تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تطريز رياض الصالحين



امانى يسرى محمد
2025-08-20, 03:48 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/96.jpg (http://img.over-blog-kiwi.com/1/40/02/09/20150406/ob_f9a185_gegz.png)


تطريز رياض الصالحين :
إن كتاب رياض الصالحين من الكتب الشريفة النافعة، فقد جمع بين دفتيه جوامع الكلم من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآيات كتاب الله العزيز، جعله مصنفه مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصِّلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السائرين إلى الله: من أحاديث الزهد وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك مما يهذب سلوك الإنسان.
وقد صدر أبواب الكتاب بآيات قرآنية، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبط من ألفاظ الأحاديث أو شرح معنى خفي من ألفاظه، فجاء كتاب جامعاً في بابه، لذلك اهتم العلماء به شرحاً وتحقيقاً وتعليقاً، واهتم به العامة قراءة وتدبراً وتطبيقاً، حتى أنك لا ترى بيتاً ولا مكتبة ولا مسجداً في مشارق الأرض ومغاربها إلا وتجد فيها هذا الكتاب.
وهذا الكتاب الذي بين يدينا هو واحد من تلك الجهود حول هذا الكتاب المبارك، فقد قام الشيخ فيصل - رحمه الله - بالتعليق على كتاب رياض الصالحين بتعليقات مختصرة مركزاً في تعليقاته على ذكر الفوائد المستنبطة من الحديث وقد يستشهد على الحديث بذكر آية، أو حديث أو أثر عن صحابي.

باب الإخلاص وإحضار النية

عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم» . قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم»
----------------
في هذا الحديث: التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم، وأن العقوبةتلزمه معهم، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر. وفي حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا أنزل الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم»



وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»
----------------
قوله: «إنما الأعمال بالنيات» ، إنما للحصر، أي: لا يعتد بالأعمال بدون النية. «وإنما لكل امرئ ما نوى» . قال ابن عبد السلام: الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها. انتهى. والنية: هي القصد، ومحلها القلب. قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» ، أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا. «ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» . قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا، فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة. والله أعلم.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg (http://ekladata.com/8ct6yaQNRMqJzmR20Jp96Ucree8.pn g)

قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج (37) ] .
----------------
أي: لن يصل إلى الله لحوم الهدايا والضحايا، ولا دماؤها، ولكن يصله منكم النية والإخلاص. قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البدن، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فنزلت هذه الآية.


قال تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} [آل عمران (29) ]
----------------
أي: فهو العالم بخفيات الصدور، وما اشتملت عليه من الإخلاص أو الرياء.


عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم حبسهم المرض» . وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر» ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا، إلا وهم معنا؛ حبسهم العذر» .
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من صحت نيته، وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر، أن له مثل أجر فاعله.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg (http://ekladata.com/8ct6yaQNRMqJzmR20Jp96Ucree8.pn g)

عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس - رضي الله عنهم - وهو وأبوه وجده صحابيون قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها. فقال: والله، ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن»
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج، حصل له ثوابها، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته، أو غير أهل لها، كما في قصة الذي تصدق على ثلاثة.


عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»
----------------
في هذا الحديث: الاعتناء بحال القلب وصفاته، وتصحيح مقاصده، وتطهيره عن كل وصف مذموم؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية، وكمال ذلك بمراقبة الله سبحانه وتعالى.


عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» . قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه»
----------------
في هذا الحديث: العقاب على من عزم على المعصية بقلبه، ووطن نفسه عليها.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg (http://ekladata.com/8ct6yaQNRMqJzmR20Jp96Ucree8.pn g)


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة: لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» .
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ينهزه» هو بفتح الياء والهاء وبالزاي: أي يخرجه وينهضه. قوله: «لا يريد إلا الصلاة» ، أي: في جماعة، وفيه: إشارة إلى اعتبار الإخلاص. وفي هذا الحديث: إشارة إلى بعض الأسباب المقتضية للدرجات، وهو قوله: «وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة» . ومنها: الاجتماع والتعاون على الطاعة، والألفة بين الجيران، والسلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن به. ومنها: صلاة الملائكة عليه، واستغفارهم له، وغير ذلك.

