سعيد عبد الله
2025-08-23, 03:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127
[مسألة المهر]
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رجلا تزوج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه.
وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف
قال أبو بكر حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «انطلق فقد زوجتكما فعلمها سورة من القرآن»
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن ابن أبي لبيبة عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استحل بدرهم فقد استحل»
وابن أبى لبيبة متروك وهو منقطع بين جده وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو بكر حدثنا حفص عن حجاج عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنكحوا الأيامى منكم فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ما العلائق بينهم؟ قال ما تراضى عليه أهلوهم»
فيه حجاج بن أرطأة وهو مدلس وابن البيلمانى ضعيف ثم هو بعد مرسل
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن أنس قال: «تزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وثلثا»
وفيه حجاج بن أرطأة وهو مدلس وتقويم النواة لعله من قول أنس أو قتادة
قال أبو بكر حدثنا حفص عن عمرو عن الحسن قال: "ما تراضى عليه الزوج والمرأة فهو مهر"
قال أبو بكر حدثنا معتمر عن ابن عون قال: سألت الحسن: "ما أدنى ما يتزوج عليه الرجل؟" قال: "وزن نواة من ذهب"
وهذا يفسر قوله الأول أو هو اختلاف من قوله. وقوله هذا وهو المعروف عنه يوافق قول مالك وأبى حنيفة فى تحديد المهر ويخالف أبا حنيفة فى القيمة. وقد أراد أبو بكر أن يحتج بهذا على أبى حنيفة فإذا هو حجة عليه والله المستعان.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: لو رضيت بسوط كان مهرا
قال أبو بكر حدثنا وكيع، عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن ابن البيلماني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال: قالوا: "يا رسول الله فما العلائق بينهم؟" قال: «ما تراضى عليه أهلوهم»
وفيه ابن البيلمانى وهو أيضا مرسل.
وذكر أن أبا حنيفة قال: لا يتزوجها على أقل من عشرة دراهم
اختلف أهل العلم فى أقل ما يجوز مهرا فقال أكثر أهل العلم لا حد لأقل المهر وكل ما كان مالاً يجوز بيعه وشراؤه جاز أن يكون مهرا وإن قَلَّ وهذا قول الشافعى وأحمد وعامة أهل الحجاز وأهل المدينة. وجعل غيرهم للمهر وقتا لا يجوز أقلُّ منه وهذا قول أبى حنيفة وأصحابه والحسن البصرى وإبراهيم النخعى والشعبى وكثير من العراقيين وبه قال مالك وخالف فيها أهل المدينة.
فأما حديث الذى زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سورة من القرآن فإنه حديث صحيح ثابت غير أن عامة أهل العلم لا يجيزون النكاح على سورة من القرآن وأكثر أهل العلم لا يأخذون بظاهر بهذا الحديث ويقولون لعله فرض عليه مهرا سوى السورة من القرآن وممن تركه ولم يأخذ به مالك وأحمد وأبو حنيفة والليث بن سعد. وكان الشافعى يتأوله أنه زوجه على تعليمها سورة من القرآن وأجاز النكاح على تعليم القرآن وأجاز أيضا أخذ الأجر على التعليم ولا يجوز عنده النكاح على سورة من القرآن ولكن على تعليمها. وخالفه غيره فقالوا: إن الذى فى الحديث أنه زوجه على سورة من القرآن لا على تعليمها فلئن جاز لك تأويله على أنه زوجه على تعليمها القرآن فلم لا يجوز لغيرك أن يتأول أنه جعل لها مهرا آخر؟
ورواية ابن أبى شيبة لهذا الحديث أنه زوجه على تعليمها رواية مختصرة مخالفة للمحفوظ من رواية الثقات.
روى مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: "يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك" فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال: "يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال: "ما عندي إلا إزاري هذا" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا» فقال: "ما أجد شيئا" قال: «التمس ولو خاتما من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء»؟ فقال: "نعم معي سورة كذا وسورة كذا - لسور سماها -" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن» (الموطأ - باب ما جاء في الصداق والحباء)
قال الشافعى: "يجوز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا" (الأم 5/64)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: الذي قال: زوجتكها على ما معك من القرآن؟
فكرهه وقال: الناس يقولون: على أن يعلمها، يضعونها على غير هذا، وليس هذا في الحديث.
قال أحمد: على ما تراضوا عليه -يعني: المهر.
