المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة التفريق بين المتلاعنين



سعيد عبد الله
2025-08-17, 11:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة التفريق بين المتلاعنين]
قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن الزهري سمع سهل بن سعد شهد المتلاعنين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما قال: "يا رسول الله كذبت عليها إن أنا أمسكتها"
قال أبو بكر حدثنا يزيد عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: «فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما»
قال أبو بكر حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: «لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار وامرأته ففرق بينهما»
قال أبو بكر حدثنا ابن نمير عن عبد الملك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما»
قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين فقال: "يا رسول الله مالي" فقال: «لا مال لك إن كنت صادقا فيما استحللت من فرجها وإن كنت كاذبا فذاك أبعد لك منها»
قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: يتزوجها إذا كذب نفسه

وإذا لاعن الرجل امرأته والتعنت المرأة وفرق بينهما فإن أكثر أهل العلم يقولون إنهما لا يجتمعان أبدا ولا يحل له أن ينكحها أبدا ولو أكذب نفسه ولو نكحت بعده أزواجا وقال سعيد بن المسيب وطريف بن مطرف وأبو حنيفة وأصحابه إذا أكذب نفسه ضرب الحد وهو خاطب من الخطاب وله ينكحها برضاها وليس فى الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص صريح على أنه المتلاعنين لا يجتمعان أبدا ولو أكذب الرجل نفسه بعد اللعان ولكنه قول أكثر أهل العلم وكان الشافعى يستدل على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» فلما نفى الولد باللعان لم يجز والله أعلم إلا أن ينتفى أن تكون المرأة فراشا أبدا ولم يحل له أن ينكحها بعد ذلك والله أعلم.
قال أبو بكر حدثنا حفص عن داود عن سعيد بن المسيب في الملاعن يكذب نفسه قال: "يضرب وهو خاطب"
روى عبد الرزاق عن معمر عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه سمعه يقول: «إذا تاب الملاعن واعترف بعد الملاعنة فإنه يجلد ويلحق به الولد وتطلق امرأته تطليقة بائنة ويخطبها مع الخطاب ويكون ذلك متى أكذب نفسه»
عبد الرزاق عن ابن جريج عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه سمعه وهو يسأل عن الملاعن إذا اعترف بعد ملاعنته أنه يجلد وتدفع إليه امرأته.
قال أبو بكر حدثنا أبو بكر بن عياش عن مطرف قال: "إذا قذف الرجل امرأته لاعنها فإن أكذب نفسه بعد ذلك جلد ويلزق به الولد وردت إليه امرأته"
لعل قول سعيد: "وتدفع إليه امرأته " وقول مطرف: "وردت إليه امرأته" أنه لا يمنع من نكاحها برضاها وعقد جديد وهذا معناه إن شاء الله. فإن كان معناه أنها ترد إليه ولو كرهت كما ترد المطلقة الرجعية إلى زوجها إذا راجعها ولو كرهت فهذا قول غريب شاذ لا نعلم أحدا قال به غيرهما والله أعلم.
عبد الرزاق عن معمر عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب قال: «متى أكذب جلد، وخطبها مع الخطاب» فهذا يبين ما وصفت والله أعلم.
