المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستعلاء الإيماني



ابو وليد البحيرى
2025-01-06, 02:53 PM
الاستعلاء الإيماني


حسام العيسوي إبراهيم




مِن أفضل الكلمات التي سمعتها في هذا الأسبوع كلمة "الاستعلاء الإيماني"، هذه الكلمة التي أثَّرَت فيَّ عند سماعها، وقرَّرْت أن أكتب خواطري حول هذه الكلمة؛ لأنها فعلاً ذات وَقْع في النفس، ما أفْضَلَ أن يستشعر المسلم أنه أفضل مَن في هذا الكون! ما أفضل أن يعيش المسلم لرسالة يؤدِّيها في هذه الحياة! ما أفضل أن يعيش لفِكْرة تُمْلِي عليه حياته، وتكون من أَوْلى أولويَّاته!

وهل هناك أفضل مِن الْمُسلم في هذا الكون؟! فالمسلم قد سلَّم أمره لله، وكان شعاره في هذه الحياة "سَمِعنا وأطَعْنا"، وهو عَلِم أنَّه مَخْلوق لعبادة مولاه؛ ولذلك لا يتأخَّر عن نِداء الحقِّ مهما كلَّفَه ذلك من جُهود وتضحيات.

أخبرنا الله - تبارك وتعالى - في كتابه عن صفات هؤلاء الذين يَمْتلكون هذه الصِّفَة فقال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

فمن صفاتِهم أنهم لا يَهونُون في هذه الحياة، وكيف يَهُونون، وهم جُنْد الله، وخلفاؤه في هذه الحياة؟! وكيف يهونون، وهم رافِعُو لواء الحقِّ؟ ورافعو راية الإيمان في هذه الأرض؟!

ومن صفاتهم أنَّهم لا يَحْزنون، وهم لا يَحْزنون؛ فهم مؤمنون بِقَدَر الله، وأنَّ ما أصابهم ما كان لِيُخطِئَهم، وما أخطأهم ما كان ليصيبهم.
وهم لا يحزنون؛ فهُم أتْبَاع الرُّسل والأنبياء، ساروا على دَرْبِهم، وعلموا أنَّ ما أصابهم فقد أصاب الرُّسل وأصحاب المبادِئ على مَرِّ العصور.
كيف لِمُسلم يستشعر هذه المعاني، ويعيش بِرُوح الهزيمة والدُّونية، ويَشْعر بأنَّ غيره أفضل منه، حتَّى لو أُعطي كنوز الدُّنيا، أو أُعْطِي مُلْك الأرض.
وهذا الاستعلاء ليست كلماتٍ تُقال، ولا شعاراتٍ تُرْفع؛ ولكنه عمَلٌ متواصل لا ينقطع.
قال الحسن - رضي الله عنه -: "إنَّ الله لم يَجْعل لعمل المؤمن أجَلاً دُون الموت"، ثم قرَأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

ربَطَ الله - سبحانه وتعالى - هذا الاستِعْلاء بالإيمان بالله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ فالإيمان ما وقَرَ في القلب وصدَّقَه العمل.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ فهو أخلاقٌ وعبادات، لا يَنْفصل أحدُهما عن الآخَر.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ فهو دعوةٌ إلى الله، وتعريف الناس بخالقهم.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ فهو قولُ الحق والجهر به مهما كانت صعوبته وشِدَّته على النَّفس.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ فهو جهاد مُتواصل، لا ينتهي في هذه الحياة.

اللهَ نسأل أن يَجْعلَنا من عباده المؤمنين، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبِعون أحسَنَه.