تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة رد الكفارة على العيال



سعيد عبد الله
2025-08-26, 10:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة رد الكفارة على العيال]
قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت" قال: «وما أهلكك؟» قال: "وقعت على امرأتي في رمضان" قال: «أعتق رقبة» قال: "لا أجد" قال: «صم شهرين» قال: "لا أستطيع" قال: «أطعم ستين مسكينا» قال: "لا أجد" قال: «اجلس» فجلس فبينما هو كذلك إذا أتي بعرق فيه تمر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فتصدق به» قال: "والذي بعثك بالحق ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر إليه منا" فضحك حتى بدت أنيابه ثم قال: «انطلق فأطعمه عيالك»
قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: لا يجوز أن يطعمه عياله

عامة أهل العلم يقولون إن من وجبت عليه كفارة سوى كفارة الفطر فى رمضان فإنه لا يحل له أن يأكل منها ولا أن يطعمها من تلزمه نفقته لأن الكفارة شىء قد لزمه لأهلها فى ماله فلا يخرج منها إلا بأدائها إليهم وليس له أن يردها ولا شيئا منها على نفسه وهذا عندهم كالزكاة سواء وكذلك قولهم فى كفارة الفطر بالطعام إذا كان موسرا لا يختلف. ثم اختلفوا فى كفارة الفطر فى رمضان إذا وجب عليه الإطعام وهو معسر فقال قوم قد سقطت عنه الكفارة وهذا قول الأوزاعى. وقال قوم إذا أعطاه غيره طعاما ليطعمه المساكين وكان معسرا محتاجا فله أن يأكل منها هو ومن يعول واحتجوا بظاهر الحديث وهذا قول أحمد بن حنبل ويدخل أيضا فى قول الأوزاعى والله أعلم. وقال غيرهم إن الكفارة إذا وجبت عليه وهو معسر فهى دين عليه لا تسقط عنه إلا بأدائها وليس له أن يأكل منها ولا أن يطعمها من تلزمه نفقته وقالوا إنَّ أَمْرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يأكل منها ويطعمها عياله حين شكى إليه الفقر إنما كان على وجه التبرع والصدقة لا أن ذلك يجزئ عن الكفارة ومتى أيسر فالكفارة عليه كما هى لا يجزئه منها إلا أن يخرجها لأهلها وهذا قول أكثر أهل العلم وهو قول أبى حنيفة وأصحاب مالك وينسب إلى الزهرى وسفيان الثورى وقد حكى الشافعى هذه الأقوال كلها واختار هذا القول للاحتياط وهذا قول له حظ من الفقه والنظر والله أعلم.
قال الشافعى: "وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «كله وأطعمه أهلك» يحتمل معاني، منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب أهله فيه ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بأن قال له في شيء أتى به: كفر به، فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال: «كله وأطعمه أهلك» وجعل له التمليك حينئذ ويحتمل أن يكون ملكه فلما ملكه وهو محتاج كان إنما يكون عليه الكفارة إذا كان عنده فضل فلم يكن عنده فضل فكان له أكله هو وأهله، ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أو شيئا منها، وإن كان ذلك ليس في الخبر، وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط، ويحتمل إن كان لا يقدر على شيء من الكفارات فكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يضعه عليه وعلى أهله إن كانوا محتاجين ويجزي عنهم ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر في حاله تلك على الكفارة أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما تسقط الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم" (الأم 2/108)
قال ابن عبد البر: "واختلف العلماء أيضا في الواطئ أهله في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره ولم يجد ما يطعم وكان في حكم الرجل الذي ورد فيه الحديث
فأما مالك فلم أجد عنه في ذلك شيئا منصوصا
وكان عيسى بن دينار يقول إنها على المعسر واجبة فإذا أيسر أداها
وقد يخرج قول بن شهاب على هذا لأنه جعل إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له وخصوصا
قال بن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك لم يكن له بد من التكفير
وقيل للأوزاعي فيمن لم يجد كفارة المفطر ولم يقدر على الصيام أيسأل في الكفارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رد كفارة المفطر عليه وعلى أهله فليستغفر الله ولا يعد ولم ير عليه شيئا إذا كان معسرا
وقال الأثرم قلت لابن حنبل حديث الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطعمه عيالك أتقول به قال نعم إذا كان محتاجا ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في الجماع في رمضان وحده لا في كفارة اليمين ولا في كفارة الظهار
قيل له أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا قال ولمن تقول هذا إنما حديث سلمة بن صخر تصدق بكذا واستعن بسائره على أهلك فإنما أمر له بما بقي
قلت فإن كان المجامع محتاجا فأطعمه عياله قال يجزئ عنه قلت ولا يكفر إذا وجد قال لا إلا أنه خاص في الجماع وحده
وزعم الطبري أن قياس الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور أن الكفارة دين عليه لا يسقطها عنه عسره وعليه أن يأتي بها إذا قدر عليها كسائر الكفارات
قال أبو عمر إن احتج محتج في إسقاط الكفارة عن المعسر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كله أنت وعيالك ولم يقل له تؤديها إذا أيسرت ولو كانت واجبة عليه لم تسقط عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ساقطة عنك لعسرتك بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة والله أعلم" (الاستذكار 3/316)