال : وأكره أن يُقرأ في المصحف في المسجد.
وقال بعض الصالحين : مَنْ تلذّذَ بألحان القرآن حُرِمَ فَهْمَ القرآن)).
وقال ابن الحاج : ((وأمّا الدفّ والرقص بالرجل وكشفُ الرأس وتخريق الثياب فلا يخفى على ذي لبٍّ أنه لعبٌ وسُخْفٌ ونبذٌ للمروءة والوقار ولِما كان عليه الأنبياء والصالحون .... ولو لم يكن في السماع والرقص شيء يُذمّ إلا أنه أول من أحدَثَه بنو إسرائيل حين اتخذوا العجلَ إلهاً من دون الله تعالى فجعلوا يغنّون بين يديه ويُصفّقون ويرقصون ... فهم أصلٌ لما ذُكر وما كان هذا أصله فينبغي بل يتعيّن على كلّ عاقل أن يهربَ منه ويولّي الظهر عنه إنْ كان عاجزاً عن تغييره ، وأمّا إن كان له قدرة على ذلك فيتعين عليه والله الموفّق .
وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار.
وقال ابن القاسم : سألتُ عنه مالكاً فقال : قال تعالى (فماذا بعد الحقّ إلا الضلال) أفحقٌّ هو؟!)).انتهى[المدخل 3/ 110ـ118]
8ـ ((وسُئل الإمام القاضي أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصُّوفية؟ وأُعْلِمَ - حرس اللهُ مُدَّتَه - أنه اجتمع جماعة من الرجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ثمَّ إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيَّاً عليه ، ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين يرحمكم الله .
الجواب : - يرحمك الله - مذهبُ الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الرقص والتواجد فأوَّل من أحدثه أصحاب السامري ، لمّا اتّخَذَ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون فهو دينُ الكفار وعبّاد العجل ، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور قي المساجد وغيرها ، ولا يحلُّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق)).انتهى [من تفسير القرطبي (11/237- 238 )]
9ـ ((وقد ذُكرَ أنّ بعض الناس عمَلَ فتوى وكان ذلك في سنة إحدى وستين وستمئة ومشى بها على الأربع مذاهب ولفظها : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفّقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته ، في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلدٍ فقصدوا إلى المسجد وشَرَعوا يصفّقون ويُغنّون ويرقصون تارةً بالكفّ ، وتارةً بالدّفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المسجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى .
فقالت الشافعيّة : السماع مكروه يشبه الباطل مَنْ قال به تُرَدُّ شهادته والله أعلم .
وقال المالكيّة : يجبُ على ولاة الأمور زجرهم وردعهم وإخراجهم من المساجد حتى يتوبوا ويرجعوا، والله أعلم.
وقالت الحنابلة : فاعلُ ذلك لا يُصلّى خلفه ولا تُقبل شهادته ولا يُقبل حكمه وإنْ كان حاكماً . وإنْ عُقِدَ النكاح على يده فهو فاسد ، والله أعلم.
وقالت الحنفيّة : الحُصُرُ التي يُرقص عليها لا يُصلّى عليها حتى تُغسل والأرضُ التي يُرقصُ عليها لا يُصلّى عليها حتى يحفر ترابها ويُرمى ، والله أعلم)).انتهى [المدخل 3/99]
10ـ وقال القرطبي المُفسِّر الصوفي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" 7/348 عند تفسيره لقوله تعالى :
{إنما المؤمنون الذين إذا ذُكرَ الله وَجِلَت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون}
فقال رحمه الله : " وصَفَ الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوَجَل عند ذكره . وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ، وكأنّهم بين يديه . ونظير هذه الآية {وبشّر المُخبتين ، الذين إذا ذُكرَ الله وجلت قلوبهم} وقال:{وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله} فهذا يرجِعُ إلى كمال المعرفة وثقة القلب . والوَجَل : الفزع من عذاب الله ؛ فلا تناقض . وقد جمعَ الله بين المعنيين في قوله {الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مَثَانيَ تقشعرُّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثمّ تلينُ جلودُهم وقلوبهم إلى ذكر الله} أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله . فهذه حالة العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته ؛ لاكما يفعله جُهّال العوامّ والمبتدعة الطَّغام مِنَ الزعيق والزّئير، ومِنَ النُّهاق الذي يُشبه نُهاق الحمير . فيُقال لمن تعاطى ذلك وزعم أنّ ذلك وجدٌ وخشوع : لم تبلغ أنْ تساوي حالَ الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهْمَ عن الله والبكاء خوفاً من الله . ولذلك وصفَ الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : {وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعيُنَهُم تفيضُ من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}
فهذا وصفُ حالهم وحكايةُ مقالهم . ومنْ لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ؛ فمن كان مُستنَّاً فليستنّ بهم ، ومَنْ تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو أخسّهم حالاً ؛ والجنون فنون.انتهى
11ـ وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره 14/58 :
قال أبو الفرج : وقال القفّال من أصحابنا : لا تقبلُ شهادة المغنّي والرقاص .
