سعيد عبد الله
2025-08-24, 02:58 AM
[المثلة بالعبد والمرأة - من مسألة القود فى ملك اليمين]
وإذا مَثَّلَ الرجل بعبده ففى قول الشافعى وأبى حنيفة إنه يعزر ولا يعتق عليه وفى قول مالك وأحمد وأهل المدينة يعتقه السلطان عليه لحديث زنباع وهو حديث ضعيف ولما يروى فيه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثم هو عمل أهل المدينة.
ولمَّا كانت المرأة مع زوجها كالعبد فى بعض أحكامها عند أهل العلم لأنها لا تملك أن تفارق زوجها كما لا يملك العبد أن يفارق سيده وكان الطلاق عندهم كالعتاق قال مالك وأصحابه إن من مثَّل بامرأته عامدا فلها أن تفارقه وهذا قول شذ به مالك عن سائر أهل العلم ويشبه والله أعلم أن يكون أخذه عن ربيعة وكان مالك اكثرهم قياسا للمرأة بالعبد حتى روى عنه أنه جعل للناشز نفقة لأنها كالعبد الآبق لا يملك أن يخرج نفسه من ملك سيده.
والمثلة التى يعتق بها العبد وتطلق بها المرأة عند مالك ما أتاه الرجل عامدا كأن يقطع اليد أو الرجل أو يفقأ العين أو يكسر العظم الكسر الذى لا يلتئم أو يفضى جاريته أو امرأته عامدا والإفضاء أن يشق الفرج إلى الدبر حتى يجعل مسلكيها مسلكا واحدا وهذا كله إذا كان على وجه العمد.
قال سحنون: "قلت: أرأيت من مثل بعبده أيعتق عليه في قول مالك؟
قال: نعم، قلت: فإن قطع أنملة من أصبعه أهي مثلة في قول مالك؟
قال: نعم، إذا تعمد ذلك. قلت: أرأيت إن أحرقه بالنار عمدا أو أحرق من جسده أيكون هذا مثلة في قول مالك؟
قال: نعم، إذا كان على وجه العذاب له وإذا كواه بالنار لمرض يكون بالعبد أو يكون أراد بذلك علاج العبد فلا شيء عليه ولا يعتق العبد بهذا.
قال: ولقد سمعت مالكا وقال لنا: أرسل إلي السلطان يسألني عن امرأة كوت فرج جاريتها بالنار، فقلت لمالك: فما الذي رأيت: فقال: إن كان ذلك منها على وجه العذاب لها فانتشر وساءت منظرته رأيت أن تعتق عليها.
قلت: أرأيت إن لم ينتشر ويقبح منظرته؟ قال: فلا أرى أن تعتق عليها.
قلت: أرأيت إن لم يكن متفاحشا؟ قال: فلا عتق فيه كذلك قال مالك.
قلت: أرأيت إن مثل بأم ولده أتعتق عليه؟
قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن أم ولده ملك له عتقه فيها جائز إذا مثل بها، فإنها تعتق عليه.
قلت: أرأيت إن جز رءوس عبيده ولحاهم أتراه مثلة يعتقون عليه بها في قول مالك؟ قال: لا أرى ذلك مثلة يعتقون بها.
قلت: أرأيت إن قلع أسنان عبيده أتراه مثلة؟
قال: أخبرنا مالك أن زياد بن عبيد الله إذ كان عاملا على المدينة، أرسل إليهم يستشيرهم في امرأة سحلت أسنان جارية لها بالمبرد حتى ذهبت أسنانها.
قال مالك: فما اختلف عليه أحد منا يومئذ أنها تعتق عليها، فأعتقها يريد مالك نفسه وغيره من أهل العلم، قال ومعنى سحلت أسنانها بردت فمسألتك مثل هذا أرى أن يعتقوا إذا كان على وجه العذاب.
قلت: أرأيت ما يصيب به المرء عبده يضربه على وجه الأدب فيفقأ عينه أو يكسر يده أو ما أشبه هذا من القطع والشلل؟
قال: قال مالك: لا أرى أن يعتق بهذا ولا يعتق إلا بما فعله به عمدا.
