تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



امانى يسرى محمد
2025-07-25, 08:37 PM
تدبر سورة الفاتحة د. رقية العلواني

(بسم الله)

الكلمة الأولى والآية الأولى التي وردت في هذه السورة جاءت (بسم الله) وسواء كنا مع المفسرين الذين اعتبروها آية من سورة الفاتحة أو مع من لم يعتبرها واعتبر البسملة آية في كل سورة النتيجة واحدة: أنا لا أفتتح هذا الكتاب إلا بقول: بسم الله الرحمن الرحيم. البسملة تذكّرني بأني عبد وأن كل ما أنا فيه من أعمال وكل ما أقوم به من أعمال أنا لا أدخل على العمل بذاتي ولا بقوتي ولا بإمكانياتي ولا بالأسباب لوحدها أنا أدخل عليها باسم الله. البسملة تذكرني أن لا شيء يتحرك في الكون بدون اسم الله عز وجل إقرار مني بأن الله هو الذي يحرّك، هو الذي يفعل، هو الذي يسبب هذه الأسباب، هو الذي يجعلني أستعمل هذه الأسباب. إذن سورة الفاتحة ومن أول كلمة فيها (بسم الله) تربيني، تجعلني عبداً أتخرّج فعلاً في مدرسة العبودية وأتعلّم منذ أول كلمة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أن أكون عبداً حقاً لله سبحانه

ولذا لا ينبغي لي أن أعمل عملاً دون البدء به ببسم الله وإلا كان العمل ناقصاً أبتر مقطوعاً مبتوراً قليل البركة، قليل الفائدة

(الرحمن الرحيم)

الرحمن الرحيم في كلمة البسملة ثم (الرحمن الرحيم)

التي ستأتي فيما بعد في سورة الفاتحة تذكرني بأمور عديدة:

واحدة من أعظمها أن علاقتي مع الله عز وجل قائمة على الرحمة،فأنا عبد مرحوم لأن علاقتي بمن؟

علاقتي بالرحمن الرحيم. وسبحان الله العظيم اختيار الإسمين معاً (رحمن رحيم) رحيم بعباده رحمة متواصلة سواء كان هؤلاء العباد في حالة خطأ في حالة بُعْد عنه أو في حالة تقرّب إليه وعبودية خاصة.

نحن جميعاً عبيد، عبيد ربوبيته سواء عصيناه أو أطعناه وهو في هذه الحالة رحمن بنا سبحانه وتعالى وكذلك نحن عبيد عبودية الألوهية حين نختار طريق العبودية وعلاقة العبودية هنا فيها اختيار وهنا يأتي معنى الرحيم يعطيني رحمة خاصة لأهل عبوديته لأولئك العبيد الذين يعبدونه عبودية الألوهية، الاختيار

(الحمد لله رب العالمين)

الحمد. أنا أول ما أفتتح العلاقة بيني وبين الله عز وجل أول كلمة أريد أن أخاطب بها ربي أول كلمة أريد أن أقولها لربي: يا رب الحمد لله. ومن هنا كان يستحب للمؤمن أن لا يبدأ دعاءً إلا بقوله: الحمد لله، تقديم الثناء، تقديم الشكر. والحمد لله كلمة جامعة تجمع كل معاني الثناء، كل معاني المدح، كل معاني التذلل والانكسار بين يدي الله عز وجل (الحمد لله).

سورة الفاتحة التي تكرر في كل ركعة تعودني أن أستحضر النعم، تعودني وتعلّمني وتدرّبني على أن أرى النعم بعيني والفارق شاسع بين عبد يقول الحمد لله مجرد كلمة وبين عبد حين يقول الحمد لله من أعماق قلبه تبدأ كل النعم التي وهبها الله عز وجل لهذا الإنسان تظهر أمام عينيه واضحة للعيان. الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة لكي يكون عبادة حقيقية حمدٌ يحوّل الحمد من شعور في القلب وكلام باللسان إلى فعل وسلوك

(مالك يوم الدين)

ثم تنتقل الآية إلى آية عظيمة جداً تنقل الإنسان إلى الواقع الذي لا ينبغي أن ينفك عنه الإنسان أبداً في حياته (مالك يوم الدين). رحلة الحياة القصيرة التي قد تستغرق من الإنسان كل الهموم كل الأحزان كل الاهتمامات وتذهب بعيداً به عن خالقه وتشرد به أحياناً حتى في صلاته، هذا الاستغراق الكامل للحياة القصيرة تحررها كلمة (مالك يوم الدين) تذكر تماماً أن الرب الذي أقمت وافتتحت العلاقة معه في الدنيا هو الرب الذي يملك يوم الدين يوم الجزاء. يذكِّرك ويربط دائماً وهذه طبيعة القرآن وسورة الفاتحة تؤسس هذا المعنى أن الحياة ليست هي نهاية المطاف في الحقيقة الحياة هي بداية المطاف. في الحقيقة بداية العلاقة التي تبنيها سورة الفاتحة في الحياة ستمتد إلى ذلك اليوم العظيم (مالك يوم الدين). فإذا كان الرب الذي أعطاك ومنحك وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنة وتولى تربيتك في الدنيا هو الذي سيتولى الجزاء في الآخرة، هو الذي يمتلك يوم الدين، فكيف يا ترى سيكون ظنّك به؟ كيف سيكون اقبالك عليه؟ كيف سيكون حرصك على تقوية العلاقة به عز وجل (مالك يوم الدين)؟. وهل سيبقى في قلبك ملوك آخرين إن صح التعبير؟ وهل سيبقى في قلبك شعور بالعبودية لأحد سواه سبحانه وتعالى؟ وجاء بكلمة (مالك) وجاء بكلمة (يوم الدين) وقد يقول قائل ويتبادر إلى الذهن أن في الدنيا ملوك وهذه حقيقة ولكن الحقيقة أن هذا الملك الذي ينسب إلى ملوك الدنيا مهما كثروا ومهما كان ملكهم إنما هو ملك ظاهري يقال على سبيل التجوّز فقد يمتلك الإنسان قطعة أرض، قطعة بلد، شيء من متاع الدنيا ملك ظاهري يملك التصرف فيه إلى حد ما، الملك هنا ليس ملكاً مطلقاً إلى حد ما فترة من الزمن ولكن لمن سيعود ذلك؟ الملك الحقيقي لمن؟ لله الواحد القهار،

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

أن من أكثر الأشياء التي تقوي مناعة المريض المريض أمراض بدنية ضد الأمراض أن تقوي جانب الإرادة والتفاؤل لديه، الطاقة الإيجابية الحقيقية فيه. سورة الفاتحة تعطيني هذا المعنى حين أقول وأردد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حين أكون مستحضراً لهذه المعاني مقرراً لها بقلبي وفعلي ولساني أن الرب الذي يصرّفني في أموري الرب الذي يكتب لي المرض التعب الشقاء أحياناً الأشياء التي لا تروق لي رب رحمن رب رحيم وهذه معاني عظيمة تحققها سورة الفاتحة لتفتح لي طبيعة العلاقة الجديدة بيني وبين الله عز وجل.

آية في سورة الفاتحة وضعت علاجاً للضلال وللغضب في آياتها واحدة تلو الأخرى خلّصت الإنسان من الضلال، الضلال البعد عن الله عز وجل بكل أشكاله وأنواعه ولا يمكن أن يأتي الضلال لأنه إنتكاسة إلا باتباع منهج غير منهج الله سبحانه. ولما جاءت (إياك نعبد) جعلتني فعلاً أبتعد في حصانة، في درع، في وقاية من الضلال. لا يمكن أن يأتي الضلال وأنا أعبد الله حق العبادة، الضلال لا يأتي إلا حين أتخذ معبوداً من دون الله وغالب من يُعبد من دون الله هو الهوى، النفس. الضلال وكل الأمراض المتشعبة المتنوعة من حسد من حقد من تنافس على الدنيا من أشياء متنوعة من أشكال الضلال لا يمكن أن تأتي إلا من قبيل النفس فقط واتباع الهوى خلّصتني سورة الفاتحة منها

في سورة الفاتحة تفتح على الإنسان في هذه الآية شيئاً عجيباً تخلصه من الشعور بالغربة وخاصة غربة آخر الزمان حين يستشعر الإنسان أنه غريب في وسط جموع من الناس قد تختلف معه في الآراء في الأفعال في التصرفات قد يخيل إليه في بعض الأحيان فعلاً أنه غريب غريب بكل معاني الغربة، غريب في ما يفعله، غريب في تصوراته ومعتقداته، غريب حين ينأى عن الدنيا بمعنى الترفع عن دناياها، فالكل متكالب على الدنيا على سبيل المثال ولكن هذه الغربة تبددها سورة الفاتحة حين تضع في حسبان المؤمن أنك مع الذين أنعمت عليهم وأن هذا يا مؤمن هو مطلوبك في الأصل وأنك تدعو ليل نهار بهذا الدعاء

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).

إذاً حين تتفرق سبل الدنيا لا تأسف عليها فقد تكون تلك السبل طريق الضالين أو ربما طريق من غضب الله عليهم والضلال والغضب بينهما تناسبت

ختمت لي بموضوع

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

لتسدل الستار على جميع الأنواع والأفعال التي يمكن أن تقود وتأخذ الإنسان بعيداً عن منهج الله عز وجل وكأن ذاك الإنسان واقفاً على ما يغضب الله عز وجل إن كان بعيداً عن ذاك المنهج. الأعمال والأفعال التي يقع فيها الإنسان وتستجلب غضب الله عز وجل لا يمكن أن تكون إلا حين يبتعد عن المنهج ولذا ربي عز وجل حذّر في آيات متعددة من أفعال اليهود ووصف بالوصف الدقيق في بعض الأحيان (غضِب الله عليهم) لماذا؟ لو أردنا أن نلخص الأفعال كاملة لوجدناها في البعد عن منهج الله عز وجل. العبد أيّاً كان حين لا يحقق معنى إياك نعبد في واقع حياته ويعبد أشياء متعددة ويعبد هوى النفس ويبتعد عن الطريق قطعاً قد وقع في ضلال مستجلباً غضب الله عز وجل. الترابط بين الضلال والغضب واضح، من ضلّ عن منهج الله غضب الله عليه ومن عبد الله حق عبادته كما أوضحت سورة الفاتحة لا يمكن أن يكون ضالاً أو مغضوباً عليه

بهذه المعاني العظيمة استحقت هذه السورة أن تكون أعظم سورة في كتاب الله.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا في هذا الكتاب العظيم وأن يجعل الفاتحة فاتحة لنا لكل خير إنه سميع مجيب الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسلاميات

يتبع

امانى يسرى محمد
2025-07-25, 08:40 PM
سورة البقرة



السورة التي بين أيدينا اليوم هي السورة التي أوصى النبي صلّ الله عليه وسلم بتلاوتها وتعلمها، السورة التي قال: إن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة (بمعنى السحرة). السورة التي وصفها مع آل عمران بأنهما الزهراوين يقول النبي صلّ الله عليه وسلم في وصيته لأمته بتعلم السورة التي بين أيدينا وإحقاقها في واقع حياتنا أفرادًا أو مجتمعات، يقول صلّ الله عليه وسلم " تعلموا القرآن" – وتأملوا كلمة تعلموا، التعلم لا يكون محصورًا فقط بتلاوة أو حفظ في الصدور،


التعلم بمعنى التطبيق، التعلم بمعنى السير على المنهج الذي جاء في هذه السورة العظيمة


السورة التي بين ايدينا سورة البقرة مع آل عمران سماهما النبي صلّ الله عليه وسلم الزهراوين لنورهما، لهدايتهما، لعظيم أجرهما.



السورة التي جاءت إجابة على السؤال والدعاء الملحّ الذي يلحّ به العبد على ربه في سورة الفاتحة حين يقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فإذا بسورة البقرة تأتي وتفتتح بقوله عز وجل (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تريد الهداية؟ وتطلب الهداية وتدعو لنفسك بالهداية؟ (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) هذه هي الهداية، لا بد من العمل



لا يمكن أن يكون هناك انفصال أو شرخ بين أن أحفظ الآيات في قلبي، في صدري وأتلوها وبين أن لا أعيش تلك الآيات في واقعي وتعاملي وأخذي وعطائي وسلوكي وأخلاقي، لا يمكن أن يكون هناك شرخ. من هنا نستطيع أن نفهم لِمَ هذه السورة العظيمة مع آل عمران جاءت لتسمى الزهراوين: النور والهداية. والنور والهداية يمكن أن تكون هناك شمس أمامي في النهار ولكني إذا أغلقت النوافذ والمنافذ أمام نور الشمس هل أستطيع أن أرى نور الشمس وضياء الشمس؟! لا يمكن، لأني أغلقت المنافذ ليس لأن الشمس غير موجودة وليس لأن نور الشمس وضياءها غير موجود أو بعيد، أنا من أبعدت، أنا من أعلقت. وما يقال عن نور الشمس يقال هنا في هذا الحديث عن نور الزهراوين.



هذه أطول سورة في كتاب الله، هذه السورة التي فيها أعظم آية في كتاب الله، هذه السورة التي كان يمكث صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السنوات الطوال لتعلمها كما ورد عن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلم السورة والعرب كلنا نعلم أنهم أمة حافظة فكان أسهل شيء عليهم أن يحفظوا الكلمات والحروف ولكن ما كان حفظ الكلمات والحروف مقصدهم، كان حفظ الآيات والتعاليم والأوامر في واقعهم وتطبيقها في مجتمعهم المقصد والغاية الأساس


الإنسان صاحب سورة البقرة الإنسان الذي حفظ السورة بقليه بحياته بسلوكه بتطبيقه لها فكان الجزاء من جنس العمل حفظته سورة البقرة لما حفظها في حياته، جاءت تشفع له وتدافع عنه يوم القيامة لما دافع عن أحكامها وأوامرها وتطبيقها في واقع حياته، الجزاء من جنس العمل.


مقدمة سورة البقرة




نحن بشر تحيط بنا المخاوف، الوساوس، الشكوك، الأوهام من اشياء متعددة هذه المخاوف لا يمكن أن تبدد إلا من خلال شحنة إيمانية وقوة إيمانية دافئة، القوة الإيمانية في هذه السورة العظيمة وبخاصة في آية الكرسي حين يقرأها المؤمن وهو مؤمن بها وهو مستشعر لعظمة ما يقرأ مستحضر للآيات التي قرأ مستحضر لكل حرف في تلك السورة وفي تلك الآية.



سورة البقرة تتألف من ثلاثة أجزاء:


الجزء الأول منذ بدايته أقام دعائم الهداية، المقصد الأساس في السورة، السورة سورة هداية، سورة نور في الدنيا وفي الآخرة لأصحابها، لمن يقوم بحقها، أقام دعائم الهداية على التوحيد الخالص الصادق الذي هو مراد الله عز وجل ولذلك ابن القيم لديه كلمة جميلة يقول: إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه. فالجزء الأول في سورة البقرة أقام دعائم الهداية على التوحيد وبيّن منذ البداية أن لا عمل يصحّ إلا حين يُبنى على ذلك التوحيد (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَفِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إيمان، توحيد، يقين



ثم تعرض السورة في الجزء الأول مواقف متعددة متنوعة لبني إسرائيل في سياق التذكير لهذه الأمة، الأمة التي نزل عليها القرآن أول ما نزل، أمة العرب. هذا الكتاب الذي أنزله الله على هذه الأمة عرض لها نماذج من تعامل بني إسرائيل مع منهجهم، مع دعوة نبيهم موسى عليه السلام مع التوراة كيف تعاملوا، الرب سبحانه وتعالى أكّد هذه الوصية (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) والوصية ليست لبني إسرائيل دون غيرهم، الوصية لكل الأمم، الوصية لهذه الأمة التي نزل فيها القرآن (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) والحديث عن القوة هنا يتضمن كل أشكال وأسباب القوة المادية والمعنوية حين تأخذ القرآن وتأخذ سورة البقرة وأوامر سورة البقرة خذها بقوة، خذها بقلبك، خذها بطاعة، خذها بخضوع وانكسار ورغبة حقيقية في تطبيقها في واقع حياتك ودافع عنها بقوة لأن المنهج يحتاج أن تدافع عنه. إذا كنت أنت مؤمنًا بهذا المنهج حق الإيمان عليك أن تدافع عنه، لأنك بطبيعة الابتلاء والحياة ستواجه أشكالًا من التحديات، أشكالًا من الصعوبات ألوانًا من الابتلاءات، إن لم تكن لديك القوة الكافية لمواجهة تلك التحديات إذن قطعًا ستفشل في أداء ذلك المنهج



ترد الآيات في سورة البقرة في الجزء الأول مرة بعد مرة قضية العصيان الذي وقع في هذه الأمة إلى الشرك بأنواعه المتعددة، إلى عدم خلوص التوحيد، التوحيد القضية الأولى، ولذلك تقول عنهم الآيات (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)) عبادة العجل التي وقعت في بني إسرائيل، البعد عن التوحيد، التخبط، الزيف، الإنحراف عن المنهج، المماطلة في تنفيذ أوامر الله (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وقالوا في آية أخرى (قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)) أُغلقت، وهي بالفعل قد أُغلقت، كيف أُغلقت؟ الآيات في سورة البقرة تحدثنا عن أشكال من العقوبات التي أصابت قلوب تلك الأمة التي ترنحت في القيام بمنهج الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقع الحياة، قسوة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ (74)) وغُلف وختم، لم كل هذه العقوبات على القلوب؟ لأن الإنسان حينما يُغلق قلبه أمام المنهج فإن العقوبة من جنس العمل!



(واستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ))


هذه الوصية العظيمة لأجل مواجهة التحديات، الحياة ليست مفروشة بالورود، طريق الحياة وطريق تطبيقك للمنهج في حياتك وفي واقعك ليس مفروشًا بالرياحين والورود بل ربما يأتيك في بعض الأحيان العديد من الصعوبات والأشواك والصخور كيف ستواجه كل ذلك إن لم يكن في قلبك وفي حياتك سورة البقرة العظيمة وهذا القرآن العظيم الذي تحمله بقلبك وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة؟!


يتبع

امانى يسرى محمد
2025-07-25, 08:44 PM
الجزء الثاني في سورة البقرة بدأ بالحديث عن القبلة وتحويل القبلة نحو المسجد الحرام وتحمل الأمة المسلمة التي نزل عليها الكتاب القرآن، الأمة الوسط، مسؤولية الشهادة على الأمم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)) إذن هي الرسالة هي الأمانة هي تحقيق وحمل تلك الأمانة التي ضيّعها بنو إسرائيل من قبل ونحن بحاجة كأمة أن لا نضيّعها وما جاء في الجزء الأول من حديث عن بني إسرائيل إنما جاء في سياق التحذير لهذه الأمة من أن تقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تضييع للأمانة من تضييع لذلك المنهج الرباني المنزل عليهم في التوراة في واقع الحياة وفي سلوكهم وتعاملهم. هذه الأمة تحملت تلك المسؤولية ولذلك الجزء الثاني واضح جدًا فيه التعاليم المختلفة الآيات التي تحدثت عن القصاص، الآيات التي تحدثت عن الدين، التي تحدثت عن الوصايا التي تحدثت عن الزواج عن الطلاق عن الحج عن الصيام عن العبادة ما تركت شيئًا إلا وتحدثت عنه، جمعت كل التعاليم جمعت كل الأوامر التي تقيم المنهج في واقع الحياة، التي لا يمكن لمجتمع أن يعيش بعيدًا عنها، ربي سبحانه وتعالى ما خلق البشر فوضى وما أراد لعباده أن يتركهم هكذا يعبثون ويلعبون ويجربون القانون تلو القانون والدستور تلو الدستور، أبدًا، ربي سبحانه وتعالى ما كان ليترك عباده هَملًا بلا منهج، ولذلك منذ اللحظة التي نزل فيها آدم ربي سبحانه وتعالى أعطى له ذلك المنهج فقال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) إذن هو المنهج مرة أخرى وهذا المنهج هو الذي تتحدث عنه هذه الآيات العظيمة في الجزء الثاني من سورة البقرة.

سورة البقرة تعلّم الإنسان من خلال الأوامر والنواهي كيف يتقي الله كيف يقول لنفسه (لا) حين ينبغي أن يقول لها (لا)، وعلى قدر ما تكون عظمة الله عز وجل في قلب ذلك المؤمن الذي تبنيه السورة في آياتها آية بعد آية على قدر ما يكون تعظيم ذلك الإنسان لأمر الله ووقوفه عن نواهيه ولذلك الكلام متواصل في السورة في الجزء الثاني عن (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) لأنه على قدر ما تولّد في قلبي من توحيد وتعظيم لربي عز وجل الآمر الناهي على قدر ما يكبر ويتحقق ذلك الأمر في واقعي وفي حياتي، خشية الله عز وجل تبنيها سورة البقرة. ويأتي الكلام عن الجهاد في سبيل الله ليس من باب التسلط على شعوب العالم أبدًا أو إكراه العالم على الدخول في الدين، أبدًا، وإنما من باب آخر من باب إيصال الرسالة التي تحمي الإنسانية من غوائل وزيف الشر والفساد التي تقتلع بذور الشر والفساد في النفوس والأمم، لا بد لهذه الرسالة أن تصل وتصل بالحسن ولكن إذا اقتضى الأمر أن يكون هناك مواجهة فالمؤمن يواجه ولكن دون ظلم ولا اعتداء على أحد فالله لا يحب المعتدين

(خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)

خذ المنهج بقوة في حياتك في تطبيق كي تحقق المنهج وتُسعَد به وتُسعِد به من حولك.

هذه هي رسالة سورة البقرة ولذلك ختم الجزء الثاني من سورة البقرة بقصة طالوت وجالوت ليبين معنى الثبات على الحق والصبر على تعاليم المنهج والتزاماته مؤكدًا سنة التمحيص والغربلة والتدافع بين الناس ليُحِقّ الله الحق بكلماته وعلى أيدي مَنْ؟

ربما تكون على أيدي فئة قليلة (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249))

ولكن لكي تغلب هذه الفئة من الناس لا بد أن ينتصر المنهج في نفوسها أولًا، في سرّها قبل أن يكون في العلن، لا بد أن تتخلص من أدواء النفس ونزعاتها وأنانيتها وتسلّطها ورغبتها في التسلط والجبروت والتكبر على الآخرين. فما كان لذلك المنهج ولا لأصحابه أن يرتقوا على أنفسهم وحياتهم إلا بتلك التعاليم وتطبيقاتها، ما كان لهم أن يرتقوا بعيدًا عن ذلك المنهج.

ثم تأتي في بداية الجزء الثالث من السورة بالتأكيد مرة أخرى على أن دعوة الأنبياء واحدة وأن لا عداء بين الأديان على الإطلاق ولذلك في عصرنا الحاضر من يدّعي ويلعب على وتر أن ما يحدث من نزاعات إنما هو بين الأديان المختلفة هذا الكلام لا واقع له من الصحة على الإطلاق، الديانات الحقة السمواية جاءت برسالة واحدة الرسل جاؤوا برسالة واحدة رسالة التوحيد رسالة العدل إذن لماذا يحدث هذا النزاع وهذا الصراع؟ لما حدث من اختلاف في أتباعهم بعد ذلك، والاختلاف ما كان لأجل الدين وما كان لتحقيق رسالة الأديان ومنهج الأديان في الكون وإنما كان لأجل النفس وأطماعها ونزعاتها وأنانيتها ورغبتها في التسلط على الآخرين كما حدث في قصة طالوت وجالوت، المسألة لا يمكن أن تخرج عن ذلك الإطار.




https://majles.alukah.net/imgcache/2025/07/54.jpg (http://www.mexatk.com/wp-content/uploads/2015/06/%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3 %D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D9%87-2-450x229.png)


ثم تأتي الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال النبي صلّ الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: يا أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ فيقول أُبيّ: قلت الله ورسوله أعلم، قال أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم (آية الكرسي) قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح. من أين جاء الحفظ في هذه الآية العظيمة؟ أعظم آية في كتاب الله، آية التوحيد، آية الكرسي هي آية التوحيد، الآية التي يتعرّف الله سبحانه وتعالى ويتجلّى فيها لعباده بصفاته فالقرآن كما يقول ابن القيم: كلام الله تجلّى الله فيه لعباده بصفاته. وفي هذه الآية العظيمة ربي سبحانه وتعالى تجلّى لعباده بصفاته في هذه الآية

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)


(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255))

صفات عظيمة صفات تولد في قلب المؤمن صفات التوكل على الله عز وجل تأخذ من كل هذه الصفات أعمال قلبية ولذلك يصبح الإنسان في حرز يتخلص من المخاوف الموهومة، الخوف من العين، الخوف من السحر، الخوف من الحسد، الخوف من الفقر، الخوف على المستقبل، الخوف على النفس، الخوف من المرض، الخوف على الأولاد، يُسقط عنه كل تلك المخاوف الموهومة بنور الإيمان حين يتجلى في قلبه، نور الإيمان بصفات الكمال والجلال لله الواحد القهار، وكلما شهد العبد هذ الصفات حين يقرأ هذه الآية العظيمة ولّدت لديه توكلًا على الله، شعورًا بالافتقار إلى الله سبحانه والاستعانة به دون سواه والذل والخضوع والانكسار له وهذا محض التوحيد والعبودية، هذا محض رسالة التوحيد العظيمة أن يشعر الإنسان أن لا حاجة له إلى أحد سوى الله سبحانه وتعالى فيخشع القلب لله تعظيمًا وإجلالًا وتوقيرًا ومهابة وينكسر بين يدي خالقه ويشهد نِعَم الله عز وجل فيخشع القلب فتتبعه الجوارح وتسير على هداه. القلب قائد، القلب يخشع حين يقرأ هذه الآية العظيمة بالقلب، بالإحساس، لا يبقى هناك خوف من أحد! تتبدد المخاوف وما أكثر المخاوف التي نعاني منها في وقتنا الحاضر! بعض الناس لا ينام بالليل من القلق، من الأرق، من الخوف ولكن من ملأ الإيمان بربه قلبه أيخاف أحدًا؟ أيخاف شيئًا؟! أيمكن لك أن تخاف شيئًا والله مولاك؟! أيمكن لك أن تخاف على رزقك ومن بيده ملكوت السموات والأرض لك ربًا؟! أيمكن ذلك؟!

ولذلك جاءت الآيات التي تلي آية الكرسة بعد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)

وبعد أن تعرّف الله سبحانه وتعالى وعرّف ذاته العليّة لخلقه بصفاته جاءت الآيات (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)

ماذا عليك حين يكون الله مولاك يتولى شؤونك يصرّف حياتك يدبر لك المستقبل كما دبر لك الماضي والحاضر يطعمك ويسقيك ويشفيك، يعطيك ويدافع عنك ويمنع عنك ويحفظك ويتولاك، ماذا عليك؟! أتخاف البشر؟! أيستقيم الخوف من البشر بالسحر بالحسد بالعين بالرزق بالمال بالوظيفة باي شيء،
ايستقيم الخوف من البشر مع وجود هذه الصفات الإيمانية في قلب المؤمن؟!
لا يستقيم.

نعم المخاوف موجودة، نعم المخاطر موجودة لا أحد ينكر وجود هذه الأشياء لا أحد ينكروجود الشر لكن ما عليك أن تحرر قلبك منه هو الخوف من الشر، الشر موجود ولكن حرّر قلبك من الخوف ولا يمكن للقلب أن يتحرر إلا حين يخضع لخالقه عز وجل ويعبد الله سبحانه وتعالى حق عبادته وينكسر بين يديه ويستشعر بضعفه وفاقته وحاجته لخالقه وأنه في حمى مولاه وأنه في حفظ الله عز وجل وأن ما من شيء في الكون يحدث ولا حتى ورقة تسقط من شجرة إلا بعلمه، ربك عليم، ربك عليّ، ربك عظيم، لا تخاف، لا تخشى شيئًا، لا عليك، تخلص من المخاوف والأحزان.

ويأتي السؤال الواضح هنا:

لماذا التركيز في سورة البقرة على التخلص من هذه المخاوف والأحزان ولا يقربك شيطان

والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان، لم هذا الحديث؟

الإنسان الذي تريد سورة البقرة أن تصنعه على آياتها إنسان حر، إنسان قوي، إنسان قادر على أن يلتزم المنهج الرباني في واقع الحياة ولا يمكن لإنسان خائف جبان متردد مليئة رأسه بالأوهام والوساوس والقلق والأرق لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن يلتزم بالمنهج في الواقع، لا يمكن أن يأخذ هذا الكتاب بقوة، اليد الضعيفة المرتعشة من الخوف لا يمكن أن تأخذ الكتاب بقوة، الكتاب الذي يؤخذ بقوة لا بد أن تمسك به أيادٍ قوية أياد لا ترتعش من الخوف لا ترتعد من الشر، لا تخشى شيئًا، لا تخشى إلا الله الواحد القهار.

من أين جاءت كل هذه الشحنة من القوة والدافعية؟

من إيمانها بخالقها، الرب الذي أنا أؤمن به يسيّر العالم بأسره، العالم كله بين يديه سبحانه، كل شيء خاضع لعظمته، شهود هذه المعاني في قلبي واضح المعنى تمامًا بتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قرآءة آية الكرسي صباحًا مساءً بعد كل صلاة لتتركز تلك المعاني في قلبي لأستشعر هذه المعاني، لأطمئن، لأشعر بالأمان، الأمان العملة المفقودة في عالمنا!

يتبع

امانى يسرى محمد
2025-07-25, 08:47 PM
تفنن الإنسان المعاصر في صنع الأقفال، في صنع أجهزة الحماية في صنع أشياء متعددةولكن لا يزال أكثر المخلوقات خوفًا في الوقت الذي نعيش فيه،


من أين يأتي الخوف؟

يأتي الخوف مع ضعف التوحيد في قلوب الناس، ضعف شعلة التوحيد، خفت وخبت تلك الشعلة العظيمة التي أضاءت العالم أمنًا وأمانًا ورحمة وعدلًا وسلامًا، المؤمن لا يخاف.

صحيح هناك المخاوف العادية البشرية الطبيعية هذه لا تُلغى لكنه ليس بالجبان، ليس بالمتردد ليس بالخائف على حياته وأهله وماله، يعيش في قلق ولا ينام في بعض الأحيان ولا يسكن إلا بالمهدّئات، المؤمن ليس هكذا، المؤمن الذي سكن قلبه الإيمان الذي شهد قلبه معاني التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى الذي تبنيه سورة البقرة وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. ولذا ما أجمل الربط في آيات السورة العظيمة، كل آيات السورة مترابطة، بعد الحديث عن آية الكرسي وما صنعته في قلب المؤمن جاء الحديث عن الإنفاق دستور الإنفاق في سبيل الله لأن المؤمن الذي يخاف على المستقبل وعلى أمواله من النفاد وعلى ثروته من أن تبدد أو تضيع لا يمكن أن يبذل لا يمكن أن يضحّي لا يمكن أن يُعطي والمؤمن الذي تصنعه سورة البقرة إنسان معطاء يبذل الغالي والنفيس.

يا ترى لماذا يبذل المؤمن الذي تصنعه سورة البقرة الغالي والنفيس؟

لأن السورة بآياتها تعلمه أن ما تنفقه الله يخلفه، أنا ما عندكم ينفد مهما زاد وما عند الله باق، ما عندكم ينفد وما عند الله باق وأن الإنفاق لا يمكن أن يقلل من المال وإنما الذي يقلل من المال حقيقة مخالفة المنهج الرباني الرب الذي أمرك بالإنفاق ضمِنَ لك أن لا يقلّ ذلك المال بل يزداد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة ولذلك جاءت الآية بالمقابل (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276))

الربا مخالفة للمنهج الرباني مخالفة صريحة، الربا استغلال لحقوق الضعفاء، الربا عدم إنسانية، الربا عدم شعور بأني أنا إنسان عليّ أن أمد يد الخير والعون البذل والعطاء لمن هو أضعف مني وأقل مني قدرة فجاءت سورة البقرة وبددت تلك المخاوف والأوهام التي عانى منها ويعاني عالمنا المعاصر الذي اكتوى بنار الربا والفوائد في البنوك وأعلن إفلاسه أكثر من مرة والإفلاس ما كان إفلاس بنوك فقط بل كان إفلاسًا في النفوس وإفلاس قلوب ضيعت المنهج الرباني الذي أمر بالإنفاق وحرّم الربا

ولذلك يقول (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يمحقها بالفعل، الخير كل الخير في اتباعك للمنهج الرباني والشر كل الشر في مخالفتك للمنهج الرباني ولذلك ربي قال وعقّب في ختام الحديث عن آيات الربا بتحذير البشر (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ (279)) فإن لم تفعلوا بترك الربا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، حرب وهي حرب وما يعيشه عالمنا المعاصر اليوم حرب بكل المقاييس، لِمَ الحرب؟ مخالفة المنهج!. سورة البقرة تجيب عن أسئلتي، تجيب عن المعضلات التي دوخت رؤوس العالم اليوم، رؤوس العلماء والمفكرين والنقاد والمحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لِمَ كل المعاناة في العالم المعاصر رغم كل التقدم التقني الذي نحن فيه والعلمي؟ لِمَ المعاناة؟ لِمَ زادت الحروب؟ لِمَ زاد الفقر؟ لِمَ زاد الشقاء؟ لِمَ زادت التعاسة؟ لم زاد الضنك؟ لم زاد التعب؟ لم زاد المرض رغم التقدم في وسائل الطب؟

هذه الأسئلة تجيب عنها سورة البقرة بطريقة واضحة لمن يتدبر في آياتها ويقف عند معانيها

(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) إذن هي الحرب!

الحرب حين أنت يا إنسان تعلن الحرب على المنهج الذي أنزله الخالق إليك ليهديك وينقذك ليسعدك لا ليشقيك، ليعذيك لا ليمنعك ليهديك ليأحذ بيديك نحو الراحة التي تنشد نحو السعادة التي تروم، نحو النعيم الذي تتأمله ولكنك لا تدري كيف تصل إليه

- لعن اللهُ آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيه وكاتبَه قال : وقال : ما ظهر في قومٍ الرِّبا والزِّنا إلا أحلُّوا بأنفسِهم عقابَ اللهِ عزَّ وجلَّ

الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد

الصفحة أو الرقم: 5/309 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

يتبع

https://majles.alukah.net/imgcache/2024/07/24.jpg

امانى يسرى محمد
2025-07-26, 02:51 PM
الجزء الأول من سورة البقرة




(الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ )


إجابة الدعاء، الهداية التي تطلب أيها المسلم وتلحّ على الله بالدعاء أن تحصل عليها، الهداية التي لا سعادة ولا نجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة بعيدًا عنها هي موجودة في هذه السورة العظيمة



(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)


لكي تتحقق تلك الهداية لا بد للقلب الذي يستقبل وينتفع بمعاني الهداية وبأنوارها أن يكون فيه تقوى. والمعنى الواضح الأساس للتقوى أن يسير الإنسان على توقّي، على حذر، ولنا أن نسأل حذر من أي شيء؟ حذر وتنبيه من أن آتي لهذه السورة العظيمة بقلب لا يريد الهداية ولا يطلبها، من قلب مريض، من قلب يأتي إلى القرآن بتراكمات، باشياء مختلفة، بأهواء، لا يطلب الهداية، هذا النوع من القلوب وهذا النوع من التلقي لا تتحقق فيه معاني الهداية،



(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )


الإيمان بالغيب ليست مجرد حقيقة إيمانية فقط غائبة عن الواقع، لا،


هذا الإيمان بالغيب يقودني إلى عبادات، يقودني إلى ممارسة شعائر، سلوكيات، أعمال




(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)


صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر صلاة تجعل من العبادة ممارسة متواصلة للعمل الصالح الذي يريده الله سبحانه وتعالى في حياتي أصبحت الصلاة هنا في حد ذاتها مصدر للهداية التي أبحث عنها وألحّ في الدعاء بطلبها من الله سبحانه وتعالى وتحولت تلك الصلاة إلى عطاء (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الرزق بكل أشكاله، موهبة، علم، عمل، عطاء، خير، مال، جاه، منزلة، كل ما أنا فيه أنا أنفق منه،



(والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)


ليس هناك تفرقة بين الرسالات السماوية ولا بين الأديان وهنا تظهر لطيفة أخرى من لطائف هذه السورة العظيمة أن المؤمن بإيمانه واستهدائه بنور ذلك الكتاب يصبح رسالة ومشروع عالمي للسلام للخير للعطاء لا يقف عطاء ذلك المؤمن المستهدي بنور آيات سورة البقرة عند أمته وعند قومه وعند رسالته وإنما يمتد ليشمل كل البشري




(وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وحين تستقر كل تلك المعاني في نفسي سأصل لمرحلة الهداية (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) وطريق الهداية طريق ممهد ميسر للفلاح والفوز في الدنيا وفي الآخرة ولذا جاء في نهاية الآية (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قطعًا فائزون، فائزون برضى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، فائزون بالسكينة والطمأنينة التي يفتقر إليها كل العالم اليوم،



(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )


خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ




صنف من البشر خُتم وأُغلق على قلبه جزاء بما فعل، الذي فعل أنه سدّ كل منافذ الإدراك قلب وسمع وبصر أمام الاستماع والتلقي لآيات ذلك الكتاب العظيم ولذلك هذا الصنف من البشر القرآن عليهم عمى قرأ، استمع إلى القرآن لا يغني عنه ذلك شيئًا لأن المحل قد أُغلق لأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك قد أُغلق دون تلق آيات القرآن العظيم هذا صنف من الناس لا تنفع معه آيات القرآن العظيم.



وهناك صنف ثالث تقدمه سورة البقرة


(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ )


يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )


صنف يعتبر أن قضية الإيمان نفاق يقول شيئًا ويضمر شيئًا آخر


(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)


هذا الادعاء ولّد في قلوبهم مرض النفاق مرض البعد عن الله عز وجل مرض جعلهم ينظرون إلى الحقائق الماثلة أمام أعينهم على أنها اشياء مغلوطة مكذوبة


هو يقوم بالفساد ولكن لا يراه فسادًا ولا إفسادًا يراه صلاحًا يراه خيرًا


(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ

(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ )

تتضح فائدة الهداية أن يجعل الله لك نورًا في قلبك، نورًا في بصرك نورًا في حياتك، نورًا تهتدي به نورًا ترى به الحقائق كما هي في الواقع، نورًا لا يجعلك ترى الخير شرًا وترى الشر خيرًا، نورًا لا يجعلك ترى الفساد إصلاحًا وإن أجمع الناس على ذلك، نور يجعلك ترى الحق حقًا وترى الباطل باطلًا، هذا الصنف من الناس في تعامله مع القرآن الكريم يقارب الصنف الثاني الذي جاءت الآيات على ذكره يستمع لدعوات المؤمنين بالإيمان




(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ)


ينظرون إلى الأمور بسطحية عجيبة




أعظم خسارة للإنسان في الدنيا والآخرة أن يشتري الضلالة بالهدى. والحديث عن الهدى في سورة البقرة حديث متواصل يضرب الله له الأمثا




(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)


(أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)


والكلام في كل تلك الأمثال عن الغيث عن النور عن البرق لصلته بقضية الهداية


ولذلك ربي سبحانه وتعالى في ختام الآيات قال


(يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) مثل حسي من الواقع


(وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ


إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)


النور موجود في آيات هذا القرآن العظيم لكن لأجل أن تستفيد أنت من ذلك النور عليك أن تفتح ما قد أُغلق من عينيك ما قد أغلق من أبواب في قلبك لكي تفتح المجال لذلك النور أن يدخل في قلبك وفي بصيرتك وفي حياتك أما إن أغلق الإنسان المنافذ أمام ذلك النور فأنّى لنور الهداية أن ينفذ إلى قلب قد سُدّ وقد خُتم عليه؟!



(وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)


القرآن يتحدى غرور الإنسان وعناد الإنسان وتكبره حين يسير بعيدًا عن منهج الهداية، يتحدى غرور الإنسان الكافر المكابر الذي يجادل في الله بغير علم يجادل في آيات هذا القرآن بغير علم فتكون النتيجة قطعًا هي الخسارة



(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)


وفي ذات الوقت وكطبيعة القرآن العظيم


تأتي البشارة في المقابل للمؤمنين الذين استطاعوا أن يحولوا آيات الكتاب إلى عمل صالح


(وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)


(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةًقَالُو اْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)




تأملوا الصلة الواضحة بين الهداية وبين القصة الأولى في سورة البقرة قصة الخليقة


الآيات تحدد وتوقظ الإنسان من البداية لك أن تسأل وعليك أن تسأل نفسك:


لم أنا هنا"لم جئت على هذه الأرض؟ ما هو دوري على هذه الأرض؟ لم خُلقت؟ ما هي الغاية التي لأجلها خُلقت؟



أسئلة مشروعة لا يمكن لعاقل يمتلك وسائل الإدراك والعقل نصيب إلا ويسأل نفسه هذه الأسئلة لِمَ خُلقت؟ والإجابة واضحة بعيدا عن التوهم والخرافات والتضليل



(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)


ما معنى خليفة هنا؟



أن يقوم بمنهج سينزله ربي سبحانه وتعالى على هذا الإنسان، أعطاه مهمة وسلّمه مفاتيح الأمور وسلّه مع المفاتيح المنهج وهنا تظهر (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) إذن الكتاب والمنهج وسورة البقرة وآيات سورة البقرة وغيرها من السور في كتاب الله عز وجل هو منهجك أيها الإنسان، أيها الخليفة ربي سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان بدون منهج أعطاه المنهج وهو هذا القرآن افعل ولا تفعل، إن فعلت كذا يبحدث كذا وإن فعلت هذا ولم تفعل هذا سيحدث هذا، منهج واضح المعالم ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى ذلك المنهج بعيدًا عن العلم لا يمكن أن يتوصل إليه عن طريق الخرافة والجهل والتكهن!



(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)



إذن هذا الحوار الدائر بين الله سبحانه وتعالى وبين الملائكة في قصة خلق آدم عليه السلام حدد مهمتي أنا كإنسان، يحدد المنهج الذي ربي سبحانه وتعالى أعطاه للإنسان قال



(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)



وهنا اتضحت معالم القضية أمام الملائكة وأمام الإنسان الذي يقرأ في هذا الكتاب العظيم.



أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأن يسجدوا لآدم والسجود هنا ليس سجود عبادة وإنما سجود تشريف وسجود تكليف من قبل الخالق الذي أمر وليس من أجل آدم عليه السلام وهذه النقطة مهم جداً لأن إبليس لم يفهم ولم يدرك هذا المعنى، إبليس نظر إلى آدم وإلى تكوين آدم ولم ينظر إلى قضية الأمر الذي جاء من رب آدم ورب الملائكة أجمعين، لم ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية، ضلال!



إبليس الأصل في منهجه الضلال والإضلال وإبليس بطبيعته يُضلّ لأنه في الأصل ضال وقد ضل الطريق وأول ما ضلّ به إبليس هو هذه الجزئية تمامًا: ربي سبحانه وتعالى قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ولكن إبليس لم ينظر إلى الأمر على أنه أمر رباني وبالتالي عليه أن يطيع وإنما نظر إلى جزئيات وتفاصيل، ضلال، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. أما آدم عليه السلام فالقصة بالنسبة له بدأت فصولها بطريقة مختلفة، بطريقة تحدد لي أنا الإنسان اليوم من بني آدم المنهج الذي ينبغي أن لا أحيد عنه في تعاملي مع الله عز وجل وإلا كانت النتيجة نتيجة مختلفة تمامًا. ربي سبحانه وتعالى أمر آدم




(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) اِفعل ولا تفعل، اسكن وكلا منها رغدًا ولا تقربا هذه الشجرة، أمر ونهي تمامًا ككل آيات سورة البقرة والقرآن العظيم افعل ولا تفعل، وأعطاني مثالًا كعادة القرآن العظيم وأسلوبه العظيم ماذا تكون النتيجة حين تخالف أمر الله عز وجل حين يقول لك افعل ولكنك لا تفعل وحين نهاك ويقول لك لا تفعل ولكنك تفعل، النتيجة كارثية تمامًا


وهذا ما حدث مع آدم عليه السلام وحواء (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) تأملوا في دقة اللفظة القرآنية!
القرآن ليس كغيره من الكتب التي حُرفت من قبل أصحابها كالتوراة والإنجيل



توقع الخطيئة وتُلحقها بحواء وتقول إن حواء اشتركت مع الشيطان في إضلال آدم! أبدًا!



(فَأَزَلَّهُمَا) آدم وحواء كلاهما أخطأ كلاهما وقع في الزلل كلاهما لم يقفا عند الأمر الإلهي من الله عز وجل (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ



وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ




القصة الأولى، المغزى الأساس من القصة الأولى تعطيني الدرس الأول أن تعاليم القرآن التي وردت في السورة وفي سور أخرى لا تقف منها موقف المتفرج ولا موقف المخالِف وعليك أن تستحضر العواقب والنتائج المترتبة على مخالفة المنهج والأمر الإلهي، من أول سورة، سورة البقرة تربيني وسورة البقرة تعلمني ولنا أن نربط مع واقعنا ومع مجتمعاتنا ومع سلوكياتنا، كل ما يحدث في واقعنا على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي كل ما يحدث من كوارث ومن مشاكل ومن مصائب إنما هي نتيجة واضحة تمامًا لمخالفات من قبلنا مخالفات في المنهج مخالفات لذلك المنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى كل ما يحدث وبالتالي أنا لا ينبغي أن أوجه اللوم إلى هذا أو إلى ذاك أول من ينبغي أن يوجه إليه اللوم هو نفسي التي خالفت نفسي التي عصت نفسي التي لم تقف عند المنهج وعند الأوامر ولذلك جاءت الآيات تتحدث عن التوبة



(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)



الطبيعة البشرية طبيعة الإنسان وقابليته لأن يزلّ وقابليته لأن يخالف وقابليته أن يبتعد عن منهج الله ومع تلك القابلية رحمة الله عز وجل أوجدت له الباب العظيم الباب الذي لا يغلق أبدًا باب التوبة (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) والرب الذي تاب على أبينا آدم هو الرب الذي لم يزل ويبقَ قاتح أبواب التوبة لنا جميعًأ يفتح الأبواب لنا جميعًا دعوة مفتوحة كلما أخطأت لا تزدد خطأ بأن تبتعد أكثر عن الله عز وجل ولكن عالج الخطأ بخطوة صح وهي التوبة والتراجع عن الخطأ وهذا بالضبط الفارق الجوهري الذي حدث بين آدم وإبليس، آدم وإبليس كلاهما أخطأ ولكن الفارق أن إبليس أصرّ على خطئه ولم يتراجع ولم يعترف بالذنب ولم يتب فبقي على ضلاله أما آدم أخطأ فاعترف بذنبه وتراجع عن الخطأ وتاب عن ذلك الخطأ




ومنذ تلك اللحظة بدأ النزول على هذه الأرض



(قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)




قاعدة أساسية حين نزل آدم وبدأت الحياة البشرية على هذه الأرض لم يترك الله عز وجل آدم بدون منهج




(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)



لديك منهج، سِر على ذلك المنهج فيه هداية ذلك المنهج سيهديك إلى حياة في الدنيا وفي الآخرة خالية من الخوف خالية من الحزن خالية من الاكتئاب والقلق والمتاعب النفسية المتزايدة التي يعاني منها إنسان العصر الذي لم يدرك أبسط جزئيات هذه المعضلة التي يعيشها ويعاني منها البعد عن المنهج البعد عن الهداية، الضلال



(وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

امانى يسرى محمد
2025-07-27, 07:14 PM
ثم تبدأ الآيات من الاية 39 إلى نهاية الجزء الأول من سورة البقرة تقريبًا في تقديم نموذج حيّ نموذج بشري نموذج لأمة من الأمم ركزت عليها سورة البقرة العظيمة أوضحت جواني مختلفة ومواقف من حياة تلك الأمة في تعاملها مع المنهج الرباني الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إليها وأرسله إليها عبر رسلها وأنبيائها بنو إسرائيل (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) مباشرة بعد قصة آدم وقصة الخليقة على الأرض بدأت قصة بني إسرائيل. سورة البقرة حيت تقدم المواقف المختلفة لبني إسرائيل وكيفية تعاملهم مع المنهج الرباني ومع الميثاق والعهد الذي كان بينهم كبشر وكأمة أُنزل عليها كتاب وأُنزل إليها رسل وبين الله سبحانه وتعالى إنما تقدم نموذجًا لهذه الأمة أمة القرآن لكي تستفيد من المواقف التي وقعت في بني إسرائيل وتأخذ منها الدروس وتتعلم العبر وتحاول ألا تقع في المواقع والزلات والأخطاء والعثرات التي وقع فيها بنو إسرائيل من قبل.

التاريخ حين تعرضه سورة البقرة ويعرضه القرآن ليس لأنه تاريخ ولكن لأنه درس ومن لا يحسن قرآءة الماضي والتاريخ لا يمكن له أن يتعلم ويعرف كيف يعيش الواقع وكيف يستشرف المستقبل.

قصة بني إسرائيل حاضرة بوضوح في مواقف متنوعة في سورة البقرة العظيمة مؤكدة على أن كل ما يحدث للأمم وللأقوام إنما هو نتيجة طبيعية تلقائية لكيفية تعاطي تلك الأمم مع المنهج الذي أُنزل من ربها سبحانه وتعالى.

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)
وأعظم نعمة ينعم الله بها على الإنسان ونعمه كثيرة نعمة أن ينزل عليه منهج، أن يعطيه منهجًا يقول له افعل ولا تفعل، اذهب من هذا الطريق ولا تذهب من هذا الطريق لأنه مغلق ولا يؤدي بك إلى نتيجة، المنهج

(اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)
ربي سبحانه وتعالى أوفى من أعطى عهدًا سبحانه وتعالى ومن يوفّ بعهد الله ويوفي بالتزاماته أمام خالقه تكون النتيجة الطبيعية أن الله سبحانه وتعالى يوفي له بعهده.

وتأتي الوصية العظيمة والوصية تحمل الكثير من المعاني لبني إسرائيل أن رسالات الأنبياء من عهد آدم إلى خاتمة الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم رسالة واحدة تدعو إلى التوحيد وتأمر بالخير والعمل الصالح غير مجزأة رسالة لا تعمل حساب للولاءات ولأقوام وعنصريات لا تعمل حساب لعطاءات الدنيا المختلفة لأنها رسالة إيمانية رسالة التزام مع الله عز وجلت

(وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)
رسالة النبي صلّ الله عليه وسلم، وصية الله عز وجل لتلك الأمة أمة بني إسرائيل أن تؤمن بالرسالة التي جاء بها النبي صلّ الله عليه وسلم لأنها تتمة لرسالة موسى وعيسى عليهما السلام وجميع من سبقهم من الأنبياء الرسالة واحد لا تفرّق لأن ما يفرّق ليس الدين والرسالات وإنما ما يفرّق بين البشر الأهواء والأطماع والحسابات الشخصية المادية. ولذا جاء كثيرًأ في سورة البقرة

(وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)
البيع والشراء والمتاجرة الكارثة الكبرى حين يتحول الدين إلى متاجرة يتاجر به من يمكن أن يُعرف برجالات الدين كما حدث مع بني إسرائيل، التحذير واضح، ولم يتاجر به هؤلاء؟ لأجل مصالحهم الشخصية

(وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (174) البقرة)

ويتكرر ذلك في سورة البقرة كثيرا.


(وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

صورة أخرى من صور المتاجرة بالدين والوصية واضحة كما ذكرنا،
الخطاب في سورة البقرة يأتي لبني إسرائيل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الخطاب موجّه للمسلمين، الخطاب موجّه لكل الأمم
(وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

لا تكتم الحق حين يكون الحق عليك وتُظهره حين يكون لك، لا تُخضِع الحق لحساباتك الشخصية المادية،

الحق لا يخضع لأهواء شخصية، الحق لا يخضع لمصالح شخصية، الحق لا يخضع لمصالح.

وعلينا اليوم ونحن نرى وننظر إلى العالم لأن الغرض من قرآءة القرآن العظيم أن أنظر إلى هذا القرآن وأن أقرأ به واقعي وأتعلم لكي أصحح وأعدّل وفق المنهج الرباني في كتاب الله.

السبب فيما يحدث في عالمنا اليوم وواحد من أعظم أسبابه أن الإنسان المعاصر أصبح يتاجر وبيبع ويشتري بالحق والباطل! يحق الحق حين يكون الحق إلى جانبه حين يكون الحق في تحقيق أغراضه وأطماعه الشخصية وحين يكون الحق مخالفًا لأهواء نفسه ولمصالحه الشخصية يسارع بكتمانه ويسارع بلبس الحق بالباطل وهو ما تحذّر منه هذه الآيات العظيمة.

تستمر الآيات في تقديم معالم في طريق الهداية في كيفية عرض وتقديم معالم المنهج الرباني في سياق الحديث عن بني إسرائيل وتستمر الوصايا بـ(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) وهنا لنا وقفة في هذا المجال: الأمر بالعبادة من صلاة ومن زكاة يأتي في سياق الحديث عن التعامل في عرض وتقديم الدين والمنهج لأن كل العبادات في الأديان السماوية جاءت لترتقي بالنفوس، جاءت لتخلّص النفوس والقلوب من شوائبها، جاءت لتكون عونًا للإنسان على الارتقاء بالإنسان بسلوكياته وطريقة تعامله مع الأحداث

(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)؟


ثم في الآية التي تليها مباشرة يعيب باستنكار عن من يأمر بالمعروف وينسى نفسه وينهى عن المنكر ويأتيه الوضية خاصة بمن يمكن أن نطلق عليهم رجالات الدين

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)

كان من الأجدر والأحوط والذي ينبغي أن يكون الصورة المثالية التي ينبغي أن نسير عليها في حياتنا أن تكون العبادة التي أمارسها في حياتي مصفاة تصفي الشوائب التي تعلق بسلوكي وأفعالي وتصرفاتي وبالتالي تنعكس تلك العبادة على كيفية التعامل مع المعروف ومع المنكر أنا لا يمكن أن أنهى الناس عن أفعال وتصرفات ولكني في نفس الوقت أمارس نفس التصرفات الازدواجية بمعنى آخر ومرض الازدواجية مرض يصيب الكثير من رجالات الدين وقد أصاب الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى ويصيب الكثيرين.

هذا المرض يجعل الإنسان يتصرف بعيدًا عن نفسه لا يرى العيوب المتواجدة في نفسه وفي شخصه وإنما ينظر إلى عيوب الآخرين ينظر إلى تلك العيوب ويحاول أن يتحدث عنها في منأى عن نفسه وكأنه قد أعطى لنفسه حصانة ضد تلك العيوب وبالتالي يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتي ذلك المعروف ينهى عن المنكر وقد يكون هو أول المسارعين للقيام بذلك المنكر والقرآن يعتبر ذلك نوعًا من البعد عن العقل

(أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).

كيف يصبح واقعي وتعاملي وحياتي الخاصة في أسرتي وفي مجتمعي
تصبح مرآة لما أدعو الناس إليه، تواصل، وجهان لعملة واحدة،
كيف يصبح هذا التساوي بين ما يظهره الإنسان علانية أمام الآخرين وبين ما يسرّه ويبطنه في واقعه وتعامله، كيف يصبح هذا الأمر؟
كيف يصبح هناك تناغم وتناسق بين السر والعلن،
كيف يصبح العلن انعكاسًا لما يخفيه الإنسان في سرّه من نقاوة وصفاء، المنهج الرباني كيف يصبح ذلك؟
الآيات تقدم لي الوصفة

(واستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)
الصبر أن أتحلى بالصبر بطول النفس أن أتحلى بالقدرة على مجاهدة النفس، أن أتحلى بالقدرة على أن أرتقي بنفسي الأمر يحتاج إلى صبر والصبر على الطاعة والصبر على التحلي بالصفات الحسنة والأخلاق الطيبة من أعلى درجات الصبر ولذلك جاءت الوصية به.

والصبر لا ينفك عن الصلاة وهنا لنا أن نتوقف عند هذه ونستحضر المواقف التي كان يعيش بها النبي صلّ الله عليه وسلم الصلاة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد أداء فريضة لم تكن عبئًا على عاتقه يريد أن يتخلص منه، أبدًا، كان صلّ الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة كان ينادي على بلال فيقول أرحنا بها يا بلال، يا ترى كيف تمكن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أن يحوّل الصلاة، العبادة، الفريضة إلى مفزع وملجأ وكهف يأوي إليه حين تأتي عليه المحن؟ كيف؟

لكي اصل بصلاتي إلى تلك المرحلة أحتاج أن أستحضر الخشوع في صلاتي ولكي أمارس الخشوع الذي هو روح الصلاة ولب الصلاة وأجعله جزءًا لا يتجزأ من صلاتي، من ركوعي، من سجودي، من قيامي من خضوعي الخشوع، لكي أصل إلى هذه المرحلة علي أن أتيقن تمامًا من لقاء الله سبحانه وتعالى

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
الصلاة لقاء بين العبد وربه، أنت تناجي الله عز وجل في صلاتك أنت تخاطبه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

إذن هذا النوع من الصلاة الذي يرتقي بأخلاقيات الإنسان ويرتقي بسلوكياته هو هذه الصلاة

امانى يسرى محمد
2025-07-27, 07:26 PM
من أعظم عطاءات التوحيد أنه يحرر الإنسان من أسر الشهوات المادية يحرره من الوقوع في سلطان النزوات والشهوات من مال من جاه من ركض وراء طعام أو شراب، التوحيد يحرر الإنسان من هذا كل

ولكن الإشكالية التي وقع فيها بنو إسرائيل من مواقفهم التي ذكرتها سورة البقرة أنهم ما استطاعوا أن يتخلصوا من الأسر، من العبودية، نفسية العبيد كانت ملازمة لهم على الرغم أنهم تحرروا من فرعون هم كانوا عبيدًا لدى فرعون ولكن الحرية لا تكون فقط بكسر القيود المادية.


أعظم أنواع الحرية التي صنعها التوحيد في نفوس أتباعه أنه حرّرهم تحريرًا معنوياً أصبحوا أحرارًا ما باتوا عبيدًا لشهوة من مال أو طعام أو شراب أو منصب أو ما شابه.


الآيات تتحدث عن موقف من المواقف التي مر بها بنو إسرائيل، طلبوا من موسى عليه السلام أن يستسقي لهم الله عز وجل وقد فعل موسى عليه السلام وربي سبحانه وتعالى قدّم لهم معجزة مادية عاينوها بأعينهم رأوا الماء وهو يتفجر بين أيديهم وربي سبحانه هنا وجّه لهم الأمر الإلهي


(كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60))


ولكن ماذا كانت النتيجة لم يتوقف بنو إسرائيل عند ذاك الأمر الإلهي، المنهج الرباني، وإنما ولكن وقفوا عند شيء آخر شيء مادي وقعوا في الأسر من جديد، وقعوا في الأسر لأن التوحيد الذي كان في قلوبهم لم يلامس شغاف القلوب، التوحيد الذي كان في قلوبهم كان توحيداً ضعيفاً كان توحيدًا ما استطاع أن يحرّرهم التحرير الحقيقي من سلطة الشهوات المادية فكانت الإجابة مقابل ذاك الأمر الإلهي الرباني على لسان موسى عليه السلام أن يا موسى



(لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ


مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)



الأشياء والأطعمة وأنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها عند فرعون وهم عبيد، لم ينظروا إلى عطاء الحرية وتنسّم الحرية بكل معانيها وإنما نظروا إلى الفُتات تشوّقت أنفسهم وتطلّعت إلى الأطعمة التي كانوا يأكلونها وهم عبيد، ولم يتشوّقوا ويتطلّعوا إلى الحرية التي يتنعمون بها والتي أنقذهم لله سبحانه وتعالى من خلالها من أسر فرعون.


الحرية لها ثمن، الآيات تعلمنا هنا أن الحرية لها ثمن وأن الحرية حين تُعطى وتوهب لأمة من الأمم ينبغي لتلك الأمة أن تكون على مستوى عطاء الحرية على مستوى التضحية على مستوى البذل الآيات تربي المجتمع الأول والمجتمعات المسلمة. الآيات آيات سورة البقرة نزلت كما تكلمنا وذكرنا على مدى سنوات التي عاشها المسلمون في المجتمع المدني الأول بناء الدولة، الآيات تريد أن تربي فيّ معاني التضحية والحرية بأوسع فضاءاتها ونطاقاتها الحرية ليست كلمة الحرية ليست مجرد شعار نطالب به الحرية ليست ادّعاء الحرية أن تتحرر في داخل نفسك من أسر شهواتها أن تنفض عنك قيودها أن تصبح عبداً لله وحده دون سواه، التوحيد، الحرية تساوي التوحيد بأبهى صوره وحلله




بنو إسرائيل لم يتحرروا، بنو إسرائيل صحيح خلّصهم ربي سبحانه وتعالى من أسر فرعون ولكنهم ما استطاعوا ولكنهم لم يتخلصوا من أسر الشهوات المادية اشتاقوا لطعم العبودية اشتاقوا للشهوات المادية التي كانت متكرّسة متأصّلة في نفوسهم فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت من جزاء العمل
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (61))
نتيجة طبيعية تمامًا نتيجة لكفرهم نتيجة لطريقة تعاملهم مع المنهج الرباني المتمثل في التوراة،
ربي سبحانه وتعالى أنزل لهم منهجًا وحين يقابل الإنسان المنهج الرباني بالكفر والجحود والعناد والمعصية تلو المعصية والمخالفة مع التي تليها ومحاولة التحايل على النصوص والتلكؤ في اتباع أوامر الله سبحانه لا يمكن أن تكون النتيجة مغايرة (وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61)) الذلّة أن يصبح الإنسان أسيراً سواء كان إنسان كفرد أو كشعوب، أن تقع الشعوب في الأسر من جديد في الذل، في الخضوع، في المسكنة. الشعوب بأسرها

ونحن نرقب اليوم ما يحدث في العالم ويدور حولنا الشعوب قد تكون حرة في الشكل في الظاهر ولكنها ربما تكون أسيرة وواقعة في الأسر هذا نوع من أنواع الذلة التي تتحدث عنها سورة البقرة.
الحرية لا تعني أن لا تكون هناك قيود في يدي فحسب، الحرية المادية، الحرية تعني أن أكون حرة كفرد أو كمجتمعات وشعوب في اتخاذ القرار، في الرؤية، في النظر، في التصور، في التطلع، في الأهداف، في تنفيذ الأهداف، هذه هي الحرية. الحرية أن تتخلص من سطوة البشر سواء كانوا فرعون أو غير فرعون الحرية أن تكون فعلًا عبداً لله سبحانه ولا تكون عبداً لأحد سواه.


هذه المعادلة لم يدركها بنو إسرائيل ووقعوا في مخالفات مخالفات أخرى
ولذلك جاءت الآية العظيمة التي بعدها لتقرر
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))

إذا أردت الحرية الحقيقية فهي في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي يجعل منك إنساناً حراً طليقاً ويضمن لك الأجر والثواب في الآخرة. ولذلك تأملوا معي نهاية الآية (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) الخوف والحزن، الخوف والحزن هي ضريبة يدفعها الإنسان الأسير، يدفعها العبد إزاء قابليته للاستعباد لغيره، الخوف والحزن. ولنا أن نتوقف في كل ما يحدث في عالمنا المعاصر اليوم، ما هي السمة الغالبة على مجتمعاتنا المنكوبة؟ خوف وحزن! خوف بأشكاله المتعددة المتنوعة، خوف على الأرزاق، خوف لغياب الأمن، خوف على المستقبل، خوف على الحياة، خوف، خوف، خوف، الخوف بأشكاله وحزن لا يمكن أن ينفك عن منظومة الخوف، عذاب! لِمَ جاء الخوف والحزن؟
البعد عن المنهج وبالتالي الآية تقول
(مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))
في الدنيا والآخرة.
وحتى ما يصيب الإنسان المؤمن في الدنيا من خوف أو من حزن في بعض الأحيان هو خوف وحزن نسبي بسيط لا ينفكّ عن المشاعر الإنسانية، أما أن يصبح الخوف والحزن كما هو واقع في مجتمعاتنا المعاصرة حالة ملازمة للأمم وللشعوب هذه قضية ينبغي أن نتوقف عندها.
وبمفهوم المخالفة في الآية أن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر سيكون الحزن والخوف عنده حالة ملازمة لا ينفكّ عنها ولا يستطيع التخلص من أسرها وهذا ما حدث ويحدث حين يخالف الإنسان فرداً كان أو شعباً المنهج الإلهي الرباني.

وتعود الآية من جديد في سياق الحديث عن بني إسرائيل لتؤكد أن الإشكالية الكبرى في بني إسرائيل ومواقفهم المتعددة التي تتناولها سورة البقرة إنما كانت تكمن في مخالفة المنهج الرباني ((خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (63)) الوصية ليست لبني إسرائيل فحسب، الوصية لي (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) ثم حين لا يحدث هذا الأخذ بقوة تكون النتيجة الطبيعية
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64))
التولي والإعراض عن المنهج الرباني، الوقوع في إشكالية التعامل معه التي وقعت في بني إسرائيل

امانى يسرى محمد
2025-07-29, 05:35 PM
بني إسرائيل أمرهم ربي عز وجل أن لا يعملوا في السبت كما ورد في سور أخرى وآيات أخر في كتاب الله عز وجل هذا أمر رباني أمر إلهي ولكن ماذا فعلوا?


فئة من بني إسرائيل اعتدوا على الأمر الرباني والمنهج الرباني فماذا كانت النتيجة؟

أن الله سبحانه وتعالى مسخ تلك الفئة التي تعدّت المنهج الرباني وسواء كان المسخ حقيقياً

(فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65))

أو مسخًا معنوياً بمعنى أن يتحول الإنسان عن هذا المنهج إلى صورة مغايرة تماماً صورة ممسوخة صورة لا يليق بها أن تتلقى المنهج الرباني. في كِلا الأحوال كانت الخسارة هي الملازمة والملاحقة لهم

(فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66))

آيات، علامات، دلائل ربي سبحانه وتعالى في هذا الكون والمجتمع يُري الإنسان والأمم والشعوب آيات يُري العواقب والنتائج التي تترتب على الإنسان حين يخالف المنهج الرباني


الإنسان فرد أو شعب حين يخالف المنهج الرباني هناك عقوبة مترتبة والعقوبة قد تكون فردية وقد تكون جماعية وقد حدثت في أولئك الذين تجاوزوا الأمر الرباني مع بني إسرائيل. تنتقل الآية إلى موقف آخر من مواقف بني إسرائيل لتعرض وتقدم لنا نموذجًأ آخر نموذجًا من الإعراض نموذجًا من التحايل في التعامل مع المنهج الرباني موسى عليه السلام أمرهم بأن يذبحوا بقرة

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67))

قصة، حادثة وقعت، قصة قتل حدثت في بني إسرائيل وحين أراد موسى عليه السلام أن يكشف عن هوية القاتل فكِلا الفريقين أراد أن يرمي باللائمة على الفريق الآخر وربي سبحانه وتعالى أراد أن يكشف لهم الحقيقة فأمر موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة، واضح الأمر، ولكن ما تعودوا عليه في التعامل مع الأوامر الربانية والوحي الإلهي التلكؤ في اتباع الأمر، التحايل، كثرة المماطلة، كثرة السؤال، كثرة القيل والقال، لمَ؟ وماذا؟ وكيف؟ لا لأجل أن يفهموا ولا لأجل أن يتفقهوا في الدين ولكن لأجل أن يتفيقهوا، بمعنى لأجل أن يبرروا لأنفسهم التحايل، لأجل أن يتباطؤا في اتباع المنهج الرباني مدلف خطير جداً سياق الآيات تحدثني وتحذرني من الانجرار فيه والإنسياق نحوه، أن أتعامل مع المنهج الرباني واِفعل ولا تفعل بنيّة التحايل والمماطلة وليس بنيّة المتابعة وعدم المخالفة.


السؤال عن الحكمة والقصد وراء التشريع الإلهي لا شك أنه قد يكون في بعض الأحيان أمر مشروع ولكن بشرط ألا يكون بنيّة التهرّب من ذلك الأمر وإنما بنيّة الفهم بنيّة الوعي بنيّة الخضوع والإنسياق للأمر الرباني. العبادة، أصل العبادة أن أكون عبداً خاضعاً لله سبحانه منقاداً لأمره، في بعض الأحيان قد أفهم الحكمة وفي بعض الأحيان قد لا أفهم وفي كلتا الحالتين فهمت الحكمة من وراء الأمر الرباني أم لم أفهم عليّ الاتباع والانقياد والخضوع.


هذا لم يحدث في قصة البقرة مع بني إسرائيل أول كلمة ردّوها على موسى عليه السلام (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا (67)) الكلام مع نبي! وتأملوا معي في سوء الأدب في التعامل مع المبلِّغ عن المنهج، النبي، الأنبياء (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)! ثم المماطلة

(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (68))

(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا (69))

(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (70))

كل هذه الطلبات ما كانت لأجل الإنقياد والخضوع وتنفيذ الأمر الإلهي

وإنما عملية مماطلة فماذا كانت النتيجة وكيف كانت العاقبة وراء تلك المماطلات؟

أن الله سبحانه وتعالى كشف التزوير والكذب والاحتيال الذي وقعوا فيه

https://majles.alukah.net/imgcache/2024/07/34.jpg (http://alfaris.net/up/89/alfaris_net_1385843747.jpg)


(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى (73))

الغرض من سياق البقرة وقضية ذبح البقرة أن يُضرَب بها هذا القتيل ليعيده الله سبحانه وتعالى بقدرته إلى الحياة من جديد فيشهد على من قتله، على القاتل،

هذا كان الغرض وذلك لعدة أمور منها إعطاء صورة حية حسية لبني إسرائيل الذين كانوا مولعين بالحس وعدم الإيمان بالغيب، بقدرة الله سبحانه وتعالى على الإحياء وعلى الإماتة وعلى البعث، اختبار لإيمانهم وابتلاء لمسارعتهم في اتباع المنهج الرباني وهذا لم يحدث ولم يحدث شيء من ذلك!

فكانت النتيجة الطبيعية لهذه القصة ولذاك الموقف مع بني إسرائيل أن أحدث الله في قلوبهم قسوة


(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (74))

القسوة في القلب عقوبة، وهي مرض يجعل القلب متصلبًا متلبدَ الحسّ لا يشعر بالآيات ولا بالمواعظ حين تمر أمام عينيه، العين تتصلّب فيها الدموع، تجف فيها المآقي، لا تعد قادرة على أن تدمع

ونحن نعلم جميعاً أن البكاء من خشية الله عز وجل من النعم العظيمة التي ينعم الله عز وجل بها على الإنسان وأن جزاءها أن تُحرّم النار على تلك العين التي بكت من خشيته سبحانه. ولكن الحال في بني إسرائيل كان العكس تماماً كان عقوبة والعقوبة لا تأتي إلا على مخالفة ومعصية. المماطلة في اتباع المنهج الرباني الذي أتى به موسى عليه السلام التراجع، التخاذل، التحايل، كل ذلك في التعامل مع المنهج الرباني كانت العقوبة من جنس العمل، قسوة!


(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَة (74)) في صلابتها

(أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (74)) من الحجارة (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)) الحجارة كما يقول ربي عز وجل في سورة أخرى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر)


ثم تنتقل الآيات إلى موقف آخر من مواقف التعاطي مع المنهج والكتاب أيضاً من بني إسرائيل،
التحريف، التحريف بكل أشكاله وصوره، تحريف معنوي وتحريف حسّي.

أما المعنوي فهو ما أخبر عنه الله عز وجل حين قال
(أَفَتَطْمَعُون أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَه ُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ (76))
الازدواجية، النفاق، التحريف، جعل الدين بضاعة وتجارة، أُظهِر من الآيات ما يتناسب مع مصالحي الشخصية، أستشهد بالآيات التي تخدم وتحقق أغراضي وأطماعي ولكني أغضّ الطرف وأنسى الآيات التي لا تأتي في مصالحي الشخصية ولا في إطار تحقيق أهوائي وأطماعي وأغراضي، موقف خطير جداً يحقق النفاق يجسد الإزدواجية في التعامل مع كتاب الله عز وجل ومع المنهج! أعرف شيئاً ولكني أعمل شيئاً آخر، أعرف أن الحق ليس في ما أفعله ولكني أفعل الباطل وأمارسه، إزدواجية! ولا بأس أن أدّعي أنني من أنصار الحق كما فعل هؤلاء القوم من بني إسرائيل
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَه ُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (76)) إزدواجية، ادِّعاء. ولكن هل يغني ذلك الادّعاء في التعامل مع الله عز وجل؟!

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/07/59.jpg (https://pbs.twimg.com/media/CainDsMWIAAUOzZ.jpg)

تأملوا معي الآية
(أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77))
السرّ عنده علانية، إياك أن تتعامل مع الله عز وجل دون أن تحقق هدف النقاوة في باطنك وفي سرّك،
إياك من الإزدواجية في التعامل مع الله عز وجل لأني أنا لا أستطيع أن أخفي شيئًا عنه سبحانه إن نجحت في إضمار الباطل وإخفاء الحق على الناس لن أنجح في ذلك مع الله عز وجل لأنه ببساطة شديدة لأن
(أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)).

أما النوع الآخر أو الشكل الآخر الذي يحذّرني منه القرآن في التعامل مع المنهج والكتاب تحريف من نوع آخر، التحريف بمعنى أن أعلم الكتاب قراءة أو تلاوة فقط بالألفاظ أما بالعمل فالأمر مختلف وتأملوا معي الآية
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78))
ولذا قال جمعٌ من المفسرين في هذه الآية لا يعلمون من الكتاب إلا التلاوة والقراءة أما التدبر أما التفقّه أما التفهم أما التنفيذ أما التطبيق فهذا شيء بعيد تماماً عن اهتمامهم. هذا النوع الأعوج من التعال مع المنهج الرباني ومع الكتاب هو نوع من التحريف وقد حدث كذلك في بني إسرائيل




أما النوع الحسّي فأن يكتب ويحرّف آيات الكتاب تحريفاً بيديه

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (79))

وتأملوا نهاية الآية

( لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79))

متاجرة بالدين!

يحرّف على هواه يتّبع الهوى يُخضِع الدين والمنهج الرباني لأطماعه الشخصية مدلف خطير جداً جدًا.

وغالب ما يحدث اليوم في المجتمعات في المتاجرة بالدين النتائج الوخيمة

التي تترتب على ذلك لا يعلم مداها إلا الله!

حين يتحول الدين إلى قضية تجارية،

إلى هوى نفس حين أشتري وأبيع،


ولذلك كلمة (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79)) جاء ذكرها في سورة البقرة كثيرًا جداً، لماذا؟

للتحذير من هذا المنهج الخطير.

الدين لا ينبغي أن يخضع للبيع ولا للشراء، الدين جاء ليحكم حياتي وحياتك، الدين جاء لكي يُخضع قلبي ومصالحي له ولأحكامه وأوامره وليس لأجل أن أُخضعه أنا لنقاط ضعفي ونزواتي وأطماعي وشهواتي!

ماذا كانت النتيجة؟

(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79))


المال الحرام الذي يُكتسب وإن كان كثيراً من جرّاء المتاجرة بالدين والمصالح الشخصية سيكون وبالاً على صاحبه، وهذا بالفعل ما حدث في بني إسرائيل. ومن جديد تنتقل بي الآيات إلى ذلك الميثاق إلى المنهج الرباني المنهج الواحد الذي جاءت به لكل الشرائع السماوية، التوراة جاءت بشرائع عظيمة لأنها من الله عز وجل والإنجيل جاء بتعاليم ربانية عظيمة والقرآن جاء بتعاليم ومبادئ في غاية العظمة

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83))

التوحيد الأساس

(وبالوالدين إِحْسَانًا)

برّ الوادين

(وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))

الشرائع السماوية واحدة، كل الرسالات السماوية جاءت بالتوحيد، جاءت بالقيم العظيمة، جاءت بالأمر بالإحسان للوالدين والأقارب وقول الخير وعمل الخير والصلاح والبرّ والمعروف، جاءت بعبادات ترتقي بصاحبها في مرحلة السلوك والتطبيق والتعامل مع الآخرين هذه الشرائع التي لا يختلف عليها اثنان كيف كان الموقف منها؟!

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))


. وتنتقل بي الآيات إلى نوع آخر من الأزدواجية في التعامل مع الآيات والمنهج الرباني أن يؤمن الإنسان ببعض الكتاب ويكفر ببعض، من جديد إخضاع المنهج الرباني للمصالح، للأهواء الشخصية، للأطماع (أفتؤمنون بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85))

المنهج الرباني عليك أن تأخذه جملة وتفصيلاً، عليك أن تأخذ كل ما فيه لكي يحقق الثمار المرجوة في الواقع وفي المجتمع أما أن تطبّق جزئية منه وتترك الجزء الآخر هذا اعوجاج في الأخذ به، هذا لا يمكن أن يؤدي الغرض أبداً. الكتاب عليك أن تأخذه بكلّه، بكل أوامره ونواهيه وأن تخضع بقلبك وقالبك ومجتمعك لذلك المنهج الرباني،


ولذلك من جديد تأملوا معي كم مرة يأتي الكلام عن البيع والشراء

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ (86))

باع واشترى باع آخرته واشترى دنياه بثمن بخس

(فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)).

والقضية لأنها قضية خطيرة جداً وتحدث ليس فقط مع بني إسرائيل، تحدث في المسلمين، تحدث في النصارى، تحدث في أقوام متعددة لذلك القرآن وقف عندها في سورة البقرة طويلاً:

لا تبع وتشتري بالدين، المتاجرة
ولكن الإنسان حين يقسو قلبه كما حدث في بني إسرائيل نتيجة لمخالفة المنهج الرباني يصبح ذلك القلب أقسى من الحجارة فتمرّ عليه المواعظ في كتاب الله ويسمع الآيات بأذنيه ويراها في واقعه بعينيه ولكن لا تحرك فيه قلباً، لا تحرك فيه ساكناً، لا تجعل القلب يتحرك باتجاه تلك الآيات العظيمة فيخرّ مؤمناً خاضعاً لها، لا تحرّك فيه بواعث الخشية من الله عز وجل التي هي من أعظم أعمال القلوب.

وكل الآيات وهي تتحدث عن بني إسرائيل إنما هي تحذّرنا نحن اليوم من أن نتعامل مع منهج ربنا وكتاب ربنا بهذا الشكل وبهذه الصورة لأن النتيجة لن تكون مغايرة لما حدث مع بني إسرائيل

امانى يسرى محمد
2025-07-30, 07:51 PM
https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://img.el-wlid.com/imgcache/2014/04/823924.gif&key=18765ce72d03bd115b57678098 a0e5d17e5c1296920ebeb8525a6f05 fd1bd550 (http://img.el-wlid.com/imgcache/2014/04/823924.gif)
تعود الآيات من جديد لتتحدث عن موسى عليه السلام والكتاب
(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (87))
الرسالات واحدة ولكن الإشكالية في تعاملكم مع تلك الرسالات
(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87))
(بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ)
وتأملوا معي هذا هو السبب، ليس السبب أنك غير مقتنع بالمنهج الرباني، ليس السبب في مخالفة بني إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به موسى عليه السلام أنهم لم يكونوا على قناعة أو دراية بذلك المنهج، أبداً.
السبب أنه قد جاء بما لا تهوى أنفسكم!
هوى النفس، أخطر الأمراض في التعامل مع المنهج الرباني هوى النفس ولذلك القرآن يحدثني في آيات عديدة فيقول (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) الهوى قد يصبح إلهًا يُعبَد من دون الله!
والمطلوب من الدين أن تتحرر من هواك، أن تتحرر من أي سلطان إلا الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل،
هذا مطلب رئيسي.

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88))
لعن، بدأ الجزاء على ذلك العناد والجحود والإنكار والتعامل السيء مع المنهج الرباني.
فيا ترى كيف كان استقبال بنو إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟
كيف كان استقبال بني إسرائيل للمنهج الذي لم يكن يختلف في أساسه عن ما جاء به موسى عليه السلام؟ منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في القرآن

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (89))
وهم في الأصل كانوا يستفتحون على الناس في المدينة، على العرب ويتباهون ويتفاخرون أنه قد أظلّنا زمان سيظهر فيه لنا نبي جديد من أنبياء بني إسرائيل، كيف كان موقفهم؟ .
عرفوا بأنه هذا هو الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم حقاً
عرفوا بذلك ولكنهم تجاهلوا تلك المعرفة، لماذا؟
لأن تلك المعرفة قد تناقض ما تهواه أنفسهم وتتشوف إليه ولذا القرآن قال
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِين َ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90))

هذه هي الحقيقة، هذه هي النتائج التي ترتبت على ذلك التعامل الأعوج مع المنهج الرباني من قِبَل بني إسرائيل، المتاجرة بالدين لا يمكن أن تكون لها نتيجة أخرى ولذلك عادت الآيات من جديد في الآية 92 تقول (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) تذكّرهم (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) إن كنتم لا تريدون اتباع النبي صلّ الله عليه وسلم لأنه ليس من بني إسرائيل فما تقولون على النبي موسى عليه السلام الذي أرسله الله إليكم؟ وعلى الرغم من ذلك اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون! كيف تفسّرون ذلك؟! وكيف تفسّرون أن الله قد أخذ الميثاق عليكم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ) ولكن لم تكن النتيجة هي الاتّباع بل كانت النتيجة (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)).

إن كان الإيمان لا يولّد لديك قوة دافعة للاتباع والطاعة والأخذ بقوة بذلك المنهج فما قيمة ذلك الإيمان؟!
ما قيمة أن تقول أنا مؤمن باللسان ولكن الفعل في الواقع يخالف ذلك القول؟! ما قيمة ذلك كله؟
(قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ).
إن كان ذلك النوع من الإيمان الذي تدّعون يأمركم بقتل الأنبياء ومخالفة المنهج الرباني فبئس به من إيمان، هذا ادّعاء، هذا ليس إيمانًا، الإيمان التزام، الإيمان لا يمكن أن يبرر تلك الازدواجية بين الفعل والقول، الإيمان لا يبرر ذلك، الإيمان لا يجعلك تعيش في تناقض مميت بين ما تؤمن به في قلبك وبين ما تمارسه في حياتك وسلوكك.

حب الدنيا والركون إليها وكراهية الموت طبيعة واضحة تمامًا في أولئك القوم الذين تاجروا بالدين لأن الموت بالنسبة لهم يشكّل العالم الآخر الذي باعوه بثمن بخس هم اشتروا الدنيا ولكنهم باعوا الآخرة فشيء طبيعي أن يكره هذا النوع من البشر الموت تمامًا

(ولتجدنَهم أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)الآية96
لا يريد لحياته على الأرض أن تنتهي ولكن يُهيأ لهذا البشر أنه سيزحزح بذلك عن العذاب لأنه لا يزال لا يدرك حقيقة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة) وأن الرب الذي كفرتهم به ستأتون إليه وتعودون إليه وسيوفيكم أعمالكم يوم القيامة ولذلك جاءت ختام الآيات فقال الله عز وجل (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) ويأتي هذا النوع من التعامل بمختلف العداوات، الإنسان الذي يعيش هذه الازدواجية يعادي كل أحد يعادي الملائكة ويعادي الأنبياء ويعادي الكتب ويعادي الرسل لأنه ببساطه عادى نفسه، عادى المنهج الرباني الذي جاء به الله سبحانه وتعالى ولذلك جاءت الآية بقوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ) يا محمد صلى الله عليه وسلم (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) واضحات (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) لا يكفر بهذه الآيات الواضحة وبذلك المنهج العظيم الذي أنزله الله عليك إلا من خرج عن أوامر ربه سبحانه وتعالى.
ولذلك لما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم مصدّق لما معهم
(وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101))

تأملوا المثل الرائع الذي تقدمه الآيات (نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ) وضعوه خلف ظهورهم، أرادوا أن يخفوا المنهج الرباني أرادوا أن يخفوا ما كُتب في التوراة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، التوراة جاءت تبشّر بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، أرادوا أن يخفوا تلك المعلومات التي جاءت فيها فنبذوه وراء ظهورهم. أنت حين تتبع وتخالف المنهج الرباني لا بد أنك تتبع منهجًا آخر، لا يمكن أن تمشي في الدنيا دون اتّباع، مستحيل، إما أن تتبع المنهج الرباني وإما أن تتبع منهجًا آخر
(وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)
إذن هم خالفوا المنهج الرباني لأجل أن يتبعوا الشياطين وتأتي الآيات في سياق الحديث عن أنبياء بني إسرائيل، موسى عليه السلام لم يكن هو النبي الوحيد الذي كذّب به بنو إسرائيل، كان من قبله أنبياء كان سليمان وكان داوود، لكن الموقف من كل هؤلاء الأنبياء كان لا يتغير، الموقف هو
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102))

يتاجرون بالدين، تعلّموا الأشياء المخالفة المناقضة للمنهج الرباني بما فيها السحر، تعلموا كيف يفرقون بين المرء وزوجه مخالفة للأمر الرباني، اتّبعوا السحر واتبعوا الشعوذة واتبعوا الأوامر الشيطانية
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) بئس بها من تجارة!
الساحر والمخالف للمنهج الرباني المنهج الذي أمر الله به عز وجل مهما درّ ذلك عليه من مكاسب دنيوية وقتية فهي خسائر في حقيقة الأمر وليست مكاسب على الإطلاق، خسر نفسه خسر آخرته خسر دنياه خسر كل شيء ولذلك تأملوا المعادلة الرائعة

(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (103))
تأملوا الفارق العظيم، الآية الأولى
(وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
تجارة خاسرة حتى وإن تصورت أنت أن فيها مكسب مادي، التجارة الرابحة الإيمان والتقوى

(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
لو كانوا يعلمون المعنى الحقيقي للتجارة الرابحة عبارة من أعظم التوجيهات في المنهج الرباين العبارة ليست موجهة لبني إسرائيل فحسب العبارة موجهة لنا جميعًا عليك أن تدرك المعنى الحقيقي للربح والخسارة من حيث تعتقد أنك تعتقد أنها ربحًا ولا تضيع على نفسك الفرصة وتخسر وأنت يُهيأ لك أنك تربح، اتباع المنهج الرباني في الحياة والسلوك كسب حقيقي ربح حقيقي في الدنيا وفي الآخرة

وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)
تأملوا في دقة النص القرآني وعدالته وإنصافه قال (كثير) قطعًا ليس الكل، هناك فئة من أهل الكتاب فئة اتبعت النبي صلّ الله عليه وسلم فئة كانت منصفة ولكنهم ليس بكثر لأن الكثير ودوا (لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) يا ترى لماذا؟ لماذا أرادوا زعزعة وبلبلة الإيمان في نفوس أتباعه؟ لماذا أرادوا زعزعة المسلمين في إيمانهم واعتقادهم؟
(حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)
حسد، ومرض الحسد لا يكون إلا بناء على هوى النفس، لا يحسد المؤمن إلا وقد امتلأ قلبه بالله والثقة واليقين بعطائه وقسمته للأرزاق بين خلقه، لا يمكن ولذلك القرآن يقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الفلق) التعوذ من شر الحاسد لأن الحاسد يقع في إشكالية كبيرة، يقع في إشكالية اعتقادية حين يعتقد أن الرب الذي قسم الأرزاق ليس بمنصف حاشاه سبحانه، أعطى لفلان ولم يعطني أنا وأنا مستحق للعطاء أكثر من فلان، من الذي يقسم الأرزاق بين الخلق؟ الخالق أم المخلوق؟!

