المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قناديل على الدرب



ابو وليد البحيرى
2024-12-28, 04:31 AM
قناديل على الدرب – ماهية المصلح

أساس الإصلاح والتغيير هو الفقه بمقوماته الأساسية، وصدق القصد والنية في إيصال المجتمع إلى نتائجه وثماره، ويتوقف هذا كله على إنسان خالص النية لله -تعالى- مؤهَل لحمل هذا العبء الثقيل ويُسمى هذا بالمصلح أو المغير، وإذا لم يتوفر هذا الشخص المناسب خرج مسار الإصلاح عن طريقه الصحيح، فيترتب على ذلك نتائج عكسية مسيئة إلى باقي المصلحين.
لذلك يجب أن نبين ماهية هذا المصلح، ومن يكون، وما الشروط الواجب توافرها فيه لكي نطلق عليه هذا اللقب؟ وهل كل من هبّ ودبّ وادعى الإصلاح يجوز أن نسميه بهذا الاسم؟! كل تلك التساؤلات المشروعة نحاول جاهدين أن نجيب عنها في مقالنا هذا بإذن الله تعالى.
المصلح هو شخص وفقه الله لهذه الرسالة الجلية في هداية الناس، وإصلاح ما فسد من أمور حياتهم، وكل هذا بنية خالصة وقصد سليم لله -عز وجل- لا يطلب به شرفًا ولا جاهًا ولا سلطانًا، ولا حتى تقربًا لذي سطانٍ.
وهناك شرطان أساسيان يجب توافرهما في هذا الشخص، وهما:
- أولاُ: الشرط الذاتي، فهو أن يكون ذا مكانة ومنزلة شريفة وعالية في المجتمع، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص: 59)؛ حيث أخبر الله تعالى أن سنته اقتضت أن يبعث الرسل المصلحين المغيرين دائما من الحواضر، وهذا مقصود لذاته؛ فإن أهل البدو والأرياف يقبلون من أهل الحواضر، وأهل الحواضر لا يقبلون من أهل البدو. لكن هل كان هؤلاء المصلحون من الأنبياء والرسل من الأشراف؟ هذا ما أجابت عنه السنة النبوية على لسان هرقل لما سأل عن النبي [ كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس وفيه «... ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم ؟ قلت: هو فينا ذو نسب... ـ إلى أن قال أي الراوي ـ فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها». ولا خلاف على أن أصحاب المسؤوليات العليا وقيادة المجتمعات هم شرفاء المجتمعات وعقلاؤها.
- ثانيًا الشرط العلمي: فيجب على المصلحين أن يكونوا أصحاب علم وفير، علمٍ يتيح له التحدث والتشاور مع الناس، علمٍ يعطي له القدرة على التفاف الناس من حوله وإقناعهم بما يراه مناسبًا، لذلك قال القائل: «لا تحدث بالعلم غير أهله فتجهل، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك».
خلاصة القول: إنه ليس بمقدور أي فرد أن يدّعي لنفسه الإصلاح، وأنه من دعاة التغيير للأفضل، فليس كل من علا منبرًا أو ارتقى منصةً أو خطب في جمع من الناس أصبح من المصلحين؛ فالأمر ليس بالهين، و يحتاج إلى نسب عالٍ، وشرف غالٍ، وعلم غزير، وبه يصبح المصلحون مصلحين حقًا.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد

ابو وليد البحيرى
2024-12-29, 02:44 PM
قناديل على الدرب – الإلحــاد (1)


الإلحاد لغةً: أي الميل عن القصد.
واصطلاحًا: إنكار وجود الله عز وجل.
والملحدون: هم الذين لا يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى، ولا يؤمنون بوحدانيته في ربوبيته وألوهيته.
وهؤلاء الملاحدة يقرون بأن الكون وُجد بلا خالق، وأن المادة أزلية، فهي الخالق والمخلوق معًا، وبالتالي فإنهم يكفرون بالأنبياء والرسل ويجحدون الأديان قاطبةً.
وينقسم الملحدون إلى صنفين:
أولهما: من يعتقد بنفي الله عز وجل.
ثانيهما: وهم (اللا أدرية) وأطلق عليهم هذا الاسم؛ لأنهم يقولون: لا ندري، هل يوجد رب خالق أم لا.
إذاً هناك رابط يربط بين الصنفين، وهو عدم الإيمان بوجود الخالق عز وجل، وإن اختلفت درجات الكفر والإلحاد، فالصنف الأول يجزم بإلحاده وكفره بالله تعالى، والصنف الثاني على شك من أمره.
والجدير بالذكر أن وجود الإلحاد قديمًا في الناس قليل؛ فلم يذهب إلى إنكار الله -عز وجل- في القديم إلا شرذمة قليلة من البشر، من أشهرهم: فرعون حينما قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: 23). وعلى السياق نفسه ذهب إليه بعض مشركي العرب الذين يطلق عليهم (الدهرية) وهم القائلون بقدم العالم وإنكار الصانع، وقد ذكرهم الله -سبحانه وتعالى- في سورة الجاثية: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (الجاثية:24).
يقول (بلو تارخ) أحد مؤرخي الإغريق: «لقد وجدت في التاريخ مدنا بلا حصون، ومدناً بلا قصور، ومدناً بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدًا مدن بلا معابد». إذاً نظرية الإلحاد وفكرة عدم وجود الخالق لم يكن لها رواجًا بين الناس قديماً.
وقد اختلف الأمر كثيرًا في العصر الحديث، مع التطور التكنولوجي والطفرات الصناعية الحديثة التي ظهرت في الغرب في نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر، والموقف الهش للديانة النصرانية في القرون الوسطى، والحروب والجرائم والانتهاكات التي قامت باسم الدين؛ بدأت بوادر ظهور تيارات تعلن الإلحاد وتنفي وجود الخالق سبحانه وتعالى. وظهر عصر المفكرين والفلاسفة مثل، (نيتشه) الذي أعلن في مقالته المشهورة: (موت الخالق الأعظم)، ومقالته الأخرى: «إن الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة، و(ماركس) و(فرويد) و(داروين)؛ حيث اعتمدوا على تحليل الظواهر العلمية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية بطرق عدة ليس لاعتقاد الخالق فيها أي أثر. من هنا أخذت أفكار الملحدين في هذه المرحلة منحى النفور من الدين، وذلك لتناقض العقل مع تصرفات الكنيسة. والله المستعان والموفق.



