المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل نحن نفهم ما نقرأ، أو نقرأ ما نفهم؟



أبو مالك العوضي
2006-12-22, 07:21 AM
عندما كنا صغارا كانوا أحيانا يضحكون من أقوالنا الخاطئة، ويتعجبون من فهومنا الغريبة،
وعندما صرنا كبارا رأينا ذلك من أبنائنا، فصرنا نبتسم حينما نسمع الجمل الساذجة من الصغار، أو نرى الفهم العجيب منهم.

ولكن المتأمل في واقعنا يجد أننا في حقيقة الأمر نرتكب أشياء أكثر غرابة وأبعد فهما من هؤلاء الصغار! ويتضح ذلك بالسؤال التالي:
هل أنت تفهم ما تقرؤه؟ هل أنت حقا على يقين أنك تفهم ما تقرؤه؟
إن فهم الكلام على حقيقته يعتمد على مقدمات، منها ما هو خاص بالكلام نفسه من حيث الإفراد والتركيب، ومنها ما هو خاص بقرائن الحال التي يتنزل عليها الكلام إن كان محتملا لجهات.

ونحن نستعمل القرائن في حياتنا كثيرا جدا، بل نستعملها بغير شعور في معظم الأحيان، فالعقل اعتاد أن يستدرك ما يسقُط عن السمع من الأحرف القليلة التي تفهم من سياق الكلام، والعقل اعتاد كذلك أن يعرف ضبط الكلمة اعتمادا على سياقها فتعرف مثلا أن (ذهب) في هذه العبارة (ذهب أحمد إلى المدرسة) مفتوحة الذال والهاء، مع أنها تحتمل غير ذلك مفردة.

إن أهل العلم يختلفون في كثرة اطلاعهم ومعرفتهم وحفظهم وفهمهم، وهذا المقدار من الاطلاع والمعرفة والحفظ والفهم يؤثر تأثيرا واضحا في المقدرة على فهم الكلام المقروء ومعرفة القرائن المحتفة به، ولذلك كان الصحابة أفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ممن بعدهم؛ بل كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم من غيره من الصحابة كما في الحديث المشهور (إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده) فبكى أبو بكر وقال (فديناك بآبائنا وأمهاتنا)، فكان هو الوحيد الذي فهم المقصود، وهذا لشدة ملاصقته للنبي صلى الله عليه وسلم وقوة علمه بأحواله.

الأستاذ عبد السلام هارون المحقق المشهور، عرف بتحقيق كتب الجاحظ، فصار أخبر الناس بأسلوبه، وصار يستطيع أن يميز بين كلامه وكلام غيره، وما تحتمله العبارة وما لا تحتمله، وهذا لو أمكن أن يتأتى لغيره فلا يمكن أن يكون بمثل درجته لأنه تبحر في كتب الجاحظ.

وأنت عندما تقرأ في كتب أهل العلم، تجد نفسك مع الوقت تتذوق أسلوبهم، وتعرف أن هذا أسلوب فلان، وهذا نمط فلان، وهذه طريقة فلان، وهذا مهيع فلان.

والمتقدمون من المحدثين يفعلون ذلك كثيرا؛ وذلك لأنهم لكثرة ممارستهم وطول خبرتهم، وسعة محفوظهم، صارت معرفتهم بأحوال الرواة أحيانا كمعرفتهم بآبائهم وأمهاتهم، فيستطيع أن يجزم بأن هذا الكلام لم يصدر من فلان، أو أن هذا القول لم يقله فلان، كما جاء عن يحيى بن معين عندما أقسم أن عبد الله بن المبارك لم يقل هذا الكلام!
فهذه مرتبة عالية شريفة تستطيع فهمها عندما تستنكر أنت قولا نسب لأبيك خطأ.

ونحن نعرف مثلا الشيخين (ابن باز) و(الألباني) حق المعرفة، فإذا جاءنا من يقول: إن الشيخ ابن باز رحمه الله كان يعرف اللغة الصينية، وإن الشيخ الألباني رحمه الله مكث سنين في البرازيل!! فإننا نقطع بأنه كاذب أو مخطئ، فإذا جاء من لا يعرف الألباني فقد يقول: ما لهؤلاء كيف يزعمون علم الغيب؟!

والمقصود أن القرائن من أقوى السبل إن لم تكن أقوى السبل على الإطلاق لفهم الكلام، واختلاف درجات أهل العلم في علمهم يؤدي إلى اختلافهم في مقدرتهم على فهم كلام غيرهم.
وانحطاط درجاتنا عن درجات أهل العلم قد يحملنا في كثير من الأحيان على أن نستنكر فهمهم لبعض النصوص، ونقول: هذا فهم خاطئ! أو هذا خلاف الظاهر! أو هذا تخرص بالغيب! أو نحو ذلك من العبارات التي لو صدرت ممن هو في مثل علمهم لكانت مقبولة، أما صدورها ممن لم يبلغ عشر معشارهم فهذا شأن آخر.

قال تعالى: { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى }، فالمادة واحدة وهي القرآن، ولكن استقى منه المؤمنون الهدى والشفاء، وانقلب الكافرون فقط بالوقر والعمى!

وفي الحديث (( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ))
فالمادة واحدة وهي الحكمة النبوية، واختلف قبول المادة باختلاف المعادن.

إنك عندما تقرأ كلام أهل العلم فالحقيقة أنك تقرأ ما تريد أن تفهمه بناء على ما عندك من مقدمات ومعلومات.
والقليل منا من يفهم ما يقرأ، لماذا؟
لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين، وعدم الوقوع في أسر الخاطر الأول وبادئ الرأي، ويحتاج إلى علم واسع بالقرائن، ويحتاج إلى معرفة كبيرة باللغة وخاصة لغة من تقرأ له، ويحتاج في بعض الأحيان إلى معرفة حقبة هذا العالم وتاريخه.

قد يقول قائل: (إن كلامَك خطأ؛ لأن هذه المعرفة التي تَشترِط وجودَها إنما يتحصل عليها المرءُ أصلا من القراءة والمطالعة، وهذه القراءةُ والمطالعة تحتاج إلى مثل هذه المعرفة أيضا، وهذا دور أو تسلسل، وهو باطل).

فالجواب: أن هذا الاعتراض صحيح وهو يفيد التسلسل حقا، ولكن قطع السلسلة يحل الإشكال، وبيان ذلك بما يلي:
نفترض أن العالم في ابتداء طلبه للعلم اليوم، وهذا أول شيء يسمعه من أول شيخ يتلقى عنه، فحينئذ تأتي المعلومة إلى القلب بسهولة، فتدخل إليه بغير استئذان، فلا تجد لها معارضا ولا مناوئا، ولكن هل هذه المعلومة صحيحة أو خاطئة؟ محل نظر.
ثم تأتي معلومة أخرى فإما أن تؤيد المعلومةَ السابقة، أو تخالفها، أو لا تؤيدها ولا تخالفها.
ثم تأتي معلومة ثالثة فتُعرض على كلٍّ من المعلومات السابقة فتزيد بعضها قوة وتزيد بعضها ضعفا، وتترك بعضها كما هو.

ومع تكاثر هذه المعلومات وتواترها على القلب يحصُل لديه يقينٌ ببعض هذه المعلومات بحيث لا يمكن أن يداخله فيها شك، كمثل اليقين الذي يدخل إلى قلب الإمام مالك أن ابن عمر رضي الله عنه كان موجودا، وكان من الصحابة، لكثرة ما سمع من النقول عنه والقرائن التي تفيد ذلك.
وهذا القدر من المعلومات يكون هو الأساس الذي يبني عليه العالمُ صحةَ المعلومات الأخرى أو خطأها، وهذا يشبه ما يفعله المحدثون حينما يحكمون على خطأ هذا أو ذاك بناء على الرواة الأثبات الذين تدور عليهم الرواية؛ لأن هؤلاء الرواة صاروا بالمحل الموثوق.