الحسد إشكالية خطيرة على الإنسان أن يتخلص منها وقد وقع فيها بنو إسرائيل حين توقعوا وتصوروا أن الأمة الإسلامية وأن الكتاب الذي أُنزل عليها وهو القرآن وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يستحق أن يكون النبي الخاتم وأن الأمة الإسلامية لا تستحق أن تكون الأمة الخاتمة، من الذي يقسم الأرزاق؟ الله أم هم؟! ولذلك جاءت الآية (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) هم يعرفون الحق، لا تقلق ولكن ليست الإشكالية في معرفة الحق فحسب الإشكالية الكبرى والمهمة أن تعرف الحق وتتبعه وتسير عليه (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)).

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://4.bp.blogspot.com/-UzrtT8xP_hI/Uu-GB2_ODCI/AAAAAAAAFLY/1YRSOt0mMME/s1600/3.jpg&key=f1ee782346a81f1dc4e3dd782c c824bd7148780f79a4b3e19e0f8c0f 600101c7 (http://4.bp.blogspot.com/-UzrtT8xP_hI/Uu-GB2_ODCI/AAAAAAAAFLY/1YRSOt0mMME/s1600/3.jpg)


(وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى)
الجنة ليست حكرًأ على أحد، لست أنت ولا أنا الذي يملك مفاتيح الجنة، الذي يملك مفاتيح الجنة هو الخالق الذي خلق وأعطى ورزق
(تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
بلى، القاعدة واضحة (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ) وانقاد لأمره
(وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112))
إشكالية خطيرة بعض الأشخاص يقع في هذه الإشكالية فيقول فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، إشكالية خطيرة تناقض ما جاء في كتاب الله عز وجل، لا تقل هذا القول أبدًا، لا يجوز، من يملك الجنة والنار هو الذي يحدد من يدخل ومن يخرج، نحن بشر، نحن دعاة لسنا بقضاة على أحد.
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ)
من الذي يحكم؟
(فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113))
لا تدخل في معارك خاسرة، هذه المعارك خاسرة، من الذي يحكم؟

الله سبحانه وتعالى، ما هو دورك؟
دورك أن تبين الحقيقة دورك أن تعرض الرسالة دورك أن تقدم المنهج الرباني وتسير عليه في حياتك أما الحكم على الناس وعلى الآخرين فليس من اختصاصك في شيء ولذلك

امانى يسرى محمد
2025-08-02, 03:00 PM
الجزء الثاني من سورة البقرة

بدأ الجزء الثاني بتحديد أمر في غاية الأهمية ألا وهو القبلة، القبلة ذلك المكان الذي يتوجه إليه المسلمون في كل يوم على الأقل خمس مرات على مدار الـأربع وعشرين ساعة يتوجه المسلمون بقلوبهم وأبدانهم باتجاه القبلة وقد كان المسلمون في مكة يتوجهون حين فرضت الصلاة إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت الذي كان العرب في الجاهلية يقدّسون البيت الحرام ويعظّمونه وهنا جاءت مسألة تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام وبدأ الكلام في سورة البقرة في جزئها الثاني بقوله عز وجل (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) السفهاء من اليهود، (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)) معالم الهداية التي أذن الله بها لهذه الأمة في أدق تفاصيل حياتها وشعائرها وعباداتها.

ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية الثانية يبين الحقيقة الواضحة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)

هذه الأمة المسلمة التي بني اعتقادها في الجزء الأول من سورة البقرة هذه الأمة التي أبان الله لها معالم الهداية في سورة البقرة العظيمة وفي كتابه الكريم معالم المنهج أراد الله لها أن تكون أمة وسطا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)




إذاً هي الوسطية فلا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تفريط في شيء من الأشياء، أمة وسط في اعتقادها أمة وسط في شعورها أمة وسط في معالم مناهجها أمة وسط في أخلاقياتها وتوجهاتها الوسطية هي الصبغة التي أراد الله لهذه الأمة أن تكون فيها والوسطية ليست شعارًا الوسطية في هذه الأمة ليست إدعاء وإنما هي لب تشريعاتها ولب قدرتها على التفاهم في المنهج الرباني وتنفيذه في واقع الحياة، إذن هي الوسطية.

وأراد الله لهذه الأمة وحدد في الجزء الثاني ومنذ بدايته أن هذه الأمة يقع على عاتقها مهمة عظيمة مهمة الشهادة على الأمم (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) والشهادة هنا تكليف وتشريف.

الشهادة على الأمم هنا مرحلة تحضير لهذه الأمة أن تكون بمستوى التكليف الذي أراد الله لها عز وجل أن يكون لها التكاليف والتشريعات الشهادة على الأمم تقتضي من هذه الأمة الجديدة الأمة المسلمة الفتية التي بنيت دعائمها في المجتمع المدني ومع بدايات نزول سورة البقرة إلى نهاياتها. هذه الأمة لها خصائص من أعظم خصائصها ومنذ البداية أن تستشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهذا ما حدث في بداية هذا الجزء.

أما تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام ففيه وقفات عديدة جداً:

واحدة من أهم هذه الوقفات أن تحول وتوجه المسلمين في مكة من البيت الحرام إلى بيت المقدس إنما كان لنزع فتيل القومية والتعصب إلى نعرة مهما كانت تلك النعرة، العرب في الجاهلية كانوا يرون عظمتهم ومجدهم في البيت الحرام وفي ذلك الوقت كان توجه المسلمين في الصلاة نحو بيت المقدس لماذا؟



لينتزع فتيل النعرات والتعصبات القومية، ليجعل التعصب الوحيد والولاء والانتماء الوحيد للدين وليس لقوم ولا لجنس ولا لأرض فانتزع ذلك من هذه الأمة وهي لا تزال مجرد مجموعة من الأفراد المستضعفين في مكة ولنا أن نتخيل حجم التحدي الذي واجهه المسلمون المستشعفون في مكة وهم يديرون وجوههم في اتجاه بيت المقدس في الوقت الذي هم فيه في مكة وبين ظهراني قريش. ولكن هذه الأمة أريد لها ومنذ أول كلمة أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون متميزة في كل شيء أن تكون قوية ومختلفة في كل تصوراتها واعتقاداتها ليست لأجل الاختلاف والتميز في حد ذاته ولكن لكي تصلح وتوضح ما قد فسد في الأمة السابقة.

(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)
اختبار، لا بد أن تكون هذه الأمة بمكوناتها بأفرادها ميممة بإخلاص وصدق
نحو الله سبحانه وتعالى ورضاه لا تبتغي شيئًا آخر

(وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)
موضوع تحول القبلة كان موضوعًا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لتعاملهم مع اليهود ومع غيرهم (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) لماذا هي ليست كبيرة على الذين هدى الله؟
لأن من هداه الله سبحانه وتعالى هو يتبين معالم المنهج الرباني، هو منقاد، هو خاضع في كل جزئيات حياته واعتقاده وتصوره باتجاه المنهج الرباني، لا يكبر عليه شيء ولا يعظُم عليه شيء ولا يقف أمامه تحدي لأنه يبتغي الهداية ويرى الهداية في ذلك المنهج الرباني فكل ما يأتي من الله سبحانه وتعالى هو يرى فيه الهداية، تستسلم نفسه وروحه تنقاد إلى ذلك المنهج الرباني بمنتهى رحابة الصدر.

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144))
هم يعلمون أن الحق في المنهج الذي قد أتيتَ به، هم يعلمون تماماً أن الحق في هذا القرآن العظيم فقد أوتوا الكتاب أوتوا التوراة من قبلك ويعلمون أين الحق وأين الباطل ولكن الفارق كبير بين من يعلم الحق فيتبعه وبين من يعلم الحق ولكنه ينكره لأنه يخالف هوى نفسه!
ولذلك جاءت القاعدة الحاسمة مبينة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145))
أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة المسلمة الجديدة أنتم أمة متميزة أنتم أمة أصبحت في موقع القيادة لغيرها من الأمم، عليك أن تشعر بهذا في أعماق نفسك عليك أن تكون مؤمناً بأنك فعلاً على الحق وأن المنهج الذي أُنزل في هذا القرآن هو الحق ولا حق سواه، وأن ما حدث من تحريف في الديانات السابقة من يهودية ونصرانية أتت على تلك الديانات وجعلت تلك الديانات والتعاليم المحرّفة مجرد أهواء شخصية ومصالح شخصية ما عادت أديانًا!

ولذلك قال ربي (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) إذاً ما عادت ديانة يهودية ولا نصرانية عادت أهواء ومصالح شخصية (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) اشعُر بالتميز وبالنعمة التي أنعم الله بها عليك وفي هذا شيء عظيم جداً أن هذه الأمة المسلمة التي أنزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن لا بد أن يكون لديها قناعة بالحق الذي نزل عليها، اِعلم أن كل تلك المعارك المصطنعة ليست معارك دينية، ترفع باسم الدين ولكنها معارك أهواء ومطامع ومصالح شخصية.

القائد الحق لا يقول للناس أنا قائد وعليكم أن تتبعوني وتسيروا خلفي،
القائد الحق يقود الأمم ويقود الآخرين بتصرفاته بأفعاله بسلوكياته التي تقول للناس فعلاً لا قولًا
أن الاتباع والسير على هذا المنهج فيه الخير وفيه الصلاح.
فقيادة الأمة المسلمة في اتباع المنهج وتشريعاته وحين لا تسير على ذلك المنهج الرباني في تفاصيل الحياة لا تصبح مؤهلة لتلك القيادة ولا للشهادة على الأمم والأمم الأخرى مطلوب منها أن تسير وراء تلك القيادة ليس لأنها مجرد سائرة هكذا فالسير هنا ليس مجرد تقليد أعمى وإنما هو سير على الحق الذي يظهر نور الهداية فيه في كل تعاليم وتشريعات المنهج الذي جاء لتلك الأمة، إذاً
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.farfesh.com/pic_server/articles_images/Ayoub/23.8/2.jpg&key=431dd3a93356b4e5517c0da3d8 a29622f831019f74a1018062617c9b dc30d922 (http://www.farfesh.com/pic_server/articles_images/Ayoub/23.8/2.jpg)



وهنا تواصل الآيات العظيمة لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة باسرها أن الحق في المنهج الرباني وأن من آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون ذلك الحق تماماً فلا تذهب نفسك حسرات ولا يذهب وقتك وجهدك عبثاً هكذا في معارك مصطنعة لكي تحاول أن تدخل معهم في نقاشات لتقنعهم بأن هذا هو الحق وذاك هو الباطل فهم يعرفون أين الحق وأين الباطل فالمسألة ليست معرفة،


(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)


إذاً أين المشكلة؟


(وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكتمون الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)


فالمشكلة في النفوس التي ارتضت أن تكتم الحق حين لا يكون في جانبها حين لا يكون لا في صالحها حين لا يكون في صف مصالحها وأطماعها الشخصية الذاتية الحق يُكتم في مثل تلك الأحوال


سياق الآيات هنا ليحذر الأمة الإسلامية من خطر عظيم خطر كتمان الحق فالحق لا بد أن يظهر سواء كان يتماشى مع المصالح الشخصية للأفراد أو كان على عكس توجهاتهم ومصالحهم وأطماعهم الحق أحق أن يتبع والباطل أحق أن يزهق ويدمغ حتى ولو كان ذاك الباطل يسير وفق أهواء شخصية أو مصالح ذاتية. الحق جاء ليحق الحق بتعاليمه في الواقع ولم يأتِ لكي يخضع لأهواء الناس ومصالحهم


(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148))



القضية ليست في مكان القضية ليست في زمان القبلة ما أريد لها لمجرد أن تكون مكان يتوجه إليه المسلمين وهنا وقفة عظيمة من الوقفات التي نحتاج وتحتاج الأمة المسلمة أن تستذكرها وتستحضرها في الوقت الحاضر: التوجه للقبلة من أعظم الأشياء التي تجمع قلوب المسلمين، التوجه نحو القبلة، أنتم تتوجهون باتجاه قبلة واحدة وبالتالي عليكم أن تلتفتوا إلى توجه القلوب باتجاه واحد نحو هدف واحد ولذا جاءت الآية (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وحدة القبلة تحيي في قلوبنا وحدة الهدف ووحدة العمل الصالح مهما اختلفتم ومهما تباينت أماكن وجود هذه الأمة وأفراد الأمة على الأرض الهدف واحد العمل الصالح واستباق الخيرات أما فيما عدا ذلك




(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149)) والتركيز على الحق (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) البقرة).

(فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)) أيّ نعمة؟
نعمة إنزال المنهج الرباني، نعمة أن يكون لك منهج في واقع حياتك تسير عليه (ولعلكم تهتدون) الهداية، المنظومة الكاملة لسورة البقرة الهداية إذاً القاعدة (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)
لماذا الحديث هنا عن الخشية؟

الأمة والفرد الذي يتصدى لأن يكون قائداً ليس لمجرد القيادة فالقيادة كما ذكرنا ليست مجرد شيء أنا أسعى إليه القيادة مسؤولية أنا مستعد أن أتحمل تبعاتها وهذا ما أرادت سورة البقرة أن تبنيه في الجزء الثاني. ولكن هذا النوع من الشعور والإحساس ينبغي أن يقوم على أساس القوة والاعتداد بالمنهج الرباني والذي يناهض الخوف ويناهض الخشية من البشر، لا تستقيم القيادة في نفس تخشى أحد سوى الله عز وجل، لا يمكن أن تكون قيادياً ناجحاً فرداً أو شعباً كالأمة المسلمة وأنت تخشى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى!
اجعل خشيتك من الله وحده، حدد الغاية والوجهة واجعل الوجهة واحدة نحو رضى الله سبحانه وتعالى لكي تتم عليك النعمة.


ويذكِّر ربي سبحانه وتعالى الأمة مرة بعد مرة كما كان من قبل يذكّر بني إسرائيل لكن في بني إسرائيل كان يخاطبهم فيقول لهم
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)) ومع الأمة المسلمة يؤكد على هذه الحقيقة(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [/(151))

ولنا أن نقف طويلاً عند قوله عز وجل (ويعلمكم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) التعليم.
النبي صلّ الله عليه وسلم ما كان يقرأ على المسلمين القرآن قراءة فحسب ما كان يقرأها قراءة كان يعلّم والفارق كبير بين القراءة المجرّدة وبين التعليم!
فالتعليم يعني خطوات يعني كيفية يعني متابعة للسير في المنهج وعلى المنهج، النبي صلّ الله عليه وسلم صنع الأمة الإسلامية الأولى المجتمع المدني على عينه، على عين التشريعات الإلهية، على عين الآيات القرآنية التي كانت تتنزل عليه صلّ الله عليه وسلم، كان المعلِّم الأول النبي صلّ الله عليه وسلم. وهنا لفتة رائعة لكل من يتصدى لتعليم الناس القرآن العظيم أن يكون معلمًأ لا يكون مجرد قارئ فالفارق بين القارئ والمعلم كبير المعلم هو الذي يربي ويوضح الكيفية هو الذي يوضح كيفية السير على المنهج وفي ذلك خير عظيم أراد الله عز وجل أن يضعه أمام الأمة المسلمة.
https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/736x/f1/a8/63/f1a863bcad3859a614e1afc978c44a d8.jpg&key=0039964ed0a6954ee8f0ebe86b db0373a78b503d4e833a991b16b6d2 ec35fab6 (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/736x/f1/a8/63/f1a863bcad3859a614e1afc978c44a d8.jpg)



ثم تأتي الوصية التي تليها ونحن إلى الآن لم نبدأ في التشريعات وتفاصيلها


(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152))

الشكر مقابل الجحود والكفران ونكران النعمة



ولا تزال الأمة المسلمة وهي تتلقى التعاليم في الجزء الثاني في سورة البقرة قريبة عهد بما حدث مع بني إسرائيل من جحود وكفران نعمة الهداية ونعمة أن يكون لها منهج.

تعامل مع المنهج الرباني بشكر، تعامل مع المنهج الرباني على أنه نعمة وليس تقييد تعامل مع التعاليم الرباني التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة على أنها نعمة لأنها تحقق لك الهداية والطمأنينة والسعادة في حياتك في الدنيا والآخرة في مجتمعك في أسرتك في نفسك في اقتصادك، ولأن الحديث سيأتي عن المنهج وعن التعليمات وعن التشريعات والأوامر والنواهي أعطى ربي سبحانه وتعالى الوصفة من جديد الوصفة التي ذُكرت في الجزء الأول في سورة البقرة


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153))


الصبر والصلاة للمرة الثانية في سورة البقرة. السير على المنهج الرباني والتعليمات والأوامر الربانية تحتاج إلى صبر تحتاج إلى ثبات تحتاج صبر على الطاعة تحتاج إلى نفس طويل يعلمني أن أكون ثابتاً مهما بلغت التضحيات.

الآيات تؤهل النفسية المسلمة فرداً كان أو جماعة تؤهل النفسية المسلمة أنك حين تسير على المنهج ضع في حسبانك أنك ستمر بمواقف شديدة وبمحن وخطوب ومواقف صعبة قد تقتضي منك أن تبذل وأن تقدم التضحيات. والعلاج لتقديم ذلك كله برحابة صدر وبطمأنينة الاستعانة بأمرين: الصبر والصلاة التي تحدثنا عنها،

تأملوا معي دقة الوصف القرآني وتسلسل الآيات وترابطها



(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154))



مباشرة انتقلت الآيات إلى الحديث عن التضحية والبذل، الآيات الأول أهّلت الأفراد والمجتمع إلى تقديم التضحيات وقدّمت بين أيديهم المنهج الشافي الدواء الشافي صبر وصلاة لكي تستطيع أن تبذل وتواجه التحديات والصعاب ثم جاءت في الآيات التي تليها مباشرة لتؤكد أنك في خضم تطبيقك المنهج الرباني قد تحتاج أن تبذل روحك وحياتك ثمنًا لذلك التطبيق ولكنك حين تبذل لا تغب عن ذهنك أبداً تلك الحقيقة أنك حين تُقتل في سبيل الله لست بميت بل أنت حيّ لست بميت بل هذه هي الحياة الحقيقية



(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)



في سبيل الله وليس في سبيل سلطة أو شهوة أو استيلاء على منصب أو جاه ولكن في سبيل الله وحده، في سبيل تطبيق منهجه في واقع الحياة في سبيل تنفيذ أوامره وما جاء في هذا الكتاب العظيم

امانى يسرى محمد
2025-08-03, 06:00 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/12.jpg (https://2.bp.blogspot.com/-1HVltB5krUc/VxYGBH6VLnI/AAAAAAAASEM/4ct942L8ev8MT83bqIlDMMbF1lbEzx hWACLcB/s1600/%25D9%2583%25D9%2584%25D8%25A7 %25D9%2585+%25D8%25B9%25D9%258 6+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25 B5%25D8%25A8%25D8%25B1+%252C+% 25D8%25AD%25D9%2583%25D9%2585+ %25D8%25B9%25D9%2586+%25D8%25A 7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A 8%25D8%25B1+%252C+%25D8%25B5%2 5D9%2588%25D8%25B1+%25D8%25B9% 25D9%2586+%25D8%25A7%25D9%2584 %25D8%25B5%25D8%25A8%25D8%25B1 +%25281%2529.jpeg)
(ولنبلوَنكم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155))
الحديث عن الصبر متواصل ولا زلنا لم نبدأ بأيّ تشريع ولا توجيه من التوجيهات لا زلنا في البداية لكن التأهيل لهذه الأمة مستمر منذ البداية. الابتلاء سنة من السنن في هذا الكون العظيم سنة من سنن الحياة
(ولنَبلونَكم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
سلسلة من الابتلاءات، الإنسان قد يصاب في ماله بنقص، قد يصاب في صحته قد يصاب في تجارته قد يصاب في أولاده أو وطنه في بيته كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتلي وأصحابه وكانت النتيجة أن هجر الوطن والعشيرة والأقارب.

إذاً المؤمن في طريق الحياة وفي سبيل الله معرّض لكل ذلك وعليه أن يضع في حسبانه ذلك حتى يكون مستعداً لديه استعداد وفي ذلك شيء من أعظم اللفتات الاستراتيجية والتربوية في التعليم: أنت حين تؤهل الشخص لشيء عظيم عليك أن تقف معه وتعطيه فكرة عن ما يمكن أن يتعرض له، والقرآن يعلمنا ويعلم الأمة أفراداً وشعوباً أن يا أمة كوني مؤهلة لأن تتعرضي للمحن والابتلاءات فحين يأتي الابتلاء تكون النفسية مستعدة لهذا الابتلاء لأنها مسبقاً قد أُعطيت لها الفكرة عن نوع وحجم ذلك الابتلاء فتكون مستعدة تماماً فما هو الاستعداد الذي تتلقى به الأمة تلك الابتلاءات والمحن؟
(بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)
الدواء في الصبر
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))
مهما كان نوع المصيبة فردية أو مجتمعية قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ودعونا نقف عند تلك الكلمة (إنا لله) نحن وأموالنا وأرواحنا وأنفسنا نحن لله نحن لسنا ملكاً لأنفسنا نحن لا نمتلك من أنفسنا شيئاً أنا حين ابتلى بنقص من المال أو في الصحة أنا لا يحق لي ابتداءً أن أعترض على ذلك، لماذا؟
لأن نفسي وصحتي وكل ما أنا فيه هو ليس ملك لي هو ملك لله (إنا لله)
أنا لست لنفسي أنا لله لا يحق لي أن أعترض على شيء، أنا ملك لله أنا عبد تأملوا دقة التعبير ولذلك المفروض إذا أصيب بمصيبة لا قدر الله المفروض أول كلمة يقولها (إنا لله وإنا إليه راجعون).

وتأملوا في الشطر الثاني من الآيه
( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
أنا سأعود إلى ربي سبحانه وتعالى بكلّي بصحتي بمرضي بابتلائي بنقصي أنا عائده إليه إذاً فلأرجع إليه رجعة صادقة رجعة بنفس مطمئنة راضية مستشعرة لقدرة الله سبحانه وتعالى وحكمته ورحمته في الابتلاء ورحمته سبحانه في الأخذ كما في العطاء وحكمته في الأخذ كما في العطاء وحكمته ورحمته في الزيادة وفي النقصان في الصحة وفي المرض الآيات تشكل دعامة قوية لكل من يتعرض لابتلاء والمؤمن والكافر يتعرضون هذه قضية محسومة المؤمن والكافر يتعرضون للابتلاء ولكن المؤمن تؤهله سورة البقرة لكيفية مواجهة الابتلاءات، أعطته الحصانة: صبر وصلاة واستذكار دائمًا أنك لله وأنك ستعود إليه, ما هي النتيجة والثمرة المترتبة على ذلك التأهيل النفسي والشعوري في قلب المؤمن؟
(أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))
تأملوا الهداية حاضرة في آيات سورة البقرة فالمنظومة كاملة هي منظومة الهداية أنا أدعو وأقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) حين أصبح على هذا القدر من المسؤولية والشعور أصبحت من المهتدين (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الصلوات والسكينة والطمأنينة والرحمة تتنزل كالغيث على تلك القلوب المؤمنة القلوب التي آمنت بأنها لله. وطالما أنني أنا في الأصل بكلّي لله عز وجل فحين يطلب مني ربي التضحية والبذل ألا أعطيه؟ ألا أقدّم؟ تأملوا اللفتة الإيمانية الرائعة، شيء طبيعي أنا لله إذن لا بأس أن أقدم فأنا في الأصل لست لنفسي أنا لله فحين يطلب مني أن أضحي وأبذل سأبذل لأني لله ولست لنفسي.

تتوالى الآيات في الحديث عن عن كارثة كتمان الحق، لا ينبغي أن يكتم ليس ثمة ما يبرر أن تكتم حقاً أبداً الحق لا بد أن يظهر لا بد أن يسار عليه في الواقع لا يُكتم وأكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه وفي حق الآخرين أن يكتم الحق ولذا جاءت الآيات لتبين

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159))

والحديث وإن كان عن فريق من اليهود الذين كتموا ما جاء في التوراة ولكنه عام أولئك مستحقين للعن
(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) .

إذاً القضية محسومة الحق الذي في قلبك لا بد أن يظهر ولا بد أن يكون أكبر قيمة تسعى في حياتك لإحقاقها مهما كان حجم التضحيات والبذل وفي ذلك إشارة واضحة أن ما حال بين هذا الفريق الذي كتم الحق من بني إسرائيل وبين إظهار الحق إنما هي النفس، الأطماع البشرية ذاك الفريق ما كان مستعداً لأن يضحي بشيء ما كان مستعداً أن يتخلص من أسر الشهوات والأطماع والمصالح الشخصية ما استطاع أن يفعل ذلك فكانت النتيجة أنه ضحى بالحق لأجل مصالحه الشخصية!

وفي ذلك تأكيد للأمة المسلمة أن الحق أعظم ما ينبغي أن تدافع عنه وأن تتبناه في حياتها وفي تشريعاتها ولكي يصبح الحق هو أعظم حقيقة في نفوس أتباعه ولكي يصبح الحق ذلك الحق الذي لأجله تُضحى الأرواح وتبذل الأموال والنفوس لكي يصبح الحق بهذه المنزلة العظيمة سورة البقرة تبني ذلك الحق على أسس متينة، أسس التعرف على الله سبحانه وتعالى. أنا لا يمكن أن أعظِّم الحق دون أن أستشعر بعظمة من حقّ الحق عليّ وذلك يقتضي مني أن أتعرف على الله سبحانه وتعالى ويتطلب مني أن أتعرف عليه سبحانه وتعالى من خلال آياته المبثوثة في الكون من أمامي كما هي مقروءة أمامي في ذلك المنهج العظيم في القرآن الكريم

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164))

فأنا في الكون الذي أعيش بين نوعين من الآيات آيات مرئية أمام عيني أراها محسوسة معجزات، صحيح هي ليست كتلك المعجزات المادية الحسية التي نزلت على بني إسرائيل من قضية البحر ومن تفجير الماء ومن ومن... ولكن الأمة المسلمة والعقل البشري هنا يحدثه ويخاطبه القرآن عن معجزات هو يراها تتحدث أمام عينيه، تتحدث عن عظمة الخالق الذي أمر.


وربما نتساءل لماذا الحديث عن آيات كونية في بدايات الحديث عن تشريعات أُسرية واقتصادية وسياسية لماذا؟ كما ذكرنا قبل قليل التشريعات الربانية والتوجيهات والأوامر والنواهي من عند الله سبحانه وتعالى ولكي تسير على تلك التشريعات في قلبك وفي حياتك بطمأنينة وثبات ورسوخ ويقين يحتاج الإيمان أن يكون ثابتاً في قلبك، تحتاج إلى دفعة من الإيمان تولد لديك الرغبة والقدرة على أن تسير على تلك التشريعات والتوجيهات وهو ما تأتي به هذه الآيات تحديداً (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) والآية في صور متعددة جاءت بمزيج من آيات الله عز وجل في الكون: الماء السماء الأرض اختلاف الليل والنهار الفلك التي تجري في البحر من أجراه؟ الماء الذي ينزل من السماء من أنزله؟، الجبال من أرساها؟ السموات من ثبتها بغير أعمدة؟ الأرض من الذي أقامها؟ الليل من الذي يجعله ليلًا؟ من الذي يأذن لليل أن يأتي من؟ من الذي يأذن للظلام أن يحل؟ ومن الذي يأذن للنهار أن يذهب؟ من؟؟ من الذي يأذن للسفن أن تسير على البحر من؟ من الذي أوجد تلك القوانين؟ من الذي أرسى دعائم هذا الملك العظيم؟ من الذي أوجد كل تلك المعجزات الحسية أمام عيني من؟ هو الله الواحد القهار (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ولماذا جاء بالعقل؟ يا سبحان الله العظيم!

كل كلمة في كتاب الله عز وجل لها موقعها ولها مقصد وحكمة في ذلك الموقع، هذه الآيات المحسوسة هذا الزخم والحشد من الآيات المرئية تحتاج مني إلى تعقل وأن أتوصل إلى نتائج، ما هي النتيجة التي ينبغي أن أتوصل إليها؟

النتيجة أن لا أقدّم على حب الله شيئًا ولا أحد، النتيجة المتوقعة بعد أن رأيت كل ذلك الحشد وأراه ليل نهار أمام عيني أن أصل إلى هذه الحقيقة: أن لا أتخذ من دون الله نداً، التوحيد بكل أبعاده وبكل أنواعه ولذلك جاءت مباشرة الآية التي تليها تعيب على أصحاب العقول المختلة الضعيفة ممن ذهبت عقولهم فاتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)) لا يمكن لعاقل أن يتخذ نداً من دون الله، لأن تلك الآيات كفيلة بأن تهديه إلى خالقه سبحانه، كفيلة بأن تهديه إلى عظمة ذلك الخالق الرب الذي خلق، الرب الذي أوجد، الرب الذي سوّى كفيلة بأن تهديه فإن لم تهده تلك الآيات إذن قطعًا هناك خلل في تفكيره وفي عقله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) يجعلون لله نداً نظيراً مثيلاً (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وتأملوا معي موقع الحديث عن الإيمان والمحبة قبيل الحديث عن التوجيهات والتشريعات لماذا؟ الأوامر والنواهي والتشريعات التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة هي ليست مبنية فقط على الأمر والنهي المجرد أبداً، هي مبنية على علاقة قوية تصنعها سورة البقرة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد الذي يتلقى المنهج الرباني، علاقة حب، علاقة إيمان والفارق شاسع بين أن تتبع من تحب وتنفذ أوامره وبين أن تتبع من لا تحب ولا تعرف كيف تحبّ فلا بد أن تسبقها علاقة الإيمان والمحبة التي تبنيها هذه الآيات.

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)

نقطة مهمة جداً قبل أن تنفذ الأوامر عليك أن تكون أشد حبًا لله، لا تقدم على محبة الله شيئًا وإذا أردت أن تصل إلى تلك المرحلة ما عليك إلا أن تتأمل في ذاك الكون الفسيح الآيات أمام عينيك تأمل وحاول أن يشهد قلبك آثار رحمة الله عز وجل المبثوثة في كل شيء ليس فقط في الكون ولكن (وفي أنفسكم ألا تبصرون) تأمل إلى آثار رحمة الله عز وجل في يدك، تأمل إلى آثار رحمة الله وحكمته في عينك التي تبصر بها في قدميك التي تسير عليها، في قلبك الذي ينبض، في الرئة التي تستنشق وتتنفس بها أنفاس الحياة، في كل شيء كل هذه الآيات تنبئ وتقول بأن لك ربًا يحبك ويرحمك، بأن لك رباً ما يريد لك إلا الخير والهداية، بأن لك رباً أقام الكون كله لأجلك وسخّر كل ما في هذا الكون لأجلك والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ربٌ بهذه الأوصاف العظيمة الجليلة ألا يستحق أن يُحَبّ أشد الحب؟ ألا يستحق أن تقدم المحبة له دون سواه؟ بلا شك، هذه المحبة التي تبنيها آيات سورة البقرة.

(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)

ظلموا أنفسهم أولاً حين قدّموا محبة على ربهم عز وجل محبة أي أحد آخر أو أي شيء آخر

(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)

عاينوا العذاب مشاهد يوم القيامة

(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)

رحيم ولكنه قوي سبحانه، رحمته وسعت كل شيء وشديد العذاب لمن عصاه وخالف منهجه

ثم أنني حين اتبع أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى وتأملوا في الكلمات هنا جاءتني كلمات الاتباع لماذا؟

كما ذكرنا التمهيد للأوامر للتشريعات اتباع، أنا ديني يقوم على اتباع المنهج كيف يولّد ذلك الاتباع؟

والقاعدة واضحة إن لم تتبع المنهج الرباني قطعاً ستتبع المنهج الشيطاني ستتبع هوى النفس، ستتبع طواغيت ستتبع مناهج وضعية ستتبع أحكام وضعها بشر لا يملكون لأنفسه نفعاً ولا ضراً
ولذلك جاءت الآيات
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167))

الآيات عظيمة، الآيات تقدم لي منهجًا تقدم لي مشهدًا أنا أراه في واقعي أرى أناسًا ضعفاء ليس لأن الله قد خلقهم ضعفاء، ضعفاء لأنهم ما استطاعوا أن يتحرروا من سلطان الخوف من الآخرين، من سلطان الشهوات من سلطان المطامع والمصالح الشخصية وهوى النفس وخطوات الشيطان، هؤلاء ضعفاء هؤلاء كانوا لقمة سائغة لمن استولوا عليهم، سيطروا عليهم، تحكموا في قراراتهم وتحكموا في تصرفاتهم اخترعوا لهم منهجًا من عند أنفسهم اخترعوا لهم أحكام وقوانين وتشريعات من دون ما شرّع الله عز وجل في الاقتصاد وفي الأسرة وفي الحياة وفي الميراث وفي كل شيء في كل ميادين الحياة فكانت النتيجة أن تلك الفئة المستضعَفة كانت لديها القابلية لأن تُستعبَد لبشر كانت لديها القابلية أن تتخذ من دون الله نداً يشرّع لها، يتحكم في حياتها في مقدراتها في تصرفاتها فالقرآن يقدم لي المشهد الأخير في يوم القيامة

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)

انتهى الموضوع رأوا الحقيقة التي كان ينبغي للعاقل أن يراها مسبقًا أن القوة لله جميعاً أن لا أحد يملك القوة لا سلطان ولا طاغوت ولا بشر ولا نظام استبدادي ولا قانون ولا أيّ أحد القوة لله جميعاً في الدنيا والآخرة القوة لله جميعاً. هذه الحقيقة إذا لم تستقر في النفوس ستقع في خطوات الشيطان، ستقع في اتباع القوانين المضللة، ستقع أسيراً لتحكيمات وتشريعات البشر الظالمة المستبدة ستصبح أسيرة وأن لم يكن هنالك قيود ولا أغلال في أيديها ولكن القيود والأغلال في عقولها وفي قلوبها حين سُلبت نعمة التعقل والتفكير والتوصل إلى حقيقة التوحيد وحقيقة أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب لمن خالف منهجه في واقع الحياة، لمن بدّل منهجه وتشريعاته في الواقع وقدّم التشريعات البشرية المضلّلة المزيفة.

امانى يسرى محمد
2025-08-05, 07:09 PM
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168))
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)
يا ترى المنهج الشيطاني بأيّ شيء يأمر؟!
تأملوا كل هذه مقدمات للتعاليم والمناه



(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169))
إذاً المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يقود الإنسان إلى السوء والفحشاء المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يضلل ويذهب بالإنسان بعيدًا عن خالقه عز وجل وتأملوا في الاية


(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
ونحن نقرأ ونسمع في واقعنا من يقول بأن شريعة الله عز وجل لا تصلح للتطبيق في هذا الزمن!


العالم تطور، العالم تغير، الدنيا أصبحت غير الدنيا والأحكام التي جاءت في سورة البقرة والقرآن ما عادت تصلح لأن تُطبَّق في هذا الزمن الذي نحن فيه عصر الانترنت والكمبيوتر والفضاء و..و..



(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
لأن القول على منهجه والتقول على منهجه سبحانه هو من هذا القبيل، خطوات الشيطان.
الشيطان يزيّن الشيطان يجعلك تتصور أن المنهج الذي جاء في القرآن غير صالح للتطبيق، قديم، الأحكام التي فيه لا تصلح لشيء!.



ثم تستمر الآيات لتقدم لي بتسلسل رائع نماذج لأنواع التبعية لغير الله لا زلنا في نفس السياق التبعية الأولى التبعية للأقوياء، التبعية بشكل آخر تبعية المحبة أن أحب شيئًا فاتبعه وأسير عليه ولو كان على ضلال ثم تبعية الشيطان بكل أشكاله وأنواعه ويأتي في المقابل الحوار الذي تقدمه سورة البقرة وحين يقال لهؤلاء الذين يتقولون على الله بغير علم



(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ)


اتبع المنهج الرباني الذي أنزله الله أنزل الكتاب أنزل القرآن والتشريعات



(قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170))
تبعية للقديم والمألوف، للآباء، للأجداد، لما سبق لشيء قد اعتدته عليه النفس تألف ما اعتادت عليه ويصعب عليها أن تنسل وتنسلخ من عاداتها وتقاليدها وأعرافها وبيئاتها وأحكام آبائها وأجدادها تشعر بأن القضية بالنسبة لها قضية عار كما كان يتصور هذا الوهم المشركون وكل الأمم الضالة من قبل ومن بعد، نفس المعتقد، نفس التصور (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) واضحة العبارة.
ولكن القرآن يقدّم الحقيقة أمام الأعين
(أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)


النفس تألف الشيء ولكن ماذا لو كان في ذلك الشيء الخراب والدمار؟!
ماذا لو كان في ذل

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177))
تؤسس التشريع ليس على شكل المظهر ولا الهيئة الخارجية وإن كان ذلك جزء منها ولكن الأصل في كل التشريعات الأصل في كل الأوامر والنواهي أن تقوم على الصدق مع الله أن تقوم على التقوى أن تحقق التقوى ولذلك كلمة لعلكم تتقون، هم المتقون، تقوى، يتقون، تتأكد في سورة البقرة في عديد من التشريعات والأوامر لماذا؟
الغرض الأساس من تلك التشريعات الوصول إلى الهداية التي لا يمكن أن يكون محلها إلا قلب يتقي الله إلا قلب يعشق تقوى الله عز وجل ويتمثل تلك التقوى في تحولاته وفي تصرفاته وفي سلوكه



(وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)




الآية تتحدث عن صدق الآية تتحد عن تقوى الآية تتحدث عن تصرفات وسلوكيات وانعكاس لعلاقة الصدق مع الله سبحانه وتعالى والتقوى فيه. ثم تتنقل الآيات بعد ذلك وتتحول إلى مقصد الحفاظ على النفس كلياً ضرورة من ضروريات التشريع في الواقع الحفاظ على النفس ولذلك جاء التشريع بقوله سبحانه وتعالى

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178))



القصاص وتأملوا معي عدالة الإسلام وتشريعاته



(الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)

هناك مشاحة للعفو

(فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))
القصاص في القتل وقتل القاتل العمد إنما هو شرع لأجل حياة المجتمع والحفاظ على المجتمع، العقوبات والحدود في الإسلام بنظامها التشريعي الذي جاء في سورة البقرة ما جاء ليزهق أرواح الناس ما جاء لأجل أن يقيد الناس في تصرفاتهم ولا في أعمالهم ولا أن يُحدث هذا النوع من القيد في حياة البشر وإنما جاء ليحررهم جاء ليخلصهم فالقاتل العمد حين يقتل وحين يُقتل إنما تحافظ به على أرواح الأبرياء في المجتمع، الردع في العقوبة، العقوبة حين لا تكون رادعة ولا تكون صارمة يحدث تسيب في المجتمع يحدث انهيار في منظومة الأمن الذي جاء الشرع لتحقيقه في حياة الناس،

امانى يسرى محمد
2025-08-05, 07:14 PM
ثم تنتقل الآيات من تشريع الحفاظ على النفس إلى تشريع الحفاظ على الأموال في كل أشكالها وصورها
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180))

الحفاظ على المال الحفاظ على الوصية في الأموال هذا التشريع وهذه الأوامر الربانية تدخل في كل جزئيات حياتك لا تدع لك شيئًا إلا ولكن تدخل فيه لتنظمه ولتحقق فيه مقاصد الأمن والرخاء والسعادة التي جاءت بها تشريعات الإسلام.وتأملوا في ختام الآية (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي أحدث تبديلًا في الوصية

(بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181))
إذاً المراقبة مراقبة ذاتية، القرآن وسورة البقرة تصنع في جهاز مراقبة ذاتي يقوم على استحضار على أن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، على استحضار أن الله يعلم السر كما يعلم العلانية،

ثم تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن عبادة الصوم العظيمة ولنا أن نتساءل كيف تأتي التشريعات بالحديث عن القصاص وعن المال وعن الوصية ثم تأتي بالحديث عن الصوم التشريعات كما ذكرنا والعبادات في سورة البقرة وفي القرآن العظيم بشكل عام تأتي لكي تهذب النفوس ما من عبادة من صلاة وصيام ولا زكاة إلا ولها مقاصد تربوية مقاصد تربي الفرد تربي الفرد وإرادة الفرد على أن يكون أكثر قدرة على تحقيق الأوامر والمنهج الرباني في واقع الحياة الصوم يقوي الإرادة ويقوي التقوى الصوم يصل الإنسان بخالقه الصوم يصفّي ويخلص النفس من شوائبها ولذا ربي عز وجل يقول

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183))
لماذِا؟
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىمَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

الأجدر بحالة الصيام وبعبادة الصيام حين يقوم بها الإنسان على أتم وجه أن تصل بالإنسان إلى مرحلة التقوى أن تترقى بحالة التقوى الضرورية التي لا يمكن أن يقام للمجتمع دور ولا للفرد بدون هذه التقوى فالتقوى ضمانة،
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185))
وأن الغرض من فرض الصيام ليس تعذيب الجسم ولا الشعور بالجوع بالنسبة للبطن أو الحاجات المادية للإنسان بعيدًا عن التقوى فالأصل في التشريع التيسير وليس التعسير
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)

ولكن هذه المعاني التي جاءت في الصوم إنما جاءت لتحقق معاني التقوى. وهذا الصوم العظيم وهذه العبادة العظيمة التي يحتفي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في كل عام إنما جاءت احتفاء بالمنهج الرباني احتفاءً بالقرآن العظيم تشريفاً لذلك القرآن الذي أنزله الله في شهر رمضان

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ)
من جديد الحديث عن الهدى
(وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185))

(ولتكبروا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
تشكرون الخالق الذي شرّع تشكرون الخالق أنزل المنهج وجعل عبادة الصيام عبادة وفريضة علينا عندما يستحضر الإنسان أن الشكر حاضر في قلبه على العبادة يستشعر أن الأوامر ليست عبئاً الأوامر ليست قيودًا النواهي ليست كبحًا لجماح حريته بقدر ما هي فتح لحريته وإشعار له بقيمة المنهج وأنه نعمة تستحق الشكر من قبل الله عز وجل


(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي)
استجابة للمنهج
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))
الحديث ما انقطع عن المنهج ولكنه وظف الدعاء الذي هو علاقة بين العبد وربه الدعاء استجابة العبد لنداء ربه .علاقة قائمة على استشعارك بأنه سبحانه قريب بقربه بما يليق بجلاله سبحانه منك، بسماعه لدعواتك بسماعه لمناجاتك بسماعك همومك وأحزانك وما يشغل فكرك، الله قريب.

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/21.jpg (https://pbs.twimg.com/media/B3sQqhgIUAEKX-B.jpg)
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))

ولِمَ وضعت الحدود؟ لم وضعت الخطوط الحمراء في حياة الناس؟
ابتلاء واختبار وامتحان لإرادة الإنسان الذي يتمرن على تقوية إرادته أمام الشهوات والوقوف أمام الخطوط الحمراء دون تجاوزها من خلال العبادة. فمن تعلّم واعتاد على الوقوف عند حدود الله مع نفسه وفي علاقته مع زوجته قطعاً هو الإنسان المؤهل للحفاظ على تلك الحدود في تعامله مع الآخرين.

الإنسان القادر على أن يكبح جماح الشهوة ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها له الخالق سبحانه وتعالى وفي ذلك كل الخير كل العطاء كل الصلاح.


نتاج الحرية لا تتوج إلا بالوقوف عند الحدود. وتنتقل الآيات من الحديث عن تلك العلاقة والحدود إلى الحديث عن أموال الناس فكما ذكرنا قبل قليل الإنسان الذي لا يستطيع أن يمارس كلمة (لا) في حياته الخاصة ويقف عند حدود الله لا يمكن له أن يمارسها في المجتمع لا يمكن له أن لا تمتد يده إلى الحرام حين يرى الحرام أما الإنسان القادر على عدم تجاوز الخطوط الحمراء ومراعاة حدود الله سبحانه وتعالى هو الإنسان القادر على أن لا يأخذ شيئًا ليس له بحق لا يأكل أموال الناس بالباطل لا يأكل الأموال التي لا تخصه لا يأكل فريقًا من أموال الناس بالإثم وهو عالم لحرمتها، تلك حدود الله لا يتجاوز الحدود

امانى يسرى محمد
2025-08-06, 05:47 PM
تأملوا كيف يمكن للمجتمع أن يعيش وما نوع الحالة الأمنية التي يعيش فيها مجتمع أفراده مصانون بسياج من التقوى، أجهزة الأمن والمراقبة فيه أجهزة ذاتية كل فرد من الأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع عليه رقيب من ذاته ومن نفسه لا يخشى إلا الله عز وجل ولذا ربي يقول
(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))

العصور التي كانت تطبق فيها تلك التعليمات الربانية كان الناس يبيتون وأبواب البيوت مفتوحة لا يخافون شيئًا إلا الحيوانات التي تدخل عليهم في بيوتهم، لا يخافون من البشر، لماذا؟
لأن البشر الذي تعلّم الخوف من الله لا يُخاف منه على شيء ولا على أحد.

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190))
مجدداً في سبيل الله لا في سبيل منصب ولا في سبيل استيلاء على ثروات شعوب ولا استعمار ولكن في سبيل الله وحده

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

وهنا لنا عدة وقفات:
الوقفة الأولى أن الأمر بالقتال جاء بمعنى الحفاظ على مكتسبات الشعوب والمجتمعات هذه واحدة.

الأمر الآخر أن الأمر بالقتال جاء بعد سلسلة من الأوامر والتوجيهات الشخصية التي دخلت في حياة الفرد التي دخلت في أدق العلاقة الخاصة بين الزوجين وفي المال وفي العطاء وفي حرمة البيوت ثم انتقلت إلى القتال، لماذا؟

المجتمع الذي لا يستطيع أفراده أن يحافظوا على حدود الله وتشريعاته وقوانينه في حياتهم الخاصة وفي أموالهم وفي سلوكهم مع الآخرين فيما بينهم هم أفراد في غاية العجز عن الدفاع عن الوطن وحمايته. الشخص الذي يدافع عن وطنه وعن حقوقه لا بد له من مواصفات وتلك المواصفات تأتي على رأسها التقوى والوقوف عند حدود الله، فمن يراعي حدود الله سبحانه وتعالى ويتقيه في أدق العلاقات الإنسانية هو الإنسان القادر على حماية وطنه القادر على الدفاع عن وطنه القادر على حماية مكتسباته فقد حمى المجتمع بكل أفراده من نفسه وبالتالي هو أقدر على أن يحميه من غيره أما إن كان عاجزاً عن أن يحمي المجتمع من نفسه وطغيان شهواته فامتدت يده على سبيل المثال إلى الحرام فأكل أموال الناس هذا إنسان عاجز عن الدفاع عن وطنه عاجز عن حماية حقوق غيره لأنه فشل في الامتحان لم يتمكن من حماية الآخرين من ظلم نفسه فأنّى له أن يتمكن من حماية الآخرين من ظلم الآخرين واعتدائهم؟!

وحتى في القتال لا تفارق القوى ومنظومة التقوى التعاليم الإنسانية التعاليم التي جاءت من الرب سبحانه وتعالى في سورة البقرة عدم الاعتداء

(وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
العدوان بكل صوره على الآخرين وعلى الأموال وحرمات الأنفس قضية محسومة قضية منهي عنها قضية محرّمة في دين الله ومنهجه لا يمكن أن يبررها أن دين الشخص الآخر الذي يُعتدى عليه يختلف عن ديني لا يمكن أن يبررها شيء على الإطلاق فالاعتداء محرّم

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194))

المثلية في رد الحقوق والدفاع عن النفس لا يحق لك أن تدافع عن نفسك بعدوان أكثر مما قد وقع عليك، تخيل عدالة التشريعات الإلهية،

تخيل السياج والحصن الحصين الذي وضعته هذه التشريعات العظيمة.

ولكن يا ترى ما الذي يحقق عدم الظلم ويحقق العدالة حتى في الحروب معروف تمامًا في التشريعات الإنسانية أن الحروب يحدث فيها سفك واعتداء ومصائب وانتهاكات لحقوق الإنسان ما الذي يضمن أنه حتى في واقع القتال والحروب يبقى الإنسان على أرقى درجات النزاهة والحصانة وعدم الاعتداء على الآخرين؟

تأملوا في قوله عز وجل
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

التقوى هي الضمان الوحيد وهي الحصن الحصين لمراعاة حقوق الإنسان وممارسة الإنسان لحماية حقوق غيره من نفسه وأمام نفسه.

هذا القرآن العظيم ينتقل بعد ذلك من قضية الجهاد بالنفس وبذل النفس والتضحية والدفاع عن المكتسبات المجتمعية إلى قضية الإنفاق

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

من بذل النفس إلى بذل المال والبذل في سورة البقرة حاضر في مختلف الآيات والتشريعات كما سنأتي عليه في الجزء الثالث على سبيل المثال، لماذا؟ ا

لإنسان الذي استطاع أن يتغلب على قضية النفس وأن يبذل نفسه وروحه في سبيل الله هو أقدر على أن يبذل ماله ولن يكون ولن يصل تلك المرحلة من البذل والتضحية إلا حين يستحضر أن ما من شيء فيه لنفسه، كله لله

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))
وبالتالي ترخص الروح ويرخص المال في أيّ سبيل؟
في سبيل الله

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195))

لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة من خلال الشح والبخل وعدم الرغبة في البذل والتضحية والعطاء. وهنا تحضرنا الصور المتعددة التي جاءت عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا ليسوا على مقدرة من البذل والعطاء ولذلك في آيات القرآن العظيم ربي عز وجل تأتي الآيات بالحدث عن شح النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) الشح لا بد أن أتخلص من الشح أتحرر من البخل أتحرر من عدم الرغبة في العطاء، ما الذي يحررني؟ الإنفاق وسورة البقرة تقدم أشكالًا متعددة للإنفاق إنفاق الروح والنفس وبذل هذه النفس في سبيل الله وإنفاق المال للتخلص من الشحّ.

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (196))

الحج مدرسة يتخرج فيه الإنسان قادر على العطاء والبذل وقادر على تجاوز شحّ النفس إنسان محصّن بالتقوى إنسان زادت عنده التقوى ولذلك تستمر الآيات في الحديث عن مدرسة الحج

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197))

الحج مدرسة كبرى يتعلم فيها الإنسان الصبر والتضحية يتعلم أنه لن يُرفع عمله ولن يُقبل إلا حين يكون خالياً من الرفث والفسوق والجدال والسُباب يتعلم كيف ينزّه الإنسان لسانه وكيف ينزّه عينه فلا تقع على حرام يتعلم كيف يتجاوز ويغضّ الطرف عن عثرات الآخرين يتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً متسامحاً يبذل الخير للآخرين يتعلم كيف يعفو وكيف يصفح، إنسان جديد إنسان تصنعه تلك المدرسة الربانية الموجودة في الحج.

الحج ليس مجرد شعيرة الحج ليس مجرد عبادة، من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع وعاد من حجه كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء نقية من الذي نقاه؟ نقاه الصبر نقته تلك التعاليم الربانية المقصودة في الحج، الحج فيه زحمة كبير فيه احتكاك بين البشر بشكل واضح لماذا؟ لأنه رسالة عالمية أراد ربنا عز وجل أن يبتغي الناس من فضله وكيف يبتغون من فضله؟ يجتمعون يتعلمون من بعضهم البعض يتسامحون يخطئون ويصيبون ويغفر بعضهم لبعض الحج مدرسة للتقوى ولذلك جاء الحديث عن التقوى

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)

ولن يزداد الإنسان في تقواه إلا حين يتجاوز الشحّ الموجود في نفسه يتجاوز الأنانية يتخلص من الأشياء التي تحول بينه وبين أنانيته يتعلم كيف يصفح لا يمكن أن تسامح إلا حين يزداد رصيد التقوى في قلبك، لا يمكن أن يقوم أحد من الناس بدفعك في الحج والعمرة نتيجة للزحام الشديد وتعفو عنه وتسامحه وتبتسم في وجهه وتدعو له بالمغفرة إلا حين يكون رصيدك من التقوى عالياً مرتفعاً. وكيف ترتفع أسهمك في التقوى إلا حين تتربى على عين تلك التشريعات الإلهية.

امانى يسرى محمد
2025-08-06, 05:50 PM
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205))

الإنسان الذي تخرج في مدرسة الحج إنسان لا يمكن أن يقبل بمنهج الفساد والإفساد إنسان صلح سرّه فانعكس ذلك الصلاح على علانيته إنسان ليس عنده ازدواجية ولا نفاق في التعامل مع الآخرين إنسان ليس هناك ثمة تناقض بين التقوى التي يحملها في قلبه والمنهج الذي يسير عليه في الحياة على الإطلاق. ليس هناك تناقض بين قوله وفعله كتلك الصورة التي تنقلها الآية

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204))

ثمّة تناقض وازدواجية يقول شيئاً ويبطن شيئاً آخر، الإنسان الذي تصنعه مدرسة الحج وتعاليم المنهج الرباني وتصوغه التقوى إنسان سرّه خيرٌ من علانيته، وكيف يصل الإنسان إلى مرحلة يكون السر عنده خير من العلانية؟ حين تبرز التقوى، حين تأتي التقوى فتبدأ تبدد ظلمات النفس وأنانيتها ولذلك جاءت بالصورة الناصعة

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))

إنسان استطاع أن يتخلّص من شُحّ النفس واستطاع أن يتجاوز الفساد، كيف تجاوز الفساد؟

ببساطة شديدة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، باع نفسه لله عز وجل تخلص من شح نفسه. ما من فساد يقع في الأرض إلا كان حب النفس والأنانية له أثر فيه لا يمكن أن يحدث الفساد إلا حين يتصور الإنسان بوهم أنه يحب ذاته وأنانيته، يحاول أن يؤثر نفسه على الآخرين فيأتي الفساد من هنا. أما الإنسان الذي تصنعه سورة البقرة فهو إنسان باع نفسه لله أخضع نفسه لله عز وجل يحب الله أكثر من أي شيء آخر، أكثر من نفسه فيخضع لمنهجه وينقاد لتعاليمه. هذا الإنسان هو القادر على أن يحقق السلم في الحياة هو الإنسان القادر على أن يقدم السلم الأهلي ويمارسه السلم العالمي الذي يفتقر إليه عالمنا المعاصر اليوم، عالمنا المعاصر اليوم يبكي دماً من فقدان السلم كيف يتحقق السلم؟

لا يمكن أن يحقق السلم أفراد لا يعيشون سلامًا مع أنفسهم ومع ذواتهم لا يمكن. تعاليم سورة البقرة والمنهج الرباني في سورة البقرة يحقق السلم الداخلي، الأمن الداخلي، الأفراد القادرون على تحقيق السلم الداخلي مع أنفسهم والتصالح مع ذواتهم من خلال اتباع منهج الله هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا السلم


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208))
من جديد الحديث عن خطوات الشيطان، الفرقة والنزاع والقتال والحروب والصراعات بين البشر التي نشهدها في عالمنا اليوم لا يمكن أن تكون من قبيل تطبيق منهج رباني لا يرضى لعباده إلا الخير والإيمان والصلاح! لا يمكن إلا أن تكون من قبيل تطبيق وتنفيذ مناهج شيطانية بشرية وضعية ما استطاعت أن تتحرر من شُحّ أنفسها، هذه الصراعات لا يمكن أن تكون خارج هذا الإطار. ولذلك جاء الأمر في الدخول في السلم، هذا الدخول في السلم الذي يحقق للعالم ما تصبو إليه والثبات على ذلك والتحذير من الزلل والوقوع في الخطأ نتيجة عدم حساب الخطوات بشكل صحيح واتباع المناهج الشيطانية ولنا هنا أن نتخيل ما يأتي به الثبات من ثمن ومن تضحيات بالأنفس وبالأموال ولذلك يأتي الحديث في سياق وفي خضم الكلام عن التعاليم البشرية والحديث عن السلام في ذكر بني إسرائيل من جديد


(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
لكي يتفرقوا؟ أبدًا!
(لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213))

إذاً الأصل في الأديان والكتب السماوية أنها توحد وتجمع لا أنها تفرق وتشتت أما الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وظلماً وعدواناً أما المؤمن فالله يهديه (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) منهج الأنبياء واحد السير على الكتب والمنهج الرباني وتنفيذ المنهج في واقع الحياة. ولكن تنفيذ ذلك المنهج لا يمكن أن يأتي بدون تضحيات، لا يمكن أن يأتي بدون ثبات، الثبات على المنهج الرباني الذي جاء به كل الأنبياء والكتب السابقة لا بد أن يدفع له ثمن وهذا الثمن هو التضحية ولذا جاءت الآية العظيمة في قوله عز وجل

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214))


الثبات على الحق يحتاج إلى تضحية يحتاج إلى نفوس تعلم بأن الحق له وثمن والثمن غالي وهي مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن ولذلك جاء الحديث مباشرة عن الإنفاق بالمال بعد بذل النفس جاء الحديث عن المال
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْ نِ وَالْأَقْرَبِين َ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215))
التضحية، البذل، العطاء في سبيل الله واتباع المنهج الذي يأمرك. ثم بعد الحديث عن الإنفاق بالمال يأتي
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216))

نفوس مستعدة أن تضحي بالمال وتضحي بالأرواح لأجل أن تنفذ المنهج الرباني في واقع الحياة. والآية واضحة في قوله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أنا في اتباعي للمنهج الرباني قد أسير على خطوات أو على أوامر وتعاليم وأنا أرى أني أكره هذه التعاليم، فيها عبء، لا أحد مهما يكن يحب أن يضحي بنفسه بهذه البساطة، أغلى شيء على الإنسان الروح، نفسه التي بين جنبيه كيف يضحي بها؟!!


(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)

وهنا إشارة واضحة إلى واقعية التشريعات الإلهية فالتشريعات الإلهية ليست مثالية التشريعات الإلهية صادرة من رب يعرف ما يحبه البشر وما يكرهه، يعرف خلجات نفسك يعرف ما تحدّث به نفسك وأنت بينك وبين نفسك يعرف سبحانه وتعالى، سميع عليم، يعلم أن النفوس لا تحب القتل لا تحب أن تُقتَل، لا تحب الموت بطبيعتها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولكن تأملوا في النتيجة

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

القاعدة أنك تخرج مما تهواه وتحبّه نفسك إلى ما يحبّه الله ورسوله، وتخرج عما تكرهه نفسك إلى ما يكرهه الله ورسوله، تخرج عن نفسك تماماً، تتخلى عن نفسك، تنصاع لمنهج ربك عز وجل، مؤمناً بأن الله قد يفرض عليك شيئاً أنت تراه شراً وهو خير، هذا المنهج الرباني، المنهج الرباني يطلب منك أن تخرج من داعية هواك ونفسك.


(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219))

إذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات!

أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل.

في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟ الآيات جاءت في قوله عز وجل

(وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220))

عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها

امانى يسرى محمد
2025-08-09, 03:36 PM
ثم تنتقل بعد ذلك التعليمات والتشريعات إلى الزواج الذي يعكس صورة من صور إيمانك واعتقادك وتقواك، الزواج ليس قضية أوتوماتيكية جسدية مادية بحتة، القرآن لا ينظر إلى الزواج على أنه علاقة جسدية ينظر إلى الزواج على أنه علاقة روحية تربط بين اثنين ولأن تلك العلاقة علاقة مادية وروحية وجسدية ومعنوية وفكرية وثقافية لا بد أن تقام على تناغم وانسجام في المشاعر والاعتقاد. من هنا حرّم التشريع الإسلامي والتشريع القرآني الزواج ما بين المشرك والمؤمن لذلك التناقض الواضح والتنافر الواضح بين الإيمان والكفر.

ثم تنتقل بعد ذلك الآيات من الحديث عن الزواج في إطاره العام إلى الحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة في العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة لتدخل التقوى في تلك الجزئيات فتطهرها فتنقّيها فتخلّصها فتجعلها علاقة لا ينظر إليها القرآن على أنها نجس أو علاقة يشمئز القرآن منها، لا، بل علاقة مصانة بسياج من التقوى والطهر والعفاف في أبهى وأحلى صور

(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223))

من جديد التقوى حاضرة حتى في العلاقة الخاصة، التقوى حالة تصبح جزءًا من الإنسان المؤمن التقوى تصقله وتصقل مشاعره وتصرفاته وسلوكه لا تنبثق من فراغ بل من إيمان من قلب متحفّز من قلب يستشعر مراقبة الله له في كل صغيرة وكبيرة

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

راقب الله عز وجل في كل تصرفات حياتك، جهاز مراقبة ذاتي كامل، حصانة كاملة. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى تفاصيل وإجراءات في العلاقة الزوجية، العلاقة بين الزوجين، علاقة الطلاق وعلاقة النفور التي قد تحدث والإيلاء، علاقة ما يحدث بين الأزواج في العلاقات الأسرية قد يحدث في بعض الأحيان نفور بين الزوجين

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227))

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/23.jpg (http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1281/ar-1281/02.jpg)

يا تُرى حين يحدث نفور بين الزوجين أين معالم المنهج الرباني؟

ا الذي يتحكم في الوضع هنا؟
حين يحدث النفور والبغضاء والكراهية لا ينبغي أن تتحكم المشاعر النفسية السلبية البشرية في الحكم على تلك العلاقة، لماذا؟ لأن الذي يحكم العلاقة حتى في حالة النفور هو المنهج الرباني والتعاليم البشرية أنت لا تحكمك أهواؤك ولا تُحكم بأهواء من قبل نفسك، أبداً، أنت محكوم بالمنهج عليك أن تراعي الله سواء كرهت أم أحببت عليك أن تراعي الله عز وجل.

ثم تنتقل الآيات للحديث عن الطلاق وللحديث عن عدّة المطلقة وتأملوا كيف تكون التقوى حاضرة في كل هذه الجزئيات يقول ربي عز وجل

(والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (228))

ما دخل الإيمان بالله في مراعاة المعتدّة لعدّتها والفترة التي تعتد فيها؟

الإيمان قضية فاعلة، الإيمان ما وقر في قلبك وصدقته أعمالك وسلوكياتك وأفعالك وتصرفاتك. الإيمان قضية حاضرة تصدّقه الأعمال والتصرفات والممارسات ولذلك تأمل في قوله

(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)

ووالله لو أن البيوت الأسرية ولو أن العلاقات بين الزوجين والعلاقات الأسرية أقيمت على دعائم المنهج المصان بتقوى الله عز وجل لما كان بنا تلك الحاجة إلى أن نقف طوابير وصفوف على أبواب المحاكم الشرعية! لما كان هناك حاجة لحلّ كل تلك النزاعات والفوضى العارمة التي تسود في أسرنا وفي بيوتنا! ما سادت تلك الفوضى والعداوة والكراهية وضياع الحقوق وعدم الإمساك بمعروف ولا التسريح بإحسان إلا حين غابت معالم المنهج الرباني في قلوبنا وفي سلوكياتنا،

وتأملوا كيف ختمت الآية بقوله

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

الحدود في العلاقات الأسرية بين الزوجين من الذي وضعها؟

لم تضعها أنت ولم يضعها أحد من البشر الذي وضعها الرب سبحانه وتعالى فعلى قدر ما أنت تتقيه وتحبه عليك أن تراعي الحدود الذي وضعها، هذه حدود الله عز وجل وهذه ثمرة مراعاة حدود الله عز وجل التي يبينها لقوم يعلمون. ولذلك ربي عز وجل حين يتحدث عن الصورة المشوّهة التي تأتي جراء مخالفة التعليمات الربانية يقول

(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)

لا تمسك المرأة وتمنع طلاق المرأة لأجل أن تضر بها كما يحدث في مجتمعات كثيرة جداً الرجل يمسك المرأة لا محبة في عشرتها ولا بقاءً عليها ولكن للإضرار بها وتأملوا كيف تأتي التعاليم الربانية

(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَاتَتَّخِذُو ا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)

وتختم بقوله

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

تقوى الله عز وجل. من الذي يمنعك من الوقوع في ظلم المرأة التي تحت يدك؟ الطلاق بيد الرجل، من الذي يمنعك من الوقوع في الظلم؟

الله الذي شرّع، الله الذي جعل الطلاق بيدك، الله الذي أحلّها لك، الله الذي وضع لك كل هذه التعاليم هو الذي يمنع ولذلك الآيات كلها تنتهي بالحديث عن التقوى

(ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232))

امانى يسرى محمد
2025-08-09, 03:40 PM
الجذء الثالث من سورة البقرة



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/24.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-WgWIga4FQWQ/U3ueEwzGkyI/AAAAAAAAAJk/9_YnrhUe33E/s1600/tumblr_mn7bcnnYDl1s9rlyjo1_500 .jpg)

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)

فما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بمشيئة الله وما من أمر يحدث أبدًا خارج عن إرادته سبحانه وعن مشيئته لكن الإنسان فردًا كان أو جماعة أو شعبًا ما كان له أن يحتج على فعله بمشيئة الله سبحانه فليس له أن يقول لو شاء الله ما اقتتلت مع أخي الإنسان، لو شاء الله ما وقع لي النزاع ولا الصراع، فلا يحتج بمشيئته لأنه كإنسان نسبي محدود العلم لا يمكن له أن يعرف ما هي مشيئة الله عز وجل وإنما هو مخير في اختياره وفعله، هو مخير أن يختار الإيمان أو الكفر هو مخير أن يختار المنهج الذي يتعامل فيه مع الناس حين يختلف معهم، الاقتتال منهجية ما كان لها أن تحث بين الناس لو أن الناس قد اختاروا طريق الإيمان لو أن الناس قد قاموا بتنفيذ المنهج الرباني والتعاليم الربانية في واقع الحياة لو أنهم ساروا على منهج الأنبياء والرسل ما كان لذلك النزاع ولا لذاك الصراع أن يحدث. الصراع حدث من قبيل مخالفة المنهج الرباني في الواقع الإنسان فكان أمرًا طبيعيًا أن يحدث ذلك النزاع.


والجزء الثالث من سورة البقرة بأسره يتحدث عن المعاملات المالية ولكنه لا يخرج في حديثه عن المعاملات المالية عن منهج الإيمان، يصب في الإيمان فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبيّن وحدة الاعتقاد والتصور في الشعور وتمثلها هي التي تعكس صدق وأمانة الإنسان في تعاملاته المالية. الجزء الثالث يتحدث كثيرًا عن تلك الأمانات وتلك التعاملات ويبدأ بذلك الخطاب المُحبَّب

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

الأمر بالإنفاق، لا يمكن للإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يكون له صدى في قلب المؤمن وفي حياته دون أن يوثِّق ذلك الإيمان بالتصرفات، بالسلوك. والإنفاق وبذل المال الذي قد رزقك الله سبحانه وتعالى إياه وسائر المواهب وسائر القدرات وسائر القوى التي قد وهبك الله سبحانه وتعالى وأعطاك إنما هو من قبيل تصديق الإيمان بالفعل.


(أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم (254))

قد يرزقك الله علمًا، قد يرزقك الله قوة في الجسد، قد يرزقك الله عز وجل قوة في المقال، قد يرزقك الله سبحانه وتعالى قوة في منصب أو جاه، قد يعطيك الله موهبة معينة لا يمتلكها أحدٌ سواك.

عليك أولًا أن تستحضر أن كل ما لديك هو ليس من قبيل نفسك وإنما هو من قبيل رزق الله سبحانه وتعالى لك. والإنسان حين يستشعر أنه لا يمتلك شيئاً وأن الملك كله لله وأن الرزق كله لله وأن كل ما في يديك إنما هو من قبيل استخلاف الله عز وجل لذلك الإنسان حينها تبدأ تستقر مشاعر التواضع في سويداء قلبك. حينها يبدأ فعلًأ بتكريس مفهوم البذل والعطاء حينها يتخلص من الشحّ




(مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)

استبق الخيرات استبق الأعمال استبق البذل والعطاء استبق القدرة التي تمتلكها فأنت الآن تملك قوة في الجسد على سبيل المثال ولكن ربما بعد ايام تتحول تلك القوة إلى ضعف فربي عز وجل سيسألك حينها ماذا فعلت بالقوة التي قد مُلّكت حين كنت تملكها لأنها قد أُخذت عنك. هذه المعاني العظيمة تشكل الدستور الأول في منظومة الإنفاق تشكل المعالم الأساسية.

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/25.jpg (http://www.saaid.net/Doat/gamdi/l/69.jpg)

أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي تبدأ بلفظ الجلالة

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

عليك أن تتعرف من هو الرب الذي تبذل وتعطي وتقدّم لأجله وفي سبيله، تعرّف على الله، آية الكرسي تعرّف الإنسان على خالقه عز وجل بسرد صفاته سبحانه وتعالى صفات الله سبحانه وتعالى فتبدأ بلفظ الجلالة (الله) ثم تأتي على قوله عز وجل (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ) تلك الشهادة التي لا يمكن أن تصح الأعمال ولا تُرفع ولا تقبل بدونها (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض شهادة التوحيد التي قامت على أساسها كل الشرائع السماوية

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ)

لا يمكن أن يستقيم إنفاق ولا بذل ولا عطاء ولا منع بدون أن يتحقق في قلبك وفي واقعك أن لا إله إلا الله لا مصرِّف للأمور إلا الله لا مدبّر في الكون إلا الله لا رازق إلا الله لا واهب إلا هو لا أحد يعطي ويصرّف ويتصرف في الكون إلا هو سبحانه وتعالى.


(الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

وجاءت بتلك الصفتين صفة الحياة المطلقة الدائمة ولذا جاء في الحديث "توكلت على الحيّ الذي لا يموت" الحياة صفة من صفات الله عز وجل حياة مطقة حياة دائمة، كل الأحياء على وجه هذه الأرض يموتون وهو سبحانه الباقي الذي لا يموت، كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه،

(الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

القائم على تصريف كل شيء من أصغر شيء في الكون إلى أكبر أمر فيه ما تسقط من ورقة على شجرة إلا يعلمها ولا تتحرك نسمة هواء في هذا الكون إلا وهو المحرّك الأول لها سبحانه لا يتحرك شيء في الكون إلا بعلمه إلا بإذنه إلا بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى قيّوم قائم على كل نفس بما كسبت


وهنا تبدأ تتضح معالم ومقاصد أن تكون هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله، لماذا هي أعظم آية؟

لا يمكن أن يستقيم لي شيء دون أن تستقر تلك المعاني وإيماني بتلك الصفات الربانية في أعماق قلبي ونفسي وتتحول إلى حقيقة واقعة في شعوري وفي عملي حين أستشعر دومًا أن الله هو القائم بتصريف الأمور أن الله هو المدبّر لكل شيء في مملكته، ما هو الشعور الذي يحدث في نفسي أنا كإنسان ما هو التوجه الذي يحدث بعد ذلك حين تستقر تلك الحقيقة في أعماق قلبي؟


أبدأ استشعر بضعفي أنا كإنسان أمام قوة الله المطلقة سبحانه وتعالى أبدأ أستشعر بأنه لا أحد يستحق أن أتوجه إليه بالإيمان والاستسلام والخضوع والانقياد إلا الله الملك الحي القيوم، لا أحد يستحق الانقياد والخضوع. إذا كان لا أحد حيّ سوى الله سبحانه وتعالى وإذا كان لا قيوم سواه سبحانه وتعالى فلِمَ أوجه قلبي أو أخضع في تصرفاتي وأعمالي لأحد سواه؟

كيف أخضع لبشر يموتون وعندي الله سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت؟


(لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)

الملك الحقيقي الملك الشمولي الملك الدائم

(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)

تخيّل كل ما في السموات وما في الأرض أحياء أشخاص أناس نباتات جمادات أشياء ما في شيء في الأرض ولا في السماء ولا من أحد إلا وهو ملك خالص لله سبحانه وتعالى حين تستقر هذه المعاني في قلبي هل يمكن أن يتبقى شيء في قلبي وفي تصوري يدين لأحد سوى الله سبحانه وتعالى؟

كل شيء له هو كل أحد أمره بيده سبحانه وتعالى فلا تبدأ هناك توجهات شركية ولا توجهات ندّية ولا توجهات مصطنعة أن البشر يملكون شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى. حينها لا يمكن لقلبي أن يدين لأحد من البشر لا يمكن أن يخضع ويتوجه بالانقياد لحكم أحد من البشر من دون الله سبحانه وتعالى.


(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)

الشفاعة التي كان يزعم المشركون أنهم لا يعبدون من دون الله شيئًا إلا ليقرّبهم إلى الله زلفى نفاها ربي سبحانه وتعالى عن أحد

(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)

لا شفاعة إلا بإذنه سبحانه وتعالى فطالما أن لا شفاعة إلا بإذنه لمن أتوجه إلا له سبحانه وكيف أتوجه لأحد من دونه سبحانه وتعالى؟!

ثم تأتي الآية على علمه سبحانه وتعالى العلم المطلق لتُدخل ذلك الإنسان في عملية مراقبة مستمرة دائمة لخلجات مشاعره لخواطره لما يدور في نفسه لكل صغيرة كبيرة فالله مطّلع عليها

(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)

علم مطلق، اطلاع مطلق على كل شيء في هذا الكون وعلى كل أمر وصغيرة وكبيرة ودقيقة في مشاعر البشر ومشاعر الناس. فطالما أن الأمر كذلك لي أنا البشر أن أتصرف في بعض الأحيان وأنا معتقد بأني بعيد عن علم الله ومراقبته سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم كل شيء في هذا الكون؟! يعلم ما كان وما يكون، يعلم كل صغيرة وكبيرة ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لا في سرّ ولا في علانية.



(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)

آية الكرسي العظيمة في كل مقطع من مقاطعها تبني في نفسي علاقة ودعامة لعلاقة مع الله عز وجل علاقة مبنية على قمة الإيمان بقدرته سبحانه وتعالى بسلطته المطلقة

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)

الرب العظيم الذي تعرّف إلى خلقه في هذه الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، بصفاته بقدره بعلمه بكل معرفته سبحانه وتعالى وقدرته المطلقة على خلقه هذا الرب العظيم كيف لي بعد ذلك أن لا أؤمن له ولا أستسلم له عز وجل؟!

امانى يسرى محمد
2025-08-11, 12:49 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/27.jpg (http://arwaalwska.ucoz.com/31.jpg)



جاءت الآية التي تلي آية الكرسى لتقرر أن الإيمان والاعتقاد لا يمكن أن يُبنى إلا على الحرية، لا يمكن أن يُبنى على الإكراه، لا يمكن أن يُساق الناس بالسلاسل للإيمان بالله عز وجل الإيمان مبناه الحرية في الاعتقاد، أنت حرٌ بعد ذلك.

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)

قمة حقوق الإنسان جاءت في هذه الآية العظيمة، حرية الاعتقاد لك أن تختار ما تشاء



(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)

تبين بعد أن أوضح الله سبحانه وتعالى كل تلك الايات العظيمة. وتأملوا معي كيف جاءت الآية

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ)

طاغوت كل ما طغى وتجاوز وزاد عن الحد فهو طاغوت وتتنوع وتختلف وتتعدد أشكال الطواغيت في العالم وكيف تنشأ ظاهرة الطواغيت في العالم؟

حين يتصور الإنسان واهمًا أن أيّ أحد أو أيّ شيء في هذا الكون له مساحة أكثر من المساحة التي ينبغي أن تكون له، حين يعتقد متوهمًا أن أحدًا يمتلك شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى، هنا يبرز الطاغوت.



الطاغوت قد يكون شخصًا

وقد يكون شيئًا كل ما يتجاوز الحدّ كل ما يتجاوز معالم المنهج الرباني الذي وضعه الله عز وجل له

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229))

يتحول إلى طاغوت، الإنسان المتجبر المتسلّط يتحول إلى طاغون حين يظن واهمًا أنه يمتلك السيطرة على مقدرات الناس والتحكم في حياتهم كما ستأتي الآية التالية في قصة الذي حاجّ إبراهيم في ربه، هذا طغى، هذا شكل من أشكال الطواغيت، اعتقد أنه يمتلك قدرة دون قدرة الله عز وجل اعتقد أنه يمتلك شيئًا وهو لا يمتلك فكل إنسان وكل شيء ظنّ متوهمًا أن له شيء من الأمر من قبل أو من بعد من دون الله فقد طغى ولذلك القرآن يحدثنا عن فرعون فيقول إنه طغى، زاد، ظغى حين تصور أشياءً ليست من اختصاصه وظنّ واهمًا أنها له. فمن يكفر بالطاغوت لا بد أن يؤمن بشيء آخر مقابل هذا الكفر، لا يمكن أن يكفر الإنسان ولا يؤمن بشيء مقابل ذلك الكفر، من يكفر بالطاغوت سيؤمن بالله ومن يؤمن بالله فقد استمسك



وتأملوا في هذه الكلمة العظيمة ليس مسك وإنما استمسك، طلب التمسك بقوة وشدة بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى على قول أغلب العلماء والمفسرين قول "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد الخالدة، كلمة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض، كلمة التوحيد التي جاء بها الرسل، كلمة التوحيد التي عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة، كلمة التوحيد التي لا يصلح العمل إلا بها.



(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

سميع يسمع كل صغيرة وكبيرة يسمع خواطر نفسك التي تحدثك بها دون أن تنطق بها، عليم بكل شيء، عليم بما يختلج في القلب من إيمان واعتقاد أو نفاق وكفر لا قدّر الله، عليم بكل شيء فصحح جوانب الاعتقاد في قلبك.

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

النتيجة المترتبة

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)

ولك أن تتخيل واترك العنان لخيالك وأنت تتصور ماذا يحدث حين يصبح الله سبحانه وتعالى وليًّا لك، حين يتولى الله سبحانه وتعالى تدبير شؤونك وأمورك صغيرها وكبيرها؟ ماذا يحدث حين يتولى الله عز وجل تصريف أمورك المالية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وكل شيء في حياتك ماذا يحدث؟ ومن هو الله سبحانه وتعالى؟
،،،،،،،،،،،،،

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)

رجل امتنّ الله عليه بالملك وهو ليس بملك مطلق قطعًا، الملك المطلق لله الواحد القهار ولكن الله خوّله نعمة التصرّف في مكان معين، ملّكه نعمة التصرّف لوقت معين محدود، جزئي، ولكنه لم يفهم تلك المعادلة الصعبة وتصور حقيقة أنه يمتلك ملكًا حقيقيًا ذلك المكان، اعتقد أنه الملك من دون الله وتأملوا في اختيار نوع الحجة التي كان يقدمها لإبراهيم (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) وتأملوا الربط في قوله عز وجل (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ربي سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على الإحياء والإماتة فإذا بهذا الطاغوت المتجبر المتكبر يقول واهمًا جاهلًا (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أنا إن قلت للحارس الآن وأعطيته الأمر بقتلك سيقتلك وبذلك أكون قد أمرت بالإماتة وأحيي بمعنى إن لم أصدر الأمر فأصبح هذا الإنسان حيًا، جهل مطلق! تصور خاطئ!



(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

نوع من أنواع التعامل الرائع،

هذه فيها لفتة عظيمة حين ترى أن الطرف الذي أمامك لا يرتقي إلى المستوى الذي أنت فيه حاول أن تخاطبه على قدر عقله،

وهنا لم يتمكن من المحاجّة أكثر من ذلك

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)

وبقي على كفره

(وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)


ولنا أن نتساءل في دقة التعبير القرآن (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لِمَ لم يكتب الله الهداية لهؤلاء الظالمين؟

لأنهم لم يكونوا أهلًا ولا محلًا لتلك الهداية بظلمهم، الظالم ما عاد أهلًا ولا محلًا للهداية لأنه كفر، لأنه ظلم نفسه، أما لو أنه آمن لكان محلًا لهداية الله أما وأنه قد كفر فإن كفره وقع باختياره لأنه لا إكراه في الدين، الكفر قد وقع باختياره، الكفر قرار اختياري فكان مستحقًا للضلال وللغواية والبعد عن الله عز وجل بحكم اختياره وبحكم قراره أما وأن الإيمان قرار اختياري فالهداية نتيجة مترتبة وثمرة طبيعية لاختيارك الذي قمت به بأمر الله وهو الإيمان. ثم تقدم الآيات العظيمة صورة أخرى لذلك الإنسان الذي يمر على الآيات في الكون دون أن يتفطن إليها في حين أن المؤمن الفطن العاقل مطلوب منه ومطالب أن يقرأ الآيات المبثوثة في الكون، أن لا يمر عليها هكذا دون أن تحرك فيه سواعد وشواغل الإيمان، دون أن تحرك فيه بذور الإيمان والعودة والرجوع لخالقه سبحانه وتعالى

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا

قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)

تأملوا هذه الآيات تتكلم عن الحياة والموت، عن الإحياء والإماتة والتناسب واضح بين آية الكرسي التي جاء فيها قوله عز وجل (الحيّ القيّوم) وبين هذه الآيات التي تتحدث عن مظاهر إحيائه سبحانه وتعالى لكل شيء في هذا الكون مظاهر حقيقية تدل على أن الله حيّ قيوم، هذه المظاهر يراها كل الناس مظاهر مفتوحة، مظاهر مشتركة، مظاهر يمر عليها المؤمن والكافر ولكن المؤمن يمر عليها فتحرك الإيمان في قلبه فتحييه من جديد وتخرجه من الظلمات إلى النور أما الكافر فيمر على الآيات فتزيده تلك الآيات كفرًا وظلمًا وظلمة لأنه استحب الكفر على الإيمان.



(قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)

انظر إلى قدرة الله عز وجل في الزمن

(فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ)

أشياء حسية أمام عينيك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تتغير على الرغم من مرور تلك الفترة الزمينة، من الذي يحرّك السبب ويوقف السبب؟

الشيء الطبيعي أن هذا الطعام سينتهي تمامًا ويتحلل بمرور تلك الفترة الزمنية من الذي أوقف قانون التحلل؟ من الذي يحرّك قانون التحلل؟

الذي بيده الأسباب مسبب الأسباب سبحانه وتعالى

فلا يبق التفاتك إلى الأسباب وتعلقك بالأسباب دون مسبب الأسباب.

تأملوا كيف تصنع هذه الآيات الإيمان في قلبي، تصنع اليقين ترتقي بالإيمان واليقين في قلبي، توجّه قلبي دائمًا إلى التعلق بمسبب السباب دون النظر إلى الأسباب لأن هذه القضية مهمة جدًا في كل التصرفات والسلوكيات بما فيها قضايا المعاملات المالية التي ستأتي في الجزء الثالث من سورة البقرة. لا بد أن يرسخ اليقين في قلبك والإيمان بمسبب الأسباب




(وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260))

وقبلها

(أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)).

