ماجد مسفر العتيبي
2025-07-06, 08:30 AM
من كلام الامام الشافعي رحمه الله في أصول العقائد
نقلاً من كتاب طبقات الشافعية للحافظ ابن كثير رحمه الله
قال الإمام أحمد بن حنبل: كان الشافعي إذا ثبت عنده الحديث قلده، وخير خصائله لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت الربيع قال: أخبرني من سمع الشافعي، يقول: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب، خلا الشرك بالله تبارك وتعالى، خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء، ورواه غير واحد عن الربيع، أنه سمع الشافعي يقول ذلك.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي، يقول: لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء، لفروا منه، كما يفر من الأسد، وقال أبو ثور وغير واحد عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال: حكمي في أصحاب الكلام أن يطاف بهم في القبائل، وينادي عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.
قال أبو نعيم بن عدي، وغيره: قال داود بن سليمان، عن الحسين بن علي، سمع الشافعي، يقول: حكمي في أهل الكلام: حكم عمر في صبيغ.
وقال البويطي: سمعت الشافعي، يقول: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثر الناس صوابا , وعن الشافعي، قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأنما رأيت رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله خيرا، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.
وقال محمد بن إسماعيل: سمعت الحسين بن علي الكرابيسي، يقول: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه فهو هذيان.
وعن الشافعي، رضي الله عنه، أنه أنشد:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وقال ابن خزيمة: سمعت الربيع، يقول: لما كلم الشافعي حفصا الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي، رضي الله عنه، كفرت بالله العظيم.
ورواه ابن أبي حاتم، عن الربيع: حدثني من أثق به، وكنت حاضرا في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، حدثني حمك بن عمرو العدل، حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش، عن علي بن سهل الرملي، أنه قال: سألت الشافعي، رضي الله عنه، عن القرآن، فقال: كلام الله غير مخلوق.
قلت: فمن قال بالمخلوق، عما هو عندك؟ قال لي: كافر بالله، وقال الشافعي، ما لقيت أحدا منهم، يعني: من أستاذيه، إلا قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر.
وقال الربيع: سمعت الشافعي، يقول في قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، علمنا بذلك أن قوما غير محجوبين ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ترون ربكم كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها» .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا محمد، جعفر بن محمد بن الحارث، يقول سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك، المعروف بابن بحر، يقول: سمعت أبا إسماعيل بن يحيى المزني، يقول: سمعت ابن هرم، يعني: إبراهيم بن محمد بن هرم، وكان من علية أصحاب الشافعي، يقول: سمعت الشافعي، يقول في قول الله، عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، فلما حجبهم في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا، فقال له أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟ قال: نعم، وبه أدين الله، فقام
إليه عصام فقبل رأسه، وقال: يا سيد الشافعيين، اليوم بيضت وجوهنا.
وقد روي من غير وجه عن الشافعي نحوه.
وقال ابن خزيمة: أنشدنا المزني، قال: أنشدنا الشافعي، لنفسه:
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
ورواه البيهقي، عن عبد الرحمن السلمي: سمعت أحمد بن محمد بن مقسم، أخبرني بعض أصحابنا، أخبرني المزني، قال: دخلت على الشافعي في مرضه، الذي مات فيه، فأنشدني لنفسه، فذكر هذه الأبيات.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني الزبير بن عبد الله بن عبد الواحد الحافظ، حدثنا أبو أحمد حامد بن عبد الله المروزي، حدثنا عمران بن فضالة، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سئل الشافعي عن القدر، فأنشأ يقول: وذكرها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: سمعت حرملة بن يحيى، قال: اجتمع حفص الفرد، ومصلان الأباضي، عند الشافعي، في دار الجروي، بمصر، فتكلما في الإيمان، فاحتج مصلان في: الزيادة والنقصان، واحتج حفص الفرد في: الإيمان قول، فعلا حفص الفرد على مصلان، وقوي عليه، وضعف مصلان، فحمى الشافعي، وتقلد المسألة على أن الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فطحن حفصا الفرد وقطعه.
وحدثنا أبي: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، حدثني أبو عثمان محمد بن محمد الشافعي، قال: سمعت أبي، يعني: محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، يقول ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم، يعني: أهل الإرجاء، بآية أحج من قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] .