قلت: أرأيت إن خصاه أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: نعم" (المدونة - عتق العبد الممثل به على سيده)
قال سحنون: "قلت: أرأيت الرجل يأتي امرأته فيفتضها فتموت ماذا عليه؟ قال: قال مالك في الرجل يدخل بامرأته البكر فيفتضها ومثلها يوطأ فتموت من جماعه. قال: إذا علم أنها ماتت من جماعه كانت عليه الدية تحملها العاقلة. قال: فأرى في مسألتك أن يكون على الزوج الذي افتضها ما شأنها به.
قال: وقد جعل بعض الفقهاء فيها ثلث الدية. والذين جعلوا فيها ثلث الدية إنما جعلوها بمنزلة الجائفة. قلت: أفتحمله العاقلة في قول مالك؟
قال: من رأى أن فيها ثلث الدية حملته العاقلة، وأنا أرى في ذلك الاجتهاد، فإذا بلغ الاجتهاد في ذلك ثلث الدية فصاعدا حملته العاقلة.
قلت: أرأيت إن كان زنى بها فأفضاها أو اغتصبها فأفضاها؟ فقال: أما التي مكنت من نفسها فلا شيء لها، وأما التي اغتصبت فعليه لها صداقها وما شأنها به.
قلت: أرأيت الرجل يجامع أمته فيفضيها، أتعتق عليه؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يضرب عبده على وجه الأدب فيفقأ عينه أيعتق عليه؟ قال: قال مالك: لا يعتق عليه. فمسألتك مثل هذا وإنما يعتق على سيده ما كان على وجه العمد.
قلت: أليس قول مالك فيمن أفضى زوجته أنه إن شاء طلق وإن شاء أمسك؟
قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما كنا نشك أنها زوجة من الأزواج إن شاء طلق وإن شاء أمسك وهو رأيي" (المدونة - في الرجل يفضي امرأته أو أمته أو يغتصب حرة أو يزني بها فيفضيها)
وقرامطة النجدية يقولون إنه لو أحسن إلى امرأته ثم أرادت فراقه فلها ذلك وهذا خلاف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين عامتهم وخاصتهم والله المستعان.
قال ابن أبى زيد: من كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن عمد لقطع أنملة عبده أو اطرف أذنه او أرنبته او قلع سنه او قطع بعض جسده عتق عليه وعوقب. قال أشهب: ويسجن. قال: وما تعمد من كى كان على وجه العذاب لم يعتق إلا أن ينشر ويتفاحش. قال ابن سحنون عن أبيه: ليس شىء من الجراح التى تعود لهيئتها مثله وإنما المثلة ما أبان من الاعضاء كاليد والرجل والاصبع. قال سحنون: وإن ضرب رأس عبده فنزل الماء فى عينه فليس بمثلة يعتق بها. قال ابن القاسم: وإنما يعتق ما كان على وجه العمد لا فى الخطأ. ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا فقأ عين عبده أو عين إمرأته فقال العبد وامرأة: فعل متعمدا. قال السيد والزوج: بل كنت مؤدبا فأخطات فالقول قول العبدوالمرأة بخلاف الطبيب يتجاوز ويقول أخطات ويدعى المفعول به العمد لأنه مأذون له فى الفعل والأول ظهر عدوانه. قال فى العتبية ثم رجع فقال: القول الزوج والسيد حتى يظهر العداء. ومن العتبية قال سحنون: قال مالك فيمن مثل بامراته أنها تطلق عليه كما لو باعها لأنه لا يؤمن عليها. ومن العتبية من سماع أبى زيد من ابن القاسم وكتاب ابن المواز: ومن حلف ليضربنه مائتى سوط أو ثلاثمائة ففعل فأنهكه فإنه لا يعتق عليه بذلك إلا أن يبلغ منه ما يكون مثله شديدة مثل ذهاب لحمه وربما تآكل لحمه لذلك بقى جلد على عظم فما بلغ مما يرى أنه مثله بينه فليعتق عليه ومثل قطع الأصبع. قال ابن المواز: قال أصبغ: ومثل أن يحدودب ويبلغ به من ضربه الزمانة الظاهرة والباطنة. قال ابن القاسم فى الكتابين: ويعاقب عتق عليه أو لم يعتق" (النوادر والزيادات - جامع من يعتق بالمثلة) مختصرا.