ومع الوقت والممارسة والمرانة والبحث والفحص والتمرس، يصير الأمر المشكوكُ فيه عندك أمرًا يقينيا عند هذا العالم، ويصير الحكمُ الذي تستغرقُ أنت ساعةً في فهمِه أمرا بَدَهِيًّا عند هذا العالم، بل تصيرُ له أحيانا ملكةٌ يميز بها بين صحيح العلم وسقيمه بغير أن يقدِر على التعبير عن حجته !! كالأعرابي الذي يتكلم ولا يلحن، بل لا يستطيع أن يلحن!

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أعلم الناس (أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس) فعبر عن العلم بالبصيرة، وهذه البصيرة هي الملكة أو السليقة أو النور الذي يعلَق بالقلب من كثرة ممارسة العلم والدربة عليه، مع صدق القصد وإخلاص النية.

أسأل الله أن يوفقنا للفهم والعلم والعمل، وأن يستعملنا في طاعته.
إنه على كل شيء قدير.

أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي

الحمادي
2006-12-22, 01:35 PM
لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين، وعدم الوقوع في أسر الخاطر الأول وبادئ الرأي، ويحتاج إلى علم واسع بالقرائن، ويحتاج إلى معرفة كبيرة باللغة وخاصة لغة من تقرأ له، ويحتاج في بعض الأحيان إلى معرفة حقبة هذا العالم وتاريخه.



الأخ المفضال كريم الشمائل والخصال


نفع الله بكم، وشكر لكم هذه التوجيهات المنهجية


وأسأل الله أن ينفع بها






ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أعلم الناس (أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس)



هذا الحديث أنكره الإمام أبو حاتم الرازي، وأورده العقيلي في الضعفاء، وابن عدي في الكامل، وتعقَّب الذهبيُّ الحاكمَ في تصحيحه له.

أبو مالك العوضي
2007-01-18, 10:57 PM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل

هل له شواهد في معناه؟

الحمادي
2007-01-27, 06:30 PM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل

هل له شواهد في معناه؟



وجزاكم خيراً ونفع بكم
حقيقة لا أدري إن كان له شواهد بمعناه أو لا

كلمة حق
2007-01-27, 08:07 PM
السلام عليكم

صراحة انا لم افهم الفكرة الرئيسية للموضوع؟

اعجبني العنوان ورايت ان له علاقة بالمقدمة ولكن بعد ذلك تهت عن السبيل لربط الافكار فهل ممكن ان تشرح لي - بارك الله فيك - ملخص ماتريد ان تصل اليه .

أبو مالك العوضي
2007-01-28, 04:03 PM
الفكرة الأساسية في الموضوع أن المعرفة عند الإنسان الواحد هي بنية (تراكمية) و(تفاعلية) و(ديناميكية) في آن واحد.

- تراكمية: لأن الإنسان يزداد يوما بعد يوم من المعلومات والخبرات.

- تفاعلية: لأن الإنسان يقبل بعض المعلومات ويرد بعض المعلومات بناء على تفاعله معها.

- ديناميكية: لأن الإنسان يستفيد من المعلومات الجديدة إما في زيادة تثبيت المعلومات القديمة التي عنده وإما في التشكيك فيها.

أبو مالك العوضي
2007-03-02, 10:40 AM
في كل يوم أطلع على شيء جديد من كلام أهل العلم أزداد يقينا بأننا حقا لا نفهم ما نقرأ، وإنما نحن نقرأ ما نريد أن نفهم، والآن أنا أطالع في كتاب (بيان تلبيس الجهمية) لشيخ الإسلام ابن تيمية فأجد فيه أمثلة عجيبة جدا تندرج في هذا الباب.

منها: ما ينسبه ابن فورك لابن كلاب وغيره من الأقوال التي لم يقولوها، وإنما فهمها هو كذلك فنسبها لهم لظنه أنها هي الحق الذي لا معدل عنه!!

< والمهم أن شيخ الإسلام نبه على هذه القاعدة فقال: >
(( ..... لكن ابن فورك لم يكن من هؤلاء، وإنما هو من الطبقة الثانية الذين ينسبون إلى الأئمة ما يعتقدون هم أنه الحق، فهذا واقع في كثير من طائفته حتى إنه في زماننا في بعض المجالس المعقودة قال كبير القضاة: إن مذهب الشافعي المنصوص عنه كيت وكيت، وذكر القول الذي يعلم هو وكل عالم أن الشافعي لم يقله، ونقل القاضيان الآخران عن أبي حنيفة ومالك مثل ذلك، فلما روجع ذلك القاضي قيل له: هذا الذي نقلته عن الشافعي من أين هو؟ أي أن الشافعي لم يقل هذا، فقال: هذا قول العقلاء، والشافعي عاقل لا يخالف العقلاء، وقد رأيت في مصنفات طوائف من هؤلاء ينقلون عن أئمة الإسلام المذاهب التي لم ينقلها أحد عنهم، لاعتقادهم أنها حق، فهذا أصل ينبغي أن يعرف )) .

< وقال ابن القيم رحمه الله: >
(( المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يكن لأصحابها ببال ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثم يلزمهم من طرد لوازم لا يقول بها الأئمة، فمنهم من يطردها ويلزم القول بها ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين الناس بجاه الأئمة ويفتى به ويحكم به والإمام لم يقله قط، بل يكون نص على خلافه !! ))

الحمادي
2007-03-02, 02:13 PM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
هل له شواهد في معناه؟

لم أجد ما يشهد لصحته
نفع الله بكم أبا مالك، وشكر لكم إفادتكم بما نقلتم عن شيخي الإسلام

أسامة بن الزهراء
2007-03-02, 06:01 PM
أخي الحبيب
كيف أعرف أني فهمت مراد المؤلف !! هل هناك ضابط معين

أبو مالك العوضي
2007-03-03, 02:00 PM
كيف أعرف أني فهمت مراد المؤلف !! هل هناك ضابط معين

لن تستطيع أن تعرف ذلك على وجه اليقين وثلج القلب إلا بعد تحصيل قدر كاف من كلام هذا المؤلف والدربة بأسلوبه، وكذلك الاطلاع على كلام المشاركين له في الفن أو المعاصرين له إن أمكن، وكذلك الاطلاع على ثقافة هذا العصر الذي عاش فيه المؤلف؛ وذلك بالاطلاع على كلام عدد لا بأس به من علماء هذا العصر؛ لأن لكل عصر منهجا واصطلاحا وعبارات قد تختلف عن غيره من العصور، والمرء يلاحظ ذلك بجلاء عندما يكون التفاوت الزمني كبيرا، فمثلا كلمة ( مكروه ) إذا جاءت في الكتاب والسنة فلها معنى، وإذا جاءت في كلام السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم فلها معنى آخر!، وإذا جاءت في كلام الفقهاء المتأخرين فلها معنى ثالث!!، وهذا التفاوت بين المعاني موجود في كثير من الألفاظ والتعبيرات، حتى إن المرء أحيانا يقرأ بعض النصوص فيجزم بالعصر الذي قيلت فيه بغير أن يكون عارفا بقائلها ولا بالكتاب الذي وردت فيه.
وجماع معرفة هذا الأمر في كلمة واحدة فقط، وهي ( القرائن ).

عربي
2007-08-30, 04:22 PM
الفكرة الأساسية في الموضوع أن المعرفة عند الإنسان - ديناميكية: لأن الإنسان يستفيد من المعلومات الجديدة إما في زيادة تثبيت المعلومات القديمة التي عنده وإما في التشكيك فيها.

آخذ عليك استخدام كلمة ديناميكية و مثلك يؤخذ عليه هذا

و جزاكم الله خيرا الجزاء على ما تقدمونه من فوائد كثيرة نفعنا الله بعلمكم.

قرأت جزء من الموضوع و سأقرأ البقية متى سنحت الفرصة إن شاء الله.

