المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة المحلل والمحلل له ومن أجاز النكاح بنية التحليل



سعيد عبد الله
2025-08-27, 12:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة المحلل والمحلل له]
قال أبو بكر حدثنا الفضل بن دكين عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل عن عبد الله قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلِّلَ والمحلَّلَ له»
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر قال: قال عمر: «لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما»
قال أبو بكر حدثنا ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي معشر عن رجل عن ابن عمر، قال: «لعن الله المحلل والمحلل له»
والراوى عن ابن عمر مجهول
قال أبو بكر حدثنا ابن نمير عن مجالد عن عامر عن الحارث بن عبد الله عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المحلل والمحلل له»
وفيه مجالد وهو ضعيف والحارث الأعور وقد اتهموه بالكذب
قال أبو بكر حدثنا عائذ بن حبيب عن أشعث عن ابن سيرين قال: "لعن الله المحلل والمحلل له" وهذا عن ابن سيرين وقد روى عنه خلافه
قال أبو بكر: ذكر أن أبا حنيفة قال: إذا تزوجها ليحللها فرغب فيها فلا بأس أن يمسكها

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له ولم يرو عنه أنه لعن المحللة لأنه ليس بيد المرأة فرقة ولو كان بيدها لكانت ملعونة مرتين مرة بنكاحها من تُحِلُّ به نفسَها ومرة بنكاحها زوجها الأول بعد أن أحلت نفسها. وأجمع أهل العلم على أن المرأة لا تملك أن تحلل نفسها لأنها ليس بيدها طلاق ولا خلع ولا يملك أن يحللها السلطان ولا القاضى لأن الفرقة إلى الزوج دونهما ولا يحلها إلا زوج صحيح النكاح. وتحليلها نفسها أن تنكح رجلا نكاحا صحيحا فتمكنه من نفسها ثم تفارقه بلا فرقة يحدثها الرجل. ولولا ذلك لما عجزت امرأة تريد أن ترجع لمطلقها ثلاثا أن تنكح رجلا نكاحا صحيحا وهو ينوى إمساكها فتمكنه من نفسها مساء ثم تخلعه صباحا ثم تعود إلى زوجها الأول وهذا قول قرامطة نجد الوهابية عليهم من الله ما يستحقون. وإذا نكحت المرأة نكاحا مختلفا فى صحته فرفع إلى سلطان لا يرى إجازته فأبطله لم يحلها الوطء فى هذا النكاح المفسوخ للزوج الأول وهذا قول عامة أهل العلم ولولا ذلك لنكحت المرأة بلا ولى على مذهب أبى حنيفة أو بلا شهود على مذهب مالك ثم تمكن الزوج من نفسها ثم ترفع أمرها إلى قاض لا يصحح النكاح بغير ولى وشهود فيفسخ النكاح ثم تعود إلى الزوج الأول.
ثم اختلف أهل العلم فى المحلل الملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى نكاح التحليل المنهى عنه.
فقال بعض أهل العلم التحليل المنهى عنه أن ينكحها وهو يريد إحلالها لزوجها الأول فإن نكحها وهذه نيته فنكاحه باطل ولا تحل لزوجها الأول وسواء شرطوا ذلك عليه فى العقد أو أضمره فى نفسه. ثم قالوا: ولكن لو نكحها وهو ينوى طلاقها دون إحلالها فدخل بها ثم طلقها فالنكاح جائز وتحل لزوجها الأول. وأما نية المرأة فلا عبرة بها وممن هذا قوله مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبى عبيد وهو قول الحسن البصرى وجابر بن زيد أبى الشعثاء وعمرو بن دينار وإبراهيم النخعى وقتادة وحماد.
وقال غيرهم نكاح التحليل المنهى عنه أن يشرط فى العقد أنه إنما نكحها ليحلها ولا نكاح بينهما إذا أحلها وهذا محرم وباطل لأنه نكاح إلى أجل ويشبه نكاح المتعة. فأما إذا نكحها وهو يريد إحلالها فأضمره فى نفسه ولم يشرط ذلك فى العقد فنكاحه صحيح وإذا طلقها حلت لزوجها الأول وإذا رغب فيها بعد النكاح فأمسكها لنفسه فله ذلك ولا تملك أن تفارقه بطلاق ولا خلع لأن ذلك بيده دونها. وحجتهم فى ذلك أن نية التحليل دون الشرط غير لازمة ألا ترى أنه قد ينكحها ليحلها ويفارقها ثم تعجبه فيمسكها لنفسه ولا يلزمه أن يفارقها وليس تصنع النية دون القول شيئا؟ ومما احتجوا به أيضا أنهم اجتمعوا على أنه إذا نكحها وهو ينوى طلاقها فالنكاح جائز وله أن يمسكها لنفسه ومتى طلقها حلت للزوج الأول وليس بين نية الطلاق ونية التحليل كبير فرق. وومن قال بهذا الشافعى والليث بن سعد وأبو ثور وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير والحكم بن عتيبة ومحمد بن سيرين ومجاهد ويحيى بن سعيد وربيعة شيخى مالك وهو رواية عن أبى حنيفة وأبى يوسف. ويروى مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وزعم أبو ثور أن فاعل ذلك محتسبا مأجور لإدخاله السرور على أخيه المسلم.
واحتج الشافعى بأن الله تبارك وتعالى قد تجاوز لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم عما حدثت به القلوب ولا تعدو نية التحليل أن تكون من حديث القلب المنهى عنه. فإن قال قائل فأنت تزعم أن النية تفرق بين صلاة الفريضة والنافلة وصوم الفريضة والنافلة والوضوء والتبرد بالماء فلم زعمت أن النية تعمل ههنا ولا تعمل هناك؟ قيل له - إن شاء الله - فرق ما بينهما أن العملين إذا اشتبها فلا بد من النية للتفريق بينهما والنية ههنا هى العمل المقصود وليس ما يريده ويقصده بالعمل. ألا ترى أنه لو نوى أن يصلى نافلة ركعتين ثم أراد أن تجزئه عن صلاة الفجر لم تجزئه ولكنه لو نوى صلاة الفجر وأضمر الرياء فى قلبه أجزأته مع الإثم والرياء محبط لأجر العمل. وأما العقود فإن أهل العلم مجمعون أن العقود المباحة تختلف عن العقود المحرمة فى المعنى دون النية ولولا ذلك لما عجز أحد عن أن يزنى ويأكل الربا ويبيع الحرام إذا نوى بذلك ما ينويه النكاح حلالا والبائع حلالا. ولكن النكاح يخالف الزنا فى أن المنكوحة لا تملك أن تفارق والزانية تملك أن تفارق ويخالف البيع الربا فى أن البيع لازم لا يملك البائع أن يعود فى المبيع إذا أعطاه المشترى الثمن وأما الربا فهو من قرض يملك المقرض أن يعود فيه فكان حراما عليه أن يأخذ عليه أجرا لأنه لم يقطع ملكه عنه.
وقال آخرون إذا نكحها ونيته أن يحلها فلا تحل بهذا النكاحِ والوطءِ فيه للزوج الأول ولكن إذا رغب فى إمساكها جاز له أن يمسكها وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد المشهور عنهم وهو يشبه قول عطاء بن أبى رباح والحكم بن عتيبة. وهذا عندى أضعف الأقوال كلها لأن النكاح بنية التحليل دون الشرط لا يعدو أن يكون صحيحا فيحل له إمساكها إن شاء وإذا طلقها حلت للزوج الأول أو يكون باطلا فلا يكون له أن يمسكها ولا تحل للزوج الأول. فأما أن يكون النكاح مرة حلالا جائزا إذا أمسكها لنفسه ومرة حراما باطلا إذا طلقها فلم يحل لها أن تنكح الزوج الأول فهذا تَحَكُّمٌ لا يجوز والله أعلم.
فأما ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلِّلَ والمحلَّلَ له» فإن أهل المقالة الأولى احتجوا به على أن النكاح بنية التحليل باطل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل ولم يفرق بين من نيته التحليل ومن اشترطوا عليه فى العقد أنه متى أحلها فلا نكاح بينهما.