قلتُ : وإذا ثبتَ أنّ هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا يجوز . وقد ادعى أبو عمر بن عبد البرّ الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك.انتهى
12ـ وسُئل الشيخ الصالح عبد العزيز بن محمد القيرواني المالكي عن قومٍ تسمّوا بالفقراء يجتمعون على الرقص والغناء ، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاماً كانوا أعدّوه للمبيت عليه ، ثمّ يَصِلُونَ ذلك بقراءة عشْرٍ من القرآن والذكر ، ثمّ يُغنّون ويرقصون ويبكون ، ويزعمون في ذلك كلّه أنهم على قُربة وطاعة ويدعون الناس إلى ذلك ... فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم هل تجوزُ إمامتهم وتقبلُ شهادتهم أم لا ؟ بيّنوا لنا ذلك .
فأجاب : بأن قال : ..... ولم يكن أحدٌ في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف ، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأميّة الجاهلة الغبيّة الذين وَلَعوا بجمع أقوام جهّال فتصدّوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة ، وعقولهم قاصرة ، فدخلوا عليهم من طريق الدّين ، وأنهم لهم من الناصحين وأنّ هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبّين ، فصاروا يحضّونهم على التوبة والإيثار والمحبّة وصدق الأخوّة ، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بالكلّية ، وصرفه إليه بالقصد والنيّة . وهذه الخصال محمودة في الدّين فاضلة ، إلا أنّ الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة ، وطامّاتٌ هائلة . وهذه الطائفة أشدُّ ضرراً على المسلمين ، منْ مرَدَةِ الشياطين ، وهي أصعبُ الطوائف للعلاج ، وأبعدها عن فهم طُرُقِ الاحتجاج ، لأنهم أول أصلٍ أصّلوه في مذهبهم ، بُغضُ العلماء والتنفير عنهم ، ويزعمون أنهم عندهم قطّاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق ، فمن كانت هذه حالته ، سقطت مكالمته ، وبعدت معالجته ، فليس للكلام معه فائدة ، والمتكلّم معه يَضْرِبُ في حديدٍ بارد ، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم ، لعلّه يسلم من عاديتهم ، وينجو من غاويتهم .
واعلموا أنّ هذه البدعة في فساد عقائد العوام ، أسرع من سريان السمّ في الأجسام ، وأنها أضرّ في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام ، فإنّ هذه المعاصي كلها معلوم قبحها ، عند من يرتكبها ويجتلبها ، فلا يُلَبِّس مُرْتَكِبُها على أحد ، وتُرجى له التوبة والإقلاع عنها . وصاحبُ هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات ، وأعلى القربات ، فبابُ التوبة عنه مسدود ، وهو عنه شرودٌ مطرود ، فكيف ترجى له منها التوبة ، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة ، بل هو ممن قال الله فيهم :
{قل هل أُنبّئُكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ً} ، وممن قال فيهم : {أفَمَنْ زُيِّنَ له سوءُ عمَلِه فَرَآهُ حَسَناً} .
ثمَّ ضررُ المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة ، وضررُ هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة ، فإذا أُفسد الأصل ، ذهب الفرع والأصل ، وإذا فسد الفرعُ بقي الأصل و يُرجى أن ينجبر الفرع وإن لم ينجبر الفرع لم تذهب منفعة الأصل . ثمَّ إنّ الذي يُغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته ، يكونُ عليه وزره ووزر من استنّ بسنّته . قال الله العظيم : {لِيَحْمِلُوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامة وَ مِنْ أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْمٍ ، ألا ساء ما يَزِرون} ...