الروض الأنف
2007-08-30, 05:03 PM
أحسن الله إليك أبا مالك !

ولكن عندي إشكال ، وهو أنه إذا طرح أحدهم قضية ثم رددنا عليه من خلال معرفتنا بهذا الكاتب وأنه يروغ كما يروغ الثعلب ، ويستعمل أساليب ملتوية ليوصل فكرة لا تمت لأهل الهدى بشيء - وما أكثرهم هذه الأيام فقد عرف الكثير منهم أن مصادمة النصوص لا يمكن قبولها - قال محبوه والذابون عنه : أين ذلك من كلامه ؟ وأنتم تتكلمون في النوايا ... الخ .

فكيف نرد عليهم ؟

أبو مالك العوضي
2007-08-30, 05:18 PM
آخذ عليك استخدام كلمة ديناميكية و مثلك يؤخذ عليه هذا
و جزاكم الله خيرا الجزاء على ما تقدمونه من فوائد كثيرة نفعنا الله بعلمكم.
قرأت جزء من الموضوع و سأقرأ البقية متى سنحت الفرصة إن شاء الله.

جزانا الله وإياكم خيرا يا أخي الفاضل

وإنما استعملتُ هذه الكلمة تقريبا للفهم؛ لأن السائل استشكل الموضوع، وقد ناقشنا استعمال مثل هذه الكلمات في موضوعات سابقة، وظهر لي - والله أعلم - أنه لا إشكال فيها؛ لأنها من الكلمات المعربة التي أخذت من أهلها، وقد استعمل العرب كثيرا من الكلام الأعجمي، ولا إشكال في ذلك، ولكن الإشكال في الخروج عن القوانين العربية، ولا خطأ في اقتباس الكلام الأعجمي أحيانا لمزيد البيان والإيضاح.

والعجيب أن المجامع اللغوية المعاصرة انطلقت منطلقا غريبا في تعريب الكلمات الأعجمية وتوليد ألفاظ تعبر عنها، وهم يقرون بأن هذه الألفاظ مولدة، فليس هناك كبيرُ فائدة في توليد ألفاظ جديدة لتعبر عن ألفاظ معربة؛ لأنك في جميع الأحوال استعملت ألفاظا جديدة!
ولكن المشكلة في التساهلات الشنيعة، والتنازلات الفظيعة التي يذهب إليها هذا المجمع أو ذاك، مما يهدم اللغة ويهوي بقواعدها!
والكلام في هذا الموضوع يطول، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

أبو مالك العوضي
2007-08-30, 05:26 PM
أحسن الله إليك أبا مالك !
ولكن عندي إشكال ، وهو أنه إذا طرح أحدهم قضية ثم رددنا عليه من خلال معرفتنا بهذا الكاتب وأنه يروغ كما يروغ الثعلب ، ويستعمل أساليب ملتوية ليوصل فكرة لا تمت لأهل الهدى بشيء - وما أكثرهم هذه الأيام فقد عرف الكثير منهم أن مصادمة النصوص لا يمكن قبولها - قال محبوه والذابون عنه : أين ذلك من كلامه ؟ وأنتم تتكلمون في النوايا ... الخ .
فكيف نرد عليهم ؟

وفقك الله يا أخي الكريم
هذا الموضوع يصعب الكلام فيه إجمالا؛ لأنه يختلف باختلاف العصر وباختلاف الكاتب.
فقد يكون لكلام هؤلاء وجه صحيح في بعض الأحيان، وقد يكون خطأ، فلا نستطيع أن نعطي حكما عاما بأن كلامك هو الصحيح دائما.

وقديما اختلف أهل العلم في أشباه هذا الأمر، فاتهم بعضهم الفخر الرازي بأنه ضال يبث سمومه في هذه الشبهات التي يملأ بها كتبه، ودافع عنه آخرون بأنه يعتقد الحق، ولكنه يبحث عنه بحثا مجردا فيستفرغ وسعه في عرض الشبهات حتى لا يكون لهم مزيد عليها.

ولذلك فالأصوب في مثل هذه الحالات أن يكون الحوار على مضمون الكلام نفسه بغض النظر عن الأشخاص؛ لأن الشخص قد يكون خبيثا ولكنه يقول كلاما حسنا، وقد يكون الشخص سليم الطوية ولكنه يقول كلاما خبيثا بغير أن يقصد.

والعبرة بقرائن الأحوال، وقرائن المقال، وكذلك العبرة بالرجوع إلى كلام المتكلم نفسه في مواطن أخرى؛ لأن فهم كلامه إذا كان مشكلا في بعض المواضع فإنه يتضح في بعض المواضع، فيكون وضوح الكلام في مواطن دليلا على إرادته معنى من المعاني في المواطن التي تشكل.

وينبغي فهم كلام المتكلم بناء على ما عرف عنه من طريقته في الكلام، ولا يصح تحميل كلامه ما لا يحتمله مما هو عند غيره، فإذا كنا نعرف من طريقة فلان في الكلام أنه يعبر بالتعبير الفلاني للدلالة على المعنى الفلاني، فلا يصح - والحالة هذه - أن ندعي غير هذا المعنى؛ بناء على أن اللفظ يحتمل كذا وكذا.

ولما هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها .............. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
اشتكاه لعمر، وحكم حسان بن ثابت بأن هذا هجاء، ولم ينفعه أن ظاهر اللفظ ليس فيه هجاء؛ لأن قرائن الحال والمقال في مثل هذا البيت عند الشعراء لا تحتمل إلا الهجاء.
ولهذا يُرجع إلى أهل كل فن في فنهم؛ لأنهم أدرى بمقصود أهل هذا الفن.

أشرف بن محمد
2007-10-06, 09:06 AM
مقالة رائعة شيخنا الحبيب
والمثال الذي ضربته بالعلامة المحقق عبدالسلام هارون هي الدرجة التي يصبو إليها كل باحث
وفي الحقيقة هذه الدرجة هي نهاية طريق

المجتهدة
2007-10-06, 01:49 PM
جزاكم الله خيراً.

أبو مالك العوضي
2007-12-02, 08:25 PM
سأل بعض الإخوة عن وسائل تعين على الفهم وخصوصا كلام العرب في عصور الاستشهاد.

الجواب:
الأمر ليس سهلا، بل هو في غاية الصعوبة، وأخوكم الضعيف ليس استثناء في هذا الأمر.

ولكن الموفق من وفقه الله، والمهدي من هداه الله، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وجماع الأمر - فيما أحسب والله تعالى أعلم - أن ننظر إلى الاختلافات بين أهل العلم، فأنا أزعم أن أكثر هذه الاختلافات هي اختلافات في الفهم، وليست اختلافات في الجهل ببعض النصوص.

ومن الأدلة على ذلك أن الخلاف المبني على الجهل بنص معين ينبغي أن يزول عند استحضار هذا النص، ومع ذلك لا نرى هذا موجودا في معظم الخلافات.

وهذا ليس قصرا على الخلافات الفقهية، بل هو عام في الخلافات الاعتقادية، والخلافات الأصولية وغير ذلك أيضا.

ولكي تعرف عظم الخطر في هذا الباب انظر لنفسك ومعلوماتك وما اطلعت عليه من الكتب وما حصلته من معارف.

هل الكتب التي قرأتها أكثرها للمتقدمين أو للمتأخرين؟
هل خبرتك بعبارات المعاصرين وفهم المراد من كلامهم مثل خبرتك بكلام الصحابة والتابعين وفهم المراد منها؟ فضلا عن كلام العرب الأقحاح والشعراء الجاهليين؟!

أنا أحسب - والله أعلم - أن الواحد منا إذا قرأ للشيخ الألباني مثلا فلن يصعب عليه فهم شيء من مراده، في حين إنه إذا قرأ للحافظ ابن حجر فقد يخفى عليه شيء مما يريده الحافظ، أما إذا قرأ مثلا للخطيب البغدادي فربما يغيب عن فهمه ما هو أكثر من كلام الحافظ ابن حجر، ثم إذا قرأ مثلا كلام الصحابة والتابعين فالمتوقع أن فهمه لها سيكون أقل من فهمه لكلام الخطيب.
ثم إذا قرأ كلاما لبعض الجاهليين فسيكون فهمه أقل من كل ما سبق.

