امانى يسرى محمد
2025-06-13, 07:40 PM
سورة طه
﴿ وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩﴾] وفي ذكر قصة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي عما لقي في تبليغه من المشقات وكفر الناس؛ فإنما هي له على جهة التمثيل في أمره. ابن عطية:4/38.
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [سورة طه آية:﴿٧﴾] عن ابن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهم: السر ما تسر في نفسك، وأخفى من السر ما يلقيه عز وجل في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك؛ لأنك تعلم ما تسر به اليوم، ولا تعلم ما تسر به غدا، واللّه يعلم ما أسررت اليوم، وما تسر به غدا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: السر ما أسر ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعمله. البغوي:3/113.
﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٣﴾] والتذكرة: خطور المنسي بالذهن؛ فإن التوحيد مستقرّ في الفطرة والإشراك مناف لها، فالدعوة إلى الإسلام تذكير لما في الفطرة، أو تذكير لملّة إبراهيم عليه السلام. ابن عاشور:16/185.
﴿ مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٢﴾] والتذكرة: الموعظة التي تلين لها القلوب، فتمتثل أمر الله، وتجتنب نهيه، وخص بالتذكرة من يخشى دون غيرهم لأنهم هم المنتفعون بها. الشنقيطي:4/5.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] أي: القرآن؛ يعني: بيناه بلسانك العربي، وجعلناه سهلاً على من تدبره وتأمله. القرطبي:13/528.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] يجعل لهم وداً: أي: محبة ووداداً في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ودٌ تيسر لهم كثيرٌ من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات، والدعوات، والإرشاد، والقبول، والإمامة ما حصل. السعدي:501.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] قال مجاهد: يحبهم الله، ويحببهم إلى عباده المؤمنين... قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله- عز وجل- إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه؛ حتى يرزقه مودتهم. البغوي:3/110.
﴿ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا۟ قَوْلِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٧﴾] وذلك لما كان أصابه من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه... وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العِيُّ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه، وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة. ابن كثير:3/143.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٥﴾] سأل اللّه أن يوسع قلبه للحق؛ حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرّته إلا بإذن اللّه، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون مع شدة شوكته وكثرة جنوده. البغوي:3/119.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٥﴾] أي: وسِّعه وأفسِحه لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري؛ فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. السعدي:504.
﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٢٤﴾ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٤﴾] ولما علم موسى ذلك لم يبادر بالمراجعة في الخوف من ظلم فرعون، بل تلقى الأمر، وسأل الله الإعانة عليه بما يؤول إلى رباطة جأشه وخلق الأسباب التي تعينه على تبليغه، وإعطائه فصاحة القول للإسراع بالإقناع بالحجة. ابن عاشور:16/210.
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٧﴾] إنما سأله ليريه عظيم ما يفعله في العصا من قلبها حية؛ فمعنى السؤال: تقرير أنها عصا، فيتبين له الفرق بين حالها قبل أن يقلبها، وبعد أن قلبها. ابن جزي:2/17.
﴿ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٤﴾] قيل: المعنى لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بها. ابن جزي:2/16.
﴿ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٤﴾] (فاعبدني): بجميع أنواع العبادة: ظاهرها وباطنها، أصولها وفروعها، ثم خص الصلاة بالذكر -وإن كانت داخلة في العبادة- لفضلها وشرفها، وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح. السعدي:503.
﴿ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٠﴾] قال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه، وهداه لما يصلحه. البغوي:3/124.
﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٩﴾] وأعرض عن أن يقول: فمن ربي؟ إلى قوله: (فمن ربكما) إعراضاً عن الاعتراف بالمربوبية ولو بحكاية قولهما؛ لئلا يقع ذلك في سمع أتباعه وقومه، فيحسبوا أنه متردد في معرفة ربّه، أو أنه اعترف بأنّ له ربّاً. ابن عاشور:16/232.
﴿ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٤﴾] إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء، لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى، فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ، وأعرض واستكبر؛ جاز في موعظته الإغلاظ معه. ابن عاشور:16/225.
﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٣﴾] قال يحيى بن معاذ في هذه الآية: «هذا رفقك بمن يقول: أنا الإله، فكيف رفقك بمن يقول: أنت الإله؟!». القرطبي:14/66.
﴿ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِى وَلَا تَنِيَا فِى ذِكْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٢﴾] يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما؛ فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما؛ لأنكما إذا ذكرتماني ذكرتما منِّي عليكما نعما جمة، ومننا لا تحصى كثرة. الطبري:18/312.
