المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة الزنا بالمحارم وانفساخ النكاح بالزنا



سعيد عبد الله
2025-08-18, 10:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة الزنا بالمحارم]
قال أبو بكر حدثنا حفص عن أشعث عن عدي بن ثابت عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمره أن يأتيه برأسه.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن حسن بن صالح عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: "أين تذهب؟" فقال: "أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه"
قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: ليس عليه إلا الحد.

غلط أبو بكر على أبى حنيفة ههنا فإن قوله فيها: ليس عليه الحد ولكن يعزر وهو قول سفيان الثورى.
وأكثر أهل العلم يقولون إن من زنا بذات محرم منه فإنه يحد حد الزانى بغير محرم فإن كان بكرا فجلد مائة والنفى عند من قال به وإن كان ثيبا فالرجم وجلد مائة عند من جمع بين الجلد والرجم على الثيب وهذا قول مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد وأكثر أهل العلم وليس فيما ذكره أبو بكر بن أبى شيبة حجة على من قال بقولهم وذلك أن الرجل الذى أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء لضرب عنقه كان قد تزوج امرأة أبيه لا أنه زنا بها بغير عقد وأهل العلم يتأولون أن ذلك النكاح الباطل كان منه على وجه الاستحلال فكان كافرا باستحلاله ما ثبت تحريمه بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين ولأجل هذا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر البراء أن يخمس ماله ومال المسلم لا يخمس وإذا أتى المسلم ما يوجب قتله كالزنا وهو ثيب فقتل فإن ماله يدفع إلى ورثته ولا يخمس مال مسلم بحال فهذا حجة على من اشتغل بعلم الحديث ثم أنكر على الفقهاء أقوالهم وليس له كبير علم بالفقه والنظر.
وقد قال بعض أهل العلم إن من زنا بذات محرم قتل واحتجوا بهذا بالحديث وبآثار رويت عن ناس من الصحابة وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
وقال أحمد مرة فى الرواية التى فيها ذكر تخميس المال إن ذلك كان منه على الاستحلال والكفر فنقض قوله الأول.
قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، قال: «اقتلوا كل من أتى ذات محرم» وعباد بن منصور ضعيف.
قال أبو بكر حدثنا محمد بن سواء عن خالد عن جابر بن زيد فيمن أتى ذات محرم منه، قال: "ضربة عنقه"
قال أبو بكر حدثنا حفص عن عمرو قال سألته ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات محرم منه وهو يعلم قال: "عليه الحد"
هذا قول الحسن البصرى موافقا قول أكثر أهل العلم.
روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيمن زنى بذات محرم قال: "إن لم يكن أحصن جلد مائة وغلظ عليه في الحبس والنفي"
قال سحنون: "قلت: أرأيت الذي يزني بأمه التي ولدته أو بعمته أو بأخته أو بذات رحم محرم منه أو بخالته؟
قال: أرى أنه زنا، إن كان ثيبا رجم، وإن كان بكرا جلد مائة وغرب عاما وهو رأيي وهو أحسن ما سمعت" (المدونة - في الذي يزني بأمه أو عمته أو خالته)
قال الشافعى: "ولو أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني، وكذلك إن قالت هي ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أني ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت درئ عنها الحد وفي كل ما درأنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطء" (الأم - ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ)
ويقال إن قول الشافعى القديم أن يقتل من زنا بذات محرم والله أعلم.