والسبب في ذلك - والله أعلم- أنه كلما بعد العصر اختلفت القرائن والألفاظ والاستعمالات، وتغيرت الأمور الواضحات، وصار بعض المشهور غريبا وبعض الغريب مشهورا.

ولذلك تجد مثلا في القاموس المحيط عن بعض الألفاظ ( معروف ) مع أنه من غريب اللغة الذي لا يكاد يعرفه أحد من المعاصرين، مع أن صاحب القاموس من أهل القرن الثامن ثم التاسع الهجري!
فما بالك بكلام علماء القرن الثاني؟! لا شك أنه أبعد
فما بالك بكلام أهل الجاهلية، لا شك أنه أبعد وأبعد

وليس من سبيل - من وجهة نظري والله أعلم - لحل هذا الإشكال إلا بأن يحاول المرء أن يغير ثقافته، وذلك بأن يجعل اطلاعه على كلام أهل عصر معين أكثر من اطلاعه على غيره من العصور، فهذا هو السبيل الوحيد لاكتساب هذه السليقة، أو هذه الملكة التي تجعله يفهم الفهم الصحيح لأول وهلة أو بادي الرأي.

ولذلك كان أهل الحديث هم أقرب الناس لفهم المراد من الأحاديث.
وكان النحويون أقرب الناس لفهم مراد سيبويه.
وكان اللغويون أقرب الناس لفهم كلام العرب.

ولذلك كثيرا ما يقول أهل العلم: إن العبرة في كل فن إنما هي بكلام أهله المتقنين له، بخلاف غيرهم، فلا يعتد بكلام غير النحويين في النحو، ولا بكلام غير الفقهاء في الفقه، كما أنه لا يعتد بكلام غير الأطباء في الطب.

ولا شك أن الطبيب الذي ليس خبيرا بعلوم العربية أكثر فهما لكلام الطبيب مثله من فهم عالم العربية، حتى لو كان الكلام مكتوبا باللغة العربية الفصيحة.

وسبب هذه الإشكالات جميعها أن الكلام المنطوق أو المكتوب لا يمكن أن يعبر عن مراد المتكلم تعبيرا مطابقا لما في النفس تماما بحيث لا يزيد ولا ينقص، وتأمل ذلك من نفسك تجده صحيحا إن شاء الله.

ولذلك يُغفل كثير منا حال الكلام كثيرا من الأمور التي يراها هو واضحة لا تشكل على أحد، ولو لم يفعل ذلك لاحتاج في كل جملة أو عبارة من عباراته أن يملأها بالاحترازات والتقييدات التي تخل بنظام الكلام وتضيع الوقت في غير فائدة.
ولولا أن القرائن المعتادة تقوم مقام التصريح في هذه الأمور لما صلح حال الناس ولما استطاع بعضهم أن يفهم مراد بعض، كما لو قلت لولدك مثلا: (ماء)، فإنه يفهم بحسب القرائن أنك تريد كوبا من الماء لكي تشربه، أما إذا كنت تسير معه في الطريق مثلا وقلت: (ماء) وأمسكت به بسرعة وجذبته للخلف، فإنه يفهم بحسب القرائن أنك تريد منه الاحتراز من وقوعه في الماء أو وقوع الماء عليه.
وهذه القرائن والأحوال إنما فهمت بحسب العادة والعرف، وهذه الأمور تختلف من عصر لعصر، فقد يكون مثلا في بلد من البلدان أن قول بعضهم لبعض: (ماء) معناه مشروب معين يصنع بطريقة معينة.
ولذلك تجد أكثر أخطاء المحققين لكتب أهل العلم سببها أنهم يجرون أعرافنا المعاصرة على كلام هؤلاء، فيجعلون البعيد قريبا والمحال واجبا واللازم محالا !!

وأنصح إخواني في الله أن يجربوا هذا الأمر، وذلك بأن تقصر نفسك على قراءة كتب أحد أهل العلم مدة معينة من الزمن، حتى تحيط بجملة وافرة منها، ثم انظر بعد ذلك هل يكون استيعابك للكلام أكبر وفهمك لما بين السطور أكثر حتى تكاد في بعض الأحيان تعرف ماذا سيقول في السطر القادم قبل أن تقرأه !!

وقد سمعنا عن كثير من العلماء والشعراء والأدباء كان أحدهم يسمع شطر البيت فيذكر الشطر الثاني من غير أن يكون قد سبق له سماعه!! فإذا سئل: من أين عرفته؟ قال: هذا ما ينبغي أن يقال، أو نحو ذلك.

وكثيرا ما كنت أحضر بعض المناقشات فأجد كلا من الطرفين يدعي أن فهمه هو المتبادر!! وأن الصواب حمل الكلام على الفهم المتبادر!!
فنقول: هذا صحيح، ولكن المتبادر عند من؟! ليس عندي ولا عندك، وإنما عند أهل اللسان، عند السلف الذين عاينوا الأحوال وتشربوا القرائن التي هي الأساس في هذا الذي تدعي أنه (المتبادر).
فإذا كنت قد نظرت وقرأت وأكثرت من الاطلاع على كلام هؤلاء حتى صارت لك فيه ملكة، فحينئذ يكون المتبادر عندك قريبا من المتبادر عندهم، أما بخلاف ذلك فلا وألف لا !!

ولذلك نجد أبعد الناس عن صحة الفهم - فهم كلام السلف - من يقصر علمه ويقضي عمره في النظر في كتب بعض المتأخرين حتى يكون كلام السلف عنده أشبه باللغة الأعجمية !

أسأل الله سبحانه أن يمدنا بمدد من عنده، وأن يرزقنا حسن الفهم، وصحة العلم، وصواب العمل.
إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

أبو مالك العوضي
2007-12-02, 08:26 PM
قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه الفذ (الوساطة بين المتنبي وخصومه):

(( ........... وإنما أريد مثل قول الأعشى:

إذا كان هادي الفتى في البلا ........... د صدرَ القناة أطاع الأميرا

فإن هذا البيت – كما تراه – سليم النظم من التعقيد، بعيد اللفظ عن الاستكراه، لا تشكل كل كلمة بانفرادها على أدنى العامة، فإذا أردت الوقوف على مراد الشاعر فمن المحال عندي، والممتنع في رأيي أن تصل إليه إلا من شاهد الأعشى بقوله، فاستدل بشاهد الحال، وفحوى الخطاب، فأما أهل زماننا فلا أجيز أن يعرفوه إلا سماعا إذا اقتصر بهم من الإنشاد على هذا البيت المفرد، فإن تقدموه أو تأخروا عنه بأبيات لم أبعد أن يستدل ببعض الكلام على بعض، وإلا فمن يسمع بهذا البيت فيعلم أنه يريد: أن الفتى إذا كبر فاحتاج إلى لزوم العصا أطاع لمن يأمره وينهاه، واستسلم لقائده، وذهبت شرته! ))


[ تنبيه ]
هذه القطعة سقطت من النسخة الإلكترونية للكتاب، الموجودة في الموسوعة الشعرية وتوابعها.

شرياس
2007-12-05, 10:41 PM
بما ان الموضوع عن القراءة وددت أن أعرف أيهم أفضل بين هاتين الطريقتين في القراءة : -

الطريقة الأولى :

قراءة الكتاب طول مدّة القراءة اليومية حتى الخلاص من قرائته مثل أن يخصص الشخص في اليوم ساعتان للقراءة وعند البدء في قراءة كتاب ما يستنفد كل الوقت يوميا حتى يتم قراءة هذا الكتاب .