قال إسحاق: كما قال، وإذا تزوجها على ما معه من القرآن جاز النكاح، ويجعل لها مهرا؟ لما سن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بناته ونسائه رضي الله عنهن أجمعين" (مسائل الكوسج 875)
وقول إسحاق ليس كقول الشافعى ولكن معناه أن النكاح صحيح ولا بد من أن يدفع إليها مالا مهرا وهذا قول أحمد وأبى حنيفة. وفى قول مالك إن المهر إذا كان فاسدا يفسخ النكاح إذا أُدْرِكَ قبل الدخول ويثبت بعده ولها مهر المثل.
نقل محمد بن الحكم أنه سأل عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه زوج على سورة من القرآن.
فقال: لا أعلم شيئا يمنعه، ولكنها مسألة لا يحتملها الناس (الروايتين والوجهين 2/117)
قال أبو جعفر الطحاوى: "قال الليث: لا يجوز هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج بالقرآن. قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن التزويج على سورة من القرآن مسماة جائز وقالوا: معنى ذلك على أن يعلمها تلك السورة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: من تزوج على ذلك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسم مهرا فلها مهر مثلها إن دخل بها أو ماتا أو مات أحدهما وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها المتعة. وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن الذي في حديث سهل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد زوجتك على ما معك من القرآن» أن حمل ذلك على الظاهر وكذلك مذهب أهل المقالة الأولى في غير هذا فذلك على السورة لا على تعليمها وإن كان ذلك على السورة فهو على حرمتها وليست من المهر في شيء كما تزوج أبو طلحة أم سليم على إسلامه" (شرح معاني الآثار 3/16)
فلم يبق فيم احتج به أبو بكر شىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما جاء فى حديث التزويج على سورة من إجازته التزويج على خاتم من حديد وحديث نكاح عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب.
فأما الخاتم من حديد فإن من أهل العلم من ترك الاحتجاج بالحديث كله لأنه لا يجيز النكاح على سورة من القرآن وهذا قول مالك وأبى حنيفة والحسن البصرى وإبراهيم النخعى وغيرهم. وأما حديث النواة من ذهب فإن فى إسناده الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ثم إنهم قد اختلفوا فى قيمتها فقال بعضهم قيمتها ربع دينار وهذا قول مالك وأصحابه وهو أقل المهر عندهم.
واختلف من جعل وقتا لأقل الصداق فقال إبراهيم النخعى أقل الصداق أربعون درهما.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم أنه كره أن يتزوج على أقل من أربعين. وكان الحكم لا يرى به بأسا.
وقال الحسن البصرى أقل المهر وزن نواة من ذهب وهذا يشبه أن يكون ربع دينار.
قال أبو بكر حدثنا معتمر عن ابن عون قال: سألت الحسن: "ما أدنى ما يتزوج عليه الرجل؟" قال: "وزن نواة من ذهب"
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن أنس، قال: «تزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، قومت ثلاثة دراهم وثلث» وفيه حجاج.
وروى عن الشعبى أن أقل المهر عشرة دراهم
قال أبو بكر حدثنا ابن علية عن مصلح بن مسلم قال: قلت للشعبي: "رجل تزوج امرأة بدرهم" قال: "لا تصلح إلا بثوب أو بشيء"
قال أبو بكر حدثنا شريك بن عبد الله عن داود الزعافري عن الشعبي قال: قال علي: «لا مهر بأقل من عشرة دراهم»
وهذا منقطع بين الشعبى وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ويرويه عن الشعبى داود الزعافرى وهو ضعيف وكان الثورى ينكر هذا الأثر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه أقل المهر عشرة دراهم لأنها نصاب السرقة عندهم فقالوا كما أن السارق تقطع يده فى عشرة دراهم فصاعدا فلا يجوز أن يفوت المرأةَ بضعُها ويملكَه عليها زوجُها بأقل من عشرة دراهم.
قال أبو جعفر الطحاوى: " قال أصحابنا لا مهر أقل من عشرة دراهم
وقال مالك ربع دينار
وقال ابن أبي ليلى والليث والحسن بن حي والشافعي يجوز بقليل المال وكثيره ولو درهم واحد" (مختصر اختلاف العلماء - في مقدار الصداق)
وفى أصل محمد بن الحسن: "غير أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم. بلغنا نحو ذلك عن علي وعبد الله بن عمر وابراهيم النخعي والشعبي" (الأصل 4/440)
قال فى الأصل: "وإذا تزوج الرجل المرأة على دراهم أو على شيء من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم فإنه يكمل لها عشرة دراهم، لأنه لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. وإن كان قيمته خمسة أعطاها أيضا خمسة دراهم أخرى. فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصف الثوب ونصف الدراهم. وإن كان قيمته ثلثي عشرة ثم طلقها رجع بنصف الدراهم ونصف الثوب. بلغنا نحو ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي" (الأصل 10/237)
ولا يصح من هذه الآثار شىء إلا عن إبراهيم النخعى.
