تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة عوض المستعار إذا كسر أو فسد



سعيد عبد الله
2025-09-11, 12:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة عوض المستعار إذا كسر أو فسد]

قال أبو بكر حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة قال: "قلت لعائشة: أخبريني عن خُلُقِ النبي صلى الله عليه وسلم" فقالت: "أو ما تقرأ القرآن؟ {وإنك لعلى خلق عظيم} قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني حفصة قالت: فقلت للجارية: انطلقي فأكفئي قصعتها قالت: فأهوت أن تضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فكفأتها فانكسرت القصعة وانتثر الطعام قالت: فجمعها النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من الطعام على الأرض فأكلوا ثم بعث بقصعتي فدفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة" فقال: «خذوا ظرفا مكان ظرفكم وكلوا ما فيها» قالت: "فما رأيته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم"

والرجل الراوى عن عائشة مجهول.

قال أبو بكر حدثنا يزيد عن حميد عن أنس قال: "أهدى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قصعة فيها ثريد وهو في بيت بعض أزواجه فضربت القصعة فوقعت فانكسرت فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الثريد فيرده إلى القصعة بيده" ويقول: «كلوا غارت أمكم» ثم انتظر حتى جاءت قصعة صحيحة فأخذها فأعطاها صاحبة القصعة المكسورة

قال أبو بكر حدثنا حفص عن أشعث عن ابن سيرين عن شريح قال: "من كسر عودا فهو له وعليه مثله"

قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال بخلافه وقال: عليه قيمتها

الذى يذهب إليه أبو بكر بن أبى شيبة أن من أفسد لغيره شيئا فسادا لا تبقى معه للشىء منفعة فإنه يأخذه فاسدا ويضمن مثله لصاحبه إن كان له مثل فإن لم يكن له مثل ضمن له القيمة ثم زعم أن قول أبى حنيفة فيها أن عليه قيمة الشىء أو مثله إن كان له مثل وليس لصاحب الشىء أن يدفعه إلى من أتلفه ويرجع عليه بقيمته.
فخالف ابن أبى شيبة قول أكثر أهل العلم ثم غلط فى القول الذى نسب لأبى حنيفة والله المستعان.

والذى عليه عامة أهل العلم أن من استهلك شيئا لغيره فذهبت عينه وذلك مثل أن يكون طعاما فيأكله أو متاعا فيحرقه أو مالا فينفقه أو عبدا أو حيوانا غير مأكول فيقتله أو حيوانا مأكولا فيَقِذَه فيصير ميتة لا تحل فإن عليه مثله إن كان له مثل فإن لم يكن له مثل فعليه قيمته. والحيوان وكثير من الثياب والمتاع مما لا يكون له مثل فليس فيه إلا قيمته.

وقالوا إن من أتلف شيئا لغيره إتلافا يسيرا لا تذهب معه عامة منافعه وذلك كأن يخرق الثوب خرقا يسيرا أو يجرح العبد أو الحيوان جرحا يسيرا فهو ضامن لما دخل عليه من النقص ويقوم الشىء صحيحا وفاسدا ثم يغرم ما بين القيمتين من الذهب أو الفضة.

ثم اختلفوا فى ما لو أتلفه إتلافا أتى على عامة منافعه كأن مزق الثوب تمزيقا فاحشا أو قطع يدى العبد ورجليه أو قطع قوائم الحيوان أو كسر الصحفة كسرا كبيرا وهذه هى مسألة الباب.

فقال أبو حنيفة وأصحابه إن صاحب الشىء بالخيار إن شاء ضَمَّنَ الجانى ما نقص شَيْئُه كما يَفعل فى الإتلاف اليسير فذلك له وإن شاء أن يدفع إلى الجانى الشىء بعد أن ذهبت منفعته ثم يرجع عليه بمثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل فله ذلك. وقالوا إذا كانت الجناية قد أتت على جميع منافعه وأبطلت ثمنه كله فليس لصاحب الشىء إلا أن يدفع الشىء المجنى عليه إلى الغاصب ثم يرجع عليه بمثله إن كان له مثل أو بقيمته كلها وذلك أن فرق ما بين قيمته صحيحا وفاسدا هو جميع قيمته لما بطل ثمنه بالجناية ولم يكن له أن يأخذ منه جميع القيمة ثم يبقى الشىء فى ملكه فيملك الشىء والقيمة معا. فبان بذلك أن ابن أبى شيبة غلط فى زعمه أن أبا حنيفة يرى عليه القيمة بكل حال بل قول أبى حنيفة فيها كقول شريح. بلى قد يكون قول أبى حنيفة فى الصحفة أن فيها القيمة لأنها يعسر أن يكون لها مثل فى زمانهم وأما فى زماننا فما أسهله. وأكثر أهل العلم يتأولون حديث الصحفة بما أنا ذاكره بعد إن شاء الله تعالى.