الطريقة الثانية :

قراءة عدّة كتب في اليوم الواحد وذلك عن طريق تقسيم الوقت اليومي المخصص للقراءة على عدّة كتب مثل أن يخصص الشخص ساعتان في اليوم ويختار أربعة كتب مختلفة ويقرأ نصف ساعة للكتاب الواحد فيكون مجموع الوقت ساعتان لأربعة كتب .

أبو مالك العوضي
2007-12-06, 07:39 AM
هذا يختلف باختلاف الأشخاص، فبعض الناس لا يستطيع أن يقرأ عدة كتب في آن واحد، وبعضهم يستطيع.
وأنا أفضل الطريقة الثانية وأسير عليها، وهي التي كان يسير عليها الإمام النووي رحمه الله.

وعلماء الذاكرة يقولون إن الطريقة الثانية أفضل في استيعاب أكبر قدر ممكن.

خالد المرسى
2007-12-06, 10:15 PM
والقليل منا من يفهم ما يقرأ، لماذا؟
لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين، وعدم الوقوع في أسر الخاطر الأول وبادئ الرأي، ويحتاج إلى علم واسع بالقرائن، ويحتاج إلى معرفة كبيرة باللغة وخاصة لغة من تقرأ له، ويحتاج في بعض الأحيان إلى معرفة حقبة هذا العالم وتاريخه.
لهذا انا اأعتبر قراءة مثلى فى تفسير بن كثير او كتاب من كتب التراث مضيعة للوقت فى غير طائل

لن تستطيع أن تعرف ذلك على وجه اليقين وثلج القلب إلا بعد تحصيل قدر كاف من كلام هذا المؤلف والدربة بأسلوبه، وكذلك الاطلاع على كلام المشاركين له في الفن أو المعاصرين له إن أمكن، وكذلك الاطلاع على ثقافة هذا العصر الذي عاش فيه المؤلف؛ وذلك بالاطلاع على كلام عدد لا بأس به من علماء هذا العصر؛ لأن لكل عصر منهجا واصطلاحا وعبارات قد تختلف عن غيره من العصور، والمرء يلاحظ ذلك بجلاء عندما يكون التفاوت الزمني كبيرا، فمثلا كلمة ( مكروه ) إذا جاءت في الكتاب والسنة فلها معنى، وإذا جاءت في كلام السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم فلها معنى آخر!، وإذا جاءت في كلام الفقهاء المتأخرين فلها معنى ثالث!!، وهذا التفاوت بين المعاني موجود في كثير من الألفاظ والتعبيرات، حتى إن المرء أحيانا يقرأ بعض النصوص فيجزم بالعصر الذي قيلت فيه بغير أن يكون عارفا بقائلها ولا بالكتاب الذي وردت فيه.
وجماع معرفة هذا الأمر في كلمة واحدة فقط، وهي ( القرائن ).
وبعد هذا الحل يعود السؤال كما كان كيف أعرف أنى الفت تأليف منضبط بين ما اطلعت عليه من أقوال وأساليب ؟
ما أعتقده منذ فترة كاجابة على هذا السؤال أنه لو ثم شرح صوتى أو تعليق على الكتاب المراد قراءته فهذا المنبغى أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟
أرجو التعليق من شيخنا ابى مالك

أبو مالك العوضي
2007-12-07, 10:33 AM
وفقك الله يا أخي الكريم

أتعلم ما يشبه هذا الأمر؟ يشبه العلوم الضرورية عند الناس، فأنت مثلا تعرف أنه كان هناك عالم في المدينة النبوية اسمه الإمام مالك.
فإذا سألتك الآن عن الدليل على هذا الأمر، فماذا ستقول؟
قد تقول: لا أذكر، ولكني على يقين من ذلك، وقد تقول: لأن العلماء اتفقوا على هذا، وقد تقول: لأن هذا أمر معروف ... إلخ.

وأيا ما كان الأمر فلن تستطيع أن تأتي بدليل قاطع على كلامك؛ لماذا؟
لأن هذا الأمر تقرر عندك بالتدريج، فمثلا سمعت وأنت صغير خطيب المسجد يقول: وكان الإمام مالك يقول كذا وكذا.
ثم سمعت بعض العلماء يقول: وهذا قول الإمام مالك.
ثم قرأت في بعض الكتب: الإمام مالك يذهب إلى كذا وكذا.
ثم استمعت إلى بعض الأشرطة أيضا فوجدت فيها مثل ذلك.
ومع الوقت وتكرار مثل هذه الأمور على أذنك صار لديك قناعة يقينية بهذا الأمر، بحيث لا يمكن أبدا أن يستطيع أحد أن يشكك في هذا الأمر عندك، مهما جاء بشبهات أو أدلة، وغاية أمرك معه إذا لم تستطع أن ترد عليه أن تقول له: كلامك باطل وإن كنت لا أستطيع أن أرد عليه !
وهذه هي صفة العلم الضروري، وهذا العلم الضروري مهم جدا في كل الأمور؛ لأن باقي المعلومات تنبني عليه، فإنك عندما تقرأ في كتاب لا تقرأ في الحقيقة ما هو مكتوب، ولكنك تقرأ ما تفهمه من الكلام بناء على ما تقرر عندك من هذه العلوم الضرورية، فإذا قرأت مثلا أن (العالم الفلاني كان يبيع الخمر) فإنك تستبعد تلقائيا كلمة (الخَمْر) من الموضوع، وتفهم السياق على أنه كان يبيع (الخُمُر)، وإذا قرأت مثلا أن بعض زهاد السلف قال: (يا ليت أمي لم تلدني) فإنك تفهم تلقائيا أنه يقول ذلك خوفا من الله عز وجل وورعا ووجلا، وتستبعد تلقائيا أن يكون قال ذلك لأنه قتل مائة نفس مثلا!

وهكذا في كل شيء نقرؤه أو نطلع عليه بأي وسيلة من الوسائل، فإننا نتعامل معه بناء على ما تقرر لدينا من العلوم الضرورية، لأن الكلام في غالب الأحيان له كثير من الاحتمالات، وأنت إذْ تقرأ إنما تتجه بذهنك إلى أحد هذه الاحتمالات، وتحديد واحد من هذه الاحتمالات إنما يكون بناء على ما هو متأصل عندك، وليس على ما يفيده الكلام، وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة.
وهذا لا يعني أنك لا بد أن تظل على الخطأ دائما، فأنت تحتفظ في ذاكرتك بما قرأت، وبعد ذلك قد تطلع على أشياء تجعلك تغير تفكيرك فيما فهمته من قبل، فتقول: كنت أظنه يعني كذا، ولكن تبين لي أنه يعني كذا، فهذا الظن الأول، وهذا التبين الأخير لم يكن معتمدا في الحالتين على ما قرأته فقط؛ لأنه لو كان معتمدا على ما قرأته فقط لم يكن إلى تغييره سبيل؛ لأن المقروء واحد، وإنما كان معتمدا على ما عندك من علم سابق في الحالة الأول، وما عندك من علم لاحق في الحالة الثانية.

والله تعالى أعلم.