وروى البيهقي بسنده، عن الربيع، أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وقد نقل الطبري عن الإمام الشافعي أنه حكى الإجماع على ذلك، كما حكاه غيره من الأئمة.
وقال زكريا الساجي: حدثنا عيسى بن إبراهيم، حدثنا محمد بن نصر الترمذي، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول:
أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا إدريس بن علي المؤدب، سمعت أبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول في الخلافة: في التفضيل نبدأ بأبي بكر , وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حرملة بن يحيى، سمعت الشافعي، يقول: الخلفاء خمسة:
أبو بكر، وعمر، وعثمان , وعلي، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم، فهذه أسانيد صحيحة، ونصوص صريحة عن الإمام أبي عبد الله الشافعي، رضي الله عنه، في مذهب أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا.
فتبين بهذا خطأ قول أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي: إنه شيعي، وهذا القول من العجلي مجازفة بلا علم، وإنما غره في ذلك، ما قدمنا ذكره من أهل اليمن لما رموه في جملة أولئك النفر القرشيين، وحمل معهم إلى الرشيد، وكان لهم تشيع، اعتقد من لا يعلم أن الشافعي كان إذ ذاك على مذهبهم. وإلا فالإمام الشافعي، رضي الله عنه: أعظم محلا، وأجل قدرا، من أن يرى رأي الشيعة، الفرقة المخذولة، والطائفة المرذلة، وهو ذو الفهم التام، والذكاء الزائد، والحفظ الحاذق، والفكر الصحيح، والعقل الرجيح.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه، سمعت إبراهيم بن محمود بن حمزة، حدثنا أبو سليمان، يعني: داود بن علي الأصبهاني، حدثني الحارث بن سريج النقال، سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبي، يقول للشافعي: ما رأيت هاشميا يفضل أبا بكر على علي، فقال له: علي بن أبي طالب ابن عمي، وابن خالي، وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، ولو كانت هذه مكرمة: لكنت أولى بها منك، ولكن ليس الأمر على ما تحسب.
وروى ابن حكمان بسنده عن المزني، قال: أنشدنا الشافعي، من قيله:
شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن عليا فضله يتخصص
أئمة قوم يهتدي بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص
فما لغواة يشهدون سفاهة ... وما لسفيه لا يحس ويحرص
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن الموازيني، قراءة عليه، عن أبي عبد الله القضاعي، قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا الحسين بن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، حدثني جدي محمد وأحمد ابنا إسحاق بن محمد، قالا: سمعنا جعفر بن محمد بن أحمد الرواس، بدمشق، يقول: سمعت الربيع، يقول: خرجنا مع الشافعي، رضي الله عنه، من مكة، نريد منى، فيم ينزل واديا ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول:
يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قلت: ليس برفض حب آل محمد، وكل أهل السنة يحبون آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب عليهم ذلك، كما يجب عليهم حب أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجمعين.
ومع حب الآل يقدم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم، كما نص عليه الشافعي وأئمة الإسلام.
وروى هذه الأبيات ابن حمكان، عن الزبير، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن الربيع، عن الشافعي.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثني الزبير، أخبرني محمد بن عبد الله بن عبيد العطار، ببغداد، أخبرني أحمد بن يوسف بن تميم، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أنشدني الشافعي، رضي الله عنه:
قد نقر الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من حقه شغل
قال الحاكم: وحدثنا محمد بن الحسن النقاش، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ناظر رجل الشافعي في مسألة، فدقق، والشافعي ثابت يحدث ويصيب، فعدل الرجل إلى الكلام في مناظرته، فقال له الشافعي: هذا غير ما نحن فيه، هذا كلام، لست أقول بالكلام واحدة، وأخرى: ليست المسألة متعلقة به، ثم أنشأ الشافعي يقول:
متى ما بعد بالباطل الحق يأبه ... وإن قدت بالحق الرواسي تنقد
إذا ما أتيت الأمر من بابه ... ضللت، وإن تقصد إلى الباب تهتد
فدنا منه الرجل وقبل يده، فهذه نبذه مختصرة في هذتا الباب كافية، إن شاء الله تعالى.