وقال أهل المقالة الثانية: أرأيتم لو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجها آخر يريد إحلالها والمرأة والزوج الأول لا يعلمان ثم طلقها بعد أن دخل بها فلما انقضت عدتها تزوجها الزوج الأول أيكون الزوج الأول وهو المُحَلَّل له ملعونا؟ قالوا: لا لأنه لا يعلم أن هذا نكح على التحليل ولم يشترط ذلك عليه وإنما يكون ملعونا إذا أتى برجل لينكحها فاشترط عليه أنك متى أحللتها فلا نكاح بينكما فيكون حينئذ داخلا فى اللعنة. قيل لهم: لئن جاز لكم أن تجعلوا المُحَلَّل له ملعونا إذا اشترط غير ملعون إذا لم يشترط ليجوزن لغيركم أن يجعل المُحَلِّل كذلك. وقالوا: لمَّا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اللعنة بين المُحَلِّل والمُحَلَّل له علمنا أن المُحَلِّل من شرط فى العقد أن نكاحه إلى أن يحلها لأن المُحَلَّل له لا يستحق اللعنة إلا إذا استحلها من بعد هذا النكاح. فإن قالوا: فلعل المحَلَّل له قد علم أن المُحَلِّل قد نكح على التحليل فلذلك لما رجع إلى المرأة بعده استحق اللعنة. قيل لهم: وكيف يعلم أنه نكح على التحليل وهو قد أضمر ذلك فى قلبه ولم يظهره حين العقد وهذا من علم الغيب الذى لا يعلمه إلا الله. قالوا: فلعل المحَلِّل كان يتكلم بهذا قبل النكاح. قيل لهم: أرأيتم لو أن رجل أراد نكاح مطلقة ثلاثا وإمساكها لنفسه وقد علم أنها محبة لزوجها الأول كارهة لنكاح غيره فخدعها ووعدها أنه إذا نكحها فارقها لتحل للأول ولم يشترط ذلك فى العقد لئلا يبطل فلما ملك عقدة نكاحها أمسكها لنفسه وهى كارهة أيحل له ذلك ويكون هذا نكاحا صحيحا وإذا طلقها حلت للأول؟ قالوا: نعم لأنا لا ننظر إلى الوعد المتقدم العقد ولكن ننظر إلى النية ساعة العقد فإذا كذبها ثم نكحها وهو ينوى إمساكها فقد أساء بكذبه وله أن يمسكها وإذا طلقها حلت للأول. قيل لهم: فليس المحلّل له ههنا بملعون فيبغى أن لا يكون المحلِّل بغير شرط كذلك. قالوا: فلعله أقر بأنه نكح على التحليل بعد النكاح قبل أن يطلقها أو بعد ما طلقها. قيل لهم أرأيتم لو أن رجلا نكح مطلقة ثلاثا فلما نكحها قال كنت قد نويت التحليل فما تقولون فى ذلك؟ قالوا: فى إقراره أمران إقرار ببطلان النكاح لأنه تحليل فنلزمه بذلك لأن الفرقة بيده ودعوى براءته من صداقها وأنها لا تحل لزوجها الأول فلا تُقبَل دعواه عليها إلا ببينة فيغرم لها صداقها كاملا وتحل للزوج الأول وسواء كان إقراره قبل الطلاق أو بعده ولولا ذلك لما عجز رجل نكح مطلقة ثلاثا ثم حدث بينهما شر فطلقها وأراد أن يمنعها من زوجها الأول إلا قال كنت قد نكحتها محللا فلا تستطيع أن ترجع إلى الأول.
وأما ما روى من قول عمر: «لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما» فالقول فيه كالقول فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل لعل أهل المقالة الثانية أفرح بهذا من أهل المقالة الأولى لإجماعهم أن المُحَلِّل إذا أضمر ذلك فى نفسه فإنه لا سبيل إلى عقوبته لأن الحدود والعقوبات التى يقيمها الأمراء على الناس إنما هى على ما أظهره الناس بألسنتهم وجوارحهم فأما ما فى قلوبهم فلا يعلمه إلا الله. فلما توعد عمر المُحَلِّل والمُحَلَّل له بالرجم دل ذلك على أنه على من أظهر التحليل بأن أتى برجل ليحل له مطلقته ثلاثا واشترط عليه أنه إذا نكحها فدخل بها فلا نكاح بينهما. وعامة أهل العلم يقولون إن المُحَلِّل لو شرط ذلك ففُسِخ نكاحه فليس عليه الرجم لأنه نكاح مختلف فيه بل قد صححه بعض أهل العلم وأبطلوا الشرط فجعلوا له أن يمسكها وهذا قول لا يقول به عامة أهل العلم.
قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن معمر عن الزهري عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل أن ابن عمر سئل عن تحليل المرأة لزوجها قال: «ذلك السفاح، لو أدرككم عمر لنكلكم»
فاحتج أهل المقالة الأولى بأن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما جعل تحليل المرأة لزوجها سفاحا ولم يسأل أهو بشرط أم بالنية دون الشرط.
واحتج أهل المقالة الثانية بأن عبد الله بن عمر ذكر النكال ولا يكون النكال إلا على من أظهر التحليل واشترطه فأما من أضمره ولم يشترطه فلا نكال عليه لأنه لا علم للسلطان بما فى قلوب الناس ثم قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله بن شريك العامري قال: سمعت ابن عمر يُسأل عن رجل طلق ابنة عم له ثم رغب فيها وندم فأراد أن يتزوجها رجل يحلها له. فقال ابن عمر: «كلاهما زان، وإن مكثا كذا وكذا، وذكر عشرين سنة، أو نحو ذلك إذا كان الله يعلم أنه يريد أن يحلها له»
فكان فى هذه الرواية أن المطَلِّقَ ثلاثا أراد أن يأتى برجل يشترط عليه التحليل وهذا باطل عند الشافعى ومن قال بقوله.
وقد روى عن عمر بن الخطاب مرسلا مثلُ قول الشافعى.
قال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين أن رجلا من أهل المدينة طلق امرأته ثلاثا وندم وبلغ ذلك منه ما شاء الله، فقيل له: انظر رجلا يحلها لك، وكان في المدينة رجل من أهل البادية له حسب أُقْحِمَ إلى المدينة، وكان محتاجا ليس له شيء يتوارى به إلا رقعتين , رقعة يواري بها فرجه، ورقعة يواري بها دبره، فأرسلوا إليه، فقالوا له: هل لك أن نزوجك امرأة فتدخل عليها، فتكشف عنها خمارها ثم تطلقها ونجعل لك على ذلك جعلا؟ قال: نعم. فزوجوه فدخل عليها، وهو شاب صحيح الحسب، فلما دخل على المرأة فأصابها فأعجبها، فقالت له: أعندك خير؟ قال: نعم، هو حيث تحبين، جعله الله فداءها، قالت: فانظر لا تطلقني بشيء، فإن عمر لن يكرهك على طلاقي: فلما أصبح لم يكد أن يفتح الباب حتى كادوا أن يكسروه، فلما دخلوا عليه، قالوا: طلق، قال: الأمر إلى فلانة، قال: فقالوا لها: قولي له أن يطلقك، قالت: إني أكره أن لا يزال يُدخَلُ علي، فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب فأخبروه، فقال له: «إن طلقتها لأفعلن بك» ورفع يديه وقال: «اللهم أنت رزقت ذا الرقعتين إذ بخل عليه عمر»
قال الشافعى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال طلق رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشيخ وابن له من الأعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى هل فيك من خير؟ ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها. قال نعم: قال فأرني يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد ولاها الدبر فقالت: والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال لو نكحتها لفعلت بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال الزمها
وهذا الخبر وإن كان مرسلا فمراسيل ابن سيرين من أصح المراسيل ويشده أيضا مرسل مجاهد.
قال ابن عبد البر: "فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح" (التمهيد 1/30)
قال سعيد حدثنا محمد بن بسيط البصري قال: سألت بكر بن عبد الله المزني عن رجل يطلق امرأته البتة قال: "لعن الحال، والمحلل له، أولئك كانوا يسمون في الجاهلية التيس المستعار"
ولا يكون مستعارا إلا إذا كان ذلك بأمر الزوج المُطَلِّقِ وشرطه عليه.
روى عبد الرزاق عن الثوري ومعمر عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس قال: "سأله رجل فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا؟" قال: «إن عمك عصى الله فأندمه، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا» قال: "كيف ترى في رجل يحلها له؟" قال: «من يخادع الله يخدعه»
وهذا يحتمل أن يكون كقول مالك ومن قال إن نية التحليل تبطل النكاح أو يكون كقول من أبطل النية ما لم يصاحبها عمل وذلك أن الرجل المطَلِّق ههنا هو الذى يأتى بالمحلل فدل ذلك على أنه اشترط عليه التحليل. ألا ترى أنه لو أتى برجل ينكحها لتحل للأول والمرأة تظن ذلك والرجل الناكح لا يريد إلا إمساكها لنفسه فإن له ذلك ولا يضر نكاحَه كذبُه على الزوجِ الأولِ والمرأةِ ولا تملك المرأة أن تفارقه لترجع لزوجها الأول؟ فلما كانت النية لا تصنع شيئا ولا يلزم الزوج شىء بالنية دون القول كان نكاحه صحيحا إن شاء أمسك وإن شاء طلق.