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سنّ سُنّةً حسنة كان له أجرُها وأجرُ من عمِل بها إلى يوم القيامة ، ومن سنَّ سُنّةً سيّئةً كان عليه وِزرُها ووِزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة)) ولا تنشأ هذه العلل إلاّ مِنْ مَرَضٍ في القلب خفيّ ، أو حُمْقٍ جليّ ، فاحذروها واحذروا أهلها . ولا تغترّوا بهم ولو أنّهم يطيرون في الهواء ، ويمشون على الماء . فإنّ ذلك فتنةٌ لِمَنْ أراد الله فتنَتَه ، وعَلِمَ شِقوَته . قال الله تعالى :{ومَنْ يُرِد الله فِتْنَتَه فَلَنْ تَملك له من الله شيئاً}.فلا يغترّ أحدُكم بما يَظْهَرُ منَ الأوهام والخيالات مِنْ أهل البدع والضلالات ، ويعتقد بأنّها كرامات ، بل هي شُرُكٌ وحِبالات ، نصَبَها الشيطان لِيَقتَنِصَ بها مُعْتَقِدَ البدع ومرتكبَ الشهوات ، وإنّما تكون من الله الكرامة لِمَنْ ظهرت منه الاستقامة ، وإنما تكون الاستقامة باتّباع الكتاب والسنّة ، والعمل بما كان عليه سلَفُ هذه الأمّة ، فمن لم يسلُك طريقهم ، ولم يتّبع سبيلهم ، فهو ممن قال الله فيهم :{وَمَنْ يُشاققِ الرسول مِنْ بعد ما تَبَيَّنَ له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً} .
فمَنْ حرَّفَ كتابَ الله أو تركَ العمل به أو عطّله ، فقد افترى على الله كذباً ، واتّخذ آيات الله هزواً ولعباً ، فإذا رأيتم مَنْ يُعظّم القرآن فعظّموه ، وإذا رأيتم من يُكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه . قال الله العظيم :{ومن يُعظّم حُرُمات الله فهو خيرٌ له عند ربّه} . ومن رأيتموه خالفَ القرآن فارْفُضُوه واهجروه في الله وأبغضوه . ومن رأيتموه يُجانب العلماء فجانبوه ، فإنّه لا يُجَانِبُهم إلا ضالٌ مبتدع ، غير مقتدٍ بالشرع ولا متّبع ، فإنّ الشرائع لا تُؤخذُ إلا عن العلماء ، الذين هم ورَثَة الأنبياء ، كيف وقد جعل الله شَهَادَتَه وشهادة ملائكته كشهادة أُولي العلم . قال الله تعالى :{شَهِدَ اللهُ أنّه لا إله إلا هوَ والملائكةُ و أُلوا العلم ، قائماً بالقسط} . ولَسْتُ أعني بالعلماء المشتغلين في زماننا هذا بعلوم الجدال والمماراة ، ولا المُعْتنين بدَرْسِ مسائل الأقضية والشهادات ، فيتقرّبون بذلك إلى جمع الحُطام ، والتّقرّب من الوُلات والحكّام ، ونَيْلِ الرِّياسة عند العوام ، وإنّما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَحْمِلُ هذا الدّين من كُلّ خَلَفٍ عُدُولُه ، ينفونَ عنه تحريفَ الغالين ، وانتحال المبطلين)) فأولئك وَرَثَةُ النّبيين وأئمّة المتّقين الذين يجب أن يُقتَدى بهم ويتأدّب بآدابهم ، ويُقتفى آثارهم ، وتحفظ أخبارهم ، ولكنّهم ضمّهم لحودهم ، وقلَّ على بسيط الأرض وجودهم فما يورد من آثارهم أثر ، فهم الكبريتُ الأحمر ، وإنْ كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصّر ، لكنّه يعرفُ الحقّ فلا يغلط في نفسه ولا يغترّ ، فهذه النّصيحة لِمَنْ وَقَفَ عليها مِنَ الإخوان الصّادقين والمريدين ، والعامّة المسلمين المصحِّحين ، لِيُميِّزوا بها بين المُحِقِّين والمُبطلين مِنَ المنتمين إلى الدّين ولا يغْتَرّوا بالملْبَس منْ أجل حُسن الظنّ ومحبّتهم للصالحين ، ويدخل عليهم الخلل في عقائدهم ، ويميلون بها إلى عوائدهم .