﴿ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٤١﴾] إذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين، وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ، يبذل غاية جهده، ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك، فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم، وما تحسبه يفعل بمن أراده لنفسه، واصطفاه من خلقه؟! السعدي:506.
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٣٩﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أحبه الله، وحببه إلى خلقه»، وقال ابن زيد: «جعلت من رآك أحبك، حتى أحبك فرعون، فسلمت من شره، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك». القرطبي:14/58.
﴿ فَأَجْمِعُوا۟ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُوا۟ صَفًّا ۚ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٤﴾] ليكون أمكن لعملكم، وأهيب لكم في القلوب، ولئلا يترك بعضكم بعض مقدوره من العمل. السعدي:508.
﴿ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٠﴾] ومعنى جمع الكيد: تدبير أسلوب مناظرة موسى، وإعداد الحيل لإظهار غلبة السحرة عليه، وإقناع الحاضرين بأنّ موسى ليس على شيء. وهذا أسلوب قديم في المناظرات؛ أن يسعى المناظر جهده للتشهير ببطلان حجّة خصمه بكلّ وسائل التلبيس والتشنيع والتشهير، ومبادأته بما يفتّ في عضده، ويشوش رأيه؛ حتّى يذهب منه تدبيره. ابن عاشور:16/247.
﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٩﴾] وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رءوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص؛ لتقوى رغبة من رغب في الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر. القرطبي:14/86.
﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٧﴾] زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى سحر وتمويه المقصود منها إخراجهم من أرضهم والاستيلاء عليها؛ ليكون كلامه مؤثراً في قلوب قومه؛ فإن الطباع تميل إلى أوطانها، ويصعب الخروج منها ومفارقتها. السعدي:508.
﴿ كُلُوا۟ وَٱرْعَوْا۟ أَنْعَٰمَكُمْ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلنُّهَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٤﴾] وخص الله أولي النهى بذلك؛ لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبار، وأما من عداهم فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة؛ لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم حظ البهائم؛ يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية، وأجسامهم معرضة. السعدي:507.
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلنُّهَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٤﴾] (لآيات لأولي النهى): لذوي العقول؛ واحدتها نهية؛ سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي. البغوي:3/126.
﴿ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٣﴾] (الذي جعل لكم الأرض مهداً) أي: فراشاً، وانظر كيف وصف موسى ربه تعالى بأوصاف لا يمكن فرعون أن يتصف بها؛ لا على وجه الحقيقة، ولا على وجه المجاز، ولو قال له: هو القادر، أو الرازق، وشبه ذلك؛ لأمكن فرعون أن يغالطه، ويدعي ذلك لنفسه. ابن جزي:2/20.
﴿ إِنَّهُۥ مَن يَأْتِ رَبَّهُۥ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٤﴾] فلا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته، وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته، كما أخبر الله تعالى عنه، فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها. القرطبي:14/107.
﴿ قَالُوا۟ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٢﴾] وفي هذا الكلام من السحرة دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. السعدي:509.
﴿ قَالُوا۟ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٢﴾] أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه؛ إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين، وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرقت عليهم أنوار الرسالة؛ فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته. ابن عاشور:16/266.
﴿ قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنّ َ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍ وَلَأُصَلِّبَنّ َكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧١﴾] ولما رأى فرعون إيمان السحرة تغيّظ ورام عقابهم، ولكنه علم أنّ العقاب على الإيمان بموسى بعد أن فتح باب المناظرة معه نكث لأصول المناظرة، فاختلق -للتشفّي من الذين آمنوا- علّة إعلانهم الإيمان قبل استئذانِ فرعون، فعدّ ذلك جرأة عليه. ابن عاشور:16/263.
﴿ وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٩﴾] يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: (حيث أتى)، وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفيا عاما إلا عمن لا خير فيه؛ وهو الكافر. الشنقيطي:4/39.
﴿ فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِۦ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٧﴾] كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره. السعدي:508.
﴿ قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴿٦٥﴾ قَالَ بَلْ أَلْقُوا۟ ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٥﴾] خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي حالة كانت. السعدي:508.
﴿ قَالُوا۟ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِىُّ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٧﴾] وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة: أنهم تورعوا عن زينة القبط؛ فألقوها عنهم، وعبدوا العجل؛ فتورعوا عن الحقير، وفعلوا الأمر الكبير. الشنقيطي:4/87.