عن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة،وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة»
----------------
هذا حديث شريف عظيم، بين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار ما تفضل الله به عز وجل على خلقه من تضعيف الحسنات، وتقليل السيئات. زاد مسلم بعد قوله: «وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة» . «أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك» . قال ابن مسعود: ويل لمن غلبت وحداته عشراته. قال العلماء: إن السيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان أو المكان، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته، كما قال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} [الأحزاب (30، 31) ] .


تطريز رياض الصالحين
موقع الكلم الطيب

يتبع

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/98.jpg (https://www.kutub-pdf.net/assets/bimgs/kutub-pdf.net_Ub1Id.jpg)

امانى يسرى محمد
2025-08-20, 03:50 PM
باب الصبر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} [آل عمران (200) ] .
----------------
الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على
أقدار الله. وقد أمر الله تعالى بالصبر على ذلك كله. وقوله تعالى: {وصابروا} أي: غالبوا الكفار بالصبر فلا يكونوا أشد صبرا منكم، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وقوله تعالى: {ورابطوا}
أي: أقيموا على الجهاد. قال - صلى الله عليه وسلم -: «رباط يوم في سبيل
الله خير من الدنيا وما عليها» . وقال - صلى الله عليه وسلم -: ... «ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» ؟ قالوا: بلى يا رسول
الله. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار
الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط، فذالكم الرباط» .


وقال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة (155) ] ،
----------------
على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثواب الجزيل.


وقال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة (155) ] ،
----------------
على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثواب الجزيل.


وقال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر (10) ] .
----------------
أي: بغير مكيال، ولا وزن، فلا جزاء فوق جزاء الصبر.


وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى (43) ] .
----------------
أي: من صبر فلم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه، فإن ذلك من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة.


وقال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة (153) ]
----------------
أي: استعينوا على طلب الآخرة بحبس النفس عن المعاصي، والصبر على أداء الفرائض، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر {وإنها لكبيرة} أي: ثقيلة {إلا على الخاشعين} أي: المؤمنين حقا.


وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} ... [محمد (31) ]
----------------
اي: ولنختبرنكم بالتكاليف حتى يتميز الصادق في دينه من الكاذب. قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج (11) ] .

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg

عن أبي مالك الحارث بن عاصم
الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله
تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان،
والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو
موبقها» .
----------------

قوله: «الطهور شطر الإيمان» ، أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة،
وباطنة، فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. قال - صلى
الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن
لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة
الثمانية يدخل في أيها شاء» . قوله: «والحمد لله تملأ الميزان» أي: أجرها
يملأ ميزان الحامد لله تعالى. وفي الحديث الآخر: «التسبيح نصف الميزان،
والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه» .
وسبب عظم فضل هذه الكلمات: ما اشتملت عليه من التنزيه لله تعالى، وتوحيده،
والافتقار إليه. قوله: «والصلاة نور» أي: لصاحبها في الدنيا، وفي القبر،
ويوم القيامة. «والصدقة برهان» أي: دليل واضح على صحة الإيمان. ... «والصبر
ضياء» ، وهو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة؛ لأن الصبر لا يحصل إلا
بمجاهدة النفس.«والقرآن حجة لك أو عليك» أي: إن عملت به فهو حجة لك، وإلا
فهو حجة عليك. قوله: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» أي: كل
إنسان يسعى، فمنهم من يبيع نفسه لله بطاعته فيعتقها من النار، ومنهم من
يبيعها للشيطان والهوى فيهلكها. قال الحسن: «يا ابن آدم إنك تغدو وتروح في
طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدا» .

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن
سنان الخدري رضي الله عنهما: أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال لهم
حين أنفق كل شيء بيده: «ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف
يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء
خيرا وأوسع من الصبر» .
----------------
في هذا الحديث: الحث على الاستعفاف، وأن من رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا، فقد أعطاه خيرا كثيرا.


عن أبي يحيى صهيب بن سنان -
رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر
المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر
فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» .
----------------

في هذا الحديث: فضل الشكر على السراء والصبر على الضراء، فمن فعل ذلك حصل
له خير الدارين، ومن لم يشكر على النعمة، ولم يصبر على المصيبة، فاته
الأجر، وحصل له الوزر.