والقول بالتفريق بين الرجل وامرأته قول شذ به مالك عن أهل العلم وكذلك القول بتحنيث السلطان ولعله أخذه عن ربيعة. فأما إذا نوى الطلاق ببيعه امرأته فقد وقع عليه الطلاق كما يقع عليه بسائر الكنايات والله أعلم.
قال إسحاق بن منصور: "قلت: رجل باع امرأته أتبين منه؟
قال: لا، ولكن يعزر. قال أحمد: لا تبين منه، ولكنه قد أتى أمرا عظيما" (مسائل الكوسج 1142)
قال ابن المنذر: " اختلف أهل العلم في الرجل يبيع زوجته.
فقالت طائفة: لا تطلق عليه، ولكن يعزر. هكذا قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وهذا يشبه مذهب الشافعي. وكذلك أقول.
وفيه قول ثان قاله مالك قال: من باع امرأته نكل به نكالا شديدا، وطلقت عليه بواحدة، وهي أملك بنفسها، وليس له أن يتزوجها ولا يراجعها، ولا غيرها حتى تعرف منه توبة وصلاح مخافة أن يتزوجها أو غيرها فيبيعها أيضا، وعليه النكال الشديد، والسجن الطويل. فإذا عرف منه توبة ظاهرة تزوجها إن شاء وشاءت، أو غيرها.
وكان قتادة يقول في رجل تزوج امرأة فلقيه رجل فقال: قد أربحتك فيها مائة دينار. قال: قد قبلت، قال: بانت منه ويعاقبان، ولها على زوجها الأول نصف المهر، لأنه لم يدخل بها، وقال سعيد بن بشير: قضى بها طريف القاضي، وجلد كل واحد منهما سبعين سوطا وجعل لها بنصف المهر على زوجها الأول، وفُرِّقَ بينهما" (الأوسط - ذكر الرجل يبيع زوجته)
مسألة قتادة تشبه الخلع مع الأجنبى وذلك أن يعطى الأجنبى الزوج مالا على أن يفارق امرأته فيرضى الزوج ويفارق على المال فالمال للزوج على الأجنبى لازم والفرقة ههنا فرقة بائنة لأنها خلع ولا تملك المرأة أن تمتنع ولو كرهت. ولعل طريفا عاقب الرجلين لأن الزوج باعه امرأته لا طلاقها كأنه قال له أعطيك مهرها وزيادة مائة دينار وتكون امرأتى لا امرأتك فهذا حرام لا يحل وإذا خلع الزوج امرأته مع أجنبى فلا يلزم المرأة أن تنكح الأجنبى ولا أن تعطيه شيئا من مالها ولها أن تنكح من شاءت.
قال ابن عبد البر: "ومما يدخل في هذا الباب مسألة ذكرها إسماعيل بن أبي أويس عن مالك أنه سئل عن امرأة عرض لها يعني مسا من الجن فكانت إذا أصابها زوجها أو جنبت أو دنا منها اشتد ذلك بها فقال مالك لا أرى أن يقربها وأرى للسلطان أن يحول بينه وبينها. قال وقال مالك من مثل بامرأته فرق بينهما بتطليقة قال وإنما يفرق بينهما مخافة أن يعود إليها فيمثل بها أيضا كالذي فعل أول مرة وإنما ذلك في المثلة البينة التي يأتيها متعمدا مثل فقء العين وقطع اليد وأشباه ذلك قال وقد يفرق بين الرجل وامرأته بما هو أيسر من هذا وأقل ضررا إن شاء الله" (التمهيد 20/162)
وفى قول الشافعى أيضا إن المرأة إذا مريضة يزيد الوطء فى مرضها منع زوجها من وطئها حتى تبرأ.