قال أبو جعفر الطحاوى: " قال أبو حنيفة والثوري لا يحد وإن علم عزر
وقال أبو يوسف ومحمد يحد إذا علم بتحريمها عليه
وقال مالك يحد ولا يلحق نسب الولد وإن لم تعلم هي ذلك وإن كانت علمت وهو لم يعلم ألحقت به الولد وأقمت عليها الحد
وقال ابن شبرمة من أقر أنه تزوج امرأة في عدتها وهو يعلم أنها محرمة عليه ضربته ما دون الحد وكذلك الممتنع
وقال الأوزاعي في الذي يتزوج المجوسية أو الخامسة أو الأختين إن كان جاهلا ضرب مائة ألحق به الولد وإن كان متعمدا رجم ولا يلحق به الولد
وقال الحسن بن حي فيمن تزوج امرأة في العدة وهو يعلم أنها لا تحل له أو ذات محرم منه أقيم عليه الحد إذا وطئ وهو قول الشافعي
وقال الشافعي وإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة حلف ودرئ عنه الحد
قال أبو جعفر حديث البراء في الذي تزوج امرأة أبيه قال أبو بردة يروى على ثلاثة أوجه أحدها أنه تزوج امرأة أبيه قال أبو بردة وأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقتله ويروى أنه عرس بامرأة أبيه
ويروى أنه نكح امرأة أبيه وأن أقتله وآخذ ماله وفي لفظ آخر ويخمس ماله" (مختصر اختلاف العلماء - فيمن تزوج ذات محرم منه ووطئ)
وقول أبى حنيفة والثورى لا يحد وإنما يعزر إن كان يعلم أنها ذات محرم لأجل الشبهة فى عقد النكاح وهذا خلاف قول أكثر أهل العلم ولكنهم قالوا إن من وطئ ذات محرم بملك اليمين كأخته من النسب عند من لا يعتقها عليه وأخته من الرضاعة وهو عالم بالتحريم فإنه يعزر ولا يحد أحد بوطء ما يملك وكذلك لو وطئ أمة مشتركة. ولما كان النكاح عقد ملك كان فيه عند أبى حنيفة والثورى مثل ما فى الأمة من الشبهة.
قال الشافعى: "وإذا ملك الرجل أخته من الرضاعة فأصابها جاهلا فحبلت وولدت فهي أم ولد له تعتق بذلك الولد إذا مات ويحال بينه وبين فرجها بالنهي، وفيه قول آخر أنها لا تكون أم ولده، ولا تعتق بموته لأنه لم يطأها حلالا، وإنما هو وطء بشبهة، وإن كان عالما بأنها محرمة عليه فولدت فكذلك أيضا، وفيها قولان أحدهما أنه إذا أتى ما يعلم أنه محرم عليه أقيم عليه حد الزنا، والثاني لا يقام عليه حد الزنا، وإن أتاه، وهو يعلمه في شيء له فيه علق ملك بحال، ولكنه يوجع عقوبة منكلة، ويحال بينه وبين فرجها بأن ينهى عن وطئها، ولا عقر في واحدة من الحالين عليه لأن العقر الذي يجب بالوطء له، ولا يغرم لنفسه ألا ترى أنه لو قتلها لم يغرم لأنه إنما يضمن لنفسه" (الأم 6/270)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: قيل له -يعني: سفيان- رجل تزوج امرأة ذات محرم وهو يعلم؟ قال: لا أرى عليه حدا، ولكن تعزيرا.
قال الإمام أحمد: قبح الله تعالى هذا القول.
قلت: أليس تقول: يقتل؟
قال: يقتل إذا كان على العمد.
قال إسحاق: كما قال سواء" (مسائل الكوسج 908)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: سئل سفيان عن رجل تزوج أمه أو أخته أو ذات محرم له، أترى عليه حدا؟ قال: ما أرى حدا، يعزر إذا كان تزويج وشهود.
قال أحمد -رضي الله عنه-: في كل ذات محرم يقتل ويؤخذ ماله على حديث عدي بن ثابت، إلا أن يكون يرى أن ذلك مباح له يدرأ عنه القتل ويجلد.
قلت: فالمرأة التي تزوج بها إذا كانت من ذوات محرم؟
قال: كلاهما في معنى واحد، أي: يقتل أيضا.
قال إسحاق: هو كما قال إلا بأخذنا المال، فإن ذلك فيمن عرس بامرأة أبيه." (مسائل الكوسج 2664)
قال عبد الله: "سألت أبي عن الرجل يتزوج بذات محرم منه، وهو لا يعلم به، ثم علم؟
قال: إن كان عمدا يضرب عنقه ويؤخذ ماله، وان كان لا يعلم يفرق بينهما. كأنه استحسن أن يكون لها ما أخذت، ولا يرجع عليها بشيء.
قلت لأبي: حديث البراء: أن رجلا أعرس بامرأة أبيه؟
قال: ذاك على أنه علم، تزوج وأعرس بامرأة أبيه، هذا لا يكون إلا على العلم." (مسائل عبد الله 1294)
قال عبد الله: "سألت أبي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا تزوج امرأة أبيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وأخذ ماله.
