امانى يسرى محمد
2025-04-02, 03:04 PM
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان :64]
قِيَامُ اللَّيلِ عِبَادَةٌ جَلِيْلَةٌ، أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهَا، وَوَعَدَهُمْ عَظِيْمَ الجَزَاءِ عَلَيْهَا، وَأمَرَ نبيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَائِلِ مَا أَنْزَلَ عَلَيهِ: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا }المزمل 1- 4
وَقَالَ لَهُ: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } الإسراء 79
فَلَازَمَ النَّبِيُّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ العِبَادَةَ الجَلِيْلَةَ؛ كَانَ: ( يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَامَ لَيْلَةً بِالبَقَرَةِ وَالنَّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً؛ إِذَا مَرَّ بآيةٍ فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ...) رواه مسلم.
لَازَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيَامَ اللَّيلِ، وَرَبَّى عَلَيهِ أَهْلَهُ وَصَحَابَتَهُ، وَحَثَّ عَلَيْهِ أمَّتَهُ.وَجَاء تِ النُّصُوصُ الكَثِيْرَةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ بِالحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَبَيَانِ عَظِيْمِ أَجْرِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } 15-18
وَقَالَ تَعَالَى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة 16-17 وَقَالَ تَعَالَى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر9
عِبَادُ الرَّحْمَنِ؛ يُحْيُونَ لَيْلَهُمْ إِذْ يَنَامُ النَّاسُ، وَيَنْتَبِهُونَ إذْ يَغْفُلُ النَّاسُ، وَهَنِيْئًا لَهُمُ تِلْكَ البُشْرَى العَظِيْمَةُ:
يَقُولُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَــدِيثِهِ: ( فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة 16 رواه مسلم.
عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا جَاءَ الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِ قِيَامِ اللَّيلِ؛ فَقَدْ جَاءَ ذَمُّ مَنْ لَا يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ؛ فَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ )
وَقَالَ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ) فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا.
عِبَادَ اللهِ: وَبِقِيَامِ اللَّيلِ تَطِيْبُ النُّفُوسُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَـضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَـذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْــدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْـلَانَ ) رواه البخاري ومسلم.
فَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ وَقْتَ قِيَامِ اللَّيلِ يَبْدَأُ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ؛ وَيَسْتَمِرُّ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ، وَأفْضَلُهُ مَا كَانَ بَعْدَ نَومٍ؛ لِقَولِهِ تَعَالَى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } المزمل 6 .
وَمَنْ خَشِيَ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّومُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيُوتِرُ قَبْلَ نَومِهِ.وَمَنْ أَوْتَرَ أوَّلَ اللَّيلِ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ آخِرَهُ؛ صَلَّى شَفْعًا.وَمَنْ فَاتَهُ وِرْدُهُ مِنَ اللَّيلِ صَلَّاهُ فِي النَّهَارِ شَفْعاً؛ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه مسلم.
أمَّا صِفَةُ صَلَاةِ اللَّيلِ؛ فَهِيَ مَثْنَى مَثْنَى؛ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِواحِدَةٍ؛ يُصَلَّي ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْتِسْعًا، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
يُطِيْلُ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ؛ إِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ؛ فَإنْ كَانَ إمَامًا فَلْيُرَاعِ حَالَ المَأمُومِين. يُصَلِّي المُسْلِمُ نَشَاطَهُ، فَإِذَا نَعَسَ فَلْيَرْقُدْ.
وَمَنْ كَسَلَ عَنِ القِيَامِ فَلْيُصَلِّ جَالِسًا؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ فِي النَّفْلِ حَتَّى مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى القِيَامِ؛ وَلَكِنَّ صَلَاةَ القَاعِدِ القَادِرِ عَلَى القِيَامِ فِي النَّافِلَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ القَائِمِ. أمَّا الفَرِيْضَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنَ الجَالِسِ مَعَ قُدرَتِهِ عَلَى القِيَامِ.