وأمّا ما ذكَرْتُموه مِنْ أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغنا والنّوح فممنوعٌ غيرُ جائزٍ ، قال الله تعالى :{ومِنَ النّاس منْ يَشْتَري لهْوَ الحديث لِيُضلَّ عن سبيل الله} .
قال مالك في المدوّنة : "وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك".
قال عياض : معناه نوحُ المُتَصوِّفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء ، فمن اعتقد في ذلك أنّه قُرْبة لله تعالى فهو ضالٌ مُضِلّ ، وَلا يعْلَمُ المسكين أنّ الجنّة حُفّت بالمكاره ، وأنّ النار حُفّت بالشهوات ، والله تعالى لم يَبعَث أحداً منَ الأنبياء باللهو والرّاحة والغِناء ، وإنّما بُعِثوا بالبِرِّ والتقوى وما يُخالف الهوى . قال تعالى :{وأمّا مَنْ خَافَ مقامَ رَبِّهِ ونهى النَّفْسَ عنِ الهوى فإنَّ الجنّة هي المأوى}. فالباطل خفيفٌ على النفوس ، ولذلك خفّ في الميزان ، والحقُّ ثقيلٌ ، ولذلك ثَقُلَ في الميزان ، قال تعالى :{إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قوْلاً ثَقيلاً}...............
وأمّا ما ذكرتموه منْ قراءة القرآن والاستماع إليه فإنه جائز . وفيه قربة وطاعة لله عزّ وجل قال تعالى :{وإذا قُرِىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون}. وإن كان بعضٌ أوّل ذلك في الصلاة . وهذا إذا كان على الوجه المأذون فيه ؛ لا يقصد به رياءً ولا سُمعة.
قال أبو محمد في رسالته : "ويبجّل كتاب الله العزيز فلا يُتلى إلا بسكينة ووقار" . والنساء فيما ذكرنا كالرجال فالمنعُ في حقّهن أشدُّ .
وكتب عبد العزيز بن محمد القيرواني حامداً الله ومصلٍ على نبيّه المصطفى.
ـ وسُئلَ فقيهُ بجاية وصالحها أبو زيد سيّدي عبد الرحمن الواغليسي عن مثل هذا السؤال .
فأجابَ عنه بما نصّه :
"قد نصَّ أهلُ العلم فيما ذكرتَ منْ أحوال بعض الناس منَ الرقص والتصفيق ، على أنّ ذلك بدعةٌ وضلال. وقد أنكره مالك وتعجّب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أنّ أقواماً يفعلون ذلك فقال : أصبيانٌ هم أم مجانين؟! ما سمِعْنا أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.انتهى [المعيار المُعْرب للونشريسي ج11/29]
13ـ وجاء في المدونة الكبرى 3 / 432
قلتُ : أكان مالك يكره الغناء؟ قال : كره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف لا يكره الغناء!!انتهى
(1) جاء في لسان العرب : قال الأَزهري وقد سَمَّوْا ما يُطَرِّبون فيه من الشِّعْر في ذكر الله تَغْبيراً كأَنهم إذا تنَاشَدُوهُ بالأَلحان طَرَّبوا فَرَقَّصوا وأَرْهَجوا فسُمّوا مُغَبِّرة لهذا المعنى قال الأَزهري وروينا عن الشافعي رضي الله عنه أَنه قال أَرى الزَّنادِقة وَضَعوا هذا التَّغْبِير ليَصُدّوا عن ذكر الله وقراءة القرآن .
(2) انظر رسالة الرّهص والوقص لمستحلّ الرقص (حُكم الحضرة في الإسلام) للعلاّمة إبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي 956هـ
صاحب كتاب (ملتقى الأبحر) ص42 بتحقيق الأستاذ حسن السماحي سويدان . واليَلَب : هو سيور تلبس بمنزلة الدرع ، وهو من أسماء الترس.