قال سحنون فى المدونة: "ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم منهم ابن لهيعة والليث عن محمد بن عبد الرحمن المرادي أنه سمع أبا مرزوق التجيبي يقول: إن رجلا طلق امرأته ثلاثا ثم ندما وكان لهما جار فأراد أن يحلل بينهما بغير علمهما، قال: فلقيت عثمان بن عفان وهو راكب على فرسه، فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فقف علي فقال: إني على عجل فاركب ورائي، ففعل ثم قص عليه الأمر فقال له عثمان لا إلا بنكاح رغبة غير هذا السنة"
وهذا منقطع بين أبى مرزوق وعثمان بن عفان رضى الله عنه ومحمد بن عبد الرحمن هذا ليس بالمعروف برواية الحديث والله أعلم. ثم هم جميعا يخالفونه لأنهم يقولون: إذا نكحها وهو ينوى طلاقها فالنكاح جائز وإذا طلقها بعد أن وطئها حلت للأول. ومن نكح وهو ينوى الطلاق فلم ينكح نكاح رغبة وهذا مما لا يختلف فيه عاقلان. فما الفرق بين نية الطلاق ونية التحليل؟ ولقد جهد ابن تيمية الحرانى فى التفريق بينها فلم يقدر. وكان أصحاب مالك يجيزون للمطلقة ثلاثا إذا أرادت الرجوع للزوج الأول أن تتزوج رجلا مطلاقا معروفا بكثرة الطلاق لأن النكاح بنية الطلاق صحيح بزعمهم فإذا نوى التحليل بطل. وليت شعرى وكيف يبطل بنية التحليل وهو متى نكحها فوطئها فقد حلت للأول إذا فارقها نوى ذلك أم لم ينوه؟ فإن قالوا: إن المحلل نوى فراقها بعد الوطء. قيل لهم: والمطلاق نوى طلاقها بعد أن يطأها. مع أنه لا يعجز أحد أراد أن يحلل امرأة لزوجها أن ينكحها ليستمتع بها وهو ينوى طلاقها فتحل بذلك للزوج الأول فى قولهم جميعا.
نقل ابن أبى زيد عن مالك قوله: "وإذا قال لها الأول: تزوجى فلانا، فإنه مطلاق ودعى فلانا لم يضره ذلك، ما لم يعلم الآخر ذلك ولا وعد عليه" (النوادر والزيادات 4/582)
قال ابن أبى زيد: "قال فى كتاب ابن حبيب: ويفسخ بطلقة بائنة بالقضاء إن كان بإقرار منه، ولو ثبت عليه أنه أقر بذلك قبل النكاح فليس بنكاح، ولو تزوجها بذلك زوجها الأول، فسخ ذلك بغير طلاق إذا علم بذلك، وإن لم يعلم فإثمها على من علم ذلك ما بقيا" (النوادر والزيادات 4/582)
قول مالك هذا قول محال لأنه قد كلف الزوج الآخر بعلم ما فى قلب الناكح وذلك أن هذا الناكح لو أقر بالتحليل لم يلزم الزوج الأول أن يصدقه لأنه لعله يدعى عليه ليمنعه من نكاحها ولما علم مالك أن قوله من المحال جعل إثمهما على الناكح المبطن نية التحليل.
ومما يدل على فساد هذا القول والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسألوا رجلا نكح مطلقة ثلاثا فدخل بها ثم فارقها عن نيته ولو كانت نية التحليل تبطل النكاح لسألوه ودينوه وأعلموه أنها إن عادت إلى زوجها الأول فإن إثمهما عليه ما بقيا. وزعم ابن تيمية أن الصحابة لم يردوا امرأة إلى زوجها بنكاح التحليل. فيقال له: ما تعنى بنكاح التحليل؟ أهو أن يأتوا برجل ينكح المرأة ليحللها ثم لا نكاح بينهما وتعود إلى زوجها؟ فهذا باطل عند الشافعى وعندك. وإن كنت تعنى أن ينكح الرجل امرأة وهو ينوى تحليلها فكيف يمنع الصحابة ذلك والنية فى القلب ولا علم لهم بما فى قلوب الناس بل فى تركهم السؤال عن نية الناكح وتديينه دليل والله أعلم أن النية لا تضر. فزعم ابن تيمية أنه لا يأخذ بالنية لأن أحدا لا يقر البتة أنه نكح للتحليل ولكنه يأخذ بالقرائن والظن والإزكان فإذا ظن برجل أنه نكح ونيته أن يحلها لزوجها حكم عليه بالظن وأبطل نكاحه ولم يقبل قوله وهذا سفه وجهل وخروج عن قول أهل العلم جميعا والحنابلة يقولون إن الرجل لو خدع المرأة وأهلها فوعدهم أن يحلها ثم يفارقها فأنكحوه دون شرط وهو ينوى إمساكها فالنكاح جائز وله أن يمسكها ولا تملك أن تفارقه. ومالك يدينه ويجعل القول قوله لأن علم ما فى قلوب الناس من الغيب الذى استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه وقد نهى الله تبارك وتعالى عن التجسس وسوء الظن ولا معنى لقول يخالف كلام الله تبارك وتعالى وما عليه عامة أهل العلم. وزعم ابن تيمية أن الصحابة لم يسألوا الناكحين عن نياتهم لأنه لم يكن على عهدهم من ينكح على التحليل وهذا كذب ومكابرة ألا ترى أن ابن عمر وابن عباس قد سئلا عمن يريد أن يحلل مطلقته ثلاثا؟ ألا ترى أن بكر بن عبد الله المزنى قال إنهم كانوا يسمونه التيس المستعار وقد عاصر كثيرا من الصحابة وروى عنهم؟
وقال ابن تيمية إن من أخذ بقول من صحح نكاح التحليل بالنية دون الشرط وعاد إلى امرأته فإن له أن يمسكها وتحل له لأنه أخذ بقول كثير من أهل العلم وأتباعه فى زماننا لا يقولون بهذا. بل قال ابن تيمية بأشنع من هذا قال لو أن رجلا عمل بالسريجية فطلق امرأته ألفا وهو يظن أن الطلاق لم يقع فلا طلاق عليه لأنه معذور.
روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء: المحلل عامدا هل عليه عقوبة؟" قال: "ما علمته، وإني لأرى أن يعاقب" قال: "وكلٌ إن تمالئوا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق"
وقد روى عنه ما يخالف ذلك: روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء: إنسان نكح امرأة محللا عامدا، ثم رغب فيها، فأمسكها" قال: "لا بأس بذلك"
عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان لا يرى بالتحليل بأسا، إذا لم يعلم أحد الزوجين" وهذا يوافق قول الشافعى
عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه، وعن جابر عن الشعبي قال: "لا بأس إذا لم يأمر به الزوج" وجابر الجعفى متهم بالكذب
قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادا عن رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها؟ فقال الحكم: "يمسكها" وقال حماد: "أحب إلي أن يفارقها"
قال أبو بكر حدثنا أبو داود عن حبيب عن عمرو عن جابر بن زيد في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها وهو لا يعلم. قال: "لا يصلح ذلك، إذا كان تزوجها ليحلها" وهذا قول مالك
قال أبو بكر حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن موسى بن أبي الفرات عن عمرو بن دينار أنه سئل عن رجل طلق امرأته فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها فأخرج شيئا من ماله فتزوجها ليحلها له فقال: "لا" ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مثل ذلك فقال: «لا حتى ينكحها مرتقبا لنفسه، حتى يتزوجها مرتقبا لنفسه، فإذا فعل ذلك لم تحل له حتى تذوق العسيلة»
هذا مرسل وعامة أهل العلم على خلافه لأنهم يصححون النكاح إذا نوى الناكح الطلاق دون التحليل وهذا لم ينكح مرتقبا لنفسه.
قال أبو بكر حدثنا معاذ قال: حدثنا عباد بن منصور قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: "إن رجلا من قومي طلق امرأته ثلاثا، فندم وندمت فأردت أن أنطلق فأتزوجها وأصدقها صداقا ثم أدخل بها كما يدخل الرجل بامرأته ثم أطلقها حتى تحل لزوجها" قال: فقال له الحسن: "اتق الله يا فتى ولا تكونن مسمار نار لحدود الله"

سعيد عبد الله
2025-08-27, 12:15 AM
قال الشافعى: "وجماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن يقول الرجل للمرأة نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد أو يحدث لها فرقة، ونكاح المحلل الذي يروى أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - لعنه عندنا - والله تعالى أعلم - ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم، وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له عليها، مثل أنكحك عشرا ففي عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك لأحللك أني إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك كما يقال أتكارى منك هذا المنزل عشرا أو أستأجر هذا العبد شهرا، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك، وكما يقال أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له، وهذا يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة، وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شيء من أحكام الأزواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد، وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا، وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث.