﴿ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوْمِهِۦ غَضْبَٰنَ أَسِفًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٦﴾] أي: بعد ما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم؛ هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وهذا شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله. ابن كثير:3/157.
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٤﴾] أي: عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه؛ لترضى عني. القرطبي:14/117.
﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٣﴾] موسى- عليه السلام- لما أمره الله أن يسير هو وبنو إسرائيل إلى الطور، تقدم هو وحده مبادرة إلى أمر الله، وطلباً لرضاه، وأمر بني إسرائيل أن يسيروا بعده، واستخلف عليهم أخاه هارون، فأمرهم السامريّ حينئذ بعبادة العجل. ابن جزي:2/23.
﴿ وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٢﴾] الأسباب [أسباب المغفرة] كلها منحصرة في هذه الأشياء: فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات، وسلوك طريق الهداية بجميع أنواعها: من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث؛ حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب، محصلات لغاية المطلوب. السعدي:511.
﴿ وَلَا تَطْغَوْا۟ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨١﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تظلموا، وقال الكلبي: لا تكفروا النعمة فتكونوا ظالمين طاغين، وقيل: لا تنفقوا في معصيتي، وقيل: لا تتقووا بنعمتي على معاصيَّ. البغوي:3/134.
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى ٱلْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَٰفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٧﴾] اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم، فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم. ابن عاشور:16/270.
﴿ وَٱنظُرْ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّ هُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِى ٱلْيَمِّ نَسْفًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٧﴾] ففعل موسى ذلك، فلو كان إلهاً لامتنع ممن يريده بأذى ويسعى له بالإتلاف، وكان قد أُشْرِبَ العجل في قلوب بني إسرائيل، فأراد موسى- عليه السلام- إتلافه -وهم ينظرون- على وجه لا تمكن إعادته، بالإحراق والسحق، وذريه في اليم، ونسفه؛ ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه. السعدي:512.
﴿ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُۥ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٧﴾] هذه الآية أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم، وألا يخَالطوا، وقد فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك بكعب بن مالك، والثلاثة الذين خلفوا رضي الله عنهم. القرطبي:14/130.
يتبع
﴿ وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩﴾] وفي ذكر قصة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي عما لقي في تبليغه من المشقات وكفر الناس؛ فإنما هي له على جهة التمثيل في أمره. ابن عطية:4/38.
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [سورة طه آية:﴿٧﴾] عن ابن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهم: السر ما تسر في نفسك، وأخفى من السر ما يلقيه عز وجل في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك؛ لأنك تعلم ما تسر به اليوم، ولا تعلم ما تسر به غدا، واللّه يعلم ما أسررت اليوم، وما تسر به غدا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: السر ما أسر ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعمله. البغوي:3/113.
﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٣﴾] والتذكرة: خطور المنسي بالذهن؛ فإن التوحيد مستقرّ في الفطرة والإشراك مناف لها، فالدعوة إلى الإسلام تذكير لما في الفطرة، أو تذكير لملّة إبراهيم عليه السلام. ابن عاشور:16/185.
﴿ مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٢﴾] والتذكرة: الموعظة التي تلين لها القلوب، فتمتثل أمر الله، وتجتنب نهيه، وخص بالتذكرة من يخشى دون غيرهم لأنهم هم المنتفعون بها. الشنقيطي:4/5.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] أي: القرآن؛ يعني: بيناه بلسانك العربي، وجعلناه سهلاً على من تدبره وتأمله. القرطبي:13/528.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] يجعل لهم وداً: أي: محبة ووداداً في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ودٌ تيسر لهم كثيرٌ من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات، والدعوات، والإرشاد، والقبول، والإمامة ما حصل. السعدي:501.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٩٦﴾] قال مجاهد: يحبهم الله، ويحببهم إلى عباده المؤمنين... قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله- عز وجل- إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه؛ حتى يرزقه مودتهم. البغوي:3/110.
﴿ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا۟ قَوْلِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٧﴾] وذلك لما كان أصابه من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه... وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العِيُّ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه، وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة. ابن كثير:3/143.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٥﴾] سأل اللّه أن يوسع قلبه للحق؛ حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرّته إلا بإذن اللّه، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون مع شدة شوكته وكثرة جنوده. البغوي:3/119.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٥﴾] أي: وسِّعه وأفسِحه لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري؛ فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. السعدي:504.
﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٢٤﴾ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٢٤﴾] ولما علم موسى ذلك لم يبادر بالمراجعة في الخوف من ظلم فرعون، بل تلقى الأمر، وسأل الله الإعانة عليه بما يؤول إلى رباطة جأشه وخلق الأسباب التي تعينه على تبليغه، وإعطائه فصاحة القول للإسراع بالإقناع بالحجة. ابن عاشور:16/210.
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٧﴾] إنما سأله ليريه عظيم ما يفعله في العصا من قلبها حية؛ فمعنى السؤال: تقرير أنها عصا، فيتبين له الفرق بين حالها قبل أن يقلبها، وبعد أن قلبها. ابن جزي:2/17.
﴿ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٤﴾] قيل: المعنى لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بها. ابن جزي:2/16.
﴿ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿١٤﴾] (فاعبدني): بجميع أنواع العبادة: ظاهرها وباطنها، أصولها وفروعها، ثم خص الصلاة بالذكر -وإن كانت داخلة في العبادة- لفضلها وشرفها، وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح. السعدي:503.
﴿ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٠﴾] قال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه، وهداه لما يصلحه. البغوي:3/124.
﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٩﴾] وأعرض عن أن يقول: فمن ربي؟ إلى قوله: (فمن ربكما) إعراضاً عن الاعتراف بالمربوبية ولو بحكاية قولهما؛ لئلا يقع ذلك في سمع أتباعه وقومه، فيحسبوا أنه متردد في معرفة ربّه، أو أنه اعترف بأنّ له ربّاً. ابن عاشور:16/232.
﴿ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٤﴾] إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء، لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى، فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ، وأعرض واستكبر؛ جاز في موعظته الإغلاظ معه. ابن عاشور:16/225.
﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٣﴾] قال يحيى بن معاذ في هذه الآية: «هذا رفقك بمن يقول: أنا الإله، فكيف رفقك بمن يقول: أنت الإله؟!». القرطبي:14/66.
﴿ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِى وَلَا تَنِيَا فِى ذِكْرِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٤٢﴾] يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما؛ فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما؛ لأنكما إذا ذكرتماني ذكرتما منِّي عليكما نعما جمة، ومننا لا تحصى كثرة. الطبري:18/312.
﴿ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى ﴾ [سورة طه آية:﴿٤١﴾] إذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين، وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ، يبذل غاية جهده، ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك، فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم، وما تحسبه يفعل بمن أراده لنفسه، واصطفاه من خلقه؟! السعدي:506.
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ ﴾ [سورة طه آية:﴿٣٩﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أحبه الله، وحببه إلى خلقه»، وقال ابن زيد: «جعلت من رآك أحبك، حتى أحبك فرعون، فسلمت من شره، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك». القرطبي:14/58.
﴿ فَأَجْمِعُوا۟ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُوا۟ صَفًّا ۚ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٤﴾] ليكون أمكن لعملكم، وأهيب لكم في القلوب، ولئلا يترك بعضكم بعض مقدوره من العمل. السعدي:508.
﴿ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٠﴾] ومعنى جمع الكيد: تدبير أسلوب مناظرة موسى، وإعداد الحيل لإظهار غلبة السحرة عليه، وإقناع الحاضرين بأنّ موسى ليس على شيء. وهذا أسلوب قديم في المناظرات؛ أن يسعى المناظر جهده للتشهير ببطلان حجّة خصمه بكلّ وسائل التلبيس والتشنيع والتشهير، ومبادأته بما يفتّ في عضده، ويشوش رأيه؛ حتّى يذهب منه تدبيره. ابن عاشور:16/247.
﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٩﴾] وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رءوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص؛ لتقوى رغبة من رغب في الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر. القرطبي:14/86.
﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٧﴾] زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى سحر وتمويه المقصود منها إخراجهم من أرضهم والاستيلاء عليها؛ ليكون كلامه مؤثراً في قلوب قومه؛ فإن الطباع تميل إلى أوطانها، ويصعب الخروج منها ومفارقتها. السعدي:508.
﴿ كُلُوا۟ وَٱرْعَوْا۟ أَنْعَٰمَكُمْ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلنُّهَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٤﴾] وخص الله أولي النهى بذلك؛ لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبار، وأما من عداهم فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة؛ لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم حظ البهائم؛ يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية، وأجسامهم معرضة. السعدي:507.
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلنُّهَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٤﴾] (لآيات لأولي النهى): لذوي العقول؛ واحدتها نهية؛ سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي. البغوي:3/126.