قال أبي: نرى والله أعلم أن ذلك منه على الاستحلال فأمر بقتله بمنزلة المرتد وأخذ ماله.
قال أبي: وكذلك المرتد لا يرثه أهله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر" (مسائل عبد الله 1295)
وهذا خلاف قوله الأول لأنه ههنا جعله مرتدا باستحلاله ولذلك أحل قتله وأخذ ماله فرجع إلى قول مالك والشافعى لأنه عندهم لو استحل ذلك قتل على الردة. وقوله الأول إنه لم يكن مستحلا بل عامدا عالما بالتحريم فكان حده القتل على ما جاء فى الحديث.

سعيد عبد الله
2025-08-18, 10:59 PM
قال الله تبارك وتعالى: }وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُم ُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا{
وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا عقد نكاح امرأة نكاحا صحيحا وإن لم يدخل بها فقد حرمت على آبائه وأبنائه وهذا مما لا نعلم فيه خلافا. وأجمعوا أن الرجل إذا نكح امرأة نكاحا صحيحا ودخل بها فقد حرمت عليه أمهاتها وبناتها. وأجمعوا أنه إذا نكح امرأة نكاحا صحيحا ولم يدخل بها حتى طلقها فحلال له أن ينكح ابنتها. وعامة أهل العلم يقولون إن الرجل إذا نكح امرأة ولم يدخل بها ثم طلقها فقد حرمت عليه أمها وهذا قول أكثر أهل العلم إلا شيئا يروى عن زيد بن ثابت وروى عن ابن مسعود وروى عنه الرجوع عنه وكذلك أقول.
وأجمعوا على أن النكاح الصحيح هو النكاح الذى لا تملك فيه المرأة أن تفارق ولا يملك السلطان أن يفرق بينهما.
واختلفوا فيما لو نكحها نكاحا فاسدا ثم فرق بينهما قبل أن يطأها فإذا كان النكاح مما أجمعوا على فساده كالنكاح فى العدة المجمع عليها ونكاح الأخت وعنده أختها أو الأم بعد ابنتها فلا خلاف بينهم أنها لا تحرم على بنيه وآبائه لأن هذا ليس بنكاح.
وإذا نكحها نكاحا مختلفا فيه فرفع إلى حاكم يرى إجازته فأجازه قبل أن يدخل بها فقد صار النكاح ثابتا وحرمت على بنيه وآبائه ولا تملك المرأة أن تفارقه ولا يملك حاكم يرى فساد هذا النكاح أن يفرق بينهما بعد قضاء الحاكم الأول وهذا قول عامة أهل العلم.
وإذا رفع النكاح المختلف فيه إلى حاكم يرى بطلانه فأبطله قبل الدخول وفرق بينهما فقال بعض أهل العلم قد حرمت على بنيه وآبائه وهو قول ابن القاسم صاحب مالك وقال غيرهم لم تحرم لأن النكاح قد فسخ ولم يدخل بها ولم يكن بينهما مهر ولا متعة ولا شىء مما بين الزوجين وهذا قول الشافعى.
وهذا كله إذا كان قبل الدخول فأما إذا كان بعد الدخول ثم فرق بينهما فلها مهر مثلها عند الشافعى وعند مالك لها ما سمى وعند غيرهما لها الأقل منهما وقد حرمت على بنيه وآبائه عند عامة أهل العلم وحكى الشافعى عن بعض أصحابه إنها لا تحرم بهذا النكاح وقوله أنها تحرم وسواء كان النكاح مما أجمعوا على فساده أو اختلفوا فيه.
وإنما يكون هذا فى ذوات المحارم نكاحا بشبهة إذا نكحها جاهلا فإن كان عالما أنها ذات محرم منه وأنها لا تحل له فهو زان وعليه الحد ولا يلحق به النسب وفيه ما أنا ذاكره من الخلاف بالزنا بامرأة أبيه وابنه وأم امرأته وابنتها.
