المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة كفن المحرم إذا توفي وكشف المحرمة وجهها



سعيد عبد الله
2025-09-05, 03:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة كفن الحاج إذا توفي]
قال أبو بكر حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فوقصته ناقته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا»

قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خر رجل عن بعيره فوقص فمات" فقال: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا»

قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: يغطي رأسه

هذه مسألة قد قال فيها أبو حنيفة وأصحابه بخلاف ظاهر حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ولم ينفرد بذلك بل وافقه مالك والأوزاعى والحسن البصرى وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم وقالوا إن المحرم إذا مات فقد ذهب إحرامه.

وقال غيرهم بظاهر الحديث وهذا قول الشافعى وأحمد وإسحاق وطاوس وهو قول عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وكان الثورى يستحب هذا القول ويميل إليه. وفى قول الشافعى إن المحرمة إذا ماتت كُشِفَ عن وجهها لأن إحرامها فى وجهها. وكان الشافعى يعتذر لابن عمر ويقول لعله لم يبلغه الحديث.

قال أبو بكر حدثنا ابن فضيل عن عبد الملك عن عطاء أنه سئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات وإذا كفن؟ قال: "قد غطى ابن عمر وكشف غيره"

قال أبو بكر حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن عطاء قال: "لا تقربوه طيبا"

قال أبو بكر حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: "يغطى رأس المحرم إذا مات"

قال أبو بكر حدثنا وكيع عن عقبة بن أبي صالح عن إبراهيم عن عائشة قالت: «إذا مات المحرم ذهب إحرام صاحبكم»
تعنى أنه يُغطى وجهُه ويحنط بالطيب ولا يُجنَّب جسده ما يجتنب المحرم فى حياته.

قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها سئلت عن المحرم يموت فقالت: «اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم»

قال أبو بكر حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن قال: "إذا مات المحرم فقد ذهب إحرامه"

قال ابن القاسم: "قال مالك المحرم: لا بأس أن يحنط إذا كان الذي يحنطه غير محرم، ولا تحنطه امرأته بالطيب" (المدونة 1/262)

قال الشافعى: "وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا وغسل بماء وسدر ولم يلبس قميصا وخمر وجهه ولم يخمر رأسه يفعل به في الموت كما يفعل هو بنفسه في الحياة
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير «عن ابن عباس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فخر رجل محرم عن بعيره فوقص فمات فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما فإنه يبعث يوم القيامة مهللا أو ملبيا» قال سفيان وأخبرني إبراهيم بن أبي جرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله وزاد فيه «ولا تقربوه طيبا» أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان فعل بابن له مات محرما شبيها بهذا" (الأم 2/223)

قال الشافعى: "وإذا مات المحرم غسل بماء وسدر ولم يقرب طيبا وكفن في ثوبيه ولم يقمص وخمر وجهه ولم يخمر رأسه (قال) : وإذا ماتت المحرمة غسلت بماء وسدر وقمصت وأزرت وشد رأسها بالخمار وكشف عن وجهها" (الأم 2/241)

قال الشافعى: "إذا مات المحرم غسل بماء وسدر، وكفن في ثيابه التي أحرم فيها أو غيرها ليس فيها قميص، ولا عمامة، ولا يعقد عليه ثوب كما لا يعقد الحي المحرم، ولا يمس بطيب، ويخمر وجهه، ولا يخمر رأسه ويصلى عليه، ويدفن، وقال بعض الناس: إذا مات كفن كما يكفن غير المحرم، وليس لميت إحرام، واحتج بقول عبد الله بن عمر ولعل عبد الله بن عمر لم يسمع الحديث بل لا أشك إن شاء الله، ولو سمعه ما خالفه، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولنا كما قلنا وبلغنا عن عثمان بن عفان مثله، وما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد خلافه إذا بلغه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عباس يقول: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فخر رجل عن بعيره فوقص فمات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه» قال سفيان، وأزاد إبراهيم بن أبي بحرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك" (الأم 1/307)

قال أبو داود: "قلت لأحمد بن حنبل: المحرم إذا مات؟
قال: لا يقرب مسك ويكفن في ثوبين ولا يغطى رأسه" (مسائل أبى داود 943)

قال إسحاق بن منصور: قلت: "المحرم إذا مات يغطى وجهه؟
قال: لا يغطى وجهه، ولا يقرب الطيب.
قال إسحاق: كما قال" (مسائل الكوسج 1471)

وفى قول الشافعى إن للمحرم أن يغطى وجهه وهو قول آخر لأحمد وكان مالك يكره ذلك.

قال الطحاوى: " قال أصحابنا ومالك والأوزاعي يصنع به ما يصنع بالحلال
وقال الثوري أحب إلي أن لا يغطى رأسه ولا يقرب طيبا
وقال الشافعي لا يغطي رأسه ولا يقرب طيبا
وروي عن ابن عمر وعائشة أنه يصنع به ما يصنع بالحلال
قال أبو جعفر روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي مات لا تغطوا رأسه وفي بعضها لا تغطوا وجهه ولا تقربوه طيبا
وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله" (مختصر اختلاف العلماء - في تكفين المحرم)

سعيد عبد الله
2025-09-05, 03:04 AM
وإحرام الرجل فى رأسه فليس له أن يغطى رأسه بشى يماسه فإذا فعل عامدا غير جاهل فعليه فدية. وجائز له أن يستظل بشجرة أو بسقف وله أن يحمل مظلة يجافيها عن رأسه يستظل بها من الشمس.