العلم هنا ليس مجرد المعرفة أو العلم بالشيء المقابل بالجهل وإنما العلم هنا هو العلم اليقيني الذي يستقر في القلب فيحرك دوافع العمل والسلوك العلم الذي صنعته تلك الآيات في بدايات الجزء الثالث لتكرّس هذه المعاني من جديد لتصبح تلك المعاني حقيقة ثابتة راسخة في قلب المؤمن لا يتغير عنها ولا يحيد عنها لا في تصرفاته ولا في سلوكه فتأتي السلوكيات والأفعال مصداقًا لتلك الحقيقة الراسخة من اليقين والإيمان

امانى يسرى محمد
2025-08-12, 03:21 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/45.jpg (http://www.xzx4ever.com/vb/up/uploads/13390615351.jpg)

(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ)

الآن حين تنفق وحين تعطي وتقدم ما لديك في سبيل الله أنت لا تنفق بعملية آلية، أنت تنفق بناء على حقيقة راسخة على يقين، اليقين بأن المال الذي تملك إنما من ملّكك إياه هو الله سبحانه وتعالى، أن المال سبب ومسبب الأسباب هو الذي أمرك بالبذل والعطاء فحين تبذل السبب في سبيل مسبب الأسباب سيجعل مسبب السباب لك أسبابًا لإغنائك وإثرائك وإبدالك وإعطائك ومجازاتك، يقين. ما اصبحت منظومة الإنفاق في سبيل الله غير مفهومة، لا، مبنية على يقين مبنية على أن ما اقدمه وما ابذله في سبيل الله سيعود عليّ بأضعاف مضاعفة لأن الذي سأبذل في سبيله هو الذي يمتلكها وهو القادر على مضاعفتها وهو القادر على محقها وإزالتها وهو المسبب الأساس الذي وهب وأعطى. تأملوا في صدى الإيمان واليقين حين يظهر في السلوك

(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

مضاعفة الأجر والثواب لأن بيده أسباب كل شيء هو الله سبحانه وتعالى واسع عليم، صفات. إيماني بصفاة الله عز وجل انعكست على بذلي انعكست على عطائي انعكست على قدرتي على التخلص من الشح والوقاية منه باليقين، استلت من قلبي جذور الشح وتصور أن ما في يدي من مال هو ملك لي وأني حين أُنفق وحين أُعطي إنما ينقص مالي، المال لا ينقص بالصدقة، المال لا ينقص، المال يضاعف أضعافًا مضاعفة على قدر ما في قلبك من اليقين بأن الله سيضاعف، على قدر ما بقلبك من اليقين بأن الله قادر وأنه سيضاعف. وتأملوا في كيفية رسم معالم منهج ومنظومة الإنفاق في سورة البقرة، لا يكفي فقط أن تعطي مالًا أو تنفق مما لديك، لا، هناك آداب روحية، هناك أخلاقيات، هناك مشاعر ينبغي أن تًصقل وتسمو وترتقي، الإنفاق ليس لأجل الفقير وحسب الإنفاق أولًا وابتداءً لأجلك أنت يا من تبذل وتعطي وتقدّم. الإنفاق يأخذ من نفسك شوائبها وكدرها، الإنفاق يبرئ نفسك


(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)

سبيل الرب الذي آمنوا به

(ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

عيب على الإنسان الذي يؤمن أن المال مال الله عز وجل وأن العطاء من عنده أن يُتبع ما ينفق بالمنّ على أحد وإظهار المنّة على ذاك الفقير أو ذاك الذي أُعطي المال، هذا لا يصح على المؤمن الذي عمُر قلبه بالإيمان واليقين بالله واستشعر حقًا وصدقًا أن المال ليس مالًا له وليس ملكًا خالصًا له وأن الملك الحقيقي لله الواحد القهار المال ليس لك، المال لله وإنما أنت قد خولك ربي بالتصرف فيه فانظر كيف تتصرف فيه،


ثم تستمر الآيات في نفس المنظومة لتهذّب نفس المؤمن وتجعل الفعل والسلوك مرآءة صادقة تعكس صفاء الإيمان ونقاوة اليقين الذي قد استقرّ في قلبك

(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)

لا يخالج فكرك أبدًا ولا يخالج مشاعرك في لحظة من اللحظات أنك حين تنفق أنت صاحب الفضل والعطاء أبدًا، فالقول المعروف والكلمة الطيبة صدقة (وقولوا للناس حُسنا) هذا ما بنته تعاليم المنهج الرباني في سورة البقرة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى) العطاء ليس في حجمه المادي، العطاء ليس في الحجم الذي تعطيه، العطاء الحقيقي في حجم الأثر الحسن والفعل الذي يتركه ذلك العطاء فهب أنك أعطيت أحدًا من الناس ألف دينار ولكنك تركت في نفسه أثرًا سيئًا بكلمة جارحة أو بمنّ أو أذى ويأتي شخص آخر فيعطي دينارًا واحدًا بكلمة حسنة بوجه طلق سمح بشوش يُدخل السرور على نفس ذلك المحتاج، ايهما أحسن؟ ايهما أجدى نفعًا؟ أيهما أطيب أثرًا؟

امانى يسرى محمد
2025-08-12, 03:24 PM
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)
وتأتي بالأمثال الواقعية الحقيقية، المنّ والأذى يُبطل الصدقة، يبطل معنى الصدقة، لا تعد الصدقة لها اثر حتى وإن كانت القيمة المادية لتلك الصدقة كبيرة، الأشياء ليس بقيمتها المادية بل بقيمتها المعنوية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فيها. وتستمر الآيات بعد ذلك ليأتي التوجيد من جديد

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ)
أخرِج أحسن ما لديك لأن من أعطاك أحسن ما لديك هو الله سبحانه وتعالى وبقدر يقينك بتلك الحقيقة بقدر ما ستُخرج وتُنفق، لا يمكن للبخيل أن يكون قد وصل اليقين بالله عنده إلى مرحلة أو درجة ويبقى على بخله، مستحيل! اليقين كلما زاد في قلبك كلما ازداد بذلك وعطاؤك وسخاؤك، لا يستقيم الإيمان والبخل أبدًا، لا يستقيم الإيمان والشحّ والشحّ هو البخل إنما هو اتهام لارادة الله وقدرته سبحانه على أن يعطيك على أن يزيدك حين تنفقك، اتهام وسوء أدب مع الله سبحانه وتعالى ولذا تأملوا الآية التي تليها

(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)
يعدكم الفقر ويصور لك أنك حين تنفق إنما يقل المال وينقص وواقع الأمر أنك حين تنفق يُنفق عليك وأنك حينما تخرج الصدقات من مالك إنما يزداد ذلك المال وينمو ويربو، هذه هي الحقيقة وأن عطاء الله عز وجل لا نهاية له وأن عطاء الله عز وجل لا ينحصر في الأشياء المادية، في الألف والألفين، إنما هو عطاء بكل أشكاله وصوره، الحكمة من عطائه سبحانه، أن تفعل وتتصرف بالطريقة الصحيحة في الموقف المناسب هذا من عطاء الله عز وجل الحكمة من عطائه، الحكمة لا تشترى بالأموال، الحكمة تشترى بيقينك بالله عز وجل بقدرتك بسخائك بإخرج الشح من قلبك ومن نفسك لتصبح إنسانًا معطاء فالمؤمن كالغيث يعطي سخيّ لأنه موقن ويقينه قد وصل بما في يد الله عز وجل أكثر من يقينه بما في يده هو، هذا هو الإيمان الذي تصنعه سورة البقرة، هذا هو الإنفاق الذي تصنعه سورة البقرة.

وتستمر الآيات

(إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)
الصدقة سواء كانت سرّا حين يقتضي الأمر السر أو علانية حين يقتضي الأمر الإعلان وتشجيع الآخرين على البذل والعطاء في كل الأحوال أنت تبذل لله، صحِّح النية، صحح السرّ، أنت تبذل في سبيل الله وكلمة (في سبيل الله) لا بد أن تبقى من أعظم المعالم في منظومة الإنفاق في حياتك، إياك أن تعطي ولو فلسًا واحدًا في غير سبيل الله لأنه سيزول لأنه لا قيمة له أما حين تبذل في سبيل الله فالبذل والعطاء من أعظم الأشياء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليك.

ولذا جاءت الآية في قوله
(وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ
وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)

ولذلك تستمر الآيات في هذا الجزء من سورة البقرة بإعطاء نماذج لأولئك الذين يستحقون العطاء أكثر من غيرهم أولئك الذين لا يُظهرون للناس الفقر والحاجة والعوز، أولئك الناس الذين قد علت هممهم أولئك الناس أصحاب الكرامة أصحاب الهمة العالية، المؤمن لديه همّة المؤمن لديه كرامة، المؤمن لا يقبل أن يدوس أحد على كرامته ولو بشعرة مقابل حاجة مادية، المؤمن عزيز، جاءت عزة المؤمن من إيمانه بأن الله عزيز حكيم، المؤمن عزيز، نعم قد يكون فقيرًا ولكنه فقير عزيز النفس لا يتذلل ولا يخضع لأحد لا يفتح لى نفسه أبواب المسألة "فمن فتح على نفسه باب مسألة وهو ليس في حاجة إليها فتح الله عليه أبوابًا من الفقر". المؤمن عزيز وعزة المؤمن لا تأتي من فقره ولا من غناه المادي وإنما تأتي من يقينه بالله، تأتي من إيمانه بأن الله قادر على أن يعطيه، تأتي من إيمانه بأن الأرزاق بيد الله عز تأتي من إيمانه بأن العطاء لا يأتي من فلان ولا من علّان العطاء يأتي من الرب الذي يعطي سبحانه وتعالى، المؤمن عزيز والآيات توجه النفوس الكريمة إلى أن تبحث عن أولئك المؤمنين المتعففين الأعزة الذين لا تدفعهم الحاجة إل التذلل والخضوع لأحد، ذاك المؤمن الذي يستحق العطاء فعلًا.

أولئك الأصناف من البشر الذين يستحقون العطاء وهذا المؤمن الذي ينفق سرًّا وعلانية بالليل والنهار أصبحت عملية الإنفاق عملية متواصلة

امانى يسرى محمد
2025-08-18, 01:17 AM
سورة آل عمران



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/74.jpg (http://ruqaia.com/wp-content/uploads/2016/08/img024-1.png)



اليوم نبدأ بثاني الزهراوين، اليوم نبدأ بالسورة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتعلّمها فقال: "تعلّموا القرآن فإنه شافعٌ يوم القيامة، تعلّموا البقرة وآل عمران، تعلّموا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ يحاجّان عن صاحبهما.


اليوم حديثنا عن سورة آل عمران، حديثنا عن السورة التي فيها آية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )".



سورة آل عمران. هذه السورة العظيمة المقصد الأساس منها أن تثبتني على منهج الحق، على منهج الهداية ولذلك ليس هناك معنى كبير أن يهديني الله سبحانه وتعالى ثم -والعياذ بالله- أنتكس وأزيغ عن طريق الهداية ولكن الخير العظيم أن يهديني ربي سبحانه فأثبت على ذلك الطريق، طريق الحق، طريق الهداية. ولذا هذه السورة العظيمة حوت العديد من الأدعية التي تبيّن معنى التضرع لله عز وجل كما في بدايتها حين يقول المؤمن


(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب)


هذه الأدعية وتلك الابتهالات لله عز وجل تعكس خوف المؤمن والقلق الذي يصيبه من الزيغ، من الفتن، من الانتكاس والإنحراف عن طريق الهداية ومنهج الحق الذي ثبتته سورة البقرة في قلب المؤمن ولذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك" الثبات، المحور الأساس الذي تدور حوله سورة آل عمران، السورة التي تدافع عن صاحبها بقدر ما يثبت في قلب صاحبها الإيمان بما جاء فيها وتطبيق ذلك المنهج والإيمان.



أوضحت السورة في بداياتها كيفية مواجهة التحديات المتنوعة، داخلية، خارجية، عقائدية، فكرية، نفسية، كل أنواع التحديات أوجزتها في الآيات الأول من السورة ثم فصّلتها في منتصف السورة جاءت بأشكال، جاءت بمواقف بعض هذه المواقف وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه وأوضحت كيفية التعامل مع تلك التحديات، واقع، تاريخ، ولكن هذا التاريخ الذي تعرضه سورة آل عمران أنا بحاجة إليه اليوم وأنا أقف مواقف متعددة متنوعة وأربط من خلالها ما يقع لي بأنواع تلك التحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا في منتصف السورة، أشكال من التحديات وكيفية مواجهة التحديات ولم تكن السورة – كما سنأتي عليها في عرضها - تروح بالمؤمن إلى جو من المثالية بعيدًا عن الواقع، إطلاقاً، القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده،


ثم جاءت خواتيم السورة بعد ذلك لتبين الخلاصة، الوصفة الموجزة لكيفية مواجهة التحديات وما بين البداية وما بين النهاية تأتي بنماذج من الأنبياء والصديقين والمؤمنين الذين ثبتوا على المنهج رغم كل التحديات التي واجهتهم في حياتهم. تأتي بنموذج مريم عليها السلام، تأتي بنموذج عيسى عليه السلام، تأتي بنموذج النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب الذين ثبتوا في المعارك والشدائد والصعوبات، تأتي بنماذج متعددة لتبين للمؤمن، المؤمن الذي يريد أن يتعلم سورة آل عمران ويجعلها في حياته، في واقعه نبراسًا نورًا يضيء له الطريق ولذلك سميت البقرة وآل عمران الزهراوين تنير، تضيء الطريق للمؤمن، كيف تضيء الطريق؟





السورة بدأت كما بدأت سورة البقرة (الم) وبدأت كما بدأت سورة البقرة بالدعامة الأساس في قلب المؤمن "ثبات وهداية" عن طريق أيّ شيء؟


التوحيد.



قضية المؤمن الأساسية هي التوحيد، السورة تثبت التوحيد. وسورة آل عمران لم تقف عند قضية التوحيد فحسب بل عرضت للمؤمن العديد من الأمور والوسائل والتحديات التي يمكن أن تعرض له في طريق الحياة، تحديات فكرية، تحديات منطقية، تحديات متعلقة بالعقيدة والدين والتوحيد، تحديات نفسية، تحديات داخلية، تحديات خارجية، صراع مع فئات معينة في المجتمع وفي واقع الحياة



والسورة بعظمة الآيات التي جاءت فيها أوضحت للمؤمن السلاح الحقيقي الذي يمكن له أن يواجه بالتسلح به كل تلك التحديات والصعوبات،


القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده، يعترف بوجود الضعف البشري الذي لا يمكن أن لا يعترف به الإنسان ولكن في نفس الوقت يعلم المؤمن المتبني لنهجه وآياته كيف يتعامل مع ذلك الضعف، كيف يترفع على الدنايا، كيف يترقي بنفسه، كيف يسمو بأخلاقياته لأجل أن يثبت على منهج الحق ومنهج الهداية.



(الم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)


وتأملوا الربط بين هذه الآية وآية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله


(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّ)


من هو ربك الذي تعبده؟


من هو الرب الذي تدين له قلباً وقالبًا في حياتك؟


من هو الرب الذي أسلمتَ له كل شيء في حياتك؟ من هو الربّ؟


(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)


قائم على كل شيء سبحانه. ولذلك أول آيات السورة تعرّف المؤمن بربه عز وجل من خلال عرض صفاته وهذا الرب القائم على كل شيء في مملكته ومنهم البشر والناس ما تركهم دون منهج (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) هذا الكتاب، القرآن الذي بين يديك، المنهج، القرآن شافع لأصحابه الذين يتعلمونه ويعملون به، الذين يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار ويطبقونها ويسيرون عليها في حياتهم.



(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)


المنهج وهذا المنهج ما جاء هكذا من فراغ جاء


(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ


هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ)

الآيات في بداية سورة آل عمران تعترف وتقدم للبشرية الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على عباده، التوراة والإنجيل، كلها ما نزلت إلا لتكون هداية للبشرية، ما نزلت لأجل أن تفرّق، نزلت لأجل أن توحّد، نزلت لأجل أن تعلم الناس كيف يعيشون وكيف يتعاونون وكيف يصلون بالحق إلى المسار الذي ينبغي أن يصلوا إليه. وتأملوا الربط والصفة هنا للقرآن (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) والفرقان ومنذ تسميته هذه يعني أنه يفرق بين أمرين متضادين، يفرق بين الحق والباطل، يفرق بين الضلال والهدى، يفرق بين النور والظلام، فرقان وصفه ربي بأنه فرقان.

امانى يسرى محمد
2025-08-18, 01:19 AM
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ )


ليس ثمة شيء تخفيه على الله عز وجل يعلم كل شيء، لا يخفى عليه شيء وبالتالي عليك أن تراقب الله في السر كما تراقبه في العلن لأنه لا يخفى عليه شيء. وبالتالي الثبات الذي نتكلم عنه الذي هو محور سورة آل عمران الأساس قضية قلبية قضية تبدأ بالقلب أولًا فعليّ أن أثبت الإيمان والتوحيد في قلبي وأتأكد من ذلك وأراقب الله عز وجل في ذلك الثبات



(مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)



كتاب مُحكم مُتقن، متقن في صياغته، متقن في أحكامه، متقن في تشريعاته، كله على السواء ولكن منه آيات متشابهات هذه الآيات المتشابهات نزلت لأجل أن تكون اختبار ابتلاء للمؤمن التمسك بهذا الكتاب العظيم ماذا يفعل تجاه تلك الآيات التي قد لا يتضح المراد منها، ماذا يفعل الإنسان؟



يرد المتشابه إلى المحكم هذا حين يكون الثبات والهدى منهج متمرس متكرس في قلبه وهنا صفة رائعة وخلق ينبغي أن نضعه دائماً نصب أعيننا ونحن نأتي إلى القرآن: لا تأتي إلى القرآن وفي قلبك غاية سوى أنك تريد أن يهديك هذا القرآن إلى سواء السبيل لا تأتي للقرآن بغاية أخرى، إذا جئت للقرآن بغايات مختلفة تثبت رأياً شخصيًا أنت تدين به، تحاول أن تقوي وجهة نظرة معينة، كل هذه الأنواع من الغايات غايات فيها زيغ فيها انحراف لا بد أن يتخلص الإنسان منها. هذا القرآن من الشروط التي ينبغي أن تضعها أمامك لكي تهتدي به ولكي تطلق لقلبك العنان أن يهتدي بنوره أن تأتي إليه وأنت راغبٌ متضرعٌ إلى الله عز وجل أن يهديك به تقتبس منه الهداية تقتبس منه الشفاء.



(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)



أما أولئك الذين يأتون إلى القرآن بأفكار منحرفة، بغايات منحرفة فهؤلاء لا يمكن أبدًا أن يتنبهوا إلى هذه الحكمة الإلهية وإلى الاختبار الذي جعل في القرآن محكم ومتشابه بل يبدأون بمحاولات التأويل الفاسد، المحاولات الفاسدة التي لا يمكن أن تزيد الضالين إلا ضلالًا، أما المؤمن فلا تزيده تلك الآيات إلا هدى وثباتًا ورسوخًا.


ولذلك ختمت الآية السابعة في الحديث عن المحكم والمتشابه في القرآن



(وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )



أولو الألباب حاضرون بشكل واضح في سورة آل عمران ولنا أن نتساءل لماذا؟ محور السورة الثبات على الحق والهدى لا يمكن أن يحدث ثبات على منهج الحق والهدى دون تبصر، دون تفكر دون تذكر، دون القيام بمستوى العمليات العقلية التي تؤكد للإنسان أن عليك أن تثبت على الحق الذي تؤمن به مهما بلغت التحديات الموجودة أمامك، مهما كان حجم التحديات لأن عادة الحق وأهل الحق أن يُبتلوا في الدنيا بشتى الابتلاءات بالخير بالشر هذه طبيعة الحياة، هنا تأتي أهمية الثبات.



كيف تثبت أمام كل تلك التحديات إن لم يكن لديك عقل وتكون من أصحاب الألباب والعقول الكبيرة التي تنظر إلى الأمام تنظر إلى العواقب تحاول أن تستحضر النتائج قبل أن تضع أقدامها على هذا الطريق أو ذاك، تفكّر، تدرس، تنظر إلى الأمور من جوانب وزوايا مختلفة نظرة استراتيجية،سورة آل عمران تعيد صياغة الإنسان المؤمن الثابت، تعطيه مواصفات، تعلّمه كيف يكون ثابتًا، كيف يكون راسخًا، لا يمكن أن يكون هناك ثبات ورسوخ دون أن يكون هناك تبصّر وتعقّل وتفكّر.



ولذا من أبرز وأهم مواصفات هؤلاء أولو الألباب الدعاء والتضرع والتوجه لله عز وجل فكيف يكون ذلك؟



أول الآيات بدأت بالتوجه لله (ربنا)



وهذا كلام أولو الألباب، كلام أصحاب العقول الكبيرة



(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)



الزيغ أي الانحراف عن الحق الميل عن الحق وهو مرض يقع في القلب أولًا ثم ينعكس على تصرفات الإنسان وسلوكه وسورة آل عمران تعالج مرض الزيغ، لماذا سورة آل عمران تعالج الزيغ؟ لأن الزيغ نقيض الثبات



فأول سلاح يتسلح به أولو الألباب سلاح الدعاء التضرع لله عز وجل. علينا أن نستحضر وندرك أنت مهما كنت ومهما بلغت درجة الإيمان في قلبك والتوحيد إياك أن تتصور أنك تؤمن وتثبت على الحق دون رحمة الله عز وجل ومشيئته ولذلك أنت أولى بالضرع إليه أن يحفظ قلبك، أن يحفظ عليك إيمانك، توحيدك ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء


"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"

امانى يسرى محمد
2025-08-18, 01:24 AM
الدنيا كبرت أو صغرت زادت ابتلاءاتها أو قلّت هي في النهاية ستنتهي أنا أؤمن أنها مجرد مرحلة وقتية وبالتالي لا أعطيها أكبر من حجمها فلا يذهب قلبي فرحًا ولا حزنا يبقى قلبي ثابتًا لأني مؤمن أن ربي جامع الناس ليوم لا ريب فيه، عليّ أن أعدّ العدة.

ثم تنتقل الآيات بعد ذلك لشيء آخر لنموذج من أناس لم يدركوا حقيقة الدنيا وحقيقة تحدياتها زاغوا فأزاغ الله قلوبهم نموذج آل فرعون، فرعون إنسان أُعطي من القوة وهذا تحدي من القوة والسلطان والجاه والمال والمنعة ما جعله يطغى ويستعلي على الآخرين فكيف كانت عاقبة هذا الفرعون؟

أولو الألباب أصحاب العقول الكبيرة تعطيهم سورة آل عمران وسيلة أخرى لمواجهة التحديات وكيفية الثبات على المنهج والهداية:

النظر في أحوال الأمم السابقة ولنا أن نفهم وأن نستحضر السورة نزلت على الجيل الأول جيل التلقي من المسلمين كانوا يرون أمام أعينهم كفار قريش اليهود النصارى وفد نجران الذين جاؤوا للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يروا قوى الباطل من حولهم وهذا تحدي كبير لأن المؤمن في حياته معرّض لأن يرى الباطل وهو منتشي يرى الباطل في قوة يرى الباطل فيه مال فيه جاه فيه سلطان فيه أناس يعززونه ويتحالفون معه هذا تحدي كبير كيف يثبت أمام هذا التحدي؟

تأتي الآيات في سورة آل عمران فتثبته

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)

كل الذين كفروا في صف واحد في خانة واحدة سبقهم ولاحقهم أولهم وآخرهم ميتهم وحيّهم كلهم في خانة واحدة

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ )

لا يزيغ قلبك أمام ما تراه من أموال ولا من قوة ولا من جاه ولا من منعة ولا من سلطان ولا من تحالفات لقوى الباطل الفاسدة لأنها لن تغني عنهم شيئًا،ويعطيك المثال الأول

(كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)

هذا مثل واحد ولكن المؤمن يربط المؤمن ينتقل من شيء إلى آخر هكذا يعلمني لقرآن، آل فرعون كانوا نموذجًا وربما النماذج اللاحقة التي لحقت بآل فرعون ربما لم تبلغ ما بلغه الفرعون من قوة ومنعة ولكن النتيجة واحدة ولذلك جاء الكلام

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)

إذن أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وأنت تواجه تحديات الكفار والمشركين وقريش واليهود وغيرهم قل لهم
(سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ)
من أين جاءك هذا اليقين وهذا الثبات من الذي أخبرك بهذا؟
الرب الذي علمك في القرآن أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا فقس اللاحق على السابق والحاضر على الغئب وكل قوى الباطل مهما تتابعت ومهما تغيرت صورها ومهما تغيرت أشكالها النتيجة التي ستلحق بهم واحدة طالما أنك حققت الشرط الإلهي شرط التوحيد والإيمان في قلبك وعدم الزيغ والثبات واليقين بالله سبحانه وتعالى.

امانى يسرى محمد
2025-08-19, 01:22 PM
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)
قضية حتمية ألغت كل أنواع وأشكال وصور الجهل.
الجهل أنواع:
الجهل البسيط أن لا تعرف الشيء والجهل المركب أن تعرف الشيء الخطأ
فلكي يعالج الجهل المركب عليك أن تزيل الخطأ أولًا ثم تأتي بالصواب ليحل محل ذاك الخطأ.

فأول كلمة عالجتها سورة آل عمران لتخلص الإنسان من السبب الأول للزيغ إنهاء الجهل (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) شهادة من الرب سبحانه لنفسه فإذا شهد الله عز وجل فمن بقي بعد ذلك ليشهدّ (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) التوحيد الذي جاءت به كل الشرائع السماوية، موسى عليه السلام جاء به، اليهودية جاءت به، النصرانية جاءت به على لسان عيسى عليه السلام.

إذن لماذا زاغ بعض الناصرى وبعض أهل الكتاب عن ذلك التوحيد؟
الآية تعالجه ولكن الحقيقة الراسخة التي ينبغي أن تستقر في قلبك وفي وجدانك وعقلك أن لا إله إلا الله. ثم تعود الآية، نفس الآية
(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
التوحيد ذكر مرتين في آية واحدة، قضية التوحيد هي القضية الأساس فأيّ انحراف عن ذلك التوحيد باي شكل زيغ، ضلال

قد يسأل سائل لم الدمج بين آل عمروان والبقرة
وسميت البقرة وآل عمران بالزهراوين؟
لأنهما يتحدثان عن قضية واحدة،
سورة البقرة تتحدث عن الهداية وسورة آل عمران تتحدث عن الثبات على الهداية، كلاهما يكمّل الآخر، كلاهما يدافعان عن صاحبهما، بأيّ شيء؟
بما ركز في قلبك من الإيمان والعمل بما جاء فيهما.

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
هذا التوحيد وهذا الاستسلام وهذا الانقياد والخضوع لله عز وجل ولما جاء به الأنبياء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء به وهذا الكتاب الذي نزل الفرقان الذي جاء مصدقًا للتوراة والإنجيل هذا هو الحق الذي ينبغي اتباعه.
إذن لماذا حدث الزيغ؟
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) ظلم! المسألة في الزيغ قد تكون جهلًا وقد تكون ظلمًا وفي كلتا الحالتين فإن الله سريع الحساب. ما موقفك يا نبي صلى الله عليه وسلم ويا كل إنسان مؤمن أمام هذا التحدي؟ أن يأتيك الباطل وهو في حالة انتفاش، يأتيك الباطل وهو مُنتفش مغترّ، ما هو موقفك؟

(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)
القضية واضحة عندي أنا لا يهمني من يتبعني ومن يخالفني القضية واحدة أنا ثابت على إيماني وتوحيدي ولذلك الآيات ختمت
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)
المهمة التي ينبغي لك أنت كإنسان مؤمن بهذه الآيات وهذه السورة العظيمة أن تبلّغ أن توضّح أن تبين أن توصل الرسالة تقوم بإيصال الرسالة وتثبت على الحق وتؤمن بأن ما حدث من زيغ وانحراف في بعض الأمم إنما جاء من قبيل انحراف بعض أهلها وليس من قبيل تلك الكتب حاشا لله ولا من قبيل الرسل

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ)
لماذا الحديث عن المُلك في وسط الآيات؟
الباطل والزيغ والإنحراف قد يمتلك الكثير، قد يصبح الملك والسلطة والجاه في يديه، ما هو موقفك أنت كمؤمن كثابت؟ هل تتزعزع أمام ذاك التحدي؟ أم أنك تُدرك أن الله هو مالك الملك وأنه يؤتي الملك من يشاء وتنزع الملك ممن يشاء وأن عاقبة الأمور إليه سبحانه وأنه على كل شيء قدير وأن إليه المرجع وإليه المآب وإليه المصير وأن كل ما يحدث أمامك من تحديات ومن وقائع ومن مجريات أمور إنما هو من قبيل الابتلاء والاخبتار فاحذر.
ولذلك في ضمن هذه الآيات جاء الحديث عن
(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
لأن الولاء في قلب المؤمن كل الولاء لله، للإيمان، لا يمكن قلب المؤمن أن يميل لأحد إلا لله عز وجل ولأهل الإيمان الذين يشاركونه إيمانه وتوحيده لخالقه سبحانه وتعالى والمسألة هنا ليست مسألة أشخاص وفئات ومجتمعات ودول، لا، المسألة متعلقة بالإيمان، بالإحساس، بالميل، قلبك يميل لمن؟ لأهل الإيمان أم لأهل الكفر؟! القضية في غاية الأهمية


.................


(قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)

طهّر قلبك لأن الزيغ أول ما يبدأ يبدأ بالقلوب

"يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"

إذن انتبه لنفسك واعلم أن الله مراقِبك فاجعل قلبك يميل ويكون هواه لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكن قلبك تبعًا لأهواء وشهوات غير ما جاء به الحق. نقطة في غاية الأهمية والمسألة ليست مجرد مشاعر قلبية وإنما مسألة اتّباع ومسألة منهج ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك بقوله

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)

حب والميل والأمور القلبية ليست ادعاء وإنما اتّباع، منهج أسير عليه في حياتي، أتحبب إلى الله بمتابعة أمره وأتجنب أن يبغضني الله عز وجل والعياذ بالله من خلال تجنبي لما نهاني عنه. لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك أن تكون. المؤمن وقّاف عند أمر الله عز وجل ونواهيه، يترك محابّه هو إلى ما يحبه الله ورسوله، يترك ما يحب لأنه يؤمن تماماً ويثق أنه إذا ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا، مؤمن. قد يحبّ أشياء معينة من أشياء الدنيا ولكن الله سبحانه وتعالى نهى على سبيل المثال عنها أو أمر بأشياء أخرى مختلفة عنها،

كيف يكون الموقف في هذه الحالة؟

أترك ما أحب لما يحبه الله ورسوله اِجعل أول رقم في حياتك وأولوياتك من المحبة والولاء ما يحبه الله، هل هذا الشيء يحبه الله؟ أم لا يحبه؟

. هذا سبيل من سبل التخلص من الزيغ والانحراف وخداع النفس، نهى النفس عن الهوى ولذلك أمر ربي سبحانه وتعالى أمر داوود عليه السلام فقال (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (26) ص) (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) القصص)



أعظم ظلم يرتكبه الإنسان في حق نفسه أن يتبع هواه، أعظم ظلم اتباع الهوى! اخرج من هواك، اترُك هواك، دع ما تهواه لما يريده الله، قاعدة من أعظم القواعد. ولذلك هذا المقطع من السورة ختم بقول الله عز وجل

(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32))

الطاعة، تريد أن تثبت على الحق انظر فيما أمرك الله فقف عند أمره ونهيه، هذا سبيل الثبات، هذا سبيل الطاعة


يقول ابن تيمية في كلمة جميلة:

"صلاح العبد في أن يعلم الحق ويعمل به فمن لم يعلم الحق فهو ضال عنه ومن علمه فخالفه واتبع هواه فهو هاو ومن عمله أي الحق وعمل به كان من أولي الأيدي عملًا ومن أولي الأبصار علماً"

أعظم نعمة على الإنسان أن تعلم الحق وتثبت عليه

امانى يسرى محمد
2025-08-19, 07:10 PM
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )

السورة في أول نموذج تعرضه للثابتين على الحق تعرضه في سورة امرأة، امرأة عادية امرأة عمران امرأة سمت وارتقت بآمالها وأهدافها وطموحاتها. امرأة حملت بجنين فجعلت ذلك الجنين مشروع رسالة بالنسبة لها هذه العملية الطبيعية عملية الحمل حمّلتها تلك المرأة معاني وقيم جديدة، هذه المرأة امرأة عمران توجهت بكلّها لله متضرعة إليه أن يجعل ما في بطنها الذي نذرت به أن يكون محررا من كل التكاليف ومن كل الأعباء ليتفرّغ لخدمة بيت المقدس وعبادة الله وحده، مشروع. ولنا أن نتوقف ونحن نتحدث عن مناهج التربية وعوامل التربية ومؤسسات التربية وكيف يتربى الناس على الثبات وكيف يتربى الطفل من صغره على أن يكون إنسانًا صاحب مشروع، صاحب رسالة، صاحب شعور بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه، كيف يتربى على تلك المعاني؟

امرأة عمران منذ أن حملت بمريم جنينًا في بطنها غرست تلك المعاني، توجهت لله سبحانه، دعته سبحانه والدعاء حاضر في سورة آل عمران في كل المواقف ليبين لي أن من أعظم وسائل الثبات الدعاء لله سبحانه وتعالى ولذلك هذه المرأة العظيمة دعت ربها قالت

(فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
هذه المرأة وُجهت بتحدي باختبار صعب أنها وضعتها أنثى وكان المتعارف عليه في مجتمعها أن من يتفرغ لخدمة بيت المقدس ولعبادة الله يكون ذكرًا ولا يكون أنثى ولكن هذه المرأة العظيمة ما تخلّت عن حلمها ما تخلت عن هدفها ما تخلت عن مشروعها توجهت من جديد لخالقها، بعد أن وضعتها أنثى

والمسألة ليست مسألة تمييز بين ذكر وأنثى المسألة مسألة ظرفية تاريخية اجتماعية كانت تعيشها تلك المرأة توجهت من جديد لله سبحانه وقالت

(وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )

فماذا كان جزاء ذلك الثبات الذي كان في قلب امرأة آل عمران؟ ماذا كان جزاء ذاك اليقين؟ ماذا كان جزاء ذاك التوجه والسمو والرقي في الآمال والطموحات؟

مشروع الولادة الذي أصبح معتادًا وهو معتاد جدًا في كل أنثى وفي كل امرأة، مشروع طبيعي جدًا، كيف استطاعت تلك المرأة أن تحوله إلى مشروع قيَمي، مشروع هادف، مشروع حياة، مشروع رسالة من خلال إيمانها وثباتها ويقينها بالله عز وجل؟ ماذا كان الجزاء؟

(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)

هذا القبول كان جزاء للثبات فالجزاء من جنس العمل.

كلما ازددت ثباتًا على أوامر الله كلما ازداد في قلبك الرسوخ واليقين بأمر الله بما أمرك الله سبحانه وتعالى كلما ازددت اقبالاً وصدقًا عليه سبحانه كلما ازددت إخلاصاً وتيقنًا بما عنده سبحانه كلما زادك الخالق وأقبل عليك بالنعم والمنح والعطايا كلما فتح عليك الأبواب وأمامك الأبواب من حيث لا تحتسب

هذا قانون من القوانين الذي تضعه سورة آل عمران

زكريا عليه السلام كان يقوم برعاية مريم وهذه همسة في أذن الآباء والأمهات وأولياء الأمور: التربية ليست مجرد تزويد بالحاجات المادية من طعام وشراب وملبس وإرسال إلى المدارس، التربية متابعة، التربية مراقبة، التربية شيء متواصل رعاية متواصلة لا تنقطع عن ذاك الطفل لا يمكن أن تنقطع بحال، فزكريا لاحظ أنه كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا من فواكه وأشياء ما كانت موجودة في ذلك الموسم في ذاك المكان وفي ذاك الزمان، وحُقّ له أن يتساءل عن مصدر ذلك الرزق وهذه أيضاً وقفة تربوية لا بد لولي الأمر أن يتابع أبناءه، لا بد لولي الأمر أن يعرف من أين (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا) لا بد، مهما كانت الثقة، المسألة ليست مسألة ثقة المسألة مسألة متابعة، المسألة مسألة شعور بالمسؤولية، المسألة مسألة تكفّل، كلمة كفالة كلمة شاملة كلمة تشمل كل أونواع الرعاية الوجدانية والعاطفية والشعورية كل أنواع الرعاية وأشكالها، وقد قام بها زكريا عليه السلام. ولكن هذه الفتاة أجابت إجابة أيقظت أمنية قديمة مرّ عليها وقت طويل في قلب ذلك النبي زكريا عليه السلام (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )

زكريا كان قد حُرم من نعمة الولد وكانت زوجته عاقر ووقف وثبت أمام الابتلاء ولكن زكريا النبي يعرف تمامًا أن الله هو مسبب الأسباب يدرك تمامًا أن الأسباب حين تنقطع يبقى مسبب الأسباب سبحانه لا ينقطع الأمل ولا الرجاء فيه.

زكريا يدرك تماما أن الله هو مسبب الأسباب، يدرك تمامًا أن بيده الأمور كلها، يدرك تماماً أن بيده مقاليد كل شيء وأنه يقول للشيء كن فيكون وحين تتوق نفسه لشيء لا بد أن يسمو في ذلك الطموح وفي ذلك الأمل

ولذلك تذكر الآيات في سورة مريم أن طموح زكريا في الولد ورغبته في الولد ما كانت مجرد رغبة مادية أن أجد من يحمل اسمي .البشر يرغبون بالولد لأجل أن يكون امتدادًا لهم ولاسمهم، لأجل أن يكون عونًا لهم حين يحتاجون إليه، نصرة، تأييد، ولكن زكريا عليه السلام يضرب مثلًا جديدًأ كذاك المثل الذي ضربته امرأة عمران في الطموح والآمال حيث يقول

(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )

وراثة الأمانة، حمل أمانة التوحيد والرسالة، أن يكون ذاك الولد امتدادًا لأبيه فيحمل تلك الأمانة أمانة الدعوة لله سبحنه والتفرغ لعبادته. تلك الأمنية العظيمة التي تتسامى وترقى فوق آمال وأمنيات البشر الذين حوّلوا مسألة إنجاب الأولاد إلى شيء طبيعي جدًأ

ولذلك زكريا عليه السلام توجه فقال
(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) وكما كانت الإجابة في موقف امرأة عمران كانت الإجابة في موقف زكريا عليه السلام الله سبحانه أرسل إليه البشرى، الرب الذي أحسن الظن به وتيقن بقدرته، الرب الذي تضرع إليه، الرب الذي لجأ إليه الرب الذي افتقر إليه أعطاه، من أقبل بقلبه لله مستغنيًا به عن كل أحد وعن كل سبب أغناه الله بلا سبب.

(كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).

والتوجّه في كل الأحوال بذاك القلب المؤمن لله ذكرًا ودعاءً وتسبيحًا

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ).

المؤمن الذي يريد الثبات عليه أن يديم ذكر الله عز وجل بقلبه ولسانه وجوارحه. أنا أريد الثبات، كيف أثبت إلا على شيء قد اتصلت به وتعلقت به. أريد أن أثبت على أوامر الله عليّ أن أصل صلتي وأقويها بالله سبحانه وتعالى وأعظم صلة ذكر الله سبحانه (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) الأنفال) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) أدِم ذكر الله عز وجل

>>>>>>>

مريم تعرضت لامتحان وابتلاء شديد صعب وكذلك أصحاب الرسالات، ما من صاحب قيمة ولا رسالة ولا مشروع إلا وكان سنة الله في خلقه أن يتعرض للابتلاء والامتحان.

والثبات يعلّم الإنسان المؤمن كيف يثبت في وجوه الخطوب والمحن يثبت فلا تحدي ولا تزيغ به التحديات والخطوب ولا تميل به الصعوبات والشدائد، ثابت، راسخ.

هذه المرأة كانت تتولى نفسها وقلبها بالذكر والابتهال والقنوت والركوع والسجود لله سبحانه فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل وأن يبشرها بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم. والآيات في سورة مريم تصف موقف مريم، تصف حالة مريم الإنسانة وما أصابها من الخوف والهلع والقلق والشدة والضيق إلى الدرجة التي قالت

(يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا )

هذه مريم الإنسانة، طبيعي جدًا أن الإنسان حين يتعرض لمحنة تبدأ عوامل القلق والخوف في نفسه، عوامل الضعف البشري الإنساني المعتاد الذي لا شيء فيه ولكن الثبات يأتي هنا تمامًا ربي سبحانه وتعالى أمر أمرًا فتلك الفتاة التي كانت تديم الركوع والسجود بين يديه عليها أن تديم الامتثال لأمره وطاعته حين يبتلي وحين يأمر بأمر فكان ذاك.

(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

ترسّخت تلك الحقيقة في قلب مريم فما كان منها إلا ما يكون من المؤمن الثابت التفويض وتسليم الأمر لله الواحد الأحد ألا له الأمر من قبل ومن بعد سبحانه. سلّمت أمرها لله وجاءت قومها وهي تحمله وتحمل معه الثبات في قلبها واليقين وتدرك تمامًأ ما ستواجَه به من قبل قومها من اتهامات ومن افتراءات وتطاول عليها وهي الطاهرة العفيفة المبرّأة من كل سوء، امتحان صعب!

ولكن اليقين الذي كان في قلبها والإيمان جعلها تثبت، جعلها تقف صامدة أمام كل تلك التحديات فجاءت به بمنتهى الشجاعة. جاءت لتواجه المجتمع، جاءت لتواجه الأهل والناس والأقارب والعشيرة وما كان ذلك سهلاً عليها! ولكن الثبات واليقين بالله سبحانه وتعالى سهّله عليها.

كلما كان الإنسان مليء القلب بالثبات والرسوخ لأمر الله واليقين به وحسن الظن به كلما فتح الله أمامه الأبواب المغلقة كلما سهّل عليه الشدائد والصعاب كلما جعل تلك المحن تنزل على قلبه وكأنها منح وعطايا وكان ذلك الأمر في مريم.

وكان ذاك الجزاء أن جعلها الله وابنها آية للعالمين وأنزل فيها القرآن الذي يُتلى وأنزل فيها كل تلك الآيات البينات جزاء الثبات، جزاء اليقين، جزاء الامتثال لأوامر الله. والوقفة رائعة، العبادة والقنوت والركوع والسجود والتفرغ لعبادة الله لا بد أن يكون لها ما يصدّقها في الواقع من الثبات حين تشتد الخطوب وتتوالى على الإنسان الابتلاءات. الإنسان معرّض والركوع والسجود وذكر الله زاد المؤمن في المحن، زاد المؤمن الذي يمدّه بطاقة إيجابية، زاد المؤمن الذي يمده بقوة لا يفهمها الكثير من البشر يتعجبون لحاله كيف يثبت والمحن تتوالى عليه كيف يثبت؟!

إنما يثبته الله
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (27) إبراهيم)
وكذلك في الآخرة.

<<<<

(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )

الكلمة التي جاء بها كل الأنبياء، الكلمة التي ثبت عليها كل الأنبياء الكلمة التي جاء بها الأنبياء للناس ليجعلوا من الحق والعدل قيمة عليا والحق لا يمكن أن يترفع بأناس لا يثبتون عليه.

الله قادر على أن يرفعه بقول كن فيكون لكن الله سن للبشر سنن وقوانين ومن تلك السنن أن يكون للحق وللعدل وللقيم وللصدق آل وأناس يدافعون عنه، أناس على استعداد لبذل المال والنفس في سبيله، في سبيل أن يرتفع عاليًا وقد أدرك عيسى تلك المعاني ولذلك سورة آل عمران تعرض نماذج من البشر العاديين ليسوا من الأنبياء ولكنهم ثبتوا ولذلك يأتي لاحقًا

(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )

ثبات أمام التحديات والشدائد والمحن والكروب، هذا الثبات كيف يُصنع؟

توجه عيسى عليه السلام لما أحس من قومه المكائد والكفر

(قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)

عيسى عليه السلام يدرك أن الله ناصره لكنه أراد أن يؤسس أن الحق لا بد أن يكون له من أناس ينصرونه بأرواحهم

(قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
هذه الفئة من البشر نصرت الحق،
دافعت عنه لماذا أراد عيسى أن يؤكد هذه المعاني؟

الإنسان في الحياة مهما امتد به العمر سينقطع فكل نفس ذائقة الموت ولكن الحق ممتد وباقي، أمر الله وتعاليمه باقية ولا بد أن يكون لذلك امتداد ولا بد للنبي وأتباع الأنبياء وأصحاب الحق أن يحمِّلوا من بعدهم الرسالة، رسالة الأمانة، رسالة التوحيد والقيم والحق والعدل، لا بد أن يعلموا هؤلاء من يحملوا بعدهم ذاك الهمّ أن الحق غالي، أن الحق يدافع عنه بالأرواح أن الحق تبذل في سبيله التضحيات ليحق الله الحق بكلماته ويقطع بعد ذلك دابر الكافرين والظالمين المناهضين للحق وقيم العدل.

ولذلك عيسى عليه السلام الذي أحيط بكمّ من الكروب والمحن ما هزته الشدائد ولا غيّرته الدسائس ولا المكر ولا الكيد ولا المحن ولا الصعوبات، فالله يمكر له (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).

كانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى رفعه إليه، أن الله سبحانه وتعالى جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا، جعل أنصار الحق والعدل والقيم الذين ثبتوا على ذلك فوق الذين كفروا وهذه قاعدة وقانون:

من يثبت على الحق والعدل لا بد أن الله يرفعه لا بد أن الله ينصره. وليس النصر فقط في الدنيا وإنما في الآخرة ويوم القيامة.

أما أولئك الكفرة، أولئك الذين يبيعون ويشترون بالحقّ وبالعدل وبالقيم فأولئك لا خلاق لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة وما لهم من ناصرين.

(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )

ليس المطلوب من المؤمن أن يحمل الناس أو يُكرههم على الحق وإنما المطلوب منه أن يُظهر ذلك الحق بالحوار والحكمة والموعظة الحسنة ثم يترك للناس حرية الاختيار في اتخاذ القرار وفي كل الأحوال يضرب المثل الأعلى والأسمى في الثبات على ذاك الحق مهما كلفه الثمن.

امانى يسرى محمد
2025-08-21, 07:32 PM
الولاء والانتماء لا يكون لأفراد ولا لأشخاص ولو كان هؤلاء الأشخاص صفوة الخلق من الأنبياء، الولاء والانتماء يكون للدين، الولاء والانتماء يكون للتوحيد، الولاء والانتماء يكون للشريع الذي جاء به الله سبحانه وتعالى والأنبياء ومن بعدهم رجال الدين، هؤلاء جميعًا إنما يحملون أمانة توصيل الرسالة ولكن الانتماء لا يكون لهم كأشخاص، ألغت سورة آل عمران تلك الفوارق والحواجز لتقطع دابر العنصرية والتعصّب


(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُون)


لا تجادل بأشياء باطلة



ابراهيم عليه السلام كان سابقًا على اليهودية والنصرانية من الناحية التاريخية ومن الناحية الزمنية فلِمَ تحاجّون، لِمَ تريدون أن تخضعوا كل شيء لأهوائكم، لِمَ تأتون إلى الحق بأفكار مُسبقة تريدون أن تُخضعوا الحق لها


الحق لا ينبغي أن يُخضع لآراء مسبقة، الحق يُخضَع له ولا يخضه هو لشيء،



(وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (69))

ليس كل أهل الكتاب على حد سواء، أنت مهما كان انحرافات البعض منهم لا ينبغي لك أن يدفع بك الهوى والتعصّب والعنصرية لأن تنظر إلى كل الفئة أو الطائفة أو أصحاب الدين بمنظار واحد. لا يحق لك ذلك، لا ينبغي لك، أنت تؤمن بالله أنت تؤمن بمبادئ القرآن والقرآن حرّم الظلم وحرّم التعميم حرّم أن تعمم الأحكام على شعوب أو على طوائف فيقال الشعب الفلاني كذا، النصارى كذا، اليهود كذا، أبداً، طائفة فريق أمة فرقة ولكن لا تعمم لأن التعميم ظلم والظلم قد حرّمه القرآن بشتى صوره وأشكاله وأنواعه.




(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا (75)).



لا تنظر ولا تجحِف في النظرة إليهم على حد سواء لا بد أن يكون هناك تفرقة، لا بد أن تعامل الناس بمعيار العدل والحق ولا تعاملهم بمعيار التعميم ولا تعاملهم وكأنهم بشر على طائفة وعلى قلب واحد، منهم الأشرار ومنهم الأخيار، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك كانوا طرائق، الناس طرائق، الناس مشارب مختلفة حتى وإن انتموا لدين واحد، حتى وإن كانوا يدينون بدين واحد أو ينتمون إلى حزب واحد أو إلى طائفة أو ما شابه مما تعارف عليه الناس.


القرآن يعلمني الإنصاف

القرآن يعلمني العدل حتى في الكلمة التي أقولها،

لا تعمم.

ولذلك جاء بعد ذلك في نهاية الآيات لتعيب على بعض أهل الكتاب ما قالوه وخاصة اليهود


(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)



لا يهمنا من خالفنا، نسرق منهم، ننهب منهم، نصادر أموالهم وحياتهم لا يهم



(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)



ولكن هذا المبدأ مبدأ مرفوض في القرآن، لماذا؟



لأن القرآن يعلمني أن أكون أميناً مع من ائتمنني ومن أمَّنَنِي سواء أكان خائناً أم كان أميناً، هذا ما يعلمني عليه القرآن. القرآن يعلمني أن أمارس الأمانة بمطلقيتها، القرآن يعلمني أن أمارس الأمانة بإطلاق لا أفرق بين الناس، أنا أمين سواء أكان ذاك الذي أتعامل معه أمين أم خائن لا يهم ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم



"أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك".



(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76))




الوفاء بالعهود، قيم القرآن العظيمة الوفاء، الوفاء مع الجميع، الوفاء كقيمة مطلقة لا تحدّها مع من أتعامل، هكذا يعلم القرآن أتباعه، هكذا يربي القرآن من يسير عليه، هكذا القرآن ينقض تلك المواثيق الجائرة التي جاء بها البشر جراء اتباعهم للهوى وللتعصب وللعنصرية.


لا عليك من الوقوع في ظلم من يخالفك، مبدأ مرفوض تماماً لا يقبله القرآن



(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

ثم تقدّم لي الآية وتؤكد المعنى من جديد لماذا تخلى هؤلاء عن تلك المبادئ التي جاءت في اليهودية وفي النصرانية



لأنهم اشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، باعوا تلك القيم والمبادئ التي لا يختلف عليها الأنبياء ولم يختلف عليها أحد من العقلاء، باعوها بأي شيء؟



بثمن قليل. باعوها لأجل مصالحهم الشخصية، باعوها بعنصريتهم، باعوها بتعصبهم الأعمى باعوا القيم وتاجروا بها فكيف سيكون الجزاء؟



(لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)


(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ (86))



الهداية نعمة من الله عز وجل صحيح ولكن الإنسان لا بد أن يؤهِّل نفسه أن يكون موضعاً ومحلاً لهداية الله. كيف يؤهل نفسه؟

حين يُعرض عليه الحق يقبله وحين يُعرض عليه الباطل لا يقبل به ويرفضه، هذه من مؤهلات الهداية حتى يصبح قلبي أهلاً وموضعاً لهداية الله عز وجل. أما أن أرتضي الضلال بعد الهدى، أما أن أرضى بالباطل يحكم في حياتي بعد أن رأيت الحق هذا زيغ، هذا انحراف عاقبته أن (اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، عاقبته



(أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)) لماذا؟

لأنهم كفروا بعد إيمانهم. لأن المسألة ما كانت مسألة اختيار، المسألة كانت مسألة زيغ وضلال وانحراف ومحاولة لزرع ذلك الضلال والإنحراف وهذه قضية لا يقبل بها القرآن، ولذلك ربي قال



(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90))



الضالون الذين يتعّوذ المؤمن منهم مرات ومرات في سورة الفاتحة حين يقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) الفاتحة) هذا هو القرآن، أولئك هم الضالون (وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) من هم؟ (الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا (90)) الذين ابتغوا الباطل بعد أن رأوا الحق والعمى واستحبوه بعد أن رأوا الهداية، الذين أضلوا بأعمالهم، أضلوا الآخرين، الذين باعوا واشتروا بقيم الحق والعدل وقيم الدين الذي جاء به كل الأنبياء. ولذلك هؤلاء لا تُقبل منهم فدية ولذلك هؤلاء لا يُقبل منهم عمل، تلك الإنحرافات الحقيقية والإفتراء على الله عز وجل وعلى أنبيائه لا يمكن أن تبقي بعد ذلك محلا للقبول


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/106.jpg (http://almraah.net/imgcache2/726732.gif)

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92))

في مقابل أيّ شيء؟

في مقابل أن هؤلاء الذين كفروا لا تُقبل منهم فدية

(فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ (91))

لإصرارهم على الكفر، إصرارهم على الضلال، إصرارهم على البعد عن الله

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/107.jpg (http://files2.fatakat.com/2011/9/13148975501278.gif)

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92))

لماذا ذكر الإنفاق في مقابل هذا؟





للتأكيد أن أهل الباطل سينفقون من الأموال الكثير الكثير لإحقاق الباطل الذي ساروا عليه فأنتم يا أهل الحق، يا أهل الثبات عليكم أن تضحّوا وتقدموا الأموال والأنفس والأرواح لأجل الحق الذي تؤمنون به وعليكم الثبات

بعض الناس يقول أنا على الحق ولكني لست على استعداد أن أنفق شيئًا في سبيل ذلك الحق، ما قيمة أن تؤمن بالشيء ولا تنفق لأجله؟! ما قيمة أن تؤمن بشيء ولا تنصره ولا ترفعه ولا تحاول أن تبذل شيئًا في سبيل إحقاقه؟!

(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)

تجديد في الثبات، الآيات بعد الآية 100 تشدد على المؤمنين في مسألة الثبات على الحق وتؤكد لهم ذلك

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

تنهى عن الفرقة وتأمر بجمع القلوب وتأمر بتوحيد الصفوف وتأمر بجعل الكلمة كلمة واحدة ثابتة لا مرجعية ولا تراجع عنها، منجاة للمجتمع، منجاة للأمة من الانهيار






(وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)

وصنوان تلك الوحدة وتلك المشاعر وعدم التفرّق الذي لا يقبل به دين، صنوان ذلك أن يكون منكم أمة تدعو إلى الخير وإلى الحق، القيم، ترفع القيم عاليًا، تعلي من شأن القيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتأملوا الآي

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )



عدم فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تخلي الأفراد والمجتمعات والأمم عن دورها في حماية القيم، في حماية المكتسبات الإيمانية التي حققها التوحيد، تخلّي الأفراد والجمتمعات عن تلك القيم وعن حمايتها يؤدي إلى الفرقة، يؤدي إلى التشتت، يؤدي إلى انهيار وحدة الأمة ووحدة المجتمع.

وحين يحدث ذلك لا سمح الله فلن يكون هناك إلا العذاب والخسارة العذاب دنيوي وأخروي. وشتى أنواع العذاب وأشكال العذاب الدنيوي ما قد يراه الإنسان في المجتمعات من تمزّق الأسرة الواحدة وتفرّق كلمتها والنزاع والخصومة بشتى أنواعها ووقوع اوالقتل والحروب والدمار على لا شيء، لِمَ حدث ذلك كله؟






حين تخلّت الأمة عن أوامر ما جاء في كتاب الله،





(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)

بأي شيء يا رب؟






(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110))

والمعروف ما عرّفه الله لنا في كتابه: القيم، الحق، العدل، التسامح، الرحمة بالبشر دون تفرقة بينهم، دون فوارق مفتعلة افتعلها الشيطان وهوى النفس وافتعلتها التحزّب والعنصرية والطائفية دون تلك العوامل التي افتعلها الشيطان وهوى النفس.


(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون (112))

لا طريق للخلاص لأيّ أمة من الأمم إلا بعودتها إلى المنهج الرباني ولذلك هذه الآية تعرض صوراً من إذلال الأمم حين تخالف أوامر الله عز وجل.

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا)

خلافات داخلية، تخلّف، استعباد، كوارث طبيعية، البعد عن المنهج الرباني كفيلٌ بتحقيق الهزيمة بكل أنواعها وصورها في حياة الفرد وفي حياة المجتمعات والأمم، لماذا يا رب؟






(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ (113))

وتأملوا معي كلمة "قائمة"، أمة ثابتة على أيّ شيء يا رب؟

(يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ

الآيات توضح تعامل هذه الفئة الجيدة الراسخة الثابتة من أهل الكتاب مع كتاب ربها، كيف يكون التعامل؟




تلاوة لآيات الله آناء الليل وهم يسجدون، تعامل وتفاعل قلبي ووجداني واضح أثناء الليل مع آيات الكتاب العظيم ولكن في نفس الوقت هذا التفاعل الوجداني ما كان ليبقى تفاعلًا فقط في عالم الوجدان والعواطف بل تحول في النهار إلى فعل وسلوك وتطبيق في واقع الحياة

(يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114))




التفاعل في النهار إنما هو متحول إلى سلوكيات، إلى واقع، إلى أعمال خيرية، أعمال صالحة، إلى مبادرة

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/108.jpg (http://7sad.net/Public//image/1astbko.jpg)
(وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)

مباردة للعمل الصالح والنهضة به وحماية لمكتسبات العمل الصالح في حياة الفرد والأمم.






(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا (116))


المنافسات الموجودة في الدنيا كثرة الثروة المادية أو العلمية لا تعني أنك يا مؤمن معنى ذلك أنك تخضع لتلك الفئات من البشر. هؤلاء الذين يختلفون معك في قيم الحق والعدل التي جاءت بها كل الكتب السماوية لا تخضع لهم حين ترى الدنيا قد حيزت لهم وجمعت بين أيديهم ووضِعَت فإن جمع الدنيا واكتساب الثروة المادية والعلمية لا يعني الخيرية بحال، أبداً! لا يعني الخيرية، لماذا؟


لأن الذين حادوا عن قيم الكتب السماوية والديانات السماوية أخطأوا في فهم الحياة، أخطأوا في فهم الآخرة، أخطأوا في الأهداف والغايات والمقاصد وبالتالي كل الوسائل التي يتوسلون بها من وسائل مادية أو مكتسبات ومنجزات مادية حضارية لا تغني عنهم شيئاً.

امانى يسرى محمد
2025-08-25, 08:30 PM
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا (118)

لا تتخذوا من هؤلاء الفئات التي أخطأت في الأهداف، أخطأت في المقاصد، حادت عن منهج الله لا تقربونهم إليكم، لا تتخذوا منهم مهما بلغ قشر المادة التي هم يحتشدون فيها وحولها، مهما بلغت القوة أو التقدم أو التطور المادي أو الذكاء العلمي لديهم، لا تتخذوا من هؤلاء مستشارين لا تتخذوا من هؤلاء أصحاب خبرة يقدمون إليكم المعلومات التي تحتاجون إليها في بناء مجتمعاتكم أو في بناء دولكم، لماذا يا رب؟ لماذا كل هذا التحذير؟

(لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)
الضرّ، يوقعون بكم الضر، يوقعون بكم الأذى، ولماذا قضية إيقاع الأذى وذاك التحذير الشديد منهم؟ إختلاف المقاصد. أنتم اختلفتم في الأهداف معهم هؤلاء أناس ليسوا بأصحاب رسالة ولا قيم وإن تبدّى لكم أنهم قد اكتسبوا القيم المادية، القيم التي جاءت بها الأديان، القيم العظمى من عدالة ومن حرية ومن مساواة لا يمكن أن تنفك عن القيم المادية أو المنجزات المادية. وحين يخطئ الإنسان في تلك القيم الأساس التي جاءت بها الأديان قطعاً سيخطئ كذلك في الوسائل.



(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور (119))
النوايا ليس للمؤمن أن يتدخل فيها، ليس للمؤمن أن يُحاكِم البشر وفق نواياهم ولكن للمؤمن أن يكون حذراً، للمؤمن أن يعرف الأمور وأن يقيسها بشكل جيد.



(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120))
المؤمن ليس بالخدّاع ولا بالمكّار ولا بالمختال، المؤمن إنسان صاحب مصداقية مع المؤمن والكافر، مع المؤمن والمنافق على حد سواء، ولكن في ذات الوقت هو ليس بالإنسان المغفّل لذي يمكن أن يُستغل إلى أبعد حد، لا. المؤمن إنسان صاحب قيم ولكن هذه القيم لا تعني أن يكون مغفّلاً ولكنه تعني أن يكون واقفاً عند أمر الله له بالتحذير ولذلك هذه الآيات بيّنت وسائل التعامل مع الزائغين والضالين عن القيم التي جاءت بها الأديان، كيف يتعامل المؤمن؟ كيف يتعامل المؤمن في أجواء وفي عصور تموج بالضلال والمكائد والمكر، كيف يتعامل؟ القرآن يقدّم له أول أسلوب من أساليب التعامل الثبات على المبادئ والقيم وليس على المصالح، ليس على المصالح الشخصية ولذلك جاءت الآية بالتحذير

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا (118))
لا تقدّم المصلحة الشخصية لذاتك على مبادئك وقيمك.

لا تتنازل عن القيم والمبادئ التي تؤمن بها في كتابك لأجل تحقيق مصلحة شخصية أو غرض قريب من أغراض وعروض الدنيا، لا تتنازل.

(هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ (119))
المؤمن لا يحقد، المؤمن لا يبغض إلا لله ومعنى البغض لله أن يبغض الفعل لا يبغض الشخص، المؤمن ليس بالإنسان صاحب العداوات الشخصية، المؤمن ليس إنسانًا يعادي لأجل عرق أو تعصب أو قومية أو ما شابه.



(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (121))
استعداد مادي، تجهيز العدّة والعتاد، استعداد مادي بحت لكن تأملوا كيف يربط القرآن بين الاستعداد المادي والاستعداد الروحي، كيف يجعل التقوى قضية حاضرة في لبّ المعركة، كيف يجعل التقوى قضية حاضرة في الاعداد المادي لأي مواجهة أو معركة

(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
عليم بالنوايا ولذلك لا يمكن أن يتم إعداد الجيش إعدادًأ حقيقيًا دون أن يكون له رصيد من التقوى، من الشعور بأن الله سميع عليم، بأن الله مطّلع على النيّات والمقاصد والأهداف. وهذه لفتة واضحة جدًا أن المؤمن وأن المؤمنين كجماعة وكأمة لا تخرج لأجل مصالح شخصية، لا تخرج لكي تقاتل الناس لأجل أن تفرض آراءها أو تفرض مبادئها بالقوة، إطلاقاً! المؤمن إنسان يصفي نيته لله عز وجل،



(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران)
من الذي ينصر؟
الله.
هل الإنسان يأتي ويأتيه النصر من تلقاء نفسه؟

لا، المؤمن عليه أن يستحضر هذه الحقيقة الكبرى أن النصر من عند الله، أن النصر ليس من الغرب ولا من الشرق، أن النصر ليس بالعدة المادية فحسب، هذه وسائل، هذه جزئية ولكن الجزئيات الأكبر أن النصر من عند الله عز وجل فعليك أن تكون مع الله وتخرج لله لأجل أن ينصرك وإلا فلن يتحقق النصر.



(فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
تأملوا التقوى، الوصية بالتقوى، الوصية بإصلاح علاقة الإنسان مع الله عز وجل التي بها صلاح شأنه. المؤمن لا يصلح شأنه فردًا كان أو جماعة أو دولة أو أمة إلا بصلاح علاقته مع خالقه، إلا بتصحيح المنهج الذي أراد له الله أن يسير عليه في الواقع. ولذلك جاءت الآيات التي تليها بتثبيت المؤمنين، بإعطاء المؤمنين وسائل للنصر لا يمكن أن تكون للكافر أبداً

(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) آل عمران)
جيش من الملائكة وجيوش الملائكة لا يمكن أن تقاتل من أجل باطل، جيوش الملائكة لا يمكن أن تكون مع أناس حركتهم المصالح الشخصية،



(بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران)
إذاً هذا من عند الله، هذه وسائل ربانية من عند الله لا يمكن للعلم ولا للتطور ولا التقدم في آليات الحروب أن تعرف لها سبيلاً. لا يعرفها إلا المؤمن، المؤمن الذي خالجت التقوى خاصية وسويداء قلبه، المؤمن الذي صبر على المبادئ والقيم، المؤمن الذي ثبت عليها، المؤمن الذي جاءت المعركة لتؤكد ثباته وصبره بالله عز وجل.



(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) آل عمران).

هذه الحقيقة لا ينبغي أن تغيب عن المؤمن بحال أن النصر من عند الله وأن الهزيمة من عند النفس الأمارة بالسوء من قبيل حظوظ النفس والاستجابة والخضوع لمتطلباتها.

امانى يسرى محمد
2025-08-25, 08:34 PM
آيات سورة آل عمران تقدم قوانين النصر.

قوانين النصر في أي مواجهة لأي أمة من الأمم التي حادت عن المنهج الرباني وتحقيق قيمه في واقع الحياة. لأجل أن يكتب لك النصر عليك أن تنتصر على نفسك وأهوائها وشهواتها في الداخل وإلا فلن تُنصر في الخارج. النصر إنما يبدأ بالنفس لا يبدأ بالآخر، لا يمكن لأمة أن تنتصر على عدوها وهي لم تتمكن من أن تنتصر على شهوات نفوسها وأهوائها لا يمكن أبدًا، والربا الذي هو مكتسب غير مشروع حرمه الله عز وجل، استغلال لحاجة الضعيف إيجاد طبقة من المترفين لطبقة من المستغلين طبقة من الناس الذين تحركهم غرائز جمع الأموال ومصادرة حقوق الآخرين واستغلال ضعفهم وفقرهم وحاجتهم

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132))
نفِّذ المنهج.
آيات القرآن العظيم ما جاءت من أجل أن تكون وآيات وحسب جاءت ونزلت لأجل أن تكون آيات تطبق في واقع حياتك في نفسك في مجتمعك طاعة الله متابعة المنهج الذي تقرأه في كتاب الله في أبسط وأدق جزئيات حياتك.

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133))
مبادرة، مسارعة، استحضر دائماً أنك في سباق مع الزمن، الأيام معدودة والأجل محتوم والعمر قصير والمؤمن إنسان صاحب مبادرات، إنسان لا يضيع شيئًا من وقته فيما لا طائل من ورائه.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134))
ممارسات وسلوكيات اجتماعية، إحسان إلى الآخرين. المؤمن الذي يواجه وينتصر في المعركة إنسان صاحب قيم وصاحب سلوك متميز في تعامله مع الآخرين. ثم تختم الآيات بالحديث عن التوبة والاستغفار والرجوع عن الذنوب، لماذا؟

من أعظم أسباب الهزائم الفردية والجماعية في الأمم كثرة الذنوب والخطايا والمعاصي، مخالفة أمر الله عز وجل، مخالفة المنهج الذي نزل في هذا الكتاب العظيم بشتى أنواع المخالفات. ولكن كيف تعالج تلك المخالفات؟

سورة آل عمران في آية واحدة تقدم لي التعامل مع المخالفات، الاستعداد، الإعداد النفسي للقاء العدو ولمواجهته

(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135))
(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)
الاستغفار هنا ليس عملًا سلبيًا، ليس كلمات باللسان أستغفر الله العظيم وأتوب إليه وأنا منغمس في أوضاع مخالفة لأمر الله، هذا ليس بالاستغفار الكامل، أبداً!

التوبة من شرائطها العزم على عدم الرجوع إلى الذنب، التوبة من أعظم شروط تحققها وقبولها أن يشعر الإنسان المسلم بالندم على ما قد صدر منه والعزم على عدم الرجوع إليه (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا) تراجع عن الخطأ، إصلاح الوضع السابق، الأعداء لا يمكن أن يواجهوا بذنوب. أنا لا يمكن أن أتوقع النصر وأنا مليء بأوضاع خاطئة، أوضاع غير صحيحة، أوضاع نفسية وتراكمات اجتماعية وسلوكيات منحرفة، لا يمكن. ولذلك التوبة من أعظم الأسلحة التي يُكتب بها النصر للمؤمنين التوبة التي تعني التراجع عن الخطأ

ولذلك التوبة من أعظم الأسلحة التي يُكتب بها النصر للمؤمنين التوبة التي تعني التراجع عن الخطأ ولذل


(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138))
بيان لأسباب النصر، بيان لسنن النصر والهزيمة حتى يكون المؤمن على بينة وهو ويخوض في واقع المواجه. ولذلك جاءت بعد ذلك الآيات تطمينًا لنفوس المؤمنين تهوينًا وتخفيفًا على قلوب المؤمنين الذين أدركوا مواطن الخلل والخطأ وعزموا على الرجوع والتراجع وإصلاح ما كان من خلل

(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140))

الابتلاءات، المحن، الهزائم، النكبات، النكسات، القروح، الجروح، الندوب، الآلام، الأحزان، هذه من واقع الحياة تصيب المؤمن وتصيب الكافر والأيام مداولة بين الناس ولكن المؤمن يفقه معنى الابتلاء والاختبار ولا تكون الخطوب أو المصائب والشدائد التي تمر به سواء على مستوى الحياة الفردية واليومية أو على مستوى الأمم والدول لا تكون مدعاة لإدخاله في نوبة اكتئاب أو في نوبة حزن سلبي فالحزن منهيٌ عنه في القرآن، ما ذُكِر الحزن في موضع القرآن إلا وقد نُهي عنه

(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40) التوبة)
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) آل عمران)
لماذا هذا النهي عن الحزن؟
حزن سلبي يُدخل الإنسان في مداخل غريبة بعيدة عن قيم القرآن،
المؤمن متفائل، القرآن يزرع الأمل والتفاؤل في نفس المؤمن

. القرآن وسورة آل عمران تعلمني أن أتعلم من الخطأ، الهزائم والنكبات والمصائب تجعل الإنسان إذا تعلّم مواضع ومواطن الخطأ فيها أكثر قوة أكثر صلابة أشد قدرة على مواجهة تلك الصعاب والمحن والابتلاءات. ثم إن سورة آل عمران تقدم لي فقه الابتلاء، فقه المحن، فقه التعامل مع المشاكل، فقه التعامل مع مصائب الحياة، مع أزماتها

(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141))
والآية التي قبل

(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
اختبار، تمحيص، لا يمكن أن يكون هناك إيمان بدون تضحيات، لا يمكن أن يكون هناك ثبات بدون أن يقدم الإنسان عربونًا لذلك الثبات. المحن والشدائد والمصائب لها حِكَم، لها مشيئة من إرادة الله سبحانه وتعالى، فيها دروس، فيها عبر تفرز المؤمن من المنافق من الكافر، تمحيص، يمحص، المحن والشدائد والصعوبات طهارة للمؤمن، تنقية لإيمانه، غربلة لعناصر الثبات في حياته، ترك وفرز لعناصر الضعف من القوة في قلبه ونيته وإخلاصه لله عز وجل يمحّص، تمحيص.

ولذلك الآية التي تليها
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142))
كثير من الناس اليوم يتساءل لماذا المحن؟
لماذا يحصل لي هذا وأنا مؤمن وأصلي؟!

كثير من الناس بعض المؤمنين اليوم حين يواجه بمصيبة فقد عزيز، مرض عضال، ضائقة مادية شديدة، إصابة في أولاد، إصابة في شيء من هذه الأمور المادية المختلفة على المستوى الفردي وأحياناً على المستوى المجتمعي أول سؤال يتبادر لذهنه وإن لم يصرِّح به لماذا أنا؟!!

وأنا مؤمن بالله، أنا أخاف الله، أنا أصلي لله، أنا أقوم بفروض الطاعة والولاء لله لماذا يصيبني هذا؟! هذا التساؤل في حد ذاته غير مشروع كيف؟

المؤمن لا يصلي لأجل أن لا يصاب بمحن، المؤمن لا يمتثل لأوامر الله لأجل أن يحميه الله سبحانه وتعالى من النكبات والمصائب، المؤمن ليست هذه هي الغاية لديه المؤمن يمتثل لأمر الله لله، المؤمن يصلي لله لأن الله قد أمره بذلك، المؤمن يسير على منهج الله لأنه المنهج الحق الذي أمر به الله عز وجل سواء كان فقيرًا أو غنيًا، سواء أن الله سبحانه وتعالى ابتلاه بمرض أو كان صحيح الجسم، سواء أقبلت عليه الدنيا أو أدبرت. قضية الإيمان والامتثال والسير على منهج الله قضية لا ينبغي أن تخضع لظروف الحياة ونكباتها وأزماتها، هذا من فقه الابتلاء والاختبار، هذه من فوائد المحن والمصائب والشدائد، إفراز قيمة المؤمن، قيمة الإيمان في قلبه، تمحيص، طهارة. ولذلك ألم ونار وشدة التضحيات والمصائب ومرارة المواقف الصعبة في حياة المؤمن لها لذة خاصة حين يصبر عليها المؤمن. صحيح المؤمن يسأل الله العفو والعافية ولكن إن أصابته المحنة أو الكرب ما تراجع عن إيمانه بل ثبت على الإيمان ثبت على القيم، تأكد أن الله سبحانه وتعالى إنما يختبر ويمتحن قوة يقينه وثقته بالله عز وجل وليس مجرد قوة الإيمان أو عدم الإيمان بل قوة يقينك بالله. أنت تعلم وتقول بأن الله رحمن رحيم ما مدى يقينك بهذا الإيمان؟ ما مدى يقينك بهذه الصفة أن الله رحمن رحيم عزيز حكيم؟ كل ابتلاء وكل مصيبة من ورائها حكمة وفي أمر الله عز وجل. ثم إن جدارة الدخول إلى الجنة تقتضي منك أن تقدم التضحية، الإيمان ليس بالتمني ليس بالأماني الباطلة، ليس أن يتمنى الإنسان الجنة ولا يسعى لها ولا يقدم مهرًا لها

امانى يسرى محمد
2025-08-26, 10:10 PM
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144))


تراجعتم، تخاذلتم، زغتم وحدتم عن المنهج الحق ولم تثبتوا عليه، هنا موطن الشدة والابتلاء هنا اختبار موطن الثبات على الحق ولذلك ربي عز وجل قرر هذه الحقيقة أمام مصيبة الموت، الموت مصيبة تقع على الإنسان سواء في نفسه أو في غيره ومن يعزّ عليه


(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145))

الموت لا ينحصر في القتال ولا في ساحة المعركة والثبات في ساحات المعركة ومواجهة العدو لا تقصّر أجلاً كما أن الجبن والتراجع والتخاذل والفشل وعدم الثبات لا يطيل عمر الإنسان ولا يؤخّر في أجله شيئًا، كتاب مؤجل عند الله عز وجل. فلتكن إرادة المؤمن الآخرة، التطلع إلى الإيمان، القوة الروحية ولذلك تقدم سورة آل عمران في هذا الموقع من السورة وسائل النصر

" القوة الروحية"

القوة التي لا يمكن أن تستمد إلا من هذا الكتاب العظيم آيات القرآن العظيمة. ولذلك ضربت مثلاً لكل المؤمنين عبر العصور مع أنبيائهم وكتبهم


(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ (146))

كثرة مهولة كما أن للباطل من ينصره فإن للحق آلاف مؤلفة وجنود مجندة تنصره عبر الأجيال وعبر التاريخ.


(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا

وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)

وهن ضعف خضوع تذلل واستكانة لمن يخالفوك في القيم والمبادئ التي أنت ينبغي أن تثبت عليها، من جراء ماذا؟ من جراء عدم الثبات، من جراء عدم القدرة والاستعداد للتضحية. ولذلك النصر لا يُكتَب إلا بهذه المبادئ، قوة روحية مستمدة من القرآن العظيم. إيمان وثبات على الحق استعداد للتضحية بالغالي والنفيس لأجل ذلك الإيمان الذي تحمله في قلبك. لا معنى للإيمان إن كان مجرد تمني وأماني باطلة وحين تحق الحقيقة ويطلب الله من عباده التضحية بالمال والنفس لا يجد منهم إلا التخاذل، هذا ليس بالإيمان! هذه أماني باطلة، استعداد. ثم يصاحبه الدعاء ليصبح سلاح المؤمن الماضي الذي لا يمكن أن يرد ولا يصد


(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147))

في تلك الأجواء الإيمانية العظيمة وتلك الاستعدادات المادية والروحية والوجدانية وتلك الاستعدادات للتضحية بكل شيء لأجل هذا المنهج والثبات عليه والسير على ما جاء فيه لا يمكن أن يكون الجزاء إلا الجنة

(فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)).


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/131.jpg (http://4.bp.blogspot.com/-cTBYZcYOuz8/Uu9Iica9LuI/AAAAAAAAAR4/c7XPxLXyOYs/s1600/dohaup_738229958.jpg)



المؤمن إنسان ينظر إلى الأمام، تقع منه الأخطاء قد تقع منه الهزيمة، قد يصدر منه الخلل والمخالفة ولكن لا يبقى أسيرًا لتلك المخالفة ولا أسيرًا لذلك الخطأ الذي وقع فيه من خلال الندم لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن عوضًا عن ذلك يقدم له القرآن منهجًا في التعامل مع الخطأ حاول أن تستفيد من الأخطاء التي وقعت ولكن لا تحزن على ما فات ولا على ما أصابك واجعل الخطأ والفشل والهزيمة درسًا تتعلم منه الأفضل والأحسن. اجعل العثرة التي تتعثر فيها في طريق الحياة اجعلها نقطة قوة تتعلم من خلالها، اجعل الصخرات والعقبات التي تمر بها في حياتك اجعلها صخرة ترتقي عليها، اجعلها صخرة تحاول أن تنهض من فوقهاوتتعلم من خلالها.

ولذلك القرآن يعرض بعد هذه الآيات لأصناف من البشر أصناف من المنافقين الذين يتراجعون ويتخاذلون في المواقف الشديدة الصعبة


(يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154))


هذا قول المنافقين المتخاذلين المثبطين المتراجعين في الشدائد والمحن الذين حين يرون الموت بأعينهم يقولون يا ليتنا كنا في بيوتنا! الذين لا يدركون الحقيقة الذين لا يدركون أن الموت بأمر الله وأن القتال والثبات والصبر على الحق في المحن والشدائد والمعارك لا يمكن أن يكون هو السبب وراء تقديم ولا تأخير ساعة الموت ولا الأجل المحتوم فالأمر بيد الله


(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْوَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

تمحيص، فرز الإيمان عن النفاق، هذه من أعظم الحكم من وراء المصائب والمحن. المواقف الشديدة والصعبة تفرز المؤمن من المنافق من الكافر، وجود المنافقين بين ظهراني المؤمنين نقطة ضعف وليست نقطة قوة ولولا المصائب والشدائد والمحن ما برز المنافق من المؤمن، ما ظهر الإيمان من النفاق في قلوب أصحابه وأتباعه، هنا تظهر معادن الناس، في الشدائد والمحن تظهر المعادن.


(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155))

الذنوب من أعظم أسباب الهزيمة الفردية والمجتمعية، الذنوب. ولذلك الآيات التي قبل حين تحدثت عن النصر تحدثت عن التوبة لا يمكن أن يتحقق نصر بدون توبة وتراجع عن الذنوب والمعاصي وإصلاح مواطن الخلل والفساد في نفسك وفي مجتمعك. تريد نصرًا من الله؟ تريد تثبيتًا من الله؟ تريد أن يلقي الله الرعب في قلوب أعدائك؟ تريد مددًا من الملائكة؟

عليك أن تتراجع عن الأخطاء وتصلح، عليك أن تصحح الأوضاع الخطأوالأوضاع غير الصحيحة في نفسك وفي واقعك. ثم تأتي بعد ذلك الآيات لتأتي ببلسم لجروح المؤمنين، لتأتي بشفاء لجراحاتهم وآلامهم وتضحياتهم لتأتي بمفهوم جديد للموت وللشهادة تأملوا معي قول الله عز وجل


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156))


المؤمن إنسان مستعد للتضحية، إنسان مستعد لمغادرة الأهل والأوطان والمال والراحة والدَعَة لأجل الحق الذي يؤمن به وهو مؤمن أن ما يصيبه في سبيل ذلك مدخر عند الله عز وجل وأن ما يتركه وراءه من مال ونفس وولد سيُخلف الله عليه بأفضل منهم

امانى يسرى محمد
2025-08-26, 10:11 PM
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا)


تتساءلون عن أسباب الهزيمة؟



(قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165))


الهزيمة من عند أنفسكم من عند التراجع والخذلان والفشل ومخالفة أمر الله وعدم الثبات على منهجه. ثم في نهاية الأمر ما يصيب المؤمن من فرح أو من حزن أو من ثبات أو نصر أو من هزيمة فما كان له أن يخرج عن مشيئة الله فبإذن الله


(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)).


(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (185))


ولكن هناك فارق شاسع بين من يموت في سبيل الله وبين من يموت في سبيل أهوائه وشهواته ومطامعه وبين من يموت الموت العادي. مكسب أن يموت الإنسان في سبيل الله، مكسب أن يموت الإنسان في سبيل الحق الذي امتلأ به صدره وآمن به، هذا مكسب، ربح، هذه ليست خسارة هي خسارة في أعين المنافقين والمتخاذلين ولكنها مكسب في أعين المؤمنين لأن هذا هو منهج القرآن العظيم.


(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173))


المؤمن لا تزيده الجموع والحشود حشود الباطل وأعوان الباطل لا تزيده تقاعسًا ولا خذلانًا بل تزيده إيمانًا وثباتًا فالله سيكفيه، الله سيحميه، أعدّ العدة أخذ بالأسباب المشروعة وبقي لديه الإيمان الراسخ الذي يستطيع من خلاله أن يواجه أقوى الحشود شراسة وإعداداً، لا تهمه الحشود وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فماذا كانت النتيجة؟


(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174))


هذا المؤمن هذا جزاء الثبات، هذا جزاء المؤمن الذي لا يشتري الكفر بالإيمان أما الذي يشتري الكفر بالإيمان فهؤلاء لن يضروا الله شيئاً، فهؤلاء ربي سبحانه يملي لهم في الدنيا ما هم فيه من متاع الدنيا وإقبال الدنيا عليهم ليس بشيء


(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178))


أبداً! هذا إملاء هذا إمهال (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ) لماذا يا رب؟


(لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)


الخير الذي هم فيه خير الدنيا هذا ليس بالخير لأنفسهم،


هذا شر، هذا إمهال لهم، هذا مد لهم في الباطل والإثم والعدوان.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/132.jpg (https://pbs.twimg.com/media/COC90s_UAAAhIrJ.jpg)

ولذلك جاءت الآيات التي تليها للحديث عن فئة من الضالين من اليهود، هؤلاء الذين ما استطاعوا أن يضحوا في سبيل الحق الذي جاء به الأنبياء، هؤلاء الذين بخلوا بما آتاهم الله به من فضله، هؤلاء الذين كذبوا الرسل، هؤلاء الذين ليسوا أهلاً وليست لهم جدارة أن يرتقوا إلى مستوى التضحية في سبيل الإيمان مستوى الابتلاء أما المؤمن فالله سبحانه وتعالى رقاه بآيات الكتاب ورباه ليصبح موضعاً للشهادة


(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186))


الابتلاء سنة من سنن الله في الكون وفي النفس وفي المجتمع ولكن


(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)


تتقوا مرة أخرى بعد مرة كيف أواجه الابتلاءات؟

صبر وتقوى، سلاح المؤمن سلاح المؤمن الذي لا يعرف الانكسار.

امانى يسرى محمد
2025-08-29, 09:45 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/146.jpg (http://archive.org/download/RamadanMsg14/RamadanMsg14.jpg)

ثم تنتقل بعد ذلك آيات سورة آل عمران إلى الختام، إلى عبادة من أعظم العبادات، إلى عبادة لا يتم ثبات المؤمن إلا بها تلك التي جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلّ الله عليه وسلم أنه قال

(لقد نزلت علي الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها)

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190))

أعظم وسيلة الوسيلة التي تجمع كل وسائل الثبات التي ذكرتها السورة العظيمة سورة آل عمران التفكر الذي يلتفت فيه القلب إلى عظيم آيات الله في الكون فتتضح له قدرة الله عز وجل المطلقة فيخرّ القلب خاضعًا ساجدًا بين يدي ربه عز وجل ذاكرًا لله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون. التفكر يولد التفكر مرة أخرى، التفكر في هذا الكون آيات الكون المبثوثة من حوله والمؤمن لا يستقيم حاله إلا بالتفكر في آيات الكون المبثوثة في السماء والأرض وفي آيات الكتاب العظيم الذي أنزله عليه في هذا القرآن العظيم.

(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191))

ربي خلق السموات والأرض بالحق وطالما أنه خلق السموات والأرض بالحق فعليك أنت يا مؤمن يا من أنت من أصحاب الألباب وأولي الألباب والعقول الكبيرة المتفكرة عليك أن تقيم الحق في واقعك، أن تقيم الحق في قلبك وفي نفسك لأن السموات والأرض ما قامت إلا بالحق.

ولذلك بعض الصالحين يقول الفكر مرآة تريك الحسنات والسيئات.

وابن القيم يقول: الفكر ينقل المؤمن من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، من المكاره إلى المحابّ، من سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة، من أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور، أصل كل طاعة من الفكر.

من أعظم أعمال القلوب الفكر، التفكر في النفس فتفكر ساعة خير من عبادة ستين عامًا بدون تفكر،وما معنى التفكر هنا؟

هل هو مجرد عمل قلبي لا يحرك الجوارح؟

على الإطلاق!

هو عمل جوارح، عمل يبدأ بالقلب والعقل والفكر والوجدان ويحرك الجوارح

هذا التفكر الذي تبنيه سورة آل عمران، تفكر لا يمكن أبداً أن يبتعد عن آيات الكتاب العظيم، تفكر يجعل المؤمن معلقًا قلبه بالله سبحانه وتعالى، يجعل المؤمن يقول

(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193))

الأبرار من أولي الألباب أصحاب العقول المتفطنة، أصحاب العقول اليقظة، أصحاب العقول التي استيقظت ضمائرها فأصلحت العالم والمجتمع والنفوس وأهدت للبشرية الخير والعمل الصالح والعطاء





https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/147.jpg (http://www14.0zz0.com/2013/06/21/19/155208762.jpg)
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199))

نفوس عرفت الإيمان فلزمته، نفوس أدركت الحق فحفظته في قلوبها وفي نفوسها وفي حياتها وفي واقعها، نفوس ما تاجرت بالقيم ولا بالدين ولا بالمبادئ، نفوس ما اشترت بآيات الله ثمنًا قليلا ومتاعًا زائلًا من متاع الدنيا،

(أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)

سورة آل عمران تفتح لي رسالة لدعوة عالمية لكل المؤمنين بالقيم والحق والمبادئ التي بات العالم يتعطش إليها، دعوة مفتوحة، دعوة مفتوحة للثبات على هذه القيم مهما بلغت التضحيات فإن أوان الباطل ساعة وأوان الحق إلى قيام الساعة.

ولكن الأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة ورباط وتقوى من الله. ولذلك تختم سورة آل عمران بهذه الأسلحة التي ما فتئت منذ بدايتها إلى آخر آية فيها تؤكدها وتحضّ عليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200))

لا يمكن أن يكون هناك نصر بدون ثبات، لا يمكن أن يقوم الحق بدون ثبات أهله عليه، لا يمكن أن يقوم للحق وللمثل وللقيم التي جاءت بها الكتب السماوية الحق وجاء بها كل الأنبياء لا يمكن أن يكون له قائمة دون صبر وثبات ومرابطة وطول نفس على ذاك الحق وإيمان به وتقوى تجعل من الإيمان سلوكًا في واقع الحياة، عملًا صالحًا ومبادرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية لمكتسبات الحقوالقيم والمثل.

أهل الحق من كل الأمم ومن كل الأديان أشد ما يكونون حاجة إلى الوقوف على هذه السورة العظيمة، سورة الثبات سورة الرسوخ على الحق والوقوف والثبات على الإيمان

أن تموت في سبيل الحق والعدل والقيم التي جاء بها القرآن هو ليس بموت بل هو حياة لا يعرف معناها إلا الشهداء الذين عاينوا حلاوة تلك الحياة وعاشوها ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم


(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194))

امانى يسرى محمد
2025-08-29, 09:48 PM
تدبر سورة النساء د. رقية العلواني


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/148.jpg (http://engyfoda.com/blog/wp-content/uploads/2015/04/IMG-20151005-WA0018.jpg)

نريد اليوم أن نتدبر في سورة النساء، هذه السورة التي نزلت بعد سورة الممتحنة ولكن في ترتيب المصحف هي السورة الرابعة بعد سورة آل عمران مباشرة. ولو تأملنا في هذا الترتيب العظيم وكنا قد قلنا في مناسبات سابقة أن ترتيب القرآن بالشكل الذي هو عليه اليوم وبين أيدينا توقيفي جاء بالوحي وليس للبشر فيه شيء على الإطلاق. هذا الترتيب بين السور في كتاب الله عز وجلّ، هذا النظم القرآني، هذا البناء المتكامل ربي سبحانه وتعالى أراد منه أن يُحقق حكمًا ومقاصد ما كانت لتتحقق لو أن هذه السورة وضعت في مكان سورة أخرى ولذلك اهتم منذ القدم العلماء لسابقون والمفسرون بقضية التناسب بين السور، التناسب بين نهايات السور وفواتحها، التناسب بين الآيات، التناسب بين أول الآية وآخر الآية، أشكال متنوعة من التناسب، وكل أنواع وأشكال البحث في المناسبات لتحقيق ذلك المقصد التربوي العظيم في كتاب الله عز وجلّ (التدبر).


سورة النساء السورة التي بدأها ربي سبحانه وتعالى بقوله


(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)


ودعونا نقف عند الآية الأخيرة في سورة آل عمران يقول الله عز وجلّ فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) الخطاب للمؤمنين (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم سورة النساء في أولها (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) خطاب لكل الناس. خطاب سورة آل عمران وصية للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) والخطاب في مفتتح سورة النساء يبدأ (يَاأَيُّهَا النَّاسُ).