وقوله: "وقد يفرق بين الرجل وامرأته بما هو أيسر من هذا وأقل ضررا إن شاء الله" يعنى بما جاء فى كتاب الله من الإيلاء وفى سنة رسوله من الأمة تعتق تحت العبد وليس على المرأة فى ترك زوجها وطأها ضرر ولا على الأمة فى بقائها مع زوجها بعد العتق ضرر ولكن لهما الخيار. وليس معناه إن كل ضرر أصاب المرأة من زوجها فلها فراقه وإنما نبهت على ذلك لأجل ما ابتدعه بعض جهلة القرامطة النجدية حتى نسبوا مخرقة طلاق الضرر إلى الشافعى وقد أفرد الشافعى فى كتابه أبوابا منها (الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ) فى أن الرجل لا يمكن إجباره على الطلاق أبدا وأن كل فرقة أجبر عليها فهى فسخ لا طلاق ولا يكون فسخ إلا بأمر فى كتاب الله وسنة رسوله أو أجمع عليه المسلمون أو اختلفوا فيه. واختار الشافعى أن الخلع طلاق لإجماع المسلمين من قال إنه طلاق ومن قال إنه فسخ أنه لا يجبر عليه الزوج فكان أشبه بقياس مذهبه أن يجعله طلاقا.
فأتوا بقول الشافعى: "فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين؟ قيل نعم جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الإيمان في غير ذكر المولي فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولي ما لم يحنث" (الأم – باب العيب بالمنكوحة)
فزعم هؤلاء الجهلاء أن الشافعى يقول إن المرأة إذا كرهت زوجها فلها فراقه لأنهم يسمون هذا ضررا معنويا. وهذا جهل محض بأنكحة المسلمين وبمذهب أبى عبد الله الشافعى رحمه الله تعالى وقولهم هذا عند الشافعى يخرج صاحبه من الملة إن لم يكن جاهلا. وإنما احتج الشافعى على من خالفه من أهل العراق فى أن لا يفسخ النكاح بالعيب فقال لهم قد قلتم معنا إن المولى إذا أبى أن يفىء طلقت عليه امرأته وترك الوطء ليس بضرر فلم أنكرتم علينا التفريق بالجنون والبرض والجذام وهو قول عمر بن الخطاب ومذهب أهل المدينة وضررها أشد من ضرر المولى؟
والذى يذهب إليه الشافعى أن من ترك وطء امرأته بغير يمين إضرار بها فليس عليه إيلاء يوقف له ولا تملك امرأته أن تفارقه ولا يملك السلطان أن يجبره على الطلاق ولا على الوطء وغيره من أهل العلم يقولون إنه يجبره على الوطء واحتج عليهم الشافعى بأن الوطء حق الرجل لا حق المرأة وليس عليها فى تركه وطأها ضرر فهذا معنى قول الشافعى الذى جهله قرامطة النجدية.
قال الشافعى: "وإذا تظاهر الرجل من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لأن الله تعالى قد حكم في الظهار غير حكمه في الإيلاء فلا يكون المتظاهر موليا ولا المولي متظاهرا بأحد القولين ولا يكون عليه بأحدهما إلا أيهما جعل على نفسه لأنه مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء، وسواء كان مضارا بالظهار أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء بالضرار ويأثم لو تركها الدهر بلا يمين يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء ولا يحال حكم عما أنزل الله تبارك وتعالى فيه" (الأم 5/294)
قال الشافعى: "وإذا أسلم الرجل وعنده أكثر من أربع نسوة فأسلمن فقيل له اختر فقال لا اختار حبس حتى يختار وأنفق عليهن من ماله لأنه مانع لهن بعقد متقدم وليس للسلطان أن يطلق عليه كما يطلق على المولى فإن امتنع مع الحبس أن يختار عزر وحبس أبدا حتى يختار" (الأم 5/58)
وقال فى الخلاف فى الفسخ للعجز عن النفقة: "فقال" أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تُفَرِّقُ بينها وبينه إذا منعها فَرْقٌ مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء؟ فقلت له نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها" (الأم 5/115)
قال الشافعى: "وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر على فراقها (قال) : ولا يجبر على أن يقسم لها الإصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها (قال) : وهكذا لو كانت منفردة به أو مع أمة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يَضُرَّ بها في الجماع ولم يفرض عليه منه شيء بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوي إليها فأما الجماع فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه" (الأم 5/203)
وإذا مَثَّلَ الرجل بعبده ففى قول الشافعى وأبى حنيفة إنه يعزر ولا يعتق عليه وفى قول مالك وأحمد وأهل المدينة يعتقه السلطان عليه لحديث زنباع وهو حديث ضعيف ولما يروى فيه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثم هو عمل أهل المدينة.
