ابو وليد البحيرى
2024-12-16, 05:59 AM
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى
أ. د. زيد العيص
يجدُ بعضُ الناس صعوبة في فهم هذه الآية في ضوء الواقع المعاصر، والزمن الماضي حين يقلِّب المرءُ صفحات التاريخ، ابتداءً من محاكم التَّفتيش ومرورًا بالحرب الصليبيَّة، ولقد كنتُ مُنذ مُدَّة طويلة أتأمَّل هذه الآية؛ لعلَّ الله يفتح عليَّ من فهمها، وبعد طول نظر وتأمُّل خرجت بالفهم التالي لها والله أعلم بالصَّواب.
إنَّ هذه الآية قد سبقتها ثَمانيةُ آياتٍ مُتفرِّقة في السُّورة نفسها، تَتَضمن كلُّها ذمَّ النصارى، والحكمَ بكفرهم، والنَّهيَ عن اتِّخاذهم أولياء، ثُمَّ جاءت بعدها الآية التي نَحنُ بصدد الحديث عنها، والتي تفيد أنَّ النَّصارى أقرب مودة للمسلمين من غيرهم.
تبيِّن هذه الآية للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلم - أعداءه المُحيطين به، وهم: اليهود، والمشركون، والنصارى، وتكشف له - صلَّى الله عليه وسلم - عن طبائعهم ومواقِفهم؛ ليحسن التَّعامل معهم في ضوء ترتيب الأولويات.
ذكرت هذه الآية: أنَّ أشدَّ الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود؛ بسبب أحبارهم الذين كتموا الحق، وحرَّفوا التَّوراة، وضلَّلوا العامة، وأوغروا صُدُورهم على المُسلمين، وهذه الأمور وضَّحتْها آيات أخرى، وتشهد لها السيرة النبوية - كما سيأتي – وكذا الأمر بالنسبة إلى المشركين؛ فقد كان صناديد الكفر - أمثالُ أبي جهل، وأبي لهب، وأمية بن خلف - يحولون دون إسلام العامة من مُشركي العرب.
يُمكن القولُ في ضوء هذا: أنَّ شدَّة عداوة اليهود والمشركين للمسلمين تعودُ لأسباب أبرزُها: موقف الكُبراء فيهم من الإسلام، والعامةُ تبعٌ لهم، يدلُّ على هذا أمور كثيرة لا يتسع المَقام لسردها، نذكر منها حادثة صحيحة مشهورة؛ مفادها: أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - مرَّ برجل يهودي بين يديه ولده وهو يُحْتَضر، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغلام أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه - كأنَّه يستطلع رأيه - فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، ثم مات، فحمد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الله تعالى أنْ أنقذ به هذا الغلام من النار؛ فقد أسهم انفراد النَّبي بهذا الغلام وبأبيه في إسلام الغلام، فلو قدر حضور أحد أحبار اليهود لاختلف الموقف، ولمَّا هَلَك أبرز زعماء قريش أمثال أبي جهل وأبي لهب كَثُر دخول مُشركي العرب في الإسلام؛ وبهذا يُفْهم: لِمَ خصَّ الله - تعالى - أحبارَ اليهود بالذَّم والوعيد، وقال عن كبراء قريش: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]؟ بسبب أثر هؤلاء وأولئك على عوامِّ قومهم، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة عند الحديث عن النَّصارى.
للحديث بقية.....
أ. د. زيد العيص
يجدُ بعضُ الناس صعوبة في فهم هذه الآية في ضوء الواقع المعاصر، والزمن الماضي حين يقلِّب المرءُ صفحات التاريخ، ابتداءً من محاكم التَّفتيش ومرورًا بالحرب الصليبيَّة، ولقد كنتُ مُنذ مُدَّة طويلة أتأمَّل هذه الآية؛ لعلَّ الله يفتح عليَّ من فهمها، وبعد طول نظر وتأمُّل خرجت بالفهم التالي لها والله أعلم بالصَّواب.
إنَّ هذه الآية قد سبقتها ثَمانيةُ آياتٍ مُتفرِّقة في السُّورة نفسها، تَتَضمن كلُّها ذمَّ النصارى، والحكمَ بكفرهم، والنَّهيَ عن اتِّخاذهم أولياء، ثُمَّ جاءت بعدها الآية التي نَحنُ بصدد الحديث عنها، والتي تفيد أنَّ النَّصارى أقرب مودة للمسلمين من غيرهم.
تبيِّن هذه الآية للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلم - أعداءه المُحيطين به، وهم: اليهود، والمشركون، والنصارى، وتكشف له - صلَّى الله عليه وسلم - عن طبائعهم ومواقِفهم؛ ليحسن التَّعامل معهم في ضوء ترتيب الأولويات.
ذكرت هذه الآية: أنَّ أشدَّ الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود؛ بسبب أحبارهم الذين كتموا الحق، وحرَّفوا التَّوراة، وضلَّلوا العامة، وأوغروا صُدُورهم على المُسلمين، وهذه الأمور وضَّحتْها آيات أخرى، وتشهد لها السيرة النبوية - كما سيأتي – وكذا الأمر بالنسبة إلى المشركين؛ فقد كان صناديد الكفر - أمثالُ أبي جهل، وأبي لهب، وأمية بن خلف - يحولون دون إسلام العامة من مُشركي العرب.
يُمكن القولُ في ضوء هذا: أنَّ شدَّة عداوة اليهود والمشركين للمسلمين تعودُ لأسباب أبرزُها: موقف الكُبراء فيهم من الإسلام، والعامةُ تبعٌ لهم، يدلُّ على هذا أمور كثيرة لا يتسع المَقام لسردها، نذكر منها حادثة صحيحة مشهورة؛ مفادها: أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - مرَّ برجل يهودي بين يديه ولده وهو يُحْتَضر، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغلام أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه - كأنَّه يستطلع رأيه - فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، ثم مات، فحمد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الله تعالى أنْ أنقذ به هذا الغلام من النار؛ فقد أسهم انفراد النَّبي بهذا الغلام وبأبيه في إسلام الغلام، فلو قدر حضور أحد أحبار اليهود لاختلف الموقف، ولمَّا هَلَك أبرز زعماء قريش أمثال أبي جهل وأبي لهب كَثُر دخول مُشركي العرب في الإسلام؛ وبهذا يُفْهم: لِمَ خصَّ الله - تعالى - أحبارَ اليهود بالذَّم والوعيد، وقال عن كبراء قريش: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]؟ بسبب أثر هؤلاء وأولئك على عوامِّ قومهم، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة عند الحديث عن النَّصارى.
للحديث بقية.....