وقال الشافعى إن هذه والمسألة التى قبلها سواء ويضمن الجانى ما أحدث من النقصان فإن كان الشىء بعد الجناية قد ذهبت منافعه وبطل ثمنه كله ضمن الجانى قيمته كلها ولم يأخذه من صاحبه. وحكى الشافعى قول أبى حنيفة وأصحابه أنهم قالوا: يُجْبَرُ صاحب المتاع إذا بطل ثمنه أن يدفعه إلى الجانى ويرجع عليه بالقيمة ثم أنكر هذا القول إنكارا شديدا. وهذا قول أبى ثور وابن المنذر.

وكان مالك يقول دهره بقول الشافعى فيها ثم رجع فقال فى هذه المسألة كقول العراقيين وأبى حنيفة وأصحابه غير أن صاحب المتاع عنده بالخيار لا يجبر على تسليم متاعه.

قال سحنون: "قلت لابن القاسم: أرأيت لو أني كسرت صحفة لرجل كسرا فاسدا صيرتها فلقتين، أو كسرتهما كسرا غير فاسد، أو كسرت له عصا كسرا فاسدا أو غير فاسد، أو شققت له ثوبا فأفسدت الثوب، شققته بنصفين أو شققته شقا قليلا؟
قال: قال مالك في رجل أفسد لرجل ثوبا، قال مالك: إن كان الفساد يسيرا رأيت أن يرفوه ثم يغرم ما نقصه بعد الرفو، وإن كان الفساد كثيرا فإنه يأخذ الثوب ويغرم قيمته يوم أفسده لرب الثوب. وكذلك المتاع مثل ما قال مالك في الثوب، فكل الذي سألت عنه هو عندي على مثل هذا المحمل.
قلت: فإن قال رب الثوب: لا أسلم الثوب وقد أفسده فسادا فاحشا، فقال لا أسلمه ولكني أتبعه بما أفسده من ثوبي؟
قال: هو مخير في ذلك، إن أحب أن يسلمه ويأخذ قيمته فعل، وإن شاء احتبسه وأخذ ما نقصه. وإنما فرق ما بينه إذا أفسده فسادا كثيرا وإذا أفسده فسادا يسيرا، أن اليسير لا مضرة فيه على صاحبه. فلذلك لم يكن له خيار ولم يلزم من فعل ذلك به، وإنه حين أفسده فسادا كثيرا، فصاحبه يحتج يقول أبطل علي ثوبي فلذلك يخير.
قال: ولقد كان مالك - دهره - يقول لنا في الفساد يغرم ما نقصه ولا يقول يسيرا ولا كثيرا، ثم وقف بعد ذلك فقال هذا القول في الفساد الكثير. وهو أيضا لا مضرة فيه على الذي أفسده؛ لأنه إنما يطرح عنه بقدر الذي بقي في يدي صاحب الثوب، وهو قيمته التي كان يغرم. وليس هذا بيعا من البيوع يخير فيه، إنما هذه جنايات، فالمجني عليه هو الذي يخير كما وصفت لك" (المدونة 4/169)