ولمَّا كانت المرأة مع زوجها كالعبد فى بعض أحكامها عند أهل العلم لأنها لا تملك أن تفارق زوجها كما لا يملك العبد أن يفارق سيده وكان الطلاق عندهم كالعتاق قال مالك وأصحابه إن من مثَّل بامرأته عامدا فلها أن تفارقه وهذا قول شذ به مالك عن سائر أهل العلم ويشبه والله أعلم أن يكون أخذه عن ربيعة وكان مالك اكثرهم قياسا للمرأة بالعبد حتى روى عنه أنه جعل للناشز نفقة لأنها كالعبد الآبق لا يملك أن يخرج نفسه من ملك سيده.
والمثلة التى يعتق بها العبد وتطلق بها المرأة عند مالك ما أتاه الرجل عامدا كأن يقطع اليد أو الرجل أو يفقأ العين أو يكسر العظم الكسر الذى لا يلتئم أو يفضى جاريته أو امرأته عامدا والإفضاء أن يشق الفرج إلى الدبر حتى يجعل مسلكيها مسلكا واحدا وهذا كله إذا كان على وجه العمد.
قال سحنون: "قلت: أرأيت من مثل بعبده أيعتق عليه في قول مالك؟
قال: نعم، قلت: فإن قطع أنملة من أصبعه أهي مثلة في قول مالك؟
قال: نعم، إذا تعمد ذلك. قلت: أرأيت إن أحرقه بالنار عمدا أو أحرق من جسده أيكون هذا مثلة في قول مالك؟
قال: نعم، إذا كان على وجه العذاب له وإذا كواه بالنار لمرض يكون بالعبد أو يكون أراد بذلك علاج العبد فلا شيء عليه ولا يعتق العبد بهذا.
قال: ولقد سمعت مالكا وقال لنا: أرسل إلي السلطان يسألني عن امرأة كوت فرج جاريتها بالنار، فقلت لمالك: فما الذي رأيت: فقال: إن كان ذلك منها على وجه العذاب لها فانتشر وساءت منظرته رأيت أن تعتق عليها.
قلت: أرأيت إن لم ينتشر ويقبح منظرته؟ قال: فلا أرى أن تعتق عليها.
قلت: أرأيت إن لم يكن متفاحشا؟ قال: فلا عتق فيه كذلك قال مالك.
قلت: أرأيت إن مثل بأم ولده أتعتق عليه؟
قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن أم ولده ملك له عتقه فيها جائز إذا مثل بها، فإنها تعتق عليه.
قلت: أرأيت إن جز رءوس عبيده ولحاهم أتراه مثلة يعتقون عليه بها في قول مالك؟ قال: لا أرى ذلك مثلة يعتقون بها.
قلت: أرأيت إن قلع أسنان عبيده أتراه مثلة؟
قال: أخبرنا مالك أن زياد بن عبيد الله إذ كان عاملا على المدينة، أرسل إليهم يستشيرهم في امرأة سحلت أسنان جارية لها بالمبرد حتى ذهبت أسنانها.
قال مالك: فما اختلف عليه أحد منا يومئذ أنها تعتق عليها، فأعتقها يريد مالك نفسه وغيره من أهل العلم، قال ومعنى سحلت أسنانها بردت فمسألتك مثل هذا أرى أن يعتقوا إذا كان على وجه العذاب.
قلت: أرأيت ما يصيب به المرء عبده يضربه على وجه الأدب فيفقأ عينه أو يكسر يده أو ما أشبه هذا من القطع والشلل؟
قال: قال مالك: لا أرى أن يعتق بهذا ولا يعتق إلا بما فعله به عمدا.