(قال الشافعي) : وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح وسواء نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده (قال الشافعي) : ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا مقامه بالبلد أو إلا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء وأكره له المراوضة على هذا ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا وأوجبت المهر كله وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القُبُل نفسه" (الأم 5/85)
قال إسحاق بن منصور: "سئل سفيان عن: رجل تزوج امرأة وهو يريد أن يحلها لزوجها، ثم بدا له أن يمسكها؟ قال: لا يعجبني إلا أن يفارق ويستقبل نكاحا جديدا.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: لا يحل له أن يمسكها؛ لأن المحلل لم يتم له عقدة النكاح" (مسائل الكوسج 1238)
قال الطحاوى: "روى محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال لعن الله المحلل والمحلل له
قال محمد وهو الرجل يطلق امرأته فيسأل رجلا أن يتزوجها ليحللها لها فهذا مكروه للسائل والمسؤول أن يفعله
فذكر الكراهة للشرط ولم يذكر فساد النكاح ولا صحته
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال إنما يحلل عندنا الذي يشترط ذلك ويظهر في عقد النكاح فأما إذا كان النكاح صحيحا بغير شرط بمهر وولي وشهود ودخول فليس هذا بمحلل ولا محلل له
والنيه من الثلاثة باطل وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
وذكر هشام عن محمد إذا كان من نيته ونيتها أن يحللها للأول فبنى بها تم طلقها لم تحل للأول في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وذكر هشام قال محمد ولا أعلم أبا يوسف إلا روى ذلك عن أبي حنيفه أنها لا تحل
قال محمد روى زفر فيما أعلم عن أبي حنيفة أنه قال في ذلك أنها لا تحل له
قال محمد ونكاحهما جائز وأن شرط التحليل وله أن يمسكها
وروى الحسن عن زفر أنه إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ويكونان محصنين بهذا التزويج والجماع وتحل للأول وهو قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف النكاح على هذا الشرط فاسد ولها مهر المثل بالدخول
وقال مالك والثوري والأوزاعي والليث نكاح المحلل فاسد ولا يحللها للزوج الأول
قال الليث فإن تزوجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلمها بذلك وإنما كان ذلك منه إحسانا فلا بأس بأن ترجع إليه
وقال الشافعي إذا اشترط التحليل لم يصح النكاح لأنه قرب من نكاح المتعة لأنه مؤقت وإن كان وقته مجهولا قال ونكاح المحلل المنهي عنه إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الحصانة
قال ولو تزوجها ومن نيته أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أويومين فالنكاح جائز لا يفسده النية
قال روى علي وعبد الله وأبو هريرة وعقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار وهو المحلل
قال وليس في الحديث بيان بمعنى المحلل فاحتمل أن يكون الذي بشرط التحليل ويحتمل أن يكون هو الوطء لا عن عقد وهو معنى قول زفر ويحتمل أن يكون كما قال الشافعي
ثم قد روي عن عمر أنه قال لا أوتي بمحلل ولا بمحللة إلا رجمتها
وقال ابن عمر التحليل سفاح
وقال الحسن وإبراهيم إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح
وقال سالم يجوز أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور وهو مذهب القاسم بن محمد
وقال عطاء المحلل يقيم على نكاحه" (مختصر اختلاف العلماء - في المحلل)

وإذا نكحت المرأة وهى تنوى التحليل فليست نيتها بشىء لأن الطلاق والخلع بيد الرجل دونها وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يبطل نكاح امرأة رفاعة القرظى وقد نكحت عبد الرحمن بن الزبير تريد بذلك أن يحلها لترجع إلى رفاعة. وهذا قول عامة أهل العلم وهو قول مالك والشافعى وأحمد وأبى حنيفة.
قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب" فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»
وقد شدد بعض التابعين فجعل نية المرأة التحليل مبطلة للنكاح وزاد فزعم أن نية الزوج الأول مبطلة أيضا وهذا قول لا معنى للاشتغال به لمخالفته السنة الثابتة ولعلهم لم يبلغهم حديث امرأة رفاعة ولو بلغهم لم يخالفوه إن شاء الله تعالى. وإذا كانت نية المرأة لا تصنع شيئا وهى ناكحة لأنها لا تملك أن تفارق فنية زوجها الأول من أن تبطله أبعد.
قال سعيد حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: "إذا كان نية إحدى الثلاثة: الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل، فنكاح هذا الأخير باطل، ولا تحل للأول"
قال سعيد حدثنا هشيم حدثنا يونس عن الحسن أنه كان يقول: "إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد أفسد"
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: "إن نوى الناكح، أو المنكح، أو المرأة، أو أحد منهم التحليل فلا يصلح"
وخالف سعيد بن المسيب الحديث أيضا فزعم أن المطلقة ثلاثا تحل لزوجها الأول إذا نكحها رجل ثم طلقها وإن لم يطأها ولا نعلم أحدا قال بهذا غير سعيد ولعله لم يبلغه الحديث.
قال حرب: "سئل أحمد عن: التحليل: إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل؟
فقال أحمد: كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك، وقال أحمد: الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟»
يقول أحمد: إنها قد كانت همت بالتحليل، ونية المرأة ليست بشيء؛ إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله المحلل والمحلل له» وليست نية المرأة بشيء" (مسائل حرب 87)
قال ابن أبى زيد: "من كتاب ابن المواز: وقد جاء النهى عن نكاح المحلل حتى يكون نكاح رغبة. قال مالك: ولا يجوز أن يتزوجها ليحلها علمت هى أو زوجها الأول أو لم يعلما، فإذا لم ينو هو ذلك فذلك جائز، ولا يضرها ما نوت هى أو زوجها الأول، ولو نكحها ونيته على الصحة، وقد عملت المرأة على ذلك، وخطب إليه، فلما دخل أعلمته ففارق، أو افتدت منه. قال مالك: ذلك جائز، وتحل للأول، وروى أشهب عن مالك فى العتبية.
قال فى كتاب محمد: ولو أن الأول أمره بنكاحها ودله عليها، وقال لها هى أنكحيه حتى يحللك لى. والناكح لا يعلم، فذلك جائز، إذا لم يرد ما أراد. قال مالك: ولا يضر ما نوت هى لأن الطلاق ليس بيدها" (النوادر والزيادات 4/581)

سعيد عبد الله
2025-08-27, 12:17 AM
وقد أسرف بعض الناس وهو ابن تيمية على نفسه فاتخذ مسألة النكاح بنية التحليل عقيدة يوالى ويعادى عليها وحمله ذلك على السعى لإبطال عامة طلاق المسلمين لأنه رأى أن الذى يحمل الناس على التحليل ما يحدثونه من الطلاق وهم له كارهون فأبطل الطلاق فى الحيض والطهر الذى لم يمسها فيه إن لم تكن حاملا أو غير مدخول بها وهذا قول الرافضة ثم عمد إلى طلاق الثلاث بكلمة واحدة فجعله واحدة وهذا أيضا قول الرافضة ثم أبطل أيمان الطلاق وزعم أن فيها الكفارة ثم أبطل الطلاق فى الغضب. وصنف كتابا أفرد فيه هذه المسألة وسماه "بيان الدليل على بطلان التحليل" فأكثر فيه من الحط على الشافعى وزعم أن من قال بقوله فهو يقول بالحيل ويهدم أصول الدين وذكر فيه أشياء منكرة فمن ذلك أنه زعم أن من نكح امرأة وأحدهما لا ينوى أن يطيع الله فى صاحبه أو أنه يتوسل بالنكاح إلى المعصية فإن نكاحهما باطل وزعم أن الرجل وامرأته لو تواطآ على وطئه إياها فى الدبر فرق بينهما وهذه مخرقة ابتدعها ابن أبى موسى وكيف يفرق بينهما والوطء فى الدبر مختلف فى حرمته أصلا؟ ثم من أين أتى بأن الرجل والمرأة إذا تواطآ على المعصية فرق بينهما؟ ومن أين خص الوطء فى الدبر دون سائر المعاصى؟ وهذا قول يحكى للتندر والتعجب والله المستعان. ولعل من كرامات الشافعى أن أتباع ابن تيمية قد ضربوا على كتابه فلم يأخذوا به لأنه أفرد فى آخر الكتاب فصلا عن المرأة التى تنكح ونيتها أن ترجع إلى زوجها الأول وبنى الفصل كله على أن المرأة لا تملك أن تفارق ولو كرهت زوجها وذكر فيه بعض حيل النساء اللاتى كن يحتلن بها للفرقة. وأتباعه فى زماننا هذا يستحلون الزنا ويقولون بقول الدروز.