وإذا زنى الرجل بأم امرأته أو ابنتها ففى قول العراقيين وأبى حنيفة وسفيان الثورى وأحمد فقد حرمت عليه امرأته كما لو نكحهما سواء وقالوا ما حَرَّمَ الحلالُ من شىء كان الحرامُ له أشدَّ تحريما وهذا يروى أيضا عن عمران بن حصين رضى الله عنه وهو قول الحسن البصرى والشعبى وإبراهيم النخعى وعطاء بن أبى رباح وطاوس وغيرهم. وقالوا لو أن رجلا زنا بامراة ابنه أو امراة أبيه ولو كانت أُمَّهُ فقد حرمت المرأة على ابنه وأبيه كما يُحَرِّمُها عليهما نكاحُه إياها لو كان نكحها حلالا فكذلك يحرمها عليه الحرام. وفى قولهم لو أن رجلا زنى بامرأة غير ذات زوج فقد حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على بنيه وآبائه لأن الحرام عندهم يحرم الحلال.
واختلف هؤلاء فيما لو نال منها حراما دون الوطء كالقبلة والمس والمباشرة والنظر لشهوة فقال أبو حنيفة وأكثر العراقيين إن ذلك مثل الوطء فى التحريم وهو قول لأحمد بن حنبل وقوله الآخر المشهور عنه الذى عليه أهل مذهبه أنه لا يحرم إلا الوطء. وهذه حيلة كانت تلجأ إليها الفاسقات مع حيلة الردة لفسخ النكاح لأن المسلمين مجمعون على أن الطلاق والخلع بيد الرجال ليس بيد النساء ولا بيد الحكام فكانت المرأة منهن إذا كرهت زوجها وأرادت فراقه لم تجد سبيلا إلى أن تفارقه أبدا إلا بهذه الحيل المنكرة عياذا بالله ولأجل هذا ترك ابن قيم الجوزية قول أحمد فى هذه المسألة وأخذ فيها بقول الشافعى لإبطال هذه الحيلة.
وفى قول الحجازيين ومالك والشافعى وابن المنذر وأكثر أهل العلم إن الحرام لا يحرم الحلال فلو أن رجلا زنى بامرأة ابنه أو امرأة أبيه لم تحرم على ابنه ولا أبيه ولو أن رجلا زنى بأم امرأته أو ابنتها لم تحرم عليه امرأته وقالوا لا يحرم الحرام الحلال وهو يروى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن شهاب الزهرى وقد وقعت فيها مناظرة طويلة بين الشافعى والعراقيين فكان مما احتج به الشافعى عليهم أن المسلمين مجمعون على أن المراة إذا كرهت زوجها لم تملك أن تفارقه وهؤلاء قد جعلوا لها سبيلا لتفارقه بأن تمكن أباه أو ابنه - ولعله ابنها منه - من نفسها فينفسخ النكاح ورأى فى ذلك ضياعا لقوامة الرجل وحقه فى الطلاق لأن المرأة كلما عصاها زوجها قالت له إن أطعتنى وإلا مكنت ابنك أو أباك من نفسى فينفسخ النكاح فيخاف الرجل ويطيعها فتضيع قوامته ويصير عبدا لها فكان لا بد من إبطال هذه الحيلة وهذا قول يصح فى النظر والله أعلم.
قال أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين في الرجل يقع على أم امرأته؟ قال: «تحرم عليه امرأته»
وكان الشافعى لا يصحح هذا إلى عمران بن حصين.
قال أبو بكر حدثنا حفص عن ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها»
وليث بن أبى سليم ضعيف.
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال يحيى بن يعمر للشعبي: والله ما حَرَّمَ حرامٌ حلالا قط. قال له الشعبي: "بل لو أخذت كوزا من خمر فسكبته في جب من ماء لكان ذلك الماء حراما" قال: وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي
وقد احتج أهل العراق على الشافعى بقول الشعبى هذا وأنا ذاكر بعد – إن شاء الله – مناظرته معهم.
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: سئل ابن عباس عن الرجل يزني بأم امرأته قال: «تخطى بحرمة إلى حرمة، ولم تحرم عليه امرأته»
وهذا منقطع بين قتادة وابن عباس وهو موافق لقول الحجازيين.
عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي قال: قال عبد الله: "ما اجتمع حلال وحرام إلا غلب الحرام على الحلال". قال سفيان: "وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها، فإذا كان ذلك فارقها" وجابر الجعفى متروك والشعبى لم يدرك عبد الله بن مسعود.
عبد الرزاق عن معمر عن داود عن الشعبي قال: "ما كان في الحلال حراما فهو في الحرام حرام"
قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول: "إن زنى بأم امرأته أو ابنتها، حرمتا عليه جميعا"
عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج عن الشعبي وعن عمرو عن الحسن قالا: "إذا زنى الرجل بأم امرأته أو ابنة امرأته، حرمتا عليه جميعا"
عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه، في الرجل كان يزني بالمرأة: "لا ينكح أمها ولا ابنتها"
عبد الرزاق عن عبد الوهاب وابن أبي سبرة عن ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب قال: سألت ابن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له ابنتها؟ فقالا: "لا يُحَرِّمُ الحرامُ الحلالَ"
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: سألته عن الرجل يزني بأم امرأته؟ قال: "لا يحرم الحرامُ الحلالَ" قلت لابن شهاب: "أتأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم؟" فأنكر أن يكون حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سمعه من أناس من الناس.
وفى أصل محمد بن الحسن: "وإذا لمس الرجل المرأة لشهوة أو قبلها حرمت عليه أمها وابنتها، وحرمت على ابنه وعلى أبيه وعلى جده، وحرمت عليه جدتها وابنة ابنتها وابنة ابنها. وكذلك إذا جامعها أو نظر إلى فرجها لشهوة" (الأصل 10/318)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: إذا قبل أم امرأته أو زنا بها؟
قال: إذا زنا بها، أحب إلى أن يفارقها، وإذا قبلها، فلا يفارقها.
قلت: حديث من؟ فاحتج بحديث عبد بن زمعة، إذا زنا بها، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة: «احتجبي منه» ثَبَّتَ لعتبة نسبا من زنا.
قال إسحاق: هو كما قال، إلا أن احتجاجه بعبد بن زمعة وعتبة فإنه ليس ببين أنه في هذا" (مسائل الكوسج 905)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: قال سفيان في رجل قبل ابنته لشهوة وهو يرى أنها امرأته: حرمت عليه امرأته.
قال أحمد: أما أنا فلا أحرم إلا بالغشيان" (مسائل الكوسج 907)
قال صالح: "وسألته عن الرجل يفجر بأم امرأته؟
قال: إذا وطئ حرمت الابنة عليه، وكذا إذا فجر بابنتها حرمت الأم عليه، وهذا إذا وطئ، فما لم يطأ مثل القبلة وما أشبهه فلا أجيب فيه.
قال عمران بن حصين: إذا فجر بأم امرأته حرمتا عليه" (مسائل صالح 627)
قال ابن هانئ: "وسئل عن رجل تزوج بامرأة، فدخل بها، فجاءت بعد أم امرأته، فزعمت أنه كان سكران فنامت معه أم امرأته، كيف ترى في المرأة؟
قال: يعتزل المرأة حتى ينظر؛ لعلها كاذبة، أو صادقة، يعتزلها ويقررها؛ لعلها قد صدقت، وينتظر بها ثلاثة أشهر، حتى يتبين بها حمل أم لا" (مسائل ابن هانئ 1016)
قال حرب حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال: ثنا سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: جاء رجل فقال: امرأة قد ولدت مني سبعة، كلهم قد أطاق السلاح، وهي أحب الناس إلي، وإني كنت أصبت من أمها صبوة؟ قال: هل لك من مال؟ قال: نعم، ثلاثمائة ألف، ولوددت أني فديتها. قال: هي عليك حرام.
و محمد بن عبد الله بن الزبير قال فيه أحمد: كثير الخطأ في حديث سفيان.
قال عبد الله: "سألت أبي عن رجل زنا بابنة امرأته؟
قال: لا تحرم عليه امرأته، ويعتزلها حتى تنقضي عدة التي فجر بها" (مسائل عبد الله 1188) وهذه رواية شاذة وسائر الروايات على خلافها أنها تحرم.