﴿ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٥٣﴾] (الذي جعل لكم الأرض مهداً) أي: فراشاً، وانظر كيف وصف موسى ربه تعالى بأوصاف لا يمكن فرعون أن يتصف بها؛ لا على وجه الحقيقة، ولا على وجه المجاز، ولو قال له: هو القادر، أو الرازق، وشبه ذلك؛ لأمكن فرعون أن يغالطه، ويدعي ذلك لنفسه. ابن جزي:2/20.
﴿ إِنَّهُۥ مَن يَأْتِ رَبَّهُۥ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٤﴾] فلا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته، وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته، كما أخبر الله تعالى عنه، فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها. القرطبي:14/107.
﴿ قَالُوا۟ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٢﴾] وفي هذا الكلام من السحرة دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. السعدي:509.
﴿ قَالُوا۟ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٢﴾] أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه؛ إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين، وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرقت عليهم أنوار الرسالة؛ فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته. ابن عاشور:16/266.
﴿ قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنّ َ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍ وَلَأُصَلِّبَنّ َكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧١﴾] ولما رأى فرعون إيمان السحرة تغيّظ ورام عقابهم، ولكنه علم أنّ العقاب على الإيمان بموسى بعد أن فتح باب المناظرة معه نكث لأصول المناظرة، فاختلق -للتشفّي من الذين آمنوا- علّة إعلانهم الإيمان قبل استئذانِ فرعون، فعدّ ذلك جرأة عليه. ابن عاشور:16/263.
﴿ وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٩﴾] يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: (حيث أتى)، وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفيا عاما إلا عمن لا خير فيه؛ وهو الكافر. الشنقيطي:4/39.
﴿ فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِۦ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٧﴾] كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره. السعدي:508.
﴿ قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴿٦٥﴾ قَالَ بَلْ أَلْقُوا۟ ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٦٥﴾] خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي حالة كانت. السعدي:508.
﴿ قَالُوا۟ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِىُّ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٧﴾] وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة: أنهم تورعوا عن زينة القبط؛ فألقوها عنهم، وعبدوا العجل؛ فتورعوا عن الحقير، وفعلوا الأمر الكبير. الشنقيطي:4/87.
﴿ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوْمِهِۦ غَضْبَٰنَ أَسِفًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٦﴾] أي: بعد ما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم؛ هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وهذا شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله. ابن كثير:3/157.
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٤﴾] أي: عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه؛ لترضى عني. القرطبي:14/117.
﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَٰمُوسَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٣﴾] موسى- عليه السلام- لما أمره الله أن يسير هو وبنو إسرائيل إلى الطور، تقدم هو وحده مبادرة إلى أمر الله، وطلباً لرضاه، وأمر بني إسرائيل أن يسيروا بعده، واستخلف عليهم أخاه هارون، فأمرهم السامريّ حينئذ بعبادة العجل. ابن جزي:2/23.
﴿ وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨٢﴾] الأسباب [أسباب المغفرة] كلها منحصرة في هذه الأشياء: فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات، وسلوك طريق الهداية بجميع أنواعها: من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث؛ حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب، محصلات لغاية المطلوب. السعدي:511.
﴿ وَلَا تَطْغَوْا۟ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٨١﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تظلموا، وقال الكلبي: لا تكفروا النعمة فتكونوا ظالمين طاغين، وقيل: لا تنفقوا في معصيتي، وقيل: لا تتقووا بنعمتي على معاصيَّ. البغوي:3/134.
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى ٱلْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَٰفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه آية:﴿٧٧﴾] اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم، فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم. ابن عاشور:16/270.
﴿ وَٱنظُرْ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّ هُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِى ٱلْيَمِّ نَسْفًا ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٧﴾] ففعل موسى ذلك، فلو كان إلهاً لامتنع ممن يريده بأذى ويسعى له بالإتلاف، وكان قد أُشْرِبَ العجل في قلوب بني إسرائيل، فأراد موسى- عليه السلام- إتلافه -وهم ينظرون- على وجه لا تمكن إعادته، بالإحراق والسحق، وذريه في اليم، ونسفه؛ ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه. السعدي:512.
﴿ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُۥ ﴾ [سورة طه آية:﴿٩٧﴾] هذه الآية أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم، وألا يخَالطوا، وقد فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك بكعب بن مالك، والثلاثة الذين خلفوا رضي الله عنهم. القرطبي:14/130.
يتبع