قال ابن تيمية فى قول التابعين: "ووجه هذا أن المرأة إذا نكحت الرجل وليست هي راغبة فيه فليست ناكحة كما تقدم بل هي مستهزئة بآيات الله متلاعبة بحدود الله وهي خادعة للرجل ماكرة به وهي وإن لم تملك الانفراد بالفرقة فإنها تنوي التسبّب فيها على وجه تحصل به غالباً بأن تنوي الاختلاع منه وإظهار الزهد فيه وكراهته وبغضه وذلك مما يبعثه على خلعها أو طلاقها ويقتضيه في الغالب" (بيان الدليل 494)
وقوله: "ويقتضيه في الغالب" يعنى أن الأغلب على الرجل أنه إذا نكح امرأة فوجدها له كارهة فإنه يطلقها أو يخلعها ليريح نفسه منها.
قال ابن تيمية: "وأما نية المطلق ثلاثا فيشبه ‏ والله أعلم ‏ أن يكون هؤلاء التابعون إنما قالوا: إنه يكون النكاح بها تحليلا إذا كان هو الذي سعى في النكاح وأراد بذلك أن تختلع المرأة بعد ذلك من زوجها فإن هذا حرام لما أنه خدع رجلاً مسلما وهو قد سعى في عقد يريد إفساده على صاحبه ويشبه ما لو كان قد زوجها من عبده يريد أن يُمَلِّكَهَا إياه وهي لا تشعر بذلك ثم يحتمل أنهم أرادوا أن النكاح باطل في حق الأول بمعنى أنها لا تحل أن تعود إلى الأول بمثل هذا النكاح؛ لأنه قصد تعجيل ما أجّله الله فيعاقب بنقيض قصده" (بيان الدليل 495)
قال ابن تيمية: "ووجه ما ذهب إليه مالك وأحمد ما استدل به أبو عبد الله أحمد رحمة الله عليه من أن النبى صلى الله عليه وسلم لعن المحلّل والمحلّل له فلو كان التحليل يحصل بنية الزوج تارة وبنيّة الزوجة أخرى للعنها النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وكان ذلك أبلغ من لعنه آكل الربا وموكله فلما لم يذكرها في اللعنة علم أن التحليل الذي يكون بالنية إنما يلعن فيه الزوج فقط ولا يجوز أن يقال: لفظ المحلل يعم الرجل والمرأة فإنها حللت نفسها بهذا النكاح لأنه قد قال: «ألّا أنبئكم بِالتيس المُسْتَعَارِ» وقال: «هُوَ المحلل» وهذه صفة الرجل خاصّة ثم لو عمّهما اللفظ فإنما ذاك على سبيل التغليب لاجتماع المذكر والمؤنث فلا بدّ أن يكون تحليل الرجل موجوداً حتى تدخل معه المرأة بطريق التبع أمّا ‏ إذا نوت هي وهو لم ينو شيئاً فليس هو بمحلل أصلاً فلا يجوز أن تدخل المرأة وحدها في لفظ المذكر إلا أن يقال: قد اجتمعا في إرادة المتكلم لهما وإن لم يجتمعا فى عين النكاح فإن من قصد الإخبار عن المذكّر والمؤنث مجتمعين ومفترقين أتى بلفظ المذكر أيضا. فهذا يمنع الاستدلال من هذا الوجه. وأيضاً فالمحلّل هو الذي يفعل ما تصير به المرأة حلالاً في الظاهر وهي ليست حلالاً في الحقيقة وهذا صفة من يمكنه رفع العقد والمرأة وحدها ليست كذلك" (بيان الدليل 497)
وقوله: "وهذا صفة من يمكنه رفع العقد والمرأة وحدها ليست كذلك" يرد على أتباعه الوهابية الذين يستحلون الزنا ويزعمون أن المرأة تفارق زوجها متى شاءت.
وقال فى حديث رفاعة: "فلما لم تتزوج إلا بعبد الرحمن علم أنها كانت مريدة لأن يحللها للأول عسى أن ترجع إليه ولم تتزوج بغيره خشية أن يمسكها بالكلية ولا يكون فيه سبب تطلب به فراقه" (بيان الدليل 501)
قوله: "ولا يكون فيه سبب تطلب به فراقه" يعنى فى الزوج وذلك أنها ادعت على عبد الرحمن بن الزبير أنه كان عنينا لتفارقه. وإذا ادعت المرأة وهى ثيب على زوجها أنه عنين فالقول قوله مع يمينه وهذا قول عامة أهل العلم ولأجل هذا لم يفرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بل طلقها عبد الرحمن. والعنين من عجز عن وطء امرأته فلم يطأها أبدا منذ أن نكحها فإن وطئها مرة واحدة ثم عجز عن وطئها أبدا لم تملك فراقه وهذا إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء الذين على قولهم تدور الفتوى فى الأمصار.
قال ابن تيمية فى التى تنكح وهى تنوى الاختلاع: "وتحريم هذا أشد من تحريم نية الرجل من وجه وذلك التحريم أشد من وجه آخر فإن المحلل إذا نوى الطلاق فقد نوى شيئا يملكه والمرأة تعلم أنه يملك ذلك. وهذه المرأة نوت الاختلاع والانتزاع لتعود إلى غيره وكراهة الاختلاع أشد من كراهة طلاق الرجل ابتداء والاختلاع لتتزوج غيره أشد من مطلق الاختلاع. وإرادة الرجل للطلاق لا توقعه في محرم فإنه يملك ذلك فيفعله. وإرادة المرأة الاختلاع قد توقعها في محرم فإنها إذا لم تختلع ربما تعدت حدود الله" (بيان الدليل 508)
يعنى أن الرجل إذا أراد الطلاق فهو يقدر على أن يطلق امرأته ولو كرهت أما المرأة فإذا أرادت الاختلاع فلا يمكنها ذلك إلا إذا رضى الزوج أن يخلعها ولا يملك السلطان ولا القاضى أن يخلعها منه بإجماع المسلمين. ووقوع المرأة فى الحرام يعنى به وقوعها فى الكفر لينفسخ النكاح كما فعلت بنت أبى روح حين أرادت أن تختلع من زوجها فلم يرض زوجها ولم يملك لها السلطان ذلك فأفتاها أهل الحيل أن ترتد عن دينها لينفسخ النكاح ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد ذكر ابن تيمية قصة بنت أبى روح فى الفصول التى قبل هذا الفصل وهى من أقبح ما يُنكر على أهل الحيل.
قال ابن تيمية: "والمرأة إذا تزوجت قاصدة للتسبب في الفرقة فهنا التحريم لِحَقِّ الزوج لما في ذلك من الخلابة والخديعة له وإلا فهو يملكها بهذا العقد ويملك أن لا يطلقها بحال. ومن هذا الوجه صارت نية التحليل أشد فإن تلك النية تمنع كون العقد ثابتاً من الطرفين وهنا العقد ثابت من جهة الزوج فإنه نكح نكاح رغبة ومن جهة المرأة فإنها لا تملك الفرقة فصار الذي يملك الفرقة لم يقصدها والذي قصدها لم يملكها لكن لما كان من نية المرأة التسبب إلى الفرقة صار هذا بمنزلة العقد الذي حرم على أحد المتعاقدين لإضراره بالآخر مثل بيع المصراة وبيع المدلس من المعيب وغيره وهذا النوع صحيح لمجيء السنة بصحة بيع المصراة" (بيان الدليل 508)
انظر إلى قوله: "وإلا فهو يملكها بهذا العقد ويملك أن لا يطلقها بحال" ثم انظر إلى قول أتباعه القرامطة الوهابية الذين يزعمون أن المرأة كالزانية ليس بينها وبين زوجها عقد فلها أن تفارقه متى كرهته. فإن قال قرمطى جاهل: فلم يكون للرجل أن يطلقها متى شاء ولا تملك ذلك هى؟ قيل له: إن عقد النكاح يلزم الرجل فى ماله والمرأة فى نفسها فلا يملك الرجل أن يرجع فى المهر بغير رضا من المرأة ولا تملك أن ترجع فى نفسها بغير رضا الرجل.
قال ابن تيمية فى بعض حيل النساء: "أن تتسبب إلى فرقته مثل أن تبالغ في استيفاء الحقوق منه والامتناع من الإحسان إليه لست أعني أنها تترك واجبا تعتقد وجوبه أو تفعل محرماً تعتقد تحريمه لكن غير ذلك مثل أن تطالبه بالصداق جميعه لتفسخ أو تحبس أو لتمتنع منه. أو يتبذل فى خصومتها وذلك يشق عليه مثل أن تطالب بفرض النفقة أو إفرادها بمسكن يليق بها وخادم ونحو ذلك من الحقوق التي قد تشق عليه؛ وتمتنع من إعانته في المنزل بطبخ أو فرش أو كنس أو غسل ونحو ذلك كل ذلك ليفارقها فإن هذه الأمور منها ما قد يختلف في وجوبه فإذا قيل بوجوبه فتقديره إلى اجتهاد الحاكم وهو أمر يدخخله الزيادة والنقصان ولا تكاد تنفك غالبا من عاشرت زوجها بمثل هذا عن معصية الله ونحن نتكلم على تقدير خلوه عن المعصية" (بيان الدليل 520)
اختلف أهل العلم فى من أعسر بالصداق الحال قبل الدخول فقال مالك لها الفسخ ومال الشافعى إلى هذا القول وقال المزنى ليس لها ذلك وهو قول أحمد وأبى حنيفة.