اعداد: محمد الراشد

ابو وليد البحيرى
2025-01-06, 11:01 PM
قناديل على الدرب – الإلحاد (2)



بعد الثورة الفرنسية شهدت فرنسا بعض التغييرات السياسية، وكذلك الحال في بريطانيا وغيرها من البلاد الأوربية، وكان هناك شيء مشترك بينهم جميعا وهو اتجاه سائد لفصل الدين عن السياسة. وساعد في ذلك الأمر نظريات بعض الفلاسفة التي حاولت إلغاء الدين تماما، فإليك ما قاله ماركس: (لا إله، والحياة مادة) واعتبر الدين: (أفيون الشعوب). ثم ظهر إلينا (فرويد) بنظريته التي زعم فيها أن الدين وهم كانت البشرية بحاجة إليه في بدايتها، وأن فكرة وجود الإله هي محاولة من اللاوعي للوصول إلى الكمال في شخص هو مثل أعلى بديل لشخصية الأب.

هكذا بدأ الإلحاد المعاصر في الانتشار سريعًا في بلاد الغرب، حتى وصل إلى تلك السنوات الأخيرة الذي بدا فيها الإلحاد ظاهرًا جليًا ولا سيما بعد فترة ركود أعقبت تفكك دولة الإلحاد الأولى، الدولة الراعية للإلحاد والداعمة له، وهي الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي.

من هنا أخذ الإلحاد طريقه في الانتشار بصورة خطيرة على مستوى العالم كله، وهذا ما تعبر عنه لغة الأرقام عبر بعض الإحصائيات من قبل بعض المؤسسات التي اهتمت بهذا الأمر، ومنها مؤسسة (يوربا روميتر) وهي من كبرى المؤسسات المتخصصة في عمليات الإحصاء في أوربا والعالم، فقد ذكرت أن 18% من سكان أوربا في عام (2005م) أصبحوا ملاحدة لا يؤمنون بوجود خالق، و27% منهم لا يؤمنون بخالق، وإنما يؤمنون بعالم روحاني أو قوة وراء الحياة. وإليك ما نقلته مجلة (فاينانشال تايمز) بأن 65% من اليابانيين أصبحوا ملاحدة في عام 2006م، وعلى حد وصف قناة (بي بي سي) فقد توصلت إلى أن 9% من الأمريكان ملاحدة، وأن الجامعات الأمريكية مرتع خصب لانتشار مثل هذا الفكر والاعتقاد.

هذا كله عند غير المسلمين، أما إذا نظرنا إلى عالمنا الإسلامي فإنك ستجد بداخله بعض الحالات الفردية الشاذة لأناس ارتدوا إلى الإلحاد، ومن أشهر هؤلاء: (ابن الراوندي) -ولد 210هـ- الملحد الذي كان يهوديًا ثم أعلن الإسلام ثم تهود ثم مات في سن الأربعين ملحدًا.

أما في زمننا المعاصر فقد انتشر الإلحاد بصورة ملفتة للنظر ولاسيما بين أوساط الشباب، وانتشرت بينهم مدارس وفلسفات كثيرة منها : عبدة الشيطان، والشيوعية، والماركسية، والعلمانية... وغيرها الكثير.

كل هذه المدارس دخلت العالم الإسلامي في منتصف القرن التاسع عشر بدخول المستعمر، ومحاولته تفكيك الأمة العربية، وطمس الهوية الإسلامية وذلك تحت غطاء الدعوة للتحرر والديمقراطية والتنوير، وهي في الأصل دعوات تؤصل مبدأ إنكار وجود الله عز وجل.

والله الموفق والمستعان.






اعداد: محمد الراشد