عن أنس - رضي الله عنه -
قال: لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة
رضي الله عنها: واكرب أبتاه. فقال: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات،
قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه،
إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن
تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب؟!
----------------

في هذا الحديث: جواز التوجع للميت عند احتضاره، وأنه ليس من النياحة.
ومناسبة إيراده في باب الصبر: صبره - صلى الله عليه وسلم - على ما هو فيه
من سكرات الموت، وشدائده، ورضاه بذلك، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من


عن أبي زيد أسامة بن زيد بن
حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه وابن حبه رضي الله
عنهما، قال: أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابني قد احتضر
فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء
عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه
سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال - رضي الله
عنهم -، فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الصبي، فأقعده في
حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه
رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده» وفي رواية: «في قلوب من شاء من
عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» .
----------------

ومعنى «تقعقع» : تتحرك وتضطرب. في هذا الحديث: جواز استحضار أهل الفضل
للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، واستحباب إبرار القسم، وأمر صاحب المصيبة
بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر , وفيه:
جواز البكاء من غير نوح ونحوه.مشاهدة ذلك بقوله: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» .


عن أنس - رضي الله عنه -
قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي
الله واصبري» فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها:
إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة ...
الأولى» .
----------------
في هذا الحديث: أن ثواب الصبر إنما يحصل عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعدها، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» .

----------------

هذا من الأحاديث القدسية، وفيه: أن من صبر على المصيبة واحتسب ثوابها عند الله تعالى، فإن جزاءه الجنة.

عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذابا يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.

----------------

في هذا الحديث: فضل الصبر على الأقدار والاحتساب لثوابها. قال بعض العلماء: إن الصابر في الطاعون يأمن من فتان القبر؛ لأنه نظير المرابطة في سبيل الله. وقد صح ذلك في المرابط كما في (مسلم) وغيره.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله - عز وجل -، قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» يريد عينيه،

----------------

في هذا الحديث القدسي: أن من صبر على فقد بصره واحتسب أجره عند الله تعالى: عوضه عن ذلك الجنة.

عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك» فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.

----------------

في هذا الحديث: فضل الصبر على البلاء، وعظم ثواب من فوض أمره إلى الله تعالى.

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: «اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» .

----------------

في هذا الحديث: فضل الصبر على الأذي، ومقابلة الإساءة والجهل بالإحسان والحلم {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35} [فصلت (35) ]

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg

عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»

----------------

«الوصب» : المرض. في هذا الحديث: أن الأمراض وغيرها من المؤذيات مطهرة للمؤمن من الذنوب، فينبغي الصبر على ذلك ليحصل له الأجر، والمصاب من حرم الثواب.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكا شديدا، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» . قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: «أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها»

----------------

(الوعك) : مغث الحمى، وقيل: الحمى. أجل: جواب مثل نعم، إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم، أحسن في الاستفهام. وفي هذا الحديث: فضل الصبر على الأمراض والأعراض، وأنها تكفر السيئات، وتحط الذنوب.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يصب منه»

----------------

في هذا الحديث: أن المؤمن لا يخلو من علة أو قلة، أو ذلة، وذلك خير له حالا ومآلا. قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة (155) ] .

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي»

----------------

في هذا الحديث: النهي عن تمني الموت جزعا من البلاء الدنيوي، بل يصبر على قدر الله ويسأله العافية، ويفوض أمره إلى الله.

عن أبي عبد الله خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ... لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»

----------------

في هذا الحديث: مدح الصبر على العذاب في الدين، وكراهة الاستعجال. قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} [البقرة (214) ] .

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» .

----------------

في هذا الحديث: الحث على الصبر على ما تجري به الأقدار، وأنه خير للناس في الحال والمآل، فمن صبر فاز، ومن سخط فاته الأجر وثبت عليه الوزر، ومضى فيه القدر.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» .

----------------

«والصرعة» : بضم الصاد وفتح الراء وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيرا. في هذا الحديث: مدح من يملك نفسه عند الغضب. قال الله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران (134) ] . والغضب: جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير، وقال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني. قال: «لا تغضب» ، فردد مرارا. قال: «لا تغضب» . وقال عمر بن عبد العزيز: قد أفلح من عصم من الهوى، والغضب، والطمع.