التعاليم العظيمة التي جاءت في كتاب الله عز وجلّ تذكّرنا سورة بعد سورة أن رسالة هذا القرآن رسالة عالمية لا تختص بالمسلمين فحسب، لا تختص بالقوم الذين شرفهم الله بنزول القرآن فيهم أولا بل إن مهمة هؤلاء الأساسية أن يحملوا هذا النور لكل الناس، العالم ولذلك الأمانة الكبيرة جدًا هي رسالة القرآن والحمل لهذه الرسالة ليس بالضرورة يكون بأن يقرأوا القرآن على الناس قد تمر عليهم أوقات كما هو الحال اليوم ليس أمة من الأمم بحاجة إلى أن تستمع إلى الآيات أو السور، الحاجة الحقيقية إلى رؤية التطبيق، ا


ولذلك لما أدرك المسلمين الأوائل، الجيل الأول هذه الحقائق طاروا بها في شرق الأرض وغربها بتعالميها، بتطبيقها، بشعورهم وإحساسهم بالمسؤولية والأمانة تجاه أمم الأرض، حملوا تعاليم القرآن في أخلاقهم، في تعاملهم بالدرهم والدينار، تعاملهم فيما بينهم، الأخلاق، السلوك، الأقوال، القضاء، المعاملة المالية، كل أشكال التعامل هذا نوع من أنواع حمل الرسالة وهذا الحمل للرسالة لكي يؤدي فعلًا النتيجة والمقصد التي لأجله كان لا بد أن يكون له رصيد عميق جدًا من التقوى، رصيد التقوى. ورصيد التقوى يذكرني القرآن به مرة بعد مرة ولذلك جاء التذكير به في أول سورة النساء (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) التقوى والتقوى لكي تتحقق في ذات الآية الأولى من سورة النساء تكلمت عن كيفية بناء التقوى، التقوى تبنى حين يستحضر الإنسان رجلًا كان أو امرأة الطبيعة والخِلقة التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها.




https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/149.jpg (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/564x/90/82/8a/90828adae197a647766cde098e4d6e d8.jpg)

سورة النساء سورة تتكلم في كل آياتها عن العدالة وتحقيق العدالة بكل صورها ولذلك السورة سورة مدنية نزلت لكي تُطبّق في المجتمع المسلم الأول في المدينة، القرآن وأحكام القرآن تنزل لأجل أن تطبق، التطبيق العملي للآيات هو التفسير الحقيقي لهذه الآيات العظيمة.


السورة بكل آيات 176 آية كل هذه الآيات تحدثنا عن العدالة، عدالة في المشاعر، عدالة في القول، عدالة في الظن، عدالة في العمل والسلوك، عدالة مع النساء، عدالة مع الصغار، عدالة مع الكبار، عدالة مع الأقوياء، عدالة مع الضعفاء، عدالة أول ما تبدأ تبدأ في النفس ولذلك أعظم أنواع العدل أن يتقي الإنسان ربه. صورة العدالة تتجسد في النفس الإنسانية على قدر ما يحمل الإنسان من التقوى ترجمة حقيقية لمعاني العدالة في النفس. الإنسان إذا لم يتقي ربه كيف يمكن أن يكون عادلًا مع الآخرين سواء كان في الأسرة أو في المجتمع؟! كيف يمكن أن يكون منصفًا وهو لم يحقق معاني العدالة مع خالقه سبحانه وتعالى؟!


فالنفس البشرية لكي يكون لها رصيد حقيقي من العدالة لا بد أن تحمل رصيدًا من التقوى ولذلك بدأت السورة بالحديث عن التقوى أول وصية،


أعظم وصية لكل البشر: تصحيح العلاقة مع الربّ.


سورة النساء تكلمت عن العدالة بكل صورها كما سنأتي عليها: عدالة في الحكم، عدالة في السياسة، عدالة في الاقتصاد، عدالة في المال والاقتصاد، عدالة في المجتمع، عدالة في الأسرة، عدالة في النفس، كل شيء.


ولكن العدالة لو أردنا أن نرسم لها مثلثًا كما جاءت في سورة النساء سنجد أن معها أطرافًا أخرى في المثلث، على رأسه العدالة ثم على الجانب الآخر الرحمة ثم على الجانب الثالث الأمانة. بمعنى آخر لو رسمنا مثلث العدالة كما جاء في سورة النساء لوجدنا على رأسه العدالة ثم الرحمة ومعها بنفس المستوى الأمانة، وكل واحد من هذه القيم العظيمة القرآنية يؤدي إلى القيمة الثانية وبدون أن تتكامل الثلاثة قيم هذه لا يمكن أن تتحقق العدالة وفي القلب وفي المحور والمركز تمامًا هناك مكان التقوى، هذه العدالة التي تصنعها سورة النساء.


الكثير من المفسرين يتكلمون عن سورة النساء وفي كلامهم عن العدالة يقولون بأن سورة النساء قد بدأت بالكلام عن العدالة مع النساء ومع اليتامى ومع الضعفاء لأن السورة تتكلم عن العدالة مع الضعفاء، وهذه الفئات من النساء واليتامى فئات ضعيفة في المجتمع والإنسان حين يكون في موطن ضعف فإنه مما لا شك فيه أن يمكن أن يكون محلًا لوقوع الظلم عليه فجاء الكلام في هذه السورة عن العدالة لحماية هؤلاء الضعفاء ولكن حين قرأت في الآية الأولى من سورة النساء لم أجد مكانًا للحديث عن الضعف، وجدت حين تدبرت في الآية أن الله سبحانه وتعالى يعلّمنا أن ننظر إلى خلقه جميعًا رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، أغنياء وافقراء، يتامى حُرموا من الأب أو اشخاص لديهم أُسر ومكتفين بهم، يتحدث عن الجميع في آية واحدة وكلمة واحدة فيقول


(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)


وهذه الكلمة لها مقصد ولها معنى، المعنى والله أعلم معنى المساواة، بمعنى آخر أن قيمة العدالة التي تتحدث عنها سورة النساء فيها محور آخر قائم على المساواة بين الخلق، المساواة في القيمة الإنسانية (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) التي جاءت بها سورة النساء. ولذلك لا أجد فيها كلامًا عن الضعف، بالعكس هناك كلام عن العدالة مع القوة لأن العدالة لا بد لكي تتحقق فعلًا أن تقوم على الشعور بأن الخلق متساوون فيما بينهم، متساوون في أصل خلقتهم، متساوون في أن الذي خلقهم سبحانه واحد وهذا معنى عظيم نحتاج أن نستحضره ونحن نتدبر في آيات سورة النساء

يتبع

امانى يسرى محمد
2025-08-31, 09:09 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/162.jpg (http://www.mznh-tv.com/mznh/contents/newsm/13883.jpg)


في الآية الأولى في سورة النساء الكلام عن التقوى يأتي في موضعين

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)

وفي نفس الآية


(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

الأولى (اتقوا ربكم) والأخرى (واتقوا الله).

الرب الذي يربّي سبحانه، الرب الذي خلق الرجل والمرأة، الصغير والكبير، الرب الذي يربي خلقه والتربية ليست مجرد تغذية جسدية، الرب الذي خلق من نفس واحدة وأعطى كل مقومات الحياة وسخّر الشمس والقمر وحفظ للإنسان ما يمكن أن يقوم به معاشه على الأرض، هو الربّ الذي يربي الإنسان بالتعاليم والشرائع، فمن تمام التربية أن يشرّع لنا وهذا معنى عظيم جدًا.

الكثير من الناس اليوم في علاقتهم مع أبنائهم في التربية يتوهمون أن التربية مجرد تغذية جسدية، قيام بالاحتياجات التي يحتاج إليها الولد أو البنت: طعام، ملابس، مدارس، لكن القرآن يعطيني بعدًأ آخر للتربية: الشرائع التعاليم والقيم والأخلاق التي لا تستقيم بدونها الحياة البشرية، لا يمكن للإنسان أن يُربى بدون قيم، بدون أخلاق، بدون تعاليم، بدون شرائع وأعظم وأصلح من يمكن أن يقدم لي هذه الشرائع هو الرب الذي خلق ولذلك جاءت (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فالخالق هو الذي يربّي، الذي أوجد من العدم، الذي خلق الرجل والمرأة هو الرب سبحانه وتعالى القادر العالم اللطيف الخبير الرقيب الذي يعلم سبحانه ما تصلح به حياة الرجل وحياة المرأة وحياة البشر على هذه الأرض. ثم إن الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة النساء أوكل الرقابة الحقيقة وكل أجهزة الرقابة على المرأة والرجل، على الخلق، على العنصر الإنساني فقال

(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)


وبدون استشعار الإنسان لهذه الرقابة الإلهية الدائمة التي لا تنقطع لا في ليل ولا في نهار لا في سر ولا في علانية، بدون استشعارها فعلًا لا تستقيم الحياة.

كل أجهزة المراقبة في العالم، كل الكاميرات التي توضع في المؤسسات والشوارع والمحلات التجارية لا يمكن لها أن تؤدي دورها الحقيقي إذا لم يكن هناك رصيد من الشعور بالرقابة الذاتية، الرقابة الذاتية مكمّلة وتكملها وتحميها تلك الرقابة التي يصنعها البشر بمختلف الأجهزة التي نراها ولكن بدون استكمال الاثنين معًا لا يمكن أن تتحقق العدالة.


وتدبروا عظمة هذا القرآن في كل كلمة من كلماته: العدالة تحتاج إلى رقابة، لا يمكن أن تتحقق عدالة في أسرة أو مؤسسة أو مجتمع بدون عنصر رقابة بمعنى آخر لا تتكل أن يكون هناك مجرد عدالة بين الناس فتترك موضوع الرقابة، لا بد من الرقابة والمتابعة وهذا تنبيه وتنويه لكل المؤسسات المجتمعية في الواقع الإنساني، دور الرقابة دور مهم جدًا دور لا يمكن الاستغناء عنه لأجل أن تستكمل العدالة التحقق في تلك المؤسسات وفي تلك المجتمعات.

ثم تبدأ بعد ذلك السورة بتحقق أشكال العدالة وتفاصيلها واللافت للنظر أنها أول ما تبدأ تبدأ بالكلام عن اليتامى، شيء عجيب جداً!

أول ما تبدأ بعد هذه المقدمة الواضحة بقوله عز وجلّ

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)


جرت عادة البشر حين يضعون القوانين يبدأون بالأهم ثم الأقل أهمية، حسب الأهمية، ولله المثل الأعلى ربي عز وجلّ بدأ بهذه الفئة لكي يتحقق معنى ومفهوم وقيمة العدالة المطلقة التي جاء بها هذا القرآن العظيم.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/163.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-yrA9XQH6yVY/Uwe3jt4OyyI/AAAAAAAAF3Q/8mJq9m0FbM0/s1600/11.jpg)


هناك مقولة قديمة تقول أن العدالة عمياء وهي مقولة يقصد بها معنى إيجابي، يقصد بها أن العدالة لا تنظر إلى جنس ولا تنظر إلى لون ولا تنظر إلى عرق ولا تنظر إلى تفاوت بين الناس في الأموال ولا في الأجناس ولا في أي شيء. فأطلقت هذه الكلمة "العدالة عمياء" ولكن العدالة التي يؤسسها القرآن عدالة مبصرة عدالة لا تحتاج أن يكون الإنسان معصوب العينين لكي يحققها في الواقع بل على العكس تمامًأ يحتاج أن يكون مبصرًا يرى الأشياء، يراها كما هي ولكنه يُخضع قلبه ووجدانه وأحكامه لميزان العدالة، العدالة التي يدعو الناس إليها القرآن عدالة مبصرة.


مهم جدًا أن نتعرف وأن نقارن ونحن في سياق التدبر، التدبر من أعظم معانيه أن الإنسان يتعلم كيف ينظرإلى القرآن وكيف ينظر إلى واقعه الذي يعيش ويحيى، ينظر إلى الأمرين، والقرآن بصائر بدون هذه البصائر لا يستطيع الإنسان أن يبصر واقعه كما ينبغي أن يكون فالرب عز وجلّ بدأ بالحديث عن اليتامى واللافت للنظر في الآية الثانية

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ

وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا )


بدأ باليتامى، بدأ بالعنصر الأهمّ في المجتمع، السؤال لماذا؟

لأن قيمة العدالة التي يؤسسها القرآن وسورة النساء عدالة لا ترتبط بأوضاع الناس الاجتماعية، أبدًأ، عدالة ترتبط بإنسانية الإنسان، عدالة ترتبط بالإنسانية، عدالة ترتبط فعلًا بأن هذه الفئة من الناس اليتامى الموجودة في المجتمع قد يحدث نتيجة لتقلبات الزمان والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن هذه الفئة تُهدَر أموالها لسبب أو لآخر فأراد القرآن أن يبدأ بهذه الفئة لأن المجتمع الذي يتعلم فيه أفراده كيف يحققون العدالة مع هذه الفئة هو المجتمع الأقرب إلى تطبيق العدالة الأُممية مع كل أمم وشعوب الأرض، المجتمع الذي يمارس العدالة مع اليتامى في أموالهم وحقوقهم هو المجتمع الأمثل الذي يبنيه القرآن ويصنعه القرآن لأجل أن يحمل ويكون جديرًا بحمل رسالته إلى الأمم كافة.



وتدبروا ذلك القول العظيم في الآية

(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)

المال الخبيث وإن كثُر فإن الخبث كصفة يبقى ملازمًا له لا يغادره ولأنه خبيث فسيأتي قطعًا على الحياة الإنسانية يهدرها هدرًا يجعلها حياة شقية حياة لا تعرف طعم السعادة بعكس الطيب وإن كان قليلًا أو بسيطًا أو محدودًا.

وهنا كعادة القرآن، القرآن يصحح الأوضاع بكلمة وبجملة وبجزء من آية

فتأملوا لو أننا كمجتمعات إنسانية حققنا هذه القاعدة

(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)

إياك أن تفرّط بالطيب لصالح الخبيث! بكل الأشياء،


قاعدة عامة ليست فقط في الأموال، في الكلام، في التعامل، في الأخلاق خبيث، الميزان ليس بواحد. لماذا القرآن يصحح لي هذا المقياس؟ أنا بحاجة إلى تصحيحه في التعامل الإنساني، لا تستقيم الحياة حين يرتقي الخبيث على الطيب لأي سبب من الأسباب، فلأجل أن أحقق العدالة فعلًا لا بد أن أدرك أن الخبيث وإن كثر وإن زاد وإن قوي فهو يبقى على خبثه، والطيب مهما كان بسيطًا أو قليلًا أو محدودًا فهو طيب ولن تتغير هذه الصفة فيه، هذه الصفة ملازمة فيه.

امانى يسرى محمد
2025-08-31, 09:14 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/162.jpg (http://www.mznh-tv.com/mznh/contents/newsm/13883.jpg)

في الآية الأولى في سورة النساء الكلام عن التقوى يأتي في موضعين
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
وفي نفس الآية
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
الأولى (اتقوا ربكم) والأخرى (واتقوا الله).

الرب الذي يربّي سبحانه، الرب الذي خلق الرجل والمرأة، الصغير والكبير، الرب الذي يربي خلقه والتربية ليست مجرد تغذية جسدية، الرب الذي خلق من نفس واحدة وأعطى كل مقومات الحياة وسخّر الشمس والقمر وحفظ للإنسان ما يمكن أن يقوم به معاشه على الأرض، هو الربّ الذي يربي الإنسان بالتعاليم والشرائع، فمن تمام التربية أن يشرّع لنا وهذا معنى عظيم جدًا.

الكثير من الناس اليوم في علاقتهم مع أبنائهم في التربية يتوهمون أن التربية مجرد تغذية جسدية، قيام بالاحتياجات التي يحتاج إليها الولد أو البنت: طعام، ملابس، مدارس، لكن القرآن يعطيني بعدًأ آخر للتربية: الشرائع التعاليم والقيم والأخلاق التي لا تستقيم بدونها الحياة البشرية، لا يمكن للإنسان أن يُربى بدون قيم، بدون أخلاق، بدون تعاليم، بدون شرائع وأعظم وأصلح من يمكن أن يقدم لي هذه الشرائع هو الرب الذي خلق ولذلك جاءت (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فالخالق هو الذي يربّي، الذي أوجد من العدم، الذي خلق الرجل والمرأة هو الرب سبحانه وتعالى القادر العالم اللطيف الخبير الرقيب الذي يعلم سبحانه ما تصلح به حياة الرجل وحياة المرأة وحياة البشر على هذه الأرض. ثم إن الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة النساء أوكل الرقابة الحقيقة وكل أجهزة الرقابة على المرأة والرجل، على الخلق، على العنصر الإنساني فقال

(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
وبدون استشعار الإنسان لهذه الرقابة الإلهية الدائمة التي لا تنقطع لا في ليل ولا في نهار لا في سر ولا في علانية، بدون استشعارها فعلًا لا تستقيم الحياة.

كل أجهزة المراقبة في العالم، كل الكاميرات التي توضع في المؤسسات والشوارع والمحلات التجارية لا يمكن لها أن تؤدي دورها الحقيقي إذا لم يكن هناك رصيد من الشعور بالرقابة الذاتية، الرقابة الذاتية مكمّلة وتكملها وتحميها تلك الرقابة التي يصنعها البشر بمختلف الأجهزة التي نراها ولكن بدون استكمال الاثنين معًا لا يمكن أن تتحقق العدالة.

وتدبروا عظمة هذا القرآن في كل كلمة من كلماته: العدالة تحتاج إلى رقابة، لا يمكن أن تتحقق عدالة في أسرة أو مؤسسة أو مجتمع بدون عنصر رقابة بمعنى آخر لا تتكل أن يكون هناك مجرد عدالة بين الناس فتترك موضوع الرقابة، لا بد من الرقابة والمتابعة وهذا تنبيه وتنويه لكل المؤسسات المجتمعية في الواقع الإنساني، دور الرقابة دور مهم جدًا دور لا يمكن الاستغناء عنه لأجل أن تستكمل العدالة التحقق في تلك المؤسسات وفي تلك المجتمعات.

ثم تبدأ بعد ذلك السورة بتحقق أشكال العدالة وتفاصيلها واللافت للنظر أنها أول ما تبدأ تبدأ بالكلام عن اليتامى، شيء عجيب جداً!

أول ما تبدأ بعد هذه المقدمة الواضحة بقوله عز وجلّ
(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)
جرت عادة البشر حين يضعون القوانين يبدأون بالأهم ثم الأقل أهمية، حسب الأهمية، ولله المثل الأعلى ربي عز وجلّ بدأ بهذه الفئة لكي يتحقق معنى ومفهوم وقيمة العدالة المطلقة التي جاء بها هذا القرآن العظيم.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/163.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-yrA9XQH6yVY/Uwe3jt4OyyI/AAAAAAAAF3Q/8mJq9m0FbM0/s1600/11.jpg)

هناك مقولة قديمة تقول أن العدالة عمياء وهي مقولة يقصد بها معنى إيجابي، يقصد بها أن العدالة لا تنظر إلى جنس ولا تنظر إلى لون ولا تنظر إلى عرق ولا تنظر إلى تفاوت بين الناس في الأموال ولا في الأجناس ولا في أي شيء. فأطلقت هذه الكلمة "العدالة عمياء" ولكن العدالة التي يؤسسها القرآن عدالة مبصرة عدالة لا تحتاج أن يكون الإنسان معصوب العينين لكي يحققها في الواقع بل على العكس تمامًأ يحتاج أن يكون مبصرًا يرى الأشياء، يراها كما هي ولكنه يُخضع قلبه ووجدانه وأحكامه لميزان العدالة، العدالة التي يدعو الناس إليها القرآن عدالة مبصرة.

مهم جدًا أن نتعرف وأن نقارن ونحن في سياق التدبر، التدبر من أعظم معانيه أن الإنسان يتعلم كيف ينظرإلى القرآن وكيف ينظر إلى واقعه الذي يعيش ويحيى، ينظر إلى الأمرين، والقرآن بصائر بدون هذه البصائر لا يستطيع الإنسان أن يبصر واقعه كما ينبغي أن يكون فالرب عز وجلّ بدأ بالحديث عن اليتامى واللافت للنظر في الآية الثانية

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا )
بدأ باليتامى، بدأ بالعنصر الأهمّ في المجتمع، السؤال لماذا؟
لأن قيمة العدالة التي يؤسسها القرآن وسورة النساء عدالة لا ترتبط بأوضاع الناس الاجتماعية، أبدًأ، عدالة ترتبط بإنسانية الإنسان، عدالة ترتبط بالإنسانية، عدالة ترتبط فعلًا بأن هذه الفئة من الناس اليتامى الموجودة في المجتمع قد يحدث نتيجة لتقلبات الزمان والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن هذه الفئة تُهدَر أموالها لسبب أو لآخر فأراد القرآن أن يبدأ بهذه الفئة لأن المجتمع الذي يتعلم فيه أفراده كيف يحققون العدالة مع هذه الفئة هو المجتمع الأقرب إلى تطبيق العدالة الأُممية مع كل أمم وشعوب الأرض، المجتمع الذي يمارس العدالة مع اليتامى في أموالهم وحقوقهم هو المجتمع الأمثل الذي يبنيه القرآن ويصنعه القرآن لأجل أن يحمل ويكون جديرًا بحمل رسالته إلى الأمم كافة.

وتدبروا ذلك القول العظيم في الآية
(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
المال الخبيث وإن كثُر فإن الخبث كصفة يبقى ملازمًا له لا يغادره ولأنه خبيث فسيأتي قطعًا على الحياة الإنسانية يهدرها هدرًا يجعلها حياة شقية حياة لا تعرف طعم السعادة بعكس الطيب وإن كان قليلًا أو بسيطًا أو محدودًا.
وهنا كعادة القرآن، القرآن يصحح الأوضاع بكلمة وبجملة وبجزء من آية
فتأملوا لو أننا كمجتمعات إنسانية حققنا هذه القاعدة
(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
إياك أن تفرّط بالطيب لصالح الخبيث! بكل الأشياء،

قاعدة عامة ليست فقط في الأموال، في الكلام، في التعامل، في الأخلاق خبيث، الميزان ليس بواحد. لماذا القرآن يصحح لي هذا المقياس؟ أنا بحاجة إلى تصحيحه في التعامل الإنساني، لا تستقيم الحياة حين يرتقي الخبيث على الطيب لأي سبب من الأسباب، فلأجل أن أحقق العدالة فعلًا لا بد أن أدرك أن الخبيث وإن كثر وإن زاد وإن قوي فهو يبقى على خبثه، والطيب مهما كان بسيطًا أو قليلًا أو محدودًا فهو طيب ولن تتغير هذه الصفة فيه، هذه الصفة ملازمة فيه.



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/164.jpg (http://image.slidesharecdn.com/random-091021025455-phpapp02/95/-41-728.jpg?cb=1256093882)

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)
معادلة صعبة بالنسبة للبشرية أن يدركوها.
نحن في التدبر لا نقف عند كل آية نحن نريد أن نعرف فقط من الآيات ماذا تريد الآية مني أن أحققه في حياتي في واقعي ومجتمعي؟ هذا معنى من معاني التدبر العظيمة. ربي سبحانه وتعالى يقول هنا (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) واقع إنساني، الإنسان بطبيعته يخاف على أبنائه يريد أن يؤمن مستقبلهم ولكن اللافت للنظر أن هذه الآية العظيمة تعطيني وصفة لكل من يخشى على أولاده ويريد حقًا أن يؤمن مستقبلهم ماذا يفعل؟ (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) بينما نحن في واقعنا إذا أردنا أن نتأمل في الواقع إذا أردنا أن نؤمن على مستقبل أولادنا نزيد لهم في الحسابات في البنك ونزيد في الشراء ونزيد في الأموال ونزيد في الأراضي والقرآن يقول لي (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) حِزام ضابط.

المفروض لا تعارض بين الاثنين بمعنى آخر الإنسان يعقل ويتوكل، يتقي الله ويقوم بما يقدره الله سبحانه وتعالى ويمكنه فيه من العمل وأن يترك أولاده فعلًا وهم ليسوا بحاجة لأحد ماديًا أفضل بكثير من أن يتركهم وهم عالة على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم ولكن علينا ضبط الأمور ووضع الأمور في نصابها كما يضعها القرآن العظيم. إذا أردت فعلا أن تؤمن مستقبل أولادك فعليك بالتقوى والقول السديد وهذا المعنى العظيم وهذه اللفتة التربوية جاءت في سور عديدة في كتاب الله عز وجلّ ومنها سورة الكهف (وكان أبوهما صالحا) لفتة رائعة لكل الآباء والأمهات: إذا أردت صلاح الأبناء وتأمين مستقبل الأبناء فعليك بالتقوى في نفسك والعدالة في القول مع الآخرين، العدالة في القول والعمل لأن الآية التي تليها مباشرة

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ).

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/165.jpg (http://up09.s-oman.net/51zkVKds.jpg)

وتدبروا اعجاز اللفظة القرآنية في تصوير العمل الحرام البشع أولًا جاءت كلمة (يأكلون) أكل، هل المال يؤكل؟! في زماننا المال أوراق نقدية، فهل تؤكل؟! هل رأينا فعلًا أكل حقيقي للمال؟! الإنسان يأكل أوراقا؟! لا، إذن لماذا القرآن يعبر عنها بالأكل (يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى)؟

يمكن أن يكون أحد الأسباب أن الأكل هو أكثر ما تقوم به حياة الإنسان بالمال يتصرف به بالأكل الذي هو قوام الحياة البشرية. ويمكن أن يكون لتنفير الإنسان من هذا الفعل ومزاولته ولذلك جاء بها مرتين في آية واحدة (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) أكل! الإنسان الذي يأكل حقوق الآخرين إنما هو يأكل نارًا فهل يعقل لإنسان عاقل فعلًا أن يستسيغ أكل النار؟! المال الحرام نار، المال الحرام لا يمكن أن تقوم به حياة بشرية ولا تستقيم به حياة بشرية وتدبروا ربي سبحانه وتعالى جاء بلفظة نار (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) لأن طبيعة النار تحرق وتأكل كل شيء تأتي عليه، ربي سبحانه وتعالى بهذه اللفظة العظيمة المعجزة في هذه الآية أراد أن ينفرنا من الحرام، أراد أن يجعل الإنسان قبل أن يأخذ من المال الحرام ولو فلسًا واحدًا يتأمل فيه يدرك ويستحضر أن هذا الدينار الحرام سيأتي على كل ماله كما تأتي النار على كل شيء فتأكله وتجعله أثرًا بعد عين. المال الحرام يأتي على قوام الحياة البشرية يفسدها يجعلها فعلًأ أثرا بعد عين، فهل هذا الذي تريده لنفسك؟

القرآن يعالج ظاهرة اجتماعية الإنسان حين تكون عنده أسرة ويكون عنده أولاد يبدأ يحمل همّ الرزق وهمّ العيال وكيف أؤمن ملبسهم وكيف أؤمن مدارسهم؟ هذا الخوف الذي ما أراده القرآن أن يكون لأنه خوف سلبي، الرزق بيد الله، والآيات في سورة النساء ستعالجه، هذا الخوف السلبي قد يدفع بالإنسان إلى أن يقع في الحرام والمحظور فنتيجة لذلك الخوف غير المبرر على الأبناء ومستقبل الأبناء ولماذا وكيف وماذا سأفعل وراتبي لا يكفي والحياة غالية والأسعار في ارتفاع وعشرات المبررات! هذه المبررات والمخاوف لا ينبغي أن تكون في نفس الإنسان الذي يدرك أن الرزق بيد الله وأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، هذا الخوف قد يدفع الإنسان بأن يسلك مسلكًا حرامًأ فتمتد يده إلى الحرام مبررًا ذلك لنفسه أنه يريد أن يؤمن مستقبل الأولاد وتدبروا بالله عليكم في حياتنا المعاصرة اليوم كم من أب اختلس أو وقع في الرشوة أو أكل مال اليتيم من أبناء إخوته أو من قريب أو بعيد تحت مبرر أولادي لا أريد أن أتركهم فقراء وأن ألبي احتياجات أولادي؟!

عالجها القرآن بهذه الكلمة. تفكّر تدبر هل يمكن أن تقوم حياة الأولاد أو حياتك أنت بأكل النار؟! نار حقيقية! المال الحرام نار لا يمكن أن تستقيم به الحياة فهل تُدخل النار على بيتك وأسرتك وأولادك؟ هل تقبل؟

(إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)

آية عظيمة آية حين يقف عندها الإنسان يستحضر معانيها يدرك حجم الخطأ المهول الذي يقع فيه حين تمتد يده إلى حرام قلّ أو كثُر ولذلك خسرنا كثيرًا حين ابتعدنا عن التدبر في كتاب الله أيّما خسارة ولسنا نحن فقط من خسرنا، نحن وقعنا كذلك في وصول شعوب العالم اليوم إلى الخسارة التي يعانون منها اليوم، خسارة حقيقية، حتى الخسارة الاقتصادية، حتى ما يعاني منه العالم اليوم من فقر، العالم اليوم مستويات الفقر والبطالة فيه بلغت أدنى مستويات الإنسانية وأعلى مستويات الفقر والبطالة!

من أين جاءت هذه المستويات؟

من عدم إدراك هذه المعاني التي جاءت في كتاب الله عز وجلّ.

امانى يسرى محمد
2025-09-01, 09:10 PM
تأملوا الآية الأولى قالت (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) ثم بعد ذلك (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) ثم الآية (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)
آيات مترابطة.
الآية الأولى تكلمت عن الخوف غير المبرر خوفي على أبنائي وحذرتني من الوقوع في الحرام نتيجة الخوف غير المبرر والآية الثالثة قالت (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) الرب الذي أعطاني كل هذه الأوامر رب رحيم رب يوصيني بأولادي خيرًا فهو حينًا يحذرني من إدخال الحرام على نفسي وعلى أولادي وأسرتي إنما لأجلي لصالحي هو الرب الذي يوصيني في أولادي هو الرب الذي شرّع لي هذه التعليمات لذلك اللافت للنظر في الأحكام في سورة النساء وفي سائر القرآن أن فيها بعد رحمة لا تجده في كل القوانين التي وضعها البشر.

أحكام وتشريعات القرآن العادلة مبنية على الرحمة الرحمة لا تغادرها، في الحقيقة هي منطوية على الرحمة، عدالة القرآن، العدالة التي يصنعها القرآن وتبنيها سورة النساء عدالة قائمة على الرحمة، الرحمة في كل جوانبها، ما عليك إلا أن تتدبر في الآيات لترى جوانب ولمسات الرحمة في كل شيء.

ربي حينما حرّم الحرام وحرّم أكل أموال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل وأكل حقوق الآخرين إنما رحمة بنا رحمة بضعنا وعجزنا رحمة بنا من إدخال النار على حياتنا وأُسرنا وقلوبنا وأموالنا وأنفسنا ومجتمعاتنا النار التي إن لم ننتبه إلى لهيبها وأصبحنا اليوم نعاني من ويلاتها تحت نيران الأزمات الاقتصادية التي بدأت تطيح بالدول المختلفة، تطيح بدول وليس فقط أفراد، تطيح بهم الأزمات الاقتصادية بسبب مخالفة هذه التعاليم الربانية السامية القائمة على العدالة والرحمة. ولذلك نهاية الكلام في آيات الميراث تقول
(آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)

فإذا أنا لم أعلم كبشر لمحدوديت أيهم أقرب لي نفعًا الفروع أم الأصول أيّ واحد من أبنائي ومن أقاربي؟ عدالة التشريع وعدالة التوزيع تنصرف لمن وتكون بيد من غير الخالق الرب الذي يعلم ما كان وما سيكون وما هو أقرب لي نفعًا وما هو أعظم لي نفعًأ في ديني ودنياي وآخرتي ولذلك جاءت الآية
(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)

أعظم شكل من أشكال العدالة أن تكون عادلًا مع نفسك ولا يمكن أن أكون عادلًا مع نفسي إن لم أصحح علاقة نفسي بخالقها عز وجلّ. قمة العدالة أن تصحح العلاقة مع الله وعن تلك العدالة تنبثق كل قيم العدالة الأخرى في التعامل ولكن إن لم أكن عادلًا مع نفسي كيف لي أن أحقق العدالة بكل مستوياتها مع الآخرين؟! عدالة منقوصة! لأني لم أدرك كيف أحقق تلك العدالة مع الله سبحانه وتعالى.
(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
كل هذه الوصايا في تقسيم الأموال ونحن نرى في واقعنا الإنساني قديمًا أو حديثا كثيرًا من الخلافات التي تقع بين البشر بل بين أفراد الأسرة الواحدة مردّها المال وعدم العدالة في التوزيع فإذا استطاع الإنسان أن يحل هذه النزاعات القائمة على تقسيم وتوزيع الثروة المالية نستيطع أن نقول أكثر من خمسين بالمئة إن لم يكن أكثر بكثير من مشاكل الأُسَر والمجتمعات والدول ستُحَلّ.

لو نظرنا حتى إلى النزاعات بين الدول لوجدنا من أهم أسباب النزاع توزيع الثروات، المال، من الذي يملك حق التوزيع؟

الذي يملك حق التوزيع فعلًا الرب سبحانه وتعالى لذلك جاء بكلمة (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الرب الغني الرب الذي هو سبحانه أعطى المال وهو الغني عنا وعن أموالنا وما جعل المال إلا لتقوم به حياة الإنسان. الرب الرحمن الرب الذي حتى حين شرع لنا شرع لصالحنا وليس لأي شيء آخر أما البشر فحينما يشرّعون ويضعون القوانين والتشريعات لا يمكن أن تضمن إلى أي مدى استطاعوا أن يتخلصوا من النظر في مصالحهم ولذلك حال الأمم اليوم كما نرى في المجتمعات لأن تلك العدالة عدالة لم تستطع أن تُسقط المصالح الشخصية لنفسها أما عدالة الخالق سبحانه وتعالى العدالة التي يصنعها القرآن العظيم في سورة النساء عدالة مطلقة لأنها عدالة الغني سبحانه وتعالى عن عباده وهم الفقراء إليه.
تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن نوع آخر من العدالة الاجتماعية العدالة في إقامة الحدود، العدالة في الجرائم الأخلاقية الجرائم المتعلقة بالعلاقات خارج إطار الزواج الذي وضعه الله سبحانه وتعالى ليكون الإطار الحقيقي لكل علاقة بين رجل وامرأة وخارج تلك العلاقة لا يكون الإنسان إنسانًا

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ)

كل العلاقات أسقطها خارج إطار العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة ضمن الأسرة في الزواج. ولذلك قلنا ونقول ليست الجاهلية فترة زمينة ما نراه اليوم في بعض المجتمعات من تدهور وانحطاط إنساني قبل أن يكون أخلاقي أو ديني: علاقة رجل برجل وعلاقة رجل بنساء خارج إطار الزواج هذا التدهور قيمي، هذا انحطاط إنساني قبل أن يكون أخلاقي.

هذه العلاقة ربي عز وجلّ أراد لها أن تكون مصانة تليق بإنسانية الإنسان فإذا نزلنا بها وجعلناها تكون أقرب ما تكون إلى الحيوانية والبهيمية كل ما يشتهيه الإنسان يسعى إليه ويحصل عليه، إذن حصل انحطاط في الجانب الإنساني، ما عاد الإنسان إنسانا وإنما عاد كبهيمة لأن البهيمة تنظر فقط إلى قضية الغريزة والشهوة فهل هذا هو الرقي الذي نريده في مجتمعات اليوم؟!

للأسف الشديد حتى في قضايا العلاقات الجنسية اليوم المدتمعات في الغرب على سبيل المثال بدأت تروج لها هذه العلاقات المحرمة بدعوى المساواة لأنه يفترض عندما يكون هناك مساواة أن هؤلاء الذين يمارسون العلاقات من هذا النوع لهم الحقوق في أن يمارسوا ما يريدون! تزييف! تزييف حتى للطبيعة الإنسانية الفطرة التي خلق الله الناس عليها.
والسؤال: يا ترى ما هي طبيعة الويلات والكوارث الاجتماعية والإنسانية التي ستأتي على المجتمعات التي تسكت على هذا النوع من التردي الإنساني والانحطاط؟!!

ماذا سيفعل البشر؟!

ولو نظرنا إلى سورة النساء في آياتها، كل آيات سورة النساء ولا زلنا في بداياتها نجد أن المطلب الرئيس والمقصد الأول في السورة:

العلاقات الأسرية وتحديدًا العلاقات الزوجية، الكلام عن المهر، الكلام عن الحقوق المالية، الكلام عن الحقوق النفسية، الكلام عن كل شيء يتعلق بتلك العلاقة المصونة الميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة.

ولنا أن نتساءل ونحن نتدبر في السورة لِمَ كل هذا الاهتمام بالأسرة؟

دون الحفاظ على مؤسسة الأسرة وإقامة العدل وتحقيق العدل فيها لا يمكن أن نتكلم عن عدالة خارج الأسرة. لا يمكن أن أتكلم عن عدالة اجتماعية ولا عدالة في الحكم ولا عدالة في القضاء ولا عدالة في مستوى العلاقات بين الدول وأنا كإنسان ضيّعت العلاقة في أسرتي الحصن الأول، اللبنة الأولى في المجتمع. لا يمكن أن أكون إنسانًا عادلًا قادرًا على أن يحقق العدالة ويقدمها للبشرية كما دعت سورة النساء في أول آية لها دون أن أتمكن من تحقيق العدالة فيما بيني وبين نفسي وطبيعي جدًا أن تنعكس تلك العدالة على العلاقة مع الزوجة، على العلاقة في نطاق الأسرة ولذلك لا أنا أستغرب وأنا أتدبر في كتاب الله وأنظر إلى الواقع فأرى سلسلة من المظالم التي ترتكب في بعض المجتمعات في بعض الدول، ذلك الظلم الجماعي الذي بات يئن منه العالم بأسره! لا أستغرب أبدًا لأني حين أنظر إلى الأسرة اللبنة الأولى في المجتمع أجد عشرات الصور التي ضيعت العدالة في مجال الأسرة في العلاقة بين الزوجين.

امانى يسرى محمد
2025-09-01, 09:24 PM
ربي سبحانه وتعالى في الآية 21 يقول
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)
يتكلم عن المهر والحقوق المالية في إطار الزوجية طبعًا
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )
هذه الآية تهز وجدان الإنسان ليستيقظ الضمير فيه ويتأكد تمامًأ ويتحقق أن العدالة ليست قضية مرتبطة بالأمزجة وليست مرتبطة بالرضى أو بالغضب، تلك الحالات الإنسانية التي تعترض كل إنسان في الحياة، وليست كذلك مرتبطة بالمحبة أو الكره، المحبة والكراهية مشاعر إنسانية ولكن قيمة العدالة قيمة مطلقة والمشاعر الإنسانية نسبية تتغير، الإنسان قد يحب ولكن بعد فترة من الزمن قد يقع في كره نفس الإنسان الذي كان قد وقع في حبّه وهذا واضح في المشاكل الأسرية بين الزوجين ولكن العدالة التي تصنعها سورة النساء عدالة غير مرتبطة بمشاعر الحب والكراهية، عدالة قيمية عدالة مرتبطة بتقوى الإنسان عدالة مرتبطة بذلك الرصيد الإيماني الذي بنته التقوى وتبنيه سورة النساء العظيمة.



(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا )
مجتمعات فعلًا برزت فيها تلك المعالم الجاهلية ولذلك قلنا ونقول بأن قضية الجاهلية هي ليست فترة تاريخية أو زمنية، ليست بُعد زمني، البعد الواضح فيها بُعد التعامل والسلوك ولذلك ما نراه في بعض المجتمعات اليوم من إهدار لتلك المحرمات من تجاوز لتلك الحدود من تحطيم الإنسان لهذه الأسوار والسياجات المختلفة على دعوى الحرية والمساواة هي في واقع الأمر كما نراها ونحن نتدبر في كتاب الله عز وجلّ ما هي إلا مرحلة انحطاط بالإنسانية نحو الجاهلية، انحطاط واضح، انحطاط لا يقيم وزنًا لسياج ولا يقيم وزنًا لسور يحمي إنسانية الإنسان. ولذلك يخشى الإنسان بالفعل وهو ينظر في هذه المجتمعات التي بدأت فعلًا تتسرب إليها تحت دعوى الحرية وحقوق الإنسان الممارسات الجاهلية بكل ما تحمل الكلمة من معاني.



(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

الله سبحانه وتعالى حدد هنا (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ليس فقط بيان وإنما هداية وتوبة لأنه العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
وفي نفس الوقت وتدبروا في الآية التي تليها مباشرة
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )


كل خدش في مجال العلاقات هذه التي وضع الله سبحانه وتعالى في شريعته للعلاقات بين الرجل والمرأة تلك الحدود و ووضعها في سياج كل من يحاول أن يفكك ويقترب من تلك الشريعات ويغير فيها إنما هو يغير من قبيل الشهوات، من قبيل الغرائز وشيء طبيعي جدا أن الإنسان حينما لا يخضع في غرائزه ومشاعره وعلاقاته وعواطفه لتعاليم الله سبحانه وشرائعه فهو خاضع لنداء آخر ذاك النداء الذي يحدثنا عنه القرآن (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) شيء طبيعي أن الإنسان حين لا يمشي وراء ما شرّعه الله له سيحدث الميل سيحدث الزيغ سيحدث الانحراف ستحدث الجرائم، سترتفع نسب الجرائم بالشكل المهول الذي نراه بات يهدد المجتمعات المعاصرة بل الأدهى والأمر أنه بات كذلك بات يهدد –إذا كنا على قدر من الشجاعة والصراحة مع أنفسنا - حتى المجتمعات العربية والمجتمعات المسلمة من أين جاءت كل هذه النسب الرهيبة التي باتت بالفعل تقض مضاجع الآمنين تهدد الإنسان في أمنه الاجتماعي، هناك أمن يسمى الأمن الاجتماعي وهناك أمن يسمى الأمن الأُسري، الأمن الاجتماعي والأمن الأسري لا يمكن أن يتحقق بعيدا عما أراده الله سبحانه وتعالى ووضعه لخلقه، وضعه للبشر وهو يريد أن يتوب عليهم

(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )
عجيب! يخفف عنا بالتشريع؟! يخفف عنا من قبيل النواهي والمحرمات والمنع؟! كيف يكون المنع تخفيفا وكيف يكون غلق الأبواب عندما تقتضي الحاجة تخفيفًا على الإنسان؟! كيف؟!

عظمة القرآن، اعجاز القرآن حين نتدبر في معانيه ونتأمل في آياته ونقف عند تلك الآيات والأحكام، المنع من قبيل التخفيف. ربي عز وجلّ وضع حين يقتضي الأمر تلك الموانع والحواجز في العلاقات بين الرجل والمرأة وتلك الحدود من قبيل التخفيف لأنك حين تفتح الأبواب هكذا ولا تجعل هناك أي نوع من أنواع الحدود بدعوى الحرية على سبيل المثال كما هو حاصل إنما تثقل كاهل الإنسان تثقله بذلك الإطلاق غير المبرر للجانب الغريزي في داخل الإنسان وهو ما لا يريده القرآن.



القرآن جعل لها مصارف معينة تليق بكرامة الإنسان تليق بإنسانيته مصرف الزواج ولكنك حين تطلق وتفتح الباب هكذا إنما أنت بالفعل تثقل كاهل الإنسان ليس كفرد فحسب وإنما كمجتمع وكأمة. وإذا أردنا دليلا أو شاهدا على ذلك العبء الذي بات فعلا يئن تحته الإنسان المعاصر فقط ننظر إلى نسب الجرائم والاعتداءات المختلفة التي تقع في مختلف المجتمعات المعاصرة اليوم إذا كان فعلا هذا من باب التخفيف والحرية والمساواة فلماذا ترتفع نسب الجرائم والاعتداءات؟ لماذا بلغت مستويات مخيفة هددت بل نستطيع أن نقول أنها قتلت جوانب الأمن الاجتماعي والأمن الأسري لماذا إذا كان فيها خير فعلا؟ طبعا ليس هناك إجابة لأن الذين يتبعون الشهوات لا يقدمون حلولا ولكنهم في واقع الأمر يزيدون من حجم المشاكل والضغوط التي تقع على البشر.



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/6.jpg (https://pbs.twimg.com/media/B-Im3-PIMAAZSQq.jpg)


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
مباشرة بعد الحديث عن العلاقات بين الرجل والمرأة يأتي الكلام عن الأموال، أكثر الأشياء التي تهدد أمن الأسر وأمن المجتمعات وأمن الإنسانية هي هذه القضايا التي يحدثنا القرآن عنها في سورة النساء. الإنسان القادر على أن يقول لنفسه حين يقتضي الأمر:لا، هو الإنسان الذي لا يمكن أن تحدثه نفسه بأن تمتد يده إلى الحرام وأكل أموال الناس بالباطل، أما الإنسان الضعيف المهزوز الذي لا يضع لنفسه ولا لغرائزه حدودًا ولا أسوار ولا يعترف بمنطق السياج للبيوت فهذا إنسان أعجز ما يكون عن الوقوف عند المنع أو الحرام، هو أكثر إنسان لا قدرة لديه على التحكم في نفسه إزاء أموال الآخرين وأكل حقوقهم.


وربما يقول قائل ما الدليل على ذلك؟
الدليل هو ما نراه في مجتمعات اليوم، المجتمعات المعاصرة حتى المتقدمة، هذا النهب الجماعي لأموال ومقدرات الشعوب من قبل القوى الأقوى من أين جاء؟ّ وتحت أي مبرر؟ ما الذي يبرره؟! هذا الأكل الجماعي لأقوات الشعوب وترك مجموعات من البشر تئن تحت الجوع والحصار ولا تجد حتى ما يليق بوجودها كبشر في نفس الوقت الذي يرمي به العالم وترمي به المجتمعات المتقدمة بأكداس وأكوام من الطعام والغذاء والشراب في بطون وأعماق البحار والمحيطات! هذا التناقض كيف يمكن أن نفهمه بعيدًا عن هذه الآيات التي يحدثنا القرآن عنها؟
القرآن يعلمنا بالآية بالحرف، بالكلمة وذكرنا
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
ثم قال في نفس الآية
(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)

هذا التوجيه الرباني في وسط هذه الآيات في سورة النساء التي جاءت لتحقق وتقيم مقصد العدالة العدالة التي لا تقوم بعيدا عن الحفاظ على سياج الأعراض والأموال، سياج وسورة النساء وضعت حدود ذلك السياج حول الأعراض وحول الأموال. أعراض الناس محرّمة أن تنتهك محرمة أن يتعرض إليها الغير بأي شكل من أشكال المهانة التي لا تليق بإنسانية الإنسان بصرف النظر عن كون هذه العلاقات قائمة مع مسلمين مع غير مسلمين

امانى يسرى محمد
2025-09-04, 03:53 PM
للأسف الشديد نتيجة لبعدنا الشاسع عن كتاب الله عز وجلّ أصبحنا تُذكر سورة النساء لا يذكر منها إلا بعض أجزاء مقتطعة من آيات مثال
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)
مثال آخر (واضربوهن) وانتهى!

بعض المسلمين لا يعرف من سورة النساء إلا أجزاء من آيات قد لا يستطيع أن يكمل بقية الآيات فيها وهذا ما يمكن أن نُطلق عليه القرآءة العضين قرآءة مجتزأة قرآءة تقتطع، تتخير، تقطع من الآيات دون السياق بل تقتطع من الكلمات كذلك دون الآيات، ثم بعد ذلك تأتي إليها وتسوق هذه الآيات وتستشهد بها في سياق الحديث عن قضية هي موجودة وحاضرة في ذهني وعقلي قبل أن آتي إلى القرآن بزمن. والقرآن يعلمني ويربيني على أن أتأدب حين آتي إليه بمعنى آخر أن آتي إلى القرآن بمنتهى التواضع الذي يليق ببشريتي ويليق بمن قال هذا القرآن العظيم وأنزله علينا، هناك فارق أن حين آتي إلى القرآن بنفسية الإنسان الذي يريد أن يجد في القرآن علاجًا لأمراضه، أن يجد في القرآن إجابة على أسئلته، أن يسأل القرآن ليهتدي بنوره وبصائره وأحكامه وتشريعاته، هذه نفسية مختلفة تمامًا عمن يأتي بآراء مسبقة وجاهزة وإنما جاء إلى القرآن لينتقي ويتخير ويحاول أن يصل فعلًا إلى أدلة يستشهد بها على آرائه وأحكامه الصادرة أصلًا قبل أن يأتي إلى القرآن. الطريقان مختلفان لا يشبه أحدهما الآخر ولذلك الفارق سيترتب كذلك في النتيجة.



https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://pbs.twimg.com/media/CMUWoTxVEAQ-KL8.jpg&key=aecaf42194e16b9d1b8bc8f744 f1f985f5f0824d19026545bba74088 aa4c088b (https://pbs.twimg.com/media/CMUWoTxVEAQ-KL8.jpg)

أنا إن جئت إلى القرآن -وهكذا ينبغي أن آتي - لأن عندي مشاكل أسرية، لأن عندي اضطرابات وأشعر فعلًا بالخوف على ذلك الأمن الأُسري الذي نتكلم عنه وأريد أن أحقق الأمن في بيتي، في أسرتي، في مجتمعي، سؤالي للقرآن سيختلف تمامًا عمن يأتي ليبرر الوضع الذي هو فيه بأخطائه بمساوئه بمشاكله، الفارق شاسع!

ولذلك نجد اليوم للأسف في مجتمعاتنا المسلمة –أنا لا أتكلم عن المجتمعات غير المسلمة- من أكثر المحاكم فعلًا التي يأتي إليها الناس نساءً ورجالًا وأحيانا أطفالًا هي المحاكم المتعلقة بالقضايا الأسرية، أصبحنا لا نستطيع أن نحلّ مشاكلنا الأسرية في بيوتنا، عجزنا عن حلّها في بيوتها وذهبنا إلى المحاكم والآن حتى المحاكم والقضاة ربما لا يتمكنون فعلًا من حل هذه الإشكالات والنزاعات والخلافات، السؤال لماذا؟ هل لأننا بحاجة إلى أحكام وتشريعات؟ هذا سؤال نطرح نفسه: هل نحن بحاجة إلى مزيد من التشريع والأحكام؟ هل المشكلة في النقص في التشريعات والأحكام والقوانين؟ أين النقص؟ أين المشكلة؟

تدبروا معي في كتاب الله عز وجلّ في هذه السورة العظيمة التي وضعت سياجًا على العلاقات الزوجية ومع ذلك السياج وضعت كافة الإرشادات والتعليمات لحلّ النزاعات والصراعات. القرآن كتاب يعلم الشعوب كيف تستطيع أن تحل إشكالياتها وصراعاتها بعيدًا عن منطق الحروب وسفك الدماء الذي لا يليق بالمنطق الإنساني الواعي السديد الذي يليق بإنسانية الإنسان، وشيء طبيعي الإنسان حين لا يتمكن من حل صراعاته ونزاعاته بالطريقة الإنسانية التي تليق بكرامته وأخلاقياته كإنسان سيلجأ إلى العنف والقوة فهل يتخيل في ضوء هذا الفهم لمقاصد القرآن العظيم أن القرآن يشرّع لاستعمال العنف أو القوة كمن يتكلم ومن يبرر ويقتطع الآية (واضربوهن) ويقول القرآن يشرّع استعمال القوة!. هل يُعقل هذا الفهم المغلوط الذي أثر على طبيعة العلاقة والتقبّل لأحكام القرآن وتشريعاته الذي وضع تلك الأسوار الموهومة بيننا وبين كتاب الله عز وجلّ وأنا أتكلم وأوجه خطابي هنا ربما لفئة النساء أكثر في هذه الجوانب في هذه الآيات: إذا أردنا فعلًا حياة أسرية تليق بنا كبشر كنساء كزوجات كأمهات علينا أولًا أن نفهم هذا القرآن العظيم، أن ندرك هذه الأحكام والتشريعات والآداب الكفيلة بتحقيق الأمن الأُسري.

القرآن يشرّع للأمن الأُسري، القرآن كتاب يصنع السلام، القرآن كتاب يصنع العدل والرحمة،
قطعًا هناك عجز واضح في الجوانب الأسرية في جوانب البيوت ولربما ذلك العجز أدّى إلى هذا العجز الدولي عن تحقيق الاستقرار والأمن والسلام والقرآن يعلمنا كيف نعيد الأمور إلى نصابها.

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)
الكلام عن التفاضل والكلام هنا عن التفاضل كلام عن طبيعة الأدوار طبيعة الأشياء التي لا يتحقق تكامل في الحياة بدون وجود شيء من ذلك التفاضل، كلنا نتفاضل على بعضنا البعض في أشياء معينة حتى يحدث تكامل حقيقي، القرآن كلام يعالج الإنسان بواقعية، يعالج الواقع الإنساني من منطلقات واقعية وليس من منطلقات المثالية، فوجود التفاضل لغرض التكامل لأنه بدون تفاضل لا يمكن أن يكون هناك تكامل على وجه الحقيقة، لا يمكن أن يحدث احتياج من جانب إلى آخر وبالتالي لا يمكن أن تستقر ولا تستمر الحياة على هذه الأرض ولذلك ربي سبحانه وتعالى قال
(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )

عليم بأيّ شيء، بالطبيعة البشرية، عليم بطبيعة الرجل والمرأة وإدراك جانب الرجل وجانب المرأة أن هناك نوع من أنواع التفاضل الذي لا يعني أبدًا بالضرورة أن هناك أحسن أو أن هناك أخير، لا، إحداث تكامل. وبالتالي لا ينبغي للمرأة ولا ينبغي كذلك للرجل أن ينظر إلى الأمور من منطلق الشعور بالنقص أو الدونية ولذلك في بدايات سورة النساء قلت أني لا أميل إلى ما يراه أو يقوله بعض المفسرين وخاصة في وقتنا الحاضر أن سورة النساء جاءت لتحقق العدالة للفئات المستضعفة في المجتمع وأولها النساء واليتامى، لا أميل إلى هذا الرأي أبدًا، لماذا؟

من منطلق الآية الأولى في سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) القرآن يعالج النفس الإنسانية ولا يُحدث عند المرأة ولا عند اليتامى ولا عند أي أحد شعور بالنقص أو الدونية، لا، الكل متساوون في الجانب الإنساني، التفاضل بمعنى التمايز أو التميز النوعي إنما يكون في مجالات العمل والإسهام والاستخلاف على هذه الأرض والقيام بالمسؤوليات والتكاليف التي ربي عز وجلّ أوكلها للبشر

ولذلك جاءت هذه الآية العظيمة (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ليست مسألة دونية، وإذا بقيت المرأة في مجتمعاتنا تعاني من عقدة الشعور بالنقص والدونية عن الرجل فسنبقى ندور في تلك الحلقات المفرغة ولن نتخلص منها وسيهيأ إلينا كما يُصور لنا على أن الحياة صراع بين الرجل والمرأة وحياة الصراع حياة هدم وليست بناء والقرآن ما جاء ليهدم القرآن جاء ليبني ولذلك القرآن لا يقبل بمنطق الصراع ويقدم كل العلاجات لأجل جعل الإنسان إنسان قادر على أن يدير صراعاته وخلافاته ونزاعاته بطريقة تليق بإنسانيته وتليق بالمهمة التي أوكلها الله إليه، مهمة الاستخلاف.

ولذلك جاءت الآيات بعد هذا التمهيد جاء الحديث
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)
والآيات هنا تتكلم عن مسؤوليات، تتكلم عن مؤسسة وكل مؤسسة ونحن الآن في مؤسساتنا لدينا نوع من أنواع المسؤوليات وتوزيع الأدوار والمهام ولا أحد من البشر يعترض على قضية توزيع المهام ولا الأدوار ولكن العجب العجاب أن يعترض ذلك الإنسان الضعيف رجلًا كان أو امرأة على الربّ الذي يعطي لعباده ما يصلح به شأنهم وحياتهم! ولذلك للأسف الشديد ما شاع نتيجة للجهل، نتيجة لقضية بعدنا عن الله، شاعت تلك الأشياء التي فعلا بدأت تهدد طبيعة علاقتنا اليوم مع هذا الكتاب العظيم وهذا خطر جسيم جدًا إن لم ننتبه إليه ونحاول أن نتداركه في الوقت المناسب.

امانى يسرى محمد
2025-09-05, 06:32 AM
كل مؤسسة وكل تشريع وكل قانون هناك أحكام وجزاءات والأحكام والجزاءات والعقوبات والتعزيرات هي وسائل لأجل الحفاظ على ما هو أكبر، على ما هو أدوم، على ما هو أهم فقضية الإسراف والتوغل في الحديث عن قضية النشوز والهجر في المضجع والضرب وتخصيص عشرات المؤلفات في المكتبة الإسلامية لأجل فقط الرد على تهمة أن الإسلام يشرّع لضرب المرأة والعنف الأسري، لا أراها في حقيقة الأمر لا أراها أبدًا انعكاسًا لواقع صحي في التعامل مع كتاب الله عز وجلّ.



ينبغي لنا أن نعيد النظر في أطروحاتنا التي نطرح ينبغي لنا أولًا وقبل كل شيء أن نتخلص فعلًا من عقدة الشعور بأننا نُتهم وأننا علينا أن نقف موقف الدفاع عن الدين وعن القرآن وعن الأحكام، علينا أن نتخلص من هذه العقدة أولًا وإذا لم نتمكن من التخلص منها ذاتيا قبل أيّ شيء سنبقى ندور في تلك الحلقات المفرغة سنبقى نقدم تبريرات ومسوغات لأحكام وآداب وتشريعات جاء القرآن بها ليصلح بها من شأننا ومن حياتنا وإذا أردنا فعلًا أن نرى تفسيرًا عمليًا لهذا القرآن العظيم ما علينا إلا أن ننظر إلى واقع حياة النبي صلى الله عليه وسلم كيف عاش؟ هل ضرب يومًا امرأة؟ هل ضرب يومًا طفلًا أو خادمًا؟ هل شرّع لعنف أُسري فعلًا؟ كيف أصبح المجتمع المدني الذي كان يعيش فيه ويطبّق تعاليم وآيات القرآن العظيم وكان مجتمعًا حديث عهد بجاهلية الناس كانوا فيه لا يزالون مخلفات الجاهلية ورواسب الجاهلية وتفكير الجاهلية كان يفترض أن يكون له أثر ولكن جاء القرآن العظيم فعالج كل هذا الواقع.


يا ترى لو استطعنا فعلًا أن ننظر وأن نقلب في الحوادث والأشياء التي كانت تحدث من خلال المرويات والآثار عن نِسَب العنف الأسري في ذلك المجتمع كم كانت ستكون النسبة؟ ودعونا نقارن بين تلك النسبة وبين النسب ليس في مجتمعاتنا بل النسب في المجتمعات الغربية على سبيل المثال التي يفترض فيها أن تكون تكلمت على قضية العنف وأنهت الموضوع وليس هناك أي إشكالية تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة على الأقل من الجانب النظري.


إذن المسألة ليست مسألة الآيات المسألة ليست مسألة الآداب والأحكام التي يدعي البعض أنها قد شرّعت لعنف أسري، على العكس تمامًا، الواقع الإنساني الذي لم يستطع أن يتمثل آداب وأحكام التشريع، الذي لم يستطع أن يطبّق تلك الأحكام كما ينبغي أن تُفهم من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يمثل النموذج التطبيقي لآيات هذا الكتاب العظيم. القرآن في هذه الآيات العظيمة يعالج قضية العنف الأسري في واقع الأمر، تأملوا معي في قوله عز وجلّ

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)

ثم بعد هذه الآية
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )

التي بدأت تؤسس لوصاية اجتماعية، إقامة نظام اجتماعي نظام علاقات اجتماعية قائمة على تطبيق التوحيد وعلاقة الإنسان بربه في واقع الحياة من خلال إحسان تعامله مع الآخرين فبدأ بقضية الزوجة أولًا في داخل الأسرة ثم انتقل من الأسرة، البيت إلى البيت الأكبر، المجتمع، الأسرة الأكبر المجتمع أسرة ولكني إذا لم أُحسن التعامل داخل أسرتي الصغيرة مع الزوجة ومع الأولاد كيف لي أن أحسن مع الأسرة الأكبر المجتمع أو المؤسسة؟!


هكذا سورة النساء هكذا تقرر وتصنع السلام وتعالج ظاهرة العنف والنزاع والشقاق وتعلم الإنسان، الرجل والمرأة، الزوج والزوجة كيف يمكن أن يديروا الصراع أو النزاع أو النشوز وما شابه، ولماذا جاء بها؟ جاء بها كما ذكرت تعاليم القرآن ليست تعاليم مثالية القرآن حين يعالج الواقع الإنساني لأنه من الله سبحانه وتعالى العليم الخبير الحكيم العايم البصير بعباده يعالج واقعًا معاشًا والواقع المُعاش أنت تجد فيه كل شيء وتجد فيه كل أصناف البشر تجد فيه الإنسان الذي يميل بطبعه إلى سرعة الغضب، تجد فيه الإنسان الذي يميل بطبعه إلى الهدوء والتسامح والتعامل باللين والرفق تجد فيه أشكال متنوعة بطبائع مختلفة رجالا ونساء إذا أردت أن تتعامل معه بواقعية وليس بمثالية عليك أن تحيط به علمًا ومن ذا الذي يحيط به علمًا كما يحيط به الرب الذي خلق سبحانه وتعالى؟! خلق الطبائع خلق النفوس وهو أعلم وأدرى بها فحين شرّع ووضع هذه التعاليم شرّعها لأجل أن يستمر الاستقرار الأسري لأن الاستقرار الأسري مطلب من المطالب التي جاءت بها سورة النساء وعملت على تحقيقها من خلال تشريعات الآيات والأحكام والآداب، استقرار الأسرة بقطع النظر عن طبيعة الأزواج والزوجات تلك الطبيعة التي قد تختلف من إنسان لآخر من أسرة لأسرة من امرأة لأخرى من رجل لآخر، هذه الطبائع المختلفة كان لا بد لها أن تقدّم لها علاجات وتعاملات مختلفة بحسب الحالة التي تتعامل بها ونحن كلنا نعلم أن طبيب الجسم وهو طبيب لا يتعامل مع الأمراض حتى لو تشابهت في أعراضها بشكل واحد ولا يصف لمرضاه دواء واحدًا وإنما يأخذ كل حالة من الحالات إذا كان حاذقًا وناجحًا في عمله يأخذها على حدة ينظر فيها حتى لو كان هناك متشابهات فيما بينها، فهو يحاول أن ينظر إلى جانب الفروقات، هذه في الحالات الفيسيولوجية فما بالنا حين ننظر إلى حالات النفسية، حالات علاقات أسرية وعلاقات اجتماعية، القرآن في هذه الآية العظيمة أراد للخلافات الزوجية أن تبقى منحصرة في إطار البيت والحجرة ولا تجاوزها إلى خارج الحجرة الحجرة الخاصة بالزوجين أراد لتلك العلاقات أن تقتصر على جانب الزوج والزوجة لا تخرج خارجها لأن هناك عدد من المشاكل إذا خرج خارج هذا النطاق يتفاقم، لا ينقص لا يعالج وإنما يتفاقم.


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/17.jpg (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/564x/13/37/ff/1337ff4da3f5d29b97e01fabfcd3ff c1.jpg)


الصراعات والنزاعات إذا أردنا أن نتعلم كيف نقوم بحلّها ومعالجتها علينا أولًا أن نفهم طبيعة النزاعات والصراعات، الصراعات تحتلف والنزاعات تختلف والخلافات تختلف في درجاتها وفي طبيعتها وفي أسبابها وفي العوامل الباعثة إليها تماما كالخلايا المختلفة.


لا أدري لماذا اعتدت أن أسوق أمثلة تتعلق بالجانب الطبي ولكن يحضرني الآن وأنا أتكلم حول هذه القضية الخلايا السرطانية نسأل الله أن يشفي كل مريض وأن يشافي كل المرضى من كل داء ومن كل بلاء وأن يرزقنا جميعًا العفو والعافية، الخلايا السرطانية الطبيب حين يقوم بمعالجتها حتى بعد الاستئصال يلجأ إلى العلاج الكيماوي ليحاصر وليتأكد تمامًا أن تلك الخلايا لن تذهب إلى مكان آخر في الجسد فتهاجمه وتبدأ بعملية التكاثر يحاول أن يحجّم منها قدر ما يستطيع حتى لا تنتشر.


نحن نتكلم عن خلافات ونزاعات أسرية القرآن بهذه الآية العظيمة أراد أن يحجّم يحاصر تلك النزاعات التي وقعت بين الزوجين ما أراد لها أن تخرد خارج هذا النطاق لأن هناك أسرار وقضايا في العلاقات بين الزوجين إن خرجت تفاقمت إن خرجت يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى حد الفضائح والقرآن لا يريد لا للرجل ولا للمرأة أن يحدث ما يمسّ أو يمت بأي نوع من الإهانة لكرامة أي واحد منهما لأن الأصل في العلاقة الزوجية المحافظة على الكرامة كل واحد منهم كما أوضحت الآيات
(وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)

هذه الآيات تؤسس الكرامة بين الزوجين وحرص كل واحد منهما على كرامة صاحبه لتحقق مطالب الأسرة التي يبنيها القرآن والأسرة التي يصون كرامة كل فرد من أفرادها، الإنسان حين يهان يهان أمام نفسه وأمام الطرف الآخر الزوج أو الأبناء في محيط الأسرة يصبح أكثر هوانًا على نفسه،


أراد القرآن أن يصنع إنسانًا كريمًا على نفسه كريمًا في أسرته كريمًا على زوجه كريمًا ويشعر بتلك الكرامة لأن الإنسان الذي يشعر بتلك الكرامة هو الأقدر على الحفاظ على كرامته وكرامة الآخرين والإنسان مخلوق مكرّم في كتاب الله عز وجلّ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ)[الإسراء: 70] وخلقه في أحسن تقويم كيف يمكن أن يحافظ على تلك الكرامة الإنسانية إذا كانت الأسرار والأحداث الزوجية التي تقع أثناء الخلافات تخرج خارج نطاق الزوجين، في بعض مجتمعاتنا كل شيء يحدث بين الزوجين يُنشَر، النتيجة ليس فقط خلافات وإنما نسب مرتفعة في الطلاق!!.


إذن متى يعلمني القرآن أن أخرج بالمشكلة خارج الإطار؟

إذا فقط أردت أن أجد حلًا ولم يتمكن الزوجان من الوصول إلى ذلك الحل فى الداخل عندها فقط يكمن أن يستعان بأطراف أخرى ولا بد لتلك الأطراف أن يكون للزوجين فيها حكمة ونظر بأن فعلًا يكون التحري عمن يريد الإصلاح وليس عمن يريد النزاع أو يريد الشقاق أو يريد الخلاف أو يريد تهديد الحياة الأسرية.

هكذا سورة النساء تبني الاستقرار الأسري على أرض صلبة على أساس متين أساس واقعي يتعامل مع مشاكل الناس بواقعية.


(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
قد يقول قائل ما وجه التناسب بين الحديث عن آيات تتكلم عن الأسرة والنزاعات بين الزوجين ثم بعد ذلك: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا؟

القرآن يعلّمنا أن العبادة واحدة وإن تعددت أشكالها أو صورها.

بمعنى آخر الإصلاح بين الزوجين عبادة أيّما عبادة وكذلك السعي في الإصلاح بين الناس، صبر المرأة على الزوج وصبر الزوج على المرأة عبادة، إرادة حل الخلافات والنزاعات عبادة وكذلك العبادة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجلّ في علاقته معه صلاة أو زكاة أو صيامًا أو ما شابه بمعنى آخر أن المؤمن يتعبد ويتقرب إلى الله عز وجلّ بإحسان علاقاته مع الآخرين وأولًا في محيط الأسرة


(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).
في هذه الآية العظيمة القرآن يعلمني كيف أن مفهوم التوحيد مفهوم عملي وليس مفهومًا تنطيريًا، مفهوم ومقتضى كلمة لا إله إلا الله وعدم الشرك بالله سبحانه وتعالى وله، أن يراعي في تعامله الرقي الذي يليق بعلاقته مع الله عز وجلّ فكلما ارتقى المؤمن فى تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن الشرك يقتضي من الإنسان المؤمن أن يكون راقيًا في علاقته مع ربه عز وجلّ انعكس ذلك إيجابًا على علاقته مع الآخرين وخاصة الأسرة والمحيط الداخلي الذي يعكس صدق تلك العلاقة مع الله عز وجلّ ولذلك تسقط كل تلك الأوهام التي يروج لها البعض: فلان يذهب إلى الصلاة إلى المسجد كذا مرة ولكنه يضرب زوجته ويفعل كذا ويتكلم يكلمات نابية ووو، الدين براء من هذا كله، الدين لا يمكن أن نوجه له اللوم ولكن فهم بعض الأشخاص للدين وللتوحيد وللعلاقة مع الله عز وجلّ هو الذي ينبغي أن يوجه إليه اللوم، الفهم حدثت فيه أخطاء فادحة ولكن الدين الذي هو من عند الله عز وجلّ يأمرني بهذا

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)

في لُبّ وفي وسط كل تلك التعاليم والأحكام التشريعية الخاصة بالأسرة وبتنظيم العلاقة والزواج والمال والأعراض يأتي الحديث عن عبادة الله وتوحيده لأنها لا تنفصل لأن العبادة والتوحيد والعلاقة مع الله هي الشيء الأساسي التي تدور حوله كل تلك العلاقات، إن صحت علاقتك به فلا بد أن تنعكس تلك الصحة على علاقتك بالآخرين وإن كان ثمة مرض وخلل في علاقة الإنسان بربه عز وجلّ فقطعًا سينعكس ذلك المرض على علاقاته بالآخرين.


(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)

التذكير بعبادة الله عز وجلّ في خضم الحديث عن العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، إحسان العلاقة في محيط الأسرة، إحسان العلاقة مع الوالدين، إحسان العلاقة مع الأقارب والجيران والزملاء في محيط العمل والحلقات الأخرى في المجتمع (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أبدًا لا تخرج عن عبادة الله سبحانه والتوحيد.


العلاقات الاجتماعية سلسلة من سلسلات العلاقات والعبادات التي يتقرب بها المؤمن لخالقه عز وجلّ، بمعنى آخر العبادة التي تبنيها سورة النساء ليست عبادة محصورة فقط في الصلاة كما سيأتي ذكرها أو في الزكاة أو الصدقات أو ما شابه وإنما هي سلسلة من الروابط والعلاقات الاجتماعية.


علاقاتنا بالآخرين نوع من أنواع العبادة والتقرب لله محكومة بإطار التوحيد فكلما ازداد الإنسان تقرّبا وتوحيدًا لخالقه ازداد إحسانًا واتقانًا في مجال العلاقات والروابط الاجتماعية والأسرية هكذا يربينا القرآن.

الروابط الاجتماعية لا تقام إلا على عين التوحيد فكلما ازداد الإنسان توحيدًا لخالقه، مراقبة لخالقه استشعارًا بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه رقيب على ضميره، رقيب في اتقانه لمديات تلك العلاقات الاجتماعية ازداد إحسانًا، انعكس ذلك إحسانًا واتقانًا في مجالات العلاقات الاجتماعية.


ولذلك ربي عز وجلّ في هذه الآية العظيمة (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) جاء بلفظ الإحسان والإحسان أعلى مستويات الاتقان ليس فقط في العلاقات الاجتماعية وإنما حتى في محيط العمل ولذلك القرآن يحفل كثيرا بفضيلة الإحسان ويجعل الإحسان أعلى مرتبة من مراتب التقرّب لله سبحانه.

ولربما حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين عرّف الإحسان فقال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".


أعظم مؤشر على مجالات الإحسان في العلاقات العلاقات الاجتماعية التي جاءت بذكرها الآية. ثم اللافت للنظر أن الله سبحانه وتعالى ختم هذه الآية التي حوت كل العلاقات الاجتماعية: الإحسان في التعامل مع الوالدين قولًا وفعلا حياة وموتًا الإحسان للوالدين والبر بهما لا يتوقف عند حياتهما فقط بل يمتد إلى ما بعد الوفاة ليجعل الإنسان المؤمن في قمة الوفاء ولا يتوقف الوفاء عند حياة الوالدين بل يمتد لما بعد الوفاة بعد الموت حين يكونان الوالدن فعًلا أشد ما يكونان حاجة إلى ذلك البر والوفاء.


(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)

اختار القرآن أعظم وأخطر الصفات الإنسانية التي تنتشرحين يصبح الناس في جاهلية: الاختيال والبخل والأمر بالبخل والرياء والتعالي على الناس، قوّض تلك الصفات قوّض تلك الممارسات التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي آنذاك تعالي الإنسان على أخيه الإنسان وتغافله ونسيانه بأنه إنسان يشترك معه في الإنسانية، قوّضها القرآن بالتوحيد بالإيمان بالله سبحانه تأملوا


القرآن يعطينا بُعدًا آخر لمفهوم القوة بُعدًا لم يعرفه أبدًا المجتمع الجاهلي، القوة الحقيقية التي يأتي بها القرآن هنا قوة الإحسان القوة المبنية على فضيلة الإنسان يصبح الإنسان أقوى في المفهوم القرآني حين يكون أقوى إحسانًا أكثر إحسانًا، يده تمتد بالإحسان لمن عرف ولمن لم يعرف، مفهوم جديد للقوة يخالف كل المفاهيم الجاهلية حتى الجاهلية التي نعرفها في عصرنا وفي زماننا التي طغت على المجتمعات المادية


القرآن يقدم مفهومًا آخر للقوة قوة الإحسان، قوة العطاء، وينهي بذلك كل العلاقات المبنية على الاختيال والتفاخر الذي لا يليق بالإنسان المؤمن، الإنسان الذي يصوغه التوحيد لا يمكن أن يكون إنسانًا فخورًا أو متعاليًا على الآخرين مغترًا بما أنعم الله سبحانه وتعالى به عليه النعم: المال، الجاه، المكانة الاجتماعية ما هي إلا وسائل يفترض أن تقرّب الإنسان المؤمن لخالقه عز وجلّ


إذا أردت محبة الله فعليك أن تتخلص من ذلك الداء النفسي الكامن في النفس التي تنظر إلى الآخرين بإزدراء أو باحتقار بسببب قلة مال أو جاه أو عنصرية مبنية على لون أو عرق أو ما شابه. ومما لا شك فيه أن هذه الصفات النفسية التي تأتينا الآن الدراسات الحديثة وتبين أن داء التكبر أو التعالي أو التفاخر يأتي من عقدة يشعر بها الإنسان بالنقص فيحاول أن يغطيها من خلال التفاخر أو التعالي أو الاغترار أو التظاهر على الآخرين.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:34 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/21.jpg (http://3.bp.blogspot.com/-SOVFYjpLZ2Q/Uj47e_IELYI/AAAAAAAAAKo/4GEEbyhdHOY/s1600/bokhl.jpg)


ثم إن القرآن العظيم في سورة النساء يربط بعد ذلك فيأتي على صفة أخرى ذميمة وممارسة سلوكية خطيرة كفيلة بأن تهدم كل العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية: البخل، التقتير، المنع، الحرص الذي هو نابع من قبل الإنسان بناء على شعوره بأن ما وهبه الله من نعم أو مال أو ما شابه هو ملك له، صرف، لا ينبغي للآخرين أن يشاركوه فيها فيأتي القرآن في سورة النساء على ممارسة وصفة نفسية لا تقل خطورة عن قضية الاختيال والفخر

. لو أخذنا على سبيل المثال الجانب المادي: المرأة تعمل والرجل يعمل ولأن المرأة تعمل والرجل يعمل في كثير من الأحيان فالرجل ينظر إلى ما تنفقه المرأة والمرأة تنظر إلى ما ينفقه الرجل: أعطيتَ وأعطيتِ، أخذتَ وأخذتِ، وامتد بنا الأمر حتى إلى الحد الذي وصلنا فيه إلى حساب الكلمات والتعبير عن المشاعر، أصبحنا نحاسب بعضنا البعض على الكمّ في الكلمات وفي الجمل وفي المجاملات وفي العلاقات الإنسانية، أنت ابتسمت، فلان ابتسم وفلان لم يبتسم أو لم يسلّم، أو، أو....

لو بحثنا فعلا في جذور هذه الأمور اليومية التي باتت تحدث في محيط الأسرة أو في الزمالة في العمل أو في المجتمع لوجدنا أن واحدًا من أهم الدوافع لهذه الممارسات البخل لأن البخل لا ينحصر فقط في قضية المال البخل يصل بالإنسان إلى البخل بكل أشكاله وصوره، البخل حتى في التعبير عن المشاعر الإنسانية، البخل حتى في التبسم البخل حتى في العواطف في التعبير عنها والمواساة والمشاركة الوجدانية. منع العطاء بكل صوره وأشكاله وهذا ما لا يريده القرآن لأن أجواء البخل تحطّم العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية، إذا أردنا لعلاقاتنا الزوجبة وعلاقاتنا الأسرية وعلاقتنا المجتمعة أن تصح وأن تستقر وتهدأ وننعم جميعا بالسعادة في ظلها بحاجة إلى كم هائل من العطاء. وقبل الكمّ علينا أن نتفكر في القيمة التي تدفعنا إلى العطاء، نحتاج إلى نفوس معطاءة، نحتاج إلى نفوس تدرك أن العطاء لا يمكن أن يعود علينا بالنقص أو الائلاف بل على العكس تمامًا كلما ازددت عطاء كلما ازددت إحسانًا زادك الله سبحانه وتعالى قوة ومنعة ورزقًا حلالًا طيبًا حسنًا ورفعة في كل شيء، هكذا يعلمنا القرآن. وربما قائل يقول الآية لتي نزلت

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 37]
آية نزلت كما ذكرت كثير من كتب التفسير في اليهود ولكننا تعلمنا من تدبر كتاب الله عز وجلّ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وسياق الآيات ومقاصد الآيات الي نتحدث عنها في الكلام عن التدبر يعلمنا أن النهي الذي جاء في السياق عن البخل لما لهذا المرض النفسي الاجتماعي من أثر خطير في هدم العلاقات الأسرية والاجتماعية وأنا لا أرى أن مشاكلنا الأسرية زوجية كانت أو على الأسرة أو على المجتمع بأسره لا أراها تُحل في أروقة المحاكم وإنما أراها تحل في أروقة النفوس المفعمة بالإيمان والتوحيد.

نحن لا نحتاج لمزيد من القوانين والتشريعات، كل التشريعات هنا في هذا الكتاب العظيم، نحن لا نحتاج إلى مزيد من التشريعات الدولية التي نستوردها من هنا ومن هناك لكي نحل بها الإشكاليات التي تقابلنا في محيط الأسرة أو العمل أو المجتمع بقدر ما نحن بحاجة إلى تصحيح العلاقة مع الله عز وجلّ ذاك التصحيح الذي سينعكس إيجابًا على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية بكل تأكيد.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:40 PM
داء الرياء

داء خطيرا جدا داء كفيلا كذلك بهدم العلاقات الاجتماعية، داء عرفته الجاهلية ولا تزال الجاهليات المعاصرة تعرفه، داء الرياء

الرياء يعطي صورة وشكل العمل الصالح الخيّر ولكن هذا الشكل القرآن العظيم جاء ليعلمنا أن العمل الخيّر لا يقف فقط عند الشكل والصورة، العمل الخيّر الذي فعلا أراد القرآن أن تؤتى ثماره هو عمل يحفل بالمضمون وبالظاهر ولذلك كان لا بد من الاهتمام بباطن العمل، بداخل العمل. يقول الله عز وجلّ

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا )

الآية بدأت بقوله عز وجلّ (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) في إطار العلاقات الزوجية والأسرية والمجتمعية الفرد يحتاج إلى الإنفاق إنفاق المال لا يمكن أبدًا أن تصحح العلاقات بدون قدر من الإنفاق، إنفاق مادي حقيقي، إنفاق للمال.

لذلك لو نظرنا وتأملنا في كثير من المبادئ والتعاليم النبوية لوجدنا إنفاق المال عنصر مهم جدًا فيها: الهدية، الإحسان إلى الجيران، الإحسان إلى الأقارب، الإنفاق، الصدقات، إنفاق مال.
ولكن القرآن لا يريد مني إنفاقًا صوريًا فقط في الشكل، خاوي، فارغ لا تصاحبه سلسلة من العلاقات الإيمانية المنبثقة من التوحيد، لا تصاحبه سلسلة من المشاعر الإنسانية. وتدبروا لو ربطنا بين قضية الإنفاق الشكلي وما قاله الله عز وجلّ في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263] لدينا صورتان متقابلتان: صدقة حقيقية بالمال، إنفاق ويقابلها قول معروف ومغفرة، مشاعر إنسانية، سلوكيات وعلاقات إنسانية، يا ترى أيهما أجدى نفعا للطرف الآخر حتى لو كان ذلك الطرف الفقير أو المسكين أو المحتاج؟؟ المسكين أو المحتاج؟ أيهما أنفع؟ أيهما أجدى؟ أيهما أقرب إلى مقاصد القرآن وقيم التوحيد؟

الصدقة والإنفاق بالمال، الجانب المادي أو الجانب الإنساني؟
قطعًا الجانب الإنساني ولذلك قال تعالى في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى). وهنا في هذه السورة وفي الآية العظيمة (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)

القرآن يريد منا الإحسان ويطلب منا الإنفاق بالمال ولكن ما يطلبه ليس إنفاقًا صوريًا شكليًا يريد منا إنفاقا حقيقيًا إنفاقا في المشاعر الإنسانية عطاء تجود به النفس البشرية الإنسانية التي صاغها التوحيد وليس عطاءً شكليًا فما قيمة أن يعطي وينفق الإنسان ولو حتى الآلآف والملايين من الدنانير والدراهم ولكن في نفس الوقت لا تصاحب ذلك الإنفاق مشاعر إنسانية عطاء، جود، حُبّ، إحسان، مشاعر؟!

الرجل على سبيل المثال ملزم بالإنفاق وسورة النساء وردت فيها العديد من الآيات قبل وبعد على قضية النفقة لكن أي نوع من النفقة؟ هل فقط النفقة المادية غير المصحوبة بالعطاء الإنساني والمشاعر الجياشة التي أراد القرآن أن يبنيها؟ أبدًا. النفقة في القرآن ليست نفقة مادية فحسب فالزوج حين ينفق على زوجته وأسرته وأبنائه المطلوب منه ألا يتوقف فقط عند الإنفاق المادي من مطعم ومشرب ومسكن وملبس وما شابه، المسألة ليست مادية لا بد أن يصاحبها عطاء نفسيا وجودا وسخاء في المشاعر والعواطف، هذا ما صنعته هذه الآيات العظيمة في النفس وكيف يصنع ذلك من قلب لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ينتظر العطاء من الآخرين؟!

ولذلك الآية هدمت صفة الرياء القبيحة لأن الإنسان المرائي حين يعطي يعطي وهو ينتظر المقابل من الآخرين مدحا، ثناء، والقرآن العظيم يريد من الإنسان المؤمن أن يعطي ولكنه حين يعطي لا ينتظر المقابل أو الأجر من الآخرين، ينتظره من الرب الذي يؤمن به ولمنهجه ولتوحيده يخضع في حياته، نوع من أنواع التحرير للإنسان. ولذلك قلنا سابقا أن التوحيد جاء ليحرر الإنسان ليس فقط من عبادة الأحجار والأصنام ولكن كذلك من الخضوع للبشر وما يعطونه وما لا يعطون، الإنسان حين يتحرر من هذه الإشكالية يعطي بسخاء وهو بالضبط ما نحتاج إليه في عالمنا المعاصر

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:42 PM
عش حياتك
على مبدأ :كـن مُحسناً
حتى وإن لم تلق إحساناً، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين

كثير من الأزواج وكثير من الأفراد في محيط العلاقات الاجتماعية حتى بين الأقارب المشكلة الخطيرة في تلك العلاقات أنها أصبحت تقام على أساس المعاملة بالمثل: أعطاني أعطيه، سلّم عليّ أسلم عليه، وصلني أصله، منعني أمنعه والقرآن لا يريد هذا النوع من التعامل!

يريد القرآن أن تقام العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية على محبة غير مشروطة عطاء غير مشروط بتعامل الطرف الآخر وهذا هو الإحسان.

هناك شيء يسمى التعامل بالمثل أعطاني سأعطيه لكن هذا التعامل بالمثل إذا طبق في مجال العلاقات الزوجية والعلاقات المجتمعية يمكن أن يصل بها إلى مرحلة لا تستقيم بها تلك العلاقات، لا تدوم!.

إذا منع على سبيل المثال القريب عن قريبه الفضل أو الإحسان أو السلام أو الزيارة أو التواصل الاجتماعي إذا قوبل المنع بمنع مثله السؤال إلى أين سنصل؟

لن نصل إلى أقل من القطيعة أبدًا بكل الأحوال هذا ما يحدث للأسف اليوم في كثير من المجتمعات. إذن القرآن يريد أن يرتقي بالنفوس المؤمنة إلى درجة أرقى، مستوى أعلى، هذا المستوى الأعلى لا يمكن أن يتحقق إلا بالإحسان والعطاء غير المشروط، العطائ الذي لا ينتظر المقابل من البشر بل ينتظر من رب البشر.