وفى أصل محمد بن الحسن: "قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فصبغه أصفر أو أحمر ثم جاء المغتصب منه يطلب ثوبه؟ قال: المغتصب منه بالخيار، إن شاء ضمن الغاصب قيمة الثوب يوم غصبه إياه وكان الثوب للغاصب، وإن شاء أخذ الثوب ويضمن للغاصب ما زاد الصبغ في الثوب. قلت: لم؟ قال: لأن الصبغ من متاع الغاصب، فإذا زاد في الثوب لم يكن لصاحب الثوب أن ينتفع بتلك الزيادة حتى يعطي الغاصب ثمنها.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل جارية صغيرة فرباها فكبرت عنده وأدركت ثم أخذها رب الجارية هل يضمن للغاصب ما زادت الجارية؟ قال: لا. قلت: من أين اختلفا؟ قال: لأن زيادة الجارية منها، وزيادة الثوب هو شيء زاد فيه الغاصب شيئا من ماله، فلذلك اختلفا.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل سويقا ولته بالسمن ثم جاء صاحب السويق؟ قال: هو بالخيار، إن شاء أخذ السويق وضمن السمن للغاصب، وإن شاء أخذ سويقا مثل سويقه من الغاصب.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فصبغه أسود ثم جاء رب الثوب فرضي أن يأخذ ثوبه أسود كما هو وقال الغاصب: لا أدفع إليك الثوب حتى توفيني ما زدت فيه؟ قال: ليس للغاصب أن يمنعه؛ لأن هذا ينقصه ولا يزيد فيه شيئا. فلرب الثوب أن يأخذ ثوبه، وليس عليه من قيمة الصبغ شيء. قلت: أرأيت إن كان زاد هذا الصبغ فيه خيرا؟ قال: هو بالخيار، إن شاء أخذه وضمن ما زاد الصبغ في ثوبه، وإن شاء تركه وضمن الغاصب قيمة ثوبه يوم غصبه إياه.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فقطعه قميصا ولم يخطه فجاء رب الثوب؟ قال: هو بالخيار، إن شاء ضمنه قيمة الثوب وكان الثوب للغاصب، وإن شاء أخذ ثوبه وضمن ما نقص التقطيع. قلت: وكذلك لو غصبه فقطعه وخاطه؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأنه زاده خيرا حيث خاطه.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فصبغه أسود وذلك ينقصه فجاء رب الثوب فقال: أنا آخذ ثوبي وأضمن الغاصب ما نقص ثوبي، هل له ذلك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فقطعه وخاطه جبة محشوة أو قباء محشوا أو قميصا ثم جاء رب الثوب؟ قال: الغاصب ضامن لقيمة ثوبه يوم غصبه إياه، ولا سبيل لرب الثوب على الثوب، والثوب للغاصب؛ لأن هذا استهلاك.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل ثوبا فتخرق في يديه ثم جاء رب الثوب فقال: أنا أضمن الغاصب قيمة الثوب كله، هل له ذلك؟ قال: إن كان الخرق صغيرا أخذ ثوبه، وضمن الغاصب ما نقصه الخرق. وإن كان الخرق كبيرا فاحشا قد أفسد الثوب كله فصاحب الثوب بالخيار، إن شاء ضمن الغاصب قيمة ثوبه كله وكان الثوب للغاصب، وإن شاء أخذ ثوبه وأخذ ما نقصه.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل دابة فقطع يدها أو رجلها ثم جاء رب الدابة يطلب دابته؟ قال: الغاصب ضامن لقيمة الدابة؛ لأن هذا استهلاك الدابة كلها. ولا يشبه هذا الأول؛ لأن صاحب الدابة لا ينتفع بما بقي من الدابة، والغاصب هاهنا ضامن لقيمة الدابة كلها، والدابة للغاصب. قلت: وكذلك لو كانت بقرة أو شاة أو جزورا منقطع رجلها أو ذبحها؟ قال: هذا والدابة سواء.
قلت: أرأيت رجلا اغتصب من رجل حنطة فطحنها؟ قال: على الغاصب حنطة مثل تلك الحنطة بكيلها لصاحب الحنطة، ويكون الدقيق للغاصب" (الأصل 12/134)