وقال مالك أقل المهر ربع دينار لأن ذلك نصاب السرقة عنده وعند أهل الحجاز وهذا قول أخذه عن أهل العراق وخالف به أهل المدينة وكان الدراوردى يقول له: تَعَرَّقْتَ فيها يا أبا عبد الله. يعنى أخذت فيها بقول أهل العراق.
قال مالك: "لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع" (الموطأ - باب ما جاء في الصداق والحباء)
قال سحنون: "قلت: أرأيت إن تزوجها على عرض قيمته أقل من ثلاثة دراهم أو على درهمين؟ قال: أرى النكاح جائزا ويبلغ به ربع دينار إن رضي بذلك الزوج، وإن أبى فسخ النكاح إن لم يكن دخل بها، وإن دخل بها أكمل لها ربع دينار وليس هذا النكاح عندي من نكاح التفويض قلت: لم أجزته؟
قال: لاختلاف الناس في هذا الصداق؛ لأن منهم من قال ذلك الصداق جائز ومنهم من قال لا يجوز وقد قال بعض الرواة لا يجوز قبل الدخول بدرهمين، وإن أتم الزوج ربع دينار قلت: فإن فاتت بالدخول؟
قال: فلها صداق مثلها؛ لأن الصداق الأول لم يكن يصلح العقد به.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن طلقها قبل البناء بها، أتجعل لها نصف الدرهمين أم المتعة أم نصف ربع دينار؟ قال: لها نصف الدرهمين قلت: لم؟
قال: لأنه صداق قد اختلف فيه وإن الزوج لو لم يرض أن يبلغها ربع دينار لم أجبره على ذلك إلا أن يكون قد دخل بها، فهو إذا طلق فليس لها إلا نصف الدرهمين لاختلاف الناس في أنه صداق، قال: ولا أرى لأحد أن يتزوج بأقل من ربع دينار
قلت: أرأيت إن تزوجها على درهمين ولم يبن بها، أيفسخ هذا النكاح أم يقر ويرفع بها إلى صداق مثلها أو يرفع بها إلى أدنى مما يستحل به النساء في قول مالك وكيف إن كان قد بنى بها ماذا يكون لها من الصداق وهل يترك هذا النكاح بينهما لا يفسخ إذا كان قد بنى بها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال إن أمهر ثلاثة دراهم قبل أن يدخل بها أقر النكاح ولم يفسخ، قال ابن القاسم: ورأيي إن كان قد دخل بها أن يجبر على ثلاثة دراهم ولا يفرق بينهما
قلت: أرأيت إن تزوجها ولم يفرض لها ولم يبن بها حتى طلقها زوجها ونصف مهر مثلها أقل من المتعة أيكون لها نصف مهر مثلها أم المتعة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن مالكا قال: كل مطلقة لم يفرض لها ولم يبن بها زوجها حتى طلقها فلها المتاع ولا شيء لها من الصداق وكذلك السنة" (المدونة - النكاح بصداق أقل من ربع دينار)
قوله إنه يفسخ قبل الدخول بأقل إذا كان الصداق أقل من ربع دينار لأنه عندهم صداق فاسد والنكاح على المهر الفاسد عند مالك يفسخ إن أدركه السلطان قبل الدخول ولو كره الرجل والمرأة ويثبت بعده ويكون لها مهر المثل وجعل لها ههنا ربع دينار لأنها قد رضيت بأقل منها.
ولمالك مسائل تشبه هذا كالبيوع المختلف فيها فإنها تفسخ ما دامت قائمة فإذا فاتت لم تفسخ وكذلك قال فى صلوات اختلفوا فى صحتها يعيدها فى الوقت فإذا مضى الوقت لم يعد.
وقوله: "فاتت بالدخول" يعنى لم تملك المرأة أن تفارق بعد الدخول ولم يملك ذلك السلطان. والمرأة عند أهل العلم جميعا تفوت بالعقد فى النكاح الصحيح فلا يملك أن يفتكها السلطان من زوجها ولكن لما كان هذا النكاح فاسدا عند مالك جعل الفوت فيه بالدخول. وأكثر أهل العلم يقولون إن فساد المهر لا يفسد عقدة النكاح ولا تملك المرأة أن تفارق قبل الدخول ولا بعده.
قال الشافعى: "ودل قول الله عز وجل {وآتيتم إحداهن قنطارا} على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حد القليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا العلائق قيل: وما العلائق يا رسول الله؟ قال ما تراضى به الأهلون» .
(قال الشافعي) : ولا يقع اسم علق إلا على شيء مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثاني كل منفعة ملكت وحل ثمنها، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته.