خالد المرسى
2007-12-07, 12:26 PM
وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة.
وهذا لا يعني أنك لا بد أن تظل على الخطأ دائما، فأنت تحتفظ في ذاكرتك بما قرأت، وبعد ذلك قد تطلع على أشياء تجعلك تغير تفكيرك فيما فهمته من قبل،
أى العلم يحل عضه البعض
أستشهد من كلامكم للمرة الثانية على ما قلته قبل ذلك وهو

لهذا انا اأعتبر قراءة مثلى فى تفسير بن كثير او كتاب من كتب التراث مضيعة للوقت فى غير طائل
لأن انا مثلا شاب محتاج ان انقل كل ما أقرأ اثناء دعوتى الناس فانا محتاج لكل ما أقرأه على سبيل الفور وتعلم ان من الممكن ان مثلا الكتاب رقم 12 فى خطة القراءة قد لايأتى الابعد سنين وقد أكون نسيت الكلام المراد تبيينه وخاصة أنى لم أتصور تصورا صحيحا فهو أقرب للنسيان منه للذكران وذكرت حل هذه المشكلة من وجهة نظرى وانتظر تعليقكم

ما أعتقده منذ فترة كاجابة على هذا السؤال أنه لو ثم شرح صوتى أو تعليق على الكتاب المراد قراءته فهذا المنبغى أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟

أبو مالك العوضي
2007-12-07, 01:21 PM
وفقك الله
حتى لو شرح الكتاب شرحا صوتيا، فالمشكلة قائمة، فتأمل!
لأن الشرح الصوتي هذا ما هو؟
هو معلومات أيضا تدخل إلى رأس الإنسان، ويحتاج إلى آلية معينة في فهمها، وهي الآلية نفسها التي يستعملها في فهم ما يقرأ.
ولكن الاختلاف الوحيد بين الأمرين أن الشرح الصوتي يكون لأناس معاصرين والثقافة بينكما متقاربة، ولذلك فيبعد أن لا تفهم الكلام على وجهه.

خالد المرسى
2007-12-07, 07:01 PM
ولكن الاختلاف الوحيد بين الأمرين أن الشرح الصوتي يكون لأناس معاصرين والثقافة بينكما متقاربة، ولذلك فيبعد أن لا تفهم الكلام على وجهه.
هكذا يبعد جدا فهم الكلام على غير وجهه خاصة اذا كان المدرس معروف بفصاحة اللسان وتفصيل المسألة كشيخنا محمد اسماعيل مثلا
هكذا اعتقد ما درسته مطمئنا وكذلك أنقله اما احتمال فهم غير المراد فطالما انا اسمع شرح كتاب مناسب لمرحلتى العلمية فهو احتمال نادر والنادر لاحكم له والا فماذا افعل اكثر من ذلك لتحرى الفهم الصحيح لما أقرأ

أما لو لا يوجد فلا أعلم رد على هذا السؤال ؟
قد يكون للكتاب شرح او تعليق لكن لا اعلمه يعنى مثلا انا لى فترة بعيدة ادخل النت ولم أجد للاختيارات العلمية لبن تيمية شرح صوتى الا من يومين فلطالب العلم أن يسأل عن الكتاب الذى يريد قرءته

خالد المرسى
2007-12-08, 12:39 PM
آخذ عليك استخدام كلمة ديناميكية و مثلك يؤخذ عليه هذا
اقرر هنا قاعدة تضبط كثير من السلوك
ليس لك أخذها عليه الا بعد أن تسأله لما فعلت هذا يقول العثيمين معلقا على حديث متفق عليه ومعناه انه النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب فدخل رجل فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أصليت قال لا قال قم فصلى ركعتين
يستدل العثيمين بأ السنة سؤاله قبل الانكار هذا الهدى
وانت من اهل الفضل لاشك لكن العلم مفرق فى صدور العباد

خالد المرسى
2007-12-09, 07:21 AM
وعلماء الذاكرة يقولون إن الطريقة الثانية أفضل في استيعاب أكبر قدر ممكن
أذكر انى سمعت عنهم ان الاولى هى الافضل
لعل بينهم خلاف ؟

أبو مالك العوضي
2008-04-10, 10:12 AM
قال ابن طباطبا في عيار الشعر :

(( والنفس تسكن إلى كل ما وافق هواها، وتقلق مما يخالفه، ولها أحوال تتصرف بها، فإذا ورد عليها في حالة من حالاتها ما يوافقها اهتزت له وحدثت لها أريحية وطرب، وإذا ورد عليها ما يخالفها قلقت واستوحشت ))

أبو مالك العوضي
2008-04-25, 06:33 PM
أذكر انى سمعت عنهم ان الاولى هى الافضل
لعل بينهم خلاف ؟

أو لعلي وهمتُ ، فلو تفضلت بنقل الكلام المذكور ؟

توبة
2008-04-28, 09:06 PM
وقال ابن القيم رحمه الله: >
(( المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يكن لأصحابها ببال ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثم يلزمهم من طرد لوازم لا يقول بها الأئمة، فمنهم من يطردها ويلزم القول بها ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين الناس بجاه الأئمة ويفتى به ويحكم به والإمام لم يقله قط، بل يكون نص على خلافه !! ))


قال ابن طباطبا في عيار الشعر :

(( والنفس تسكن إلى كل ما وافق هواها، وتقلق مما يخالفه، ولها أحوال تتصرف بها، فإذا ورد عليها في حالة من حالاتها ما يوافقها اهتزت له وحدثت لها أريحية وطرب، وإذا ورد عليها ما يخالفها قلقت واستوحشت ))
كلام متين ...نفع الله به.

محمد محيسن
2008-07-06, 05:51 PM
المقالة عميقة ومفيدة!
جزاكم الله خيرا ـ شيخنا ـ .


لأن هذا يحتاج إلى تجرد وإنصاف شديدين،
(شديدين) صفة لـ(تجرد ) أم (إنصاف ) ؟.(ابتسامة ).

أبو الفداء
2008-07-06, 09:29 PM
بارك الله فيكم شيخنا المفضال أبا مالك.. دمت مسددا ونافعا لاخوانك
تقولون: "وهكذا في كل شيء نقرؤه أو نطلع عليه بأي وسيلة من الوسائل، فإننا نتعامل معه بناء على ما تقرر لدينا من العلوم الضرورية، لأن الكلام في غالب الأحيان له كثير من الاحتمالات، وأنت إذْ تقرأ إنما تتجه بذهنك إلى أحد هذه الاحتمالات، وتحديد واحد من هذه الاحتمالات إنما يكون بناء على ما هو متأصل عندك، وليس على ما يفيده الكلام، وقد يكون المؤلف يقصد إلى شيء مختلف تماما عما ورد في ذهنك، ولكنك لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك في هذه اللحظة"
قلت ولعله من المهم بيان أن الكلام - من حيث كونه تركيبا للألفاظ - ليس كله على درجة واحدة في تلك الخصيصة، فمن تراكيب اللغة ومبانيها وألفاظها ما لم تتغير معانيه الا الشيء القليل جدا، فلا يحتاج هذا الى كثير من القرائن في فهمه، بل المتبادر الى الذهن فيه عند العربي في زمان الجاهليين، لا يختلف الا اختلافا ضيئلا عن المتبادر الى ذهن المعاصرين.. ومنها ما تغير كثيرا وتبدلت دلالاته وربما دخل عليه ما دخل، من تحول من مشهور الى غريب والعكس، فأصبح المعاصرون لا يغنيهم شيء عن الاستعانة بقرائن الزمان والعصر وفقه لغة المتكلمين، كالاستعانة بالقواميس والمعاجم ونحوها، ويحتاجون الى الشيء الكثير من ذلك حتى يسلم فهمهم من أثر العجمة وتراكم طبقات الزمان (ان صح التعبير)..
ولعله لهذا السبب، كان القرءان منقسما في آياته الى المحكم والمتشابه، فالمحكم ألفاظه واضحة راسخة رسوخ الجبال لا تتبدل دلالاتها ولا معانيها ولا تكاد تحتاج الى قرائن في فهمها، وهكذا تبقى مهما تغير الزمان دون أن تكثر عليها وجوه المعاني في دلالة ألفاظها، كمثل قوله تعالى في سورة الشورى: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)). فهذه الآية الكريمة من أشهر محكمات القرءان، والتي لا تحتاج لاسناد الى قرائن أو الى نصوص أخرى من الكتاب أو السنة أو فهم الصحابة وأحوالهم حتى تفهم فهما صحيحا.. هذا والله تعالى أعلم وأحكم.