وتدبروا هذه الآية
(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا )
تأملوا لو أننا طبقنا هذه الآية في محيط التعامل الذي تكلمنا عنه وماذا عليك لو آمنت بالله وأنفقت وأعطيت دون أن نتنظر المقابل من البشر؟ ماذا على الزوج أو الزوجة لو أنهم آمنوا أن الله سبحانه هو المعطي هو الرزاق وأنفقوا برًا وخيرا وإحسانا عطاء ماديا ومعنويا ماذا عليهم؟ ما الذي سيخسر الإنسان؟ ماذا ستخسر حين تعطي دون أن تنتظر المقابل من البشر، ماذا ستخسر حين تسلم حتى لو لم يرد عليك الآخرين التحية والسلام؟ ماذا عليك لو أنك وصلتهم حتى لو قطعوا ومنعوا؟ ماذا ستخسر؟ هل أنت بالفعل ستخسر أم ستربح؟ وتدبروا نهاية الآية (وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا) عليمًا بما تعطي عليمًا بما سيقابل ذلك العطاء، عليمًا بنفسيات الآخرين إن منعوا عنك العطاء وإن قابلوا إحسانك بالإساءة إن قابلوا عطاءك بالمنع. وتأملوا التناسب بين الآيات في السورة، الآية التي تليها

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )
تدبروا كيف يعالج القرآن العظيم الشح في النفوس كيف يُطلق ويحرر تلك النفوس من جانب الشح والبخل إلى فضاء العطاء الواسع

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)
يجعل التعامل الأسري والاجتماعي ليس تعامل علاقات بين فرد وفرد بين إنسان وآخر وإنما علاقات مبنية على تعامل بين إنسان وبين خالق سبحانه وتعالىليحرر الإنسان من النظر إلى جزاء الآخرين أو انتظار الجزاء من الآخرين ويجعل الإنسان المؤمن لا ينتظر الجزاء إلا من الخالق سبحانه الذي لا يضيع ولو كان مثقال ذرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) الإحسان لا يضيع عند الله سبحانه وتعالى وإن ضاع عند الخلق وإن ضاع عند الناس وإن ضاع في محيط الأسرة وفي محيط الأقارب

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:44 PM
الصلاة في سورة النساء ذُكرت أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، صلاة في السفر والإقامة، صلاة في الخوف وفي الأمن، صلاة في الحرب وفي السلم، كل هذا الوقوف الطويل في آيات سورة النساء عند الصلاة يدل على قيمة هذه العبادة العظيمة، أهمية هذه العبادة العظيمة في إرساء قيمة العدل والحرية والأمانة والمساواة وتجديد العهد الذي هو التوحيد بين العبد وربه


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)

وكانت الخمر في ذلك الوقت الذي نزلت فيه الآية لم تُحرّم بعد والناس كانوا قد اعتداوا على الخمر، ألفوها، أصبحت الخمر جزءًأ لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والأُسرية والمجتمعية بشكل عام في ذلك العصر ولذلك القرآن عالجها بحكمة وتدرج لكن الذي يلفت النظر فعلًا أن الحديث عن أشكال الطهارة قبل الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة واضح في هذه الآيات حدثتنا أولًا عن تطهير النفس من التباهي والعالي والتفاخر على الآخرين والبخل والشح والرياء ثم انتقلت بعد ذلك إلى طهارة العقل فجاء النهي عن الخمر فقال (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) الخمر تدنس العقل، العقل الذي هو محط التكليف، محط تشريف الإنسان،


فالله سبحانه انتقل من طهارة النفوس من تلك الأمراض إلى طهارة العقل من الخمر ثم إلى طهارة الجسد أو البدن عن طريق الصلاة والتيمم والطهارة والوضوء.

ثم بعد ذلك الحديث عن طهارة البدن. قيمة الصلاة، الصلاة من أعظم العبادات التي ينبغي للمؤمن أن يتحرى فيها تلك الأشكال من الطهارات

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/22.jpg (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/736x/63/10/a2/6310a26022206a10ab6dc6ea9cb95b 94.jpg)


لا يمكن لعلاقات زوجية أو أُسرية أو اجتماعية أو العلاقات الاقتصادية والسياسية التي ستحدثني عنها سورة النساء لا يمكن أبدًا أن تستقر من دون وجود فضيلة الإحسان، وفضيلة الإحسان لا تُبنى إلا على نفوس طاهرة وعقول نظيفة واعية مدركة لعظمة الأمانة التي حمّلت إياها من قبل الله سبحانه وتعالى. وختمت الآية بقول الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) مساحة العفو والمغفرة لأننا ونحن نحاول ونبذل كل ما نستطيع لأجل أن نطهر نفوسنا وعقولنا وأبداننا بالشكل اللائق بالله سبحانه وتعالى. ونحن في كل هذه الرحلة إنما هي محاولات جهود بشرية لا يمكن في كثير من الأحيان إلا أن يعلو فيها جوانب الخطأ والنسيان والتقصير والزلل فكان الحديث عن العفو والمغفرة مناسب تمامًا لتلك المعاني العظيمة.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:46 PM
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ )
ثم بعد ذلك
(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)
والآية بطبيعة الحال وهي تكلمنا هنا عن أهل الكتاب وعن بني إسرائيل اليهود لا تخرج أبدًا عن سياق العدل في الحديث عن الآخرين وهو أدب قرآني بامتياز واضح قال الله سبحانه وتعالى (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) ليس كل الذين هادوا واليهود يحرفون الكلم عن مواضعه (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) وربما خصّت كثير من الايات سواء آيات سورة النساء وسور أخرى فئة العلماء أحبار اليهود هؤلاء العلماء الذين حُمّلوا أمانة نقل العلم وتأديته لأمتهم وأهلهم ومجتمعهم لكنهم كانوا في ذات الوقت كانوا يتميزون بمنهج التحريف، التحريف الذي ذكرته الآيات هنا تحريف الكلم عن مواضعه، تحريف بالكلمات. ولذلك هناك آيات أخرى في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن حدثتنا عن أشكال وأصناف من تحريف أهل الكتاب
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ البقرة) شكل من أشكال التحريف. ولماذا الحديث عن التحريف في المنهج والله سبحانه وتعالى سيعطيني بعد قليل آيات ستحدثني عن الأمانة؟! تنبيه لنا جميعًا، نحن حُمّلنا أمانة أمانة هذا الكتاب العظيم علينا أن نحسن أداء تلك الأمانة بدون تحريف ولكن التحريف ربي سبحانه وتعالى تكفل بأن يحفظ هذا القرآن من أيّ تحريف فهو الذي نزّل الذكر وهو الذي تكفّل بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر)).

إذن فلماذا ربي سبحانه وتعالى يؤكد هذه المعاني ويحذّر من الوقوع فيما وقع فيه علماء بني إسرائيل؟! التحريف ليس شكلًا واحدًا، صحيح التحريف الذي وقع هنا والذي جاء سياق الحديث عنه كان تحريف كلمات، تحريف الكلم عن مواضعه كان كتمانًا للحق وخاصة بما يتعلق بمواضع نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ربي يحذرنا من شكل آخر من أشكال التحريف، شكل أن تأتي أفعالي وسلوكي وأخلاقياتي وتعاملاتي اليومية مناقضة لما في كتاب الله عز وجلّ، هذا تحريف!


https://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif (http://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/s480x480/e35/12338677_103297166708034_46125 4850_n.jpg?ig_cache_key=MTEzMD Q1ODYwNDYzOTIwOTQwMQ==.2)

بمعنى آخر: أن يقول لي المنهج شيء ولكني أفعل شيئًا آخر ولذلك ربي سبحانه وتعالى عاتب عباده المؤمنين فقال
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصفّ))
من أعظم قواعد التدبر أن نتعلم كيف نربط بين الآيات ولو كانت في مواضع مختلفة في كتاب الله، فكتاب الله عز وجلّ يفسر فيه الآية بآية أخرى في موضع آخر وعلى المتدبر أن يدرك تلك المعاني العظيمة ولذلك حذرنا من هذا المسلك في التعامل مع المنهج، مع الكتاب فقال عن أهل الكتاب (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِم ْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) المناسبة واضحة، سياق تحذير ولذلك ربي عز وجلّ في خواتيم سورة البقرة قال عن المؤمنين (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

إذن هناك أشكال للتعامل مع المنهج، هناك شكل كالشكل الذي وقع هنا في بني إسرائيل (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وهذه هي العاقب والنتيجة جاءت في الآيات، وهناك شكل آخر ينبغي أن نقوم به وهو الذي ينبغي أن تقوم به أمة القرآن (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ولكن والذي سنأتي عليه بعد قليل في آيات في موضعها في سورة النساء السمع والطاعة ليس عملية ادّعاء، السمع والطاعة ليست كلمات تقال باللسان، السمع والطاعة اتباع وسير على المنهج الذي جاء به هذا الكتاب العظيم وطبقه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته وتعاملاته وسلوكياته المختلفة. الطاعة لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وإلا فالعاقبة أوضحتها هذه الآيات العظيمة (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) عاقبة واضحة!.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:47 PM
ازدواجية السلوك عند بعض المسلمين

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا )

لنا أن نقف طويلًا عند هذه الآية. الآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) والسؤال: وهل هذا الكتاب جاء ليخاطب الله سبحانه وتعالى به الذين أوتوا الكتاب؟!
وتدبر في أول آية في سورة النساء (يا أيها الناس) هذه الخطابات والنداءات في كتاب الله تدل على أي شيء سوى عالمية هذا القرآن العظيم؟

عالمية رسالته وقيمه، عالمية تعاليمه ومبادئه وتشريعاته وتوجيهاته. وبالتالي ربي بعد قليل في الآيات التي تليها بعد عدد من الآيات سيأتي الحديث عن الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نحن حُمِّلنا أمانة أن نحمل رسالة القرآن إلى أمم العالم بأسرها ولكن الحمل ليس بالضرورة فقط أن يكون من خلال الكلمات أو من خلال تبليغ الرسالة فقط شفهيًا، الحمل الحقيقي لرسالة القرآن وقيمه أن تصبح واقعًا في مجتمعاتنا وأُسرنا أن نقدّم أنموذجًا لأمم العالم وشعوب العالم، أنموذجًا للعدالة أنموذجًا فعليًا وتطبيقًا عمليًا لواقع هذا القرآن وتعاليمه في حياتنا حتى لا يُفتن الناس، حتى لا ينظر الناس إلى مضمون الكتاب فيرون شيئا وينظرون إلى واقعنا فيرون أشياء أخرى لا تمت إلى ذلك المنهج بصلة فتحدث فتنة كهذه التي تحدث اليوم.


اليوم العالم بأسره ينظر إلى القرآن فيرى شيئا ويسمع شيئا وينظر إلى واقعنا في داخل أُسرنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا فيرى شيئا يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان فيحدث الفتنة هذه الفتنة هي فتنة الصد عن منهج الله سبحانه وتعالى فتنة أشبه ما تكون بالتحريف ولكنه شكل جديد من أشكال التحريف الذي وقع فيه من قبل بنو إسرائيل، تحريف بمعنى أيّ شيء؟ تحريف ليس بالكلمات فالقرآن مصان ومحفوظ من قبل الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه، بحفظ حروفه وكلماته لكن التحريف جاء من قبل من يناقض في سلوكياته وأعماله منهج القرآن، القرآن يقول اعدلوا وهو يظلم القرآن يقول أدوا الأمانة وهو يخون الأمانة هذه الازدواجية والتناقض في حياة بعض منا شكل من أشكال التحريف، تحريف المنهج الرباني الذي نزل على هذه الأمة لتحمل به الرسالة إلى أمم العالم.

ولذلك جاء الحديث عن الشهادة
(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا )
النبي صلّ الله عليه وسلم شهيدًا على أنه قد أدّى الرسالة ووفى بالأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وسنُسأل وسيشهد علينا إن كنا قد قمنا بأداء تلك الأمانة أم لا.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 02:48 PM
الأمانة وأنواعها

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/23.jpg (http://www.nourislamna.com/up/images/m56sy49r1sfy1o4wxzs.gif)

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا )
والكفر بالآيات ليس شكلًا واحدًا، الكفر بالآيات كما ذكرنا في التحريف ليس على شكل واحد، الإيمان الحقيقي بالآيات أن تصبح آيات الكتاب واقعًا وتطبيقا في الحياة بكل مجالات الحياة المختلفة. ولذلك تدبروا في الآيات التي تليها كيف جاءت تحكي عن الإيمان
(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا )
آمنوا وعملوا الصالحات، آمنوا بالمنهج فكان العمل الصالح إيمانًا بذلك المنهج، العمل الصالح جزء لا يتجزأ من الإيمان ولا تكاد تذكر في كتاب الله في آياته كلمات عن الإيمان إلا ويذكر معها العمل الصالح، التطبيق، الفسير الحقيقي لمعنى الإيمان

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)
تدبر واقرأ الآيات وأنت فعلًا مستحضرًا لكل مبادئها ومعانيها العظيمة، قيمها ومقاصدها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إيمانك أمانة. وتدبروا جاء الحديث عن الأمانة بعد الآية التي قالت (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) انظر إلى الربط، إيماني بالله سبحانه وتعالى أمانة عليّ أن أحسن أداءها وجزء من ذلك الأداء أن أعمل بمقتضى الإيمان، آمنت بالله وآمنت برسوله صلى الله عليه وسلم فعليّ بالتطبيق ولذلك جاءت الآية التي تليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إيمان دون طاعة أنّى له أن يكون إيمانًا! وتدبروا ذلك التلازم الواضح بين الإيمان والأمانة.

الأمانة إيمان وكلما ازداد وترقى الإنسان في إيمانه ازداد أمانة،
ازداد حرصًا على أداء الأمانات،
وكل ما نقوم به في حياتنا أمانات، الكلمة أمانة، النظرة أمانة، الحواس المختلفة التي وهبنا الله سبحانه وتعالى أمانات كيف أقوم بوظائفها، كيف أوظفها في حياتي أمانة كيف أستعملها أمانة، كيف أحافظ عليها أمانة، العلاقات الزوجية والأسرية الاجتماعية أمانات، علاقات الجيرة والصداقة والزمالة والعمل أمانات، الأعمال أمانات.

الأمانة في القرآن ليست أمانة درهم ودينار فحسب، هي جزء يسير شكل واحد من أشكال الأمانة ولكن الأمانة هي تلك الأمانة التي قال الله تعالى عنها في موضع آخر
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب))
أمانة، أداء المنهج والقيام بهذا القرآن العظيم في الحياة والتطبيق وحمله إلى أمم الأرض أمانة آن للمسلمين أن يسألوا أنفسهم قبل أن يُسألوا ويقفوا بين يدي خالقهم هل فعلًا أدينا الأمانة؟ هل استطعنا أن نحمل قيم القرآن إلى أمم الأرض؟ قيمة العدالة، هل فعلًا تمكنا من ذلك؟ هل أدينا الأمانة؟ لذلك تدبروا في نهاية آية الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) من الذي يراقب مستوى الأمانة في قلبي وأخلاقي وسلوكي؟ الأمانة الفردية والأمانة الجماعية؟ السميع البصير.

الكلمة أمانة بكل أشكالها وصورها سواء ما تحدّث به نفسك
أو ما تقوله عن الآخرين، الكلمة أمانة.
واعلم أن من يحاسِب على هذه الكلمة هو السميع البصير تدبروا كيف تنضبط قيمة العدالة في المجتمع، العدالة كقيمة يعرفها البشر، الآن على سبيل المثال في مجتمعات الدول المعاصرة تتشدق بالكلام عن العدالة والحرية والمساواة لكن من الذي يجرؤ أن يقول لدولة أو لقوة عظمى هنا أو هناك أنت تطبقين العدالة أم لا تطبيقينها، وكيف تُضبط؟! هذه لا تضبط بمقاييس البشرية، هذه تحتاج إلى رقابة ذاتية والرقابة الذاتية التي تصنعها سورة النساء: إن الله كان عليكم رقيبا، إن الله كان سميعا بصيرا، خبيرا عليما. تدبروا كيف تُبنى الرقابة على الضمير في نفس الإنسان المؤمن.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 06:48 PM
الحكم بالعدل بين الناس تشريع إلهي

تدبروا في الآية
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)

قبل أن يقول تعالى
(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)

ونحن لا زلنا نتعامل مع القرآن بنفس تلك القرآءة التي أشرنا إليها فيم سبق القرآءة العضين المجتزأة المقتطعة من سياقاتها نقتطع من الآيات! ولذلك في بعض المؤسسات أو بعض المحاكم الآية تقتطع هذا الجزء من الآية فقط

(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
أين الجزء الأول من الآية؟!
لا ينفصل عن أداء الأمانات لهم ثم إن الله سبحانه وتعالى قدّم أداء الأمانة على الحكم بين الناس والقضاء بينهم لماذا؟
ليجعل الفرد الإنسان المسلم رقيبًا على أمانة نفسه وإذا أصبح الإنسان المسلم المؤمن رقيبًا على ذاته في أداء الأمانة ما احتاج إلى القضاء، ولا احتاج إلى التحاكم ولا احتاج إلى أن يرفع مظلمته إلى محكمة هنا أو هناك.

لو أقيمت فضيلة أداء الأمانات في بيوتنا وفي أُسرنا وبين الأزواج يا ترى هل كنا سنحتاج إلى الوقوف في تلك الطوابير المضنية ساعات لأجل رفع قضية طلاق أو ضرر أو نفقة أو ما شابه؟! لو أدى الناس الأمانات إلى أهلها فعلًا هل كان سيكون هناك فعلًا حاجة حقيقية لما يحدث في المحاكم الشرعية والمحاكم الأسرية محاكم الأحوال الشخصية وقضاياها التي لا تكاد تنتهي ولو قلبنا في إضبارات وملفات ودفاتر تلك القضايا المختلفة المرفوعة هنا وهناك في مختلف دول العالم ولكن نتكلم عن عالمنا الإسلامي ومجتمعاتنا المسلمة التي أُمرت ووجِّه لها خاصة هذا الخطاب القرآني أن تؤدي الأمانة إلى أهلها لو بحثنا لوجدنا فعلًا أن الكارثة الأصل غياب الأمانة!

قضايا النفقة المرفوعة، المطالبات بالنفقة،

الرجل يريد مخرج قانوني لأجل أن يتحايل على النصوص الشريعة والقانونية فيتخلص من النفقة على سبيل المثال!
هذا جزء من مثال، هذا لو أدرك أداء الأمانة إلى أهلها أكنّا بحاجة إلى ما نحن فيه؟! أداء الأمانة إلى أهلها! لكن القرآن كتاب واقعي يعالج الواقع الإنساني ما كان من الممكن أن يترك الناس دون تحاكم دون وجود من يحكم بينهم بالعدل دون وجود من ترفع إليه المظالم، القضاء، نظام القضاء ولذلك جاءت الآية (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الحكم بين الناس، قيمة العدل الحقيقية أمانة، القضاء أمانة. وأنا أريد أن أقف - ونحن في سياق الحديث عن القضايا الأُسرية والمشاكل الزوجية وما شابه - تأخير العدالة ظلم وغبن، تأخير إعطاء الحقوق وردّ الحقوق إلى أصحابها، التأخير فقط في الأجَل، التأجيل في الزمن في المدة هذا ظلم، وهذا ليس من العدل في شيء. ولنا أن نقف طويلًا عند كل تلك طوابير الانتظار عند المحاكم في المجتمعات المختلفة في مجتمعاتنا المختلفة سنجد عشرات وربما مئات من القضايا أُجّل النظر فيها مرة بعد مرة، لماذا يؤجل؟
تدبروا في كل هذه المعاني
(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
فمن العدل وتمام العدل أن يعجل الحاكم في رد الحقوق إلى أصحابها متى ثبت عنده ذلك.

اذا اختلفنا فالى اى شئ نرجع ؟

(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ)
ذكرنا أن سورة النساء من أعظم السور التي تعلم الإنسان والمجتمع والأسرة المسلمة كيفية إدارة النزاعات والصراعات والخلافات الزوجية والشقاق بين الزوجين بكل هذه المفردات التي جاءت بها. فهنا قال
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
الكتاب والسنة وبخاصة ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من السُنة الفعلية وطبقها في حياته سلوكًا وعملًا. النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك تفسيرا مكتوبا إلا بضع آيات ذكر لها معاني ولكن الحياة التي عاشها السنوات التي قضاها سلما وحربا، رجل أمة ورجل أسرة وزوج أب وأخ وجار وقائد في ميدان المعركة وأشكال عشرات الصور مربي معلم بائع مشتري حاكم هذه الصور بأكملها تشكل التفسير العملي لهذا المنهج الرباني القرآني الذي نحتاج إلى أن نرد الخلافات حين تقع فيما بيننا إليه لذلك المنهج نتعلم من حياته وسنّته كيف أدار النزاع لا نذهب بنزاعاتنا إلى الخارج!

والآية العظيمة هنا تبين لي مبدأ عظيمًا جدًا:
النزاعات والخلافات ينبغي أن تُحلّ في البيت الاجتماعي، بيت المجتمع، الأسرة هي البيت الصغير، والقرآن في الآيات التي سبقت في سورة النساء أكد أهمية أن يقوم الزوجان بحلّ الخلافات فيما بينهما إلا إذا وصلت إلى سقف وإلى حد لا يمكن إلا أن يتدخل فيه حكم من أهله وحكم من أهلها وفي حالة النزاعات في المجتمع في المؤسسات، في المصارف، مؤسسات الدولة، طوائف مختلفة في المجتمع فئات مختلفة في المجتمع، حدث النزاع، النزاع وحدوث النزاع ليس بالشيء المستغرب، هذا واقع إنساني من خلال التعامل والاحتكاك يحدث سوء فهم وسوء الفهم يؤدي إلى نزاع، لا إشكالية في ذلك، الإشكالية في أن لا نحسن التعامل مع نزاعاتنا وأن نذهب بنزاعاتنا إلى طرق من هنا ومن هنا بعيدًا عن الردّ إلى الله وإلى الرسول، هذه هي الإشكالية الخطيرة! لأن ربي عز وجلّ ربطها بعد ذلك فقال
(فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
لا تذهب به إلى محاكم دولية هنا وهناك.
النزاعات التي تحدث في واقعك وفي مجتمعك عليك أن تقوم بحلّها أنت حل داخلي ولكن لأجل أن تقوم بحلها وتحسن إدارة هذه النزاعات ومحاولة استيعابها واحتوائها عليك أن تؤمن بالله واليوم الآخر حتى تحسن الرد لأنك إن لم تؤمن بالله واليوم الآخر كيف ستقوم برد هذه النزاعات ومعالجتها من خلال الرجوع إلى الله والرسول، إلى المنهج إلى القرآن وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة. هذا ما نحتاج إليه ولذلك آيات سورة النساء تعالج قضايا مجتمع، قضايا دول، قضايا أمم ونحن اليوم نتخبط هنا وهناك،
لماذا التخبط؟ ذاك الضعف في ذاك الجانب؟!
ليس لأننا لا نؤمن ولكن كما ذكرت سورة النساء قبل قليل، الإيمان إحساس وشعور وعمل وقول وتطبيق وتنفيذ وأخلاق وسلوك، كلٌّ متكامل لا يكفي أن تأخذ منه جزءًا وتقول يكفيني هذا الجزء لأعيش حياتي بطريقة صحيحة سليمة، لا يمكن! أنا بحاجة إلى أن آخذ المنهج كاملًا وأجعله منه مرجعًا لي في حياتي في سلوكي وتعاملي مع القريب والبعيد، مع الصديق ومع العدو، في السلم وفي الحرب في الاستقرار وفي الخلاف والنزاع، هذه حقيقة.

ولذلك تدبروا في عظمة التناسب الواضح لكل من يتدبر في آيات هذه السورة الكريمة
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا )
صورة واقعية تجيب عن تساؤلاتنا تجيب عن خواطرنا حين نقرأ القرآن ونرى الواقع شيئًا يخالف القرآن!

زعم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) قد يزعم الإنسان أنه آمن بما أنزل الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يزعم ولكن إذا كان هذا وأصبح مجرد زعم فالواقع سينبئك بذلك يتحاكم إلى الطاغوت، إلى مناهج مختلفة، مناهج ما أنزل بها من سلطان، مناقضة لهذا المنهج في الوقت الذي أمر أن يكفر بالمنهج الطاغوتي،
هذا هو الضلال الحقيقي.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 06:51 PM
باب التوبة مفتوح

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
الرسالات لا لأجل أن تكون فقط رسالة شفوية، القرآن لا لأجل فقط أن يحفظ ككلمات وآيات وسور، صحيح حفظ القرآن أمر عظيم جدًا ولكن الرسل جاءت بتلك الرسالات والمناهج لأجل الطاعة،
لأجل أن يُطاعوا في رسالاتهم والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ونزل عليه القرآن لأجل أن يطاع والطاعة سلوك وتنفيذ وتطبيق، تأمل
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
والذي يحدث أن يظلم الإنسان نفسه

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
تأملوا باب التوبة، الخطأ وارد، والنسيان وارد وصدور التناقض في حياتنا والإشكاليات المختلفة ووقوع الظلم فيما بيننا أمر وارد قد يحدث ولكن الإشكالية في حياتنا أن يبقى الإنسان مصرّا على خطئه أن يبقى الظلم على ظلمه فلا تبرأ ذمته من ذلك الظلم ولا يفكر في يوم أبدًا أن يعيد الحقوق إلى أصحابها ويرد المظالم إلى أهلها! تلك هي الإشكالية. أن نخطئ فيما بيننا ونقع في الخطأ في علاقتنا الزوجية والأُسرية والاجتماعية وارد ولكن المهم أن تصحح الخطأ المهم أن تستغفر الأبواب مفتوحة (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) تواب لأنه رحيم ومن رحمته بعباده أنه فتح باب التوبة للخاطئين، فتح باب التوبة لأولئك الذين يريدون أن يعودوا إلى المنهج من جديد، الباب مفتوح في أي وقت في أي زمن في أي لحظة ما عليك إلا أن تستدرك ما فات قبل فوات الأوان، هذا هو القرآن.

تدبروا كيف يفتح القرآن باب الأمل، التوبة أمل، أمل للعاصين، أمل للمذنبين، أمل للظالمين، أمل للمخطئين، أمل لأولئك الذين لا يزال في قلوبهم شيء من الإيمان شيء من محبة الله عز وجلّ والرغبة في الرجوع إليه. الباب مفتوح، ارجع، استدرك ما فات، صحح، عدِّل أوضاعك، عدّل إيمانك، عدّل صلتك بالله سبحانه وتعالى، استسمح واطلب السماح من الآخرين ممن ظلمت في يوم من الأيام ولو بكلمة في سر أو علانية، صحح علاقاتك، صحح تصرفاتك، أمر مهم.

امانى يسرى محمد
2025-09-06, 06:54 PM
متى يكون الجهاد في سبيل الله؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/24.jpg (http://3asfa.com/ar/uploads/images/Minfo-140123232206tGLu.gif)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ)

إذن أنت لا تقاتل في سبيل أهوائك ولا في سبيل مطامع دنيوية ولا عروض زائلة ولا لأجل نهب ثروات الشعوب ونفطها ومصادرها ومائها وأنهارها وأقواتها، لا تقاتل لأجل كل تلك الترهات الزائفة القائمة على هوى النفس وعبادة الذات بل تقاتل لأجل من؟ وفي سبيل من؟

سبيل الرب عليك أن تقاتل وفق منهج الله لا وفق أهواء النفوس، لا تحرك الجيوش الأهواء، في الإسلام في ذلك النهج والتطبيق الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، جنود النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تحرّكهم الأهواء، حركتهم آيات الكتاب والمنهج الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ، هذا الذي حرّكهم (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ) باعوا الدنيا بكل عروضها بكل أموالها ومكاسبها وأطماعها وأهوائها وشهواتها ليشتري الآخرة

والسؤال: الإنسان الذي يبيع الدنيا بكل ما فيها أهو إنسان يقاتل لإرضاء لنزوة أو شهوة أو تحصيل مطمع أو غاية دنيوية؟!

(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )
إذن هو قتال لأجل حماية حقوق المستضعفين، قيم، حماية العدالة، حماية الضعيف، نصرة للضعيف وتدبروا في واقع المجتمعات المعاصرة اليوم، اليوم الجيوش تخرج لكن السؤال ألنصرة الضعفاء أم الأقوياء؟ ألنصرة الضعفاء الذين ظُلموا أم لنصرة الأقوياء الذين ظَلموا؟ فارق عظيم بين مقصد ومغزى القتال في سبيل الله في الإسلام وبين القتال في سبيل الطاغوت ولذلك جاءت الآية

(الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)
طاغوت والظلم والعدوان والافتراء والكذب وسفك دماء ونهب أموال الشعوب وتخريب الأرض التي أمر الله أن تعمّر. الفارق شاسع والتناسب واضح ولذلك قال الله عز وجلّ (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) لماذا يا رب؟

لأن المعركة واضحة، لأن معركة الواقع الإنساني واضحة في الصراع بين الحق والباطل، هنا حق وهناك باطل، هناك قيم أمر الله بأن تطبق، حقوق حرية عدالة مواساة أمانة تؤدّى، وهناك قيم كانت موجودة في المجتمع الجاهلي والآن بدأت تعود للمجتمعات المعاصرة، الظلم، الاستعباد والاستبداد، التفرقة العنصرية لا المساواة،
الحق والعدل والحرية والمساواة لا بد لها من من يدافع عنها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يؤمنون بها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يطبّقونها في أُسرهم وبيوتهم وحياتهم وعلاقاتهم الأسرية والمجتمعية ومؤسساتهم المختلفة صغيرة كانت أو كبيرة ولذا ربي عز وجلّ قال - والآيات لا تزال تتكلم في سياق القتال -
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ)

الحياة أجمل من القتال، القتال قد يفقد فيه الإنسان حياته وأغلى شي عند الإنسان الحياة الروح! ليست كل حياة غالية، الحياة القائمة على الظلم وقبول الاعتداء على الناس وأعراضهم وأموالهم وتصفية وسفك دمائهم هذه ليست بحياة تستحق أن يعيشها الإنسان! الحياة ليست مجرد أنفاس ولو كانت أنفاسًا مكتومة تكتم الحق والعدل والحرية والمساواة! هذه ليست الحياة التي يريدها القرآن، تدبروا في الآية

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ)
الموت سنة من السنن مكتوب على كل الأحياء القوي والضعيف لظال والمظلوم المرأة والرجل الصغير والكبير المريض والصحيح. إذن إذا كان الأمر هكذا ربي سبحانه وتعالى شرع للبشر أن يعيشوا حياة إنسانية كريمة تليق بإنسانيتهم فإن لم يكن ذلك فهنا في هذا الموضع هنا يشرع لقتال لأجل أن تبقى الحياة الإنسانية ويبقى الإنسان على كرامته ولا تهان وتهدر كرامة الإنسان. القتال ما شرع في القرآن لأجل الموت في الإسلام، القتال شرع لأجل الحياة الكريمة. وهذا الفهم فهم غير صحيح أن يتصور البعض وينشر هكذا عن الإسلام أن الإسلام شرع القتال لأجل الموت في سبيل الله والواقع أن القتال شُرع لأجل إبقاء الحياة الإنسانية الكريمة. ولكن إذا مات الإنسان في سبيل هذه الحياة الكريمة وإعلاء قيمتها وإحيائها الحفاظ عليها فليكن فالموت نهاية كل حيّ ولكن موته عندئذ سيكون شهادة

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 04:33 PM
تدبر القرآن

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )82
هنا تدبر القرآن. لماذا جاء الكلام عن التدبر واستنكار على من لا يتدبر في هذا السياق؟
لأن التدبر يقودك إلى التطبيق والتنفيذ في الواقع فإذا لم يقدك التدبرإلى التنفيذ في الواقع ستجد الاختلاف ستجد الشجار والنزاع والصراع والحروب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال والتشتيت والتهجير من قبيل عدم تطبيق المنهج، ولماذا لا يحدث عدم التطبيق؟

لغياب التدبر ولذلك خسر المسلمون كثيرًا في واقعهم حين أعرضوا عن تدبر هذا الكتاب، التدبر فريضة على كل مسلم عاقل يقرأ هذا الكتاب أنزله لأجل أن نتدبره لأنه بدون تدبر لا يحصل طاعة وتدبر في حياتك أنت كلما ازددت قربًا من هذا الكتاب وتدبرا في آياته ازددت طاعة لله واستسلامًا لمنهجه وسيرا على هدى نبيه صلى الله عليه وسلم. التدبر يولّد فيك الطاعة يولّد فيك الانقياد والخضوع لأمر الله ومنهجه في الواقع وهو ما أراده القرآن
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ)


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/33.jpg (http://68.media.tumblr.com/3af7357dedaeb594f1febac62a046b 74/tumblr_n80b2xXBtQ1r1a8omo1_500 .jpg)


قد يقول قائل لو ما أدرك التناسب بين الآيات، ما دخل الكلام عن التدبر في الآية؟
الكلام عن الطاعة
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )80
التولي والصدود والإعراض عن منهج الله لا يكون إلا بالإعراض عن تدبر هذا الكتاب وعدم تفهّم معانيه نتيجة طبيعية والتدبر يقودك إلى الطاعة والانقياد والاستسلام لأمر الله نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يجعلنا من أهل القرآن الواعين المتدبرين المنفذين لأوامره وتعاليمه وأن يلحقنا بأولئك الرفقة الطيبة التي أدركت كيف يتدبر المؤمن القرآن وينفذ تلك الأوامر في واقعه وحياته.

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 04:34 PM
(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )

تدبروا هناك فارق بين القاعد وبين القائم، فارق بين الإنسان الذي نذر حياته ونفسه ووظفها لإقامة منهج الله في الأرض، لحماية الإنسانية والكرامة الإنسانية هناك فارق بينه وبين الإنسان القاعد والقرآن حدد قال

(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)

القرآن يريد أن يصنع أناسًا يقومون بهذه القيم الحق يحتاج إلى نفس تفديه ولسان عدل يدافع عنه ويفديه، قلب يحميه، ويد تدافع عنه وتغليه، الحق لا يقوم بالضعفاء. القيم العظيمة التي دعت إليها سورة النساء لا تقوم على أكتاف الضعفاء والقاعدين والعجزة. وماذا يحدث حين لا يقوم هؤلاء الأقوياء بتلك القيم حماية ونصرة ودفاعا؟

الذي يحدث أن تنتشر رقعة الفساد والمساحة التي يتبؤها أصحاب الحق والقيم تصغر شيئا فشيئا حتى تضيّق عليهم المساحة فلا يجدون مكانا يلجأون إليه فيلجأون للهجرة وتدبروا كيف جاء الحديث عن الهجرة بعد الحديث عن القعود والجهاد.

قيمة الجهاد في سبيل الله والجهاد ليس كما يتصور البعض فقط يكون بأن يحمل الإنسان أدوات القتال ويخرج لا غاية ولا تخطيط ولا استراتيجية، هذا ليس ما يدعو إليه القرآن أبدا.

القرآن يعلمنا أن الجهاد بكل أشكاله بالكلمة بالنفس بالمال بالنصرة بالدفاع عنه بكل أشكاله المتعددة بنصرة الحق في نفسك وفي مجتمعك وفي مؤسستك وفي أسرتك بالدفاع عن القيم في حياتك منهجًا وسلوكًا، أنت حين تتمثل القيم قيم الأمانة والحرية والمساواة في بيتك وفي أسرتك ومع طلابك ومع جيرانك ومع أصدقائك ومعارفك ومع من لا تعرف أنت تحقق هذا المعنى العظيم من معاني الجهاد التي للأسف الشديد غفل عنها الكثيرون.

ماذا يحدث حين لا نقوم بهذا الأمر الإلهي؟

الذي يحدث أن رقعة الصلاح تضيق وتضيق وتشتد وتضيق الخناق على أهلها حتى لا يجدوا في الأرض مكانا يقيمون فيه هذه القيم العظيمة، ولا مكانا يمارسون فيه هذه القيم العظيمة فلا يجدون مفرا إلا أن يهاجروا وهنا جاء الكلام عن الهجرة في سبيل الله. الإنسان الذي أريد منه وطلب إليه أن يقيم تلك القيم في كل مكان يتواجد فيه فإذا ما قام بتلك الأوامر، ضاقت عليه الأرض بما رحبت وهذا حاصل في زماننا وفي كل زمان حين لا يقوم الناس بما أمر به الله سبحانه وتعالى من إحقاق للحق ونصرة للعدل.

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 04:34 PM
الهجرة في سبيل الله

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/34.jpg (http://3.bp.blogspot.com/-QCdedgU0Bkw/VNSYXrjt1YI/AAAAAAAAAC8/na7LeRk3L7I/s1600/%E2%80%8F%D9%84%D9%82%D8%B7%D8 %A9+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D 8%B4%D8%A9+%D9%A2%D9%A0%D9%A1% D9%A5-%D9%A0%D9%A2-%D9%A0%D9%A6+%D9%81%D9%8A+%D9% A5%E2%80%8E.%D9%A3%D9%A2%E2%80 %8E.%D9%A5%D9%A9+%D8%B5.png)

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)
تدبروا كل ما ذكر في سورة النساء: مستضعفين، استضعفوا، كلمة مقصودة لذاتها، الإنسان لا يولد ضعيفًا، لا يخلق ضعيفًا، لا يُخلق عاجزًا ولكن هو الذي باستسلامه وخضوعه للآخرين يعطي من نفسه ذلك الضعف حتى يصبح فعلًأ ضعيفا لا يؤبه له ولا يقام له وزن
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)
ظلم النفس أن لا يحقق الإنسان لنفسه الغاية التي لأجلها خلق، أعظم ظلم للنفس!
ربي عز وجلّ خلقنا لغاية قال (إني جاعل في الأرض خليفة)
فإذا لم أحقق الغاية التي لأجلها خلقت أيّ ظلم هذا؟!
(قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)
الهجرة، فتح باب الهجرة لأن القرآن يعالج واقعًا إنسانيًا.

هب أنك كنت في مكان كما كان المسلمون وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قضوا تلك الفترة وهم يحاولون كل ما يستطيعون القيام به لأجل نصرة القيم التي جاء بها القرآن في ذلك البلد الأمين في ذلك الوطن الذي هو بالفعل وطن لهم لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك، استمروا، ثبتوا، حاولوا عشرات المرات، لم يتسللل إلى نفوسهم ولا إل قلوبهم العجز أو الياس!

القضية قضية رسالة، قضية حق، قضية حياة تكون أو لا تكون، فحين ضاقت عليهم الأمور ولم يجدوا بعد ذلك مكانًا يمارسون فيها ذلك المنهج الذي نزل في كتاب الله هاجروا في سبيل الله، الهجرة لأن هذه الأرض شرقا وغربا شمالا أو جنوبا هي أرض الله وهي واسعة للإنسان لأجل أن يقيم منهج الله فيها. فالمكان لا ينبغي أن يكون عذرًا وهو ليس بعذر مقبول بمعنى آخر عليك أن تمارس المنهج الذي أنزله الله في كتابه في اي مكان كنت ولا تجعل قضية المكان هي التي تقف حجر عثرة في تطبيقك لمنهج، إن لم يكن بوسعك، هاجر فأرض الله واسعة. وتدبروا (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ) مساحة للواقع الإنساني، القرآن جاء ليعالج واقعا إنسانيا، الناس ليسوا سواء، يتفاوتون في قدراتهم، يتفاوتون في ضعفهم، يتفاوتون في أحوالهم والقرآن كتاب عظيم يخاطب كل النفوس في ضعفها كما في قوتها في عجزها كما في قدرتها في صحتها كما في مرضها جاءت هذه الآية رخصة
(فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا )
ولكن لا يعني ذلك أن يتحول السواد الأعظم من البشر إلى فئة مستضعفة!
الفئة الغالبة لا بد أن تكون تلك الفئة القوية القادرة على أن تحقق الرسالة العظيمة ذلك المنهج القرآني العظيم.

(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
لا يهاجر في سبيل أطماع مادية ولا يهاجر في سبيل ثمرات عاجلة دنيوية أو منافع أو مكاسب عاجلة
وإنما يهاجر في سبيل الله
(يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)
يجد بدائل متعددة، يجد مغانم، يفتح الله سبحانه وتعالى بها عليه على قدر ما في قلبه ونيّته من صدق وتوجه لله سبحانه وتعالى.

وهنا قد يقول قائل:
هل الهجرة لأجل الكسب المادي أو لأجل حياة أفضل ممنوعة أو محرمة
بناء على هذا الكلام في كتاب الله عز وجلّ؟
كتاب الله سبحانه وتعالى لا يقف بنا فقط عند قضية الممنوع أو المحظور أو المباح أو المفتوح أو المسموح به ليس فقط الأمر هكذا، يعطينا أبعادًا عظيمة للفعل الإنساني للفعل التكليفي كما يطلق عليه في عرف الفقهاء، الفعل الإنساني، الحكم التكليفي يعطيه أبعادا عظيمة واسعة أبعادا لا تخرج عن المقصد الذي لأجله خلق الإنسان إطلاقاً، القرآن يعطيك الغاية التي لأجلها خلقت كإنسان، نحن لم نخلق لأجل أن نأكل ونعيش ونلبس ونسكن،لا، نحن خُلقنا وسُخّر لنا ما في الأرض جميعًا من طعام وشراب ومسكن وغير ذلك من حاجيات لا تستقيم حياتنا إلا بها والحصول عليها لأجل أن نكون خلائف الأرض، أن نحقق هذا المنهج الذي أنزله الله في حياتنا وفي واقعنا وفي كل مكان نكون فيه، فلا تلهينا الوسلية عن الغاية ولا يشغلنا ذلك السبب عن المقصد الذي لأجله خُلقنا، هذا هو القصد، بمعنى آخر أنت حين تتخذ قرار الهجرة والفسر قف مع نفسك وقفة صادقة واسأل نفسك: لم تهاجر؟

هب أن تهاجر لأجل عيش كريم، قضية محمودة تمامًا لا غبار عليها ولكنها غير كافية لأجل أن تجعل منك إنسانًا مصنوعًأ على عين المنهج الذي أنزله القرآن العظيم، إذن ماذا أفعل؟
صحح مقصدك قبل أن تسافر وقبل أن تهاجر اِجعل لك حظًا من هذه الآية العظيمة (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
ما هو حظك من هذه الآية؟ هل هجرتك فعلا في سبيل الله؟
فإن لم تكن في سبيل الله فاجعلها في سبيل الله، وما معنى أن تهاجر في سبيل الله؟
ليس هناك تعارض بين أن تعيش عيشة كريمة تليق بإنسانيتك تكسب منها لقمة حلال شريفة كريمة وبين أن تحقق هذا المنهج الذي دعا إليه القرآن، ليس هناك نعارض أبدًا.

إذن قدّم ورتب الأولويات في حياتك، هاجِر، اخرج بنفسك، بأسرتك، بأهلك إذا ضاق بك المقام ولكن لا تنس وأنت تهاجر أن تأخذ معك إيمانك، أن تأخذ معك المنهج، أن تأخذ معك الكتاب الذي يبنيك من جديد، الكتاب الذي يهديك في ذلك الطريق الشاق الطويل الذي عزمت أن تسافر فيه، لا تنس أن تأخذه معك.
وأنا لا أقصد بالمنهج أن تأخذ مصحفًا للتبرك به فحسب كما يفعل بعض المسلمين ولكن أقصد أن تأخذه في قلبك يقينا أن تأخذه في سلوكك أفعالا وأخلاقا وقيما ومبادئ وأمانة، أن تأخذه في أسرتك تعاملا وقياما بالأمن والأمانة والعدالة فيها، أن تكون أنموذجا لغيرك في تلك البلد التي هاجرت إليها.


(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
هجرة إلى الله، ما جعل الهجرة إلى مكان، لم يحدد مكانًا، قال (مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وهل ربي سبحانه وتعالى يُهاجر إليه؟ وهل رسوله صلى الله عليه وسلم يُهاجر إليه؟ تدبروا وفي آية أخرى على لسان إبراهيم عليه السلام قال (إني مهاجر إلى ربي) هجرة إلى الله هجرة بأن يترك الإنسان ذلك العجز والتخاذل وعدم القدرة على القيام بأمره سبحانه إلى مكان يستطيع أن يقوم بما أمر به الله سبحانه وتعالى مهاجرا إلى الله ورسوله.

(ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ)
لم يحقق شيئا بعد، في الطريق أدركه الموت،
(فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهنيئا لمن وقع أجره على الله. (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) آية عظيمة توقظ الإنسان الذي غفل ونام عن هذه الحقائق العظيمة التي جاءت في كتاب الله سبحانه.

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 08:11 PM
اهمية الصلاة
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/35.jpg (http://akphoto2.ask.fm/098/079/450/-339996984-1sj8mj1-382mli1rjrontda/original/34707_128470043870432_12813580 7237189_161.jpg)
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)
لماذا الصلاة؟
إقامة شعائر الله. كم من القصص والوقائع الحقيقية التي أثبتها أصحابها من المسلمين عن مسلمين أفراد يقفون في بعض الأماكن في البلدان التي هاجروا أو أقاموا فيها في الغرب لإقامة شعيرة الصلاة وإذا بهؤلاء القوم من حولهم يتوافدون عليهم يسألون ما هي هذه الحركات؟ قيام قعود سجود؟

كيف أيها الإنسان تضع جبهتك على الأرض؟ ماذا تفعل؟ ولماذا تفعل؟

فكانت بابًا عظيمًا من أبواب الدعوة إلى الله سبحانه. الصلاة العظيمة، إقامة الشعائر، الصلاة بمعناها العظيم وغاياتها العظيمة التي جاءت هنا في سورة النساء لا لأجل أن تقام وراء أبواب مغلقة لا أحد يراها ولا ينظر إليها، الصلاة أريد لها أن تكون ظاهرة واضحة هنا في هذا المقام تحديدا، الكلام هنا عن صلاة الخوف في ساحات القتال لأن الإنسان المؤمن مطالب أن يقيم هذه الشعيرة العظيمة يريها للناس ليس من باب الرياء والمرآءاة وإنما من باب إظهار عظمة هذه الشعيرة ومدى تمسك هذا الإنسان المؤمن بقيمتها وحقيقتها في كل الأحوال في الأمن كما في الخوف في القيام كما في القعود في السفر كما في الإقامة، تدبروا هذه المعاني العظيمة.

ثم قال
(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)

إقامة الصلاة في الأمن كما في الخوف، الحرص الشديد على الصلاة، ولماذا الصلاة وموضع الحديث عن الصلاة في أثناء الكلام عن القتال والهجرة والقيم وحماية القيم؟ الصلاة هي تلك المحطة العظيمة التي يتزود بها المؤمن فردا أو جماعة، رحلة الحياة رحلة شاقة، رحلة القتال رحلة شاقة، رحلة الهجرة رحلة صعبة والطريق وعر يحتاج إلى زاد يحتاج إلى محطات نتوقف فيها وعندها وأيّ محطة أعظم من محطة الصلاة حيث يحط المؤمن رحاله على أبواب الصلاة، على أبواب المساجد والأرض كل الأرض جعلت لنا مسجدًا وطهورا يحط رحاله لأجل أن يقف على الباب يسأل مولاه يسأل خالقه القوة (إياك نعبد وإياك نستعين) أنا أتحرك في الأرض وأضرب فيها يمينا وشمالا في سبيلك مستعينا بقدرتك، أنا عاجز ولكن استعانتي بحولك وقوتك يجعلني قويًا، أنا ضعيف كإنسان ولكن استعانتي بحولك وقوتك وتبرؤي من حولي وقوتي يقويني يعيد لي الحياة، أنا فقير ولكن استمدادي وطلبي للعون والغنى بك يغنيني ويحييني ويصرف عني كل الشرور والأوهام والعقبات التي تعترضني في طريق الحياة، الصلاة، ولذلك جاء الحديث عن الصلاة
(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا).
(وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)
تدبروا الترابط والتناسب: بعيدًا عن الضعف والوهن يكون المؤمن بإقامة الصلاة، الصلاة تقويك، الصلاة تمنحك القدرة على مواصلة الطريق، الصلاة تمنحك الثبات على القيم وحمايتها والسير وفق المنهج العظيم الذي أراده الله سبحانه أن يكون واقعا ولذلك جاء الحديث هنا عن القرآن

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا )
تدبروا هنا جاء الحديث عن الخيانة لأن حركة الإنسان المؤمن في الحياة حركة محكومة بحماية الأمانة ومنازلة الخائنين ومخاصمة المعتدين أولئك الذين يعيثون في الأرض فسادا، بدحر القيم الحقيقية التي جاء القرآن بتثبيتها وبنائها الحرية، العدالة والمساواة هؤلاء لا تكن للخائنين خصيما. تدبروا الآيات كل الآيات التي جاءت فيما بعد تتحدث عن هذه القضية في خضم الحديث عن الصلاة.

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )
التوبة، العودة، الرجوع لله سبحانه وتعالى، باب التوبة المفتوح هذه هي القيم التي تُبنى بها مناهج الدنيا وتبنى بها الكرامة الإنسانية وتبنى بها قيمة الحياة الإسانية على وجه الأرض وهذا ما أراده القرآن.

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 08:13 PM
الإيمان ليس بالتمني

ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/36.jpg (http://www.hekams.com/image/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B5%D8%B1 %D9%8A_7349.jpg)


(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
(أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)
قيم اجتماعية، قيم تحقق العدالة الإجتماعية وتحفظ الكرامة الإنسانية هذا هو المنهج الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يحقق في الواقع أما أولئك الذين يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويريدون أن يقيموا ويدافعوا عن قيم تعاكس ذلك المنهج وتخالفه فهنا يقول الله سبحانه وتعالى
(نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
هذا هو السبيل، هذا هو المنهج. وما الذي يحول بين الإنسان وبين القيام بمنهج الحق في واقعه؟ جانب منها قضية الشيطان اتباع أهواء النفوس والمنهج الشيطاني ولذلك جاء الحديث هنا عن الشيطان
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُ مْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُ مْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا )

صراع بين القيم العظيمة التي جاءت في القرآن وأراد الله سبحانه وتعالى أن تحقق في الأرض وتقام وبين أهل الباطل على الناصية الأخرى الذين تحركهم أهواؤهم ويحركهم هذا المنهج الشيطاني
(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)
هذه النهاية المحتومة.

(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُم ْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)

الإيمان ليس بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل

(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)

إذن هو العمل،

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى

وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )

الإيمان ليس أماني، كثير من الناس اليوم يقول أنا أتمنى أن يكون بيدي أن أنصر الحق والعدل والحرية والمساواة، أتألم، الإيمان ليس بالتمني، الإيمان (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذا هو الإيمان. أما أن لا أعمل وأبقى أتكل على ذلك الإيمان الضعيف في النفس الذي لا يحقق منهجًا ولا يصلح فسادا ولا يوقِف ظلما ولا عدوانا ولا يحمي إنسانًا ولا ضعيفًا ولا ينصر مظلوما ولا رجلا ولا امرأة ولا ولدًا ولا يدافع عن عرض هذا ليس بإيمان!!



ولذلك جاءت الآية

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)

آيات عظيمة والتناسب بينها واضح، أسلم وجهه أسلم حياته أسلم قياد أمره لله وحده لا شريك له ثم اتباع اتبع ملة إبراهيم حنيفا.ثم قال

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا )

كل شيء بأمر الله، هذا العالم، الأرض، السماء، الملك كل شيء بأمره وملكه. فإذن منهج من ينبغي أن تتبع في حياتك؟! منهج الله المالك الذي يملك كل شيء أم منهج الإنسان الضعيف العبد الذي يشابهك في الإنسانية وفي العبودية وفي الخضوع لله الواحد الأحد؟ منهج من أولى بالاتباع؟!

امانى يسرى محمد
2025-09-10, 08:15 PM
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/37.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-KwS6MaE5qz8/Usb4_rxCvUI/AAAAAAAAARQ/7Qd874PN-gA/s1600/%D8%A3%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85 +%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A D+1.png)

الشح أعمق وأشد من البخل، البخل مجرد ‏أن يمسك الإنسان بما يمتلك
الشح أعمق يبخل مع الحرص الشديد وأحيانًا قد يمسك بشيء لا يضره إذا أعطاه أو قدّم ذلك الشيء لشخص آخر ‏ولذلك هو أعمق، الشح إذا وجد في الأسرة ذهبت معه الأسرة بكل تأكيد، تفككت الأسرة ولذلك العلاقات الأسرية والحفاظ عليها من قبل الرجل ‏والمرأة وكذلك من قبل الدائرة الأوسع دائرة الأقارب تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من داء الشحّ
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْمفلحون)
فائزون. ولذلك قرر القرآن في هذه الآية
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ‏صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128))
تدبروا هذه القاعدة العظيمة: كل العلاقات الأسرية كل العلاقات الإجتماعية كل العلاقات الإنسانية إدامة والمحافظة على ‏العلاقة عن طريق الصلح هو خير دائما خير من قطع الوشائج، خير من قطع العلاقات، العلاقات المفككة لا يمكن أن يستيقظ ‏بها مجتمع أو أمة، لا يمكن أن يقوى المجتمع بوجود علاقات مجتمعية مفككة مفرّقة ولأجل أن لا تتفكك هذه العلاقات نحن ‏بحاجة إلى علاج الصلح (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). وقضية الصلح تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من شح نفسه لأن كل المصالحات تحتاج ‏منا لا نقول إلى تنازلات أو تضحيات نحن ناقشنا في مرة سابقة أن الصلح لا يمكن أن يكون تنازلًا ولا يمكن أن يكون ‏تضحية حتى استعمال اللفظة أنك تنزل عن شيء بينما أنت حين تصطلح مع غيرك أنت لا تنزل وإنما ترتفع وترتقي، ترتفع بنفسك على شحّها ‏وتتخلص من ذلك المرض الذي إذا جاء وتولد في النفس واستشرى فيها حرمها من خير كثير من عند الله عز وجل. ‏
ولذلك ربي عز وجلّ بعد هذه الآية (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) قال
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)
الحديث هنا عن يوم القيامة يحضرها ربي عز ‏وجلّ لا تخفى عليه خافية. الإنسان في كثير من الأحيان يتوهم أن الصلح يعني التنازل أن الصلح يعني الضعف يعني التضحية يعني أن ‏يتنازل الإنسان ويتراجع عن موقف أو يخسر نقطة لصالح الطرف الآخر الذي يريد أن يبني معه الصلح والقرآن يحطم هذا المفهوم ‏تماماً ويعطينا درجة عالية للإصلاح بقوله سبحانه
(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
الصلح رقيّ، الصلح ‏ارتقاء، الصلح إحسان، الصلح تقوى، لا تأتي به إلا تلك النفوس الراقية التي لا تريد جزاء ولا تنتظر شكورا من الناس. الناس التي لا تنتظر الشكر من الناس النفوس المتعلقة بخالقها عز ‏وجل المدركة أن الله سبحانه خبير بخبايا النفوس


ولذا جاء الحديث مباشرة بعد هذه الآية
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ ‏النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (129)) الكلام مرة أخرى عن قضية التعدد لأن الطبيعي والواضح أن الرجل حين يعرض عن المرأة ‏ويزهد في استمرار العلاقة الزوجية معها فسيبحث له عن أخرى ولذلك جاءت هذه الآية
(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة ِ ‏وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129))
الصلح المبني على تقوى الله عز وجلّ، الصلح الذي لا يخشى الإنسان ‏فيه من أحد يخشى الله سبحانه وتعالى فقط، الصلح الذي يؤسسه في داخل بيته وأسرته، الصلح الذي يحافظ فيه على العشرة ‏بالمعروف، الصلح الذي لا يجعل العلاقات الزوجية والأُسرية رهينة بعواطف أو مشاعر أو بأمزجة أو بأهواء،وقد قلنا في السابق لا تؤسس ‏على المشاعر والعواطف فحسب



اليوم نحن نلاحظ أن نسبة الطلاق وخاصة في الزيجات بين الشباب بين أبنائنا وبناتنا نسب ‏مرتفعة نسب مخيفة نسب تنذر فعلًا بأن هناك خللاً حقيقياً يدكّ أبواب الأسر والبيوت إذا حدث هذا الخلل وهذا التصدع في كيان الأسرة فماذا بقي في المجتمع؟! وماذا بقي في الأمة؟! وماذا بقي لنا نحن اليوم كمسليمن لأجل أن نقدمه إلى العالم؟! نحن بحاجة إلى هذا الخلق ‏الرفيع، بمعنى آخر أن يدرك الإنسان وهو مقبل على مشروع الزواج عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه هذه المسؤولية التي لا يمكن أن تتولد إلا على عين التقوى والإصلاح والإحسان والشعور بأن الله سبحانه وتعالى خبير محيط لطيف غفور رحيم وبالتالي هنا تنشأ الأجواء المناسبة جدًا لقيام الأسرة.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-12, 09:42 PM
الطلاق ليس النهاية

(وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ‏يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130))
الزواج ليس عقداً أبدياً، إذا استفحلت الخلافات في الأسرة وفي البيت المسام وما عاد هناك مجال بين الزوجين رغم ‏حرصهما على الاستمرار في العلاقة الزوجية أن يكون هناك استمرار فهل يغلق الباب؟ هل توصد الأبواب؟ ويصبح الشعار السائد في الأسرة التعاسة والخلافات التي لا تنتهي والصراعات والشقاق؟
لا، لأن كذلك هذا النوع من الأجواء أجواء غير صالحة لتربية أبناء ولو فرضنا لم يكن هناك أبناء فهل من قدر الزوج والزوجة أن يبقيا في هذه التعاسة الأبدية بدون مجال للخلاص؟!


الزواج في القرآن ليس سجناً أبدًا، ليس عقوبة ولذلك جاءت هذه الآية العظيمة (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) الحياة الإنسانية لا تنتهي أبداً مع نهاية علاقة إنسانية، نحن نحرص على هذه العلاقات ونحرص على استمراريتها وديموميتها ولكن إن قدّر الله سبحانه وتعالى أمرا آخر وسارت الأمور على خلاف ذلك فلا ينبغي للحياة أن تتوقف ولا ينبغي للإنسان أن يحكم على نفسه وعلى غيره بالتعاسة الأبدية أبداً، هنا تأتي عملية إنهاء العلاقة الزوجية.

(وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)
الله سبحانه وتعالى يغني كِلا الطرفين لأن إنهاء العلاقة ‏الزوجية لا يعني النزاع ولا الصراع ولا الاقتتال والمخاصمة التي لا تكون في صالح أيّ أحد من الأطراف (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة) هذا هو القرآن.‏

ومرة أخرى جاءت الآية بقوله عز وجلّ
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (131))
ليعلّق القلب البشري بخالقه سبحانه وتعالى ليشعر القلب البشري بغناه عن البشر. عدد من النساء وربما حتى من الرجال يستمرون في علاقات زوجية وأسرية وهم يدركون تماماً أنها علاقات ‏ميؤوس منها تماماً لا مجال للصلاح، ولكن الذي يدفعهم على الاستمرار فيها القضية المادية الحرص على قضية المعيشة وما ‏شابه وهو أمر لا بد للإنسان أن يهتم به لكن عليه تماماً أن يدرك بأن كل هذه الأمور إنما هي أسباب وعليه أن يبقى دائمًا معلق القلب بمسبّب الأسباب الذي له ملك السماوات والأرض. ولذلك جاء الحديث في نفس الآية
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ)
الوصية الخالدة العظيمة
(أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
ومرة ثانية
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132))

تدبروا كم مرة في هذا الجزء فقط من الآيات وردت (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ليحرّر النفس من الشحّ يحرر النفس من الخضوع للآخرين لتوهم أن الآخرين يمتلكون لأنفسهم أو لنا نحن نفعاً أو ضراً إلا ما شاء الله. الأمر كله لله والتقوى هي المفتاح الحقيقي الذي يوصل الإنسان إلى الغنى فكلما زاد المرء تقوى لله سبحانه وتعالى ومراقبة لأمره ونهيه زاده الله غنى، غنى ليس بالضرورة فقط أن يكون غنى ماديًا، غنى النفس الشعور بالغنى، الشعور بالاستغناء عن الخلق، الخلق الشعور بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ‏يعطي وليس البشر والبشر في نهاية الأمر إنما هم أسباب يسخرها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء
ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ (133))
أصبح الخطاب للناس
(وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)
ليخلّص النفوس من التعلق بالناس، من ذاك التعلق الذي يدفع الإنسان أحياناً إلى الخضوع للبشر الذي لا ينبغي أن يكون إلا لله وحده لا شريك له، هذا من تمام الإيمان، الخضوع الذي يعقبه الاستسلام في المنهج، السير على المنهج القرآني العظيم الذي جاء القرآن بترسيخه لا يمكن أن يكون هذا الخضوع إلا حين يستسلم القلب لله سبحانه وتعالى استسلاماً مطلقاً خالصاً يسلم معه التوحيد من النظر إلى أيّ أحد من البشر أو إلى أيّ أحد من الخلق

امانى يسرى محمد
2025-09-12, 09:44 PM
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ (134))
أنت تريد الدنيا وحتى لو كنت تريد الدنيا وتسعى إليها عليك أن تدرك أن ‏الدنيا والآخرة بيد الله ليست بيد أحد من خلقه. إذا استقرت هذه المعاني في النفس هنا فقط يأتي ذلك الأمر العظيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ‏شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))

ولن يتحقق ذلك القيام بالعدل سواء كان في الفرد في نفسه أو في الأسرة في البيت كما تكلم عنها القرآن في الآيات قبل قليل أو في المجتمع أو في المال أو في اليتامى أو في النساء أو في الزواج أو مع الآخرين أو في الحكم على الناس لن يحدث ‏إلا إذا استقرت هذه المعاني في النفوس الإيمان بالله سبحانه الإيمان بعظمته، الإيمان بقدرته، الإيمان بأنه الواحد الأحد الذي ‏ينبغي أن يُتّبع ويطاع فيما يأمر فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) تشريفاً وتكريماً (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) وهو في آيات سابقة في بدايات سورة النساء قال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (34)) تدبروا كيف تفسر الآيات بعضها بعضاً.

قوَّامون بأيّ شيء؟
كثير من ‏المسلمين – نتيجة للفارق الكبير الذي أصبح بيننا وبين كتاب الله عز وجلّ – يقفون عند الآية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ويسكت ويعتبر القوامة درجة وهي كذلك ولكن هي تكليف هي مسؤولية هي ‏أمانة في نفس السورة يأتي تفسير هذه القوامة بكل أشكالها، قوامة الرجل على زوجته في كيان الأسرة أو قوامة الإنسان المؤمن على نفسه وعلى الآخرين في المجتمع وفي العالم.

(قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)
كيف تكون قواماً؟
عليك أن تقوم قوامًا بالقسط، (شهداء لله) في قيامك بمسؤولياتك بها بالعدل والإنصاف والتعامل إنما أنت تفعله لا لأجل أحد وإنما لأجل أنك تشهد بهذا القيام لله ‏سبحانه وتعالى وحده. وكيف تتكون تلك الشهادة لله؟ بالآيات التي كانت قبل كم من مرة في هذه الآيات ربي عز وجلّ يقول (وَلِلَّهِ مَا فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وكم من الصفات ذكرها سبحانه: محيط، غفور، رحيم، حكيم، خبير، عليم، بصير، سميع، واسع، غني، قدير، حميد، تدبروا في مقطع واحد كم من الصفات ذكرها سبحانه، لماذا؟ ليؤسس معنى أن يكون الإنسان شهيداً لله سبحانه وتعالى، شاهداً له. كيف يكون ذلك والآيات في بدايات السورة
(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ ‏شَهِيدًا (41))؟ بهذه المعاني العظيمة: أن يترسخ في القلب ويستقر ذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته وقدرته وسعة ملكه وقدرته التي لا يحدّها شيء، حينها تستقر المعاني فيقوم الإنسان بالعدل ويتحرر من الخوف.

الإنسان لماذا يظلم؟
وقديماً وقد قيل لا يأتي بالظلم الا الإنسان الضعيف المهزوز المهزوم داخلياً لأنه إنسان خائف، الظلم لا يحدث إلا حين يخاف الإنسان، والعدل لا يحدث ولا يتحقق إلا حين يتحرر الإنسان من الخوف من كل أحد ومن كل شيء إلا الله عز وجلّ ولذلك جاءت الآية في موضعها تماماً
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ)
تدبروا، درجة عالية، أمر عظيم، لا يمكن أن يأتيه إلا إنسان له رصيد عالي من الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما أسسته سورة النساء العظيمة.‏


وقال في نفس الآية، القرآن هكذا: يقّدم الأمر، يأمر بالأمر، يقدّم العلاج ومع تقديمه للعلاج يقف بالإنسان على الداء أو على السبب الذي يمكن أن يحول بينه وبين أخذه لذلك العلاج، قال
(فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)
تدبروا، إذن ما الذي يدفعني إلى عدم العدل؟
سواء كان في العلاقات الزوجية أو في العلاقات المالية أو في العلاقات الاجتماعية أو في كل شيء؟
اتباع الهوى. (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ ‏تَعْدِلُوا) الذي يمنع الإنسان من العدل اتباع الهوى وما من عدو أخطر على الإنسان من هوى نفسه، اتباع المزاج الذي يوهم الإنسان فعلا بأنه يريد مصلحة ذاته وهو في واقع الأمر أعماه الهوى فأصبح يرى الصالح ضاراً غير نافع ويرى الشيء الضار وكأن فيه الصلاح.‏
ولذلك الله عز وجلّ في الآية التي بعدها وصف علاج قضية اتباع الهوى. الهوى داء خطير يورِد الإنسان المهالك في الدنيا ‏وفي الآخرة، يحطم كل العلاقات وإلا فبالله عليكم ما الذي يفسد العلاقات الاجتماعية ولا يدفع الناس لأن يصطلحوا فيما ‏بينهم كإخوة وكأقارب وأولاد عم وأزواج وزوجات وأنساب؟ ما الذي يدفع بهم إلى عدم التصالح؟ غير اتباع الهوى؟ يورد الإنسان فعلا التهلكة في الدنيا والآخرة ‏ما هو العلاج؟
قال الله عز وجلّ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))
الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور، هو ‏هذا الكتاب هذا عمل هذا الكتاب هذه قدرات هذا الكتاب العظيم أنزله الله هدى ونور وشفاء ليُخرج الناس به من الظلمات إلى ‏النور. ‏

امانى يسرى محمد
2025-09-14, 07:57 PM
النفاق مرض خطير وشر مستطير

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))
الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور

(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138))
لماذا الحديث هنا عن النفاق؟

التناسب واضح، طلب مني الإيمان فماذا بعد الإيمان إلا الكفر والضلال والنفاق؟ الذي قد تهيأ للإنسان أنه حلّ وسط يقول آمن بلسانه ولا يؤمن بلقلبه والقرآن لا يقبل بأنصاف الحلولّ هذا ليس حلًا، هذا إشكال كبير، ولذلك توهم المنافقون في المدينة أنهم فعلًا ينقذوا أنفسهم بهذه ‏الطريقة يؤمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ويكفروا آخره، هذا التذبذب والتزعزع لا يكون في صالح المنافق ولا ‏أسرة المنافق ولا المجتمع ولا أيّ أحد، القرآن يريد إيماناً حقيقياً يريد إيمانًأ واضحاً يستقر في القلب فيفيض على الإنسان في واقعه وحياته أدباً وسلوكاً وعدلاً وصلاحاً ونهياً عن الفساد والمنكر.‏

ثم بعد ذلك عرضت الآيات جملة من التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المنافقون في المجتمع وتحديداً كمثال في المجتمع الأول ‏المجتمع المدني لأن أوجه النفاق وصور النفاق صحيح حسب الوضع التاريخي يمكن أن قد تختلف بعض الشيء في أشكالها وصورها لكنها في حقائقها واحدة لا تتغير، والقرآن ‏العظيم لو تدبرنا فيه لوجدنا أنه يأتي بالحديث عن المنافقين في مواضع كثيرة حتى خصص سورة كاملة للحديث عن هذه الفئة في المجتمع لخطورتها على المجتمع وعلى الأسرة وعلى القيم العظيمة التي جاء القرآن بتأسيسها لأن الإنسان المنافق إنسان غير ‏واضح إنسان يتبنى المخادعة ولذلك قال سبحانه وتعالى

(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)
لماذا؟
(يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلً (142))
هنا القرآن يعالج قضية النفاق من جذورها، لماذا يحدث النفاق؟
لأن الإنسان حين ‏ينافق فإنما هو ينظر إلى الناس ويرائي الناس ويسعى إلى رضا الناس والله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان المؤمن الذي استقر الإيمان في ‏نفسه وفي قلبه أن يُسقط الخلق من حساباته، بمعنى آخر أن يسقط النظر إلى رضى الناس أو عدم رضاهم في سلوكه ومنهجه ‏في الحياة، هو يمشي وفق ما أراد الله عز وجل لا وفق ما يريده الناس لا يلبي رغبات الناس وإنما يسير وفق ما أراد الله ‏سبحانه وتعالى ولذلك عاقبة النفاق خطيرة جداً لما تحدثه في المجتمع من تذبذب من ازدواجية من تصور أن الإيمان قول ‏دون عمل وهذا عكس ما يدعو إليه القرآن العظيم تمامًا ولذلك أعطى الله عز وجلّ هذه النهاية الشديدة للمنافقين. ثم قال

(إِلَّا الَّذِينَ ‏تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146))

الإخلاص، تلك العملة النادرة التي بها تكبر الأعمال وبها يتفاوت الناس في قربهم من الله سبحانه وتعالى وفي جزائهم.‏

ثم بعد ذلك الآيات التي جاءت في سورة النساء حدثتنا عن أشكال النفاق، النفاق ليس شكلاً واحداً منه ما يتعلق بالإعتقاد ومنه ما يتعلق ‏بالعمل منه ما يتعلق بالعمل حتى المجتمعي والعلاقات الإجتماعية ومن الأشياء والمسالك التي يحرص عليها ‏المنافقون وأوضحتها الآيات في سور أخرى كما في سورة النور حين جاؤوا بحادثة الإفك وغيرها كثيرة جداً الأمثلة عليها، ‏من صفات النفاق والمنافقين الحرص على إشاعة السوء، الشائعات، الحرص على الأخبار السيئة ونشر كل الأخبار السيئة عن الآخرين ‏في المجتمع ولذلك القرآن في سورة النور على سبيل المثال قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا (19) ‏النور)

نقل الكلام السيئ آفة اجتماعية خطيرة

(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ‏ظُلِمَ (148))
الجهر بالسوء، إشاعة الأخبار السلبية السيئة الحديث عن الآخرين، الانتقاص منهم، هذه ليست من سمات المجتمع. ولماذا جاءت الآية بهذا الشكل
(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)؟
المجتمع المسلم مجتمع راقي حتى في أحاديثه وسَمَره، ‏أحاديث السمر حين يتسامر المؤمنون في مجتمع راقي يمشي وفق ما أراد الله له أن يمشي في كتاب الله سبحانه، راقي في ‏حديثه حتى المزاح راقي، راقي حتى في الكلمات التي ينتقيها، راقي في سلوكياته راقي في أدبه راقي في طبيعة المحادثات التي تدور بين ‏الإفراد
(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)
تدبروا: الحديث السيء لا ينبغي أن يشاع في المجتمعات سمعت حديثاً تفسد ‏كل شيء ليست فقط تفسد العلاقات الاجتماعية في واقع الأمر ولكنها تفسد كذلك المزاج الإنساني والذوق الإنساني الذي ينبغي أن يكون راقياً ‏مهذباً هذّبه القرآن. ‏

الكلام على الناس ونحن في زمننا هذا الذي نعيش فيه ملاحظ جدًا انتشرت وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة والخبر الذي ‏كان يأخذ يومًا أو ربما يومين أو أكثر، شهر لأجل أن يصل باعتبار أن وسائل الإتصال ضعيفة في العصور الماضية الآن أصبح ‏في ثواني يمكن أن ينتشر إلى عدد كبير جدًأ من الناس وكلما زاد النشر والانتشار زادت العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك فالجهر ‏بالسوء اليوم قضية خطيرة جداً أفسدت على الناس ليس فقط علاقاتهم أفسدت عليهم القلوب، قلب المؤمن قلب خالص كالمرآة ‏ينبغي أن يبقى نظيفاً طاهراً يعكس معاني الإيمان والتقوى والخوف من الله عز وجل، أما إذا شابته عشرات الشوائب على كل ‏الوسائل المختلفة نشر خبراً وعلى اعتبار وهو اعتبار غير صحيح “ناقل الكفر ليس بكافر” من قال هذا؟

ناقل السوء وناقل ‏الخطأ وناقل الفواحش وناقل الشائعات وناقل الأفكار المنحرفة هو مشارك في نقلها، هو لا يمكن أن لا تقع عليه مسؤولية النقل ‏والنشر، أنت مسؤول ومساءل عما تنشر، أنت مشارك في المسؤولية فلننتبه إلى هذه النقطة الخطرة
ولذلك ربي عز وجل ‏ختم الله الآية بقوله
(وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)
‏(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149))
قدّم إبداء الخير، وفي الآية التي قبل قال
‏‏(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ)
إذن فماذا يحب ربي عز وجل؟
يحب أن تُظهر الخير وتستر العيب وتُصلح ذات البين
(إِنْ تُبْدُوا ‏خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
والنتيجة هو ذلك الإيمان الذي يعود عليه القرآن العظيم مرة بعد مرة
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ‏بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150))

والسؤال ما وجه التناسب بين هذه الآية والتي قبلها؟

واحدة من الوسائل قضية الجهر بالسوء، قضية ‏الكلام الحديث عن هذه الأقوال وهذه الأشياء وهذه الأفكار وهذه الإنحرافات ليس من باب معالجتها وإنما من باب إشاعتها ‏ومن باب نشرها هذه أجزاء من الأشياء التي يمكن أن تُنشر بهذه الطريقة والقرآن العظيم يريد إيماناً مرتبطاً بسلوكيات راقية في المجتمع هذا الإيمان هو الذي يأتي بذلك الخير الذي أسس له القرآن.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-14, 08:02 PM
(لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي ‏الْعِلْمِ مِنْهُمْ (162)
كعادة القرآن في العدالة حين يحدثنا عن الأمم لا يجمع ولا يعمّم ولا يُطلق أحكام عامة على الكل

(لَكِنِ ‏الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُون َ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُون َ ‏بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)

تدبروا، رسالة الإيمان واحدة، رسالة موسى عليه السلام لم تختلف عن رسالة عيسى عليه السلام ورسالة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تختلف عن تلك الرسالات في التوحيد والإيمان والتشريعات التي نهت عن الظلم والتي جاءت بالأمر بها والوفاء بها لم تختلف أبداً. ولذلك الآية التي بعدها قال

(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏‏(163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164))
ثم بعد ذلك
(رُسُلًا ‏مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165))
ثم الآية التي بعدها
(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة ُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166))

ربي سبحانه وتعالى شهد والملائكة شهدوا معه وكفى ‏به سبحانه وتعالى شهيدًا فكيف لا يشهد الواقع الإنساني بكل تلك الشهادات؟! كيف لا يصدّق الواقع البشري ما شهد به الله ‏سبحانه وتعالى وكل الأنبياء، كيف؟! هذا التنكس هذا التخبط الذي تشهده البشرية اليوم ما شهدته في تاريخها، يناقض كل ما جاءت به الرسل والأنبياء من عدالة ومن قيم ومن مُثُل ومن تعاليم ربانية (وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) كل الكتب كل الرسل كل من ذكرهم في هذه ‏الآيات ما المناسبة لذكرهم؟

القيم التي جاءت بها سورة النساء فكانت أول آية من آياتها (يا أيها الناس) خطاب عالمي خطاب جاء به كل الأنبياء من قبل (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) الرسالات جاءت بهذه القيم العظيمة، جاءت بالعدل، جاءت ‏بالحرية، جاءت بالمساواة، جاءت بالأمانة، جاءت بالحفاظ على حقوق الآخرين وتحريم كل ما سوى ذلك، ولذلك الآية التي ‏بعدها قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) تدبروا خطاب (يا أيها الناس) مرة أخرى في سورة النساء، سورة النساء نموذج لخطاب عالمي خطاب قرآني عالمي، القرآن خطاب عالمي، القرآن ما جاء ليخاطَب به المسلمون فحسب ومن يؤمن به ولذلك عشرات الخطابات (يا أيها الناس) (يا أهل ‏الكتاب) (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) لماذا؟ خطاب يخاطب كل الناس.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا ‏خَيْرًا لَكُمْ (170))
خيراً لكم في كل شيء في دنياكم وأخراكم في اقتصادكم وفي سياساتكم في معاشكم وفي مآلكم في بيوتكم وفي مجتمعاتكم في حربكم وفي سِلمكم في قلوبكم وفي بيوتكم وفي أُسركم مطلقاً (فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) الإيمان خير، القيم خير ‏للبشرية. الذي خلق البشرية ما أراد لها من خلال تطبيق المنهج إلا الخير والدليل أن البشرية يوم تخبطت عن كل تلك ‏الرسالات والمناهج التي أثبتها في كتابه سبحانه وأرسل بها الرسل أصبحت تعاني، تعيش في حالة شقاء، البشرية اليوم تشهد حالات تعاسة وشقاء على المستوى العالمي ما شهدته في تاريخها: حروب، تهجير، نكبات، مصائب، كوارث إنسانية، كوارث ‏طبيعية، كوارث في كل شيء، كوارث حتى في الجو في الهواء في المناخ في كل شيء، من أين جاءت؟


جاءت من عدم اتباع المنهج (فآمنوا خيرا لكم).

امانى يسرى محمد
2025-09-14, 08:04 PM
لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/47.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-Ur-faJXmvgA/VdaFnpVIUGI/AAAAAAAANGk/xna2ldV6L1Y/s1600/6.jpg)

الآية الأولى من سورة النساء قال تعالى
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ (1))
والآيات الأخيرة
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ ‏رَبِّكُمْ)
لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن هذا البرهان العظيم،
لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن القرآن العظيم
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ‏نُورًا مُبِينًا) (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ (175))
هو ما نحتاج إليه التمسك، وكلمة اعتصام هي أكثر من كلمة التمسك، يعتصم بالشيء يلجأ إليه لكي يعصمه من شيء، يحميه ويكفيه، يعصمه من أيّ شيء؟ يعصمه من كل أشكال التخبط والشرور التي تعرض له في الطريق إذا كان بعيداً عن كتاب الله سبحانه وتعالى.

(فسيدخلهم فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
يدخلهم في رحمة منه وفضل ليس فقط في الآخرة في الدنيا قبل الآخرة لا مجال لسعادة البشرية بعيداً عن هذا الكتاب العظيم، لا مجال، هكذا هو ‏القرآن. ‏والملفت للنظر أن الله سبحانه وتعالى آخر آية في سورة النساء

وبعد هذه الآيات قال
(يستفتونك قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)
‏قضية الميراث لشخص ليس له ولد وله أخت، قضية ميراث، تقسيم أموال.
لماذا تقسيم أموال بعد الحديث عن الكتاب أنه برهان والاعتصام به ليؤكد القرآن العظيم أن قضية الاعتصام بكتاب الله عز وجل والرجوع إليه ليست قضية شكلية وإنما هي تطبيق في كل جزئيات الحياة، في المال، في الاقتصاد، في الأعمال، في الحياة، في القليل، في الكثير، في كل شيء. ‏هذه الجزئيات المفصلة هذا تفصيل في آيات الميراث،
لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟

القرآن يفصل في آيات الميراث لأنها ليست آيات خاضعة ‏لتاريخية معينة ولا لسياقات تاريخية ولذلك هي غير قابلة للتبدل نتيجة لتبدل ظروف الإنسان وحياته ومعيشته وأوضاعه ‏الاقتصادية، بعض الأشخاص يقول لك اليوم على سبيل المثال (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) فقالوا لا، الآن المرأة تغيرت أوضاعها ‏الاقتصادية أصبحت كالرجل، وبالتالي الميراث ينبغي أن يوزّع بالتساوي! من الذي يفرض المنهج؟
تفرضه أهواؤنا وحساباتنا المتقلبة وأمزجتنا المختلفة المتباينة وأوضاعنا المعيشية والاقتصادية المختلفة من مكان لآخر أم الذي يفرضه من خلق الذكر والأنثى؟
ولذلك قال
(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
أنت كبشر تعلم شيئًا ولا تعلم آخر ولكن الله هو الذي بكل شيء عليم وعملية التنصيف هي ليست، نحن لسنا في معركة، وإنما نحن في مجال تشريع وفهم لمعاني التشريع ‏ومحاولة لتفهم مقاصده وحكمه وربما نلم بشيء ونغفل عن شيء آخر. القرآن أراد للناس أن يصححوا أوضاعهم ‏الإجتماعية وفق منهجه لا أن يُخضع منهج القرآن لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وما شابه. صحح أوضاعك، قضية تقسيم الميراث قضية تتعلق بالوظائف قضية تتعلق بالأدوار التي ينبغي أن يقوم بها الفرد الرجل والمرأة قضية لا تخضع للحسابات ‏البشرية التي يتعامل بها الناس اليوم. ‏

بعض الرجال وبعض الإخوة يحرمون الأخوات من الميراث ويحرمون الأمهات ويفعلون كذا وكذا،
قلنا في مرات سابقة ونقول:
أنت لا تقيس المنهج وفق ما يمارَس به في واقعك
وإنما ‏أنت عليك فعلًا أن تعدّل تلك الممارسات هذا واجبنا كأفراد،
ولذلك ربي أوكل لي مهمة قال
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ ‏بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))
وإلا فما معنى قيامنا بالقسط؟!

أنا مطلوب مني أن أصحح وأعدل في تلك الممارسات حتى تصبح وفق ما ‏أراد ربي عز وجل في هذا المنهج العظيم، أن تُصَّحح العلاقات الفردية والاجتماعية أن يصبح من جديد الأخ يستشعر مسؤولية تجاه أخته مهما كانت سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، المسألة ليست مسألة أموال، المسألة مسألة مشاعر، ‏أحاسيس، مسؤولية. وجود الرجل سواء كان أب أو أخ أو زوج أو عمّ أو خال في حياة المرأة لا يشكل نوعاً من القهر أو الوصاية كما يهيؤ للبعض ولا حماية المسألة ليست خوف أو حماية وضعف وقوة، لا، منظومة لعلاقات إجتماعية إنسانية إذا فسدت فسد معها كل شيء كما هو حاصل اليوم، اليوم هناك العديد من المجتمعات لا أقول فقط في الغرب وإنما أتكلم عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني تفكك في العلاقات انفصام، تمزّق في العلاقات في الأسرة الواحدة هذا ما لا يريده القرآن، القرآن يريد أن يعيد الأمور في حياة الفرد والأسرة والمجتمع إلى نصابها إلى وضعها السليم ولن يتحقق ذلك بعيدًا عن ‏المنهج.‏

سورة النساء العظيمة التي بدأت بالوصية بالتقوى وختمت بالحديث عن
(قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
تؤكد كل هذه المعاني والقيم، تؤكد هذه الرسالة التي ينبغي أن نقوم بها جميعا كل حسب ما هيأ الله له من أسباب، قوامين بالقسط، قوامين بتلك القيم، ‏حريصين على نشرها، محاولين كل ما في وسعنا لأجل أن نعيدها من جديد إلى الواقع وإلى السلوك وإلى الحياة. ‏ولذلك لا عجب أن تكون أول آية في السورة التي تليها رغم الفارق الزمني في النزول سورة المائدة
(يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) المائدة)
هذه القيم هي أشكال من العقود والعهود والمواثيق بيننا وبين خالقنا عز وجلّ الذي رضينا به رباً ورضينا بكتابه كتاباً منزّلًا ورضينا بنبيه صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولاً وناصحاً لهذه ‏الأمة وشهيداً عليها.

امانى يسرى محمد
2025-09-15, 09:31 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/55.jpg (https://pbs.twimg.com/profile_images/574317795296473088/X_TdmeJe.jpeg)

سورة المائدة

مقدمة

تعتبر سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن فيها بعض الآيات نزلت قبيل الفتح. هذه الآيات في سورة المائدة تعتبر وتشكّل الوصايا العظيمة التي أكّدها القرآن،
عادةً الإنسان حين يكتب وصية له – ولله المثل الأعلى – فهو يوصي بأهم الأشياء في حياته وأكثر وأقرب الأشياء التي يهتم بها ويحرص عليها، ولله المثل الأعلى، سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى البشرية على الإنسانية فكان هذا التوقيت في نزول السورة له دلالة خاصة،
دلالة على أن هذه الأوامر والوصايا التي حوتها سورة المائدة هي من أعظم الوصايا التي يجب على الإنسان أن يقف عندها طويلًا صحيح أن الكثير من هذه الوصايا والأوامر والتعاليم والتشريعات جاءت في سور أخرى ولكن على الرغم من كل هذا فإن تأكيد هذه الأوامر والتعليمات له دلالة من نوع خاص.
الأمر الآخر كذلك الذي تتضح معه دلالات هذه السورة العظيمة أن سورة المائدة يمكن أن لا تسمى فقط بأنها سورة المائدة باعتبار قصة المائدة التي ذكرت في أواخرها وإنما هي سورة العقود والمواثيق التي ابتدأها الله سبحانه وتعالى بقوله
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
وذكرت فيها المواثيق في أكثر من موضع الأمر الذي يؤكد أن المحور الذي تدور عليه سورة المائدة محور المواثيق، وأعظم ميثاق منه تتفرع كافة العقود والالتزامات المختلفة بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أهله وبينه وبين الآخرين وبينه وبين الدولة، هذه المواثيق أعظمها ذلك العقد والميثاق الذي بين الإنسان وربه وجاءت الآيات في سورة المائدة بالحديث عنه بوسائل متنوعة كعادة القرآن العظيم.
أمر آخر في السورة أنها حوت على ما يزيد على خمسة عشر نداء بـ
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)
له دلالة خاصة إذا علمنا أن السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم السورة تخاطب المؤمنين وقد استقر الإيمان في قلوبهم حتى يأتي التشريع وتأتي الأوامر وتأتي الأحكام مبنية على أساس رصين قوي من الإيمان بالله ومعرفته، وهذه هي عظمة التشريعات في كتاب الله عز وجلّ ليست مجرد قوانين صورية شكلية وإنما مؤسسة على الإيمان وعلى معرفة الله سبحانه وتعالى,
ولقائل أن يسأل هذا إذا نظرنا إلى أن هذه السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لكنها في ترتيب المصحف جاءت بعد سورة النساء إذن هي من أوائل السور في كتاب الله عز وجلّ،
إذن فما وجه أن يخاطب الإنسان من البداية، بداية القرآن العظيم
بـ(يا أيها الذين آمنوا)؟

ذكرنا سابقًا – وهذه من أعظم وأبسط مبادئ التدبر في كتاب الله عز وجلّ – أن ترتيب السور والآيات في كتاب الله عز وجلّ توقيفي أوحي به إلى النبي صلّ الله عليه وسلم وكل ما يتعلق بهذا الكتاب دور النبي صلّ الله عليه وسلم فيه البلاغ (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)، هذه نقطة.
النقطة الأخرى أن القرآن كان ينزل – ولا بد الآن حين نقرؤه أن نستحضر هذه الحقيقة كذلك – يعالج واقعًا، الوقائع، الأحداث، الأسئلة، الأمور تعرض للمجتمع المسلم، للجيل الأول الذي نزل فيه القرآن فتأتي الآيات وتنزل السور تعالج تلك الحوادث والأمور وتأتي الإجابات على الأسئلة بطرق مختلفة ووسائل متنوعة على عادة القرآن العظيم. اليوم حين نقرؤه بهذا الترتيب الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ الترتيب مقصود، ترتيب السور مقصود وليس لدينا الآن حادثة بعينها معينة يأتي القرآن ليعالجها كما كان عليه الحال في عصر النزول ولكن القرآن يقدم لنا نماذج للأسئلة، نماذج حاصلة في وقت التنزيل لكن عليّ أنا المؤمن بالله المتدبر لهذا الكتاب العظيم أن أدرك أن هذا العصر والأجواء التي أعيش فيها اليوم صحيح هي تختلف كأجواء إنسانية حصل فيها تطور، حصل فيها تقدّم، تغيرات كبيرة ولكن السؤال ربما في الصيغة يختلف والإجابة موجودة في كتاب الله عز وجلّ المطلوب مني كمتدبر أن أتعلم كيف أقوم بتشكيل هذا السؤال الذي يأتيني في واقعي وأبحث عن الإجابة في كتاب الله عز وجلّ وأتفاعل مع تلك الإجابة لأجل أن أطبقها في حياتي وفي واقعي فهنا يكون الترتيب بهذا الشكل في كتاب الله عز وجلّ واضح الحكمة والمقصد في حياتي. القرآن الآن هو بين أيدينا ونحن نؤمن به وإيماننا بكتاب الله عز وجلّ وتلاوتنا لكتاب الله عز وجلّ بهذا الترتيب أمر مقصود تماما فهو يعالج حين يعالج ويناديني بـ(يا أيها الذين آمنوا) من أوائل القرآن العظيم ومن أوائل السور لأجل أني في قضية الإيمان أحتاج لكل تلك القضايا والتعاليم حتى أعالج ما أمر به.