قال ابن تيمية: "وهى آثمة بهذا الفعل إذا كان ممسكاً لها بالمعروف وإنما الذي تستحقه بالشرع المطالبة بأحد أمرين: }فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان{ أما إذا قصدت التسريح فقط وإنما تطالبه بموجبات العقد ليضطره تعسرها عليه إلى التسريح فهذه ليست طالبة أحد الأمرين وإنما هى طالبة واحداً بعينه وهى لا تملك ذلك شرعا" (بيان الدليل 520)
ويعنى أن الرجل إذا أدى إلى امرأته حقها لم تملك أن تفارقه على ما أحبت وكرهت لأن الله أباح له إمساكها بالمعروف والمعروف أن يؤدى إليها حقها ولا يضره بغضها إياه.
قال الشافعى: " فمن ذلك من مَلَكَ زوجة سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته" (الأم 5/150)
قال ابن تيمية: "ولا يقال: فقد يباح لها الاختلاع إذا كانت تخاف أن لا تقيم حدود الله معه. فكذلك يباح لها الاستقصاء في الحقوق حتى تفارق؛ لأنا نقول: الاختلاع يتضمن تعويضه عن الطلاق ورد الصداق إليه أو رد ما يرضى به وهو شبيه بالإقالة في البيع وهذه تلجئة إلى الطلاق من غير عوض فليست بمنزلة المختلعة" (بيان الدليل 521)
يعنى أنها إذا كرهته فغاية ما تملكه أن تسأله أن يخلعها فإن رضى بأن يطلقها على ما يريد من المال وأدته إليه فذلك جائز وإن لم يرض لم تملك أن تفارقه. ولهذا قال: "أو رد ما يرضى به وهو شبيه بالإقالة في البيع" والإقالة لا تكون إلا عن تراض من المتبايعين بإجماع المسلمين وإنما الفسخ هو ما يكون بغير رضا من أحدهما.
قال ابن تيمية: "يبقى أن يقال: فهى لا تقصد إضراره وإنما تقصد نفع نفسها بالخلاص منه. فيقال: الشارع لم يجعل هذه المنفعة بيدها ولو كان انتفاعها بالخلاص حقا لها لملكها الشارع ذلك. وحيث احتاجت إليه أمرها أن تفتدى منه كافتداء الأسير والعبد ألا ترى أن العبد لا يحل له أن يقصد مضارة سيده ليعتقه إذا لم يكن السيد مسيئا إليه" (بيان الدليل 522)
وهذا رد ابن تيمية على أتباعه الوهابية الذين يقولون إن الله ظالم لأنه لم يجعل للمرأة أن تفارق زوجها إذا كرهته. وقوله: "أمرها أن تفتدى منه كافتداء الأسير والعبد" يعنى أنها تسأله بأدب كما يسأل العبد سيده أن يكاتبه فيكون ذلك إلى السيد ولا يجبر السيد على الكتابة فى قول عامة أهل العلم وهو قول مالك والشافعى وأحمد وأبى حنيفة وخالف فى ذلك بعض أهل العلم وعطاء وهو قول ابن المنذر وابن حزم. أما الخلع فهو بيد الزوج لا يجبر عليه أبدا بل له أن يخلع امرأته بغير رضاها وهذا إجماع المسلمين.
قال ابن حزم: "وقالوا: لو كان ذلك واجبا على السيد إذا طلبه العبد لوجب أيضا أن يكون واجبا على العبد إذا طلبه السيد. وهذا أسخف ما أتوا به لأن النص جاء بذلك إذا طلبها العبد، ولم يأت بها إذا طلبها السيد، فإن كان هذا عندهم قياسا صحيحا فليقولوا: إنه لما كان الزوج إذا أراد أن يطلق امرأته كان له أن يطلقها، فكذلك أيضا للمرأة إذا أرادت طلاقه أن يكون لها أن تطلقه" (المحلى 8/223)
وقال: "ولا يكون للمرأة خيار في فراق زوجها أو البقاء معه إلا حيث جعله الله تعالى في المعتقة، ولا تملك المرأة أمر نفسها أبدا" (المحلى 9/126)
قال ابن تيمية فى حيلة أخرى: "أن تتسبب إلى فرقته بمعصية مثل أن تنشز عليه أو تسيء العشرة بإظهار الكراهة في بذل حقوقه أو غير ذلك مما يتضمن ترك واجب أو فعل محرم مثل طول اللسان ونحوه فإن هذا لا ريب أنه من أعظم المحرمات وكل ما دل على تحريم النشوز وعلى وجوب حقوق الرجل فإنه يدل على تحريم هذا وهذا حرام من ثلاثة أوجه: من جهة أنه في نفسه محرم ومن جهة أنها تقصد به أن تزيل ملكه عنها بفعل هو فيه مكره إذا طلق أو خلع تفاديا من شرها والاحتيال على إبطال الحقوق الثابتة حرام بالاتفاق" (بيان الدليل 522)
يعنى حق الرجل فى إمساك امرأته ولو كرهت فليس لها أن تنشز عليها حتى يضطر إلى أن يخلعها ليكف عن نفسه شرها بل له أن يضربها حتى تكف عن النشوز.
قال ابن تيمية: "وقريب من هذا أن تظهر معصية تنفره عنها ليطلقها مثل أن تريه أنها تتبرج لرجال أجانب ويكونون في الباطن ذوي محارمها فيحمله ذلك على أن يطلقها فإن هذا الفعل حرام في نفسه؛ إذ لا يحل للمرأة أن تري زوجها أنها فاجرة كما لا يحل لها أن تفجر فإن هذا أشد إيذاء له من نشوزها عنه" (بيان الدليل 522)
ولم يضطرها إلى هذه المحرمات إلا أن الخلع بيد الزوج ليس بيدها.
قال ابن تيمية: "لكن إن تزوجت بنية أن تفعل هذا بأن تنوي أنها تختلع منه فإن لم تَطْلُق وإلا نشزت عنه أو أن تحتال عليه ليطلق فهذا العقد الأول أيضا حرام وإذا كان من تزوج بصداق ينوي أن لا يؤديه زانياً أو من ادَّان دينا ينوي أن لا يقضيه سارقاً فمن تزوجت تنوي أن لا تقيم حقوق الزوج أولى أن تكون عاصية" (بيان الدليل 523)
قوله: "تختلع منه فإن لم تَطْلُق وإلا نشزت عنه" يعنى أنها تسأله أن يخلعها فإن أبى نشزت عليه حتى يخلص نفسه منها بخلعها لأنها لا تملك الخلع حتى يرضى. وهى إذا نوت ذلك حين العقد فهى آثمة والعقد صحيح ألا ترى أن من نكح ولا ينوى أداء الصداق فقد أثم ونكاحه صحيح ولامرأته أن تأخذه بصداقها؟
قال ابن تيمية فى حيلة أخرى: "وقريب من هذا أن تخدعه بأن تستحلفه يمينا بالطلاق ثم تُحَنِّثَه فيها بأن تقول: أقاربي يريدون أن أذهب إليهم وأنا أكره ذلك فاحلف علي أن لا أخرج إليهم بالطلاق الثلاث فيحلف ثم تذهب إليهم ونحو ذلك فهذا أيضا لا ريب في تحريمه فإن هذه عصته بأن فعلت ما نهاها عنه من الخروج ونحوه وخدعته بأن احتالت على أن طلق ومثل هذه الحيلة حرام بالاتفاق وهذه مثل ما قبلها" (بيان الدليل 525)
وقوله مثل ما قبلها يعنى أن الرجل يملك أن يمتنع من أن يحلف بالطلاق فلا تملك أن تفارق.

سعيد عبد الله
2025-08-27, 12:18 AM
قال ابن تيمية: "أن تفعل هى ما يوجب فرقتها مثل أن ترتد أو ترضع امراة له صغيرة حتى تصير من أمهات نسائه أو تباشر أباه أو ابنه وقد قدمنا أن مثل هذه المرتدة لا ينبغي أن ينفسخ نكاحها فأما الإرضاع والمباشرة فينفسخ بهما النكاح فهذا أيضا تحريمه مقطوع به وهذا قد أزيل نكاحه بغير فعل منه كما صرف الخاطب بغير فعل منه" (بيان الدليل 525)
قد ذكر هنا ما يوجب الفرقة لأن الزوج لا يمكنه أن يمتنع من الفراق وكان فى ما قبل هذا من الحيل يقول يقتضى الفرقة غالبا لأن الزوج يملك أن يمتنع لكن الأغلب أن المرأة إذا داومت على النشوز وإيذاء الزوج فإنه يخلعه ليريح نفسه منها.