أبو مالك العوضي
2008-07-06, 10:07 PM
أحسن الله إليك شيخنا الفاضل

كلامكم صحيح، ولكن ينبغي التنبه لمسألة مهمة، وهي أننا ليس لدينا طريقة واضحة تفصل بين المحكم والمتشابه، بل قد نختلف في بعض النصوص أمن المحكم هي أم من المتشابه؟ وهذا وارد في الكلام أيضا كما هو وارد في النصوص الشرعية.
ولا أنكر أن هناك من النصوص ما يفهم فهما صحيحا ربما في كل العصور، ولكن هذه النصوص لم تصر هكذا بسبب أن اللفظ يقتضيها، ولكن السبب أنها احتفت بكثير من القرائن التي جعلت دلالتها قطعية واضحة متواترة عبر العصور لا يختلف اثنان من المسلمين فيها، فعاد الأمر إلى أن العبرة بالقرائن المحتفة سواء أكانت معلومة لدى الخاصة فقط أو معلومة للعامة .
والدليل على ذلك أن هذه النصوص بعينها قد تُعرض على بعض المستشرقين أو الأجانب فيخطئ في فهمها، وليس هذا إلا بسبب غياب هذه القرائن -المعروفة عند المسلمين- عنه.

وينبغي أن نفهم أيضا أن الخطأ في الفهم إن كان عائدا إلى غرابة الألفاظ فهو أمر سهل؛ لأن معرفة دلالات المفردات متيسر.
ولذلك لم نجد العلماء اختلفوا في مسألة شرعية بسبب اختلافهم في معنى لفظة غريبة إلا في الشاذ النادر.

ولكن الإشكال في الأعم الأغلب إنما يعرض من جهة تركيب الكلام ونظمه، وفهم المعنى العام الإجمالي للكلام، وهذا هو المقصود في كلامي.
ولذلك أقول دائما: إن العالم أو طالب العلم لا بد أن يتقيد بفهوم أهل العلم، وأن يجعل فهمهم حاكما على فهمه، وأن يصحح فهمه للمسائل بناء على ما يقولونه تصريحا أو تلويحا.
فلم تظهر الأقاويل الباردة والآراء الشاذة والانتحالات العجيبة إلا من الدخلاء في العلوم الذين ليسوا من أهلها؛ لأن كل إنسان صار شيخ نفسه، وصار مؤهله الوحيد عقله الذي يفوق عقول العالمين !

أبو مالك العوضي
2008-07-06, 10:10 PM
ولبيان المراد بالكلام السابق ينظر هنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=11139

أبو الفداء
2008-07-07, 02:43 AM
بارك الله فيكم شيخنا الكريم..
قلتم "فعاد الأمر إلى أن العبرة بالقرائن المحتفة سواء أكانت معلومة لدى الخاصة فقط أو معلومة للعامة ."
ونعم صحيح هذا ولا مرية فيه، ولكن يا شيخنا الكريم، ألا توافقونني على أنه قد يكون من اللفظ أو التركيب اللفظي ما لا يحتاج الى قرائن كثيرة ليفهمه كل أحد - وأعني بكل أحد المتكلمين بلسان الكلام وليس الأجانب عنه فلا عبرة بالأجانب عن اللسان وفهمهم - ولا تزيد تلك القرائن - أو العلم الضروري المسبق عند السامع لفهم المراد - عن مجرد تعلم اللغة العربية الفصحى - القدر اليسير منها - حتى يفهم السامع معاني الألفاظ التي لم تتغير منذ أن صدرت عن قائلها والى يوم أن سمعها السامع بعدما نقلت اليه؟ لهذا ضربت مثال آية الشورى، والتي يكفي لكل واحد من المسلمين أن يتعلم قدرا قليلا من اللغة العربية حتى يفهم هذه العبارات منها: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) فلا يحتاج الى سماع شيء من جنس سبب النزول أو الناسخ والمنسوخ أو تفسيرات الصحابة والسلف، أو ما قد يكون مقيدا أو مخصصا أو مفصلا لها من السنة، أو غيرها من آيات القرءان مما يجمع اليها أو أي قرينة اضافية أخرى تجلي الوجهة الصحيحة التي تفهم بها مرادات الألفاظ، بل ان مجرد فهم معانيها اللغوية المباشرة والتي هي كما هي لم تتغير منذ زمان التنزيل، يكفي لفهمها فهما أوليا على نحو ما فهمها به الصحابة والسلف رضوان الله عليهم.
ولهذا ففي تصوري العاجز القاصر والله تعالى أعلى وأعلم - وصوبوني ان كنت مخطئا - أن المسألة اصطلاحية تتعلق بمساحة الاصطلاح (قرينة) وما يدخل فيه وما يخرج منه بالمقام الأول. فقد يصح أن يقال أن القرائن المطلوبة لفهم تلك الألفاظ هي معلومة لكل المسلمين بالضرورة، لأنها تقوم على ألفاظ ليست ذات وجوه كثيرة، ولا تحتاج الى قرائن اضافية من نحو ما ذكرت أنا، ولم يتغير معناها منذ زمان تنزيلها الى اليوم في قليل أو كثير! نعم، ربما كانت الكاف الزائدة في لفظة (كمثل) تلك هي ما لن تجد له نظيرا مشهورا في كلامنا اليوم، فيحتاج عامة المسلمين الى النظر في كلام المتقدمين فيها، ولكن فيما عدا ذلك فكل أحد يفهم المعنى الأولي المباشر لقوله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) بلا اشكال، ولا تزيد القرائن المحتفة بهذه الألفاظ والمطلوبة لفهمها فهما صحيحا عن ذات معانيها اللفظية، والا فماذا تقصدون بالقرينة بالضبط؟
بارك الله فيكم وأحسن اليكم.

أبو مالك العوضي
2008-07-07, 08:13 AM
وفقك الله وسدد خطاك يا شيخنا الفاضل
لا أعترض على كلامك، ولكن مثال سورة الشورى الذي تفضلت بذكره يحتمل النظر؛ فإن هذه الآية لو قيل إن الناس لم يختلفوا في شيء أكثر من اختلافهم فيها لكان قريبا من الصواب !

أبو الفداء
2008-07-07, 02:49 PM
أحسن الله اليكم يا شيخنا المفضال، وقولكم "فإن هذه الآية لو قيل إن الناس لم يختلفوا في شيء أكثر من اختلافهم فيها لكان قريبا من الصواب !" فصحيح أن الخلاف قد وقع في تفسير أكثر أجزاء الآية الكريمة، ولكن أنا أتكلم عن هذا الجزء منها بالتحديد: قوله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))، هذا ما علمت أن خلافا وقع فيه الا في التفصيل في قوله ((كمثل)) على قولين: هل الأصل "مثل" والكاف زائدة للتوكيد، أم العكس! أما المعنى والمراد المفهوم من تلك الكلمات الطيبات فهل علمتم فيه خلافا؟ وما بيان ذلك؟
نرجو الافادة بارك الله فيكم ونفع بكم.

أبو مالك العوضي
2008-07-07, 10:36 PM
وفقك الله وسدد خطاك.
المقصود الخلاف مع الفرق الضالة .... سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. إلخ.

أبو الفداء
2008-07-07, 11:54 PM
بارك الله فيكم ونفع بكم يا شيخنا الفاضل، ووالله اني لأحب مدارستكم وأنتفع منكم كثيرا.. فأرجو من الله ألا أكون سببا في املالكم. (ابتسامة)
قلتم حفظكم الله "المقصود الخلاف مع الفرق الضالة .... سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. إلخ."
ولكن با شيخ هذا القيد الذي وضعه المتكلمة لا يمكن أن يتبادر الى ذهن أي عاقل يسمع هذا النص نفسه بهذه الألفاظ: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) فكيف يقال أن فهم ألفاظ هذا النص المبارك في نفسه يحتاج الى قرائن لدفع ذلك القيد المبتدع الذي لا يتبادر الى ذهن سوي صحيح أبدا؟؟؟ بل ان هذا النص على لفظه هذا، هو القرينة التي يدفع بها مثل هذا الهراء الذي يضعه المتكلمة بطوائفهم المختلفة على كل نص غيره فيه صفة من صفات الله توهموا أن اثباتها يلزم منه التجسيم أو التشبيه أو غير ذلك مما يزعمون!! فالله ما قرن قوله ((ليس كمثله شيء)) بقوله ((وهو السميع البصير)) الا ليحكم تلك القاعدة الواضحة في نص لا يحتمل الا وجها واحدا في معناه: أن الله مع كونه يسمع ويبصر، فهو ليس كمثله شيء! فالذي يقول بل هو يسمع بلا سمع، فقد هدم المعنى اللغوي لكلمة "سميع"! والذي يقول يبصر بلا بصر مثله! وقاعدة ((ليس كمثله شيء)) تخرسهم جميعا!