قال عبد الله: "سألت أبي عن رجل وقع على أم امرأته. يعني: وطئها؟
قال: يفارق امرأته" (مسائل عبد الله 1201)
قال عبد الله: "سألت أبي عن رجل فجر بامرأة، يحل له أن يتزوج ابنتها؟
فقال: لا يتزوج. وقال عمران بن الحصين: إذا فجر بأم امرأته حرمتا عليه، أو حرمت عليه امرأته.
قال أبي: هذه وتلك عندي بمنزلة واحدة، لأن الله جل ثناؤه قال: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} وأذهب فيه إلى قول عمران ابن الحصين.
قال أبي: فأهل المدينه يقولون: لا يحرم حرام حلالا" (مسائل عبد الله 1202)
فهذا قول من قال إن الحرام يحرم الحلال.
قال مالك: "في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها إنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعا، ويحرمان عليه أبدا، إذا كان قد أصاب الأم، فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته، وفارق الأم. وقال مالك: في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها إنه لا تحل له أمها أبدا، ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته. قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئا من ذلك، لأن الله تبارك وتعالى قال {وأمهات نسائكم} فإنما حرم ما كان تزويجا، ولم يذكر تحريم الزنا، فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته، فهو بمنزلة التزويج الحلال، فهذا الذي سمعت، والذي عليه أمر الناس عندنا" (الموطأ - باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته)
قال مالك: "في الرجل يزني بالمرأة، فيقام عليه الحد فيها. إنه ينكح ابنتها، وينكحها ابنه، إن شاء. وذلك أنه أصابها حراما، وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال، أو على وجه الشبهة بالنكاح، قال الله تبارك وتعالى {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء»} قال مالك: فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا، فأصابها، حرمت على ابنه أن يتزوجها، وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال، لا يقام عليه فيه الحد، ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه، وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها، فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها" (الموطأ - باب نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره)
قوله: "نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا" يعنى يظن أنه حلال أو أنه نكحها كما ينكح المسلمون النكاح الحلال غير أنه نكاح باطل ولكن مالكا لا يرى عليه الحد وإن أتاه عامدا لذا يحرم عليه أمها وابنتها بكل حال وقال الشافعى إنه لو فعله عامدا عالما بالتحريم فهو زان وعليه الحد.
وقد روى ابن القاسم عن مالك فى المدونة مثل قول أهل العراق إن الحرام يحرم الحلال وسائر أصحاب مالك على خلافه ويأخذون بما فى موطئه.
قال سحنون: "قلت: أرأيت إن زنى بأم امرأته أو ابنتها، أتحرم عليه امرأته في قول مالك؟
قال: قال لنا مالك يفارقها ولا يقيم عليها، وهذا خلاف ما قال لنا مالك في موطئه وأصحابه على ما في الموطإ ليس بينهم فيه اختلاف وهو الأمر عندهم" (المدونة - الرجل يزني بأم امرأته أو يتزوجها عمدا)
قال الشافعى: "وما حرمنا على الآباء من نساء الأبناء وعلى الأبناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنى بأم امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنى بأختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الأختين وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد احتمل أن يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلي أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا فأصابها لم يحل له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها.
ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شيء مما بين الزوجين.
(قال الشافعي) : وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح الفاسد وإن كان فيه الإصابة كما لا يحرم الزنا لأنها ليست من الأزواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا ما بين الزوجين، وقد قال غيرنا وغيره: كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما.