وإذا ارتدت المرأة ففى قول مالك وأبى حنيفة وقول لأحمد إن النكاح مفسوخ ساعة ارتدت أو ارتد الزوج فإن عاد المرتد منهما إلى الإسلام لم يكن بينهما نكاح فكانت بعض الفاسقات يستعملن هذه الحيلة فيرتددن عن الإسلام لينفسخ النكاح ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفيها قول آخر إن النكاح لا ينفسخ حتى تنقضى العدة من ساعة ارتد واحد منهما وعلى هذا القول إذا ارتدت المرأة لم ينفسخ النكاح حتى تنقضى العدة وتعرض على السيف فإن أسلمت فى العدة فهى امرأته وإن لم تسلم ضربت عنقها وهذا قول الشافعى والمشهور عن أحمد وفى قول الشافعى إن المرتد لا يجب استتابته ثلاثا بل يقتل مكانه إذا أبى الرجوع إلى الإسلام.
قال أبو بكر الخلال: "أخبرني موسى بن سهل قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، عن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عن المرأة ترتد أتختلع بذلك من زوجها؟ قال: إذا ارتدت ثم رجعت إلى الإسلام وهي في العدة، إن شاء زوجها راجعها، وإن انقضت العدة بانت منه" (أحكام أهل الملل 2/503)
قوله: "أتختلع بذلك من زوجها" معناه أنها أرادت أن تختلع فلم يقبل الزوج أن يخلعها فاضطرت إلى الردة لتنال ما لم تستطعه بالاختلاع.
قال أبو بكر المروذى: "سمعت عبد الوهاب يقول: سمعت أحمد بن الخليل يقول: قال أبو علي: كنت جالسا مع ابن المبارك يوما إذ دخل حمزة البزاز، فقال: يا أبا عبد الرحمن، حدث حدث عظيم، قال: وما هو؟ قال: بنت أبي روح ارتدت عن الإسلام، لتبين من زوجها، فغضب ابن المبارك غضبا ما غضب مثله قط، ثم قال: لا جرم، قد أحبط الله كل حسنة عملتها إلى اليوم وبقي الوزر، ثم قال: أو قيل: هذا كتاب الحيل، فقال: لقد أحببت أن أرى هذا الكتاب، فلا يقضى لي أن أراه فأعلم ما فيه، ثم قال: أشهد على من وضع هذه المسألة في هذا الكتاب لحيلة النساء لتبين من زوجها إذا أرادت، إنه كافر بالله: ثم قال: وذلك لو أني أمرت رجلا أن يكفر فكفر بقولي، كنت أنا الكافر" (أخبار الشيوخ وأخلاقهم 164)
قال الخطيب البغدادى: "أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق قال: حدثنا عمر بن محمد الجوهري قال: حدثنا أبو بكر الأثرم قال: حدثني زكريا بن سهل المروزي قال: سمعت الطالقاني أبا إسحاق يقول: سمعت ابن المبارك يقول: من كان كتاب الحيل في بيته يفتي به أو يعمل بما فيه فهو كافر بانت امرأته، وبطل حجه، قال: فقيل له: إن في هذا الكتاب إذا أرادت المرأة أن تختلع من زوجها ارتدت عن الإسلام حتى تبين ثم تراجع الإسلام، فقال عبد الله: من وضع هذا فهو كافر بانت منه امرأته، وبطل حجه، فقال له خاقان المؤذن: ما وضعه إلا إبليس قال: الذي وضعه عندي أبلس من إبليس" (تاريخ بغداد 15/556)
وإذا زنى الرجل بامرأة أبيه أو امرأة ابنه ففى قول أحمد وأبى حنيفة والكوفيين إن النكاح مفسوخ لأنها قد صارت كامرأة أبيه وامرأة ابنه والزنا يحرم عندهم كالنكاح. وفى قول مالك والشافعى والحجازيين إن النكاح لا ينفسخ بالزنا واحتج الشافعى على العراقيين بأنهم جعلوا سبيلا للمرأة الكارهة لزوجه أن تفارقه وقد حكم الله سبحانه وتعالى أن المرأة أسيرة عند زوجها لا تملك أن تفارقه على ما أحبت وكرهت وقد مضى الكلام فيها مطولا فى مسألة الزنا بالمحارم. وترك ابن القيم قول أحمد وشيخه ابن تيمية فى هذه المسألة وأخذ بقول الشافعى حتى يسد الحيلة على النساء الفاسقات فلا يتمكن من فراق أزواجهن.
قال الشافعى: "وقلت له قال الله تعالى {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وقال {فإن طلقها} فمَلَّكَ الرجالَ الطلاقَ وجَعلَ على النساء العِدَدَ، قال: نعم. قلت أفرأيت المرأة إذا أرادت تُطَلِّقَ زوجَها ألها ذلك؟ قال لا. قلت فقد جعلت لها ذلك. قال وأين؟ قلت زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها ما لم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله. فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الإسلام حرمت على زوجها؟ قلت وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها؟ قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الإسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد؟ أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم؟ قال لا قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا؟ قال لا قلت فبأي شيء شبهتها بها؟ قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها" (الأم 5/165)
قال ابن القيم: "ومن الحيل المحرمة التي يكفر من أفتى بها تمكين المرأة ابن زوجها من نفسها لينفسخ نكاحها حيث صارت موطوءة ابنه، وكذا بالعكس، أو وطأه حماته لينفسخ نكاح امرأته، مع أن هذه الحيلة لا تتمشى إلا على قول من يرى أن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا كما تثبت بالنكاح كما يقوله أبو حنيفة وأحمد في المشهور من مذهبه. والقول الراجح أن ذلك لا يحرم كما هو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك؛ فإن التحريم بذلك موقوف على الدليل، ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، وقياس السفاح على النكاح في ذلك لا يصح" (إعلام الموقعين 3/190)
ومن أفتى بهذه الحيلة وهو لا يستحل الزنا فهو عاص وليس بكافر لأن الأمر بالمعصية معصية ليس بكفر حتى يستحلها وتكفير من أمر بمعصية إنما هو قول الأشاعرة الذين يكفرون بالظن ويكفرون من تشبه بالمشركين ويكفرون من بنى كنيسة ويكفرون من قال مصيحف ومسيجد حتى لقد غلا بعضهم فزعم أن الاستغفار للمشركين بعد موتهم كفر وليت شعرى كيف يقول ذلك وقد استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبى طالب واستغفر المسلمون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك حتى نهاهم الله سبحانه عن ذلك.
وإذا أرضعت المرأة ضرتها وهى صبية صغيرة ترضع فالنكاح مفسوخ لأنه قد صار عنده أم وابنتها من الرضاعة. وإذا نكح الرجل صبية صغيرة ترضع فأرضعتها أمه أو أخته رضاعا مُحَرِّمَا فإن النكاح مفسوخ لأنها قد صارت أختا له أو بنت أخت له من الرضاعة. وهذا كله مما لا اختلاف فيه. وكذلك إذا نكح صبية صغيرة فأرضعتها امرأة أخيه بلبن أخيه لأنها قد صارت بنت أخيه من الرضاعة وهذا عند من حرم بلبن الفحل وهو قول عامة أهل العلم.
وقول ابن تيمية: "وهذا قد أزيل نكاحه بغير فعل منه كما صرف الخاطب بغير فعل منه" يعنى أنه لما لم يكن بين الخاطب والمخطوبة عقد يلزم واحدا منهما كان لكل واحد منهما أن يفسخ الخطبة من غير أن يلزمه لصاحبه شىء فللرجل أن يفسخها ولا يعطيها مهرا ولا نصفا ولا متعة لأنها ليست له بامرأة وللمرأة أن تفسخها وتذهب بنفسها لأنه لم يكن ملكها. وهذا التفريق بين المخطوبة والمنكوحة بأن المخطوبة تفارق متى شاءت والمنكوحة لا تملك أن تفارق قد ذكره الشافعى كذلك واحتج به فى مسألة الخطبة على خطبة آخر قبل أن تأذن المخطوبة للولى أن يزوجها من الخاطب الأول. وكذلك فرق الشافعى بين المعتدة من طلاق رجعى والمعتدة من طلاق بائن أو وفاة فأما الأولى لما كان لزوجها عليها الرجعة وكانت فى ملكه لا تملك أن تفارقه لم يكن لأحد أن يعرض لها بالخطبة وأما المطلقة البائنة والمتوفى عنها زوجها فالتعريض بخطبتها جائز.