وقد أجمع أهل العلم أن للرجل أن يراجع امرأته بغير رضاها ولا علمها فى عدتها من طلاقه الذى يملك فيه الرجعة لقول الله سبحانه وتعالى: }وَبُعُولَتُهُن َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا {وأجمعوا على أن الرجل إذا راجعها ضرار بها فإن رجعته صحيحة ثابتة عليها ولا نعلم فى هذا خلافا وكان الشافعى يتأول قول الله تعالى: }إِصْلَاحًا {بأنه إصلاح الطلاق بالرجعة أى أن للأزواج الرجعة إذا أرادوها وهذا القول وإن كان خلاف الظاهر فهو صحيح المعنى وإنما تأوله الشافعى لئلا يقول جاهل إن الرجعة لا تصح إذا نوى الرجل الضرر بامرأته وهذا قول بعض الجهال فى زماننا كالنجدية الذين يقال لهم وهابية فإنهم زعموا أن الرجل إذا راجع امرأته ضرارا فرجعته باطلة وقالوا إن الرجل إذا أضر بامرأته فلها أن تفارقه وتأخذ المهر فإذا لم يضر بها فلها أيضا أن تفارقه ولكن ترد المهر فهذا يسمى أخذ المهر للضرر لا طلاق الضرر وفى قول أهل العلم إنه ليس فى الإسلام طلاق للضرر كما يعرفه العامة اليوم ومالك بن أنس عالم أهل المدينة برىء من هذا القول وإنما هو قول رجل يقال له ابن الهندى.
وقال دجاجلة نجد الوهابية كقول المسلمين إن الرجل إذا نكح امرأة ثم كرهها فطلقها قبل الدخول فلها نصف المهر يجبر على أدائه لها لأنه حقها ولا تبطل الحقوق ببغض الذى عليه الحق الذى له الحق ألا ترى أن رجلا لو باع سلعة له من رجل ثم حدث بينهما شر فقال البائع أنا أكرهه ولا أعطيه السلعة وأرد إليه ماله إنه ليس له ذلك ويجبر على أداء السلعة للمشترى وإن شاء عفا عن ماله فذلك له وهكذا العقود كلها والعقد ما لزم المرء فلم يكن له أن يدفعه عن نفسه إلا برضا الذى له الحق.
ثم عاد النجدية الوهابية إلى ما شددوا فنقضوه وقالوا إذا نكح الرجل المرأة - فلزمها تسليم نفسها عند المسلمين - ثم كرهته ردت إليه ماله وخلعت نفسها وقالوا ليس بين المرأة وزوجها عقد يلزمها وهذا قول يخرج صاحبه إن لم يكن جاهلا من الملة وكان شيخهم ابن تيمية الحرانى يكفر من قال بهذا لأنه قول بعض الزنادقة كالمزدكية والبابكية والقرامطة والدروز.
قال ابن تيمية: "أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن أضمر ذلك كان زنديقا منافقا لا يستتاب عند أكثر العلماء؛ بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه" (مجموع الفتاوى 11/405) إلى أن قال: "لكن من الناس من يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة"
الذين حرموا النكاح هم الدروز والذين جحدوا حل اللحم قوم من الزنادقة حرموا ذبح الحيوان وهم فى زماننا يقال لهم النباتيون الذين يحرمون أكل اللحم. فأما رجل ترك أكل اللحم من غير تحريم له فليس بكافر والله أعلم.
وقالت الدروز عليهم لعنة الله إن المرأة كالرجل تملك أن تفارقه متى شاءت غير أنهم أوجبوا عليها أن تعطيه نصف مالها إذا فارقته وقول الدروز هذا كفر ولأجل هذا نسبهم الناس إلى استحلال الزنا مع أنهم يحرمون على المرأة أن تمكن من نفسها غير زوجها وذلك أن نكاح الدروز لا يعدو أن يكون زنا عند المسلمين. وقول الوهابية أقبح من قول الدروز لأن الدروز يسوون بين الرجل والمرأة فيوجبون على من فارق منهما صاحبه أن يعطيه نصف ماله والوهابية يقولون إن المهر على الرجل فإذا طلقها خسر مهره وأعطاها المتعة وقالوا إذا خلعته المرأة ردت عليه ماله ولم تعطه شيئا من مالها. فإذا قيل لهم كيف يكون بيد المرأة طلاق خير من طلاق الرجال قالوا إن المرأة مظلومة ظلمها الله ورسوله وعباده المؤمنين فلا بد أن ننصفها.
قال صالح: "قلت: الرجل يزوج ابنه وهو صغير، فإذا كبر قال: لا أريد؟
قال: ليس له ذاك، عقد الأب عليه عقد.