(قال الشافعي) : وقد وصفنا في كتاب الاختلاف، ذكر هذا وغيره. وجماعة أن الله عز وجل إنما أثبت الحرمة بالنسب والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضي النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن تكون الحرمة التي أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصي لله الذي حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفوا عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التي تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذي جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التي زنى بها مكانها" (الأم 5/27)
قال الشافعى: "إن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته، فقد عصى الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما، لأن الله عز وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيرا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن قبله، وأوجب بها الحقوق، والحرام خلاف الحلال، وقال بعض الناس إذا زنى الرجل بامرأة حرمت عليه أمها، وابنتها وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما، وكذلك إن قبل واحدة منهما، أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لي لم قلت إن الحرام لا يحرم ما يحرم الحلال؟ فقلت له استدلالا بكتاب الله عز وجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه والمعقول، والأكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال فأوجدني ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وقال تعالى {وحلائل أبنائكم} وقال {وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} أفلست تجد التنزيل إنما حرم من سمى بالنكاح أو النكاح والدخول؟ قال بلى، قلت أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى باسمه حرم بالحلال شيئا فأحرمه بالحرام، والحرام ضد الحلال" (الأم - الخلاف فيما يؤتى بالزنا)
قال الشافعى: "قال: أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر. قلت: فقد وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به؟ فقال: وما يشبهه فهل توضحه بأكثر من هذا؟" (الأم 5/165)
قال: "فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلاله له قبل الثلاث ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج ووجدنا المعنى الذي يحلها الإصابة أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال الذي يحلها للزوج بعد التحريم هو الجماع لأني قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع بجماع، وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جامعها رجل بزنا حلت له قال إذا يخطئ، قلت ولم؟ أليس لأن الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع الأمران فتكون الإصابة من زوج؟ قال نعم قلت: فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الأب بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا؟" (الأم 5/165)
قال الشافعى: "وقلت له قال الله تعالى {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وقال {فإن طلقها} فَمَلَّكَ الرجالَ الطلاقَ وجَعَلَ على النساء العِدَدَ، قال: نعم قلت أفرأيت المرأة إذا أرادت تُطَلِّقُ زوجَها ألها ذلك؟ قال لا قلت فقد جعلت لها ذلك قال وأين؟ قلت زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلتَ إليها ما لم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله، فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الإسلام حرمت على زوجها؟ قلت وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها؟ قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الإسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد؟ أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم؟ قال لا قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا؟ قال لا قلت فبأي شيء شبهتها بها؟ قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها" (الأم 5/165)
ههنا احتج الشافعى على أهل الرأى بأن المرأة لا تملك فراق زوجها فلو كان النكاح ينفسخ بزناها بابنه أو أبيه لتمكنت من فراق زوجها ولم يجد مناظره فى مذهب الشافعى سبيلا للمرأة أن تفارق زوجها إلا أن تكفر بالله لينفسخ النكاح والشافعى يضيق على هذه أيضا فلا يفسخ النكاح قبل انقضاء العدة ويستتبيها فإن تابت وإلا قتلت وهذا موضوع بكماله فى مسألة قتل المرتدة.
قال الشافعى: "وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال وما هي قلت: أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى تموت أو يطلقها أتحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاحُ كلامٌ؟ قال نعم قلت ويكون بالعقدة محرما لأمها يسافر ويخلو بها؟ قال نعم قلت أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا والاتِّعَادِ به وباليمين لتَفِيَنَّ له به؟ قال لا ولا تحرم إلا بالزنا واللمس والقبلة بالشهوة" (الأم 5/166)
قوله: "والنكاحُ كلامٌ" يعنى أن النكاح ينعقد بالكلام ولا يحتاج فيه إلى كتابة وهكذا سائر العقود بإجماع المسلمين وعامة أهل العلم لا يجيزون الشهادة على الخط ولا يعدون الخط بينة تثبت شيئا. فلو أن امرأة أتت بكتاب نكاح عليه توقيع رجل وادعت عليه النكاح فالقول قوله مع يمينه وعلى المرأة البينة لقد نكحها والبينة هى الشهود.
وقوله: "والاتِّعَادِ به" يعنى الوعد به.
قال الشافعى: "وقد قال صاحبنا الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر حرم الماء والخمر. فقلت له أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام؟ قال بلى قلت أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء؟ قال وتريد ماذا؟ قلت أتجد المرأة محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد؟ قال: لا قلت أوتجد المرأة وابنتها تختلطان اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء؟ قال لا قلت أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء؟ قال لا قلت أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة لا تحرم ويحرم كثيرها؟ قال لا ولا يشبه أمر النساء الخمر والماء قلت فكيف قاسه بالمرأة؟ ولو قاسه كان ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء قال ما يفعل ذلك وما هذا بقياس قلت فكيف قبلت هذا منه؟ قال ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت أنه لا يقيم على قوله ولكنه عقل وضعف من كلمة" (الأم 5/167)
وهذا رده على قياس الشعبى رحمه الله تعالى.