قال ابن تيمية: "أن تقصد وقت العقد الفرقة بسبب تملكه بغير رضا الزوج مثل أن تتزوج بفقير تنوي طلب فرقته بعد الدخول بها فإنها تملك ذلك في إحدى الروايتين عن أحمد وغيره فإنها إذا رضيت بمُعْسِر ثم سخطته ففي ثبوت الفسخ لها قولان معروفان فهذه إلى المحلّل أقرب من التي قبلها إذ السبب هنا مملوك لها شرعا كطلاق المحلل وبيع الزوج العبد بخلاف ما لو قالت: لم أعلم أنه مُعْسِر أو لم أعلم أنه ناقص عني ليس بكفء أو لم أعلم أنه معيب فإن هذا يثبت لها الفسخ لكن إذا نوت ذلك فقد نوت الكذب فتصير من جنس التي قبلها إذا نوت الإرضاع أو المباشرة وهذا أقوى من حيث إن هذا الكذب ممكن فإنه من الأقوال ليس من الأفعال" (بيان الدليل 527)
الفقير الذى يقصده هو المعسر الذى عجز عن نفقة امرأته وذلك أن يعجز عن إطعامها كل يوم صاعا من القمح أو الشعير أو قوت البلد ويعجز عن كسوتها فى السنة وقد اختلف أهل العلم فى المعسرهل لامرأته الخيار فى فرقته؟ فقال سعيد بن المسيب ومالك والشافعى وأحمد: لها ذلك. وقال العراقيون والزهرى وأبو حنيفة وأصحابه: ليس لها ذلك.
وقد عاب محمد بن الحسن على أهل المدينة قولهم هذا وكان مما قاله: "أرأيتم إن كان رجلا من أهل العراق موسرا معروفا بذلك فحج فسرقت نفقتة بالمدينة فلم يقدر على ما ينفق عليها ولم يعرف أحدا يقرضه فيقترض والمرأة تُقِرُّ أنه من أكثر الناس مالا بالعراق أيفرق بينه وبين امرأته؟ لئن كان هذا ما يستقيم لرجل تكرهه امرأته أن يحج بها ولا يسافر" (الحجة على أهل المدينة 3/454)
فكيف لو رأى ما صنع قرامطة الوهابية فى زماننا؟ يقولون إن الرجل إذا أدى إلى امرأته حقها من المهر والنفقة والجماع وأرادت فراقه فلها ذلك وهذا أشنع من قول الدروز والله المستعان.
وإذا تزوجت المرأة رجلا معسرا وهى تعلم أنه معسر ففى قول مالك وقول أحمد المنصوص عنه إنها لا تملك فراقه وقال الشافعى لها ذلك لأنه وإن كان معسرا قبل النكاح فقد يوسر بعده وقول مالك أعجب إلى.
وإذا تزوجت المرأة برجل ليس لها بكفء وهى تعلم ذلك ووليها فليس لها فراقه وهذا مما لا اختلاف فيه. ولكن إذا غرها بنسب فبان بخلافه وهو بالنسب الدون غير كفء أو كان عبدا وادعى الحرية فنكحته على ذلك ثم بان لها أنه ليس بكفء فإن لها فراقه عند عامة أهل العلم.
وإذا نكحت المرأة رجلا مجبوبا أو به جنون أو برص أو جذام وهى تعلم فلا خيار لها بغير اختلاف وإن نكحته وهى لا تعلم ففى قول العراقيين وبعض المدنيين وهو قول على بن أبى طالب كرم الله وجهه إنها ليس لها فراقه وهى امرأة ابتليت فلتصبر وفى قول مالك والشافعى وأحمد وهو قول عمر رضى الله عنه إن لها الخيار فى فراقه فإن رضيت به أو مكنته من نفسها بعد العلم بالعيب فلا خيار لها.
وإذا نكحت المرأة من به أحد هذه العيوب وهى لا تعلم فوطئها ثم علمت بالعيب ففارقته ففى قول الشافعى وأحمد إنها تحل لزوج قبله كان طلقها ثلاثا وفى قول مالك إنها لا تحل إلا بوطء لا تملك أن تفارق بعده بسبب كان متقدما على الوطء وكان مالك يشدد فى ذلك جدا. ولا تحل المرأة عنده لزوج طلقها ثلاثا إلا إذا نكحها رجل نكاحا صحيحا ووطئها فى الحين الذى لا يملك أن يفرق بينهما السلطان ولا تحل بغير ذلك.
قال سحنون: "قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة بغير ولي، استخلفت على نفسها رجلا فزوجها ودخل بها، أيكون هذا النكاح إحصانا في قول مالك أم لا؟
قال: لا يكون إحصانا.
قلت: فهل يحلها وطء هذا الزوج لزوج كان قبله طلقها ثلاثا في قول مالك؟
قال: لا، إذا فرق بينهما ولا يكون الإحصان إلا في نكاح لا يفرق فيه الولي مع وطء يحل، إلا أن يجيزه الولي أو السلطان، فيطؤها بعد إجازته فيكون إحصانا بمنزلة العبد إذا وطئ قبل إجازة السيد فليس ذلك بإحصان، ولا تحل لزوج كان قبله إلا أن يجيز السيد فيطؤها بعد ذلك فيكون إحصانا وتحل بذلك لزوج كان قبله، فكذلك التي تنكح بغير ولي وهو ما لو أراد السلطان أن يفسخه فسخه أو الولي لم يكن إحصانا ولم تحل لزوج كان قبله بهذا النكاح وهذا الذي سمعت من قول مالك ممن أثق به" (المدونة - حكم نكاح التحليل)
قال سحنون: "قلت: أرأيت كل نكاح يكون للأولياء إن شاءوا أثبتوه وإن شاءوا ردوه، وإلى المرأة إن شاءت رضيت وإن شاءت فسخت النكاح، مثل المرأة تتزوج الرجل وهو عبد لا تعلم به والرجل يتزوج المرأة وهي جذماء أو برصاء لا يعلم بذلك حتى وطئها فاختارت المرأة فراق العبد واختار الرجل فراق هذه المرأة، أيكون هذا النكاح والوطء مما يحلها لزوج كان قبله؟ قال: قال لي مالك في المرأة تنكح الرجل وهو عبد لا تعلم به ثم علمت به بعدما وطئها فاختارت فراقه إن ذلك الوطء لا يحلها لزوج كان قبله فكذلك مسائلك كلها.
قلت: وهل تكون بذلك الوطء محصنة هذه المرأة؟
قال: لا تكون محصنة به في رأيي، وقد أخبرتك أن مالكا كان يقول لا تكون محصنة إلا بالنكاح الذي ليس إلى أحد فسخه، فهذا يجزئك" (المدونة 2/208)
وقرامطة الوهابية يقولون إن تحليل المرأة نفسها أسهل من شرب الماء فتنكح رجلا على مهر مؤجل وتمكنه من نفسها ليلا ثم تذهب إلى القاضى صباحا فتقول اخلعنى فإنى أخاف ألا أقيم حدود الله وقد عفوت عن المهر فيقول قد خلعتك فتعتد بحيضة ثم ثم تعود إلى الزوج الأول. ويزعمون أن هذه الحيلة تجوز على الله رب العالمين. ولو أن مالكا عليه رحمة الله كان قد أدرك هذه الطائفة لأفتى فيهم أن تضرب أعناقهم على استخفافهم بالشرائع واستهزائهم بكلام الله وسنة رسوله.
قال ابن تيمية: "فإن المرأة في النكاح مملوكة والزوج هو المالك. وإن كان كل من الزوجين عاقدا ومعقوداً عليه لكن الغالب على الزوج أنه مالك والغالب على المرأة أنها مملوكة ونيّة الإنسان قد لا تؤثر في إبطال ملك غيره كما تؤثر في إبطال ملكه وإن كان متمكناً من ذلك بطريق محرم فالرجل إذا نوى التحليل فقد قصد ما ينافي الملك فلم يثبت الملك له فانتفت سائر الأحكام تبعا وإذا نوت المرأة أن تأتي بالفرقة فقد نوى هو الملك وهي قد مَلَّكَتْه نفسها في الظاهر والملك يحصل له إذا قصده حقيقةً مع وجود السبب ظاهرا لكن نيّتها تؤثر في جانبها خاصة فلا يحصل لها بهذا النكاح حلها للأول" (بيان الدليل 528)
وهذا الذى قاله من أنها لا تحل بهذا النكاح للأول لا نقول به بل قول عامة أهل العلم إنها تحل للأول إذا طلقها الثانى لأن نيتها لا تصنع شيئا إذ الطلاق والخلع بيد الزوج ليس بيدها ولا بيد السلطان ولا تصنع النية فى العقود شيئا.