(قال الشافعي) : والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي «عن أبي سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش؟ قلت لا قالت نصف أوقية»" (الأم 5/63)
وقد مضى القول فى حديث العلائق وأنه لا يصح والشافعى يعلم ذلك ولكنه يستأنس به كما استأنس بحديث "أول الوقت غفران" وهو حديث موضوع.
قال الشافعى: "خاتم الحديد لا يسوى قريبا من الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به (قال الشافعي) : وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أدوا العلائق فقالوا وما العلائق؟ قال ما تراضى به الأهلون» وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من استحل بدرهم فقد استحل»
(قال الشافعي) : وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز نكاحا على نعلين» وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر، أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل هبها لي فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أصدقها سوطا فما فوقه جُوِّزَ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم فقلت فأقل؟ قال ونصف قلت فأقل؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة" (الأم 5/64)
وهذه الآثار لا تصح إلا عن سعيد بن المسيب ولهذا يقول فيها الشافعى: "بلغنا" وهذا لأنها لم تصح عنده. ومحمد بن إبراهيم شيخ الشافعى يرمى بالكذب.
وقال الربيع فى اختلاف مالك والشافعى: "سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن» قلت للشافعي: فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما؟ قلنا: نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت: فهذا قليل.
(قال الشافعي) : هذا شيء خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة، ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد، وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده فإلى قول من ذهبتم؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا: نعم قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تُمْلَكُ رقبتُها ويُبَاحُ فرجُها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحةً إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير؟ أورأيتم حين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل: لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم؛ لأن ذلك صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم؛ لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس. أرأيتم إن كان الرجلُ يُصْدِقُ المرأةَ صداقُ مثلِها عشرةُ دراهمَ ألفَ درهمٍ فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه.
ويُصْدِقُ المرأةَ عشرةً وصداقُ مثلِها آلافٌ فيجوزُ ولا يكونُ لها ردُّ ذلك كما تكونُ البيوعُ يجوزُ فيها التغابنُ برضا المتبايعين فلِمَ يكونُ هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم؟" (الأم 7/235)
قوله: "أرأيتم إن كان الرجلُ يصدقُ المرأةَ صداقُ مثلِها عشرةُ دراهم ألفَ درهمٍ فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه" يعنى أنه لو نكح امرأة على ألف درهم وصداق مثلها عشرة دراهم فأراد أن لا يلزمه ما زاد على العشرة من الألف وذلك تسعون وتسعمائة درهم لم يكن له ذلك ولزمه أن يؤدى إليها الألف وإن طلق قبل الدخول فعليه خمسمائة لأن النكاح عقد والعقود لازمة. وقوله: "فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه" يعنى فيلزم وقد تقدم مرارا أن الجواز فى العقود معناه الإلزام من قولك جاز عليه الشى أى لزمه.
وقول الشافعى: "ويُصْدِقُ المرأةَ عشرةً وصداقُ مثلِها آلافٌ فيجوزُ ولا يكونُ لها ردُّ ذلك" معناه أن لو نكح امرأة على عشرة دراهم وهو أدنى الصداق عندهم وصداقُ مثلها آلاف الدراهم فندمت المرأة وأرادت أن ترجع فى نفسها وتردَّ إليه مهرَه وتفارقَه لم يكن لها ذلك أبدا لأن النكاح يلزم المرأةَ فى نفسها والرجلَ فى ماله فكما لا يملك الرجل أن يرجع فى المهر لم تملك هى أن ترجع فى نفسها وهذا كله إجماع المسلمين والشافعى يحتج به على من خالفه لاتفاقهم عليه.
فانظر إلى الفرق بين هذا وبين قول قرامطة نجد الوهابية الخناث المستحلين الزنا: إن المرأة لو أدى إليها زوجها أضعاف مهر مثلها ثم أرادت أن تفارقه قبل الدخول أو بعده فلها ذلك وترد إليه مهره ويخلعها عليه القاضى فإن لم يكن معها المهر فهو دين عليها ويفرق بينهما أيضا وحجتهم فى ذلك أن الله ظالم وأن رسوله ظالم وأن المسلمين ظلمة. ونعوذ بالله تعالى من قولهم ونسأل الله العافية من استحلال الزنا.
قال حرب: "سألت أحمد بن حنبل: قلت: كم أقل المهر؟
قال: ما تراضوا عليه.
وسئل إسحاق عن أقل المهر؟
قال: درهم" (مسائل حرب 80)
فهذا ما جاء عن السلف فى أقل ما يجوز من الصداق والله تعالى أعلم وإياه أسأله التوفيق.