قال الشافعى: "إذا شق الرجل للرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا، أو كسر له متاعا فرضه أو كسره كسرا صغيرا أو جنى له على مملوك فأعماه أو قطع يده أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان كله غير الرقيق صحيحا ومكسورا وصحيحا ومجروحا قد برأ من جرحه ثم يعطى مالك المتاع والحيوان فضل ما بين قيمته صحيحا ومكسورا ومجروحا فيكون ما جرى عليه من ذلك ملكا له نفعه أو لم ينفعه، ولا يملك أحد بالجناية شيئا جنى عليه، ولا يزول ملك المالك إلا أن يشاء، ولا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء إلا في الميراث فأما من جنى عليه من العبيد فيقومون صحاحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطون أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من ديته بالغا من ذلك ما بلغ، وإن كانت قيما كما يأخذ الحر ديات وهو حي قال الله - عز وجل - {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقال {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} فلم أعلم أحدا من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث فإن الله - عز وجل - نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا.
ألا ترى أن الرجل لو أُوصِيَ له أو وُهِبَ له أو تُصِدِّقَ عليه أو مُلِّكَ شيئا لم يكن عليه أن يَمْلِكَه إلا أن يشاء، ولم أعلم أحدا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك أو عتق أو دَيْن لزمه فيباع في ماله، وكل هذا فعله لا فعل غيره قال فإذا كان الله - عز وجل - حرم أن تكون أموال الناس مملوكة إلا ببيع عن تراض وكان المسلمون يقولون فيما وصفت ما وصفت فمن أين غلط أحد في أن يجني على مملوكي فيملكه بالجناية وآخذ أنا قيمته وهو قبل الجناية لو أعطاني فيه أضعاف ثمنه لم يكن له أن يملكه إلا أن أشاء، ولو وهبته له لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء فإذا لم يملكه بالذي يجوز ويحل من الهبة إلا بمشيئته، ولم يُمْلَكْ عليَّ بالذي يحل من البيع إلا أن أشاء فكيف ملكه حين عصى الله - عز وجل - فيه فأخرج من يدي ملكي بمعصية غيري لله وألزم غيري ما لا يرضى ملكه إن كان أصابه خطأ وكيف إن كانت الجناية توجب لي شيئا واخترت حبس عبدي سقط الواجب لي وكيف إن كانت الجناية تخالف حكم ما سوى ما وجب لي، ولي حبس عبدي وأخذ أرشه، ومتاع، وأخذ ما نقصه إذا كان ذلك غير مفسد له فإن جنى عليه ما يكون مفسدا له فزاد الجاني معصية لله وزيد علي في مالي ما يكون مفسدا له سقط حقي حين عظم وثبت حين صغر وملك حين عصى وكبرت معصيته، ولا يملك حين عصى فصغرت معصيته ما ينبغي أن يستدل أحد على خلاف هذا القول لأصل حكم الله وما لا يختلف المسلمون فيه من أن المالكين على أصل ملكهم ما كانوا أحياء حتى يخرجوا هم الملك من أنفسهم بقول أو فعل بأكثر من أن يحكي فيعلم أنه خلاف ما وصفنا من حكم الله - عز وجل - وإجماع المسلمين والقياس والمعقول ثم شدة تناقضه هو في نفسه" (الأم 3/251)

وأما حديث القصعة فإن بعض أهل العلم كان يتأوله على أن كلا القصعتين إنما كانتا ملكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك بيوته وما حوت من المتاع فهو له دون نسائه وإنما ينتفعن به ويستعملنه بإذنه وإباحته ذلك لهن. فإذا كان ذلك كذلك فإن له أن ينقل ما شاء من المتاع من بيت إحداهن إلى بيت غيرها لأنه متاعه يتصرف فيه كيف شاء وليس هذا مما يجب فيه العدل بين النساء بل لا يجب العدل بينهن فى النفقة عند أكثر أهل العلم. فلا يعدو صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أدبا لعائشة رضى الله عنها بأن بعث بالصحفة التى فى بيتها إلى حفصة رضى الله عنها وأبقى لعائشة الصحفة التى كسرتها ومما يدل على ذلك أن الصحفة لو كانت لحفصة لكانت بالخيار أن تعطيها عائشة وتأخذ منها مثلها أو تحبسها لنفسها وترجع عليها بالنقصان فلما أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة مكانها ولم يخيرها دل على أن الأمر كان إليه دونها لأنها صحفته لا صحفتها. وهذا قول الطحاوى وابن المنذر وحكاه عن بعض أهل العلم وهو قول لو وجه من النظر والله أعلم.

قال الطحاوى: "فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه لو تدبر هذه الآثار لما وجدنا لها مخالفين ولا عنها راغبين وذلك أن المرأتين اللتين كان من إحداهما في صحفة الأخرى ما كان كانتا زوجتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كل واحدة منهما في بيت من بيوته وهما في عوله، فكانت الصحفتان المذكورتان في هذه الآثار جميعا للنبي صلى الله عليه وسلم، فحول الصحفة الصحيحة التي كانت من المرأة المتلفة لصحفة صاحبتها إلى بيت المتلف عليها صحفتها وحول الصحفة المكسورة إلى بيت التي كسرتها ولم يكن في ذلك شيء مما توهم هذا المحتج علينا بما احتج به مما ذكرنا" (شرح مشكل الآثار 8/426)