فإدراك أجواء التنزيل ونزول سور القرآن ومحاولة ربط بين تلك الأجواء وما أعيشه اليوم تساعدني في صياغة الأسئلة التي تعرض لي والحوادث والمشاكل التي أتعرض إليها في واقعي لأتعلم من خلال المقارنة والإطلاع كيف أصل إلى الإجابات في كتاب الله عز وجلّ كيف أجعل القرآن العظيم بمنهجه القويم يعدّل حياتي ويعدل الإشكاليات التي تعرض لي في حياتي.



سورة المائدة سورة العقود والمواثيق وربي في أول السورة، لأن التناسب له أشكال بين أول السورة وخاتمة السورة بين نهاية سورة النساء وبين بدايات المائدة، بين آخر المائدة وبين بدايات الأنعام، أشكال من التناسب ولكن نبدأ بأول شكلين من التناسب:



الأول ما بين النساء وخاتمتها وما بين بداية سورة المائدة:


سورة النساء تحدثت عن بناء القيم العدالة والحرية والمساواة على عين من تقوى الله عز وجلّ وجاءت بتحديد نماذج لتحقيق تلك القيم من خلال النموذج الأسري بشكل واضح جدًا وعملي وانتقلت من الأسرة إلى المجتمع إلى العالم ولذلك خطابات (يا أيها الناس) كانت واضحة في سورة النساء.


سورة المائدة تبدأ بـ(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لأن القرآن يبني إنسانًا مؤهلًا للقيام بمهمة الخلافة على الأرض.



بداية سورة المائدة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بما فيها تلك العقود والالتزامات التي جاءت في السورة والتي قبلها في سورة النساء وآل عمران والبقرة وفي الفاتحة رغم الفوارق الزمنية فيما بين تلك السورة ولكن كل تلك الالتزامات بين مختلف الأطراف إنما هي عقود عليك الوفاء بها.



الشكل الآخر من أشكال التناسب بين أول المائدة


(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)


وبين آخر السورة الآية الأخيرة يقول فيها الله عز وجلّ


(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )


أول سورة المائدة


(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)


ثم تلتها عشرات النماذج للعقود،


ما وجه التناسب؟



الآية الأخيرة في سورة المائدة قال


(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ)

كل شيء في هذا الكون سماء، أرض، أنعام، طيور، أشكال المنتفعات التي ينتفع بها الإنسان كل شيء ورد ذكره في هذه السورة وغيرها في القرآن هو ملك حقيقي صرف لله سبحانه وتعالى لا يشاركه في ذلك الملك أحد على الإطلاق.


https://majles.alukah.net/imgcache/2024/06/123.jpg


العقود والمواثيق بينك وبين الله



الآية الأولى
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
بمعنى آخر بيننا وبين المالك الحقيقي سبحانه وتعالى عقد.
معنى هذا: نحن في حياتنا الدنيا اعتدنا أننا حين نؤجر بيتًا أو مسكنًا أو ما شابه نذهب لإجراء عقد بيننا وبين مالك البيت الحقيقي أو المكان الذي نريد أن نستأجره وبناء على هذا العقد وما يضعه المالك من شروط يوقع هذا الإنسان المستأجِر ويلتزم تجاه المالك الحقيقي ولله المثل الأعلى


نحن سُخر لنا ما في هذا الكون شجر سماء ماء أرض حتى ما نقول باستعماله من سمع من بصر من أدوات إدراك وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها سخرها لنا لنقوم بالانتفاع بها نحن لسنا ملّاكا المالك الحقيقي الذي قالت فيه آخر سورة المائدة
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
هو المالك الحقيقي. ونحن ربي سبحانه وتعالى بفضله ورحمته وكرمه هيأ لنا وسائل الانتفاع بتلك الأشياء التي يمتلكها هو لا غيره على وجه الحقيقية والشيء الطبيعي في عقود الانتفاع والملكية أن الذي يعطيني ويفرض عليّ الشروط للانتفاع بالأشياء المالك الحقيقي لها ولله المثل الأعلى الذي يعطيني افعل ولا تفعل وتصرّف ولا تتصرف وحلال وحرام وأعطاني حق الاستخدام والانتفاع عن طريق التسخير إلا هو سبحانه

ولذلك جاءت
(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)
من الذي يحلّ ويحرّم سوا الذي خلق؟!
ولذلك منذ أن خلق الله الخليقة وإلى أن تقوم الساعة لم يدّعي أحد من البشر مهما طغي ومهما علا ومهما تجبر أنه خلق على سبيل المثال الأنعام، لم يدّعي أحد فأما وأنه ليس هناك من خلق ولا حتى من يجرؤ أن يدّعي أنه خلق وملك فمن الذي يملك الحق في أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا هو سبحانه وتعالى؟! تناسب رائع.

ولذلك آيات سورة المائدة تكلمت كثيرًا عن الحكم بما أنزل الله
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
لأن قضية الحكم والتشريع هي صلاحية واضحة لن يمتلك وليس لمن لا يمتلك. غير المالك حتى في أعرافنا البشرية نحن وتعاملاتنا البشرية على هذه الأرض لا يحق له أن يشترط شيئا ولا أن يملي شروطًا لأنه لا يملك وربي سبحانه وتعالى له المثل الأعلى هو الذي يملك فهو الذي يبيح وهو الذي يحرّم وهو الذي يقول افعل وهو الذي يقون لا تفعل
https://majles.alukah.net/imgcache/2024/06/123.jpg


القرآن يعلمك الانضباط




منذ بداية السورة وإلى ختام السورة السورة تؤكد حقيقة أنت آمنت ورضيت بالله ربًا وبمقتضى ذلك الإيمان أنك تؤمن بأنه المالك سبحانه وتعالى فإذا ما آمنت بهذا واستقر ذلك الإيمان في قلبك سلّم زمام حياتك لله عز وجلّ، سلّم القيادة، سلّم أخذ الأوامر والنواهي إليه فقط دون غيره سبحانه وتعالى وعليك أن تستذكر في كل هذا أن بينك وبينه عقد فعليك الوفاء به فهو المالك.



ولذلك الآيات في سورة المائدة كثيرة تلك التي تكلمت عن البيئة أو ما يعرف بمصطلحاتنا المعاصرة “حماية البيئة”، المحميات المختلفة تكلمت عن الصيد وإباحة الصيد ومتى يكون محرّمًا لأنك أنت في تصرفك في هذه البيئة التي من حولك حيوان نبات أرض شجر سماء ماء أنت متصرف منتفع فقط وقد سُخّرت لك هذه الأشياء وبناءً عليه عليك أن تسير معها وتتعامل معها وفق منهج وفق تشريعات وفق أوامر ربي سبحانه وتعالى أعطاك وسخّر لك وفتح لك فيها.



تدبروا هذه المعاني العظيمة فالقضية ليست كما ستأتي علينا قضية


(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)


هذه تفاصيل،هذه القضية عقد


أنك تسير كإنسان وفق ما حدد الله سبحانه وتعالى في كتابه وفي منهجه.




(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ


إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)


تدبروا ختام الآية،يحكم ما يريد لأنه المالك سبحانه وتعالى


فهو يحكم وتأتي تفاصيل بعد تلك الآيات.




ثم قال


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)


التعامل مع الأماكن ومع الأراضي ومع الأزمنة (الشهر الحرام) ومع ما كل ما هو حولك من أشياء في البيئة يتم وفق نظام منضبط تمامًا،


القرآن يعلمك الانضباط.




هذه الموجودات المنضبطة بقانون التسخير الذي جاء ذكره في كتاب الله عز وجلّ في أكثر من موضع أنت تسير عليه لكي يتحقق التوازن، كل شيء في الكون خُلق بتوازن وهذه من قدرة الله سبحانه وتعالى كل شيء فيه توازن: عدد ساعات الليل، عدد قطرات المطر، كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى بقدر وخلقه بشكل موزون وعنده خزائنه سبحانه في كل شيء.




دور الإنسان المستخلَف الذي جعله الله خليفة على هذه الأرض دوره أن يسير ضمن ذلك التوازن، النظام المتوازن، يحافظ على التوازن في أثناء تعامله مع تلك الأشياء أو المسَخّرات سواء كانت زمانًا أو مكانًا أو موجودات، كائنات.


فإذا لم يسر ذلك الإنسان الخليفة وفق ما بيّنه الله سبحانه وتعالى له في المنهج في كتابه بدأ الخلل يحدث، بدأ النظام يضطرب، بدأ نظام التوازن يختلّ فإذا حدث اختلال في التوازن حدثت عشرات الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تحدث في زماننا هذا!!



تدبروا ونحن نسمع اليوم من هنا وهناك انقراض عشرات الأصناف من الحيوانات وهذا كله له تأثيرات على أشياء أخرى على الأنظمة حتى على الأنظمة الغذائية فالكون يمشي وفق نظام متكامل كل شيء فيه يؤدي إلى شيء آخر بانسجام، باتساق لأن الذي خلقه أحسن كل شيء خلقه فالإنسان أُمر أن يسير وفق هذا المنهج والتفاصيل لأن ربما الإنسان لما يقرأ في سورة المائدة أو سورة النساء والأنعام يقول ما هذه التفاصيل العجيبة؟ ما هذه الدقائق والجزئيات؟! هذه مطلوبة لتبين لك أن عليك كإنسان أن تحافظ على هذا النظام، إذا لم تحافظ عليه سيحدث الخلل،


وإذا حدث الخلل


سيظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.

والنتيجة ستكون فوضى، عذابات مستمرة، شقاء للإنسانية سواء على المستوى الطبيعي أو على المستوى الإنساني، مجاعات، فقر، حروب، عواصف تصحر جوع عطش، اختلالات. ما نراه اليوم أعراض لعدم القيام بذلك المنهج الموزون المتوازن والقواعد المنضبطة التي جاء بها في كتاب الله عز وجلّ.


يتبع

امانى يسرى محمد
2025-09-15, 09:35 PM
لا للاعتداء على حدود الله

تدبروا في الآية الثانية في سورة المائدة
(وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)
لا للاعتداء، وهذه من الكلمات العظيمة في السورة، لا اعتداء لا زيادة ولا نقصان في الشيء الذي ينبغي أن يكون عن الحدّ الذي أمر به الله سبحانه وتعالى، أيّ شكل من أشكال الاعتداء هناك تجاوز للخط، سورة المائدة حوت خطوطا في الطعام، في الذبائح، في الصيد، في عشرات الأشياء، هذه الخطوط لا ينبغي تجاوزها فإذا حصل التجاوز يحدث الخلل.

ولذلك قال (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ) حتى البغض والكراهية التي قد تكون مبرّرة في بعض الأحيان (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (أَنْ تَعْتَدُوا) هذا ليس مبررًا كافيًا لأنك أنت مأمور بعدم تجاوز خط العدالة، الاعتداء منهيٌ عنه لا يسوّغه شيء (ولا تعتدوا) ولذلك قال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) تدبروا عدوان مرة أخرى في آية واحدة قال (تعتدوا – العدوان) لأن العدوان والتجاوز هو من أسباب عدم الوفاء بكل تلك الالتزامات والعقود فمنذ البداية سورة المائدة حددت الإطار العام لكل العقود: وفاء، تعاون على البر والتقوى في الوفاء بتلك العقود وفي نفس الوقت عدم التعاون على الإثم والعدوان الذي يهدّم كل صور وأشكال الوفاء بالعقود: الإثم والعدوان.

فكل ما نحن فيه من أشكال الانتفاع والتصرف في الحياة سواء في أنفسنا، في أموالنا التي هي ليست على وجه الحقيقة أموال خالصة لنا، المال مال الله، في كل الأشياء المسخّرات أدخل فيها في عقد انتفاع فعليّ أن أتعامل فيها بالبر والتقوى هذه هي القاعدة حتى أصل لمرحلة الوفاء وحتى لو اقتضى ذلك الأمر أن يكون حين يحدث اعتداء فلا بد لجماعة الإنسان الجنس الإنساني البشرية أن يتعاونوا لأجل إعادة الأمور إلى نصابها البر والتقوى وأن لا يكون التعاون والتكتل والتجمع على الإثم والعدوان لحماية العقود.
ولذلك ما يحصل اليوم من تجاوزات ومن اعتداء على البيئة والموارد البشرية وعلى الأرض وعلى المسخّرات وعلى الحيوان وعلى الماء هذه لا بد أن يكون لأجلها تجمعات إنسانية حقيقية تأخذ على المعتدي الآثم لتضع الأمور في نصابها ويبقى الجنس الإنساني وفيا بعقده والتزامه في الانتفاع بهذه المقدّرات الموجودة في هذا الكون.
ولهذا قال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ) لأنه بدون تقوى لن يكون هناك تعاون على البر والتقوى (التقوى – واتقوا الله) التقوى مخافة الله عز وجلّ الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى.

تدبروا في الربط بين هذه الآيات وأوائل سورة النساء حين قال (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) الوصية العظيمة، الوصية الباقية: التقوى. رصيد الإنسان من التقوى، بقدر نصيبك من التقوى بقدر ما يكون الوفاء بالعقود والإلتزام بكل شيء سواء كانت العقود بينك وبين الطبيعة، البيئة وبينك وبين الناس في محيط الأسرة، في محيط العمل، كل الأشكال هي عقود، ما الذي يدفعني للوفاء بها؟ رصيد التقوى.

ثم ختم بقوله
(إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
طبيعي!
الإنسان الذي لا يسير في العقد على الإلتزام بم جاء فيه من شروط عليه أن يكون مستعدًا لإنزال العقوبة به، شيء طبيعي! نحن حتى في تعاملاتنا في العقود هناك ما يسمى بالشرط الجزائي حين لا يقوم طرف من طرفيّ العقد بالوفاء بمقتضيات العقد – ولله المثل الأعلى- إذا ما قمنا بالالتزام بهذه العقود التي ستأتي في هذه السورة العظيمة من البداية قال الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لا زلنا في الاية الثانية في سورة المائدة، شديد العقاب لمن لم يوفّي بالعقود بكل أشكالها بكل مستوياتها بكل صورها.

امانى يسرى محمد
2025-09-15, 09:36 PM
أول فئة من تلك الفئات المشمولة بالعقود


(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَ ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ)


لماذا هذه الأصناف؟

صحيح هناك حكم في التشريع، الأصل في التشريع وخاصة تشريع المعاملات الأصل فيه أن يتبين الإنسان المقصد ويتفهم الحكمة من التشريع حتى يستقر معنى الالتزام والتمسك بذلك التشريع بشكل واضح وعملي.


هذه الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى هي من مخلوقاته ولكن أعطى للإنسان القدرة على الاستفادة والانتفاع بها حين تكون بشكل معين وفق ما هو أراد الله سبحانه وتعالى فأعطاه، الأنعام حين لا تكون ميتة مباحة عن طريق الذبح ولكنها إذا أصحبت ميتة حرّمت عليكم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تدبروا!

ثم قضية الدم والأشياء الأخرى التي جاء ذكرها في الآية الكريمة.

لماذا الممنوع والمنهي عنه؟


ربي سبحانه وتعالى حدد لنا منذ البداية أن هذه الدنيا دار ابتلاء فيها أشياء يسمح لك أن تقوم بها، أكل، طعام، وهناك أشياء تدخل في دائرة الممنوع أو المحظور أو المحرم وفي كلتا الدائرتين لا بد أن يكون هناك نوع من الاختبار والتمرين لإرادتك كإنسان.

لو كان كل شيء مباح فاختبار الإرادة لم يكن له ذلك الرصيد، وربي أعلم بنا لكنه بعدله سبحانه وتعالى أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا وأعظم ما في الإنسان ومن أكرم الأشياء فيه قوة الإرادة أن يمنع نفسه عن الشيء حين يكون محظورًا أو ممنوعًا، كرمه الله سبحانه وتعالى بهذا، كرّمه أن نفسه المؤمنة الطاهرة النقية تعاف الحرام، تعفّ عن الخبيث الحرام الممنوع

ولذلك في سورة المائدة جاءت أشياء ممنوعة محظورة محرّمة سواء في المطعم والمأكل والمشرب وفي الزواج وكذلك في التعاملات حتى في الأموال ليس كل المال حلال،


الأكل ليس فقط ما كان في دائرة الحرام التي ذكرتها الآية الثالثة: الخنزير، الدم، الميتة فقط، لا،

هناك أشكال من الأكل الحرام المعنوي مثل أكل السحت الذي سيأتي عليه في سورة المائدة.

فالمسألة تتعلق بهذا الاختبار والابتلاء الذي لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الإنسان وهو يباشر انتفاعه بهذه الأشياء الموجودة في الكون، عليه أن يتعلم متى وكيف يقول لنفسه لا، ولكن قول اللا هنا ليس محكومًا بمزاجه الفردي ولا بأهواء من يمكن أن يأخذ منه تشريع وإنما هو محكوم بما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه ولذلك جاءت الآية هنا

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)


هذا تشريع.

امانى يسرى محمد
2025-09-15, 09:38 PM
الحكمة من الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة

(مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)
لنا أن نتساءل ونحن في بدايات سورة المائدة لماذا بدأ ربي سبحانه وتعالى بالحديث عن الأشياء الحلال والمحرّمات في المطعم قبل أيّ شيء آخر؟

المطعم شيء مهم في حياة الإنسان. هذا الجسد، ربي سبحانه وتعالى خلق الإنسان من جسد من اللحم والدم وخلق معه الروح وهي شيء متكامل مع بعضها البعض تشكّل الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في أصل خلقته فقضية الطعام والشراب مهمة جدًا لأنها تعتني بذلك البناء الجسدي للإنسان والقرآن بعد ذلك كما سيأتي سيأتي الحديث عن الوضوء والطهارة، طهارة الباطن وطهارة الأعضاء وتجهيزها للدخول في كافة العبادات والشعائر وإقامة تلك الشعائر لا يكون بجسد نصفه قد غُذّي بالخبث والحرام ونصفه الآخر يحاول أن يتطهر تطهيرًا ظاهريًا، لا، القرآن لا يقبل بأنصاف الحلول، القرآن يريد منا أن نكون بشرًا نتصف بالطهارة الحقيقية طهارة الباطن وطهارة الظاهر، طهارة الجسد حتى فيما يدخل فيه فيحرص الإنسان المؤمن على لا يدخل في جسده إلا الحلال حلالًا حسيًا وحلالًا معنويًا، يتحرّى الحلال في طعامه وشرابه وكذلك في طعام من يعول يتحراه تحريًا، يحرص أشد الحرص عليه.



وهنا تأتي قضية التسمية
(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)
ذكر ليست مجرد تسمية مجرد قول بسم الله تسمية عابرة، لا، التسمية هي شعار له اتصال حقيقي وثيق بهوية الإنسان فأنت حين تقول للشيء وعلى الشيء “بسم الله” إنما أنت تؤكد وتذكّر نفسك بذلك العقد الذي بينك وبين الله عز وجلّ.

فهذه الأنعام ما سُخرت لولا أن الله سخّرها للإنسان للدرجة التي استطاع هذا الإنسان حتى وإن كان جسم الكائن الآخر أقوى وأعظم وأكثر في الوزن ولكن الإنسان يستطيع أن يتحكم فيه بقانون التسخير فحين يبدأ بشيء يبدأ بسم الله ليؤكد نفسه ولذلك الشيء الذي ينتفع به في ذات الوقت أن كل شيء في الكون إنما هو من الله سبحانه وتعالى فضل ونعمة وأنا حين أستعمله وأنتفع به إنما أفعل ذلك باسم الله تعالى ولذلك قال

(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)


ثم انتقلت الآيات في آيتين متتاليتين
(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)

ليبين هذه القاعدة التي للأسف الشديد تغيب عن بعض الناس أن الحلال هو الطيب مهما كان بسيطًا أو متواضعًا وأن الخبيث هو الحرام حتى وإن كان شكل ذلك الحرام مزينًا بأشكال وألوان مختلفة إلا أن تلك الزينة لا تخرجه عن خبثه فالحرام في أصله خبيث، الخمر على سبيل المثال أم الخبائث وضعت في كأس لها ألوان وأشكال، وضعت في أواني من أفخر وأغلى الأنواع، خبيثة في أصلها، ولكن الحلال هو في أصله طيب. فالإنسان حين تستقر هذه الحقيقة في نفسه تبدأ النفس برحلة القناعة بالحلال الطيب ولو كان بسيطًا أو قليلًا وأن تعاف النفس الكريمة المؤمنة الحرام الخبيث لأنه خبيث مهما اختفلت أشكاله.



وقضية الحديث هنا عن الطعام وطعام أهل الكتاب، المسألة ليست مجرد طعام (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

وحصر القضية في هذا فكثير من المسلمين خاصة حين يسافرون لغرض السياحة أو العمل أو ما شابه يسألون هذا السؤال: هذا حلال؟ هذا حرام؟

هذا أمر طبيعي. لكن القرآن حين نتدبر سنجد أن القرآن يحمّل الإنسان المؤمن رسالة عليه أن يبلغها لكافة أمم الأرض، هذه الرسالة لأجل أن تحدث وتتحقق هناك وسائل وآليات، واحدة من هذه الوسائل قضية الطعام، الطعام لما يكون مباحًا بين هذه الأطراف المختلفة

(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

لأجل قضية التبادل، تبادل شيء من العلاقات التي يمكن أن تسمح بإيصال الرسالة التي كُلّفنا بها، رسالة القرآن كيف تصل. فقضية إباحة الطعام وقضية الزواج بالكتابيات في هذه الآيات جاءت في هذا السياق، سياق الرسالة الإنسان المؤمن كما يصوغه ويبنيه القرآن ليس بذلك الإنسان الذي تحركه شهوات ونزوات طارئة عارضة وإنما إنسان مصنوع على تلك المهمة التي خلقه الله عز وجلّ إليها ولها. تفكير الإنسان حتى في حالة الزواج أو إقامة العلاقات الاجتماعية أو روابط العمل أو ما شابه مع الأمم المختلفة محكوم بهذه الغاية العظيمة غاية إيصال الرسالة. فحين يكون للإنسان المؤمن فردًا أو مجموعة هوية خاصة في الطعام، هوية تعبّر عن ذاته وتعبر عن دينه وتعبر عن مبادئه وعن إيمانه وقيمه هذا سيكون أدعى لإيصال رسالة القرآن



(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

ولقائل أن يقول: قضية الإيمان تأتي هنا؟ لماذا؟

قضية إيمانية، الطعام والشراب والزواج والنكاح وكل شيء هو عقد يتعلق بالميثاق الكبير الذي بيننا وبين الله عز وجلّ: ميثاق الإيمان. أعمالنا وجزئيات الحياة اليومية التي نمر بها ومختلف المواقف في السفر وفي الإقامة وفي العمل وفي الزواج وفي الطلاق مرتبطة بهذا الميثاق وعلي أن لا أنسى هذا أبدًا حتى لا أقع في إشكالية الخسارة.

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:22 PM
عظم جرم قتل النفس بغير حق


https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/02/1166212.jpg&key=62285bd9b4e49f6994b6ab7140 2d679eae29a75198b458ce07e3fb53 dc1fe914 (http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/02/1166212.jpg)



(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

تدبروا معي التصفية للطرف الآخر الناجح لا يمكن ‏أن تأتي على الفرد بصلاح،خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!.

وتدبروا معي كل أشكال التنافسات غير ‏المشروعة المنافسات في واقعنا في أسرنا في مؤسساتنا لا تأتي بخير على أصحابها

(فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

خسارة وندم، والندم يقابله خطوة كان لا بد لابن آدم ‏أن يقوم بها، الابن القاتل بدل أن يفكر بعملية القتل والتصفية: التوبة قبل فوات الأوان تصحيح الخطأ، الندم بعد أن ‏يحدث الجرم ويفوت الأوان لأن التوبة لها أوان ووقت، ولذلك أمرنا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء طالما أن ‏أنفاس الحياة تدخل وتخرج – وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى – علينا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء كلها ‏، أخطاء فردية أو مجتمعية أو على مستوى المؤسسي -كل الأخطاء- بادر بالتوبة، التوبة ليست مجرد تصحيح للعلاقة ‏بينك وبين الله سبحانه وتعالى بل هذا جزء والجزء الآخر ما يتعلق بنفسك وحقوق الأخرين تصحيح تغيير المسار، وهذا ما ‏فشل به ابن آدم فكانت النتيجة خسارة وندم، وهي عاقبة واضحة لكل إنسان ينقض الميثاق مع الله سبحانه وتعالى.

نحن في سفينة واحدة كما شبهها النبي صلّ الله عليه وسلم في بعض الأحاديث،

سفينة ‏المجتمع وسفينة الإنسانية وسفينة العالم،

أخطاؤنا وسلبياتنا وسوء تصرفاتنا في بعض الأحيان إنما هي خروق في ‏تلك السفينة، خروق نحدثها وكل خرق في تلك السفينة هو قطعًا يصب في عملية إغراقها عاجلًا أو آجلًا،

المطلوب ‏منا في حياتنا أن نسد تلك الخروق أن نقوم بعملية الإصلاح.‏

(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)

-تدبروا معي-

(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)

الذي يقتل نفسًا كأنما يقتل الناس جميعًا، كل البشرية

(ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ‏جَمِيعًا)

لماذا يا رب؟

تدبروا معي في الآية، آية سورة المائدة عرضت لنا أشكالًا من نقض المواثيق والعقود، وأعظم عقد ‏بدأت به في بدايتها عقد الدين، عقد الايمان. ثم جاءت هذه القصة لتبين أن الحفاظ على النفس يأتي بالمرتبة التي تليها، ‏حفاظ على الدين، على الايمان ثم الحفاظ على النفس البشرية. فإذا إنسان قتل إنسانًا نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ، لأن المسألة ليس مسألة عدد، المسالة هي مسألة اعتداء الإنسان على تلك الروح وحق الحياة الذي وهبه الله لإنسان ‏آخر، فالذي وهب حق الحياة هو فقط سبحانه الذي يحدد كيف يؤخذ ذلك الحق، لا ينبغي لإنسان أن يعتدي عليه أبدا ‏بغير نفس أو فساد في الأرض

ربي عز وجل في سورة البقرة – هكذا التدبر يعلمنا الربط- قال

(وَلَكُمْ فِي ‏الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

حياة ونحن نعلم بأن القصاص أن يُقتل الانسان المجرم القاتل بسبب قتله لغيره ‏فكيف يكون القصاص هنا حياة؟؟؟ حياة للمجتمع، حياة لعشرات الأرواح البريئة التي ستُحمى من خلال تنفيذ ‏القصاص على المجرم القاتل الذي سفك الدم، ولذلك اليوم البشرية الأغلبية الصامتة على سفك الدماء على الاعتداء على ‏الأرواح البريئة قتل الأطفال قتل الأبرياء قتل النساء قتل الرجال قتل المستضعفين، هذا الصمت العالمي سيدفع ثمنه ‏جموع البشرية أجيال من البشرية

(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ)

عظمة التعبير القرآني العظيم في هذه الآية عظيم

(أَوْ ‏فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)

فما بالك بمن يقتل في كل ساعة عشرات وربما مئات

أمام صمت مطبق يكاد ‏يقترب من حد الموت أكثر منه الى حد الصمت؟؟!

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:24 PM
محاربة الفساد فريضة وضرورة

(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا ‏مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )

هذه الآية آية حد الحرابة لماذا جاءت هنا؟ – ولذلك تسمى ‏الحرابة جزاء الذين يحاربون الله ورسوله – السؤال الذي يطرح نفسه على المتدبر هنا كيف يحارب الانسان الله ورسوله؟ ‏هل يستطيع أحد أن يحارب بالله ورسوله؟!! كيف تكون محاربة الله ورسوله؟؟

تكون من خلال محاربة المنهج ومنازلته، ‏محاربة القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل والأنبياء ربي عز وجل شرّع، أمر، قال منذ بداية السور ة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ‏النفس البشرية حرمة النفس والحفاظ عليها هذا عقد بين الله وبين خلقه عليهم جميعًا أن يوفوا به بصيانته والحفاظ عليه والأخذ بقوة على كل من تطوع له نفسه أن يعتدي على تلك النفس البشرية ولذلك قال (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ‏الْأَرْضِ فَسَادًا) منازلة القيم ونقض المواثيق والعقود والاعتداء على النفس البشرية هو مصب ومحط وبدايات الفساد في ‏الأرض، هو البدايات مع الدين عقد الايمان بيننا وبين الله عز وجل وشكل من أشكاله وخطواته المتتابعة قضية قتل ‏النفوس قتل النفس البشرية والاعتداء عليها. وقد يسأل سائل ولكن العقوبة شديدة ! أكيد، هذه العقوبة شديدة

(يُقَتَّلُوا أَوْ ‏يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ)

عقوبة شديدة تتناسب تمامًا مع طبيعة الجُرم الذي أحدثوه مع طبيعة الخرق ‏الواسع الذي أحدثوه في اغراق سفينة البشرية والمجتمع، الفساد حيت ينتشر وحين ترخص الدماء تصبح الدماء ‏رخيصة فما الذي يعيد الأمور الى نصابها بعد ذلك؟!

المطلوب ايقاف الفساد والمفسدين وهذا عقد ‏جديد يفرض على بقية أفراد المجتمع أفراد المجتمع الانساني الأسرة الانسانية الكبيرة، أنا لدي عدد من المفسدين عدد ‏ممكن أن يكون محدودًا خمسة، عشرة، مئة، ألف، آلآف ولكن الاشكالية الخطيرة حين يترك هؤلاء المفسدون بالاستمرار ‏في افسادهم في الأرض، اليوم نحن ننظر الى البشرية هل نتوقع أن معظم نفوس العالم البشر اليوم يقبلون بسفك الدماء ‏البريئة؟! أبدًا! شعوب العالم أفراد العالم نحن وأنا وأنتم والناس أغلب الناس أيرضون بسفك الدماء؟ أيعجبهم مناظر تلك ‏الأجساد والأشلاء المقطعة التي يرونها على شاشات التلفزة ليل نهار؟ أبدًا! أبدًا! إذن من الذي يحصل؟

الذي يحصل أن ‏القلة المفسدة في الأرض التي تعيث في الأرض فسادًا ما أوقفت عند حدها، وهذا هو يأمر به القران. هذا عقد جديد ‏التزام جديد أن يكون المجتمع الانساني على قدر المسؤولية، المجتمع العالمي على قدر الشعور بالمسؤولية فيوقف ‏الفساد والمفسدين، هذه مسؤولية الجميع فاذا فشل فيها الناس كانت العقوبة عقوبة عامة كما سنأتي عليها. والعقوبة ليس ‏بالضرورة فقط قضية قتل، لا، عقوبة المعاناة، المعاناة من شرور المفسدين، العالم اليوم كل العالم في الشرق وفي الغرب ‏يعاني من الفساد والمفسدين، يعاني من أولئك الذين يقتلون ويسفكون ويهجّرون ويقطّعون، ولكن جزء من أسباب تلك ‏المعاناة هو ذلك الصمت، تلك السلبية البشعة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي يدخل في عقد مع مع الله سبحانه وتعالى أن ‏يقوم بها

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:27 PM
المؤمن عنصرًا إيجابيا في ايقاف الفساد

(يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
اتقوا الله

ما العلاقة بين الكلام قبل قليل عن الفساد ‏والتقوى وابتغوا اليه الوسيلة؟؟

أعظم طريق ووسيلة للتقرب الى الله عز وجل أن يكون الإنسان الصالح المؤمن عنصرًا ‏فاعلا إيجابيا في ايقاف الفساد والمفسدين بكل ما أوتي من إمكانيات ومن قوة بحسب الإمكانيات التي بين يديه حتى ولو ‏كانت تلك الامكانيات ممكن أن تكون في مستوى أن يرى شيئا في قارعة الطريق يؤذي الناس فيقوم بإزالتها.

لماذا ‏اماطة الأذى عن الطريق صدقة؟

لأنها عملية، خطوة في وقف شكل من أشكال الفساد، رمي النفايات أو القاذورات في ‏قارعة الطريق أو في طريق الناس ذلك المنظر أو المظهر غير الحضاري غير اللائق فساد في حقيقته فحتى لو كان ‏المؤمن يفعل هذا الفعل المحدود هذا يعتبر صدقة وتقرب لله عز وجل، لأن المطلوب مني بموجب العقد والاتفاق بيني وبين الله ‏سبحانه وتعالى أني لا أفسد في الأرض قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ ‏نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ذكرت الملائكة من الإفساد في الأرض (يسفك الدماء) رغم أن أشكال الفساد كثيرة متنوعة لا ‏تقف عند حد، ولكن ذكروا سفك الدماء لأنه واحد من أبشع أشكال الفساد،

مساهمة الانسان المؤمن بكلمة بقول، بفعل، ‏بكل ما لديه من إمكانية لأجل أن يوقف الفساد إنما هو ابتغاء الوسيلة في التقرب لله سبحانه وتعالى ولذلك قال
(وَجَاهِدُوا فِي ‏سَبِيلِهِ)
جهاد بالكلمة جهاد بالتوعية جهاد بالفعل، كل الأشكال المختلفة المهم أن تسهم في إيقاف الفساد المهم أن لا تقف موقفًا ‏سلبًيا المهم أن لا تعتقد ولو في قرارة نفسك أن الحياد أو الموقف الحيادي هو موقف إيجابي، لا عليك ان لا تقف ولا تأخذ موقف الحياد عليك أن تنكر المنكر وأن تعرف المعروف، أنكر المنكر، إنكارك للمنكر مساهمة في إيقافه مساهمة في ‏وقفه عند حده ولكن الصمت والسكوت انما هو بطريقة أو بأخرى إسهام في نشر ذلك المنكر والفساد وهو بلاء أصيبت به البشرية في عصرنا الحاضر بلاء بشع ستعاني منه وتعاني منه هي اليوم الكثير من ‏الأمراض والويلات

ولذلك ربي سبحانه وتعالى جاء في الآية وتدبروا معي الترابط

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي ‏الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

علينا أن نجاهد في سبيل الحفاظ على ذلك العقد والحفاظ على النفس البشرية ووقف الفساد ‏بكل ما أوتينا من قوة بالكلمة وبالمال وبكل الأشكال، أن نبذل الكثير وأن نبذل كل ما نستطيع أن نبذل لإيقاف الفساد في ‏الأرض

فاليوم يقبل منك القليل وغدا يوم القيامة لا يقبل من الإنسان ولو كان له ما في ‏الأرض جميعا ، زمن ‏الاختبار والابتلاء انتهى وهذا الربط الواضح بين الدنيا والأخرة مباشرة يوم القيامة القرآن يبين لنا هنا وواضح هذا ‏المعنى، مستفاد منه أن عملية ووقت وزمن الاختبار في الدنيا زمن محدود، ابذل ما تستطيع قبل ان يفوت ‏الأوان لتوقف الفساد والمفسدين.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:29 PM
حرمة مال المسلم

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/165.jpg (http://up09.s-oman.net/51zkVKds.jpg)

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ)

من النقاط التي تذكر
لماذا قطع الأيدي؟!

سارق ‏سرق مبلغا بسيطا ربع دينار أو شيء بسيط تقطع اليد، القرآن في تشريعاته والحدود التي يفرضها لا ينظر الى حجم ‏الفعل أو حجم الفاسد ينظر الى ما يترتب عليك، قلنا قبل قليل (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ ‏جَمِيعًا) هو قتل نفس ولكن لأن الاعتداء على النفس وقع وعلى الروح البشرية الإنسانية، الحياة الانسانية التي هي ‏مكرمة مصانة محرّمة في ذاتها فكأنما قتل كل البشرية، ولكن هو على وجه الحقيقة لم يقتل كل البشر هو قتل واحد، ‏السارق نفس القضية المبلغ ممكن ان يكون بسيط محدود
اذا لماذا تقطه يده أنه سرق هذا المبلغ البسيط؟!

اعتداء على ‏أموال الناس القضية هي قضية الاعتداء نقض العقد، لأن الانسان في عقد مع الله سبحانه وتعالى ان يحافظ على ماله ‏وأموال الآخرين من أن تنتهك، أموال الاخرين لها حرمة كما أنك لا تقبل أن يعتدى على مالك عليك كذلك أن تحافظ في ‏صيانة أموال الناس، أموال الناس محرّمة لا يجوز أن يعتدى عليها فقضية قطع اليد هنا ليس لأجل المبلغ هنا بقدر ما هي ‏قضية الاعتداء على حرمة المال، أموال الناس وأعراض الناس وأنفس الناس مصانة،

ومرة أخرى نقول حين لا تطبق ‏هذه الأشياء يا ترى ما الذي سوف يحدث؟

كل الانسانية تعاني من ويلات الاعتداء على الأموال الان في كل يوم لأن ‏الفساد والمفسدين ما أوقفوا عند حدهم ولم يؤخذ على أيديهم من قبل المجتمع الإنساني، كانت النتيجة أن الإنسانية، كل الانسانية تعاني ‏من جرائم هؤلاء حتى لو كان عددهم بسيط أو محدود، إشكالية خطيرة جدًا.
وأيضًا فتح باب التوبة عند قضية السرقة، التوبة التي تقدمها سورة المائدة هنا توبة ليست فقط توبة لأجل صلاح الفرد توبة شرعت للحفاظ على المجتمع، المجتمع يُسعَد ويتخلص من الآلام حين يكون هناك أصناف من ‏المجرمين التائبين أجرم، أخطأ، تاب، إذن ما المطلوب من المجتمع ؟

المطلوب أن يساعد في إصلاحه ولذلك هناك ‏مؤسسات “إصلاحيات” تعبير جميل جدا لأنه ينبغي أن تكون الاصلاحيات وأن تحاول الاسهام في إصلاح ‏العناصر الفاسدة في المجتمع بكل الطرق، طرق التوعية طرق محاولات التأهيل من جديد إعادة التأهيل النفسي ‏الأخلاقي الديني كل الأشكال، المجتمع بحاجة الى هذه المؤسسات ولذلك قال

(مَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ ‏عليه)

التوبة مطلوبة وهذا تنبيه واضح في سورة المائدة تشريع هذا للمجتمع أن يقيم مؤسسات لأجل إصلاح المفسدين ‏والمجرمين، لإيقاف حدود الشرور فيهم، المجتمع أنت لا تستطيع أن تتأكد أن المجتمع مئة في المئة أصبح صالحًا، لا بد أن ‏يبقى به عناصر فاسدة مفسدة

ما المطلوب من المجتمع؟؟

المطلوب أن يسهم في إصلاح هذه العناصر حتى لا تأتي ‏بالفساد على بقية أفراد المجتمع.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:32 PM
الكذب آفة تهدم المجتمعات

(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) ‏
كيف تكون طهارة القلب؟
بتخليصه من كل أشكال وشوائب الانحرافات والكذب، الازدواجية والنفاق، يؤمن بشيء ‏ويقول شيئا آخر، يدرك أن الحق في جانب معين ولكنه مع ذلك لا يلتزم تجاه ذلك الحق، إشكالية خطيرة جدًا!

تدبروا ‏معي في أوصافهم قال
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)

مرة ثانية والآية تنبه على خطورة الاستماع للكذب، الكذب للأسف الشديد تلك ‏العملة التي باتت عملة رائجة الآن، هي عملة مزيفة، تدبروا معي

سورة المائدة من مقاصدها العظيمة الصدق

(هَذَا يَوْمُ ‏يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)

ليس هناك وفاء بدون صدق، ونحن في عصرنا وزماننا هذا كم من الأكاذيب نسمعها ‏ونمررها ونلتزم بالصمت حيال تلك الأكاذيب؟!

إشكالية خطيرة جدًا جدًا شكل من أشكال الفساد الذي ينبغي أن يوقف، ‏وللأسف الشديد الكذب اليوم ما عاد كلمة فردية يقولها فرد لآخر وانتهى ‏الموضوع، الكذب الآن أصبح على إشكاليات لأنه أصبح عاليما، كذبة واضحة ممكن يقولها إنسان فرد فتنتشر كانتشار ‏النار في الهشيم، انتشار عالمي وسائل تواصل المختلفة وهناك من يسمع، هل من يسمع للكذب كذلك يشارك فيه؟ ‏

الذي يبدو أنه مشارك فيه لأنه بصمته وسكوته عن ذلك الكذب إنما هو يساهم في الترويج له بطريقة أو أخرى، إذن ما ‏المطلوب؟

المطلوب إيقاف الكذب، توضيح الحق، بيان الحق هذا عقد هذا من الالتزامات المختلفة، الالتزامات أمام الله ‏سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه صادقًا مع ربه صادقًا مع الاخرين ناشرًا للصدق مؤيدًا له داعيًا له وبعكسه سيكون ‏الكذب، ونتيجة لترويج تلك العملة الزائفة عملة الكذب أصبحوا أكّالون للسحت الحرام

امانى يسرى محمد
2025-09-17, 09:34 PM
انواع متعددة من اكل السحت



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/61.jpg (https://3.bp.blogspot.com/-b3LQ8B8EaYQ/Vx1IO9Cub7I/AAAAAAAAAn4/vlD9-o3eX-wrHW2VDcsDcdgkB0vMU0NcACLcB/s320/download+%252831%2529.jpg)



غالبية المسلمين إن لم نقل الغالبية العظمى من المسلمين في واقع الأمر لا يمكن أن يفكر على سبيل المثال في تناول لحم ‏الخنزير أو الاقتراب منه مجرد اقتراب، في حين أنه رغم هذا الحرص الشديد الذي ينبغي أن يكون من عدم الاقتراب ‏من الحرام أو لحم الخنزير أو ما شابه إلا أنه لا نجد في نفسه ذات الورع عندما يتعلق الأمر بالحرام المعنوي الأكل المعنوي ‏اكل اموال الناس بالباطل الاختلاس رشوة، ممكن أن يكون أكل اموال اليتامى،

موارد الحرام كثيرة المال الحرام ولكن ‏هذا الورع لا يشبه هذا!


وأحيانا نجد ورعًا شديدًا جدًا في ما يتعلق بالجانب الحسي في الحرص الشديد على تناول الطعام ‏الحلال والتأكد من كل هذا، وهو أمر رائع ينبغي أن نحافظ عليه، يشكّل هوية الانسان المؤمن ولكن في ذات الوقت علينا أن لا ‏يكون لدينا تلك الازدواجية التي حدثتنا سورة المائدة عن بعض أشكالها في جانب الذي أشعر أنه لا يمس أو يؤثر ‏علي بشكل واضح أحرص أشد الحرص على الأكل الحلال، ولكن الجوانب التي يمكن أن يكون لها تأثير على مدخولي ‏المادي لا، ممكن أن لا أوجهها بنفس الطريقة، هذه الازدواجية لا يقبل بها القرآن ولذلك الآيات الوحيدة التي جاءت في ‏الحديث عن هذه القضية

(أكالون للسحت)


عليك أن تحذر من الوقوع في المال الحرام. وربما ‏هناك بعض الأشياء التي قد لا ينتبه إليها بعض الناس،وهي ما يتعلق بساعات العمل

العمل أمانة والانسان حين يتقاضى أجرًا معينًا ماديًا مرتبًا تجاه أيّ عمل ‏من الاعمال في مؤسسة في مدرسة في شركة في عمل في القطاع الخاص في العمل العام لا يفرق الأمر لا يختلف، لا ‏بد أن نراعي جانب الأمانة بمعنى أنت تعطى هذا المال أو الأجر المادي مقابل عمل تقوم به عليك أن تقوم به وفق ما ‏يرضى الله عز وجل وفق ما أمر الله عز وجل من أداء الأمانات والقيام بالحقوق والواجبات، ولا يغرّك أن الاخرين ‏من حولك لا يهتمون ولا يعملون ولا يفعلون ويضيعون الوقت، نحن نحاسب أفرادًا، نحاسب على أعمالنا وتصرفاتنا ‏نحن لا نحاسب على تصرفات الآخرين ولا على سلوكياتهم أنت تحاسب على عملك أنت وهذه إشكالية خطيرة، ‏والبعض منا للأسف الشديد لا ينظر إلى هذا المدخول الدخل الذي يأتي إليه في كل شهر الأجر المادي المرتب مقابل هذا ‏العمل لا ينظر إلى أنه إن لم يقم بالعمل، فالمال فيه شيء على الاقل شبهة من حرام، لا ينظر الى هذه القضية بهذا الشكل أبدًا


القرآن يعلمنا أن نتوخى الحذر الحلال يعلمنا الورع يعلمنا أن نبحث عن اللقمة الحلال فنحصل عليها لنا ولمن نعول. وفي نفس الوقت حتى في صدقاتنا ربي عز وجل لا يقبل إلا الطيب فلماذا أُدخل على نفسي وأسرتي وأولادي وأهلي ‏شبهة من المال الحرام بتصرفات لا ينبغي أن أقوم بها

امانى يسرى محمد
2025-09-21, 10:04 PM
خالف هواك ترشد



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/74.jpg (https://pbs.twimg.com/media/BvW1ORgCMAAMQXz.jpg)
(فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ )
جاء بعض اليهود الى النبي صل الله عليه وسلم ‏في المدينة لكي يحكم بينهم وهم عندهم الأحكام كلها كاملة في التوراة ولكن لماذا جاءوا اليه؟

جاؤوا إليه ليس لأجل أن ‏ينفذوا الأوامر والأحكام، جاؤوا اليه لأجل أن يبحثوا عن الرخص والتسهيلات، شيء أسهل، شيء يوافق أهواء النفوس ‏في بعض الأحيان، وهذا أيضا مدلف خطير يحذرنا منه القرآن في سؤالي عن الحكم الشرعي لأي قضية تعرض لي في ‏حياتي علي أنا أن أتأكد من نفسي من نيتي في الصدق، أسأل عن الحكم لأجل الرخص والأسهل والأيسر أم لأجل ما يقربني الى الله أكثر؟أبحث عن شيء أخرج منه، رخصة لكي أتخلص من الحكم الشرعي أم أبحث عن ما يمكن أن ‏يقربني الى الله سبحانه وتعالى؟

قضية في غاية الأهمية

والمطلوب في كل الأحوال سواء كان مع يهود أو مع غيرهم
(وَإِنْ حَكَمْتَ ‏فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ)
القسط، العدل، الميزان، إعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق فعلًا.

ثم تدبروا معي في قوله عز وجل ‏ليبين ويؤكد لنا حقيقة أن القرآن العظيم لا ينبغي أن ننظر اليه بنظرة تجزيئية نظرة تجزئ تأخذ منه ما يروق لها وتترك ‏منه ما لا يروق لهواها أو ما لا يوافق هواها أو يخالف مزاجها، لا،
(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ

ثُمَّ ‏يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ)
الأحكام موجودة لماذا أعرضوا عنها؟
لأنهم يبحثون في الأحكام عن ما يوافق ‏أهواءهم ويتركون ما يخالفها، مزلق خطير جدًا للأسف كذلك هو موجود في زماننا نبحث عن الأشياء التي تطيب لنا ‏نرتاح إليها أما الاشياء التي تخالف هوانا وتخالف الشيء الذي نريد لا تروق لنا لأي سبب من الأسباب، في ذلك ‏الوقت يكون الأمر مختلف تولّي أو إعراض، هذا أمر خطير!
نفى صفة الإيمان قال
(وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ)
إذن ما الايمان ‏؟
الايمان أن يصبح هواك تبعًا لما جاء به الله ورسوله تدبروا معي الإيمان أن يصبح هواي ومزاجي وفق ما جاء به الله ‏سبحانه وتعالى وليس من قبيل تفسي لأن المشرّع هو الله وليس هوى النفس.

امانى يسرى محمد
2025-09-21, 10:07 PM
الاتجار بالدين فساد في الدنيا وخزي في الآخرة



(فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)


(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ‏ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

ما دخل خشية الناس؟

أعظم عائق يقف بين الإنسان وبين تطبيق منهج الله وشريعته في واقع الحياة الجري وراء أهواء الناس وتلبية رغباتهم وحظوظهم وما يرغبون وما يقولون. ‏

تدبروا إعجاز لفظ القرآني



(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)



هل الآيات تباع وتشترى؟



هي ليست للبيع والشراء

إذن ‏لماذا القرآن يعبر في أكثر من موضع في آياته بهذه اللفظة:

(يشترون بآيات الله ثمنا قليلا)؟ لماذا؟

إلأن الانسان حين يبيع ‏هذه القيم والمبادئ في سبيل عرض من عرض الدنياوالزائلة الفانية إنما هو على وجه الحقيقة يبيع ويشتري، حين ‏يخالف أمرا من أوامر الله عز وجل لإرضاء فلان من الناس أو لإرضاء شخص معين قوي أو ضعيف صاحب ‏منصب أو ليس كذلك رئيس أو مرؤوس أو ما شابه هذا ما نسميه إلا أنه يشتري بآيات الله ثمنا قليلا؟



يرضي الناس ‏ولكنه يسخط الله سبحانه وتعالى، هذا بيع وشراء، الدين لا يُتاجر به، وفي الآية تحذير شديد لأولئك الذين حمِّلوا أمانة ‏تعليم الناس العلماء علماء الدين الأحبار الربانيون علماء الدين في كل الأديان والشرائع وفي هذا الدين الاسلام، من أي ‏شيء لا تبيع وتشتري بأحكام الله سبحانه وتعالى بمعنى آخر لا تشهد إلا بالحق، لكن أن تشهد لأجل أن تحصل على ‏منصب أو مال أو بيت أو تحصل على أي شيء من عروض الدنيا الزائفة هذا شراء وبيع

(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)

‏تدبروا عظمة التناسب في كلمات القران!

الكلام عن الحكم ثم جاء بخشية الناس وجاء بالشراء بآيات الله ثمنًا قليلا لماذا؟


لأن هذين السببين أعظم الاسباب وراء عدم الحكم بما أنزل الله الخوف من الناس والبيع والشراء بآيات الله سبحانه ‏وتعالى المتاجر بها لأجل عروض الدنيا الزائفة الزائلة الفانية التي لا قيمة لها، ما قيمة أن يبيع الانسان دينه حتى لو حيزت ‏له الدنيا بأسرها؟؟ ما قيمة هذا؟ ما قيمة أن يخسر الانسان دينه؟ ما قيمة أن يخسر التزامه أمام الله عز وجل؟!

امانى يسرى محمد
2025-09-23, 09:12 PM
الهــوى آفــةُ النفـــس

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/81.jpg (https://lh3.googleusercontent.com/-BkwUE-WCc48/Vg1UVj_DbMI/AAAAAAABGbo/oVFRlB_kh9k/w333-h503/%25D8%25AA%25D9%2582%25D9%2588 %25D9%2589.gif)
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
لماذا؟
لأن الإيمان عقد ليس كلمة تقال باللسان، إنما ‏تطبيق وتحكيم لأمر الله ومنهجه سواء خالف ما أريد أم لم يخاف سواء جاء وفق ما يرغب ويحبه الناس أو لا يرغبون ‏فيه، أوامر الله وتشريعاته لا تخضع لأهواء وأمزجة الناس، قضية خطيرة جدًا!

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
تأكيد مرة بعد مرة،
ظلمٌ أن يؤمن الانسان ‏بإله مالك الملك له ملك السماوات والأرض ولكنه لا ينفذ ما أمر به هذا الإله الخالق البارئ المصور الرحمن الرحيم لا ‏ينفذ ما يؤمر به في واقعه ويجد له مشرّعًا آخر!!

ولن تكون هناك شريعة أخرى إلا شريعة الهوى ولذلك جاءت الآيات ‏فتدبروا معي (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ‏عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)
تدبروا معي شريعة الهوى،
هما شريعتان:
إما شريعة الله وإما شريعة الهوى

(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ‏شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)
بعض التفاصيل تختلف ما بين أحكام التوراة وما بين الانجيل وما بين القرآن ولكن أصول الشرائع واحدة وهذا القرآن ‏جاء ليهيمن ويحكم وتختم بها الرسالات السماوية. قال
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)

إذن لمَ الاختلاف؟
ليس لأنه هو سبحانه يريد منك أن تختلفوا، لا ؟
ولكن لو ربي أراد ألا يختبركم ويجعل الجميع أمة واحدة
(أن لو يشاء اللّه لهدى ‏الناس جميعا)
ولكن ربي عز وجل أراد أن يسند ويعطي الانسان القدرة على الاختيار ليختبره فيها لأنه لو لم يعطى حرية ‏الاختيار يختبر ويبتلى في أيّ شيء؟!

(وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)

هناك تنافس مذموم وهناك تنافس محمود ‏هنا سباق، سباق بأيّ شيء؟
بالخيرات، فيما آتاكم، بحسب إمكانياتك أنت لا تحاسب إلا على امكانياتك أنت فإذا كانت ‏إمكانياتك محدودة ربي سبحانه وتعالى يحاسبك على قدر هذه الإمكانيات، فربي سبحانه وتعالى لا يحاسب على سبيل ‏المثال الفقير على إنفاقه كما يحاسب المليونير أو الغني الذي يمتلك الاموال الطائله ؟
(فينبئكم بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
ثم تؤكد الآيات مرة ‏اخرى القرآن ليس فيه تكرار القرآن فيه تأكيد قال
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/82.jpg (http://www.up.alhkli.net/kleeja/uploads/1426597828971.png)

شريعة الهوى، اتباع الهوى أخطر شيء على النفوس البشرية، أخطر شيء على الفرد أن يتبع الإنسان شريعة ‏هواه، هوى نفسه! ابن آدم لو أنه ما اتبع هوى نفسه فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين، نفسه سولت له ‏زينت له الباطل حسد غيرة تصور توهم أنه إن أزاح الأخ عن الطريق هذا الأخ الصالح سيتقبل الله منه العمل وسيصبح ‏من بعده صالحًا إلى اخره، نفس القضية التي وقع فيها كذلك إخوة يوسف نفس القضية التي يقع فيها الكثير من الذي ‏يحكم بإزاحة الاخرين من الطريق عوضًا عن التعاون على البر والتقوى؟ من؟
هوى النفس.
أما شريعة الله سبحانه ‏وتعالى والحكم بما أنزل الله فهو يقتضي أن نتعاون جميعًا على البر والتقوى وأن لا نتعاون على الإثم والعدوان، فارق ‏شاسع!!

امانى يسرى محمد
2025-09-23, 09:37 PM
(وَإِنَّ كَثِيرًا ‏مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)
عجيب!
الكثرة

الكثرة لا تعني أبدًا الصحة، الكثرة في القرآن غالبًا ما تأتي في ‏سياق الذم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون فلا تتبع الأكثرية المسألة ليست أكثرية وأقلية، المسلمون في مكة كانوا أقلية ‏والأغلبية كانت لكفار قريش من كان على حق ومن كان على باطل؟ الأكثرية أم الأقلية؟!

إذن المسألة ليست أكثرية وأقلية ‏لا، المسألة ليست عدد، المسألة مسألة المبدأ، المسألة مسألة الحق، والحق لا يُعرف بكثرة من يتبعه ويسير خلفه، الحق ‏يُعرف بنفسه يعرف بقيمه يُعرف بذاته، ولذلك كل الأنبياء ما كان أتباع الانبياء هم الأكثرية، معظم أتباع الرسل ‏والأنبياء كانوا أقلية ما كانوا أكثرية، الملأ كانوا من غير أتباع الأنبياء غالبًا ولكن ذلك لم يغير من واقع أن الحق حق وأن الباطل باطل، لا يتغير ولا يحل واحدًا منهما مكان الاخر بكثرة أو قلة، الأتباع، قضية خطيرة جدا لأننا ‏وللأسف الشديد في كثير من الأحيان في مجتمعاتنا ننساق وراء أغلبية الناس.


لذلك النبي صلّ الله عليه وسلم يحذر أن ‏الانسان لا ينبغي أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن وان اساؤوا اساء لأنه يمشي وراء الناس، القران لا يريد من ‏الإنسان المؤمن أن يمشي وراء الناس يريد إنسانا يمشي أمام الناس.

القرآن أعظم كتاب يصنع الانسان القيادي ‏والانسان القيادي هو من أبرز صفاته ذلك الإنسان لا يسير وراء أهواء الناس ولا وراء ما يقولون ولا وراء ما ‏يرغبون لأنه لديه ميزان دقيق ميزان ما أنزل الله سبحانه وتعالى، ماذا يريد الله منا؟


ما الذي يرضي ربي عز وجل ‏عني وليس الجري وراء ما يرضي الناس ولذلك القرآن العظيم اعتبر ذلك حكم جاهلية

(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ ‏مِنَ اللَّهِ حُكْمًا)
ولكن لمن؟؟
( لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/83.jpg (http://data.whicdn.com/images/112729398/large.jpg)

تحولت قضية الإيمان في قلوبهم إلى يقين يعيشونه ويرونه ويشعرون به حكم ‏الجاهلية لماذا الكلام عن الجاهلية؟
الجاهلية كانت تحركهم أهواؤهم،
عدد الناس الكثرة بينما القرآن أيضا في سورة ‏البقرة قال
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)

المسألة ليست الكثرة والقلة المسألة هي مسألة القضية التي لأجلها ‏يقوم القلة أو الكثرة ولذلك ربي عز وجل في آيات أخرى قال
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)
قضية ‏خطيرة قضية الكثرة والقلة

لماذا جاء ذكرها بالذات في هذا السياق في سياق الحديث عن الحكم؟

لأننا في كثير من الأحيان ننجر ‏وننساق وراء الأكثرية ونتأثر يقولها كذلك نتأثر بما يقول الآخرون وأحيانًا نتعرض لإشكالية وتحدي خطير في أنفسنا ‏قد يصل بنا الى حد تغيير المبادئ والقيم والقناعات لأجل إرضاء الأكثرية وإرضاء الناس، لا تكن إمعة! إذن ماذا يكون ‏الإنسان؟
يكون نفسه تلك النفس المؤمنة التي لا يضرها من ضل إذا كانت هي على حق وهداية
:::::

استعلاء المؤمن على أهل الباطل

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ‏اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

قضية الولاية هنا لغير الله ورسوله نوع من أنواع الارتداد والتراجع عن الدين ‏والإيمان وعقد الميثاق، العقد عقد الإيمان وميثاق الإيمان مع الله سبحانه وتعالى، وأعطانا مواصفات لأولئك القوم في حال حدوث عملية الاستبدال هذا فيها وعيد، وعيد واضح جداً لكل أولئك الذين لا يسيرون وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى ‏في منهجهم وفي حكمه وفي تشريعاته.

(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)
والله سبحانه وتعالى لا يعطي ولا يقدم لنا في أي سورة ولا في أي موضع من مواضع الحياة التي تتحدث عن قضية الذل في ‏القرآن، لا يعطينا أي شيء من الإيجابية لهذه الصفة إلا في مواضع محصورة:‏
الموضع الأول في التعامل مع الوالدين: حين قال:
(وَاخْفِضْ لهما جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)

عند الوالدين لا بأس للإنسان ‏المؤمن أن يكون ذليلاً بين يديهم، بين يدي الوالدين.

ثم بعد ذلك في التعامل مع المؤمنين هو وصفهم فقال:
(أَذِلَّةٍ عَلَى ‏المؤمنين)

الذل ليس بمعناه السلبي، وإنما بمعنى التذلل بمعنى الليونة في التعامل، بمعنى اليسر والتسامح في التعامل معهم ‏إلى الحد الذي يُشعر الإنسان الآخر أو الطرف الآخر بهذه الصفة.‏
أما في التعامل مع الكافرين فالموقف مختلف،
لماذا أعزة على الكافرين؟
لأن المطلوب من المؤمن ألا يُظهر لهم أي نوع من ‏أنواع التخاذل أو التواضع أو شيء من أنواع التذلل معهم الذي قد يوهمهم بأن هذا الطرف طرف المؤمن في ضعف. ‏المؤمن حتى إذا كان طبيعة الظروف المحيطة به تفرض عليه شيئا من الضعف فهو لا يظهر هذا الضعف ولا يبديه أبداً؛ لأنه ‏في قرارة نفسه مؤمن بأنه يستمد قوته من الله سبحانه وتعالى، ولذلك أيضاً وصف هؤلاء القوم فقال:
(يُجَاهِدُونَ فِي ‏سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)
على العكس تماماً من أولئك الذين يخافون لومة لائم.

أولئك الذين يوالون لغير الله، ويدخلون في الولاءات حسب ‏مصالحهم العاجلة، لماذا؟
لأنهم يخافون من هذا وذاك يخافون من الشرق ويخافون من الغرب، يخافون من اللوم ويخافون من ‏كل شيء؛ لأنهم ما عادوا يدركون أن أعظم خوف يجب أن ينصرف هو الخوف من الله سبحانه وتعالى. والإنسان إذا خاف الله عز وجل ربي عز وجل أخاف منه كل شيء، ولكنه إذا خاف من كل شيء، أخافه الله سبحانه ‏وتعالى من كل شيء؛ لأنه لم يخف الله سبحانه، توهم وجود نفع أو ضر من قبل أحد من البشر.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-24, 08:40 PM
دور العلماء والدعاة في محاربة الفساد

(وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
(لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

الأحبار والربانيون هنا تشكل فئة العقلاء والحكماء والعلماء الذين وصفتهم آيات أخرى قبل ذلك بما استحفظوا من كتاب الله، على اطلاع ومعرفة حقيقية بالدين وبالكتب السماوية استحفظوا من كتاب الله، ومدركين لهذه التعاليم والتشريعات، هؤلاء لا بد أن يكون لهم موقف من الفساد والمفسدين، لا بد أن ينهوا عن الفساد في الأرض، لا بد من النهي عن الفساد ‏في الأرض، ولكن أن يقفوا صامتين أمام وإزاء كل هذا الفساد الذي يحدث فالقضية لن تقف أبداً عند حد!

ولذلك كان ‏من الواجب على أولئك العقلاء والربانيون والأحبار والعلماء والرهبان أن يكون لهم موقف واضح إزاء ما حدث من سخرية ومن استهزاء ومن تطاول على شخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنا لا أتكلم هنا عن أفراد، أنا أتكلم عن تجمعات، تحالفات، يكون لها صوت قوي مسموع،
ولذلك قال في نهاية الآية الأولى قال:
(لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
والثانية
(لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
الفساد بكل أشكاله حين لا يجد من يوقفه سيصبح صنعة عند البشر وفي المجتمعات ‏الإنسانية الناس تعتاد عليه، وهذا هو الفرق بين شيء يصنع، وبين عمل، العمل يعمله الإنسان مرة مرتين كذا مرة، ولكن ‏حين يصبح هذا الشيء صنعة له فهو أصبح مهنة، أصبح يزاوله ويزاوله ويديم المزاولة إلى أن أصبحت صنعة له

تدبروا معي هذا الربط العظيم هذه كل الآيات كأنها تحكي عن الواقع الذي نعيش فيه، وهكذا القرآن. القرآن يعالج واقعًا إنسانيًا، واقعاً إنسانياً غير متوقف على زمن معين غير مرتبط بزمن معين، لماذا ربي عز وجل حدثنا هنا عن قضية ‏اليهود والنصارى؟
لأن القضية ليست قضية مرتبطة بزمن، ومعظم التعاملات نستطيع أن نقول كلها اليوم نحن في تعاملاتنا ‏وفي تعاملاتنا الخارجية والعلاقات الخارجية علاقات الدول والأفراد الخارجية هي مع من؟ هي مع هؤلاء القوم، صحيح ‏القضية لم تعد قضية أو هكذا يظهر أن القضية لا تتعلق بأشياء دينية ولكن القرآن حدد لك الإطار العام الذي يتم التعامل ‏فيه ومن خلاله حتى يكون الإنسان والمجتمعات مدركة لواقع هذا التعامل، ولا تتعامل مع هؤلاء القوم، ومع الآخرين من ‏زاوية أو من ناحية الشعور بالضعف، والاستجداء منهم، الأمر الذي يولد عشرات التنازلات حتى عن القيم والمبادئ والدين الذي تؤمن به، إشكالية في غاية الخطورة! والإنسان حين لا يدافع حتى عن الدين الذي يؤمن هو به، ماذا بقي له؟! ‏ماذا بقي له؟!

للأسف الشديد خسرنا كثيراً حين سمحنا للآخرين بطريقة أو بأخرى من خلال ضعفنا ومن خلال عجزنا من ‏خلال تنازلاتنا، خسرنا إنما لم نعالج قضية عدم احترام الآخرين لقيمنا ومبادئنا وديننا، خسرنا ولا زلنا نخسر، لأن هذه ‏القضية جوهرية تماماً.


أهم أسباب وعوامل حدوث الانهيار
والتدهور في الحالة الاقتصادية للبشر

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَا هُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا ‏التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا ‏يَعْمَلُونَ)
تدبروا معي!
أعظم أسباب وعوامل الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والمجتمعي، والأخلاقي في كل المجتمعات: إقامة ‏منهج الله سبحانه وتعالى(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) لو أنهم أقاموا، طبّقوا، نفّذوا، ساروا على المنهج الذي جاء في هذه الكتب، الكتب السماوية، لكانت تغيرت النتيجة.‏

فاليوم نحن لدينا بمفهوم المخالفة هنا أن كثيرًا من الناس لا يجدون ما يأكلون، ناهيك عن أن يأكلوا ‏من فوقهم أو من تحت أرجلهم. الآيات تتحدث عن رخاء اقتصادي، عن غنى، وفرة في الأموال، في المكاسب، في المطاعم، في ‏المصادر، المصادر بكل أشكالها، مصادر الثروة. ما نجده في عصرنا وفي زماننا اليوم الشكوى المتواصلة من الكوارث ‏الاقتصادية، ومن المجاعات، ومن قضية التقشف، معظم الدول العالم اليوم ومن نزول في قضايا الثروات، ومصادر الدخل، ‏واضح جداً هذا، السؤال:
يا ترى لماذا حدثت هذه النتيجة؟

بمفهوم المخالفة: أن واحدًا من أهم أسباب وعوامل حدوث ‏هذا الانهيار والتدهور في الحالة الاقتصادية للبشر، وهو عدم اتباع منهج الله عز وجل، وممكن أن نوضح هذا، كيف؟ أعظم رسالة وقيمة في إقامة منهج الله سبحانه وتعالى التي جاءت في التوراة، جاءت في الإنجيل، جاءت في القرآن: النهي عن ‏الفساد وإيقاف المفسدين في الأرض. ولو تدبرنا في معظم ما نعاني منه من حالات اقتصادية لوجدنا أن السبب الرئيس في حالات التدهور في اقتصاد دول هو الفساد، مستويات الفساد لدينا في كثير من مجتمعاتنا عالية! فساد بكل أشكاله، شخص أو مجموعة أفراد يسيطرون على ممتلكات دول، وينهبون أموالها، هذا الفساد، أو مؤسسات تنهب هذه الأموال، وتبقى هذه المؤسسة والدولة والمجتمع يعاني من أشد الأمراض فتكاً من فقر، ومن تدني في التعليم، من كل الأمراض! والرسالة ‏الجامعة بين كل قيم الأنبياء والرسالات السماوية لو أردنا فعلاً أن نلخصها في كلمات
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ ‏إِصْلَاحِهَا)
ولا ننسى أن في القضية في سورة البقرة ربي عز وجل على لسان الملائكة حين قالت:
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ‏وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)
عن الإنسانية ذكروا الفساد.

فالرسالات والرسل جاءوا بالنهي عن الفساد بكل أشكاله، فساد في ‏الدين، وفساد في المال، وفساد في الأخلاق، وفساد في القيم، ومشكلة العالم اليوم ليس قضية قلة الموارد أو مصادر ‏الدخل، أو أن الأرض ما عاد فيها أقوات تكفي لهذه الجموع من البشر كما يتوهم البعض، أو يحاول الترويج له، لا، وإنما ‏الإشكالية الخطيرة إذا استطعنا فعلاً ونريد أن نلخصها في كلمات: (قضية الفساد والمفسدين) أن هناك مجموعات من ‏المفسدين استولوا على تلك الثروات، ثروات البشرية وأهدروها، فكانت النتيجة ما نراه!

هل فعلاً محاصرة الفساد ‏وإقامة ما أنزل الله في واقع الحياة يحقق رخاءً اقتصاديًا؟ قطعاً. لماذا؟
لأن إقامة منهج الله سبحانه وتعالى هو أنجع طريق لمحاصرة ‏الفساد والمفسدين، وإذا قضيت على الفساد والمفسدين، أصبحت في غنى حقيقي، رخاء حقيقي، وهذه هي الرسالة التي أعطانا ‏إياها القرآن.

الدين النصيحة

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.massesvoice.com/images_lib/images/7_1460665355_1348.jpg&key=b147173c0425e315b9c3c12f10 5855b57a7ac8186c580624fb12f5bd fbeb85fd (http://www.massesvoice.com/images_lib/images/7_1460665355_1348.jpg)

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ‏لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)

لعن الذين كفروا على لسان كل الأنبياء، عصيان تمرد، ‏اعتداء
(كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
تدبروا في قضية محورية النهي عن المنكر والفساد. إشكالية خطيرة في مجتمعاتنا الآن بدأت تظهر أن الناس أصبح أيّ ‏واحد منهم حتى في الأسرة الواحدة يرى الخطأ يرى المنكر من أخيه، من أمه، من أبيه، من ابنه، من ابنته، من ابن أخيه، ويقول ‏لك: لا لا لا، لا أريد أن أتدخل هذه حرية شخصية

(لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
نهيك عن المنكر لا يعني أنك تتدخل في ‏حريات الآخرين، لا يعني أنك تقوم بالوصاية عليهم، لا يعني أبداً هذه المعاني، ولكن هو يعني بالفعل أنك إنسان تهتم لأمر ‏الآخرين، تقوم بالواجب الذي يفرضه عليك، عشرات الأمور من العلاقات الإنسانية فيما بينك وبين هؤلاء من الروابط ‏رابطة الإنسانية، رابطة الدم، رابطة القرابة، عشرات الروابط التي تربط بيننا كبشر، كيف نتغافل عن كل هذه الروابط؟! ويهيأ ‏لنا بأن القضية قضية حرية شخصية ولا أتدخل في الآخرين؟! كيف أنت اليوم أنا أتساءل دعونا نضعها في هذا المثال: لو أنك ‏رأيت بيتاً يحترق حريقًا حسيًا حقيقيًا، ورأيت في داخله أشخاصًا كبار وصغار ونساء ورجال، بالله عليك أتتركهم يحترقون؟! أم تسارع لإنقاذهم ونجدتهم؟ الحقيقة أن الطبيعة الإنسانية تفرض عليك أن تفعل كل ما بوسعك لأجل إنقاذهم أليس كذلك؟! البعد عن منهج الله عز وجل، أليس هو نوع من أنواع الاحتراق المعنوي؟! أكل المال الحرام على سبيل ‏المثال، أليس هذا نوع من أنواع الاحتراق؟! الجسد الذي يغذّى بالسحت وبالحرام، أليست النار أولى به؟! فأنت المطلوب ‏منك كإنسان أن تبادر لإنقاذ هؤلاء بالحكمة والموعظة الحسنة والطريقة الجيدة، نعم، ولكن قطعاً لا تتركهم هكذا هذا الشيء منطقي، فلماذا يغيب عنا العقل والمنطق ونحن نواجه المنكر والفساد؟! لماذا؟! هل أحد يلومك إذا أنت قمت بمحاولة إنقاذ هؤلاء من الحريق، أو من الغرق؟! لا، فلماذا إذاً أنت تتوهم أن هناك من يمكن أن يوجه إليك اللوم لو أنك نهيت عن منكر، ‏أو أوقفت فساداً، أو أمرت بخيرٍ أو إصلاح بين الناس لماذا؟! لماذا هذا التناقض لماذا؟!


ولذلك ربي عز وجل قال
(كَانُوا لَا ‏يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
وروي في بعض الآثار أنهم كانوا ممكن ينهون في بعض الأحوال، ولكنهم يجالسونهم ويمشون معهم وكأن الأمر طبيعي الإشكالية خطيرة جداً إذا ظهرت في الأسرة، إذا ظهرت في المجتمع قامت بتدميره من جذوره!!


احذروا كثرة الحلف

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://c1.staticflickr.com/8/7567/15837156388_8b5dcec3dd_z.jpg&key=9d5e0cb48dac56c331a4169b49 f0e9adcad8a5c7130f3e4adcf06fab 720d9a21 (https://c1.staticflickr.com/8/7567/15837156388_8b5dcec3dd_z.jpg)

القرآن في سورة المائدة يعرض لنا أشكالاً متنوعة في قضايا التشريع، قضايا تعرض للإنسان في واقعه، فكما أن القضايا في ‏التشريع متعلقة بالطعام والشراب وما شابه، هي كذلك متعلقة بالكلمات بما يتفوه به الإنسان، فبعض الأشخاص قد ‏يأخذ قضية الحلف والأيمان وما شابه وسيلة يحرّم بها أشياء معينة على نفسه، وهذا يعتمد إلى حد كبير على ‏طبيعة البيئة التي يعيش فيها الإنسان، ونحن نرى في بعض المجتمعات الناس يحلفون على بعضهم البعض لأجل دعوة على ‏طعام أو عشاء أو ما شابه، أو تناول صنف معين من أصناف الطعام، هذا ما عبّر عنه القرآن باللغو في أيمانكم، هو لا ‏يقصد به الحلف في ذاته، ولكن هو الذي يقصد به في واقع الأمر مجرد عملية زيادة في التأكيد على شيء معين، ولذلك ربي ‏سبحانه قال
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ)
لماذا؟

لأن القضية قضية التزام هنا وربي سبحانه وتعالى حتى في هذه الآية أوصانا بأي شيء؟
قال: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)
كل شيء في هذا الدين العظيم، يقوم على مبدأ الحفظ، يقوم على مبدأ التنبؤ واليقظة، لا شيء في هذا الدين من تشريع يأتي هكذا عفوياً بدون معنى، تصبح في ‏ظل هذه التشريعات أقوال الإنسان، ألفاظه، أفعاله، حتى النية لا بد أن يكون لها موقع لا بد أن يكون لها أهمية واضحة
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

ثم تدبروا معي!! في ذاك التناسب الرائع العجيب الذي جاء موقعه بعده في الآية التي تليها في مسألة تحريم الخمر تحريماً قطعياً، ربي سبحانه في الآية التي قبل قال:
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)
الألفاظ التي يتلفظ بها الإنسان عليه أن يراقبها تماماً، وبالتالي لا يستعمل كلمة الحلف كما جاء ويأتي في كثير من مجتمعاتنا وبيوتنا الناس يحلفون كثيراً، ولكن ليس هم حين يحلفون هم ‏يريدون فعلاً قضية الحلف، وإنما هم فقط هكذا درجت أصبحت كلمة دارجة على الألسنة، ما المطلوب؟ المطلوب أن يتيقظ ‏الإنسان وأن ينتبه لما يقول، وأن يصحح من لسانه، وأن يضبط عملية التفوه بتلك الكلمات التي يقولها

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 03:55 PM
الخمر حرام بنص القرآن

الآية التي جاءت في تحريم الخمر تحريماً قطعياً لأننا كما نعلم الخمر حرمت على مراحل، بتدرج قال:
(يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

الرب الذي أمرك بأن تحفظ الأيمان، وأن تحافظ على الكلمات التي تتفوه بها، هو الرب الذي يأمرك أن تحافظ على أعظم ‏نعمة أعطاها لذلك المخلوق، لذلك الإنسان، النعمة التي هي مناط التكفير، النعمة التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك تكليف ‏في واقع الأمر(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)

وبدأ بالخمر، ولماذا الخمر؟

الخمر فيه اعتداء واضح ‏على نعمة العقل، أعظم اعتداء فيها اعتداء على نعمة العقل، نعمة العقل التي بها كُرِّم الإنسان، وبها خوطب في مجال التحريم ‏والتحليل والتشريع، المجنون لا يخاطب بالتشريع، فاقد العقل لا يخاطب بالتكليف وبالت،شريع الذي يخاطَب هو الإنسان ‏العاقل، فكيف لذلك الإنسان أن يأتي إلى الخمر طواعية لتفقده أعظم ما كرّمه الله به ألا وهو العقل؟!

الخمر، والميسر، ‏والأنصاب، والأزلام وربي عز وجل في هذه الآية جمع لنا كل ما يعرف في واقع الأمر من الحفاظ على الضروريات أو ‏مقاصد الشريعة حفاظ على الدين، حفاظ على العرض، الحفاظ على العقل، الحفاظ على المال، الحفاظ على النفس، هذه ‏الآفات الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام هي التي تهدر هذه الضروريات التي لا تستقيم حياة البشر أبداً دون الحفاظ ‏عليها، تدبروا معي!

ولذلك قال
(رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
نحن تكلمنا وقلنا أن سورة المائدة تتحدث عن العقود، وهذه الممارسات التي لم تعد ممارسات فردية، بل هي تنسحب على ‏كل طبقات المجتمع: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، ممارسات اجتماعية ليست فقط فردية، ممارسات يتأثر بها الفرد، ‏وتتأثر بها الأسرة، ويتأثر بها المجتمع بأسرة، فكان لا بد من الحفاظ عليها، ولا يمكن أن يكون هناك حديث عن وفاء بعقود أو ‏التزامات بوجود هذه الآفات الاجتماعية التي أمر القرآن العظيم في هذه الآية باجتنابها، وجعل اجتناب هذه المحرّمات ‏مفتاح الفلاح والنجاة والفوز ليس فقط في الآخرة، وإنما في الدنيا الكلام هنا عن الجزاء الدنيوي. وتدبروا معي في الآية ‏التي تليها

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)
آفات اجتماعية تترتب عليها ‏عشرات الممارسات التي تهدم المجتمع، وتهدم الكيان الأسري: العداوة والبغضاء، وقلنا في موقع آخر وقد ذكرت في سورة ‏المائدة قبل ذلك العداوة فيها اعتداء فيها فعل، فيها قول، البغضاء: هو شعور سلبي شعور بالكراهية، ولكن شعور ‏الكراهية إذا تولدت عنه اعتداءات على حقوق الآخرين نتيجة لذلك الشعور أصبح عداوة، أصبح عدوانًا، والله لا يحب ‏المعتدين.‏

إذاً هذه الآفات السيئة: الخمر، والميسر، القمار بكل أشكاله وصوره، لأن الميسر في الجاهلية كان له شكل معين، ممارسة اعتاد ‏عليها رواد النوادي في الجاهلية، ولكن في واقع الأمر في أيامنا هذه اتخذ أشكالاً مختلفة، متنوعة جداً متعددة، ولكن كل ‏هذه الأشكال تقوم على مبدأ الغشّ، والتدليس، وأخذ أموال الناس وتداول تلك الأموال بالباطل، ‏ربي عز وجل جعل لتداول المال بين الناس قنوات مشروعة، وهذه القنوات لا بد أن تكون من التشريع مباحة، حتى تصبح ‏عملية التداول المالي مشروعة، الميسر فيه تداول مالي، وكذلك الخمر في البيع والشراء والتعاطي، ولكن هذه القنوات ‏قنوات جففها القرآن العظيم، وأمرنا بأن لا نقوم بعملية التداول من خلالها، وذكر بعض وأهم الأسباب الكامنة وراء ذلك ‏التحريم: عداوة، وبغضاء وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟ سبل العداوة فعلاً تنفتح من خلال هذه الوسائل غير المشروعة.

التحليل والتحريم حق خالص لله تعالى

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/112.jpg (https://c1.staticflickr.com/8/7421/10498131026_a2e94b7618_z.jpg)


(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ ‏اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

وتدبروا معي!! تقوى وإيمان، تقوى وإيمان وعمل صالح، تقوى وإيمان، تقوى وإحسان، الإيمان درجات، الإيمان يزيد ‏وينقص، يزيد على قدر مراقبة الإنسان وحرصه الشديد على الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقعه، كلما ‏كان الإنسان أكثر التزامًا ورغبة من الداخل ونية صادقة في اتباع أمر الله سبحانه وتعالى في حياته في كل الجزئيات، كلما ‏ترقى في مرتبة التقوى والإحسان، الإيمان يزيد بالطاعة، كما أنه ينقص بالمعصية ومخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.‏

ثم إننا في هذه الدنيا نمر بعشرات الابتلاءات، نمر بعشرات الاختبارات والامتحانات وفي بعض الأحيان الاختبارات تكون ‏متعلقة في ذلك الجانب التشريعي فعلاً:

هل تمتد يدي إلى الحرام؟ أم أتوقف ولا أتجاوز الحلال إلى الحرام أبداً؟

(يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُ مُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ ‏عَذَابٌ أَلِيمٌ)
الصيد ممكن أن يكون الشيء في أصله مباحًا، ولكن هناك توقيت زمني معين يحرّم ذلك الشيء عليك، أو ‏أحياناً توقيت مكاني، كما في القضايا المتعلقة بالحج وعملية الصيد، أو كما هي متعلقة في رمضان الطعام مباح، ربي أباحه في ‏كل وقت، ولكنه تحديداً في رمضان في نهار رمضان حرم على الإنسان أن يتناول ذلك المباح، فيصبح المباح محرماً توقيت ‏زمني، لماذا؟ قضية امتحان، قضية اختبار، رغم علم الله سبحانه وتعالى من يخافه بالغيب، ولكن كما ذكرنا في مرات سابقة ربي عز وجل أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا، وليس بعلمه سبحانه، وهذا من تمام عدله سبحانه، ومن تمام حكمته عز وجل.

ثم تتوالى الآيات بعد ذلك تحدثنا عن المباح وعن الحرام
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ)
وفي نفس ‏الوقت
(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)
تدبروا في تلك الصورتين المتقابلتين في آية واحدة:
صيد البحر وطعامه هذا أحلّ لكم، ولكن صيد البر ما دمتم حرماً حُرّم عليكم.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
هنا ربي عز وجل يبتلينا بقضية الوقوف والحزم في الوقوف عند أوامر الله سبحانه وتعالى، تحديداً في كل الأشياء وخاصة فيما يتعلق بقضية التشريعات.

هناك أشياء جعل الله سبحانه وتعالى مساحة لها ليدرك الإنسان الحكمة في التشريع، ممكن، ولكن كذلك هناك مساحة أخرى ‏في جانب التشريع لا يدرك الإنسان الحكمة من قضية التحريم أو التحليل، ليس كل شيء في الدنيا حُرّم أو أبيح لنا، ممكن ‏أن ندرك فيه الحكمة من التشريع، وليس مطلوب من عندي في قضية التعبد لله سبحانه وتعالى والتزام شرعه أن أدرك كل ‏الحكمة أو أجزاء من الحكمة في التشريع، لا، لأن المطلوب أن يكون لدي رصيد قوي وعالي من الإيمان والتقوى، يمكنني من ‏اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى سواء ظهرت لي الحكمة أم لم تظهر،

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:04 PM
تعظيم شعائر الله في الحج

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/113.jpg (https://modo3.com/thumbs/fit630x300/5452/1436430548/%D8%B8%CB%86%D8%B8%E2%80%A6%D8 %B8%E2%80%A0_%D8%B8%D9%B9%D8%B 7%C2%B9%D8%B7%C2%B8%D8%B8%E2%8 0%A6_%D8%B7%C2%B4%D8%B7%C2%B9% D8%B7%C2%A7%D8%B7%C2%A6%D8%B7% C2%B1_%D8%B7%C2%A7%D8%B8%E2%80 %9E%D8%B8%E2%80%9E%D8%B8%E2%80 %A1.jpg)

(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

قيام تقوم به حياتهم، دنياهم، دينهم، ولماذا هذا المكان بالذات؟

ما خصوصية هذا المكان؟

ربي عز وجل في سورة الحج قال

(;وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)

رسالة التوحيد، ولا يقوم معاش الناس ولا حياتهم ولا دينهم ولا دنياهم إلا بالتوحيد. تدبروا معي في هذه اللفتة المناسبة العظيمة: الذهاب إلى الحج، أو إلى العمرة، أو زيارة الكعبة تجديد لمعاني التوحيد في قلب ‏الإنسان المؤمن، ولا تقوم حياة الناس إلا بالتوحيد وتجديده وتصفيته وتنقيته. رسالة التوحيد

(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

لأن هذه الرحلة بكل شعائرها وتعظيم شعائرها وبكل ‏وقوف الإنسان عند كل جزئية فيها من تحريم الصيد، من الأشياء التي جاءت فيها، من تعظيم شعائر الله في الزمان في المكان، ‏تجديد وتنقية وتصفية للتوحيد الذي لا تستقيم حياة الناس إلا به.

وبالتالي هذا المكان، وهذه الشعيرة وهذا الالتزام هو ‏الذي يذكرنا بهذه التصفية العظيمة للتوحيد. وتدبروا معي في الكلمة! قال:

(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

لكل الناس الآية هنا. كيف يكون هذا القيام؟

‏كيف يصبح ذلك المكان فعلاً مكانًا يصلح به الأمور المختلفة أمور الناس في دنياهم وفي آخرتهم، وفي دينهم، كيف؟

ربي عز ‏وجل من خلال قضايا متعلقة بالتشريعات بهذا المكان مكاناً وزماناً أراد من هذه الأمة أن توفّي بذلك العقد والميثاق فتجعل ‏الشعائر والعبادات المتعلقة إقامتها بهذا المكان، بهذا البيت، مصدراً لتبليغ رسالة القرآن للعالم كله، فإذا ما نظر الناس إلى مكة ‏إلى الكعبة البيت الحرام وجدوا كأنها صورة واقعية لشعائر الإسلام وشعائر الدين، بمعنى آخر إذا أراد إنسان أن يتعرف ‏على الإسلام كدين، وأن ينظر إلى شعائر هذا الدين، فما عليه إلا أن ينظر إلى الكعبة البيت الحرام ليرى كل الشعائر ‏متحققة فيه بشكل عملي.