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127
[مسألة المهر]
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رجلا تزوج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه.
وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف
قال أبو بكر حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «انطلق فقد زوجتكما فعلمها سورة من القرآن»
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن ابن أبي لبيبة عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استحل بدرهم فقد استحل»
وابن أبى لبيبة متروك وهو منقطع بين جده وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو بكر حدثنا حفص عن حجاج عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنكحوا الأيامى منكم فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ما العلائق بينهم؟ قال ما تراضى عليه أهلوهم»
فيه حجاج بن أرطأة وهو مدلس وابن البيلمانى ضعيف ثم هو بعد مرسل
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن أنس قال: «تزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وثلثا»
وفيه حجاج بن أرطأة وهو مدلس وتقويم النواة لعله من قول أنس أو قتادة
قال أبو بكر حدثنا حفص عن عمرو عن الحسن قال: "ما تراضى عليه الزوج والمرأة فهو مهر"
قال أبو بكر حدثنا معتمر عن ابن عون قال: سألت الحسن: "ما أدنى ما يتزوج عليه الرجل؟" قال: "وزن نواة من ذهب"
وهذا يفسر قوله الأول أو هو اختلاف من قوله. وقوله هذا وهو المعروف عنه يوافق قول مالك وأبى حنيفة فى تحديد المهر ويخالف أبا حنيفة فى القيمة. وقد أراد أبو بكر أن يحتج بهذا على أبى حنيفة فإذا هو حجة عليه والله المستعان.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: لو رضيت بسوط كان مهرا
قال أبو بكر حدثنا وكيع، عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن ابن البيلماني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال: قالوا: "يا رسول الله فما العلائق بينهم؟" قال: «ما تراضى عليه أهلوهم»
وفيه ابن البيلمانى وهو أيضا مرسل.
وذكر أن أبا حنيفة قال: لا يتزوجها على أقل من عشرة دراهم
اختلف أهل العلم فى أقل ما يجوز مهرا فقال أكثر أهل العلم لا حد لأقل المهر وكل ما كان مالاً يجوز بيعه وشراؤه جاز أن يكون مهرا وإن قَلَّ وهذا قول الشافعى وأحمد وعامة أهل الحجاز وأهل المدينة. وجعل غيرهم للمهر وقتا لا يجوز أقلُّ منه وهذا قول أبى حنيفة وأصحابه والحسن البصرى وإبراهيم النخعى والشعبى وكثير من العراقيين وبه قال مالك وخالف فيها أهل المدينة.
فأما حديث الذى زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سورة من القرآن فإنه حديث صحيح ثابت غير أن عامة أهل العلم لا يجيزون النكاح على سورة من القرآن وأكثر أهل العلم لا يأخذون بظاهر بهذا الحديث ويقولون لعله فرض عليه مهرا سوى السورة من القرآن وممن تركه ولم يأخذ به مالك وأحمد وأبو حنيفة والليث بن سعد. وكان الشافعى يتأوله أنه زوجه على تعليمها سورة من القرآن وأجاز النكاح على تعليم القرآن وأجاز أيضا أخذ الأجر على التعليم ولا يجوز عنده النكاح على سورة من القرآن ولكن على تعليمها. وخالفه غيره فقالوا: إن الذى فى الحديث أنه زوجه على سورة من القرآن لا على تعليمها فلئن جاز لك تأويله على أنه زوجه على تعليمها القرآن فلم لا يجوز لغيرك أن يتأول أنه جعل لها مهرا آخر؟
ورواية ابن أبى شيبة لهذا الحديث أنه زوجه على تعليمها رواية مختصرة مخالفة للمحفوظ من رواية الثقات.
روى مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: "يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك" فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال: "يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال: "ما عندي إلا إزاري هذا" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا» فقال: "ما أجد شيئا" قال: «التمس ولو خاتما من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء»؟ فقال: "نعم معي سورة كذا وسورة كذا - لسور سماها -" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن» (الموطأ - باب ما جاء في الصداق والحباء)
قال الشافعى: "يجوز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا" (الأم 5/64)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: الذي قال: زوجتكها على ما معك من القرآن؟
فكرهه وقال: الناس يقولون: على أن يعلمها، يضعونها على غير هذا، وليس هذا في الحديث.
قال أحمد: على ما تراضوا عليه -يعني: المهر.
قال إسحاق: كما قال، وإذا تزوجها على ما معه من القرآن جاز النكاح، ويجعل لها مهرا؟ لما سن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بناته ونسائه رضي الله عنهن أجمعين" (مسائل الكوسج 875)
وقول إسحاق ليس كقول الشافعى ولكن معناه أن النكاح صحيح ولا بد من أن يدفع إليها مالا مهرا وهذا قول أحمد وأبى حنيفة. وفى قول مالك إن المهر إذا كان فاسدا يفسخ النكاح إذا أُدْرِكَ قبل الدخول ويثبت بعده ولها مهر المثل.