وإحرام المرأة فى وجهها فليس لها أن تغطى وجهها بشىء يماسه فإن فعلت عامدة غير جاهلة فعليها فدية. وليس لها أن تنتقب ولا أن تضع شيئا من الثياب على وجهها ولو كان كمامة. ولا تغطى شيئا من وجهها إلا شيئا من جبهتها مما يلى قصاص شعرها لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر والشعر عورة فلا بد من ستره. وجائز لها أن تستتر خلف جدار أو ستار أو فى هودج. وإذا أرادت المحرمة أن تستتر من الرجال أسدلت خمارها على وجهها ومعنى الإسدال أن ترخى خمارها أو جلبابها فتجعله أمام وجهها من غير أن يمس وجهها. وليس بواجب عليها أن تستر وجهها غير أنه مستحب. وليس لها أن تنتقب ولا أن تغطى وجهها بشى من الثياب فى قول عامة أهل العلم إلا قولا شاذا يروى عن أحمد بن حنبل رحمه الله أن المرأة المحرمة ليس عليها أن تجافى خمارها إذا أسدلته عن وجهها وعمل المسلمين على خلافه والله أعلم.

قال الشافعى: "ويستظل المحرم على المحمل والراحلة والأرض بما شاء ما لم يمس رأسه" (الأم 2/223)

قال الشافعى: "وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به، قلت وما لا تضرب به؟ فأشار إلي كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال، لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب.
(قال الشافعي) : ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطي جبهتها ولا شيئا من وجهها إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر الشعر لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل التعمم" (الأم 2/162)

الاختمار تغطية الرأس.

قال الشافعى: "وتلبس المرأة الخمار والخفين ولا تقطعهما والسراويل من غير ضرورة والدرع والقميص والقباء وإحرامها من لبسها في وجهها فلا تخمر وجهها وتخمر رأسها.
فإن خمرت وجهها عامدة افتدت وإن خمر المحرم رأسه عامدا افتدى وله أن يخمر وجهه وللمرأة أن تجافي الثوب عن وجهها تستتر به وتجافي الخمار ثم تسدله على وجهها لا يمس وجهها" (الأم 2/222)

وفى زماننا يأمر بعض الناس النساءَ المحرمات أن يغطين وجوههن وينكرون على من نهى عن ذلك وأوجب عليها فدية وهو قول عامة أهل العلم ولم يزل عمل المسلمين على هذا حتى لقد كان بعض الفساق من الشعراء يتحين الموسم كل عام لينظر إلى وجوه النساء ومن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة: "ليت ذا الدهر كان حتما علينا كل يومين حجة واعتمارا" فهذا أمر معروف مشهور يريد أن ينكره بعض المعاصرين.

وقد زعم بعض جهالهم أن نهى النبى صلى الله عليه وسلم المحرمة ان تنتقب إنما هو لأن النقاب مخيط لا أن حراما عليها أن تغطى وجهها بل هو واجب عندهم فى الإحرام فإذا غطته بغير المخيط بزعمهم لم يكن عليها فدية.
وهذا القول جهل كله لا أحسب صاحبه إلا لا يحل له أن يتكلم فى العلم. وللمحرمة أن تلبس المخيط بخلاف المحرم فإنه لا يلبسه. ثم إن ما يغطى به الوجه من النقاب ليس بمخيط بل هو قماش يسدل على وجهها يمسه وإنما منعت منه لأن إحرامها فى وجهها.

وقال بعضهم إن المحرمة لا تنتقب ولكنها تسدل على وجهها لقول أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ولما جاء فى الآثار والسدل عندى أن تغطى وجهها بشىء يستره كله ولا يظهر العينين فهو أشد سترا من النقاب وهذا الفرق بينه وبين النقاب.

وما كنت أحسب أن أحدا يعقل يقول قولا مثل هذا حتى رأيته فى كلام أناس منهم والله المستعان. وقد مضى كلام ابن عباس وأصحابه والشافعى فى السدل وهو عند أهل العلم أن ترخى من ثيابها أمام وجهها وتجافيه عنه فيسترها عن الرجال من غير أن يمس وجهها.

ومن حجة عامة اهل العلم على قولهم إن وجه المرأة ليس بعورة أن المحرمة ممنوعة من تغطية وجهها والمحرم لا يمنع من ذلك عند أكثر أهل العلم والله تبارك وتعالى لم يأمرنا أن نتقرب إليه بالمعاصى ولم يبح قط أن يكشف رجل عورته ولا امرأة عورتها وإنما هذا من أفعال المشركين فى الجاهلية فكانوا يتعرون فى الحج ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها ويزعمون أن الله أمرهم بهذا فأنكر الله سبحانه وتعالى عليهم. قال الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

فأعلمنا أنه لم يبح لنا كشف العورة فى صلاة ولا حج ولا عمرة ولا يكون كشف العورة عبادة يُتقرب إلى الله بها أبدا وإنما هذا من أفعال الجاهلية.

قال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر. وحدثني أبو بكر بن نافع واللفظ له حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول: من يعيرني تطوافا؟ تجعله على فرجها. وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}"

وقد استدل ابن عبد البر بحلق المحرم رأسه على جواز حلق الرأس فى غير الإحرام لأن الله تبارك وتعالى لا يأمرنا أن نتقرب إليه بما حرم علينا.
قال ابن عبد البر: "والحلق أيضا مباح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حلق رؤوس بني جعفر بن أبي طالب بعد أن أتاه خبر قتله بثلاثة أيام ولو لم يجز الحلق ما حلقهم والحلق في الحج نسك ولو كان مثلة كما قال من قال ذلك ما جاز في الحج ولا في غيره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقد أجمع العلماء في جميع الآفاق على إباحة حبس الشعر وعلى إباحة الحلاق وكفى بهذا حجة وبالله التوفيق" (التمهيد 22/138)