الإنسان بطبيعته جُبِل على أن ينظر إلى مثال إلى شيء واقعي، شيء حسي، شيء يلمسه، وربي ‏سبحانه وتعالى في كل السورة وفي سور أخرى قال:

(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
فتعظيم الشعائر الذي عمل قلبي يبدأ بالتقوى، لا بد أن يكون له رصيد في الواقع. وبالتالي أريد لهذه الأمة التي أُمرت ‏بالالتزام بأوامر الله إيجاباً ونهياً، زماناً ومكاناً، أن تُظهر تعظيم الشعائر في ذلك المكان كأعظم ما تُظهره حتى تصبح فعلاً الكعبة ‏بمجرد أن ينظر إليها أيّ إنسان وإلى ما يدور حولها، يتعرف إلى طبيعة هذه الدعوة، يرى مدى احترام وإيمان المسلمين ‏بشعائر هذا الدين وتطبيقهم له.

وهنا لفتة عظيمة جداً للأسف الشديد نجد أن بعض المسلمين اليوم يعتقدون أو يتوهمون، ‏بعضاً منهم يتساهل في الموضوع، ويتصور أن تعظيم شعائر البيت هذا البيت الحرام تنحصر في قضية متعلقة بقصّ الشعر أو ‏قتل الصيد أو ما شابه القضايا المتعلقة التي نصّ عليها القرآن وجاءت في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتناولها ‏الفقهاء قديماً وحديثاً، ولكن المسألة أعظم وأعمق وأكبر، الحج هو في حد ذاته في واقع الأمر أريد له أن يكون رسالة سنوية ‏عالمية تقدم للعالم أنموذجاً حياً لتعاليم الإسلام،

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:06 PM
لا يستوي الخبيث ‏والطيب

(قُلْ لَا يَسْتَوِي ‏الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
الآية هنا تعطي قاعدة عظيمة في التعاطي مع الأشياء: لا يستوي الخبيث ‏والطيب، الحرام والحلال ليسوا سواء، البيع ليس كالربا البيع حلال، أحلّ الله البيع وحرّم الربا، الخمر ليس كالماء الخمر ‏حرام والماء مباح، الخبيث ليس كالطيب، الحرام ليس كالحلال، لا،
(وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)
(فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
في القرآن كلما ازداد تعقلاً وتبصراً وإقامة لكل هذه المفاهيم العظيمة، وتفكراً وتدبراً لأن من وظائف العقل التدبر، لا يمكن أن يتدبر إنسان غير عاقل، أو ‏لديه قدرات محدودة عقلية، لا، الإنسان الذي يتفكر ويتبصر ويتدبر هو الإنسان العاقل، والإنسان الذي يترقى في درجات ‏التدبر هو ذلك الذي هو من أصحاب الألباب أو العقول الكبيرة.

(وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)
المال الحلال ليس كالمال ‏الحرام، المال الحرام قد يكون كثيراً، هذا جزء من الابتلاء، الإنسان يحصل على مرتب معين، راتب شهري، مقابل عمل ‏يقوم به، حلال، ولكن قد يأتيه عرض مغري جداً اختلاس رشوة، ما شابه ربا، يزيد أضعاف مضاعفة على ذلك المال، عليه ‏أن يستذكر هذه الآية العظيمة
(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)

لأن الناس تجري وراء ‏الكثرة، المليون ليس كالألف، طبيعي!
ولكنك إذا أدركت أن ذلك المليون بخبثه وبما فيه من دنس سيحرق حياتي، سيدمر ‏حياة أسرتي وعائلتي، ستعف نفسي عنه، وسأرضى حينها بذلك القليل، الألف، وأدرك تماماً أن الله سبحانه وتعالى سيجعل فيه ‏من البركة ما يكفيني ويزيد، أكثر بكثير من هذا الحرام، فلا أحدّث نفسي أبداً بالاقتراب من الحرام، هذا هو الفرق بين ‏الخبيث والطيب. كما أن أي إنسان مسلم الآن ولا نبالغ في ذلك، الآن غالبية إن لم نقل كل المسلمين، لو تضع له في طبق ‏لحم خنزير طهي بأحسن الطرق ووسائل الطهي والطبخ مزيّن بكل الأشكال والأنواع لا يمكن نفسه تحدثه بأن يقترب منه، هناك ستار وحاجز كثيف يمنعه من أن ينظر حتى إليه، نفسه تعافه، لا رائحة ولا طعم ولا لون ولا شكل لماذا؟ نفسه اعتادت على هذا.

ربي سبحانه في سورة المائدة يريد منا أن يقيم ذلك الحاجز القوي السد المنيع بيننا وبين الحرام، ولذلك ‏جاءت لفظة الخبيث هنا، الخبيث هنا بمعنى الحرام. فهذا الحرام الخبيث لا بد أن يقام في نفسي حاجز نفسي الآن عندي أنا ‏كمؤمن تجاه ذلك الخبيث، فمهما كثر لا يمكن أن تحدثني نفسي أن تمتد يدي إليه. وأنا أقول: أن بناء هذا الحاجز النفسي ‏في نفوسنا ونفوس أبنائنا وشبابنا يحتاج إلى زاد من التقوى، يحتاج إلى زاد بنته هذه السورة العظيمة.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:08 PM
وقفة مع آية
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ
إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ‏الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)

في قصة بني إسرائيل في قضية البقرة في سورة ‏البقرة، بنو إسرائيل عُرف عنهم كثرة السؤال، يسألون ما لونها، ما هي، كيف هي؟ أسئلة كثيرة!

كثرة الأسئلة في الدين ‏ليست هي التي تبني ذلك الحاجز الذي أراد القرآن بناءه في نفس الإنسان المؤمن بينه وبين الحرام، كثرة السؤال ليست هي التي تزيد في نصيبك من التقوى، وإنما الوقوف بالضبط عند أمر القرآن الأمر والنهي، تماماً، ولذلك حتى توقيت ‏السؤال ينبغي أن يكون وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى
(وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا)

إذاً الأشياء التي سُكت عنها وسَكت عنها التشريع هو ما سكت عنها نتيجة لعدم معرفة أو إغفال لها، ولا نسيان حاشا لله ‏سبحانه وتعالى!
ولكن هذه المنطقة من عدم إبداء الكلام فيها أو تناولها مقصودة لذاتها، فكثرة السؤال أو التنقيب عن ‏الشيء الذي لا ينبغي السؤال عنه لن يزيد في رصيدك الإيماني ولن يزيد في رصيد التقوى، لأن هناك كثير من الناس يزيد ‏في جانب التنطّع إلى حد التنطّع كثرة السؤال عن التفاصيل والدقائق بشكل بحيث يخرجه فعلاً عن الحكمة من التشريع أو ‏المقصد من ذلك التشريع، ونحن نهينا عن كثرة السؤال وقيل وقال. بنو إسرائيل هم الذين كانت عندهم هذه الإشكالية، فعلينا الحذر والتنبه لهذا، ولكي تحدث عندي هذه القضية قضية ‏الحذر أحتاج أني حين أسأل أتفقد نيتي من السؤال أنا لماذا أسأل؟ من باب التعلم؟ من باب التقرب لله سبحانه وتعالى؟ من ‏باب البحث عن رخصة؟ من باب أي شيء؟ من باب إبداء الرأي وإبداء الأفضيلة أو إبداء أني أنا أعرف؟ أو من أي باب؟
‏لأن الأبواب كثيرة والله سبحانه وتعالى جعل هذا الباب واحدًا قال
(تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ)

القرآن كان ينزل ‏في أوقات محددة معينة، ولكن الآن هو نزل، وهذا هو الترتيب الذي جاء به ونزل به القرآن العظيم كما هو الآن هو هذا ‏الترتيب، كما هو عليه الآن بين أيدينا، فنحتاج أن ندرك هذه الرسالة، وأن نتأدب بأدب القرآن العظيم،
ولذلك قال:
(قَدْ ‏سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ)

الكلام هنا إشارة إلى بني إسرائيل الذين كانوا يكثرون من السؤال، والتفاصيل، ولكن تلك التفاصيل لم تقربهم إلى الله، ‏تلك الأسئلة لم تجعلهم إلى الله أقرب، بل كانوا من الله أبعد.

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:11 PM
نصيحة.. لا تكن إمعة لأحد

(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ‏يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)
تشريع بغير دليل، تحريم، يشقّون أُذن الناقة أو الأنعام ثم يطلقون أنها هذه حرام، يسيّبون الناقة فترة من الزمن، ثم يقولون: لا ‏هي حرمت علينا لا تُركب ولا تؤكل ولا تُذبح ولا، أشياء ما أنزل الله بها من سلطان!!
الذي يملك حق التشريع هو الخالق ‏الذي خلق فقط، ولذلك قال:
(يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)
وتدبروا معي!

في تلك المعالجة القرآنية الرائعة لأكبر عائق يمكن أن يقف بين الإنسان وبين التشريع، وإذا قيل لهم: رغم أن ‏الكلام في سياق الحديث عن الجاهلية، ولكن الكلام حتى وهو في هذا السياق هو نزل إلينا، نزل تحذيراً من الوقوع في هذه ‏الإشكاليات، قال:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ ‏لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

كثير من الناس يتركون أوامر الله عز وجل ومنهج الله سبحانه، وتشريعاته لأنهم اعتادوا على تشريعات ومناهج في البيئات ‏التي نشأوا فيها سواء كانت تلك البيئات بيئات الأسرة، أو بيئات المجتمع وضغوط المجتمع، أو ضغوط الإعلام، أو أي ‏شيء آخر، (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

عليك أن تختبر المنهج الذي تسير وفقه في هذه الحياة، مجرد أن أهلي وعشيرتي وقرابتي أو كل الناس، بعض الناس وخاصة في ‏زماننا يلهثون وراء رأي الأغلبية، يسيرون وراء الأكثرية كما قلنا في لقاء سابق (لا يكن أحدكم إمّعة) الإمعة الذي ‏يتبنى منهج الأكثرية إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساءوا أساء، شيء من التبعية. القرآن يريد أن يصنع إنساناً له استقلالية ‏في ذاته، استقلالية في تفكيره، استقلالية في اختياره للمنهج الذي يسير عليه في حياته، هذه الاستقلالية ليست استقلالية ‏فوضى، وإنما هي استقلالية مبنية على شعوره بالمسؤولية، فهو لأنه يدرك طبيعة المسؤولية حين يختار عليه أن يحسن الاختيار، ‏وما الذي يكون أحسن اختياراً مما يختاره الله سبحانه وتعالى لك وأنزله إليك، ولذلك الآية التي جاءت بعدها تؤكد هذا المعنى، قال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ ‏تَعْمَلُونَ)

كثير من الناس خاصة في زماننا هذا أصبح لديهم قضية الجري وراء قول الأكثرية، ربما يفعل أحياناً شيئاً معيناً ليس لأنه على ‏قناعة فيه، أبداً، ولكن لأنه يرى أن أكثر الناس يقومون به

اختيارك للهدى، لطريق الهدى هذا اختيار ينبغي أن يكون اختيارًا فرديًا، مبنيًا على قناعة تامة، وليس مبنيًا على طريقة ولا ‏على مقياس الأكثرية والأغلبية. وهذه الآية كما فهمها البعض حتى في العصور الأولى: أن لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ‏إذاً أنا لا دخل لي بالناس لا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، إطلاقاً!

لا تعارض بينهما: أنت تقوم بواجبك، تقوم بما أمر الله ‏سبحانه وتعالى من تبيان للحق، المنهج واضح، لأن الآية لا ينبغي أن تقرأ بمعزل عن الآيات الأخرى، التي تحض على الأمر ‏بالمعروف والنهي عن المنكر في نفس السورة التي عابت على بني إسرائيل

(كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا ‏كَانُوا يَفْعَلُونَ)

مطلوب منك تماماً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكن في نفس الوقت عليك أن تدرك أن المسؤولية المباشرة تقع ‏عليك على نفسك

(لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).

وإذا رأيت بعد ذلك أن الناس قد اختاروا من حولك منهجاً آخر، فعليك دائماً أن يكون التركيز والمقياس هو الاختيار ‏الذي أنت اخترت، وليس النظر إلى الناس، مقياس خطير جداً أن تجعل مقياس الصحة لديك في الأمور بحسب ما ينظر إليه ‏الناس، أو من خلال منظار الناس من أخطر الأمراض، من أخطر الأشياء التي لا بد من تداركها.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:16 PM
سنة كتابة الوصية
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/114.jpg (http://www.lovely0smile.com/2009/DSonan/DSonanM2-037.jpg)

ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) سورة المائدة

القرآن يعلمنا كيفية تطبيق أحكامه ‏وتشريعاته من خلال جزئيات الحياة والمواقف التي نتعرض لها، فالموقف الذي نتعرض له في قضية الشهادة والوصية، فماذا ‏تكون النتيجة؟

(وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ)

لا تكتم الشهادة، وكما أن الإشهاد على الوصية في حال الموت وما شابه قضية خطيرة وحساسة جداً لا يجوز للإنسان أن ‏يكتمها، كذلك تعاليم شريعة الله عز وجل وأوامر الله ونواهيه، هذه شهادات وأمانات لا ينبغي أن تُكتم أبداً.‏

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

ربط هذا الموقف موقف قضية الشهادة وهو قضية متعلقة بمواقف معينة حياتية يعيشها الناس، لكن يحتاجون إليها، وهي ‏تحصل مع كل إنسان، والمفترض من كل إنسان صغيراً كبيراً فقيراً غنياً رجلاً امرأة، أن يكون له وصية، وأن يُشهد على ‏هذه الوصية، الوصية لا تتعلق بالمرض فقط، كما يعتقد بعض الناس، بعض الناس لا يكتب الوصية إلا إذا مرض، أو أحسّ ‏بدنو أجله، ولكن نحن نعلم تماماً أن الموت لا يعلمه إلا الله، ساعة الرحيل لا يعلم بها إلا الله، فعلى العاقل المؤمن ألا ينام ليلة ‏كما روي عن كثير من الصالحين، إلا ووصيته فعلاً تحت وسادته مستشعراً أن الموت قد يأتي في أيّ لحظة، هذا جزء من ‏أداء الأمانة، ثم تدبروا معي في ذلك الربط العظيم

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ ‏أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)
الرسل تُجمع وأماناتهم ووصاياهم كانت متعلقة بأداء رسالات الدين، وأشهدوا الله عليها، وأشهدوا أنهم قد قاموا بإبلاغها ‏للناس، ولذلك النبي صلّ الله وعليه وآله وسلم كان يقول في حجة الوداع:
“اللهم هل بلّغت، اللهم فاشهد”.
أشهد الله على أنه قد بلغ الرسالة، فهذه وصايا

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا)
كيف تكون التقوى؟

التقوى بالاستشعار بالمسؤولية.

امانى يسرى محمد
2025-09-26, 04:23 PM
لا تصدق كل ما تسمع


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/115.jpg (https://lh6.googleusercontent.com/-zbXXbF6JTcU/UQWqFkCqG9I/AAAAAAAABLw/ry6p4knhENw/w506-h750/397416_543242485687755_2562157 65_n.jpg)

(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ ‏لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)


تدبروا معي في ذلك الخلق القرآني الراقي الذي يمليه القرآن هنا في أنفسنا، خلق المساءلة خلق التأكد التحقق من الأخبار، ‏ربي عز وجل علام الغيوب، ويعلم ماذا قال عيسى عليه السلام ولكن هو جاء بها بصيغة السؤال هنا.


الآيات تتكلم عن ‏عقود آيات سورة المائدة، آيات سورة المائدة تتكلم كذلك عن مناظرات ممكن أن تكون مع اليهود ومع النصارى، قضية ‏التحقق والتأكد والسؤال عنصر مهم جداً في قضايا العهود والوفاء بها والالتزام بها، عنصر مهم في قضية الشهادة التي ‏ذكرها القرآن قبل قليل، أدب قرآني مهم جداً لا بد أن نتعلمه. عشرات، مئات، أكثر من مشاكلنا الأسرية والاجتماعية ‏تحدث نتيجة لأخذ الأخبار دون التحقق منها، ليس هناك عملية تحقق كما جاء في سورة النور على سبيل المثال، يقول الله ‏سبحانه وتعالى عن قضية الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ) الإنسان لا يتلقى باللسان، الإنسان يسمع بالأذن، ولكن لتأكيد هذا المعنى العظيم أن الناس حين سمعوا هذه القضية ما أعطوا لأنفسهم فرصة الاستماع، ولا التحقق ولا التأكد مباشرة تلقوه وعلى اللسان مباشرة بالنشر والإشاعة، أخطر شيء! وهي ظاهرة خطيرة جداً تهدّ قيم العقود والالتزامات والعلاقات ‏البشرية، لا تستقيم العلاقات البشرية بهذا النهج دون نهج التحقق!

وتدبروا معي حتى في نهاية الآيات

(فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)المائدة



ليعطي هذا المعنى في هذه القضية، الله رقيب، رقيب على الكلمات التي نسمعها، رقيب على الكلمات التي نتلفظ بها، شهيد على كل شيء، وتدبروا كم مرة ذكرت قضية الشهادة، كما ذكرنا التناسب بين قضية العقود والشهادة، والوفاء ‏بالالتزامات والعقود والمواثيق وأن الله هو الشهيد عليها، كل العقود كل الالتزامات مكتوبة غير مكتوبة مسموعة غير ‏مسموعة كلها الذي يشهد عليها هو الله سبحانه وتعالى



(وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)

قاعدة عامة.‏

امانى يسرى محمد
2025-09-27, 12:48 PM
سورة الأنعام

مقاصد سورة الأنعام

سورة المائدة قلنا إنها سورة المواثيق والعقود، سورة العهود، وأعظم ميثاق بين الإنسان هو ذاك الميثاق بينه وبين خالقه عز وجل، عقد الإيمان، عقد التوجه لله سبحانه وتعالى عقد الخضوع والاستسلام،

وسورة الأنعام هي السورة التي تحدثنا عن كيفية تجديد ذلك الإيمان، تجديد العقد، وبناء العقد، السورة تتحدث عن الإيمان بالله، السورة تعرض وتدافع بقوة باستعمال وسائل عديدة متنوعة تارة تخاطب الوجدان، وتارة تخاطب العاطفة، وتارة تخاطب الفطرة، وتارة أخرى تخاطب العقل، لأي شيء؟

لأجل أن تستجيش نوازع الإيمان في نفس الإنسان. في نفس الوقت وقد يقول قائل: هذا إذا كان الإنسان ليس لديه إيمان،

ولكن ماذا لو أن الإنسان مؤمن مثل حال المسلمين اليوم؟

نحن نؤمن بالله سبحانه وتعالى نؤمن بوجوده إذاً فما هدف سورة الأنعام،

وماذا تحقق هي سورة الأنعام حين أقرؤها، ماذا تحقق



سورة الأنعام تجدد فيك الإيمان، الإيمان وذكرنا هذا في مرة سابقة يخلق، ونحن تعودنا حتى في حياتنا اليومية على أن نجدد كثيرًا من الأشياء نجدد أحياناً حتى في المظهر أحياناً في الملبس، أحياناً في المشرب، أحياناً في البيت، أحياناً فيما نأكل، الإنسان يبحث أحياناً كثيرة عن التغيير، التغيير الإيجابي بطبيعة الحال، هذا التغيير يحدث لدى الإنسان نوعًا من أنواع التجدد يبعد عنه الملل، يبعد عنه السأم، يجدد، يحرك المياه حتى تعود المياه من جديد تجري بانسيابية – ولله المثل الأعلى – الإيمان في قلوبنا، والعلاقة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى تجديد، التجديد في هذه السورة بكل الوسائل التي جاءت في السورة، بكل الآليات والمناهج العظيمة التي قدمتها سورة الأنعام، لتعلمنا جميعاً آباء، أمهات، مربين، معلمين، أساتذة يدرسون العقيدة والتوحيد ومباحث العقيدة، سورة الأنعام تعلمنا كيف ندرس الإيمان، كيف نعلم الإيمان، كيف نتعلم الإيمان أولاً في نفوسنا، وكيف نعلّم الإيمان لغيرنا، لأبنائنا، للصغار، للكبار، وهل الإيمان يُتعلم؟


أكيد. الإيمان ليس فقط مجرد إحساس أو شعور، ليس مجرد تصديق فقط لا، الإيمان تصديق وشعور إحساس، وعمل بالجوارح، وسلوك وأفعال، وتغيير وإصلاح، هذا الإيمان الذي تؤكده سورة الأنعام. سورة الأنعام توضح لنا كل معاني الإيمان كل مباحث الإيمان، معاني الإيمان الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يكون فينا.

سورة المائدة لاحظوا في أول آية فيها خاطبت المؤمنين فقالت:
(;يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[المائدة:1].

وسورة الأنعام تبني فينا كيف يكون الوفاء بالعقود، وأعظم عقد ذلك العقد بيننا وبين الله سبحانه وتعالى نقطة جديرة بالوقوف عندها،

وتدبروا الآن في التناسق بين الآيات آخر آية في سورة المائدة


يقول فيها الله عز وجل:
(لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)[المائدة:120].
الآن سورة الأنعام أول آية فيها تبدأ بالتحميد:
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)[الأنعام:1].

إذاً ربي سبحانه وتعالى هو ليس فقط مالك متصرف في السماوات والأرض وما فيهن، ولكنه أوجد من العدم، خلق على غير مثال سبحانه!
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون);[الأنعام:1].
منذ أول آية في السورة السورة تبين لي فظاعة الكفر،

(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1]
بشاعة الشرك والانحراف في عقيدة الإنسان وعلاقة الإنسان بربه. علاقة الإنسان بربه مبنية على التوحيد أساسها التوحيد، تريد أن تجدد إيمانك بالله سبحانه وتعالى اقرأ في هذه السورة العظيمة بتدبر، بتمعن، لتتجدد فيك معاني التوحيد، فإذا ما تجدد التوحيد تجدد كل شيء في حياتك، أصبح حتى العبادة لها طعم لها لذة خاصة، يستشعرها ذلك المؤمن الذي جدد الإيمان في القلب، ولذلك نحن مطالبون بالإكثار من “لا إله إلا الله محمد رسول الله” كلمة التوحيد الخالدة ليست مجرد كلمة.


الظلمات المعنوية

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1].

لماذا ذكر الظلمات هنا والنور؟
الظلمات كما نعلم وكذلك المنكر: حسي ومعنوي،
هناك ظلمة حسية، الآن حين تطفأ الأضواء أو تطفأ الكهرباء وينقطع التيار الكهربائي يصبح الإنسان في ظلام حسي حقيقي، لا يبصر ولا يرى معه الأشياء من حوله ولا شيء، ولا يكاد يتبين الطريق الذي يمشي فيه.
النور يتحقق حين يكون هناك إضاءة، وهذه قدرة العين التي وهبنا الله سبحانه وتعالى على إبصار الأشياء بهذه الطريقة تعمل.

وهناك الظلمات المعنوية، والظلمات هنا وذكر الظلمات في أول آية في سورة الأنعام ربي عز وجل يبين لنا فيها: أن الظلمات ظلمات الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى من أول الآيات السورة تتكلم عن التوحيد، والنور الذي تبنيه هذه السورة العظيمة في قلب المؤمن نور التوحيد نور الاستجابة لأمر سبحانه، نور الطاعة، وهل التوحيد له نور؟ أكيد، نور يكون في بصيرة الإنسان وفي قلبه، بل حتى في بصره، فتصبح الأشياء والآيات التي يمر عليها ستأتي سورة الأنعام مليئة بعشرات الآيات الحسية المعجزات التي نراها صباح مساء، ولكنها لا تحرك في قلب الكافر شيئا، ولذلك ستأتي الآيات:
(وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا) الأعراف
لا يرى، هو فعلاً تقع عينه على الأشياء، تقع عينه على سماء وأرض، ماء وجبال، آيات تهز القلب والوجدان، وتحرك دواعي الفطرة للإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولكنها مع ذلك لا تحدث أي أثر في نفس الكافر، لماذا؟
لأنه يعيش في ظلمات الكفر والشرك والنفاق والبُعد عن الله سبحانه، والجحود، هذه الظلمات تجعل الإنسان لا يرى شيئاً من حوله حتى وإن وقعت العين على الأشياء. أما نور التوحيد، فتصبح كل الأشياء لها معاني، كل الأحداث التي تجري من حول الإنسان لها معنى ولها مغزى يفكر فيها يتبصر يدرك يستنتج يحلل القرآن أعظم كتاب يحيي القدرات العقلية أعظم كتاب، وأعظم كتاب يحرك العقل البشري هو القرآن، وقد حركه، العقل البشري كان في سبات عند نزول القرآن، لم يكن يتحرك، ولذلك القرآن عاب على أولئك القوم الذين يسيرون وراء منهج الآباء والأجداد: (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون)[البقرة:170].

فأعظم كتاب حرك العقل وأيقظ العقلي من سباته ونومه العميق: هو القرآن، وحرك معه كل أدوات الحس والإدراك، سمع وبصر، ولذلك سورة الأنعام سنأتي عليها، تحرك كل وسائل الإدراك:
السمع والبصر والتعقل والتفكر والتدبر والتبصر لأي شيء؟
لأجل أن تستعمل كل تلك القدرات العقلية، وكل ذلك التجوال، في أجواء الكون والطبيعة، والإنسان في ذاته لأجل أن تصل به إلى الغاية العظيمة هي غاية الإيمان بالله سبحانه وتعالى وذاك هو النور نور التوحيد. ولماذا ربي سبحانه وتعالى جعل الظلمات وجعل النور؟

طبيعة الاختبار وطبيعة الابتلاء تقتضي أن تكون هناك أشياء يبتلى فيها الإنسان يبتلى فيها الفرد، والأعمى ليس كالبصير، والأصم ليس كالسميع، ولذلك عاب على الكفار فقال:

(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُون)[البقرة:171]
وفي آية: (فَهُمْ لاَ يَهْتَدُون)[النمل:24] لماذا؟
وسائل الإدراك طلب منا أن تحرك لأجل أن تقوم بعملية إيصالنا إلى الإيمان، فإذا هذه الوسائل لم تحرك في الإنسان دواعي الشوق للإيمان بالله سبحانه وتعالى لم تعد لها قيمة.


سبيل الوصول إلى حقيقة الايمان

تدبروا معي في التناسب بين أول آية في سورة الأنعام، وبين آخر آية في سورة الأنعام الآية (165) يقول الله عز وجل:

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيبلوكم فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيم)[الأنعام:165].
الآية الأولى:
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1].
والآية الأخيرة:
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)

لماذا ربي سبحانه خلق السماوات والأرض، لماذا جعل الظلمات والنور؟

لماذا خلقنا، ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق ما هو الحق؟

الحق أننا خلائف الأرض، الحق أنه سبحانه وتعالى أعطانا مهمة أعطانا شيء أوكل إلينا أمانة، خلائف الأرض، تدبروا معي في الآية آية عظيمة(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) في الرزق في المال في الجاه في العلم في الشكل في أشياء مختلفة، درجات، تنوع، تميز، اختلاف، ولكن ليس لأجل أن يكون هناك صراع بيننا، بل لأجل أن يكون تكامل في الأدوار، وتعاون (ليبلوكم فِي مَا آتَاكُمْ) ربي سبحانه وتعالى يختبر كل واحد فينا فيما آتاه، وليس فيما لم يؤته، فأنا لا أُسأل عن إمكانيات ليست بيدي، ما هو ليس بمقدوري أنا لا أُسأل عنه، ولكني أسأل عما هو في يدي، وما الذي هو في يدي؟

في يدي الكثير، وأعظم نعمة كما ستأتي علينا سورة الأنعام “وسائل الإدراك” هذه القدرات المهولة القدرات العقلية، ماذا نفعل بها؟ إلى أين توصلنا، وكيف يمكن أن تكون عوناً لنا في الوفاء بالعقد مع الله سبحانه وتعالى، وإخراجنا من ظلمات شتى، والحيرة والريبة، والتردد، وربما حتى الإلحاد والعياذ بالله كما هو واقع حتى في زماننا، اليوم العالم يعيش موجات من الإلحاد تنتشر وللأسف خاصة بين فئات الشباب لماذا؟

أكيد أسباب كثيرة، ولكن ربما يكون واحد من تلك الأسباب ونحن نحتاج في الحقيقة أن نعترف وأن نواجه أنفسنا القرآن كتاب يعلمني كيف أواجه نفسي، ليس من باب جلد الذات ولا تأنيب الضمير فقط، جلد الذات مرفوض! إذاً من باب الإصلاح، من باب الاستدراك، من باب أن أستدرك ما فاتني، من باب أن أتعلم من أخطائي أتعلم من الأشياء التي لم أحاول أن أستكملها في حياتي، قبل فوات الأوان، نحن نقول: أنه ربما يكون من أسباب كذلك موجات الإلحاد كذلك خاصة في بعض البلدان العربية والمسلمة، تلك الطريقة التي علمنا فيها أبناءنا الدين، نحن كآباء كأمهات معلمين في المدارس أساتذة، موجهين، تربويين، هناك طريقة استعملت واضح جداً أنها تختلف عن ما جاء في كتاب الله عز وجل عن ما جاء في سورة الأنعام، سورة الأنعام محور السورة الأساس تعليم وتجديد الإهمال، الإيمان إذا جدد تجددت معه الحياة الإنسانية، عادت الحياة الإنسانية إلى إشراقاتها، إشراقاتها في النفس نوراً، وفي المجتمع وفي الكون، أخلاقيات وحضارات وعمران، هذه المعاني العظيمة جاءت وسائل التعليم فيها في سورة الأنعام.

للأسف الشديد اعتاد الكثير من المربيين من المعلمين ومن الأمهات الطفل حين يسأل وهو دليل على أن الفطرة بدأت تتحرك في نفسه، يسأل من خلقني؟ من أعطاني؟ من على كذا من جاء بكذا؟

فكثير من الأحيان نتهرب بعدم الإجابة أو لا تتكلم لا تسأل، يكفي أسئلة، قل فقط لا إله إلا الله محمد رسول الله، تلقين لقناهم الإيمان، لقناهم العقيدة، والإيمان الذي تبنيه سورة الأنعام إيمان لا يأتي عن طريق التلقين، إيمان يبنى، إيمان يتعلمه الإنسان، يتعلمه في محراب الكون الطبيعة التي أمامه المليئة بكل الدروس بكل المعجزات بكل الآيات، وسنرى سورة الأنعام مليئة بالأسئلة عشرات الأسئلة

العقل البشري إن لم يسأل ويبحث ويستفسر كيف سيصل إلى الحقيقة؟!
كيف يصل إلى ذلك الإيمان القوي، الذي تريد سورة الأنعام أن تبنيه وأن تجدده في نفس المؤمن، وفي نفوس المؤمنين جميعاً.


عواقب الذنوب والمعاصي على الأمم

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8149/07.jpg&key=a44ec91df8582ac2a8b57d2b89 a5a18fdd34f03c33c64f045cdb2e5a 1fe60d8a (http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8149/07.jpg)

جاءت الآيات كل آية هي في حد ذاتها أسلوب من أساليب إيقاظ بواعث الإيمان والتوحيد في قلب الإنسان،

( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ)

تدبروا معي الآن!

السماوات والأرض، خلق الإنسان، ثم بعد ذلك في عمق التاريخ وقصص القرآن والقصص التاريخية ليست هكذا فقط ذكرت في كتاب الله عز وجل، ليس هناك شيء يذكر هكذا في كتاب الله عز وجل بدون مقصد أو غاية.
وتدبروا في اللفظة:
(أَلَمْ يَرَوْا)
يعني: يحتاج الإنسان أن يرى، والرؤية تختلف عن الإبصار، الرؤية فيها تعقل، فيها انفعال لحاسة البصر بما يراه الإنسان أمامه، فيستخلص شيئاً مما ينظر إليه، المسألة ليست مجرد أني أنا يقع نظري على شيء، ولكن ماذا حقق ذلك الفعل في نفسي؟

ما هي النتيجة المترتبة على ذلك؟

(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين)[الأنعام:6].

في عمق التاريخ انظر كم من قرن وكم من أمم وقعت فيها سنة الهلاك، وربي عز وجل أعطاها لتلك الأمم كما أعطاكم أنتم، كما يعطينا نحن، أنهار، ماء أشجار، شمس، ليل، نهار، أعطانا، ولكن ما الذي حدث؟

(فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ)

الذنوب: البلاء والبلايا، والأوجاع، والأمراض، والكوارث الإنسانية والطبيعية وكل شيء يحصل بأي شيء؟
قانون
(فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ)

الذنوب ثقيلة، الذنوب هي التي تفسد علينا حياتنا، اليوم عدد من الناس عدد يشتكي من الهم ويشتكي من الحزن ويشتكي من الألم ويشتي من ضيق الصدر، وأحياناً بلا سبب محسوس ليس هناك سبب معين، الذنوب لها طعم مرير مذاق مرير، لها ألم، لها وخز في الصدر، لها يمكن أن ينجو الإنسان إلا بالتوبة منها والاستغفار، والرجوع إلى الخالق سبحانه الذي يغسل وينقي ويطهر القلب، وما من شيء يطهر القلب الذي أصيب بهذه الأدواء والأمراض من الذنوب مثل التوحيد، التوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ولكن ليست كأيّ لا إله إلا الله تلفظ باللسان، وعدّ بالمرات، هذا عمل جيد، ولكن العمل الذي له تأثير قوي وعظيم الذي ينقي ويغسل ويصفي القلوب هو ذاك الاستشعار والاستحضار لمعاني لا إله إلا الله، هل هناك في الكون إله غير الله؟ هل هناك إله في الكون غيره يخلق ويعطي ويمنع ويأخذ ويحيي ويميت، وقادر على كل شيء وغفور ورحيم؟ لا!

يتبع

امانى يسرى محمد
2025-09-28, 08:07 PM
الاستهزاء بالدين من أخطر الكبائر

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/130.jpg (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/564x/9b/66/18/9b6618e75a71452c2967df6334b7f5 e8.jpg)

(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِين)[الأنعام:7]
هم يريدون منك معجزات حسية، لماذا؟
المسألة ليست في الآيات الحسية، وإلا الآيات مبثوثة في كل مكان، المسألة في تلك القلوب المريضة، القلوب التي تحجرت، والمشاعر التي تصلبت، فما عادت تؤثر فيها مواعظ الآيات ولا القرآن:
(وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ)[الأنعام:8]

أرادوا أن تنزل عليه الملائكة:
(وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُون)[الأنعام:8].

تدبروا معي! في تلك الحوارات:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون)[الأنعام:9].
إذاً ما الحل؟
عليك أن تدرك يا محمد صلّ الله عليه وسلم، وكل من يدرك معاني هذه الرسالة، ويريد أن يقوم بحمل أمانة إيصال الرسالة رسالة التوحيد:

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)[الأنعام:10] إشكالية خطيرة قضية الاستهزاء والسخرية بقيم الدين، بأشخاص الأنبياء، بالآيات، بالنذر، بالأديان، فماذا كانت النتيجة؟
(فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)

ولذلك نحن قلنا ونقول:
من أخطر الأشياء يواجهها الإنسان المعاصر اليوم قضية الاستهزاء بالدين، قضية خطيرة جداً، والنتائج المترتبة عليها نتائج كارثية، الاستهزاء والسخرية بالدين

لأن الإنسان في قضية التصديق أو الإيمان هناك رسالة معروضة عليك: إما أن تؤمن بها، وإما لا تؤمن بها، ولكن أن تجعلها مادة للسخرية وللاستهزاء، فكأنك تقول: ما عاد القضية فيها نقاش أو جدال غير السخرية!!
وهذا أبشع أنواع تعامل الإنسان مع الأفكار ومع الأقوال ومع ما يطرح أمامه! ما هو البديل؟ القرآن طرحه، المناقشة المحاججة أن تأخذ وتعطي بالكلام، أن يكون هناك تبادل للآراء، ولذلك القرآن العظيم في هذه السورة عشرات الأسئلة، عشرات الأسئلة في سياق الاستنكار حتى، عشرات الحجج بالمنطق، يحاكي ويقابل ويحدث العقل البشري العقل الإنساني، ولكن أي عقل، ليس العقل الذي يجعل من مادة الدين مادة سخرية، لأن هذا الذي يجعل من الدين مادة للسخرية والاستهزاء، هذا ليس معه حوار، ولا نقاش، لماذا؟

لأنه أبسط مبادئ النقاش والدخول في الحوار، احترام الطرف الآخر، هذه ليست قضية حرية رأي هنا، تدبروا معي في هذه المعاني العظيمة، حتى نفهم كيف نتعامل مع الناس، مع الآخر، كيف نتكلم مع العقلاء في العالم من مختلف الأديان، هذه قضايا تتعلق بالعقل وبالمنطق.

امانى يسرى محمد
2025-09-28, 08:10 PM
ما هي الخسارة الحقيقية؟



https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://pbs.twimg.com/media/Cw6X1AwWgAANzm1.jpg&key=9f025c329cecd320c063d717f1 8fadddd98015cef99b759df23277ab 8213a052 (https://pbs.twimg.com/media/Cw6X1AwWgAANzm1.jpg)

كلمة (قُل)
في سورة الأنعام جاءت مرات عديدة تزيد على الأربعين

دور النبي صلّ الله عليه وسلم: البلاغ، أما كل القرآن هذا فهو ليس له فيه إلا البلاغ، فأنت دورك أن تقول:

(قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قل لله)
هذا حقيقة، من يدّعي ومن يتمكن ومن يستطيع أن يدعي أن له شيئا؟!
(قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)
سبحانه!
وتدبروا في الكلمة
(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)
مالك متصرف مقتدر وكتب على نفسه الرحمة!

شيء عظيم، وسورة الأنعام مليئة بعشرات الصفات والأسماء لله سبحانه وتعالى قدرة ورحمة. كثير من الناس اليوم يعزون قضية الرحمة إلى الضعف، يتوهمون أن الرحمة تعني الضعف، أن الإنسان إذا كان قوي الشخصية مثلاً فيفترض أن يكون متماسكاً وغير عاطفي، ولا يظهر أمارات الرحمة، – ولله المثل الأعلى – قادر، ولكنه رحيم بعباده، مالك متصرف، ولكنه سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها.

(ليجمعنكم إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)[الأنعام:12].
الإيمان باليوم الآخر.
(الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)
تدبروا في الكلمات وفي وقع الكلمات قوية الإيقاع، وهل يمكن أن يخسر الإنسان نفسه؟ نعم، كيف؟ بعدم الإيمان
(الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)
أنت حين لا تؤمن بالله أنت تخسر، تخسر نفسك، ما قيمة أمتلك كل شيء في الدنيا، وأكون قد خسرت نفسي؟! ما قيمة الأشياء؟!
نفسي هي أغلى شيء، فما قيمة أن أربح كل الأشياء، وأخسر نفسي؟!!

ولاحظت في تدبر كثير من سور القرآن، أن مفهوم الربح والخسارة في كتاب الله عز وجل كمفهوم يختلف تماماً عن مفهومنا للربح والخسارة، نحن حتى في اللهجات العامية نقول:
يا خسارة!
إذا الإنسان خسر شيئاً من متاع الدنيا يا خسارة!
لكن الخسارة التي يحدثنا القرآن عنها الخسارة الحقيقة أن يخسر الإنسان علاقته بالله سبحانه وتعالى، أعظم علاقة، أعظم عقد يخسره الإنسان هو ذاك العقد بينه وبين الله سبحانه. أحياناً كثيرة الإنسان تمر به لحظات ندم، أو حسرة على شيء قد فاته من عروض الدنيا، شراء شيء اعتبره أنه نوع من أنواع الصفقات أو الفرص التي لا تعوض، ولكن في الحقيقة كل شيء ممكن أن يعوّض طالما أنه متعلق بمتاع الدنيا، ولكن أن يخسر الإنسان علاقته بالله سبحانه وتعالى فهذا شيء لا يمكن أن يعوّض:
(الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)
فما الحل؟
تعالجه السورة آية بعد آية قلنا أن السورة تعالج قضية الإيمان تفي معاني الإيمان العظيمة في نفس الإنسان، وليس أيّ إيمان!

المسألة ليست مجرد إيمان تصديق وشعور وكلمة، فعل، تطبيق، واقع، تنفيذ، استجابة لأمر الله، استجابة للتشريع في واقع الحياة.

امانى يسرى محمد
2025-09-28, 08:15 PM
لماذا يبتلينا الله ؟
https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/03/1181723.JPG&key=b60c1afdc0e0dd2fb11554281e f114862947d8a550e1dc377c4bfef2 1f3a1fe0 (http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/03/1181723.JPG)

تدبروا في الآيات سورة الأنعام من الأشياء التي تميزها عن غيرها من سور القرآن:
أنك حتى حين تتناول مقطع من الآيات مجموعة من الآيات تجد نفسك أنك بحاجة إلى أن تقف عند كل آية آية آية، لأن في كل آية هناك وسيلة وآلية تجدد الإيمان في قلبك.

حدثنا هنا عن الولاية وقال
(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)
وقال:
(وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ)
وتدبروا بعدها
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ
وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير)[الأنعام:17].

تدبروا في الخطاب والنداء العاطفي الإنسان بطبيعته حين يمسه الضر يتوجه لله سبحانه وتعالى، يستشعر الضعف (وخلق الإنسان ضعيفاً) ولكن الإشكالية أنه يغترّ حين يكون صحيح البدن، معافى في بدنه قوي البنية لديه مال، لديه كل ما يحتاج إليه، يعتقد أن الأمر قد انتهى، وأن الأشياء قد ضمنت، ولكن ليست هذه هي الحياة، ربي سبحانه وتعالى جعلها تتقلب بنا، لماذا تتقلب بنا؟
لنرجع إليه، لندرك أنها حياة ودار ابتلاء، وليست دار بقاء، أنها إلى زوال وأن البقاء الحقيقي هو في تلك الدار، الدار الآخرة

(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)
إذا كان لا يكشف الضر إلا هو، ولا يعطى الخير إلا هو،
فمن الذي يستحق التوحيد والتوجه إليه بالعبادة؟! من؟!
الأولياء الذين يتخذونهم الناس من البشر ومن الحجر، من؟!
وهذه حقيقة أقوياء الدنيا سلاطين الدنيا ملوك الدنيا كل من أوتي شيئاً من متاع الدنيا، واعتقد أنه على قوة، لو مسه الله سبحانه وتعالى بشيء من الضر ألم في الرأس، صداع، ألم في البطن أي شيء من الأشياء المختلفة بما يتعلق ببدنه أو بشيء آخر، كل ما يمتلكه وكل من حول هذا الإنسان لا يستطيعون أن يرفعوا شيئاً من الضر عنه، وتدبر معي حين يمتحن الله سبحانه وتعالى عباده بالمرض، المرض امتحان، أنت لا قدر الله قد تنظر إلى أمك أو إلى أبيك على فراش المرض يعاني من المرض، ولا تملك أن تفعل له شيئاً، وربما يكون قد وضعت عليه أجهزة، أجهزة إنعاش أجهزة التنفس أشياء مختلفة حسب الأمراض، نسأل الله الشفاء والعافية لكل مرضى المسلمين.

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/03/1181724.JPG&key=50adc699d4fa82cf72b24fa639 cd7ae37048bd9daf218bc555ca3c4a d301f1a4 (http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/03/1181724.JPG)

السؤال: أنت ابن أو ابنه أو زوج أو زوجة، أو قريب، أو حبيب، أو صديق، وتريد بالفعل إرادة حقيقية أن ترفع عنه البلاء أو المرض، ولكن هل تملك ذلك؟ لا، من الذي يملك؟
القاهر فوق عباده
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير)[الأنعام:18].
قهر عباده بأشكال مختلفة سبحانه، قهرهم بالمرض، قهرهم بالابتلاء، قهرهم بالموت الذي لا بد أن يطرق باب كل حيّ، كل حيّ لا بد أن يطرق بابه الموت، قوي ضعيف صغير كبير، غني فقير، رجل امرأة، مريض صحيح، يطرق الأبواب
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)
وتدبروا معي
(وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير)
تدبروا في التناسب في الأسماء والصفات في هذه السورة العظيمة،
حكيم خبير بعباده في حال قهره أيضاً لهم، لماذا؟
لأننا نحتاج أحياناً كذلك القهر، ولأنه سبحانه حكيم وخبير بنا، قهر عباده بالابتلاء، لماذا؟
ليس من باب الانتقام الذي ينتقم هو الذي لا يقدر على فعل الشيء،
وربي سبحانه على كل شيء قدير، إذاً لماذا؟
ليعالج نفوسهم ويعيدهم إليه، نحن عباد، هو سبحانه وتعالى من خلقنا، وهو يتولانا،
ولذلك قال:
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً)
تدبروا في وقع الآيات:
(قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ
وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ)
إذاً بمَ أشهد؟
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله،
(قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون)[الأنعام:19].
هنا تأتي شهادة التوحيد، هنا تأتي الكلمة، هنا تأتي البراءة من كل الشركاء، هنا تأتي نقاوة وصفاوة التوحيد، تدبروا في الكلمة: قل لا أشهد أن مع الله آلهة أخرى، ولكني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، هنا تكون كلمة الشهادة هي فعلاً التي تثقل بها موازين العباد، كلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، تثقل بها الموازين، تزيد بها الحسنات، تمحى بها السيئات، يعفى بها عن الخطايا، كيف؟ حين تخرج بهذا اليقين، لا أشهد أن هناك أحد مع الله سبحانه وتعالى، ومن ذا الذي يكون معه وهو الخالق القادر الذي يكشف عن عباده الضر، الذي يعطي الذي يأخذ سبحانه! حكيم خبير سميع عليم بصير قدير غفور رحيم، أنّى لي أن أقول أو أزعم أن معه آلهة أخرى؟!!.

امانى يسرى محمد
2025-09-29, 09:01 PM
كيف يشرك الإنسان

وهو لا يشعر أنه مشرك؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/132.jpg (http://files2.fatakat.com/2015/2/14241727234587.jpg)
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ)[الأنعام:20]

آتاهم الكتاب سواءٌ كانوا من أهل الكتاب، أو حتى نحن الكلام سياق الآيات والكلمات نحن أيضاً أتانا الله عز وجل وأعطانا كتاباً فهل فعلاً نحن نعرفه كما نعرف أبناءنا؟

ليست مجرد معرفة شكلية الإنسان يعرف ابنه معرفة حقيقية معرفة الخبير، معرفة المدرك، المتيقظ، الفطن، الذي تقوده تلك المعرفة إلى أن يدرك معاني الدنيا، ومعاني الآخرة، وبالتالي لن يخسر نفسه.

أما إذا لم يعرف فعلاً فهناك جاء الحديث عن الخسارة قال:

(الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)

لماذا؟

لأنهم عرفوا الكتاب وخالفوه، عرفوا الحق، وخالفوه، نظروا إليه، ولكنهم ما اعتبروا به، ساروا وراءه ونظروا في كيفية عاقبة المكذبين، ولكنهم ما اعتبروا!

هنا يأتي الكلام عن الخسارة، خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون، أعظم خسارة عدم إيمانك بالله سبحانه وتعالى، ولذلك هنا قال:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون)[الأنعام:21].

والتكذيب بالآيات ليس فقط أن يقول الإنسان:

أن هذا الكتاب غير منزل أو ما شاء، التكذيب له أشكال، له أنواع، واحدة من أشكال التكذيب أن الإنسان ينظر إلى الآيات ويهز برأسه صح صح صح سبحان الله!

ولكن كل تفاصيل حياته بعيدة ومناقضة كل البُعد لتلك الآيات، هذا نوع من أنواع التكذيب، ولذلك قال: (لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون)[الأنعام:21].

ثم قال:

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُون)[الأنعام:22].

سورة الأنعام من السور التي تجعل يوم القيامة قضية حاضرة في واقع الحياة، لماذا هذا التقريب الشديد ليوم القيامة، حتى يدرك الإنسان أن يوم القيامة ليس ببعيد، أبداً، قريب يرونه بعيداً ونراه قريباً، حاضر، الإنسان لا يعرف متى فعلاً تقوم قيامته، متى تنتهي أنفاس الحياة، فحينئذٍ أين شركاؤكم الذين تزعمون؟!!.

(ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين)[الأنعام:23]

ولكن الشرك والإيمان ليس مجرد ادعاء ولا كلمات باللسان:

(انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون)[الأنعام:24]

الإنسان يكذب على نفسه، يكذب على نفسه حين يتصور أنه مؤمن بمجرد قول كلمة، أو أنه غير مشرك، وهو في واقع حياته قد أشرك، كيف الإنسان يشرك وهو يقول: أنه غير مشرك؟!

يتوجه بالولاء لغير الله سبحانه وتعالى، يظن ويتأكد ويقتنع ويتصور ويتوهم أن هناك من البشر من يملك له الضر أو النفع، وأن هناك من يستطيع أن يقدم له رزقاً من دون الله إذا رضي عنه، وإن سخط سيمنع عنه الرزق، مع البشر، هذه الأعمال القلبية أو الحسية، أعمال تناقض صفاوة التوحيد ونقاوته، لا يستقيم معها التوحيد، التوحيد الخالص الذي يخلص فيه القلب من النظر لأي أحدٍ إلا الله عز وجل نفعاً وضراً واستعانة وعطاءً واستغاثة وتوكلاً ورزقاً، هذه أعمال قلبية لا بد للإنسان أن يخلّصها من شوائب الشرك، والنظر إلى الخلق، الخلق لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وربي عز وجل هو الذي يعطي ويمنع ويأخذ وما البشر إلا مجرد أسباب، والأسباب لا تعمل بذاتها، وإنما تعمل بأمر الله عز وجل، ولذلك قال:

(كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون)[الأنعام:24]

وأصعب شيء أن يكذب الإنسان على نفسه، أن يوهمها بشيء.

امانى يسرى محمد
2025-09-29, 09:02 PM
كيف يُهلك الإنسان نفسه؟



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/133.jpg (http://2.bp.blogspot.com/-kt1eeAzBL-o/Vrepgtj2w5I/AAAAAAAAL1Y/fSehR5qfYAE/s1600/54.gif)


(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)

الآن بدأت السورة تفصل في الأمراض التي تحول بين الإنسان وبين نقاء التوحيد والوصول إليه. يستمع إليك فعلاً، إذاً ما الذي حدث؟

(وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين)[الأنعام:25].

لماذا؟

الكفر حاجز، حتى حين يستمع الإنسان إليك، يستمعون إليك في واقع الأمر هناك على القلوب أكنّة وأغطية تمنعه من الفهم تمنعه من الفقه المعرفة الدقيقة التي توصلهم إلى الإيمان، وفي الآذان التي فعلاً هم يستمعون الكلمات، ولكن هناك وقر، هذا الوقر الحاجز لا يجعل الأذن – وهي حاسة تلتقط الأصوات والكلمات تحولها إلى مفهومات – لا تحول إلى العقل، ليس هناك مفهومات.


وحتى حين يروا كل آية لا يؤمنوا بها، كما ذكرنا في بدايات السورة المؤمن والكافر، المؤمن ينظر إلى آية غروب شمس شروق شمس، فتراه يخرّ بين يدي ربه ساجداً، والكافر يمر على نفس المنظر، ولا تحرّك فيه شيء، ليس فقط الكافر طبعاً أحياناً الإنسان يتبلّد حسّه تتبلّد مشاعر الإدراك فيه، وهذه قضية خطيرة جداً؛ لأنه حين يتبلّد الإحساس كذلك يقسو القلب يتصلّب فيبدأ التوحيد يتبلّد كذلك يحتاج إلى تجديد، وهذا ما تقوم به هذه السورة العظيمة.



ولذلك قال:

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ)

إعراض، هذا التصوير الدقيق ينهون عنه وينأون عنه، ولكنهم هم في واقع الأمر في إعراضهم ونهي غيرهم عن الاستماع لهذا الكتاب العظيم، هكذا كان يفعل كفار قريش، كانوا يحولون حتى بين من يأتي من القبائل الأخرى من خارج مكة، وبين أن يستمعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلو القرآن، والقصص كثيرة جداً في هذا السياق(لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ )

لا تستمعوا ولكن هم في واقع الأمر

(وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ)

ولكن الإشكالية الخطيرة أنهم:

(وَمَا يَشْعُرُون)[الأنعام:26]

كيف يُهلك الإنسان نفسه؟


يُهلكها بإبعادها عن خالقها، والله البُعد عن هذا الكتاب العظيم هلاك!

البُعد عن كتاب الله سبحانه هلاك!


هلاك حقيقي، البُعد عن آيات هذا الكتاب واستحضارها وتلاوتها والإيمان بها، وتنزيلها وقعاً في الحياة، هلاك، ولا يأتي إلا بالخسارة والهلاك للجنس البشري، وكل ما نعاني منه كل ما تعاني منه البشرية اليوم، بدون أي مبالغ، المرجع الأول له والسبب الرئيس فيه هذه الجفوة مع كتاب الله سبحانه وتعالى، جفوة، انقطاع، وما يهلكون إلا أنفسهم، لكن أين الإشكالية الخطيرة؟

(وَمَا يَشْعُرُون)

هذه مشكلة أن الإنسان لا يشعر، هو مريض ولكنه لا يشعر بالمرض، القلوب تمرض، والإشكالية والخطورة في قضية مرض القلب أن الإنسان حين يمرض الجسد يشتكي صداع ألم حرارة فيذهب يسارع للطبيب ليعالجه، ولكن القلب حين يمرض قد لا يشعر الإنسان بمرضه، قد لا يشعر متى يشعر؟

حين يديم عرض ذلك القلب مع كتاب الله يديم التواصل مع كتاب الله عز وجل، فإذا حصل أي أمارة أو أي عارض من عوارض المرض استشعر بها، وإلا لا يشعر إلى أن:

(وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ)[الأنعام:27]

ما شعروا بأنهم يسيرون في طريق تهلكهم وتفسد عليهم حياتهم ودنياهم وأخراهم، إلى أن وقفوا على النار، فماذا قالوا؟

(يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين)[الأنعام:27]

إذاً؛ التكذيب بآيات الله عز وجل مفتاح الهلاك في الدنيا وفي الآخرة.

امانى يسرى محمد
2025-09-29, 09:09 PM
لماذا لا نتوب!!!

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://i.ytimg.com/vi/XBbEyk5MjNw/hqdefault.jpg&key=e772dd7fbfbda563c16241ddfc 657337abe643374040495997d054b7 cccc9564 (https://i.ytimg.com/vi/XBbEyk5MjNw/hqdefault.jpg)

(بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون)[الأنعام:28]
لو رجعوا إلى الدنيا لرجعوا إلى كفرهم، ربي خبير بهم، خبير بعباده،
نحن في حياتنا، نحن كمسلمين في مرات كثيرة تعرض لنا أوقات ضعف، أوقات مرض فنقول في أنفسنا نقرر إن شافاني الله سبحانه وتعالى من هذا المرض سأفعل سأفعل سأغير حياتي سأفعل كذا! يشاء الله عز وجل ويعطيني ما أردت، يعطيني فرصة، لكن السؤال: كم منا يتعلم من ذاك الموقف، ويأخذ الفرصة فعلًا؟ كم منا حين يعطيه الله سبحانه وتعالى بعد مرض، يصبح أحسن مما كان من قبل ذلك، كم منا؟! المشكلة الإنسان في كثير من الأحيان يكون سريع النسيان، لكن ما الذي يذكره ويعيد الأمور إلى نصابها؟ هذا القرآن العظيم. هؤلاء القوم كذبوا بالبعث:
(وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين)[الأنعام:29].

واللافت للنظر أن في سورة الأنعام كثيراً ما ذكرت قضية الخسارة

(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا)[الأنعام:30]
ثم بعدها قال:
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ)
طبعاً خسارة عظيمة،
(حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً)

الساعة لا تأتي إلا بغتة فجأة بدون مقدمات، بدون مقدمات ليس بمعنى: علامات وأمارات الساعة، لكن بمعنى: هي هكذا هذا من طبيعة الامتحان، وربي عز وجل لم يخف ذلك عنا، أعلمنا به، أن الساعة لا تأتي إلا بغتة، وأن أمرها كلمح البصر أو هو أقرب.

(قَالُواْ يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا9
وتدبروا في الآية:
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُون)[الأنعام:31]

انظر في التشبيه: هل الأوزار تُحمل على الظهور؟
لها ثقل، ثقيلة، الذنوب والآثام الخطايا تحمل هكذا على ظهورهم! ألا ساء ما يزرون، تدبروا في عظمة النص القرآني:
(يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ)
الذنوب ثقيلة البُعد عن الله ثقيل مؤلم، كل الأشياء التي تفصل بيننا وبين الله سبحانه وتعالى ثقيلة جداً، ولذلك قال:
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُون)
لماذا حدث ذلك؟
من الطبيعي أن يسأل الإنسان في نفسه في خاطره:
لماذا هؤلاء الناس كانوا بهذه الغفلة؟

(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ)[الأنعام:32]

الحياة لعب ولهو، منا من يفقه هذه الحقيقة، فيدرك أن الدار الآخرة خير لمن؟ للذين يتقون؟

تدبروا في الكلمة: (أَفَلاَ تَعْقِلُون) العقل يدرك أن طبيعة هذه الحياة لعب ولهو، ولكن الدار الآخرة خير، إذاً فإذا كانت هذه هي طبيعة هذه الدنيا فما المطلوب مني فيها؟
العمل.

امانى يسرى محمد
2025-09-29, 09:18 PM
كفر الجحود



ما الذي يحول بيني وبين الإيمان؟


جحود، نكران، قال:


(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ)



في قرارة أنفسهم يدركون أنك على الحق



(وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُون)[الأنعام:33]



جحود، ليس قائمًا على الجهل، جهل مركّب، ليس بمعنى: أن الإنسان لا يعرف الحق، لا، هو يعرف الحق، ولكنه مع ذلك يجادل فيه ويجحده وينكره، جَحود!.



ولكن اعلم يا محمد صلّّ الله عليه وسلم تسلية لقلبه عليه الصلاة والسلام هنا



(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ)



سنّة، كُذِّب رسل:



(فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ)



سنة من السنن، أي سنة من السنن صراع بين الحق والباطل، صراع أن هؤلاء ممن كذبوا يكذبون الصادقين، وكذلك من الابتلاء أن يكذب الصادق وقد كُذِّب الرسل، ونبينا صلى الله عليه وسلم لقب بينهم وعرف بينهم بالصادق الأمين، هم لقّبوه، ولكنهم كذبوه، تدبروا في المعاني: كذِّب الصادق الأمين، وكُذِّب كل الصادقين من الرسل، ولكن ذلك التكذيب لن يجعل من الصدق كذباً، ولن يجعل من الكذب صدقاً، ولن يجعل من الحقيقة جهلاً، ولن يجعل كذلك من الخير شراً، ولا من الشر خيراً، تكذيب هؤلاء القوم لن يغير حقائق الأشياء، ستبقى الحقائق كما هي، ستبقى الشمس آية من آيات الله، والليل، والنهار، والكون، والإيمان، والكفر والجحود، لا مبدل لكلمات الله.



(وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ)



إن ما استطعت أن تفهم وتتقبل لماذا هؤلاء القوم يعرضون عنك وعن رسالتك:



(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين)[الأنعام:35]،



لا تحاول وتذهب نفسك حسرات عليهم، لأجل أن تأتيهم بآية حسية، لا آية بعد هذه الآية، آية القرآن لا آيات، وكن واثقاً أن هؤلاء القوم جاحدون لو جاءت كل آية لا يؤمنوا بها، ولذلك قال:



(وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)



إذاً ماذا شاء الله؟



شاء الله عز وجل أن يهب الإنسان حرية الاختيار، وألا يُكرهه على الهدى، ولو شاء لجمعهم على الهدى، ولكنه شاء غير ذلك، ماذا شاء سبحانه؟ شاء أن يعطي الإنسان حرية الاختيار،



(فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)



فانتهى الأمر:


(فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين)

امانى يسرى محمد
2025-09-29, 09:22 PM
القرآن الكريم المعجزة الخالدة



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/135.jpg (https://pbs.twimg.com/profile_images/656907682893426688/AMj_hOvG.jpg)

الايمان الحقيقي له ثمرات،وسنأتي على واحدة من اعظم ثمرات الايمان والتي يحتاج اليها المجتمع الانساني اليوم أشد الحاجة وسنأتي عليها في موضعها سورة الأنعام في الآيات التي سنتكلم عنها ونقوم بتدبرها بإذن الله نجدها كذلك تعطي مساحه واسعه وهامه لوسائل الادراك الانساني، التي اذا ما اهملها الانسان، و لم يقم بتحريكها في الكون وفي التجوال في آيات الله سبحانه مبثوثه في الكون وفي كتابه عز وجل، يتيه الانسان لا فرق بينه وبين الانسان الميت الذي فقد القدرة على تحريك تلك الحواس ووسائل الادراك، تدبروا معي في قوله الله عز وجل


إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ


;الانعام



هذه الآية في سياق الحديث والنقاش مع قريش كنموذج، لماذا قريش،لأن كفار قريش سورة مكية كانوا يلحون على النبي صلّ الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآيات، بالمعجزات الحسية , والرب سبحانه وتعالى اراد ان يؤكد حقيقة أن الانسان باعتبار ان هذا القرآن رسالة عالمية لكل البشر تخاطب كل الأمم، وكل الأجيال التي عاصرت الكتاب وتنزيل الكتاب الجيل الأول و التي لم تعاصر، هذا رسالة قرآنية القرآن فلا يمكن أن يأتي معه كذلك معجزات حسية لأن معنى ذلك ان الأمر سيبقى محصورا في الجيل الذي نزل عليه القرآن وهو لم يرده القرآن العظيم، كل الأنبياء من قبل موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، كل الأنبياء عليهم السلام جاؤوا بمعجزات حسية تخاطب الاقوام التي جاؤوا فيها والأمم التي أرسلوا اليها ولكن امر هذه الرسالة مختلف هذه الرسالة عالمية أمرها مختلف فإذا أريد لها أن تخاطب كل الأجيال وكل الأمم والأقوام، كان لا بد ان ينتهي عصر المعجزات الحسية ومع ذلك كفار قريش يجادلون في قضية الآيات الحسية و يطالبون مرة تلو الأخرى النبي صلّ الله عليه وأله وسلم بتلك المعجزات فالآية جاءت في سياق الرد عليهم، والآية التي بعدها قال :
“وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ”


آية معجزة


” قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”


الاستجابة لله حياة





تدبروا في الترابط في آيات الكتاب،

“وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ”

تريدون آية زيادة على كل الآيات المبثوثة امام اعينكم أليست هذه الدواب في الأرض التي تمشي هنا وهناك امام أعينكم ولا ننسى ان السورة سميت بسورة الأنعام تتكلم عن الأنعام، هذه الدواب المختلفة أليست هي في حد ذاتها آية؟، لكنها آية لمن؟، آية لمن يسمعون، لأنه في البداية قال:

” إنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ”

وقد يقول قائل الربط بين الاستجابة والسمع، السمع وسيلة ادراك ربي سبحانه وتعال وهبها للبشر ولكنه سبحانه حين وهب هذه الأداة والآلة للناس، الناس يختلفون في استعمالها بعض الأشخاص يسمع فيولد عنده ذلك الاستماع استجابة وهو المطلوب، ولذلك القرآن في آيات كثيرة في كتاب الله، أن يبصر، او ينظر، لا، المطلوب الشيء أن يتحرك ذلك الإدراك الشيء الذي أدركته انت بسمعك او ببصرك الى فعل، فعل استجابة، فعل تنفيذ لما سمعت فانا حين اسمع كتاب الله عز وجل حين أقرأ الكتاب المطلوب مني ليس فقط القراءة أو الاستماع وان كان الأمر هذا في حد ذاته امر عظيم ومطلوب، ولكن لا بد ان يترتب عليه شيء، ما الذي يترتب الاستجابة التنفيذ، اتباع، تطبيق، تحقيق في واقع الحياة الانسانية ولذلك سبحانه وتعالى قابل في هذه الآية العظيمة قال

” يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ”

اي سماع، سماع الاجابة السماع الذي يشترك فيه بقية الناس ان يستمع ولكن لا يحقق عنده ذلك السماع شيئا بعض الأشخاص يسمع ولكنه لا يفكر حتى في ما يسمع الغى وسائل الادراك، قرر ان يسدل الستار على القلب والعقل وما شابه ولذك قال في آيات اخرى حكاية عن بني اسرائيل وقالوا قلوبنا غلف، غلف لماذا لأن القلب محل الادراك آيات الكتاب التأثر الاستجابة فهنا حصل فعل السماع، ولكن فعل الاستجابة يحصل عند من عند اولئك الأحياء ولذلك القرآن قابل فقال :


“والموتى يبعثهم الله”

الفرق بين الانسان الذي يستمع لآيات هذا الكتاب العظيم فيحقق الاستجابة في قلبه وفي حياته وفي سلوكه،كالفرق بين الحي والميت، وفعلا آيات القرآن العظيم جاءت لتحيي القلوب، والفرق بين القلب والحي، لذلك في آيات أخرى قال:

(لينذر من كان حيا)



تتدبروا معي لينذر من كان حيا، الإيمان حياة، والبعد عن الله سبحانه وتعالي موت بكل ما للموت من معاني موت ضلالة ظلام، ولذلك ربي سبحانه وتعالي هنا في سياق الاستنكار على أولئك الكفار، تريدون آيات والكون امام اعينكم مليء بهذه الآيات ولذك جاء بقوله :


” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ”

آيات تبصرونها وترونها، ترون أمم الطير وأمم الحيوان هذه الأمم التي لها نظام ولها قواعد تتعامل فيها فيما بينها بما فطرها الله سبحانه وتعالى عليه في كل شيء في المسؤوليات في توزيع الأدوار في طريقة الطيران في تعليم الصغار كيف يطيرون، أمم كاملة هذه آية عظيمة من آيات الله عز وجل فإذا كانت كل تلك الآيات لم تحيي في قلوبكم جلوة الايمان ولم تحقق معنى السماع فماذا تنتظرون بعد ذلك

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:30 PM
الانكسار لله

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8616/01.jpg&key=e3bbaa576b22e050b9042534c7 177dee17c15e5296d266d53b9c5a25 19737e98 (http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8616/01.jpg)

ليس هناك انسان ابدا على وجه الأرض الا ويمر في حياته بمراحل عصيبة من مختلف المستويات شيء يصيبه في نفسه شيء يصيبه في ماله، شيء يصيبه في اولاده في اسرته في ما يحب اشياء مختلفة وهذا الشيء طبيعي جدا لأن من ادرك وعرف معني الحياة ادرك أن الحياة مليئة بهذه النماذج هي في طبيعتها دار ابتلاء فلا بد أن يمر الانسان فهذه المواقف المختلفة فربي سبحانه وتعالى يلفت هنا نظر الانسان الى هذه القضية

” قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (40)

لمن تتوجه في ساعة الضعف في ساعة الشعور بالعجز الانساني الحقيقي، الانسان في طبيعته ضعيف وصفه الله عز وجل فقال في خلقته، وخلق الانسان ضعيف فهو ضعيف لكن الاشكالية انه في بعض اللحظات التي يمن الله سبحانه وتعالى بها عليه بالقوة بالصحة بالمال بالجاه بالاستقرار يتوهم انه قد تفوق على لحظات الضعف الانساني البشري الطبيعية الفطرية ويعتقد انه اصبح قوي وليس بحاجة لأحد فتأتي لحظات الشدة والمرض والتعب فيدرك، فيعود لنفسه من جديد في تلك اللحظة تحديدا الى من يتوجه الانسان، أيتوجه للبشر، أيتوجه لأولئك على سبيل المثال في كفار قريش الأصنام للشركاء الذين يدعوهم من دون الله، قال بل اياه تدعون، فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الانعام

تدبروا حتى في الكلمة “إياه” حصرها اياه تدعو انت لاتدعوا احدا الا الله سبحانه وتعالى في وقت الشدة في وقت المحنة، فإذا كنت تعرفه في وقت الشدة في وقت المحنة فكيف لا تعرفه في السراء، واذا انت موقن في لحظة الضر والضعف ان لا اله الا هو سبحانه وتعالى فكيف لا تدرك هذا الأمر في غير هذه اللحظات، لأن لحظات الضعف والضراء تكشف عن الفطرة الانسانية والإنسان فطر على الايمان بالله سبحانه وتعالى، فطرت من الله التي فطر الناس عليها فطرهم على الايمان فطرهم على التوحيد الأصل هو التوحيد وكل الأشياء، الشركيات الأخرى هي عوارض وأمور طارئة تطرا على الفطرة فتطمسها فهنا عملية طمس


https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1907/09.jpg&key=ba0f7e11e4d1a477f2d6cd19e1 5ef7172ae1aa9bcd3795788cdee089 42a2f417 (http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1907/09.jpg)

التضرع إلى الله في الشدائد

تدبروا في الآية
” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء”
لماذا
”لعلهم يتضرعون”
اذا حتى البأساء و الشدة والضر الذي يقع عليك والذي يكون شديدا واقع عليك من قبل الاخرين او من قبل اي جهة هو في ذاته مدعاة لأن يقربنا الى الله عز وجل
“لعلهم يتضرعون”
كلمة الضراعة في اصلها في اللغة العربية الضرع، ضرع الدابة، اذا ما معني يتضرعون، يدرك تماما الانسان، تماما ان لا ملجا له من الله الا اليه في الشدة والمحنة صحيح نحن نسأل الله سبحانه وتعالى وقد امرنا بذلك، والنبي صلوات الله وسلامه عليه كان دوما يسال الله العفو والعافية ولكن لحظات المحنة أو الشدة او المرض او السقم او التعب لحظات ثمينة في عمر الانسان البشري، لحظات ثمينة ولكن متى حين تولد مرحلة الضراعة و التضرع لله سبحانه وتعالى، يتضرعون بمعنى يرجعون ويلجؤون ويستجيبون لله سبحانه وتعالى، ولذلك قال :
“فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا”

باتت لديهم الضراعة وهي حالة من الايمان مع انكسار شديد في القلب يتولد عنه هذه الحالة العجيبة، حالة دعاء، ولكن دعاء اجتمع فيه القلب واللسان والجوارح وكل الوسائل، وسائل الادراك في خضوع تام لله سبحانه وتعالى وشعور كامل بالعجز الانساني ولذلك الانسان المؤمن هذه الآيات العظيمة تعلمنا حين نتعرض للحظات الشدة أو الألم والصعوبات، ينبغي علينا ان نستحضر معاني الايمان، لحظات الشدة لحظات عظيمة لتجدد معاني الايمان في النفوس فلا تجعل من تلك اللحظات لحظات سخط على القدر والعياذ بالله، هي نفس اللحظة يعيشها كل الناس، على اختلاف درجات الايمان بالله حتى الكافر يعيشها، الكافر ليس مبرأ ليس منزه ليس بعيدا عن هذا هو انسان، ولكن لحظات الشدة تمر بالمؤمن فتزيده ايمانا، وتمر أحيانا بالإنسان الغافل فربما توقعه في السخط والعياذ بالله وفي البعد عن رحمة الله عز وجل، سخط على أقدار الله عز وجل، لماذا ربي فعل، لماذا أنزل علي، لماذا ابتلاني لماذا سلط علي والعياذ بالله، كلمات لا ينبغي للمؤمن أن يمر بها او يشعر بها اصلا، ناهيك عن ان يتكلم بها او يتفوه بها ولذلك قال
” فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا ”

فما نراه في واقعنا افرادا ومجتمعات وبلدان وأمم من مرور بحالات البأس، اعلم ان الله يريد ان يستخرج منك أجمل ما فيك، وأجمل ما فينا تضرعنا ورجوعنا لله سبحانه وتعالى، فلا تنشغل بالمحنة ولا بالموقف الصعب الذي تمر به عن هذا المعنى العظيم، اجعل من تلك المحنة و الصعوبة والشدة التي تمر بها مرحلة للمراجعة، مرحلة تراجع فيها أعمالك، تراجع فيها نفسك تراجع فيها كل الملفات السابقة المختلفة، وهنا وقفة، وقفة حقيقية للفرد وللمجتمعات بمراجعة الملفات، الصعوبات والمحن والأزمات والكوارث تمر على الجنس البشري بإطلاقه ولكنها تولد في تلك النفوس المستوعبة الواعية المدركة وهذا ما يفعله فينا القرآن، تولد المراجعة، المراجعة لأي شيء لأجل التصحيح لآجل التصويب لأجل الاستدراك على ما فاتنا من أعمال من تصرفات من امور عزم وهذا هو معنى التوبة، التوبة ليس فقط ان يتفوه الانسان بلسانه ويقول استغفر الله وتبت الى الله وانتهى الموضوع، عزم على عدم الرجوع الى ذلك الفعل الذي حال بيننا وبين الله سبحانه وتعالى حال بيننا و بين الايمان

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:32 PM
الدنيا ليست دار جزاء الدنيا دار عمل

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/142.jpg (http://1.bp.blogspot.com/-ybDSnEu99CY/UqMGuFke3GI/AAAAAAAAAPE/EsLpWb0FSCY/s1600/donia.jpg)

“فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا ”
لم يحصل التضرع، ماذا حصل
” وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “،
إشكالية خطيرة عوضا عن ان تصبح الشدة والبأساء والواقع الصعب مرحلة لاسترجاع الانسان لنفسه ومراجعة لأخطائه وعيوبه واستدراك ما فات الذي حدث هو العكس قسوة في القلب تمرد تسخط على الأقدار شعور باني انا لا استحق ما يحدث لي من أزمة انا فعلت كل ما ينبغي ان أفعل فتولدت القسوة من اين تولدت القسوة، القرآن بينها قال :
” وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”
ما كانوا يعملون من الأخطاء ما قد وقعوا فيه من العيوب والاشكاليات والتجاوزات ما رأوها تجاوزات، كثير من الناس لو تدبرنا في الواقع حين تعرض لهم مشكلة او ابتلاء، اول كلمة يقولها لماذا يحدث لي هذا، أنا الانسان الذي أصلي والذي افعل والامين والذي احافظ على عملي وكذا وكذا أتهم بهذا؟؟؟أو يحصل لي هذا ! بينما الناس الذين يخالفون هذا الأمر أو الامانة او ما شابه لا يحدث لهم , هذا لا ينبغي هذا تفكير سلبي، التفكير الذي ينبغي أن يكون والذي ينبغي ان يحدث في هذه الحالة هو المراجعة، المراجعة التي تقوم على النظر في الذات والتركيز على النفس وليس التعلق بما فعل الاخرون أو ما يستحقه الاخرون، ان هذه القضية ليست من اختصاص الفرد، الانسان مطالب بعمله هو أول ما يطالب به وبالتالي المرجعة ينبغي ات تكون حول نفسي وأخطائي وتصويب ما استطيع ان اقوم بتصويبه ولا ان يزين لي الشيطان عملي، اذا كان في مجالات أنا قصرت فيها فعلي أن أعترف
” رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ”
فماذا كانت النتيجة؟
” فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ”

قضية تتجدد في كثير من المجتمعات، الانسان حين ينسى كل هذه المالات، ربي سبحانه وتعالى يعامل المجتمعات بطرق مختلفة وواحدة من سننه وأقداره سنة الاستدراج، فتح عليهم أبواب كل شيء، زيادة في الرزق زيادة في الأموال الزيادة في الأرزاق والأموال وفتح الدنيا عليك لا يعني أنك مكرم عند الله عز وجل وضيق العيش والرزق وحدوث المشاكل في حياتك لا يعني أنك انت لست على شيء عند الله سبحانه، مقاييس مختلفة لماذا؟ لأن قضية الايمان والعلاقة بالله سبحانه وتعالى لا بد أن تكون مرتبطة بذاتها دون النظر الى حيثيات ما يحدث لي، الدنيا ليست دار جزاء الدنيا دار عمل وقد يبتليك الله سبحانه وتعالى وانت سائر في الطريق في طريقك الى الايمان يبتليك بأمور يختبرك بأشياء يضيق عليك في شيء فلا تقول
“رَبِّي أَهَانَنِ “
واذا اعطاك وفتح عليك لا تقول
“رَبِّي أَكْرَمَنِ“

لأن الاهانة والاكرام لا تتعلق بالفتح أو الغلق لا تتعلق بالعطاء او بالمنع انظر الى طاعتك انظر الى قربك من الله سبحانه انظر الى ما تجدد في حياتك وفي قلبك من معاني الايمان هذا الذي ينبغي النظر اليه وليس الى ما فتح عليك من الدنيا أو ما لم يفتح الدنيا فتحت أو لم تفتح طبيعتها أنها زائلة الى زوال ولذلك هؤلاء القوم حين فتح عليهم أبواب كل شيء أيضا لم تتحرك وسائل الادراك لديهم ولم يتفكروا
” فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا”
واعتقدوا انه ربي سبحانه وتعالى أعطاهم ذلك لذكاء او عبقرية كما حدث مع قارون


” قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي”

نسي قدرة الله سبحانه نسي حكم الله عز وجل في خلقه ولم تولد لديه النعمة استجابة اذا نحن أمام ما عددنا في هذه الآيات كلها مواقف انسانية المفروض ان تجدد معاني الايمان في قلبك الأولى محنة والثانية نعمة منحة، المحنة المفروض ان تولد لدى الانسان الصبر بعض الاصناف من البشر تولد لديهم القسوة خسروا، المحنة هذه هي الغاية التي ينبغي ان تربط بها محنة مع صبر تولد صبر عند الانسان، المنحة او النعمة يفترض ان تولد عند الانسان الشكر او التوجه لله سبحانه وتعالى وله الحمد فاذا غفل عن الشكر وفرح بما أتاه الله سبحانه وتعالى ولم يدرك معاني الاختبار في هذه القضية هنا
” أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ”

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:36 PM
كيف يتحقق لك الأمن ؟


الأمن الداخلي، الأمن النفسي، الأمن على أشكال، وليس شكلاً واحداً، ويمكن من الممكن فعلاً من أكثر ما تفتقر إليه المجتمعات اليوم الأمن، واللافت للنظر: كل بلد من بلدان العالم فيها جهاز يختص بالأمن جهاز الأمن، ولكن القرآن يعلمنا أن القضية ليست قضية إنشاء أجهزة ولا مؤسسات ولا وزارات، بقدر ما هي:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)[الأنعام:82].

تصلح علاقتك مع الله سبحانه وتعالى فيتحقق لك الأمن،

لأن الأمن منحة من الله سبحانه وتعالى.

الأمن على أشكال كما ذكرنا: الأمن الغذائي على سبيل المثال اليوم العالم يعاني من قضيته لا أمن غذائي يخاف الناس على أقواتهم ومصادر رزقهم ما الذي يحقق لك الأمن؟ إيمانك بالله سبحانه، ليس ذلك الإيمان الذي يتوهم الإيمان الإنسان أنه آمنت بالله إذاً أجلس في بيتي والله يرزقني، هذا ليس هو الإيمان التي في سورة الأنعام.


إذاً الإيمان الذي يدفع بك لأن تصبح إنساناً في واقعك إنساناً مجتهداً إنساناً مغيراً، إنساناً فاعلاً، إنساناً مؤملاً للحياة وللكون، مستفيداً من ثرواتها، عادلاً في طريقة توزيعها، لا تعرف الغش ولا تعرف الاحتيال، ولا التدليس، هذه معاني مع الإيمان تماماً تتولد وتدبروا في ذاك التلازم بين الأمن والإيمان، والأمانة، ثلاثية عجيبة لا تنفك عن بعضها البعض، إيمان أمانة، أمن، على قدر إيمانك تكون أمانتك، الأمانة التي تكلمت عنها سورة النساء وسورة المائدة، وكل سور القرآن الأمانة:

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء:58].


ولذلك لا إيمان لمن لا أمانة له، إيمانك الذي يدفعك إلى أداء الأمانات، إيمانك الذي يدفعك إلى النظر إلى الكون وقلنا فيه: على أنه أمانة ينبغي الحفاظ عليها والسعي في حمايتها، وكذلك كل المقدرات الإنسان، كل الإمكانيات البشرية أرواح البشر أعراضهم أمانة لا ينبغي أن يعتدى عليهم، أموالهم أمانة، فتدبر معي! إيمانك يدفعك إلى الاعتقاد أن أموال الناس وأعراض وأرواح الناس أمانات، أليس هذا هو الأمان، ما الذي يمكن أن يتحقق من خلال الأمان سوى أن يأمن الناس على أنفسهم وعلى أعراضهم، وعلى أموالهم وديارهم وبيوتهم، وهذا لا يتحقق في مجتمع فيه مجموعة من الخونة، مجموعة ممن لا يجدون ولا يراعون في المؤمنين لا نفساً ولا عرضاً ولا مالاً، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تلك المنظومة الإيمانية الإيمان الذي تبنيه سورة الأنعام في هذا الموضع العظيم، إيمان يحقق الأمان للمجتمع بأسره، وذكرنا ونذكر أن الأمن ليس على شكل واحد، نحن اليوم في مجتمعاتنا نتكلم عن الأمن الغذائي، نتكلم عن الأمن الفكري، نتكلم عن أشكال من الأمن


الأمن الغذائي على سبيل المثال لا يتحقق بدون وجود من يراعون الأمانات، من يرون أن مقدرات الكون وأن ما في هذا الكون من ثروات إنما هي محظ أمانات، أمانات في الحفاظ عليها، أمانات في الحصول عليها وكسبها، أمانات في كيفية توزيعها عدالة التوزيع، أمانات في توظيفها وإيصالها لمستحقيها، أمانات سلسلة من الأمانات، ولو تحققت هذه الأمانات، وقام كل فرد بدوره في تحقيقها لتحقق فعلاً الأمن الغذائي، الأمن الغذائي ليس كما يدعي البعض نتيجة لقلة الموارد أو المصادر والثروات الطبيعية، حقيقة إشكالية الأمن الغذائي إشكالية تعود في جذورها الأساسية، إلى قلة أو ندرة الأمانة في الكسب في التوزيع في أشياء متعددة متنوعة في الفساد ما يطلق عليه اليوم معدلات الفساد المرتفعة المخيفة في المجتمعات اليوم، هذه لا تتحقق أبداً بدون وجود هذه الأمانة، بدون الانتهاء من إشكالية الفساد والقضاء عليه، ومحاصرة المفسدين، ولا يكون ذلك إلا من خلال الأمانة.

فيصبح الإيمان عاملاً مولداً للإمانة، وبالتالي مولد للأمن


كيف يتحقق الأمن الفكري؟



الأمن الفكري بمعنى:

أن يكون الناس في مأمن من الأفكار المنحرفة، من الأفكار الضالة، من التيارات الفاسدة، من الأفكار التي يمكن أن تولد العنف على سبيل المثال أو التطرف أو الإرهاب، أو ما شابه، ما يجري الحديث عنه في مختلف وسائل الإعلام، وفي حياة بشكل عام،

ولكن هذا الأمن كيف يتحقق؟

إن لم يكن لديك مصادر تعزز وتكرس شأن قضية الأمن في حياة الإنسان في حياة البشر، وأين هذا المصدر سوى ذلك المنهج العظيم في كتاب الله سبحانه، الكتاب الذي لا يحابي أحد من البشر على حساب أحد آخر، الكتاب الذي ينظر على الناس على أنهم سواء في خلقتهم الإنسان سواء أمام الله سبحانه، المنهج الوحيد الذي يخاطب البشرية على أنهم بشر، لا وفق أعراضهم ولا أجناسهم ولا لحسابات أخرى، وهنا يتحقق الأمن.


إذاً القرآن في هذه الآية العظيمة في سورة الأنعام يؤكد لنا على أهمية غائبة عن كثير من المجتمعات بقضية الإيمان، كل المجتمعات اليوم بدون استثناء تبحث عن الأمن، الغرب منها والشرق، الذي يؤمن والذي لا يؤمن، ولنا أن نتساءل كأفراد كمنظرين كصناع قرار كتربويين لماذا غاب الأمن على حياتنا، لماذا على الرغم من اتساع وتعدد وتنوع وكثرة وسائل المراقبة على سبيل المثال وما شابه، لماذا لا يزال الإنسان العاصر يشكل من هذه القضية في الأمن؟
لماذا لم يعد الناس يشعرون بالأمن والأمان، لماذا عادوا يركبون عشرات الكامرات للمراقبة؟ لماذا؟ هل لاتساع العالم، هل لكثرة الناس؟

ربما تكون عوامل كثيرة متعددة لا ينبغي أن أحصرها في عامل واحد،

ولكن في سورة الأنعام القرآن يعالج هذه المشاكل:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)[الأنعام:82]

الظلم بكل أشكاله، التوحيد الذي يدفع بالإنسان إلى العمل الصالح، التوحيد الذي يدفع بالإنسان إلى الحفاظ على الآخرين، التوحيد الذي يمنع الفرد من الاعتداء على حقوق الآخرين، ليس كأي توحيد، الإيمان الذي تبنيه هذه السورة العظيمة وتدعو الناس إليه عبر عشرات الوسائل المختلفة التي تعرضها الآيات توافق الفطرة تتكلم عن الوجدان، تخاطب العقل تخاطب وسائل متنوعة، لماذا؟
لأن قضية الإيمان قضية محورية في حياة الفرد والمجتمع والعالم، المجتمع الإنسان، الأسرة الإنسانية، ولذلك جاء الحديث عنها قضية الأمن.


وإبراهيم عليه السلام كأن موذج كل الأمم التي تؤمن بالشرائع السماوية تؤمن بإبراهيم، إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، إبراهيم عليه السلام أنموذج لفرد عايش معنى الأمن، أمن من الصراع الداخلي الذي كان موجوداً في وسط ذلك الصراع هو كان موجود في وسط ذلك الصراع بين قومه، ولكنه كان يعيش في أمن، ثم الأمن الذي حتم وجود مصادر الخوف والقلق، ما سلم منه، الأمن الذي تحقق به وهو في النار، ألقى به قومه في النار، ولكنهم حتى وإن ألقوا به في النار لم يتمكنوا من سلبه من الشعور بالأمن، لماذا؟

لأن الإيمان كان متكرساً في قلبه، يقين لا يخاف ما أشركوا بالله سبحانه وتعالى، لا يخاف شيء أدرك آمن تيقن، وصل إلى هذه المرحلة من الأمن، ثم الأمن الذي شعر به كذلك حين هاجر من وطنه ومن بلده، والأمن الذي شعر به حين ترك زوجته هاجر، وابنه إسماعيل في وسط الصحراء، الأمن هنا ليس بمعنى: أن الإيمان يدفع بالإنسان إلى التواكل وعدم الأخذ بالأسباب، ولكن تلك القوة الداخلية التي يحدثها الإيمان نتيجة لذلك الشعور بالسلام الذي يستشعر به المؤمن، المؤمن يشعر بسلام داخل، سلام نتج نتيجة طبيعية جداً لعلاقته الوثيقة بالله سبحانه وتعالى التي لا تغير الأحوال ولا تبدلها الابتلاءات والامتحانات، ثم تأتي الآيات بالحديث عن كل الأنبياء، الأنبياء الذين ساروا على نفس سيرة إبراهيم عليه السلام، تدبروا في الآية قال: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم)[الأنعام:83].
رفعه بالإيمان الرفعة الحقيقة هي بالإيمان، وليست كما يتوهمها بعض الناس، بعض الناس يعتقد أن الرفعة بالمال أو الجاه أو المنصب أو ما شابه ذلك، كل هذه الأعراض المختلفة كلها أمانات، تكاليف، لتصب في قضية الامتحان، ولكن الرفعة الحقيقية التي ينعم بها الإنسان رفعة الإيمان، الإيمان هو الذي يرفعك وعدم الإيمان أو الكفر والجحود والعياذ بالله هو الذي ينزل بالإنسان إلى درجة الانحطاط الحقيقي الذي لا يليق بإنسانيته.