وعلى أي حال فمفهوم أنكم تقصدون أن تأويل صفتي السميع والبصير يكون عند أهل هذه الطوائف هو من العلم المسبق عندهم والقرينة التي على أساسها يوجهون فهمهم لصفتي السميع والبصير المذكورين في الآية الكريمة، ولهذا فهؤلاء يلزم أن تقام عليهم حجة قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) ويطالبون في مقابلها بأن يثبتوا بالنص دعواهم أن (بلا سمع) هي قرينة واجبة لفهم صفة السميع، وهو القيد الخارج عن مدلول ألفاظ الآية، والذي ما كانوا ليجدوا اليه سبيلا!
والذي أقصده أن صفة السميع والبصير في ذاتها كألفاظ يصف الله بها نفسه لا تلزم في عقل السامع العامي من المسلمين الا هذا المعنى: أن الله يسمع على الحقيقة ويرى على الحقيقة! فأما الذي تلوث عقله بالفلسفة فهذا يرميه شيطانه ليسأل نفسه "كيف يكون الله سميعا والمخلوقات سميعة أيضا؟" فاذا به يقول "يكون سميعا كما قال ولكن بلا سمع قطعا لأن السمع حاسة والحاسة مخلوقة و.... " الخ! فيبني على ظنه الفاسد بأن اتصاف الله بالسمع يلزم منه أن يكون سمعه كمثل سمع المخلوقين! فحينئذ نقول أنه لو رجع الى قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) لاستراح ولزال عنه كل ذلك! ولعلم أن كونه ((ليس كمثله شيء)) لا يتعارض مع كونه في ذات الوقت ((وهو السميع البصير))، فليس لنا أن نتكلف أو نتوهم ما لا يحتمله المعنى الواضح للنص!
ومن هنا يكون احكام هذا النص المبارك في ذات ألفاظه الواضحة هو الحجة التي بها يزال عنه ذلك الوهم!
ولذا فقولكم يا شيخنا أن الخلاف واقع عند المبتدعة في صفتي السمع والبصر وغيرهما، هذا لا أراه يغير شيئا من حقيقة كون هذا النص نصا لا يحتمل في فهمه اللغوي الا وجها واحدا وهو مراد الله الواضح منه! فهو من جهة كونه نصا، لا يحتاج في ذاته لحسن فهم ألفاظه عند أصحاب اللسان العربي الى قرائن أخرى خارجة عنه!
أما فهم المبتدعة وعبثهم بمدلولات الألفاط فقضية أخرى لا تغير من احكام النصوص المحكمة شيئا، ولا تغير من الفهم الصحيح للكلام على ظاهر اللغة شيئا.
فبعض أهل التنصير مثلا لو جئتهم بمثل قوله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً )) [النساء : 171] لوجدتهم يقولون "ها هو القرءان يقول عن المسيح أنه كلمة الله"! ونحن ما ننكر هذا! ولكن ما معنى الكلمة في اللغة؟ لفظ يتلفظ به قائله! أما الكلمة عندهم فهي الله نفسه لأن المدعو "يوحنا" نسب اليه أنه قال لهم في مطلع كتابه "في البدء كانت الكلمة، وكانت الكلمة مع الله، وكانت الكلمة هي الله"! اذا فالقرءان بزعمهم يقول أن المسيح هو الله!! فهؤلاء يرد كذبهم بارجاعهم الى نص يكون بالنسبة لفهمهم أشد احكاما، كقوله تعالى: (( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) الآية [المائدة : 17] وقوله : ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)) [آل عمران : 59] فهو عليه السلام كلمة تكوين ألقاها الله الى مريم! ولأنه لم يكن من بني آدم من ألقي الى أمه ككلمة تكوين وليس كنطفة من رجل الا هو، فكان وصفه بكلمة الله تمييزا له في هذا الجانب على غيره من الخلق! وانتهى الأمر.
فهل يقال أن فهمهم الضال الفاسد هذا هو وجه من الوجوه التي تحتملها الآية من جهة اللغة؟؟ أبدا. فهذا المعنى ما تبارد في ذهن مسلم موحد من المخاطبين بالقرءان أبدا، بل ولا لغير المسلمين والنصارى ممن يفهمون لسان العرب ويفهمون معنى لفظة "كلمته"! وانما انقدح ذلك الفساد في ذهن من فسد تصوره لمعنى كون المسيح "كلمة الله"، فهذا هو الذي بحسب بدعته التي نشأ عليها، يكون اخراجنا للنص المحكم الذي يصوب به فهمه لنقابله به!
فمحل الشاهد من هذا هو أن قوله تعالى ((وكلمة منه)) لا يحتمل عند مسلم عاقل أبدا أن يكون المراد بالكلمة هو الله نفسه!!! اللفظ لا يحتمل هذا! فكذلك في تحميل المتكلمة الضالة قوله تعالى: ((وهو السميع البصير)) قولهم : "بلا سمع ولا بصر"! فهذا غير محتمل أبدا ولا متصور لغة أن تدل تلك الكلمات عليه أو توهم به السامع!
والله أعلم وأحكم.

أبو مالك العوضي
2008-08-02, 06:26 PM
قدمنا أن أهل كل فن هم أقدر الناس على فهم كلام أهل هذا الفن، ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم أن الآفة إنما ترد في العلوم من دخول غير أهلها فيها، ومن تفكر في هذا الأمر وعمل به زال عنه كثير من الإشكال في طلب العلم.

وأحيانا يخطئ محاورك في فهم كلامك بسبب أنه لا يعلم هذا الفن الذي أنت تتكلم فيه.
ثم هو بعد ذلك يحسب أنه قد فهم الكلام على وجهه، وأن الكلام لا يحتمل وجها إلا هذا الفهم الذي فهمه هو.
وبناء على ما سبق يحكم عليك بأن كلامك غير صحيح.

قال الجاحظ: (( اللهم إننا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن )).

شرياس
2008-08-02, 11:18 PM
بما إن الموضوع عن القراءة فلدي بعض التساؤلات حولها :

هل صحيح أن الذهن مثل العضلة يحتاج إلى مِران - أي أننا لانستطيع أن ننصح من لا يقرأ بالقراءة الطويلة بل بالتدرج - , وهل القراءة السريعة مطلوبة ؟ أليس البطىء أو عدم السرعة في القراءة هو أحد أسباب ترك القراءة ؟ هل قراءة السرد - أقصد القراءة دون توقف أو تأمل - هل هي قراءة غير نافعة في كل الأحوال ؟ وهل صحيح ما يُشاع أن القراءة تكون ثقيلة في البداية ثم بعد التكرار والصبر تصبح سهله للغاية ؟

أبو مالك العوضي
2008-08-03, 12:50 AM
وفقك الله وسدد خطاك

لعلك تضع هذه التساؤلات في موضوع مفرد حتى تبحث باستفاضة.

وجزاك الله خيرا

شرياس
2008-08-03, 01:41 PM
وفقك الله وسدد خطاك

لعلك تضع هذه التساؤلات في موضوع مفرد حتى تبحث باستفاضة.

وجزاك الله خيرا

صحيح وضعها في موضوع مفرد أفضل , وجزاك الله خير