قلت: أرأيت إن خصاه أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: نعم" (المدونة - عتق العبد الممثل به على سيده)
قال سحنون: "قلت: أرأيت الرجل يأتي امرأته فيفتضها فتموت ماذا عليه؟ قال: قال مالك في الرجل يدخل بامرأته البكر فيفتضها ومثلها يوطأ فتموت من جماعه. قال: إذا علم أنها ماتت من جماعه كانت عليه الدية تحملها العاقلة. قال: فأرى في مسألتك أن يكون على الزوج الذي افتضها ما شأنها به.
قال: وقد جعل بعض الفقهاء فيها ثلث الدية. والذين جعلوا فيها ثلث الدية إنما جعلوها بمنزلة الجائفة. قلت: أفتحمله العاقلة في قول مالك؟
قال: من رأى أن فيها ثلث الدية حملته العاقلة، وأنا أرى في ذلك الاجتهاد، فإذا بلغ الاجتهاد في ذلك ثلث الدية فصاعدا حملته العاقلة.
قلت: أرأيت إن كان زنى بها فأفضاها أو اغتصبها فأفضاها؟ فقال: أما التي مكنت من نفسها فلا شيء لها، وأما التي اغتصبت فعليه لها صداقها وما شأنها به.
قلت: أرأيت الرجل يجامع أمته فيفضيها، أتعتق عليه؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يضرب عبده على وجه الأدب فيفقأ عينه أيعتق عليه؟ قال: قال مالك: لا يعتق عليه. فمسألتك مثل هذا وإنما يعتق على سيده ما كان على وجه العمد.
قلت: أليس قول مالك فيمن أفضى زوجته أنه إن شاء طلق وإن شاء أمسك؟
قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما كنا نشك أنها زوجة من الأزواج إن شاء طلق وإن شاء أمسك وهو رأيي" (المدونة - في الرجل يفضي امرأته أو أمته أو يغتصب حرة أو يزني بها فيفضيها)
وقرامطة النجدية يقولون إنه لو أحسن إلى امرأته ثم أرادت فراقه فلها ذلك وهذا خلاف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين عامتهم وخاصتهم والله المستعان.
قال ابن أبى زيد: من كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن عمد لقطع أنملة عبده أو اطرف أذنه او أرنبته او قلع سنه او قطع بعض جسده عتق عليه وعوقب. قال أشهب: ويسجن. قال: وما تعمد من كى كان على وجه العذاب لم يعتق إلا أن ينشر ويتفاحش. قال ابن سحنون عن أبيه: ليس شىء من الجراح التى تعود لهيئتها مثله وإنما المثلة ما أبان من الاعضاء كاليد والرجل والاصبع. قال سحنون: وإن ضرب رأس عبده فنزل الماء فى عينه فليس بمثلة يعتق بها. قال ابن القاسم: وإنما يعتق ما كان على وجه العمد لا فى الخطأ. ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا فقأ عين عبده أو عين إمرأته فقال العبد وامرأة: فعل متعمدا. قال السيد والزوج: بل كنت مؤدبا فأخطات فالقول قول العبدوالمرأة بخلاف الطبيب يتجاوز ويقول أخطات ويدعى المفعول به العمد لأنه مأذون له فى الفعل والأول ظهر عدوانه. قال فى العتبية ثم رجع فقال: القول الزوج والسيد حتى يظهر العداء. ومن العتبية قال سحنون: قال مالك فيمن مثل بامراته أنها تطلق عليه كما لو باعها لأنه لا يؤمن عليها. ومن العتبية من سماع أبى زيد من ابن القاسم وكتاب ابن المواز: ومن حلف ليضربنه مائتى سوط أو ثلاثمائة ففعل فأنهكه فإنه لا يعتق عليه بذلك إلا أن يبلغ منه ما يكون مثله شديدة مثل ذهاب لحمه وربما تآكل لحمه لذلك بقى جلد على عظم فما بلغ مما يرى أنه مثله بينه فليعتق عليه ومثل قطع الأصبع. قال ابن المواز: قال أصبغ: ومثل أن يحدودب ويبلغ به من ضربه الزمانة الظاهرة والباطنة. قال ابن القاسم فى الكتابين: ويعاقب عتق عليه أو لم يعتق" (النوادر والزيادات - جامع من يعتق بالمثلة) مختصرا.