عن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: كنت جالسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد» . فقالوا له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعوذ بالله من الشيطان الرجيم» .

----------------

في هذا الحديث: أن الشيطان هو الذي يثير الغضب ويشعل النار، وأن دواءه الاستعاذة. قال الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [الاعراف (200) ] .

عن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من كظم غيظا، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء» .

----------------

روى أن الحسين بن علي رضي الله عنهما كان له عبد يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره، فقرب إليه طهره ذات يوم في كوز، فلما فرغ الحسين من طهوره رفع العبد الكوز من بين يديه، فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها، فنظر إليه الحسين، فقال العبد: {والكاظمين الغيظ} قال: قد كظمت غيظي. فقال: {والعافين عن الناس} . قال: قد عفوت عنك. قال: {والله يحب المحسنين} قال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى.
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني. قال: «لا تغضب» فردد مرارا، قال: «لا تغضب» .

----------------

هذه وصية وجيزة نافعة؛ لأن الغضب يجمع الشر كله، وهو باب من من مداخل الشيطان. وفي الحديث دليل على عظم مفسدة الغضب، وما ينشأ منه؛ لأنه يخرج الإنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل، ويفعل المذموم والقبيح.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» .

----------------

في هذا الحديث: أن المصائب والمتاعب النازلة بالمؤمن الصابر من المرض، والفقر، وموت الحبيب، وتلف المال، ونقصه: مكفرات لخطاياه كلها.

عن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: «يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم»

----------------
في هذا الحديث: الدعاء حال الشدائد، والخروج من الحول والقوة، والنهي عن تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر والثبات عند اللقاء. وفيه: الحض على الجهاد. وفيه: الجمع بين الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله تعالى.


باب المراقبة


قال الله تعالى: {الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين} [الشعراء (218، 219) ] .

----------------

يقول تعالى مخاطبا لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم إلى الصلاة، وتقلبك راكعا وقائما وساجدا وقاعدا في الساجدين - أي: المصلين - يعني: يراك إذا صليت منفردا وإذا صليت في جماعة. والمراقبة هي أحد مقامي الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

قال تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد (4) ] .

----------------

أي: لا ينفك علمه عنكم. كم قال تعالى: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [المجادلة (7) ]

قال تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} [آل عمران (5) ] .

----------------

يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك.

قال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر (14) ] .

----------------

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} قال ابن عباس: يسمع ويرى. يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، وسيجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلا بما يستحقه، وهو المنزه عن الظلم والجور.

قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر ... (19) ] .

----------------

قال ابن كثير: يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء، ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه. والآيات في الباب كثيرة معلومة. كقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} [يونس (61) ] .

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما، فقال: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» .

----------------

هذا الحديث أصل عظيم في مراقبة الله، ومراعاة حقوقه، والتفويض لأمره، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرده، وعجز الخلائق كلهم وافتقارهم إليه.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات.

----------------

وقال: «الموبقات» : المهلكات. في هذا الحديث: كمال مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لله تعالى، وكمال استحيائهم منه. وفيه: أن الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب، فلعلها تكون المهلكة له في دينه. كما يتحرز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه، وقد قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28) ] . وفي الحديث: «إن المؤمن يرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه» .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه» .

----------------

و «الغيرة» : بفتح الغين، وأصلها الأنفة. في هذا الحديث: مراقبة الله تعالى والخوف من غضبه وعقوبته إذا انتهكت محارمه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/97.jpg


عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» .

----------------

هذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، قال الله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء (131) ] ، وتقوى الله تعالى: طاعته، بامتثال أمره واجتناب نهيه. وقال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115) ] . وقال ابن المبارك: حسن الخلق: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، فقال عز وجل: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [آل عمران (133: 136) ] .



عن أبي يعلى شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين

----------------

الكيس: العاقل، وهو الذي يمنع نفسه عن الشهوات المحرمة ويعمل بطاعة الله تعالى. والعاجز: هو التارك لطاعة الله المتمني على الله. قال تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} [النساء (123، 124) ] .


يتبع