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ تَذَكَّرُوا أَنَّهُ فِي الثُّلُثِ الآخِرِ مِنَ اللَّيلِ يَنْزِلُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نُزُولًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ؛ فَيَقُولُ: ( هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ) رواه مسلم.وَهَذِهِ فُرْصَةٌ ثَمِيْنَةٌ فِي قِيَامِ اللَّيلِ؛ فُرْصَةٌ لِلتَّائِبِينَ، فُرْصَةٌ لِلْمُسْتَغْفِر ِينَ، فُرْصَةٌ لِلسَّائِلِينَ؛ وَمَوْطِنٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ كَمَا فِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) رواه مسلم.أَلَا فَلْنَحْرِصْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَلْنُحْيِي هَذِهِ السُّنَّةَ، مَا دُمْنَا فِي دَارِ العَمَلِ.
لِنُجَاهِدْ أَنْفُسَنَا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَلْنَتَوَاصَ بِهِ، وَنَحُثَّ أَوْلَادَنَا عَلَيْهِ، وَنُوقِظَ أَهْلَنَا لَهُ؛ فَهَذَا مِنَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَمِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى؛ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ( رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ) رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح.
أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
ملتقى الخطباء
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/04/2.jpg
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان :64]
هم يبيتون لربهم سجداً وقياماً .. وأنت ؟؟..
أفضل الخلوات وأسعدها هي التي مع الله ، يعلم حاجتك بين يديه فيكرمك ولا يُخيّب ظنك ، ويعلم حبك له فيزرع محبتك في قلوب عباده !..
إذا أُعطيت نعمة فاسجد ، وإذا ابتليت فاسجد ، ففي سجودك تستجلب الأُعطيات ، وبه تدفع النقمات !!
ما أعظم هذه الخلوات حين تكون جبهتك على الأرض ، وقلبك في السماء!!..... أي شرف وأي عظمة!!!
{الذين يمشون على الأرض هوناً} هذا وصف نهارهم ، {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياماً} هذا وصف ليلهم يقضونه لخير سبب ، أنيسهم ربهم ونجواهم معه وحده سبحانه .. استغفار ودعاء ، شكر وتسبيح حتى تخشع وتدمع العيون ويشعرون بغاية السعادة والراحة والإطمئنان ، هذا حالهم و هنيئاً لهم .. فكيف حالي وحالك ؟؟!! .. ربي اجعلنا منهم .
قِيَامُ اللَّيلِ عِبَادَةٌ جَلِيْلَةٌ، أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهَا، وَوَعَدَهُمْ عَظِيْمَ الجَزَاءِ عَلَيْهَا، وَأمَرَ نبيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَائِلِ مَا أَنْزَلَ عَلَيهِ: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا }المزمل 1- 4
وَقَالَ لَهُ: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } الإسراء 79
فَلَازَمَ النَّبِيُّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ العِبَادَةَ الجَلِيْلَةَ؛ كَانَ: ( يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَامَ لَيْلَةً بِالبَقَرَةِ وَالنَّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً؛ إِذَا مَرَّ بآيةٍ فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ...) رواه مسلم.
لَازَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيَامَ اللَّيلِ، وَرَبَّى عَلَيهِ أَهْلَهُ وَصَحَابَتَهُ، وَحَثَّ عَلَيْهِ أمَّتَهُ.وَجَاء تِ النُّصُوصُ الكَثِيْرَةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ بِالحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَبَيَانِ عَظِيْمِ أَجْرِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } 15-18
وَقَالَ تَعَالَى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة 16-17 وَقَالَ تَعَالَى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر9
عِبَادُ الرَّحْمَنِ؛ يُحْيُونَ لَيْلَهُمْ إِذْ يَنَامُ النَّاسُ، وَيَنْتَبِهُونَ إذْ يَغْفُلُ النَّاسُ، وَهَنِيْئًا لَهُمُ تِلْكَ البُشْرَى العَظِيْمَةُ:
يَقُولُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَــدِيثِهِ: ( فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة 16 رواه مسلم.
عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا جَاءَ الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِ قِيَامِ اللَّيلِ؛ فَقَدْ جَاءَ ذَمُّ مَنْ لَا يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ؛ فَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ )
وَقَالَ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ) فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا.
عِبَادَ اللهِ: وَبِقِيَامِ اللَّيلِ تَطِيْبُ النُّفُوسُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَـضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَـذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْــدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْـلَانَ ) رواه البخاري ومسلم.
فَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ وَقْتَ قِيَامِ اللَّيلِ يَبْدَأُ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ؛ وَيَسْتَمِرُّ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ، وَأفْضَلُهُ مَا كَانَ بَعْدَ نَومٍ؛ لِقَولِهِ تَعَالَى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } المزمل 6 .
وَمَنْ خَشِيَ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّومُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيُوتِرُ قَبْلَ نَومِهِ.وَمَنْ أَوْتَرَ أوَّلَ اللَّيلِ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ آخِرَهُ؛ صَلَّى شَفْعًا.وَمَنْ فَاتَهُ وِرْدُهُ مِنَ اللَّيلِ صَلَّاهُ فِي النَّهَارِ شَفْعاً؛ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه مسلم.
أمَّا صِفَةُ صَلَاةِ اللَّيلِ؛ فَهِيَ مَثْنَى مَثْنَى؛ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِواحِدَةٍ؛ يُصَلَّي ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْتِسْعًا، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
يُطِيْلُ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ؛ إِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ؛ فَإنْ كَانَ إمَامًا فَلْيُرَاعِ حَالَ المَأمُومِين. يُصَلِّي المُسْلِمُ نَشَاطَهُ، فَإِذَا نَعَسَ فَلْيَرْقُدْ.
وَمَنْ كَسَلَ عَنِ القِيَامِ فَلْيُصَلِّ جَالِسًا؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ فِي النَّفْلِ حَتَّى مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى القِيَامِ؛ وَلَكِنَّ صَلَاةَ القَاعِدِ القَادِرِ عَلَى القِيَامِ فِي النَّافِلَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ القَائِمِ. أمَّا الفَرِيْضَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنَ الجَالِسِ مَعَ قُدرَتِهِ عَلَى القِيَامِ.
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ تَذَكَّرُوا أَنَّهُ فِي الثُّلُثِ الآخِرِ مِنَ اللَّيلِ يَنْزِلُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نُزُولًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ؛ فَيَقُولُ: ( هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ) رواه مسلم.وَهَذِهِ فُرْصَةٌ ثَمِيْنَةٌ فِي قِيَامِ اللَّيلِ؛ فُرْصَةٌ لِلتَّائِبِينَ، فُرْصَةٌ لِلْمُسْتَغْفِر ِينَ، فُرْصَةٌ لِلسَّائِلِينَ؛ وَمَوْطِنٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ كَمَا فِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) رواه مسلم.أَلَا فَلْنَحْرِصْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَلْنُحْيِي هَذِهِ السُّنَّةَ، مَا دُمْنَا فِي دَارِ العَمَلِ.
لِنُجَاهِدْ أَنْفُسَنَا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَلْنَتَوَاصَ بِهِ، وَنَحُثَّ أَوْلَادَنَا عَلَيْهِ، وَنُوقِظَ أَهْلَنَا لَهُ؛ فَهَذَا مِنَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَمِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى؛ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ( رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ) رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح.
أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
ملتقى الخطباء
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/04/2.jpg
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان :64]
هم يبيتون لربهم سجداً وقياماً .. وأنت ؟؟..
أفضل الخلوات وأسعدها هي التي مع الله ، يعلم حاجتك بين يديه فيكرمك ولا يُخيّب ظنك ، ويعلم حبك له فيزرع محبتك في قلوب عباده !..
إذا أُعطيت نعمة فاسجد ، وإذا ابتليت فاسجد ، ففي سجودك تستجلب الأُعطيات ، وبه تدفع النقمات !!
ما أعظم هذه الخلوات حين تكون جبهتك على الأرض ، وقلبك في السماء!!..... أي شرف وأي عظمة!!!
{الذين يمشون على الأرض هوناً} هذا وصف نهارهم ، {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياماً} هذا وصف ليلهم يقضونه لخير سبب ، أنيسهم ربهم ونجواهم معه وحده سبحانه .. استغفار ودعاء ، شكر وتسبيح حتى تخشع وتدمع العيون ويشعرون بغاية السعادة والراحة والإطمئنان ، هذا حالهم و هنيئاً لهم .. فكيف حالي وحالك ؟؟!! .. ربي اجعلنا منهم .