نقلاً من كتاب طبقات الشافعية للحافظ ابن كثير رحمه الله
قال الإمام أحمد بن حنبل: كان الشافعي إذا ثبت عنده الحديث قلده، وخير خصائله لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت الربيع قال: أخبرني من سمع الشافعي، يقول: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب، خلا الشرك بالله تبارك وتعالى، خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء، ورواه غير واحد عن الربيع، أنه سمع الشافعي يقول ذلك.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي، يقول: لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء، لفروا منه، كما يفر من الأسد، وقال أبو ثور وغير واحد عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال: حكمي في أصحاب الكلام أن يطاف بهم في القبائل، وينادي عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.
قال أبو نعيم بن عدي، وغيره: قال داود بن سليمان، عن الحسين بن علي، سمع الشافعي، يقول: حكمي في أهل الكلام: حكم عمر في صبيغ.
وقال البويطي: سمعت الشافعي، يقول: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثر الناس صوابا , وعن الشافعي، قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأنما رأيت رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله خيرا، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.
وقال محمد بن إسماعيل: سمعت الحسين بن علي الكرابيسي، يقول: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه فهو هذيان.
وعن الشافعي، رضي الله عنه، أنه أنشد:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وقال ابن خزيمة: سمعت الربيع، يقول: لما كلم الشافعي حفصا الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي، رضي الله عنه، كفرت بالله العظيم.
ورواه ابن أبي حاتم، عن الربيع: حدثني من أثق به، وكنت حاضرا في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، حدثني حمك بن عمرو العدل، حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش، عن علي بن سهل الرملي، أنه قال: سألت الشافعي، رضي الله عنه، عن القرآن، فقال: كلام الله غير مخلوق.
قلت: فمن قال بالمخلوق، عما هو عندك؟ قال لي: كافر بالله، وقال الشافعي، ما لقيت أحدا منهم، يعني: من أستاذيه، إلا قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر.
وقال الربيع: سمعت الشافعي، يقول في قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، علمنا بذلك أن قوما غير محجوبين ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ترون ربكم كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها» .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا محمد، جعفر بن محمد بن الحارث، يقول سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك، المعروف بابن بحر، يقول: سمعت أبا إسماعيل بن يحيى المزني، يقول: سمعت ابن هرم، يعني: إبراهيم بن محمد بن هرم، وكان من علية أصحاب الشافعي، يقول: سمعت الشافعي، يقول في قول الله، عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، فلما حجبهم في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا، فقال له أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟ قال: نعم، وبه أدين الله، فقام
إليه عصام فقبل رأسه، وقال: يا سيد الشافعيين، اليوم بيضت وجوهنا.
وقد روي من غير وجه عن الشافعي نحوه.
وقال ابن خزيمة: أنشدنا المزني، قال: أنشدنا الشافعي، لنفسه:
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
ورواه البيهقي، عن عبد الرحمن السلمي: سمعت أحمد بن محمد بن مقسم، أخبرني بعض أصحابنا، أخبرني المزني، قال: دخلت على الشافعي في مرضه، الذي مات فيه، فأنشدني لنفسه، فذكر هذه الأبيات.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني الزبير بن عبد الله بن عبد الواحد الحافظ، حدثنا أبو أحمد حامد بن عبد الله المروزي، حدثنا عمران بن فضالة، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سئل الشافعي عن القدر، فأنشأ يقول: وذكرها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: سمعت حرملة بن يحيى، قال: اجتمع حفص الفرد، ومصلان الأباضي، عند الشافعي، في دار الجروي، بمصر، فتكلما في الإيمان، فاحتج مصلان في: الزيادة والنقصان، واحتج حفص الفرد في: الإيمان قول، فعلا حفص الفرد على مصلان، وقوي عليه، وضعف مصلان، فحمى الشافعي، وتقلد المسألة على أن الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فطحن حفصا الفرد وقطعه.
وحدثنا أبي: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، حدثني أبو عثمان محمد بن محمد الشافعي، قال: سمعت أبي، يعني: محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، يقول ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم، يعني: أهل الإرجاء، بآية أحج من قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] .