قلت: فالجارية الصغيرة يزوجها أبوها؟
قال: ليس بين الناس في هذا اختلاف؛ ليس لها أن ترجع" (مسائل صالح 1175)
قول الابن بعد البلوغ: "لا أريد" يعنى أريد أن أفارق من غير أن يلزمنى مهر ولا نصف لأنى لم أرض بالنكاح إذ كنت صغيرا. وقول أحمد: "ليس له ذاك" يعنى فى المهر ليس فى الفرقة لأن الطلاق بيده لا شك فى ذلك. وقوله فى المرأة: "ليس لها أن ترجع" يعنى ليس لها أن تفارق وترجع فى نفسها وترد المهر لأن النكاح عقد ملك لازم يلزم الرجل فى ماله والمرأة فى نفسها وهذا مما لا اختلاف فيه لأن الطلاق والخلع بيد الرجال وللرجل أن يخلع امرأته مع أجنبى بغير علمها وبغير رضاها كما له أن يطلقها بغير علمها وبغير رضاها.
وقوله: "ليس بين الناس في هذا اختلاف" ليس معناه أنهم غير مختلفين فى أن المرأة لا تملك أن تفارق زوجها لأن من قال ذلك ليس بمسلم أصلا ولا عبرة بخلافه بل معناه أنهم لا يختلفون فى صحة النكاح الذى ينكحه الرجل ابنته الصغيرة البكر بغير رضاها. وإنما اختلفوا لو كانت يتيمة فأنكحها غير أبيها هل لها الخيار فى فراقه مرة واحدة إذا بلغت كما قال أبو حنيفة وكثير من أهل العلم؟ وكان الشافعى ومالك يبطلان هذا النكاح لأجل الخيار الذى تستحقه المرأة حين تبلغ واستشنع الشافعى جدا هذه المقالة. وزعم إسحاق أن هذا النكاح يكون موقوفا لا يتوارث فيه الزوجان ولا يحل جماع المرأة حتى تبلغ فتختار زوجها فحينئذ ينقطع خيارها وتصير زوجة يحل جماعها ويتوارثان فإذا مات أحدهما قبل أن تبلغ فتختاره لم يرث صاحبه لأنهما ليسا بزوجين ثابتى النكاح وذلك أن المرأة ستملك أن تفارق بعد البلوغ.
قال الشافعى: "وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الأب النكاح ثابت ولها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تَبْلُغُ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت" (الأم 5/182)
ومعنى قوله: "النكاح ثابت" يعنى أن المرأة لا تملك أن تفارق ولا خيار لها.
قال الشافعى: "وقال تبارك وتعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التي لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم" (الأم 5/76)
قوله: "ونكاحها ثابت" و "النكاح يثبت" معناه أن المراة لا تملك أن تفارق. وترك قرامطة نجد قول المسلمين واتبعوا قول الدروز الكفرة الفجرة وقالوا إن النكاح لا يثبت أبدا وإن المرأة متى شاءت فارقت زوجها.
قال إسحاق بن منصور: "قال أحمد: لا أرى للوالي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغت تسع سنين فرضيت فلا خيار لها.
قال أحمد: ولا أرى للرجل أن يدخل بها إذا زوجت وهي صغيرة دون تسع سنين.
قلت: فإن ماتا يتوارثان؟ قال: لا أدري.