والقول بالتفريق بين الرجل وامرأته قول شذ به مالك عن أهل العلم وكذلك القول بتحنيث السلطان ولعله أخذه عن ربيعة. فأما إذا نوى الطلاق ببيعه امرأته فقد وقع عليه الطلاق كما يقع عليه بسائر الكنايات والله أعلم.
قال إسحاق بن منصور: "قلت: رجل باع امرأته أتبين منه؟
قال: لا، ولكن يعزر. قال أحمد: لا تبين منه، ولكنه قد أتى أمرا عظيما" (مسائل الكوسج 1142)
قال ابن المنذر: " اختلف أهل العلم في الرجل يبيع زوجته.
فقالت طائفة: لا تطلق عليه، ولكن يعزر. هكذا قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وهذا يشبه مذهب الشافعي. وكذلك أقول.
وفيه قول ثان قاله مالك قال: من باع امرأته نكل به نكالا شديدا، وطلقت عليه بواحدة، وهي أملك بنفسها، وليس له أن يتزوجها ولا يراجعها، ولا غيرها حتى تعرف منه توبة وصلاح مخافة أن يتزوجها أو غيرها فيبيعها أيضا، وعليه النكال الشديد، والسجن الطويل. فإذا عرف منه توبة ظاهرة تزوجها إن شاء وشاءت، أو غيرها.
وكان قتادة يقول في رجل تزوج امرأة فلقيه رجل فقال: قد أربحتك فيها مائة دينار. قال: قد قبلت، قال: بانت منه ويعاقبان، ولها على زوجها الأول نصف المهر، لأنه لم يدخل بها، وقال سعيد بن بشير: قضى بها طريف القاضي، وجلد كل واحد منهما سبعين سوطا وجعل لها بنصف المهر على زوجها الأول، وفُرِّقَ بينهما" (الأوسط - ذكر الرجل يبيع زوجته)
مسألة قتادة تشبه الخلع مع الأجنبى وذلك أن يعطى الأجنبى الزوج مالا على أن يفارق امرأته فيرضى الزوج ويفارق على المال فالمال للزوج على الأجنبى لازم والفرقة ههنا فرقة بائنة لأنها خلع ولا تملك المرأة أن تمتنع ولو كرهت. ولعل طريفا عاقب الرجلين لأن الزوج باعه امرأته لا طلاقها كأنه قال له أعطيك مهرها وزيادة مائة دينار وتكون امرأتى لا امرأتك فهذا حرام لا يحل وإذا خلع الزوج امرأته مع أجنبى فلا يلزم المرأة أن تنكح الأجنبى ولا أن تعطيه شيئا من مالها ولها أن تنكح من شاءت.
قال ابن عبد البر: "ومما يدخل في هذا الباب مسألة ذكرها إسماعيل بن أبي أويس عن مالك أنه سئل عن امرأة عرض لها يعني مسا من الجن فكانت إذا أصابها زوجها أو جنبت أو دنا منها اشتد ذلك بها فقال مالك لا أرى أن يقربها وأرى للسلطان أن يحول بينه وبينها. قال وقال مالك من مثل بامرأته فرق بينهما بتطليقة قال وإنما يفرق بينهما مخافة أن يعود إليها فيمثل بها أيضا كالذي فعل أول مرة وإنما ذلك في المثلة البينة التي يأتيها متعمدا مثل فقء العين وقطع اليد وأشباه ذلك قال وقد يفرق بين الرجل وامرأته بما هو أيسر من هذا وأقل ضررا إن شاء الله" (التمهيد 20/162)
وفى قول الشافعى أيضا إن المرأة إذا مريضة يزيد الوطء فى مرضها منع زوجها من وطئها حتى تبرأ.