نقل محمد بن الحكم أنه سأل عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه زوج على سورة من القرآن.
فقال: لا أعلم شيئا يمنعه، ولكنها مسألة لا يحتملها الناس (الروايتين والوجهين 2/117)
قال أبو جعفر الطحاوى: "قال الليث: لا يجوز هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج بالقرآن. قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن التزويج على سورة من القرآن مسماة جائز وقالوا: معنى ذلك على أن يعلمها تلك السورة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: من تزوج على ذلك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسم مهرا فلها مهر مثلها إن دخل بها أو ماتا أو مات أحدهما وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها المتعة. وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن الذي في حديث سهل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد زوجتك على ما معك من القرآن» أن حمل ذلك على الظاهر وكذلك مذهب أهل المقالة الأولى في غير هذا فذلك على السورة لا على تعليمها وإن كان ذلك على السورة فهو على حرمتها وليست من المهر في شيء كما تزوج أبو طلحة أم سليم على إسلامه" (شرح معاني الآثار 3/16)
فلم يبق فيم احتج به أبو بكر شىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما جاء فى حديث التزويج على سورة من إجازته التزويج على خاتم من حديد وحديث نكاح عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب.
فأما الخاتم من حديد فإن من أهل العلم من ترك الاحتجاج بالحديث كله لأنه لا يجيز النكاح على سورة من القرآن وهذا قول مالك وأبى حنيفة والحسن البصرى وإبراهيم النخعى وغيرهم. وأما حديث النواة من ذهب فإن فى إسناده الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ثم إنهم قد اختلفوا فى قيمتها فقال بعضهم قيمتها ربع دينار وهذا قول مالك وأصحابه وهو أقل المهر عندهم.
واختلف من جعل وقتا لأقل الصداق فقال إبراهيم النخعى أقل الصداق أربعون درهما.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم أنه كره أن يتزوج على أقل من أربعين. وكان الحكم لا يرى به بأسا.
وقال الحسن البصرى أقل المهر وزن نواة من ذهب وهذا يشبه أن يكون ربع دينار.
قال أبو بكر حدثنا معتمر عن ابن عون قال: سألت الحسن: "ما أدنى ما يتزوج عليه الرجل؟" قال: "وزن نواة من ذهب"
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن أنس، قال: «تزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، قومت ثلاثة دراهم وثلث» وفيه حجاج.
وروى عن الشعبى أن أقل المهر عشرة دراهم
قال أبو بكر حدثنا ابن علية عن مصلح بن مسلم قال: قلت للشعبي: "رجل تزوج امرأة بدرهم" قال: "لا تصلح إلا بثوب أو بشيء"
قال أبو بكر حدثنا شريك بن عبد الله عن داود الزعافري عن الشعبي قال: قال علي: «لا مهر بأقل من عشرة دراهم»
وهذا منقطع بين الشعبى وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ويرويه عن الشعبى داود الزعافرى وهو ضعيف وكان الثورى ينكر هذا الأثر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه أقل المهر عشرة دراهم لأنها نصاب السرقة عندهم فقالوا كما أن السارق تقطع يده فى عشرة دراهم فصاعدا فلا يجوز أن يفوت المرأةَ بضعُها ويملكَه عليها زوجُها بأقل من عشرة دراهم.
قال أبو جعفر الطحاوى: " قال أصحابنا لا مهر أقل من عشرة دراهم
وقال مالك ربع دينار
وقال ابن أبي ليلى والليث والحسن بن حي والشافعي يجوز بقليل المال وكثيره ولو درهم واحد" (مختصر اختلاف العلماء - في مقدار الصداق)
وفى أصل محمد بن الحسن: "غير أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم. بلغنا نحو ذلك عن علي وعبد الله بن عمر وابراهيم النخعي والشعبي" (الأصل 4/440)
قال فى الأصل: "وإذا تزوج الرجل المرأة على دراهم أو على شيء من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم فإنه يكمل لها عشرة دراهم، لأنه لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. وإن كان قيمته خمسة أعطاها أيضا خمسة دراهم أخرى. فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصف الثوب ونصف الدراهم. وإن كان قيمته ثلثي عشرة ثم طلقها رجع بنصف الدراهم ونصف الثوب. بلغنا نحو ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي" (الأصل 10/237)
ولا يصح من هذه الآثار شىء إلا عن إبراهيم النخعى.