قال إسحاق: كما قال، ولا يتوارثان" (مسائل الكوسج 851)
قال إسحاق: "السنة في ذلك أن تختار إذا أدركت، وإدراكها إذا جاوزت تسع سنين؛ لأنها حينئذ ممن تحيض وتلد، فإذا زوجها الولي فأراد أن يبني بها قبل الإدراك لم يحكم له أبدا حتى تختار، وليس اختيارها بشيء ما لم تدرك، وإذا ماتا أو أحدهما قبل الإدراك لم يتوارثا أبدا، ولا نرى للولي أن يزوج الصغار أبدا دون أن تبلغ تسع سنين إلا أن يكون رغبة، فحينئذ تزوج ويكون لها الخيار إذا أدركت، فإذا أدركت فاختارت نفسها فلها أن تتزوج من غير أن يفرق بينهما الحاكم، وأخطأ هؤلاء حين قالوا: ما لم يفرق بينهما الحاكم فماتا توارثا" (مسائل الكوسج 853)
وإذا نكح الرجل امرأة فدخل بها ثم كرهها فطلقها فقد لزمه المهر كاملا لا يسقط عنه منه شىء لكرهه إياها لأن النكاح عقد لازم وقالت دجاجلة نجد إن المرأة بعد الدخول إذا كرهت زوجها ردت إليه المهر وخلعت نفسها فالرجل إذا طلق غرم المهر كله وإذا طلقت هى لم تغرم شيئا لأنه لا عقد بينها وبين زوجها لأن ردها ماله إليه وأخذها نفسها ليس بغرامة.
فإن قال جاهل منهم هذه بكر قد نقصها الوطء فهى تأخذ المهر لأجل ذلك. قيل له – إن شاء الله – فقد جعلناها لك ثيبا لا ينقصها الوطء شيئا فإذا طلقها الرجل غرم المهر كله وأنت تزعم أنها لو خلعت نفسها – زعموا – فإنها لا تغرم شيئا وترد إليه المهر وهذا ليس بغرامة.
وإذا كان له منها أولاد ثم طلقها غرم المهر وذهبت هى بولده وإذا خلعت نفسها بزعمهم لم تغرم من مالها شيئا وإنما ترد إليه ماله وتذهب أيضا بولده. أرأيتم يا عباد الله قولا أشنع وأبين عوارا وخطأ من قول هؤلاء الجهلة القرامطة وليس لهم من حجة على ما ذهبوا إليه سوى قولهم إن الله ظالم ورسوله ظالم والمسلمون ظلمة وإن المرأة مظلومة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الذى يذهب إليه أهل العلم جميعا أن كل امرأة تملك أن تفارق زوجها أو يملك ذلك غيرها كالقاضى أو السلطان وذلك كالأمة تعتق والرجل يكون به جنون أو جذام أو برص أو الرجل يملك امرأته أمرها فإنه لا يحل للرجل أن يستمتع من امرأته بشىء حتى يسقط ما بيدها وبيد القاضى من الفرقة وليس لها عليه نفقة وهذا قول مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبى حنيفة وقول عامة أهل العلم.
قال أبو حنيفة: "وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال: اللعان تطليقة بائنة. وبلغنا عن إبراهيم أنه قال: إذا أكذب الملاعن نفسه جلد الحد، وكان خاطبا من الخطاب، إن تزوجها كانت عنده على تطليقتين بائنتين" (الأصل – باب اللعان)
قال أبو بكر حدثنا ابن نمير عن أبي حنيفة عن إبراهيم قال: "اللعان تطليقة بائنة"
قال محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: "اللعان تطليقة بائن"
قال محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة قال حدثنا حماد عن إبراهيم قال: "إذا قذف الرجل امرأته ثم لم يلاعنها كانا على نكاحهما فإذا لاعنها بانت بتطليقة بائن وليس له أن ينكحها أبدا إلا أن يكذب نفسه فإن أكذب نفسه تزوجها"
وهذه الذى يرويه أبو حنيفة عن إبراهيم خلاف المشهور عنه أنهما لا يجتمعان أبدا.
قال أبو بكر حدثنا هشام عن مغيرة قال: قلت لإبراهيم: "الملاعن أشد من الذي يطلق ثلاثا؟" فقال: "نعم"
روى عبد الرزاق عن الثوري ومعمر عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب: «لا يجتمع المتلاعنان أبدا» ومراسيل إبراهيم النخعى من أقوى المراسيل.