وقوله: "وقد يفرق بين الرجل وامرأته بما هو أيسر من هذا وأقل ضررا إن شاء الله" يعنى بما جاء فى كتاب الله من الإيلاء وفى سنة رسوله من الأمة تعتق تحت العبد وليس على المرأة فى ترك زوجها وطأها ضرر ولا على الأمة فى بقائها مع زوجها بعد العتق ضرر ولكن لهما الخيار. وليس معناه إن كل ضرر أصاب المرأة من زوجها فلها فراقه وإنما نبهت على ذلك لأجل ما ابتدعه بعض جهلة القرامطة النجدية حتى نسبوا مخرقة طلاق الضرر إلى الشافعى وقد أفرد الشافعى فى كتابه أبوابا منها (الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ) فى أن الرجل لا يمكن إجباره على الطلاق أبدا وأن كل فرقة أجبر عليها فهى فسخ لا طلاق ولا يكون فسخ إلا بأمر فى كتاب الله وسنة رسوله أو أجمع عليه المسلمون أو اختلفوا فيه. واختار الشافعى أن الخلع طلاق لإجماع المسلمين من قال إنه طلاق ومن قال إنه فسخ أنه لا يجبر عليه الزوج فكان أشبه بقياس مذهبه أن يجعله طلاقا.
فأتوا بقول الشافعى: "فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين؟ قيل نعم جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الإيمان في غير ذكر المولي فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولي ما لم يحنث" (الأم – باب العيب بالمنكوحة)
فزعم هؤلاء الجهلاء أن الشافعى يقول إن المرأة إذا كرهت زوجها فلها فراقه لأنهم يسمون هذا ضررا معنويا. وهذا جهل محض بأنكحة المسلمين وبمذهب أبى عبد الله الشافعى رحمه الله تعالى وقولهم هذا عند الشافعى يخرج صاحبه من الملة إن لم يكن جاهلا. وإنما احتج الشافعى على من خالفه من أهل العراق فى أن لا يفسخ النكاح بالعيب فقال لهم قد قلتم معنا إن المولى إذا أبى أن يفىء طلقت عليه امرأته وترك الوطء ليس بضرر فلم أنكرتم علينا التفريق بالجنون والبرض والجذام وهو قول عمر بن الخطاب ومذهب أهل المدينة وضررها أشد من ضرر المولى؟
والذى يذهب إليه الشافعى أن من ترك وطء امرأته بغير يمين إضرار بها فليس عليه إيلاء يوقف له ولا تملك امرأته أن تفارقه ولا يملك السلطان أن يجبره على الطلاق ولا على الوطء وغيره من أهل العلم يقولون إنه يجبره على الوطء واحتج عليهم الشافعى بأن الوطء حق الرجل لا حق المرأة وليس عليها فى تركه وطأها ضرر فهذا معنى قول الشافعى الذى جهله قرامطة النجدية.
قال الشافعى: "وإذا تظاهر الرجل من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لأن الله تعالى قد حكم في الظهار غير حكمه في الإيلاء فلا يكون المتظاهر موليا ولا المولي متظاهرا بأحد القولين ولا يكون عليه بأحدهما إلا أيهما جعل على نفسه لأنه مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء، وسواء كان مضارا بالظهار أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء بالضرار ويأثم لو تركها الدهر بلا يمين يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء ولا يحال حكم عما أنزل الله تبارك وتعالى فيه" (الأم 5/294)
قال الشافعى: "وإذا أسلم الرجل وعنده أكثر من أربع نسوة فأسلمن فقيل له اختر فقال لا اختار حبس حتى يختار وأنفق عليهن من ماله لأنه مانع لهن بعقد متقدم وليس للسلطان أن يطلق عليه كما يطلق على المولى فإن امتنع مع الحبس أن يختار عزر وحبس أبدا حتى يختار" (الأم 5/58)
وقال فى الخلاف فى الفسخ للعجز عن النفقة: "فقال" أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تُفَرِّقُ بينها وبينه إذا منعها فَرْقٌ مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء؟ فقلت له نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها" (الأم 5/115)
قال الشافعى: "وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر على فراقها (قال) : ولا يجبر على أن يقسم لها الإصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها (قال) : وهكذا لو كانت منفردة به أو مع أمة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يَضُرَّ بها في الجماع ولم يفرض عليه منه شيء بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوي إليها فأما الجماع فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه" (الأم 5/203)