قال الشافعى: "أما الرجل يزني بامرأة أبيه أو امرأة ابنه فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها، ومن حرمها على زوجها بهذا أشبه أن يكون خالف حكم الله تعالى لأن الله عز وجل جعل التحريم بالطلاق إلى الأزواج فجعل هذا إلى غير الزوج أن يحرم عليه امرأته أو إلى المرأة نفسها أن تحرم نفسها على زوجها، وكذلك الزوج يزني بأم امرأته أو بنتها لا تحرم عليه امرأته ومن حرم عليه أشبه أن يدخل عليه أن يخالف حكم الله تعالى في أن الله حرمها على زوجها بطلاقه إياها فزنى زوجها بأمها فلم يكن الزنا طلاقا لها ولا فعلا يكون في حكم الله جل ثناؤه ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريما لها" (الأم - الخلاف فيما يحرم بالزنا)
فرجع إلى الاحتجاج بأن المرأة لا تملك أن تفارق زوجها.
قال الشافعى: "وقال الله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية وقال {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقال الله عز وجل {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22] وقال الله عز وجل {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} فقلنا بهذه الآيات إن التحريم في غير النسب والرضاع وما خصته سنة بهذه الآيات إنما هو بالنكاح ولا يحرم الحلالَ الحرامُ، وكذلك قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فلو أن رجلا ناك أم امرأته عاصيا لله عز وجل لا تحرم عليه امرأته وقال بعض الناس إذا قبل أم امرأته، أو نظر إلى فرجها شهوة حرمت عليه امرأته وحرمت هي عليه؛ لأنها أم امرأته، ولو أن امرأته قبلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها فقلنا له ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنما هو بالنكاح فهل عندك سنة بأن الحرام يحرم الحلال؟" (الأم 7/30)
قال الشافعى: "قال فإنه يقال ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها قلت وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون، وقد أوعد الله عز وجل على الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له: ملعون من نظر إلى فرج أختين قال لا قلت فكيف زعمت أنه إن زنى بأخت امرأته حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه في هذا" (الأم 7/31)
قال الشافعى: "وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاقَ إليهم فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت قبلته بشهوة فحرمت عليه فجعلوا الأمر إليها" (الأم 7/31)
ولو بلغ الشافعىَّ قولُ قرامطة الوهابية فى زماننا إن القاضى يخلع على الرجل امرأته متى شاءت لأنكر أن يكون هذا قول رجل ولظن أنهم نساء نبتت لهن لحى ولعله كان يظن أن هذا قول قوم من زنادقة الفرس كالمزدكية الذين قالوا إن الرجل ليس بأملك من بامرأته من نفسها وإن المرأة مع من أحبت وليست ملكا لزوجها.
وقد قال الله تبارك وتعالى: }إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ{
فهذا رجل كانت له تسع وتسعون امرأة وكان لصاحبه امرأة واحدة فأراد صاب التسع والتسعين نكاح امرأته ولا شك أن امراته أرادت كذلك فراقه ونكاح صاحبه والله أعلم. فإن قال قائل فمن أين علمت أن المرأة أردات صاحب التسع والتسعين؟ قيل له – إن شاء الله – إنها لو كانت لا تريد فراق زوجها ولا تريد صاحبه لم ينتفع بفراقه إياها لأنها لم تكن لتقبل نكاحه بل لعلها كانت أشد له بغضا لاضطراره زوجها إلى فراقها. وقيل له قد حكم داود بينهما بأن صاحب المرأة الواحدة أحق بامرأته على ما أحبت وكرهت وأن صاحب التسع والتسعين ظالم لصاحبه بسؤاله إياه فراق امرأته ولم يقل إن كانت المرأة تحبه وجب على زوجها فراقها لتنكح من أحبت وهذا قول قرامطة النجدية ولو كان بغضها زوجها يبطل حقه فى إمساكها لكان شبيها أن يقول لزوجها إن كانت تبغضك وتحب صاحبك فأنت ظالم بإمساكها وقرامطة الوهابية يقولون إن زوجها ظالم وإن نبى الله داود عليه السلام ظالم لأنه لم يفرق بينهما لتنكح من أحبت. نعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق بفضله.