وقال مالك أقل المهر ربع دينار لأن ذلك نصاب السرقة عنده وعند أهل الحجاز وهذا قول أخذه عن أهل العراق وخالف به أهل المدينة وكان الدراوردى يقول له: تَعَرَّقْتَ فيها يا أبا عبد الله. يعنى أخذت فيها بقول أهل العراق.
قال مالك: "لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع" (الموطأ - باب ما جاء في الصداق والحباء)
قال سحنون: "قلت: أرأيت إن تزوجها على عرض قيمته أقل من ثلاثة دراهم أو على درهمين؟ قال: أرى النكاح جائزا ويبلغ به ربع دينار إن رضي بذلك الزوج، وإن أبى فسخ النكاح إن لم يكن دخل بها، وإن دخل بها أكمل لها ربع دينار وليس هذا النكاح عندي من نكاح التفويض قلت: لم أجزته؟
قال: لاختلاف الناس في هذا الصداق؛ لأن منهم من قال ذلك الصداق جائز ومنهم من قال لا يجوز وقد قال بعض الرواة لا يجوز قبل الدخول بدرهمين، وإن أتم الزوج ربع دينار قلت: فإن فاتت بالدخول؟
قال: فلها صداق مثلها؛ لأن الصداق الأول لم يكن يصلح العقد به.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن طلقها قبل البناء بها، أتجعل لها نصف الدرهمين أم المتعة أم نصف ربع دينار؟ قال: لها نصف الدرهمين قلت: لم؟
قال: لأنه صداق قد اختلف فيه وإن الزوج لو لم يرض أن يبلغها ربع دينار لم أجبره على ذلك إلا أن يكون قد دخل بها، فهو إذا طلق فليس لها إلا نصف الدرهمين لاختلاف الناس في أنه صداق، قال: ولا أرى لأحد أن يتزوج بأقل من ربع دينار
قلت: أرأيت إن تزوجها على درهمين ولم يبن بها، أيفسخ هذا النكاح أم يقر ويرفع بها إلى صداق مثلها أو يرفع بها إلى أدنى مما يستحل به النساء في قول مالك وكيف إن كان قد بنى بها ماذا يكون لها من الصداق وهل يترك هذا النكاح بينهما لا يفسخ إذا كان قد بنى بها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال إن أمهر ثلاثة دراهم قبل أن يدخل بها أقر النكاح ولم يفسخ، قال ابن القاسم: ورأيي إن كان قد دخل بها أن يجبر على ثلاثة دراهم ولا يفرق بينهما
قلت: أرأيت إن تزوجها ولم يفرض لها ولم يبن بها حتى طلقها زوجها ونصف مهر مثلها أقل من المتعة أيكون لها نصف مهر مثلها أم المتعة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن مالكا قال: كل مطلقة لم يفرض لها ولم يبن بها زوجها حتى طلقها فلها المتاع ولا شيء لها من الصداق وكذلك السنة" (المدونة - النكاح بصداق أقل من ربع دينار)
قوله إنه يفسخ قبل الدخول بأقل إذا كان الصداق أقل من ربع دينار لأنه عندهم صداق فاسد والنكاح على المهر الفاسد عند مالك يفسخ إن أدركه السلطان قبل الدخول ولو كره الرجل والمرأة ويثبت بعده ويكون لها مهر المثل وجعل لها ههنا ربع دينار لأنها قد رضيت بأقل منها.
ولمالك مسائل تشبه هذا كالبيوع المختلف فيها فإنها تفسخ ما دامت قائمة فإذا فاتت لم تفسخ وكذلك قال فى صلوات اختلفوا فى صحتها يعيدها فى الوقت فإذا مضى الوقت لم يعد.
وقوله: "فاتت بالدخول" يعنى لم تملك المرأة أن تفارق بعد الدخول ولم يملك ذلك السلطان. والمرأة عند أهل العلم جميعا تفوت بالعقد فى النكاح الصحيح فلا يملك أن يفتكها السلطان من زوجها ولكن لما كان هذا النكاح فاسدا عند مالك جعل الفوت فيه بالدخول. وأكثر أهل العلم يقولون إن فساد المهر لا يفسد عقدة النكاح ولا تملك المرأة أن تفارق قبل الدخول ولا بعده.
قال الشافعى: "ودل قول الله عز وجل {وآتيتم إحداهن قنطارا} على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حد القليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا العلائق قيل: وما العلائق يا رسول الله؟ قال ما تراضى به الأهلون» .
(قال الشافعي) : ولا يقع اسم علق إلا على شيء مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثاني كل منفعة ملكت وحل ثمنها، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته.