وروى البيهقي بسنده، عن الربيع، أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وقد نقل الطبري عن الإمام الشافعي أنه حكى الإجماع على ذلك، كما حكاه غيره من الأئمة.
وقال زكريا الساجي: حدثنا عيسى بن إبراهيم، حدثنا محمد بن نصر الترمذي، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول:
أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا إدريس بن علي المؤدب، سمعت أبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول في الخلافة: في التفضيل نبدأ بأبي بكر , وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حرملة بن يحيى، سمعت الشافعي، يقول: الخلفاء خمسة:
أبو بكر، وعمر، وعثمان , وعلي، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم، فهذه أسانيد صحيحة، ونصوص صريحة عن الإمام أبي عبد الله الشافعي، رضي الله عنه، في مذهب أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا.
فتبين بهذا خطأ قول أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي: إنه شيعي، وهذا القول من العجلي مجازفة بلا علم، وإنما غره في ذلك، ما قدمنا ذكره من أهل اليمن لما رموه في جملة أولئك النفر القرشيين، وحمل معهم إلى الرشيد، وكان لهم تشيع، اعتقد من لا يعلم أن الشافعي كان إذ ذاك على مذهبهم. وإلا فالإمام الشافعي، رضي الله عنه: أعظم محلا، وأجل قدرا، من أن يرى رأي الشيعة، الفرقة المخذولة، والطائفة المرذلة، وهو ذو الفهم التام، والذكاء الزائد، والحفظ الحاذق، والفكر الصحيح، والعقل الرجيح.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه، سمعت إبراهيم بن محمود بن حمزة، حدثنا أبو سليمان، يعني: داود بن علي الأصبهاني، حدثني الحارث بن سريج النقال، سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبي، يقول للشافعي: ما رأيت هاشميا يفضل أبا بكر على علي، فقال له: علي بن أبي طالب ابن عمي، وابن خالي، وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، ولو كانت هذه مكرمة: لكنت أولى بها منك، ولكن ليس الأمر على ما تحسب.
وروى ابن حكمان بسنده عن المزني، قال: أنشدنا الشافعي، من قيله:
شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن عليا فضله يتخصص
أئمة قوم يهتدي بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص
فما لغواة يشهدون سفاهة ... وما لسفيه لا يحس ويحرص
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن الموازيني، قراءة عليه، عن أبي عبد الله القضاعي، قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا الحسين بن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، حدثني جدي محمد وأحمد ابنا إسحاق بن محمد، قالا: سمعنا جعفر بن محمد بن أحمد الرواس، بدمشق، يقول: سمعت الربيع، يقول: خرجنا مع الشافعي، رضي الله عنه، من مكة، نريد منى، فيم ينزل واديا ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول:
يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قلت: ليس برفض حب آل محمد، وكل أهل السنة يحبون آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب عليهم ذلك، كما يجب عليهم حب أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجمعين.
ومع حب الآل يقدم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم، كما نص عليه الشافعي وأئمة الإسلام.
وروى هذه الأبيات ابن حمكان، عن الزبير، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن الربيع، عن الشافعي.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثني الزبير، أخبرني محمد بن عبد الله بن عبيد العطار، ببغداد، أخبرني أحمد بن يوسف بن تميم، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أنشدني الشافعي، رضي الله عنه:
قد نقر الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من حقه شغل
قال الحاكم: وحدثنا محمد بن الحسن النقاش، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ناظر رجل الشافعي في مسألة، فدقق، والشافعي ثابت يحدث ويصيب، فعدل الرجل إلى الكلام في مناظرته، فقال له الشافعي: هذا غير ما نحن فيه، هذا كلام، لست أقول بالكلام واحدة، وأخرى: ليست المسألة متعلقة به، ثم أنشأ الشافعي يقول:
متى ما بعد بالباطل الحق يأبه ... وإن قدت بالحق الرواسي تنقد
إذا ما أتيت الأمر من بابه ... ضللت، وإن تقصد إلى الباب تهتد
فدنا منه الرجل وقبل يده، فهذه نبذه مختصرة في هذتا الباب كافية، إن شاء الله تعالى.