عبد الرزاق عن أبي هاشم عن النخعي قال: "إذا أكذب نفسه جلد ولحق به الولد ولا يجتمعان"
عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: «لا يجتمع المتلاعنان أبدا»
عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن علي قال: «لا يجتمع المتلاعنان»
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: "لا تحل له أبدا". قال: "لم أرهم يرون أن يجتمعوا أبدا". قال: قلت: "وإن نكحت غيره؟" قال: "نعم"
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "إذا أكذب نفسه فلا يتناكحان أبدا". قال معمر: وأخبرني من سمع الحسن يقول مثل قول الزهري
قال مالك: "السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، وإن أكذب نفسه جلد الحد، وألحق به الولد، ولم ترجع إليه أبدا، وعلى هذا السنة عندنا التي لا شك فيها ولا اختلاف" (الموطأ - باب ما جاء في اللعان) ويعنى بالسنة عندنا عمل أهل المدينة.
قال الشافعى: "ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا سبيل لك عليها» استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذ لم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} واستدللنا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفى الولد وقد قال - عليه الصلاة والسلام - «الولد للفراش» ولا يجوز أن ينفي الولد والفراش ثابت.
فإن قال قائل فيزول الفراش عند النفي ويرجع إذا أقر به قيل له لما «سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه» دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد وكانت الفرقة من قبله جاءت فإن قال قائل على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له قد كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لأنه لم يحكم عليه بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما تكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم يقبل الخلع" (الأم 5/139)
قال إسحاق بن منصور: "قلت: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا؟
قال: نعم، لا يجتمعان أبدًا. قال إسحاق: نعم، وزيادة" (مسائل الكوسج 996)
قال صالح: "وقال: المتلاعن إذا أكذب نفسه يجلد الحد، ويلحق به الولد، ولا يرجع إليها أبدًا؛ لأنه حرمها على نفسه، وهذا أصح في المعنى" (مسائل صالح 1191)
والمُطَلّق أيضا حرمها على نفسها وله أن يراجعها إن لم يكن أتى على جميع عدد الطلاق فإن طلقها ثلاثا راجعها بعد زوج وليس هكذا الملاعن.
قال حرب: "وقال أحمد: الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم ترد عليه امرأته.
وسألت أحمد مرة أخرى قلت: الرجل يكذب نفسه بعد اللعان؟
قال: يلحق به الولد ولا يجتمعان أبدًا، وقد اختلفوا في الضرب.
قِيل لأحمد: رجل لاعن امرأته، فشهد أربع شهادات، فلما كان عند الخامسة وقف ولم يشهد؟
فقال: هذا لم يتم اللعان يُضرب وترد عليه امرأته" (مسائل حرب 273)
وقوله: "وترد عليه امرأته" يعنى بغير رضاها ولا تملك أن تفارقه مع أنه رماها بالزنا بمحضر من الناس إذا لم يكمل اللعان وهذا مما لا اختلاف فيه.
قال الطحاوى: "قال أبو حنيفة ومحمد إذا كذب نفسه وجلد الحد فله أن يتزوجها
وقال زفر وأبو يوسف ومالك والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث والشافعي لايجتمعان أبدا
وعن سعيد بن جبير أنه إذا كذب نفسه ردت إليه امرأته ما كانت في العدة
وهو راوي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعجلاني بعد اللعان لا سبيل لك عليها
وروى الزهري حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين وقال فيه فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينها ثم لا يجتمعان أبدا
ثم روى عنه يونس أنه قال لا يراجعان أبدا إلا أن يكذب نفسه فيجلد الحد وتظهر بداءتها فلا جناح عليهما أن تراجعا
فدل أن معنى قوله لا يجتمعان أبدا إنما هو ما كان مقيما على اللعان
وروى عن سعيد بن المسيب أنه إذا كذب نفسه ردت إليه امرأته
وعن إبراهيم النخعي أنه إذا ضرب الحد فهو خاطب من الخطاب" (مختصر اختلاف العلماء - في المتلاعنين يجتمعان)
وما نسبه إلى الزهرى وسعيد بن جبير من أن الملاعن يراجع امرأته إذا أكذب نفسه لا يصح عنهما والله أعلم.