(قال الشافعي) : والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي «عن أبي سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش؟ قلت لا قالت نصف أوقية»" (الأم 5/63)
وقد مضى القول فى حديث العلائق وأنه لا يصح والشافعى يعلم ذلك ولكنه يستأنس به كما استأنس بحديث "أول الوقت غفران" وهو حديث موضوع.
قال الشافعى: "خاتم الحديد لا يسوى قريبا من الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به (قال الشافعي) : وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أدوا العلائق فقالوا وما العلائق؟ قال ما تراضى به الأهلون» وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من استحل بدرهم فقد استحل»
(قال الشافعي) : وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز نكاحا على نعلين» وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر، أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل هبها لي فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أصدقها سوطا فما فوقه جُوِّزَ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم فقلت فأقل؟ قال ونصف قلت فأقل؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة" (الأم 5/64)
وهذه الآثار لا تصح إلا عن سعيد بن المسيب ولهذا يقول فيها الشافعى: "بلغنا" وهذا لأنها لم تصح عنده. ومحمد بن إبراهيم شيخ الشافعى يرمى بالكذب.
وقال الربيع فى اختلاف مالك والشافعى: "سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن» قلت للشافعي: فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما؟ قلنا: نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت: فهذا قليل.
(قال الشافعي) : هذا شيء خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة، ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد، وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده فإلى قول من ذهبتم؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا: نعم قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تُمْلَكُ رقبتُها ويُبَاحُ فرجُها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحةً إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير؟ أورأيتم حين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل: لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم؛ لأن ذلك صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم؛ لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس. أرأيتم إن كان الرجلُ يُصْدِقُ المرأةَ صداقُ مثلِها عشرةُ دراهمَ ألفَ درهمٍ فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه.
ويُصْدِقُ المرأةَ عشرةً وصداقُ مثلِها آلافٌ فيجوزُ ولا يكونُ لها ردُّ ذلك كما تكونُ البيوعُ يجوزُ فيها التغابنُ برضا المتبايعين فلِمَ يكونُ هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم؟" (الأم 7/235)
قوله: "أرأيتم إن كان الرجلُ يصدقُ المرأةَ صداقُ مثلِها عشرةُ دراهم ألفَ درهمٍ فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه" يعنى أنه لو نكح امرأة على ألف درهم وصداق مثلها عشرة دراهم فأراد أن لا يلزمه ما زاد على العشرة من الألف وذلك تسعون وتسعمائة درهم لم يكن له ذلك ولزمه أن يؤدى إليها الألف وإن طلق قبل الدخول فعليه خمسمائة لأن النكاح عقد والعقود لازمة. وقوله: "فيجوزُ ولا يكونُ له ردُّه" يعنى فيلزم وقد تقدم مرارا أن الجواز فى العقود معناه الإلزام من قولك جاز عليه الشى أى لزمه.
وقول الشافعى: "ويُصْدِقُ المرأةَ عشرةً وصداقُ مثلِها آلافٌ فيجوزُ ولا يكونُ لها ردُّ ذلك" معناه أن لو نكح امرأة على عشرة دراهم وهو أدنى الصداق عندهم وصداقُ مثلها آلاف الدراهم فندمت المرأة وأرادت أن ترجع فى نفسها وتردَّ إليه مهرَه وتفارقَه لم يكن لها ذلك أبدا لأن النكاح يلزم المرأةَ فى نفسها والرجلَ فى ماله فكما لا يملك الرجل أن يرجع فى المهر لم تملك هى أن ترجع فى نفسها وهذا كله إجماع المسلمين والشافعى يحتج به على من خالفه لاتفاقهم عليه.
فانظر إلى الفرق بين هذا وبين قول قرامطة نجد الوهابية الخناث المستحلين الزنا: إن المرأة لو أدى إليها زوجها أضعاف مهر مثلها ثم أرادت أن تفارقه قبل الدخول أو بعده فلها ذلك وترد إليه مهره ويخلعها عليه القاضى فإن لم يكن معها المهر فهو دين عليها ويفرق بينهما أيضا وحجتهم فى ذلك أن الله ظالم وأن رسوله ظالم وأن المسلمين ظلمة. ونعوذ بالله تعالى من قولهم ونسأل الله العافية من استحلال الزنا.
قال حرب: "سألت أحمد بن حنبل: قلت: كم أقل المهر؟
قال: ما تراضوا عليه.
وسئل إسحاق عن أقل المهر؟
قال: درهم" (مسائل حرب 80)
فهذا ما جاء عن السلف فى أقل ما يجوز من الصداق والله تعالى أعلم وإياه أسأله التوفيق.