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:37 PM
نحتاج إلى إحياء فضيلة الإحسان في حياتنا


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/143.jpg (http://www.manaratweb.com/wp-content/uploads/2016/08/ehsan.gif)

(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ)[الأنعام:84]
تدبروا معي! لم يذكر من النعم هنا ابتدأ بأول نعمة نعمة الهداية قبل كل النعم، لأن الهداية هي أعظم نعمة ينعم بها الإنسان، ولذلك كان المطلب الأسمى الذي يطلبه المؤمن صباح مساء في كل ركعة: اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم[الفاتحة:6] في سورة الفاتحة، نحن لا ندعو بشيء سوى:

اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم[الفاتحة:6] *

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين[الفاتحة:7].
لماذا؟

لأن الهداية هي مطلب المؤمن الحقيقي، إذا هداه الله أتاه كل شيء، كل شيء يأتيه، والهداية هنا الهداية الخاصة التي اختص الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بها.

وتدبروا معي! قال أولاً: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين)[الأنعام:84].
تدبروا! قلنا: إن الهداية منحة من الله سبحانه وتعالى عطاء بدليل قال:
( وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين)[الأنعام:84]
جازاهم على إحسانهم بالهداية، نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى أعظم مطلب لأنه إن لم يهده الله سبحانه وتعالى إليه فماذا يغني عنه كل ما حصله من مكاسب دنيوية ماذا ينفع بدون هداية:
( وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين)[الأنعام:84].

ولذلك لكي نتحصل ونتعرض لهداية الله سبحانه وتعالى هذه الهداية التي يكلمنا عنها هداية الله عز وجل لأنبيائه نحتاج أن نتخلق بالخلق الحسن بقدر ما نحسن إلى أنفسنا، والإحسان في حقيقته: هو إحسانك لنفسك، فأنت حين تحسن في عبادتك على سبيل المثال في صلاتك: إنما تحسن لنفسك، يحسن في عطائه، يحسن في صدقته، يحسن في عمله، يحسن في علاقاته الأسرية، يحسن في صلة الرحم، يحسن في علاقاته مع الجيران، في كل أشكال الإحسان المختلفة، نتعرض ونطلب الهداية من الله عز وجل بالإحسان أن نكون من المحسنين، الله سبحانه وتعالى يحب المحسنين، ولا يتحصل الإحسان ولا مرتبة الإحسان دون مراقبة الله عز وجل، وتصدر الإحسان أعمال الأنبياء:

( وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين)[الأنعام:84]

كلهم أحسنوا كل هؤلاء في حياتهم نماذج في الإحسان، يعقوب على سبيل المثال عليه السلام أحسن في صبره، أحسن في عفوه، أحسن في تعامله مع أبنائه، أحسن كان من المحسن.

نوح عليه السلام نفس الشيء، داود عليه السلام وسليمان أحسنا في أي شيء؟
أحسن في الحكم، أحسنا في الاستخلاف، أحسنا في كل شيء، أيوب، ويوسف عليه السلام ذكر الله عز وجل عنه في السور إنه كان من المحسنين رجل من المحسنين أحسن في صبره أحسن في الامتحان الذي تعرض له في أكثر من موضع أحسن في عطائه أحسن في عمله، أحسن في إداراته أحسن في نصحه الإحسان، الإحسان عبادة الأنبياء، فإذا أردت أن يهديك الله سبحانه وتعالى هداية خاصة تتعرض لها بإحسانك إحسانك في كل شيء، إحسانك في العطاء، فالإحسان فضيلة لابد للإنسان لكي يحصل عليها وينعم بها ويترقى إليها أن يتخلص الأناني، هي من نفس الكلمة إحسان:

(وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[القصص:77].


فنحتاج إلى إحياء فضيلة الإحسان في حياتنا، ألا يكون جانب من جوانب الإحسان على سبيل المثال ألا يكون تعاملنا مع الآخرين بالمثل، أحسن أُحسن إليه، لم يحسن إليّ لا أُحسن إليه، إذاً فأين الإحسان، إن أنت إذا أحسنت إلى الآخرين بناءً على إحسانهم إليك أنت لست متفضل بهم، ولكن أن تقابل الإساءة بالإحسان هنا يبدأ الترقي.
قال: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِين)[الأنعام:85].
الإحسان يولد الصلاح، ويولد الإصلاح الذي أمر الله سبحانه وتعالى به وأقام به الدنيا، وأنزل الكتب من أجله، نهى عن الفساد عن ما يضاده ويناقضه، ويقابل الفساد الإصلاح:

(ومن آبائهم وذرياتهم).

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:41 PM
كيف يتفاضل الناس فيما بينهم؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/144.jpg (http://www.manaratweb.com/wp-content/uploads/2015/03/al-takwa.gif)



( وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِين)[الأنعام:86]
كيف يتفاضل الناس فيما بينهم؟
تدبروا في الموازين التي يضعها القرآن لنا، عند الناس الناس يتفاضلون بناءً على المراتب التي اخترعها بنو البشر، مال، جاه، منصب، كما ذكرنا، ولكن التفاضل عند رب العالمين سبحانه وتعالى قال:
(وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِين)[الأنعام:86]
فضلهم بأي شيء؟
بالإحسان بالصلاح بالهداية بالنبوة، فإذا كانت النبوة هي مرتبة اصطفاء يصطفي سبحانه وتعالى من يشاء من عباده، ولكن الإحسان والصلاح الذي يمكن أن نتفاضل به نحن كبشر، هذا أمر في مقدورنا، هذا هو ما اختبرنا فيه، وهذا هو ما أمرنا به: أن نحسن، إذاً وسيلة التفاضل ومراتب التفاضل فيما بيننا كبشر: إنما في إحساننا في زيادة وفي كثرة إحساننا وصلاحنا وعطائنا، هذه المعايير التي يبنيها القرآن العظيم، ولذلك جاء الحديث هنا مرة أخرى على الهداية قال:
( وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم)[الأنعام:87] *
(ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ )[الأنعام:88].



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/145.jpg (http://s017.radikal.ru/i437/1602/52/b0a36b75bb0c.jpg)

الكلام عن الهداية، ثم الآيات التي بعد ذلك:
(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام:90].

تدبروا معي! إذاً هو الهدى الإيمان حقق الهدى، والمطلوب في حياتي أن يكون لي هدى، لأن بدون هداية، وتأملوا في الربط، نحن قلنا في بداية سورة الأنعام، وفي آيات عديدة في السور تكلمت عن الظلمات والنور، الظلمات نتيجة للظلام، شيء طبيعي للظلام، النور: نتيجة للهداية، فربي سبحانه وتعالى حين يعطي المؤمن الهداية إنما هو في واقع الأمر يهديه ويوصله ويرشده إلى النور، والنور يحقق له الهداية في نفس الوقت:

(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِين)[الأنعام:90].

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:42 PM
اسباب قلة البركة

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/09/146.jpg (https://pbs.twimg.com/media/CE_ylseUMAEFhiQ.jpg)
(وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)

تدبروا في وصف القرآن:

(مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)

وصف القرآن ما هو هذا القرآن؟ ما هو هذا الكتاب؟

قال: (مبارك) كتاب كثير البركة، والبركة التي يحدثنا عنها القرآن بركة حسية وبركة معنوية، كلمة (بركة) مأخوذة من معاني الزيادة والنماء، زيادة والنماء حسياً أو معنوياً، ما من إنسان وما من عبدٍ يقترب من هذا الكتاب بنية فعلاً أن يهتدي به إلا ووجد البركة في حياته بركة في الرزق، بركة في العلم، بركة في الوقت، بركة في النفس في الصحة، بركة في العيال، بركة في كل شيء، كتاب ربي عز وجل وصفه بأنه مبارك، فكلما اقتربت من كتاب الله وجدت البركة في حياتك، ولكن للأسف أكثر الناس لا يعلمون، نحن نبحث طبيعة الإنسان يبحث عن النماء والزيادة، في الأشياء المحببة إلى نفسه بطبيعة الحال، هذه البركة موجودة في هذا الكتاب، ولكن فقط بمعنى أن يتلى ولا يطبق، طبق في حياتك، سر على المنهج في حياتك وستجد بركة القرآن.

المال الحلال مال مبارك أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه بكسبه، وتزكيته، كل هذه الأشياء تولد البركة، ونحن في زماننا كثيراً من قلة البركة، قلة البركة في الرزق، قلة البركة في الأوقات، قلة البركة في أشياء كثيرة، أين نجد هذه البركة؟ أين نستطيع أن نولد البركة في حياتنا من جديد، أجدادنا في السابق آباؤنا في الماضي كان القليل من المال يكفيهم، لماذا أصبح في حاضرنا الكثير من المال لا يكفي؟

الأسباب متعددة ليس فقط قضية التضخم والكلام الذي نقول: جانب رئيس: هي قضية محق البركة قضية خطيرة جداً، ومحق البركة لها أسباب عديدة منها الكسب المشبوه، الكسب المحرم أشكال متنوعة ومتعددة، ربما نقف عليها في آيات أخر، ولكن ما نريد أن نقول هنا: أن القرآن العظيم كتاب يولد البركة في حياتنا فاحرص عليه، اجعل لك حظاً من تلك البركة اقترب من القرآن، ائتي إلى القرآن بقلب سليم، قلب حريص على الهداية، وتحقق معاني الهداية، قال:

(وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)

ولكن له دور عظيم:

(وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)[الأنعام:92]

فيه إنذار:

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُون)

امانى يسرى محمد
2025-09-30, 09:44 PM
المسؤولية الفردية

الإيمان بالقرآن لابد أن ينعكس على العبادة والسلوك، ولابد أن يولد في الإنسان كذلك إيماناً بالبعث وبالآخرة، ولذلك جاءت الآية:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)[الأنعام:93]

التأويل الفاسد على سبيل المثال شكل من أشكال الافتراء على الله عز وجل، شكل من أشكال الافتراء على الله كذباً، التأويل الفاسد، الإتيان إلى القرآن للاستشهاد به على ما تهواه النفوس، ائتي إلى القرآن وأنا لدي أشياء أجندة معينة، وأريد أن أستشهد من القرآن عليها، أعزز هذه الأجندة بطريقة أو بأخرى، افتراء على الله بالكذب، كل هذه الأشكال والأصناف تدبروا في هذه الآية قال:

(تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُون)[ الأنعام: 93]

الجزاء يوم القيامة عذاب الهون لماذا؟

بسبب هذا الافتراء، لأن هذا القرآن أريد له أن يصل إلى قلوب الناس، أن تصل رسالته إلى الناس، للأسف بعض الأشخاص من خلال تأويلاتهم الفاسدة، وطرق تعاملهم المريضة مع كتاب الله عز وجل حالوا بين الناس وبين القرآن، حالوا بين الناس وبين وصول رسالة القرآن، قضية خطيرة جداً، ولذلك قال:

(تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ)

يتأول يفسد على الناس دينهم من خلال تلك التأويلات الفاسدة، والتبرير لأخطائه ونزواته ومشاريعه، وأهواء نفسه ومصالحه، اقتطاع الآيات من سياقاتها من مواضعها، طرق متنوعة تعددت الأشكال والنهج واحد، نهج الافتراء على الله سبحانه وتعالى، وهنا ربي عز وجل يهز المشاعر الإنسانية بالحديث عن الآخرة:

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)

تدبروا في الآية وهي تحدثنا عن شيء حاصل يوم القيامة:

( جِئْتُمُونَا فُرَادَى)

قضية مهمة جداً الحديث عنها، لماذا؟ القرآن في سورة الأنعام في هذا الموضع بالذات يعزز مبدأ المسؤولية الفردية، أنتم لن تأتوا كجماعات وطوائف وفرق حتى وإن أنتم في الدنيا قسمتم أنفسكم بناءً على تيارات أو جماعات أو طوائف، هذا ما أنتم توصلتم إليه، ولكن الحقيقة والواقع أنكم تأتون فرادى كما خلقناكم أول مرة، كل إنسان مسؤول عن نفسه، مسؤول عن اختياره، مسؤول عن عمله، مسؤول عن عقيدته، مسؤول عن إيمانه، ولذلك القرآن يعيب كثيراً على الكفار ما صاروا عليه بناءً على اعتقادهم بعقيدة الآباء والأجداد:

(قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُون)[الشعراء:74]

من قال لك أن تفعل ما فعله غيرك من أب أو من جد أو من قريب أو من غير ذلك؟

من قال: أنت المطلوب منك أن تسير على هذا النهج العظيم.

( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)[الأنعام:94]

إنسان في انتماءاته المختلفة في الدنيا يريد أحد يقترب في الدنيا يشفع له يقربه من هنا يتوسط له،ولكن يوم القيامة عليه دائماً أن يتذكر أنه لن يجد هؤلاء من حوله:

(تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُون)[الأنعام:94].

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:29 PM
خطوات الإيمان


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/5.jpg (http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10741/06.jpg)
تقطع بينكم تلك الأواصر المبنية على الباطل تقطعت يوم القيامة، تقطعت بهم الأسباب، لماذا؟ ما كان لله وفي الله دام، وما كان لغيره انقطع وانفصل في الدنيا وفي الآخرة، وتوجيه رائع في بناء العلاقات داخل المجتمع علاقات الولاء والشفاعات وما شابه، لابد أن يكون لها مقياس ومعيار واضح في حياتنا، ما هو المعيار؟ الإيمان، العلاقات تبنى على هذا الجانب الرائع، ولا تبنى على قضية المصالحة الفردية أو المصالحة الخاصة التي سرعان ما تتقلب، وهو ملاحظ في زماننا تماماً، وتدبروا كيف تنتقل الآيات هذا الانتقال الرائع لتبين أن العلاقة الحقيقة والإيمان لابد أن يتوجه للخالق وحده:

(إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)

وتدبروا في الوصف:

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُون)[الأنعام:95].


أعطى مثل واضح حسي: (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) الحب والنوى شيء حي وشيء ميت، فالذي أراك هذه القدرة في الحب وفي النوى، هو سبحانه الذي يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي، لأن كفار قريش في أزمنة متعددة يجادلون في قضية البعث وقدرة الله سبحانه وتعالى على البعث والإحياء بعد الموت، في حين أنها صورة واقعة حاصلة أمام أعينكم في قضية الحب والنوى، فهو سبحانه وتعالى فالق الحب والنوى، فكيف تجادلون بعد ذلك في قدرته على الإحياء والإماتة.

(فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم)[الأنعام:96].

تدبروا في تلك الصور المتتابعة صور كونية حسية مرئية مشاهدة

ليعزز هذا المعنى العقلي.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)[الأنعام:97]، فالذي جعل النجوم علامات وهدايات يهتدي بها المسافر في ظلمات البر والبحر ألا يجعل لكم كتاباً تهتدون به في ظلمات الحياة، وفي طريق الدنيا التي تسيرون فيها:

(وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)

وتدبروا في نهايات الكلمات، الآية

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا)

قال في ختامها: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون)[الأنعام:97].

والآية التي بعدها: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)ختمها بقوله:

(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون)[الأنعام:98].

والآية التي بعدها التي قال فيها سبحانه:

(وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ)

أنهاها بقوله:

(إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون)[الأنعام:99]

علم، فقه، إيمان،

الإيمان لا يتولد هكذا فجأة،

أوصلك إلى الطرق والخطوات:

أولاً: علم، معرفة، معرفة متولدة من استعمالك لوسائل الإدراك التي زودك بها الخالق سبحانه، فأنت تنظر وترى في السماء نجوم، وتدرك أن لها غائب، وأن تستعمل قضية النجوم حين تسير فتعرف الاتجاه من هنا أو من هنا، فكيف تقبل أنك تهتدي وتحتاج إلى النجوم لكي تهتدي بها يوصلك لقضية الإيمان، يستدل من تلك الدلائل المبثوثة في الكون الدالة على قدرته عز وجل على القضية الرئيسية محور السورة الإيمان.

بعد العلم يأتي الفقه الذي هو معرفة دقيقة تحتاج إلى خطوات أعمق:

(وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ)

كلام عن السماء، كلام عن الماء، كلام عن الثمار:

(انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ)

انظروا تدبروا في الأمر بالنظر، أعظم وسيلة من وسائل تعزيز وبناء الإيمان والاعتقاد الصحيح إدامة النظر في الكون:

(انظُرُواْ)

أمر، ولذلك قلنا في بدايات اللقاء أن قضية التلقين في الإيمان لا تولد ذلك الإيمان الذي تريد بناءه سورة الأنعام الإيمان القوي، الإيمان الفاعل الإيمان الذي يحرك الإنسان نحو الإحسان والصلاح، والإصلاح والفاعلية في حياته في نفسه في مجتمعه، في العالم، هذا الإيمان.

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:31 PM
حرية الاعتقاد في الإسلام



(فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ)[الأنعام:104].
قرار الإبصار وقرار البقاء في العمى، قرار شخصي فردي يتخذه الإنسان لنفسه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ)[الأنعام:104]

البصائر موجودة هذا الكتاب قد أنزل إلينا، وهو في حد وصفه هو في ذاته بصائر، هو في ذاته نور، آياته تنير الطريق، آياته تبدد الظلمات، ولكن القرار بيدك أنت، تريد أن تبصر لنفسك، اختار العمى فعليها فقط، ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك:
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين)[الأنعام:106].



اتباع لا يكفي أنك تحمل النور في يدك أنت الآن إذا أردت تمشي في طريق مظلم وفي يدك مصباح لا يكفي فقط أن تنظر إليه أن تحتاج أن تحمل المصباح وتسير في الطريق لينير لك الطريق ولله المثل الأعلى، القرآن لا يكفي أن تقرأه فقط وتنظر إليه، فيحقق لك هذا النور وانتهينا، لا، لابد أن يكون هناك اتباع:

(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)[الأنعام:106]

احمله باتباعك له، احمله بتطبيقك لمنهجه وأوامره وتشريعاته.

وتدبروا معي في الآيات بعد ذلك قال:

(وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل)[الأنعام:107].

وهنا كثير من الناس يقع في لغط في سوء فهم، مشيئة الله عز وجل أن أعطى للإنسان حرية الاختيار قرار الإيمان قرار اختياري، إيمانك بالله قرار اختياري، هو أعطاك هذه الحرية للاختيار:

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً)[هود:118]

ولكن أعطاهم حرية الاختيار ليختاروا ويكونوا بالفعل بعد ذلك يكونون مسؤولين كذلك عن ذلك الاختيار، تختار ولكن أنت مسؤول عن ما تختار، وهذا أمر مفهوم جداً ومعقول جداً في حياتنا نحن مساءلين، ومسؤولون كذلك عن اختياراتنا نختار ولكن الإنسان مسؤول عن اختياره.



وتدبروا معي في الآيات التي قلنا قبل فترة قلنا قليل: أن القرآن كتاب يكرس احترام قيمة الدين كدين قال:(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ)[الأنعام:108]
لابد أن يكون هناك حيز ومساحة لاحترام المعتقد الديني:
(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام:108]
أنت حين تسب أديان الآخرين سيسبوا دينك كذلك، وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى، ما المطلوب إذاً؟ المطلوب أن تكون هناك مساحة محترمة تحترم في الأديان والمعتقدات بناءً على أي شيء؟ على احترام اختيار وحق الإنسان في اختيار معتقده، وهذا لا يمنع أبداً من أن يكون هناك محاججة ومناظرة وبيان للأدلة وكلام ونقاش كما كان في سورة الأنعام، هذا لا يمنع أبداً من توضيح الأشياء والأدلة أبداً، ولكن لابد أن يكون هناك مساحة للاحترام حتى لا يصبح هناك تطاول على الأديان كما هو حاصل في زماننا، لا يليق بعالم البشرية ولا بعالم الإنسانية، ولذلك قال بعدها:
(ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون)[الأنعام:108] *


(وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ)[الأنعام:109] يريدون مرة أخرى قضية الآيات، ولكن في واقع الأمر وحقيقة الأمر: أن القضية واضحة كما هي: الآيات موجودة، تؤمن بها خذها كما هي وعليك بالإيمان، ولكن لا مزيد نم الآيات والمعجزات الحسية ليست كثرة وعدد الآيات هو الذي يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى أو يجعلنا أكثر إيمان، وإنما القضية متعلقة بالقلب محل الإيمان، ولذا قال: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)[الأنعام:110]
لماذا؟

لأن محل الإيمان هو ذلك القلب الذي على الإنسان أن يتوجه به تماماً، وتستمر السورة العظيمة في الحديث عن قضية الآيات، الآيات التي كان يطالب بها هؤلاء، والتي لن تزيد هؤلاء إيمان، ولن كذلك تزرع الإيمان في قلوبهم، والكلام واضح جداً رسالة قوية الإيمان يتجدد ويجدد في قلب الإنسان حين يفتح هذا الإنسان وسائل ومسامع الإدراك في قلبه التي أعطاه الله سبحانه وتعالى، ويقوم بعملية شحنها من جديد، وتقليبها واستعمالها لأجل أن تقوم بإيصاله لخالقه سبحانه، هكذا الإيمان في سورة الأنعام.

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:32 PM
ذم الاكثرية في القران

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/6.jpg (https://s-media-cache-ak0.pinimg.com/236x/cb/d1/54/cbd154348a04d1b9a9153193784c86 25.jpg)

(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ);الأ نعام: 116
قضة فعلا تلفت الانتباه , الاكثرية ! الاغلبية ! ان تطعهم يضلوك عن سبيل الله ! قضية خطيرة جدا قضية خطيرة خاصةً حين ننظر في حياتنا الى طبيعة المعايير التي اصبحنا نتعامل فيها مع الاشياء
نحن في كثير من الاحيان سواء انتبهنا الى ذلك ام لم ننتبه نجري وراء الاغلبية نجري وراء راي الاكثرية من الناس الاكثرية من الاشخاص اوالغالبية من اصحاب المواقف المختلفة اصبحوا في حياتنا وفي واقعنا يوجدون شيئا من الشرعية للامر , فالناس باتت حين تنظر حتى على سبيل المثال حتى في الاشياء البسيطة احيانا في الاقبال على شراء منتج معين على سيل المثال تجد ان كثيرا من الناس يسارعون الى شراء ذلك المنتج نتيحة لكثرة اقبال الناس عليه ” الكثرة” ” الزيادة في العدد” اصبحت من المقاييس والمعايير التي تقاس بهاا صحة الاشياء من عدمها نفعها من ضرها

والقران في هذه الاية العظيمة يعدل لنا الموازين , القران العظيم يعطينا مقياس واضح لاجل ان تكون لدينا معايير واضحة معايير غير متقلبة لا تتقلب وفق امزجة الناس ولا اهوائهم , قد يسارع اكثر الناس الى شيء ويعتقدون انه نافع ولكنه ليس كذلك بهذا الشكل ولا بهذه الحدفية
( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ*
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ)
اذا على اي اساس يكون المعيار والمقياس ؟
المعيار لديك المعيار موجود في هذا المنهج العظيم المعيار موجود فيما يرضي الله عزوجل لان الذي خلق سبحانه وتعالى لا يحابي احدا من الناس , الناس قد يقعون في هذه الاشكاليات قد يحابون قد يتعرضون للظنون التوهمات الاوهام توهم اشياء غير صحيحة بعيدة عن الحقيقة بعيدة عن اليقين غير مطابقة للحقيقة ولا لواقع الامر وهو مهد لذلك سبحانه وتعالى في تلك الايات حين قال
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) [سورة الأنعام:112].

هنالك اقوا ل مزخرفة ولك ان تتخيل الان في حياتنا قضية الراي العام اصبحت قضية مسيطرة على كثير من نواحي الحياة ومعروف تاثير الراي العام وحتى في جوانب الاعلام معروف ما مدى تأثير الراي العام على اتخاذ القرارات وتسيير الامور ولكن الراي العام ينبغي ان تكون له اسس ان تكون له معايير ان تكون هناك اشياء ثابتة يرجع اليها الناس اشياء لا تتقلب بتقلب الامزجة ولا بتغير الاشخاص ولا بتبدل المصالح

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:33 PM
خطوط حمراء أمامك أيها المسلم ، فلا تتعدى حدودك !!







https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/7.jpg (https://pbs.twimg.com/media/CGIJ57rWUAE4VL1.jpg)



مَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوْا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيْرًا لَّيُضِلُّوْنَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِيْ نَ. (سورة الأنعام أية 119).



فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ(118)ا انعام
اذا كنت مؤمناً بالايات وبالقران لابد ان يظهر اثر ذلك الايمان في سلوكك وفي حياتك, في طعامك وفي شرابك, في تذوقك للاشياء, في دخولك واستعمال لتلك الاشياء التي خلقها الله وسخرها الله لك


والانعام كما نعلم هي خلق من خلق الله التي سميت بها السورة , خلق من خلق الله عزوجل
هو الذي سخرها لنا , فلذلك الانسان عليه دائما وابدا حين ياتي الى هذه الاشياء في الكون ليستفيد منها و ينتفع ان يستحضر هذه الحقيقة , ان هذه الاشياء سخرت له لاجل ان يستعملها على الوجه الذي امر به الله سبحانه وتعالى الذي خلق
(وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )
الحرام مفصل في كتابه , بعضا من الاشخاص يبحثون عن الرخص يبحثون عن الاشياء التي فيها خلاف في قضايا معينة


القران في هذا الاية العظيم بين لي قال
( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)
المحرمات مفصلة في كتابه, الخطوط الحمراء التي لا ينبغي للمؤمن ان يقترب منها فلا ياكل مما لم يذكر اسم الله عليه , لماذا ؟ القضية ليست قضية قول او كلمة ,هي ليست مجرد كلمة او شعار , بسم الله الرحمن الرحيم و انتهينا ! لاء , القضية تتعلق بعمق الايمان الذي يحمله المؤمن في قلبه , انت تشهد وقلبك ينبض بالايمان به سبحانه ويقول : تقولها باللسان اشهد ان لا اله الا الله وانت ان لم تقل هذه الشهادة لا يمكن ان تدخل في هذا الدين , فكيف لا تذكر هذا الاسم على ما تاكل؟ كيف؟ لا يمكن


(وَإِنَّ كَثِيْرًا لَّيُضِلُّوْنَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ )
اذا شريعة الهوى.مقابل شريعة الله عزوجل هؤلاء الذين لا يحرمون الحرام ولا يقفون ولا يريدون ان تكون هناك خطوط حمراء في حياتهم , يريدون ان يسيروا في حياتهم كما تسير الانعام بل هم اضل في واقع الامر, الانعام لم تطلب منها الاشياء التي طلبت من بني البشر ولكن للبشر خطوط, خطوط حمراء هذه الخطوط هي الي تنظم حياته ومعيشته وهي كذلك التي تظهر انسانيته , الانسان ليس انساناَ في القران بناءا على تلك الكومة من اللحم والدم لاء , او الشكل , الانسان انسان بانسانيته وجزء من انسانيته لا يتجزا هو ما يعتقده وما يؤمن به حين لا تسيره الاهواء حين لا يصبح نهبا لاهواء و امزجة وشهوات تسيره وتتحكم فيه بل الذي يتحكم فيه ما يريده الله عزوجل منهجه وشرعته

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:35 PM
باطن الاثم : الخطر الاكبر في حياة المسلمين



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/8.jpg (https://i.ytimg.com/vi/Kef48LxJZxU/maxresdefault.jpg)



وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)



(وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)


ليبين لنا ان الحلال ليس فقط هو فالاشياء الظاهرة لاء, الاثم اثم جامع لكل ماحرمه الله عزوجل ظاهرا وباطنا, وذكرنا في امثلة سابقة حين تدبرنا في سورة النساء قلنا: بعض الاشخاص لا يمكن ان تحدثه ابدا لا يمكن ان تحدثه نفسه بان تمتد يده الى تناول لحم الخنزير مستحيل , او الميتة او ما شابه مستحيل , من المسلمين شيء عظيم جدا ولكنه لا يتورع في نفس الوقت عن ان تمتد يده الى اكل اموال الناس بالباطل , رشوة اختلاس ربى اكل اموال اليتامى و سيأتي الكلام في سورة الانعام عن اكل اموال اليتامى اكل حرام

فكما انك لا يتبغي ان تاكل مما لم يذكر اسم الله عليه لا ينبغي لك ان تاكل من كافة المحرمات المعنوية التي لم يظهر لك حساً او ظاهرا انها محرمة , بمعنى ليست من مالم يذكر اسم الله عليه , ليست منخنقة ليست لم تذبح على النصب , ليست لم لم لم , مافيها من هذه الاشيا ء ولكن فيها عطب من نوع اخر , ماهو نوع ذلك العطب ؟ العطب الباطني المعنوي , ربى اختلاس باطل اكل اموال الناس بالباطل غش تدليس , وهذه الايه دستور في حياة المؤمن لا ينبغي ان يتخلف عنها وتتدبروا في بقية الاية قال عزوجل


(وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)



عجيب ! يكسبون الاثم ! سيجزون بما كانو بقترفون!


وللاسف للاسف الاثم ظاهره وباطنه, القران يتحدث عن الاثم وقال :


ذروا ظاهر الاثم وباطنه .

وللاسف في حياتنا اليوم نحن كمسلمين عشرات المظاهر التي ماعاد الناس يفرقون بها بين ظاهر الاثم وباطنه كمثال الغش , الغش بكل اشكاله وصوره , الغش ليس فقط في الاشياء البسيطة التي تعلمنا عليها ونحن في الصغر , الفاسد يأخذ ويترك على جنب وثم يوضع من فوقه شيء صالح في بضاعة او منتج او ماشابه الى اخره , تعدى هذا بكثير .

اليوم لدينا ظاهرة خطيرة كثرا من المؤوسسات االتعليمية من مدارس من معاهد من جامعات بمستويات مختلفة اظهرت الغش , الغش في الامتحانات الغش في البحوث الغش الدراسات الغش في المشاريع الغش في الرسائل الجامعية الغش في كثير من الاشياء, الانتحال الاكاديمي ان ينتحل الانسان افكارا و اشياء ليست له ولكن ينسب هذه الاشياء لنفسه لتظهر باسمه هذا غش هذا من باطن الاثم , والله سبحانه وتعالى نهى عن كل تلك الاشياء نهى عن كل اشكال التزوير والانتحال

المؤمن ليس بخداع ليس بغشاش ولا يدرك هؤلاء انه حين يتكسبون بتلك الوسائل من الغش او من تلك الوسائل الربحية القائمة على الغش والتزييف والتزوير انما هم في واقع الامر ياكلون اموالا حرام مشبوهة اقل ما يقال عنهم . فالانسان الذي يدخل على نفسه وعلى بيته وعلى اولاده واسرته اموال فيها شبهة و حرام هذا كيف له ان تستقيم الحياه معه علاقة اوادبا او تعلما او تشريعا كيف ؟ الحرام واحد لا يتجزء سواء كان مما لم يذكر اسم الله عليه او كان من اشياء اخر, ظاهر الاثم و باطنه ولذلك جاء القران في الاية التي تليها و قال


{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهِ عَلَيْهِ...} الآية. [121]


قضية خطيرة قضية تشكل هوية الايمان هوية الانسان المؤمن تميزه عن غيره تطرح قضية الرسالة الايمانية رسالة القران , انت اريد منك ان تقوم بعملية ايصال الرسالة الى امم الارض كيف ستقوم بارسال تلك الرسالة وانت تعيش حالة من التميع , لا هوية ! جوانب من تلك الهوية ان يكون الاكل الذي يدخل في جوفك حلال طيب ليس فيه اثم , فلا تاكل من ما لم يذكر اسم الله عليه

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:38 PM
الجدل المذموم

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/9.jpg (http://islamiyyat.com/wp-content/uploads/2015/01/10926324_1531061243828631_7287 925662451903251_o-1024x720.jpg)

{وَإِنّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىَ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }
الجدال في هذه القضية ليس بغاية اظهار الحق من الباطل ,
ليس لاجل التوصل الى الحقيقة واظهارها , اذا هو باي سبب؟
هو لمجرد الجدال لمجرد احداث البلبله في الواقع وهذه نقطة مهمه ,
كثير من الاسئلة التي تتعلق بالحلال و بالحرام في الواقع اصبح الدافع من ورائها اثارت البلبلة والشكوك والتوهمات, فعلى الانسان ان يتقي الله عزوجل قبل ان يسال السؤال قبل ان يتلفظ بالسؤال عن الشيء عليه ان يتذكر و يستحضرتلك المواقف التي مر بها بنو اسرائيل, والقران حذر منها , كانوا يسالون عن الاشياء ولكن ليس من باب الطاعة والاستجابه وانما من باب المزيد من الاسئلة و الجدال ومحاولة التخلص من الخضوع للحكم الشريع وليس من باب التورع ولا الورع وهذه قضية خطيرة جدا , اسئلة كثيرة تطرح ليل نهار خاصة مع ذلك الانفجار المعرفي والمعلوماتي الذي يعيشه العالم وسائل التواصل الاجتماعي

فالناس تسال تسال تسال قبل ان تسال سل نفسك اولا قبل ان توجه السؤال لغيرك , اسال نفسك انا لماذا اسال؟ اريد ان اتعلم ؟ اريد ان اتقرب لله عزوجل ؟ام اريد ان اتخلص من شيء او من عبئ او من حكم او ماشابه؟ تجديد النية وتصحيح النية في هذه النقطة امر في اية الاهمية.وتدبروا معي في الاية العظيمة التي جاءت بعدها ولا ننسى تلك القاعدة العظيمة في التدبر الترابط بين االايات في ما بينها , الذي يكشف عن مقاصد الايات وماتريده الايات مني في حياتي ان اقوم به !

امانى يسرى محمد
2025-10-01, 09:40 PM
كن نوراً لغيرك



https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://c1.staticflickr.com/4/3915/14847719840_04134d5903_z.jpg&key=45198b6694dcbdce02923cd8dd 0fbf03c4924c39f77c6053170d89f9 6b5b0880 (https://c1.staticflickr.com/4/3915/14847719840_04134d5903_z.jpg)

(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

كيف كيف يكون الانسان ميت ثم بعد ذلك يحيى كيف؟

الكفر والظلال والشرك موت , موت لمعاني الانسانية في الانسان لانه الانسان لا يحيى بتلك الانفاس لا يحيى بمجرد ان يكون حيا بمعنى ان تظهر عليه علامات الحياة البيولوجية او الفوسيولوجية ( تنفس , اكل , حركة) صحيح هذه علامات الحياة ولكن العلامات المتعلقة بالبدن , والانسان ما اصبح انسان ببدنه فقط ابدا , ما اصبح انسانا بهذه الخلقة من الطين, اذا بأي شيء ؟


(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ )

الحياة هي في الايمان الحياة هي في ذلك المنهج , الحياة هي في اتباع هذا المنهج العظيم في كتاب الله عزوجل, واحيانا لو تدبرنا فعلا في كتاب الله عزوجل وكذلك في نفس الوقت وهو كما ذكرنا من اعظم قواعد التدبر ان تقرا القران وانت في ذات الوقت تقرا الواقع الذي تعيشه المجتمع من حولك بعين متفحصة عين تبحث عن العلاج لا تبحث فقط عن الداء عين لا تنظر فقط وتقع على المساوء والمعايب فقط لاجل ان تظهرها وتنتقدها فحسب لاء, وإنما تبحث عن النقد البناء بمعنى تقف على تلك العيوب والادواء لاجل ان تبحث لها عن العلاج وتقوم فعلا وتبدا الشروع في معالجتها هذا هو القران و رسالة القران .



القران يعلمنا التفكر يعلمنا ممارسة التدبر في حياتنا في مختلف الوقائع , ماذا لو انك انت كنت لا قدرالله وقع حادث طائرة او حادث سياره او اي شيء من الحوادث ؟ وانت كنت الشخص الذي قدر الله لك ان تنجو من ذلك الحادث ومن حولك اشخاص لا تدري ايهم فارق الحياة ايهم لم يفارق, ما هو دورك كانسان؟

انت الحي الوحيد الذي على الاقل تستطيع ان تقف وتقوم وتقدم المساعدة , الدور الانساني الذي يفرضه عليك ضميرك ان تمد يد العون لهؤلاء ان تساعد ان تنقذ , الايمان حياة الايمان نور وكل ما سوى ذلك وكل ما هو خارج تلك الدائرة موت وظلال , وانت الذي بيدك الان كانسان مؤمن هداك الله عزوجل بهذا القران العظيم لهذه المعاني العظيمة ,


دورك ان تحمل النور وتسير به في تلك الظلمات لتساعد الناس وتنير لهم الطريق كما انار الله لك طريقك , وان تحاول ان تصل في مرحلة لانقاذ هؤلاء من استطعت من مرحلة الهلاك لان الله سبحانه وتعالى كتب لك هذه الحياة بالايمان.

هذا دور الانسان المؤمن

امانى يسرى محمد
2025-10-03, 04:05 PM
احذروا الإعلام المضلل

(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )(124)الانعام
تدبروا معي هنا جاء الحديث عن الرسالة , لماذا ؟ الرسل ؟ الانبياء ؟
هم من اكثر الناس الذين يحملون النور , نور الكتاب نور الايات نور المنهج ,
(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ)
بما كانوا يحولون بين الناس وبين الحق , بين الناس وبين الوصول الى الخير والمعروف والنور , اؤلئك الذين يحولون بين الناس وبين وصول الحقائق اليهم .

وهنا نريد في الحقيقة ان نقف عند بعض الادوار التي اصبحت فعلا تشكل محاور عديدة في مجتمعاتنا تتحكم كثيرا في حياة الناس في واقع الناس للرأي العام دور الاعلام دور وسائل الاعلام , للاسف الشديد بعض هذه الوسائل اصبحت تحول بين الناس وبين وصول الحقائق اليهم , الحقائق التي اقصد بالمعنى العام بدون تحيز بمنتهى الموضوعية بمعنى مطابقة الامر للواقع حتى في نقل الخبر , عليك ان تنقل ذلك الخبر كما حدث في الواقع لا تنقل الراي, رايك شيء اخر عما حدث , الخبر هو هو كما هو وقع في الواقع وحدث ولكن الراي هو تعليق وتصور مبني على اشياء مختلفة , فللاسف البعض اصبح يخلط بين الراي و الحقيقة فيقدم رايه على انه هو الحقيقة والواقع ان الحقيقة هي ماحدث في واقع الامر و ليس هو ما راى الناس هذا شئ ء من المكر, بسيط قد ينظر الناس اليه بشيء بسيط ولكن ليس بهين ولا بسيط فلك ان تتخيل ما يحدث الان في عالمنا و في مجتمعاتنا , كلمة الحق كلمة الخير الكلمة التي فيها نفع للناس , اصبح البعض يحول بين تلك الكلمة وبين ان تصل الى الاخرين , لماذا؟ الاهواء تحكم الاهواء , هل هذا في صالح المجتمع ؟
نحن كمجتمعات كمؤسسات كافراد بحاجة الى اجراء عمليات مراجعة للنفس ,
لا لاجل اظهار العيوب والمساوئ , وانما لاجل المعالجة والتصحيح.
::::::::::::::::::

اهم اسباب انشراح الصدر

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/21.jpg (https://image.slidesharecdn.com/random-091020110008-phpapp01/95/-2-728.jpg?cb=1256036426)

انت حين تشكو من شيء جسدي في جسدك تذهب الى الطبيب لماذا؟ لتظهر العيب؟ لتظهر المرض؟ لا , لتعالج فما بالك حين تصاب ارواحنا وانفسنا وتصاب انفسنا وتصاب اسرنا كذلك بمختلف الادواء والعلل والامراض لا نبادر لمعالجتها ونتصور ان التكتم على الموضوع سينهي القضية وسيأتي بالحل لا, وتأملوا معي في كل الايات التي جاءت بعد ذلك وهي تقدم لنا المنهج , تقدم لنا ثمرات تطبيق المنهج في حياتك , المنهج بكل جزئياته وتفصيله قال
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)الان ام 119
الحرام والحلال منهج متكامل , الايمان كل لا يتجزأ

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}.الانعام
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)و دبروا معي في تلك الكلمات المفردات , المفردات القرانية التي في حقيقة الامر هي تولد مفاهيم هداية انشراح للصدر (يَشْرَحْ صَدْرَهُ)نصا عبارة ,نحن نفتقد لانشراح الصدر اتساع الصدر للاسف في مجتمعاتنا.للاسف في مجتمعاتنا اليوم كثير من الكبار حتى الصغار يعانون من ضيق الصدر , حالة نفسية ضيق الصدر يشعر والقران فعلا تدبروا معي في التعبير وعظمة التعبير قال(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )لماذا؟(كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)يتص د في السماء فعلا العلم كشف لنا الانسان كلما يصعد في طبقات الجو العليا تقل نسبة الاكسجين فيضيق التنفس عنده , تمثيل واضح مثال واضح وهو فعلا هو فعلا هكذا الانسان يضيق صدره بالكفر , يضيق صدره بعدم الايمان بالله يشعر بالحرج بالضيق بالالم , الم نفسي من تخبط لان الصدر لا يتسع ولا ينشرح الا بتصحيح العلاقة مع الله عزوجل , ولذلك امتنى على نبيه عليه الصلاة والسلام فقال(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)؟شرح صدره بأي شي ؟بالقرانولكن كان قبل ذلك غير منشرح بأي شيء لانه كان يبحث عليه الصلاة والسلام وفي غار حراء قبل نزول القران , عن ذلك الايمان الذي يجيب على كل الاسئلة التي كانت في ذهنه عليه الصلاة والسلام وهو يتدبر ويتأمل فالكون من حوله , الايمان انشراح للصدر حقيقي والبعض قد يقف عند الاية ويقول ولكن الله يقول( يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ)فماذا لو ان الله ما اراد؟الاية اجابت قال (يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)لاب ان يكون لدي استعداد للهداية حتى يهديك الله عزوجل , الاية تتحدث عن اؤلئك الذين لا رغبة ولا استعداد ولا اي مجال لديهم لان يستمعوا لذلك المنهج الى ذلك الكتاب العظيم , هم لا يريدون ذلك هنالك حوائل هناك حواجز حالت بينهم وبين ذلك النور, بمعنى اخر انت حين تكون جالسا في غرفة او في مجلس والمجلس فيه شبابيك نوافذ وانت اغلقت النوافذ كيف يأتيك الهواء؟ كيف يدخل عليك النسيم العليل ؟ انت اغلقت النوافذ افتح النوافذ كذلك القلب كذل الايمان وانشراح الصدر به افتح منافذ الادراك افتح وسائل الادراك , وسورة الانعام من اكثر سور القران تركيزا على تشغيل وسائل الادراك سمعا وبصرا وعقلا وقلبا.

تحريك افتح منافذ الادراك استمع , وحين تستمع للقراء لا تستمع بقلب لاهى او غافل او ساه او معرض , هو قرر في ذات نفسه الا يسمع لهذا القران , اسمع اقبل عليه اقبل عليه بقلب منشرح قلب بنفس منفتحة بنفس تريد الهدى , انت حين تدعو الله عزوجل والمسلم أومر ان يقرا سورة الفاتحة في كل ركعة يركعها , انت تدعو الله عزوجل ليل نهار اهدنا الصراط المستقيم , والله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء ولكن كن متأكدا وانت تدعو بهذا الدعاء ان يكون القلب مقبلا على الله وقت الدعاء مريدا فعلا للهداية

:::::::::::::::::::::::::::::: ::::

سافر إلى الله تلقى ما تُأمّلهُ
لا تخشَ دنياك إنّ الله كافِلُها

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/04/1192911.jpg&key=6ae26cc95dfd06313f73e37632 151ffd547c9f0d9f3a66dcc378ce48 e7ef7a3f (http://img.el-wlid.com/imgcache/2017/04/1192911.jpg)

انت تطلب الهداية وتقول بلسانك اهدنا الصراط المستقيم اطلبها بقلبك سل الله عزوجل بقلبك بعمق الاحساس من قلبك ان يهديك وسيهديك الله سبحانه وتعالى , ولذلك قضية (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ)الان ام 125حلت في نفس الاية اذا الانسان لا يريد الهداية لنفسه لا يسمع لا يبصر لا يتدبر في ايات الله لا فالكون لا فالنفس ولا يسمع القران الا وقلبه لاهٍ اوساهي كيف يريد الهداية هذا !انت امامك فالطريق نحن الان حين نسير فى الشوارع والطرق هناك علامات مرورية اذهب يمين اذهب يسار العلامات موجودة ولكن اذا قرر الانسان ان لا يمشي وراء تلك العلامات هلا ممكن ان يهتدي الى الوجهة التي يريدها وهو لا يسير وفق العلامات ؟ لا .هذا هو القران هذا هو المنهج , انت تريد الانشراح تريد النور في حياتك ان يدخل افتح افتح المنافذ للادراك سر وراء ذلك النور, اما ان ترى النور ولكن لا تحرك ساكنا ولا تحاول ان تقترب منه او ربما حتى تغلق وتحول بين ذاتك وبين وصول النور اليك , كيف يصل النور؟وتدبروا معي قال الله تعالى( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)الانعام )تدبروا فالربط فيما نقول وفي هذه الايات العظيمة صراط ربك مستقيمَ الصراط هنا هذا هذا اسم اشاره للقريب امامك الطريق مستقيم فصله لك , بمعنى اخر ان لا يمكن ان يكون هناك انشراح فى الصدر وفي حياتك وفي قلبك واتساع بدون ان تتبع الصراط المستقيم ولو طفت الارض شرقا وغربا .بعض الاشخاص حين تضيق صدورهم ونفوسهم يعتقدون ان الترويح والترفيه يحل القضية , فعلا ممكن ولكن كذلك لا ينبغي ان ننسى قبل ان تبحث عن الترويح والترفيه والتنزه وقضاء الاوقات بالاجازات والسفر وتسافر بعيدا ابحث في اعماق قلبك وصدرك عن اسباب الضيق , اذا بحثت عن اسباب الضيق فعلا في داخل نفسك فوجدت ان تلك الاسباب تتعلق بعلاقتك مع الله .

صحح العلاقة وسافر الى الله الى ربك قبل ان تسافر بعيدا في مشارق الارض ومغاربها . قلبك معك اينما سافرت واينما حللت , فكرك معك اينما سافرت لا يتغير ولكن انت غيره وفق المنهج الذي جاء به ربي سبحانه وتعالى , لهؤلاء الذين يمشون على صراط مستقيم في الدنيا جاء بالثمرة شرح الصدرصدور منشرحة , قضية شرح الصدر قضية في غاية الاهمية قد يكون الانسان فقيرا معدما تعيش اسرة كاملة في بيت جدا صغيرة من غرفة اوغرفتينولكن قلوبهم منشرحة الصدور منشرحة, باي شي ؟

بتلك العلاقة بحسن الظن بالله عزوجل جميل التوكل عليه بنور اليقين به , وقد يسكن الانسان قصرا متعدد الطوابق والغرف متسع جدا ولكنه يكاد يختنق تحت جدرانه واسقفه .
:::::::::::::::::::::::
تذكر الآخرة وتذكر الموت يعينك على إحياء قلبك

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/22.jpg (http://cdn1.xn--sgb8bg.net/wp-content/uploads/quote/quote_19241.jpg)

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)الانعام 128
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا )
الحديث عن الاخرة ثمرات الايمان بالمنهج والسير بالنور في الحياة نور القران العظيم فالدنيا هذه الثمرة حياة وانشراح صدر وفي الاخرة دار السلام , وفي الموقف في موقف الحشر سيحشر الناس جميعا

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ)

قضية الصراع الموجود قضية الابتلأت وطبيعة الاختبار في الدنيا , كان العرب فالجاهلية يعوذون برجال من الجن والقرأن ذكرها في مواضع في سور اخرى من سورة الجن ( كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقَ ) كانوا يعتقدون ان الجن لديه قوة خارقة فاذا مالاذوا ولجأوا الى ذلك الجن فسيصبحون في مأمن نوع من انواع الحماية , الجن يوفر لهم حماية هكذا يتوهموا وكانوا اذا نزلوا منزلا وخاصة فالليل قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي من الجن , تدبروا معي

(اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)
لماذا؟
لان الخطاب قال الله عزوجل بعدها
({يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُ مْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) الانعام}

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي )
الجن والانس امم وجه الله لها رسل قال
( وما خلقت الجن والانس الا لييعبدون )
فالرسل جاءتكم
( يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُ مْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا)

استحضار مواقف يوم في القيمة اثناء الحديث عن المنهج دليل واضح على ان الانسان مما يخفف عنه المشي والسير وفق ما اراد الله عزوجل وفق المنهج في الحياة لانه يواجه بتحديات بعوائق بصعوبات ان يستحضر يوم القيامة مواقف يوم القيامة فتطيب نفسه وتهدأ ويهدأ قلبه

هذا التواصل المستمر مع الاخرة لماذا؟

حتى لا يقسو قلبه لانه قسوة القلب تميت فيه مواطن الحياة

والقدرة على استقبال القران العظيم

كثرة ذكر الاخرة استذكر الاخرة قضية في غاية الاهمية في حياتنا , نحن نؤمن بالاخرة اليوم نحن كمسلمين نؤمن بالاخرة , ليس الاشكالية بالايمان فقط الاشكالية اننا نؤمن بالاخرة ولكننا لا نذكرها احيانا الا قليل نحتاج ان نقوم بزيادة في جرعات التذكر لماذا؟

حتى لا يحصل لدينا الاغترار بالدنيا
:::::::::::

لا عقاب إلا بعد إنذار

ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) الانعام

الانسان المؤمن عليه ان يمشي , ربي عزوجل جعل له نورا واحياه بالايمان فعليه ان يمشي بين الناس بذلك النور بمنهج التطبيق في حياته

تخيل نفسك كانك تحمل مصباحا او شمعة وكل ما حولك ظلام فعليك ان تسير ان تمشي و المؤمن بمنهجه وسيره وفق ما امر الله سبحانه وتعالى هو يمشي بين الناس وهو معه نور , جعلنا له نورا يمشي به فى الناس لماذا؟

لاجل ان تمنع من اتساع دائرة الفساد والمفسدين وتحكم اكابر المجرمين في مصائر الامم والشعوب والسنة واضحة في كتاب الله عزوجل القانون هنا

( لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ)
يبعث لهم رسل وقال في الاية التي قبل
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي )
لماذا يأتي الرسل ؟
حتى لا يكون هناك غفلة , الناس لا يكونون في غفلة وبالتالي اذا وقع العقاب او العقوبة الجماعية هنا ؟ تأتي بناءا على على اي شيء ؟
تأتي بعد الانذار وعدم الاستجابة ولكن ليس قبل ذلك.
ارسل الرسل انزل الكتب انذر الناس انذرهم من اي شيء ؟

انك حين لا تسير وفق ذلك المنهج في حياتك النتيجة هي الهلاك والهلاك كما ذكرنا في مرة السابقة الهلاك الدنيوي فقر مجاعات كوارث طبيعية تهجير اعتداء غزو خارجي قتل سفك دماء ضرب اشكال متنوعة تفرق تمزق طائفية اشكال متنوعة وليس شكلا واحدا. مالسبب ؟
عدم اتباع المنهج
( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132)ا انعام
لماذا المنهج والاوامر ؟
لاجلنا نحن ولكن تطبيقنا للمنهج في حياتنا لن يزيد الله شيء فهو الغني ومن رحمته ان انزل ذلك المنهج ارسل الرسل وانزل الكتب

( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133الانعام

تدبروا في الايات يستخلف ؟
لماذا الحديث هنا عن قضية الاستخلاف والمداولة ؟
تذكير الناس بحاجتهم لتطبيق المنهج وبدورهم في الحياة في تطبيق المنهج

{ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 )
لديك فرصة محدودة سواء كنت فردا او مجتمعا او امة طبق المنهج كما اراد الله عزوجل إن لم تُطبق خلال تلك الفترة المحدودة يستخلف قوما اخرين ,

هل يزيد او ينقص ذلك في ملكه شيء ؟ ابدا.
:::::::::::::::::::::::

وظفْ إمكانياتك

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/23.jpg (https://tahanish3lani.files.wordpress. com/2014/01/image15.jpg)

(إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (134))الانعام
فقرار الايمان وتغيير الحياة وفق منهج الله عزوجل هو لصالحك انت ايه الانسان وليس لصالح احد اخر
(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) )الانعام

ربي سبحانه وتعالى مكن كل فرد منا وكل امة كل مجتمع من اشياء ادوات وسائل ربما يكون ربي سبحانه وتعالى مكنك في علم ربما مكنك في موهبة معينة ربما مكنك في شيء لم يمكن غيرك فيه والمطلوب منك ان تعمل وفق امكانياتك وفق مكانتك وفق ما مكنك الله فيه

اعمل اعمل وحين تعمل عليك ان تستحضر و تدرك ودائما تضع في حسبانك من تكون له عاقبة الدار وعليك ان دائما تضع في حسبانك ان اعمالك معروضة عليه سبحانه فلا تظلم ولا تطغى ولا تقصر ولا تهمل فيما مكنك الله فيه

من الاشياء الملاحظة في حياتنا ان بعض الاشخاص يمكنهم الله عزوجل من اشياء كثيرة مسؤوليات تقع تحت ايدهم على سبيل المثال ” الاعلام” هذا تمكين ربما ربي عزوجل مكنك في جانب معين لديك قدرات في مجال الاعلام ماذا فعلت بها ؟ وظفتها فعلا وفق ما اراد الله ؟ وظفتها فالخير فالنفع ؟ نفع الانسان نفه المجتمع ؟ ام ماذا فعلت بها ؟ هذا سؤال في غاية الاهمية سورة الانعام توقفنا عليه .

توقف كل واحد منا ان يسأل نفسه ماذا عملت في ما مكنني الله فيه ؟ مكنك على سبيل المثال في لغة معينة لغة من اللغات ماذا فعلت بها ؟ تتقن لغة اخرى انجليزي فرنسي الماني ؟ ماذا فعلت بها ؟ هل وظفتها فالخير ؟ هل استعملت تلك الامكانيات فيما يرضي الله عزوجل ؟ وعلى فكرة عدم كذلك توظيف الامكانيات او اهمال الامكانيات والتقصيرفي استعمالها بما ينفع الناس وبما امر الله به هذا ايضا الانسان يحاسب عليه .

بعض الاشخاص لديهم امكانيات مهول لا يفعلون بها شيء وبعض الاشخاص والامثلة اكثر من ان تعد وتحصى هم افراد امكانياتهم محدودة ويقومون بلما لا تقوم به دول وامم تعليما ونفعا وعطاءا وانفاقا واحسانا وبرا وعناية بالفقراء بالمحتاجين شيء عجيب , فرد يقوم بما لا تقوم به مؤسسات و دول واحيانا نجد فرد ايضا اوعطي امكانيات مهولة اموال صلاحيات مسؤؤليات قرارات اشياء مختلفة لا يفعل بها شيء عاجز , العجز والتقصير انت محاسب عليه .

اعملوا على مكانتكم لديك جاه وظفه فيما يرضي الله في اي شيء؟


فالنفع والنهي عن الفساد اقامة الصالح ومنع الظلم والفساد , لديك امكانيات مادية استعملها في نفس الغرض لديك امكانيات علمية استعملها تقنية استعملهاانظر في امكانياتك بعض الاشخاص للاسف الشديد يركزون على ما لا يملكون ويتركون ما يملكون خطأ كبير ركز على امكانياتك ركز على ما تملك وما مكنك الله فيه لان الاشياء كل الاشياء عارين ولابد في يوم ان تسترد تلك الودائع والعارين لابد

استعملها في ما امرالله سبحانه

امانى يسرى محمد
2025-10-05, 06:35 PM
الافتراء على الله

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا)
قضية الانعام قضية السورة لان هذا نوع من انواع التمكين هذا مثل,
ربي عزوجل مكنهم في شيء ذرء خلق لهم من الحرث والانعام فماذا كانت النتيجة ؟
اشركوا بالله سبحانه وتعالى قالوا
(هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا)

, انحراف انحراف في استعمال ما خلق الله وما مكنهم الله فيه
ولذلك قال بعدها
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(137) الانعام)

تدبروا فالاية قضية الشركاء قضية مهمة لماذا ؟
سورة الانعام تحدثنا عن تنقية التوحيد الذي لا تستقيم بدونه الحياة بدون التوحيد وتنقية التوحيد وتصفية الايمان والا يكون للانسان وليا من دون الله قضية في غاية الاهمية ولذلك القران في ايات كثيرة منها سورة الانعام
( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)

الشرك اشكال متنوعة متعددة فواحدة من تلك الجوانب ان يكون مصدر التشريع غير المنهج الذي امر به الله سبحانه وتعالى , مصدر الشريع الشركاء يحلون ويحرمون من اهوائهم ووفق اهوائهم ومن ما يقولون لهم شركائهم تدبروا معي
( زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

شركاءهم زينوا القبيح فراول القبيح جميلا راوا الحسن قبيحا راوا الحلال حراما ورأوا الحرام حلال وهذا واقع كذلك في مجتمعاتنا , بعض المجتمعات اليوم الامر حرام ولكنه لا يراه حرام

رشوة على سبيل المثال حرام سواء سميت تلك الرشوة هدية اكرامية سميت سمي ماتشاء هذا لا يغير من حيقيتها هذا لا يغير من حقيقتها ,انت اليوم ان سميت الليل نهار وان سميت النهار ليل هل سيغير من طبيعة الليل والنهار ؟

لا , لا يغير من حقيقتها شيء سيبقى الليل ليلا وسيبق النهار نهارا , كل ما هنالك انت تلاعبت بالاسماء ونفس الشيء يقال على تلك الاشياء التي نتكلم عنها الان الفساد والانحراف والفواحش وقلة الحياء او انعدام الحياء في بعض الاحيان هذا لا يمكن ان يطلق عليه اسم واطلاق اسم المحبة او المشاعر او العواطف او الفن او ماشابه لن يغير من حال واقعها شيء ابدا سيبقى الفساد فسادا وسيبقى ذلك الانحطاط انحطاط بقطع النظر عن التزيين لن يغير في حقيقته شيء تدبروا في الاية
(وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ)

بزعمهم ولذلك في نهاية الايات قال سنجزيهم بما كانوا يفترون ,
افتراء افتراء على الله بالكذب يحرمون ويحللون على امزجتهم انعام وحرث لا يطعمها

حرموا على انفسهم اشياء معينة ما حرمها الله والله فصل لهم ما حرم عليهم ولكنهم ما ارادوا السير وفق ذلك المنهج بزعمهم وقالوا
( وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا)
يشرعون من جراء اهواءهم وانفسهم وشركائهم تدبرو في الاية
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) الانعام

تدبروا الاية تحريم ما احل الله عزوجل افتراء على الله ما عاقبته ؟
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ)

زين كذلك لهم شركاءهم ان يقتلوا اولادهم خشية املاق خشية اشياء مختلفة متعددة
قتلو ا الاناث في بعض القبائل العربية كانوا يقتلونا يؤدون البنات خشية العار , ممارسات
من الذي حرم واعطى حق التشريع هنا ؟ الرب الذي خلق ؟
لا , اذا افتراءا على الله تدبروا في الاية
(وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)

نور وظلام ... ايمان وكفر..
ليس هناك شيء في منتصف الطريق نصف ظلال ونصف هدى لا , بمعنى اخر و تدبروا معي فالتركيز بسورة الانعام هنا على قضية التشريع يبين ان الايمان والتوحيد الذي تبنيه هذه السورة العظيمة لا ينفك عن التشريع والتطبيق لابد لابد ان يمشي بين الناس بذلك النور
..............

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/47.jpg (https://i.ytimg.com/vi/PoImT7LwPgo/maxresdefault.jpg)

( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)الانعام

(كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )

تدبروا في كيفية الربط بين التشريع
(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )
الزكاة زكاة الثمار زكاة الزروع وبين الذي انشأ ,
تدبروا في ذلك الربط المعجز بمعنى الكلمة

(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَمُتَشَا بِهٍ)

( كُلُوا مِن ثَمَرِه )

اذا انت تزرع انت كمزارع كفلاح تبذر البذر ولكن من الذي انشأ ؟
الخالق سبحانه وتعالى .

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )
انت الان على سبيل المثال اجيرا تعمل في ارض في مزرعة في بستان, عملك انك تعمل في هذه الارض لصاحب الارض لمالكها هو الذي يقول لك افعل ولا تفعل ازرع ولا تزرع خذ ولا تأخذ لانه مالك وانت اجير ولله المثل الاعلى ولله المثل الاعلى .

الذي انشأ هو الله سبحانه وتعالى فالذي انشئ هو الذي يملك حق التشريع فأمرك بان (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ),

.المال يامرك بأن تنفقه فى الحق في الخير الزكاة في نفع الناس فالحرام لا تنفه على ما حرم الله لانهم كانوا يفعلون ويذبحون ما يذبحون ويتقربون بها للاصنام هذا مثل من الامثال , السلوكيات المخالفة لمنهج الله سبحانه وتعالى

(وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )
ولا يحب الانفاق فى الحرام وكل مال ينفق في حرام مها كان قليلا ولو كان فلسا واحدا فهو اسراف .

كل مال ينفق فى الحرام ولو كان ضئيلا فهو حرام اسراف والله سبحانه لا يحب المسرفين , المال ماله والرزق رزقه والعطاء عطاءه فانفه فيما يحب لا فيما لا يحب فإنه لا يحب المسرفين

امانى يسرى محمد
2025-10-05, 06:36 PM
احذروا خطوات الشياطين



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/48.jpg (https://pbs.twimg.com/media/C5snoIdWMAIlJdx.jpg)

(وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142)الانعام


(وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً )


تذكير بنعم الله عزوجل تذكير بالاءه ونعمه وفعلا تغيرت الازمنة وتبدل الواقع وتغيرت واصبح هناك معامل للمنسوجات ومصانع ولكن في نهاية الامر من اين تأخذ تلك المصادر من أين تاخذ تلك المواد الخام ؟ هذه هي الانعام



( كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )

من الذي رزق؟

الله , وهو الذي يملك حق التشريع ,

(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)

لما جاء بذكر الخطوات ؟

الشيطان في قضايا التشريع لا يقول مباشرة للانسان افعل الحرام لا, يسلك مسالك مختلفة يأخذ الانسان خطوة خطوة خطوة خطوة نحو الحرام لماذا ؟

لانه لكم عدوا مبين عدو بائن في عداوته ظاهر في معادته لكم لا يمكن ابدا ان يقول لكم على شيء حلال فعلا وهو يكون الله سبحانه وتعالى قد احله ابدا , يقول لكم عن الحرام حلالا وعن الحلال حراما فيحل الانسان ما حرم الله ويحرم ما احل الله كما كان يفعل المشركون . حرموا من هذه الانعام اشياء احلها الله لهم وفي نفس الوقت احلوا اشياء حرمها الله عليهم



(ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143)الانعام

قمة الكفر المبني على اتباع خطوات الشيطان ,

ثم جاء بالتفاصيل

(ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ )

وفي نهاية الامر (فمن اظلم ممن افترى )

مرة اخرى تأكيد المعنى

(افترى على الله كذبا )

من خلال اي شيء؟

تزيين الباطل محاولة تغيير الحقائق كما يحدث احيانا في بعض مجتمعاتنا اليوم .

امانى يسرى محمد
2025-10-08, 09:24 PM
تسمية المحرمات بغير أسمائها



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/81.jpg (https://pbs.twimg.com/media/CI9FCH0UwAAsPuI.png)

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:144]

الكذب ما عاد يسمى باسمه , كلمة كذب كلمة كريهة بغيظة حتى في لفظها
الناس ما عادت تسميه كذبا , تسميه مجاملة تسميه اتيكيت تسميه اي اسم اخر ولكن هذا لا يغير من جوهره ولا حقيقته فربي هنا عزوجل يحذرنا من هذا المسلك
(افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) لماذا ؟

(لِيُضِلَّالنَّ سَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
يظل الناس بغير علمه فيفتري على الله الكذب فيصور الاشياء على غير حقيقتها و يعطيها مسميات غير حقيقتها غير حقيقية ليست بحقيقية , الانحراف الفساد اصبح فن الفواحس اصبحت حب عواطف وكل الناس تميل نحو هذه الاشياء ولكن هي ليست هذا كهذا الربا ليست كالبيع
(وَأَحَلَّاللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)

لكنهم هم قالوا ان البيع مثل الربا ,
لكن الحقيقة ان الله احل البيع وحرم الربى وهكذا في كل شيء .
اذا اين المحرمات
فصلها لكم
(قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خنزير )



…. تفاصيل التحريم وفي نفس الوقت حرم على الذين هادوا اشياء معينة ,

كل ذي ظفر حرمها فصلها ولكن شدد في التحريم عليه لماذا؟
(جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )



ببغيم وظلمهم وعدوانهم وافترائهم حتى لا يقع الناس فيما وقع ببني اسرائيل من البغي والاعتداء , اي بغي واعتداء؟ تحريم ما احل الله واباحة ما حرم الله , تدبروا معي فى الاية ثم جاء بعد ذلك فى الايات ليبين القضية التي قلنا وناقشناها في اكثر من مرة بعض المشركين يفتري على الله الكذب فيحتج وهو ليس فقط فالمشركين , مدلف خطير جدا بعض الاشخاص يقول تسأله يا فلان متى ستصلي وتنتظم في صلاتك ؟ عندما يهديني الله , افتراء على الله عزوجل يحسب هذه الكلمة هينة وهي عند الله عظيمة

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ)

مشيئة الله لو يريد ان يهديني لهداني ,

تدبروا فى الافتراء على الله كذلك

::::::::::


هل الهداية قرار إنساني؟


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/82.jpg (https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/post-36649-0-28200800-1363246922.png)

انت تختار
( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )
بين واوضح لك اختيار علمه سبحانه وتعالى وارادته عزوجل لا تتدخل هنا في اختيارك انت اقام الحجة عليك ولذلك قال
( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) الانعام

و ربي عزوجل يحاسبنا على اعمالنا لا يحاسبنا على ما يعلمه منا وهو عالم بنا, ,يعلم من الذي مهتدي هو اعلم بعباده اعلم بالمهتدين قالوا في الاية ولكنه لا يحاسبنا بعلمه سبحانه يحاسبنا باعمالنا بما نعمل , اكثر من مرة وردت في كتاب الله في السورة في هذه السورة سورة الانعام
(بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (بِبَغْيِهِمْ)
اذا هو العمل , انت لديك حرية الاختيار ولكن هذه واحدة من المجادلات التي يجادل فيها الانسان ليبرر لنفسه الظلال ليبرر لنفسه البعد عن الله عزوجل

متى تصلي يا فلان ؟
عندما يأتي رمضان و يأتي رمضان ربما يصلي ولا يصلي ويأتي بعدها شهر وشهر واذا بالعمر قد انقضى وانتهى, تسويف تاجيل افتراء , قرار الايمان قرارك أنت قرار لاجلك انت , قرار لاجل حياتك انت
( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنفسه )الاسراء 15
وكذلك جاء فى الاية

(قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )(150)الانعام

(قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ )
فالاليات التي تأتي فالسورة علم وشهادة وظن مقابلها لماذا؟

ليبين لي ان القرار بالايمان ينبغي ان يكون قائمة باستعمال اليات معينة ادوات العلم , علم شهادة شهداء تقييم , انت حين تحرم تقول هذا حرام ماهو دليلك؟
من اين جئت بهذا التحريم او التحليل ؟ اين الشهادة على هذا ؟
الشهادة وسيلة من وسائل الاثبات . ولكن الشهداء حتى اذا شهدوا من شهداء شهداء ظالين , شهداء زور, قال

(وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)
:::::::::::


( نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )



قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)الانعام



تدبروا معي فى كلمة , ماقال واحسنوا الى الوالدين قال
(وبالوالدين إِحْسَانًا)
, مطلقة مطلق اشكال الاحسان بالوالدين ,احسان بالقول احسان بالدعاء احسان بالعمل احسان بالعواطف احسان بالمشاعر احسان بالطاعة احسان بالترضي

وتدبروا كذلك في قوله
(وبالوالدين)
بقطع النظر كافر مؤمن بقطع النظر هو والد ,

عظمة القران عظمة قيم القران .



هذه القيم التي ان لنا ان نجعلها رسالة رسالة نقوم باصالها للعالم , العالم الذي يعاني من جراء عدم تطبيق هذه الامور في حياتنا وفي واقعنا , وتدبروا ايضا فى الاية جاءت على عشرات الممارسات التي كانت موجودة في المجتمع الجاهلي , بعض الممارسات لاتزال موجودة وبطرق مختلفة
( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ )
الفقر شدة الفقر تدبروا فالاية
(نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ )
بدأ بهم قال
( نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )

الرزاق الذي يرزقك انت ابتداءا هو , فاذا كيف يستقيم الامر وتعتقد ان الاولاد في حياتك سيضيقون علي بالرزق ؟ لا , ممارسة من الممارسات التي كانت موجودة للاسف الشديد ولا تزال في بعض المجتمعات ولكن بطرق مختلفة , القضية ليست معناها ليست قضية انه تكاثر فقط فى الاولاد لا , الحفاظ على هذه القيمة المجتمعية , قيمة النسل والحفاظ عليه , قيمة انسانية مجتمعية لا ينبغي ان يقف قضية او تقف قضية الرزق حائلا دونها
::::::::::

لا تقربوا الفواحش


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/83.jpg (http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/4192/01.jpg)


( وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
ليس هناك ازدواجية في هذا المنهج العظيم , لا تقربوا بينك وبين الحرام لابد ان تكون هناك مساحة , ولا تقف عند الحافة لان بعض الاشخاص يقول لك لا هو حرام اذا خلاص يبدأ بيني وبين الحرام شعرة واحدة لا , لا اترك مساحة واسعة بينك وبين الحرام وهذا مايطلق عليه بعض العلماء والمفسرين الورع , يترك شيء من الحلال ورعا مخافة ان يقع في شيء فيه شبهة او حرام .



تدبروا فى الايات والناس اليوم في بعض الاحيان تسأل هو حرام؟ ماعادت تسأل عن المكروه فتجتنبه حتى تتقرب وتتحبب الى الله عزوجل , فقط حرام ؟

اسود وابيض

في حين ان الله عزوجل يقول
(( وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
كل الاثم كل المحرم بمعنى اخر وتكلمنا عن الاكل المعنوي الحرام المعنوي , المال المال الذي فيه شبهة نحن بحاجة ان نراجع حساباتنا اليوم مراجعة دقيقة ننظر فالاشياء التي فيها شبهة فلا ندخلها على انفسنا ولا نقترب منها , نبتعد عنها مخافة ان نقع فالاثم وفالحرام , فكيف بالحرام؟
اذا لا تقربوا لا تقربوا ما ظهر منها وما بطن



نحن بحاجة الى هذه المراجعة الحقيقية والبعد عن الازدواجية ,
حرم عليك قبل قليل ذكر لحم خنزير ولكن الذي حرم لحم الخنزير هو كذلك الذي حرم اكل اموال الناس بالباطل فلا تأكلها بالباطل ولا تعتبر ان الغش والخداع والتدنيس واكل اموال الناس بالباطل شيء من التجارة والذكاء والعبقرية , في التجارة, هذا ليس ذكاء ولا عبقرية هذا غش واكل اموال الناس بالباطل , شركات وهمية شركات وهمية تقام وتأسس وتبنى باموال الناس وتباع فيها اسهم بالملايين وتأخذها , تقوم بجمع الاموال من الناس وتفتري على الناس الكذب وتقول لهم ارباح ارباح 10% و 20% و 30و 40 ثم خلال شهور تقوم بجمع هذه الاموال والاتجار بها والربح منها والتكسب من تلك الاموال ثم اما ترد كما هي لاصحابها بزعم ان تلك الشركة قد افلست او حتى لا ترد تلك الاموال



تدبر فى الامر هذه الاموال الكثير والقليل منها انما هي نار انما يأكلون في بطونهم نار , اكل اموال الناس بالباطل نار نار حقيقية ليس فقط فى الاخرة , فى الدنيا تحرق عليك حياتك تحرق عليك كل شيء في حياتك كل شيء فلا تغتر بكثرة الاموال وانظر الى مصادرها فأنك مسائل عنها



(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)

النفس حرمة النفس حرمة المال حرمة الاعراض

(ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )

هذه الوصية وصية الله عزوجل للبشر .
::::::::

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ


(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)الانعام

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )

و قلنا أن في سورة الأنعام و في أكثر من موضع ربي سبحانه و تعالى يؤكد هذه الحقيقة: أن الإثم له ظاهر و باطن، و أن الحرام كذلك له ظاهر و باطن.

فكما أن الإنسان حرم عليه أن يأكل لحم الخنزير و الدم المسفوح و ما شابه في الآيات التي قبل، حرم عليه الإقتراب من مال اليتيم، حرم عليه الإقتراب من الأموال الحرام الممنوعة، المكتسبة بطرق غير مشروعة، و تدبروا في النهي: قال

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ)

لا تقترب منه، و أنت الوصي، التوجيه للأوصياء، للأولياء، الذين يقومون على مسؤوليات اليتيم و الحفاظ على ماله. اليتيم، جزء يفترض بحكم ما جرت عليه العادة و ما تعارف عليه الناس في المجتمع جزء ضعيف، و لكن الله عز و جل ابتدأ بحماية هذا الجزء و حذر من الإقتراب من ماله إلا بغرض تنميته و تحسينه

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

إلى أن يبلغ مبلغ الرجال و يدرك المصالح و المفاسد المترتبة على إنفاق و إتلاف المال و يفرق بينها، آنذاك يعطى حقوقه كاملة، هذا النهج القرآني ما كانت تعرفه المجتمعات الجاهلية، لماذا؟



لأن منطق الحكم كان مبني على منطق القوة، الأقوى هو الذي يحكم، الأقوى هو الذي يملك حرية التصرف، و لكن القرآن أعاد الأمور إلى نصابها، أعاد البشرية و الإنسانية إلى رشدها، إلى جادة الصواب، كيف؟

المنطق منطق الحق الذي يحكم و ليس منطق القوة، و هناك فارق شاسع بين حكم منطق القوة و الغلبة و حكم منطق الحق، منطق الحق لا يفرق بين الضعيف و القوي، و لا بين الصغير و الكبير، و لا بين السيد و العبد، و لا بين الرجل و المرأة، و لا بين القريب و البعيد، أما منطق القوة فله حسابات و معايير مختلفة تماما أبطلها الإسلا م و القرآن، قال

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )



و تدبروا معي في موقع هذه التشريعات في ختام سورة الأنعام.

السورة بأكملها تتحدث عن الإيمان، عن علاقة الإنسان بربه و كيف تبنى، عن الإيمان كيف يغرس في النفوس، الإيمان الذي يحقق الأمن و الطمأنينة في المجتمع و في حياة الفرد، و في ختام السورة يأتي بالتشريعات ليؤكد هذه الحقيقة:

أن الإيمان لا يكتفى فيه أن يقتنع الإنسان بقلبه، و يقول بلسانه كلمة الشهادة، و لكن لا بد أن يطبق المنهج في واقع الاحياة ، في هذه التفاصيل التي يذكرها القرآن
:::::::::::

الأمر بالوفاء في الكيل والميزان

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)[الأنعام: 152]،
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)
و الكيل و الميزان ليست مجرد المكاييل و الموازين التي يتعارف عليها الناس،
تعارف عليها حتى في السابق و لا تزال طبعا موجودة، كل شيء…
الوفاء بحقوق الآخرين، في البيع، في الشراء، في التعامل‘ في الأخذ، في العطاء، في القول،
في الحديث عن الآخرين
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)
عدل، منطق العدل، منطق الحق الذي أقامه القرآن على عين الإيمان.

الإيمان الذي لا يحقق في نفسك عدلا اتجاه الآخرين هذا إيمان ضعيف، إيمان مهزوز،
الإيمان الذي لا يمنعك من قول الكذب على الآخرين و الإفتراء عليهم هذا ليس بإيمان.
و تدبروا معي في ترتب و ترتيب الكلمات في الآية و الواجبات و الأوامر
(لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
هذه الأوامر و التشريعات هي في حدود طاقة البشر، ليست خارج إطار طاقتهم أو قدر اتهم.
الإنسان يستطيع القيام بالعدل فعليه أن يقوم به،

امانى يسرى محمد
2025-10-11, 02:59 PM
العدل في القول


https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/113.jpg (http://2.bp.blogspot.com/-9VgaAJ1W6BQ/VeBrIWUbIvI/AAAAAAAAAyA/Tt8Lbq6GMDo/s640/koltom_adel.jpg)

( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)
تدبروا في معاني الآية:

الإيمان الذي يدفعك أن تقول الحق و لو على نفسك أو الأقربين
( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا )
بمعنى آخر: راقب أقوالك، راقب تلك الكلمات التي تتلفظ بها و تحرى العدل فيها، تحرى العدل فيما تقول، هذا هو الإيمان، العدل الذي لا يفرق بين الصديق و العدو،

و لا بين القريب و البعيد،
و لذلك قال ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ) مطلقا (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)
و لو كان قول العدل سيكون ضد الأقارب، ضد من هو قريب أو حبيب إلى نفسك، و لو كان الوالدين أو الأقربين أو النفس… بقطع النظر، العدل في القرآن قيمة مطلقة، العدل قولا و العدل فعلا، و التناسب واضح في

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)،


كما أن عليك أن تتحرى العدالة و الوفاء في التعامل، في الكيل و في الميزان عليك كذلك أن تتحرى العدالة في أقوالك، في كلماتك، في تصرفاتك. بعض الناس إذا كانوا على علاقة طيبة أو جيدة بأحد من الأشخاص قالوا فيه ما ليس فيه، مدحا و ثناء، و إذا خالفهم في شيء أو اختلفوا معه و حدث نزاع بينهم قالوا كذلك عنه ما ليس فيه، افتراء، كذب، ألصقوا فيه تهما ليست فيه، لماذا؟


لأن الذي يتحكم هنا ليس منطق العدل، منطق الهوى، هوى النفس، و القرآن لا يريد أن تحكم أهواء النفوس في حياة البشر و المجتمعات لأنها إن حكمت أفسدتها، و إن حكمت تولد الظلم، و ما انتشر الظلم في مجتمع و لا في أمة إلا أفسدها، أفسدها بكل أشكال الفساد، فساد مادي، فساد أخلاقي، فساد إجتماعي، فساد أسري..كل أشكال الفساد، ذاك الفساد الذي لا يمكن أبدا أن يأتي بالنفع على المجتمع إلا أن يطيح ذلك المجتمع بالهلاك، بأي شكل من أشكال الهلاك، فلذلك كان العدل هو الذي يصون المجتمعات و يصون الأفراد، بمعنى آخر، إذا أردنا أن نحقق أمنا حقيقيا و قد تكلمت سورة الأنعام عن الأمن، فالأمن لا يتحقق إلا بوجود العدالة، بوجود أناس مؤمنين يخافون الله عز و جل، يتقون الله سبحانه و تعالى في أقوالهم و أفعالهم، في أقوالهم و حديثهم عن الآخرين، الميزان- ميزان العدل- لا يعرف هوى النفس، لا يعرف الغضب و الرضا، و لكن إذا أنت لم تراقب الله عز و جل في رضاك أو في غضبك فيما تقوله عن الآخرين، فما الذي يعصمك، و ما الذي يمنعك؟

و ما الذي يترتب بعد ذلك؟


الإنسان إذا لم يجعل له هذه الصيانة في نفسه، لا ممكن أن ينتشر الأمان و العدل أو يسود العدل أبدا، و إذا أراد الإنسان أن يحفظ عرضه فعليه أن يحفظ أعراض الناس، إ ذا أردت أن تحفظ عرضك، احفظ أعراض الناس، إذا أردت ألا يقال فيك إلا خيرا فلا تقول في الناس إلا خيرا. احفظ لسانك، فلسان الإنسان هو بيانه، و لسانه يفصح عما في قلبه، فإذا امتلأ القلب إيمانا و خشية و خوفا من الله سبحانه و تقوى لا يمكن أن يفصح اللسان إلا عن ذلك الرصيد عدالة و إنصافا مع الآخرين، و لذلك لا يمكن أن يكون المؤمن سبابا و لا فاحشا و لا بديئا و لا منافقا و لا مرائيا، لماذا؟ لما كان في قلبه من معاني الإيمان التي لا بد و أن تنعكس على أقواله و أفعاله.

""""""""""""

اتباع الصراط المستقيم



https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/114.jpg (http://data.whicdn.com/images/64460583/large.jpg)


(وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا)

كل تلك العلاقات الإجتماعية – سلسلة العلاقات الإجتماعية و التشريعات- عهود بيننا و بين الله سبحانه و تعالى علينا الوفاء بها، و لذلك قال

( ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

وصانا بهذه القيم الإنسانية، و قد قلنا سابقا ربي عز و جل حين وصف حالة الإيمان حين قال

(وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ )


نور التطبيق و المنهج، فإذا صار الإنسان بالوفاء و العدل و الحق و عدم الإقتراب من الفواحش و الحفاظ على حقوق الناس ألا ينشر ذلك النور بين الناس الذين يسير فيهم و في وسطهم؟

هو في ذاته و سلوكه و تعامله سيكون نورا يمشي فعلا في االناس، و هذا المطلوب في كتاب الله عز و جل، ليس المطلوب دائما أن نتحدث و نكثر من الكلام، و تأتي الأفعال تخالف و تناقض

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ". الآية : 2-3 من سورة الصف

ماذا يريد مني القرآن؟


يريد أن تكون أفعالي و تصرفاتي مرآة لإيماني الذي أؤمن به، مرآة لأقوالي، لاعتقاداتي، بذلك تصبح رسالة القرآن رسالة عالمية، لأن المؤمن إذا سار بهذا الرصيد أينما حل، في أي مجتمع، حتى و لو لم يتحدث بكلمة عن الإسلام أو عن رسالة القرآن، تحدثت أفعاله عنه، تحدثت أخلاقه، تحدثت عدالته، تحدث إنصافه و وفائه بالنيابة عنه، و هذا الذي بناه القرآن في النفوس حين بنى ذلك الجيل الأول، جيل التلقي الذي تلقى القرآن بقلبه فانعكس على سلوكه و واقعه.

قال

( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

تدبروا في الأولى قال(تَعْقِلُونَ) ،

هنا قال (تَذَكَّرُونَ)

و في الثالثة سيقول (تَتَّقُونَ).

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)الانعام

استعمال كلمة (هذا)، الطريق واضح، المنهج واضح، واضح أمام العيان، واضح أمام من يريد أن يراه، النور موجود، و لكن إن أنت لم تفتح عينك أمام ذلك النور فالمشكلة ليست في النور، المشكلة في تلك العين التي لم تفتح لتراه، و كذلك الأحكام و التشريعات في كتاب الله عز و جل.

فالقضية واحدة من اثنتين، لا ثالث لهما، إما صراط مستقيم و إما سبل،

السبل ما النتيجة المترتبة عليها؟

(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)


التفرق، التمزق، البعد، كلما اتبع الإنسان الطرق و المناهج الأخرى التي اخترعها البشر و ابتدعها من أهوائهم و أمزجتهم، كلما ابتعد عن الصراط المستقيم، و كلما ابتعد عن الصراط المستقيم كلما زادت نسبة الانحراف بكل أشكاله. الصراط المستقيم عدل، واضح، يصل بين النقطتين، يصلك إلى ما تريد، لكن هذه السبل هي التي تكرس قضية الانحراف.

""""""""""""""""
القرآن تدبره والعمل به

https://majles.alukah.net/imgcache/2025/10/115.jpg (http://www.albetaqa.site/data/alwaraqa/02quran/1quran01/p-quran028.jpg)

(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) )الانعام

( ثم آتينا موسى الكتاب)

الله سبحانه لم يترك البشرية يوما بدون منهج أو كتاب، ما تركها تتخبط، كل هذا المنهج و هو بطبيعة الحال قد أتى و آتى موسى الكتاب من قبل

تدبروا كيف يحدثنا القرآن عن كتاب موسى، لماذا هذا الحديث المتواصل، في بدايات القرآن- و نحن في السور الأولى من القرآن- لماذا الحديث المتواصل عن أهل الكتاب؟ لماذا ذلك الثناء و الذكر للتوراة و الإنجيل، هذه الكتب، لماذا؟


رسالة القرآن رسالة عالمية، و رسالة القرآن و النبي جاء ليكمل بناء تلك الرسالات، هذا بناء متكامل، و بالتالي لا ينبغي أن تقدم رسالة القرآن بمعزل عن تلك الرسالات الإيمانية، الإيمان لا يكتمل بدون الإيمان بكل الرسل

إذا رسالة القرآن رسالة عالمية، رسالة تعرف للأمم سابقتها من الخير، تعرف و تدرك و تؤمن.

(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)الانعام

طبيعة هذا الكتاب مبارك، مبارك في حياة الناس، مبارك بكل ما تحمل كلمة البركة من معنى، هذا وصف القرآن.


بركة في العمر، بركة في الوقت، بركة في الرزق، بركة في الصحة، بركة حسية و بركة معنوية

ما الغرض منه؟

(فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)


نحن نريد الرحمة لأنفسنا كأفراد و كأسر و كمجتمعات و كأمم، نحن بحاجة لرحمة الله، تتنزل الرحمة علينا بقدر اتباعنا لهذا و تطبيقنا لهذا القرآن العظيم

البعض قد يقول حتى في قضية التدبر على سبيل المثال، نحن نتدبر القرآن، مطلوب منا أن نتدبر القرآن، و لكن التدبر ليس فقط قضية غاية و نقف عندها و نقول انتهى الأمر. لا! له ما بعد! ماذا بعد؟

فاتبعوه.

لا بد أن يكون بعد تدبري لكتاب الله و مع تدبري لكتاب الله اتباع، تطبيق للمنهج. أرأيت الكلام الذي ذكرناه الآن في تدبرنا لسورة الأنعام؟

هذا إن لم يطبق في حياتي سيصبح حجة علي، لا لي ، لأني عرفت فإذا عرف الإنسان شيئا عليه أن يطبقه و يلزمه، عرفت فالزم

و نحن ذكرنا في آيات سابقة في سورة الأنعام عن قضية الإيمان، و ذكرنا و أكدنا فيها، قلنا أن الإيمان في سورة الأنعام للتطبيق، اتباع، آمنت بكتاب الله عز و جل اتبع…