تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أصول الفرقة الناجية



ابو وليد البحيرى
2024-12-15, 05:51 AM
أصول الفرقة الناجية ( 1 / 3 )

شريف عبدالعزيز

من أكثر المصطلحات التي تعرضت للتحريف والتغيير والتأويل عبر التاريخ؛ هو مصطلح الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة، فمنذ أن قال صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا يا رسول الله، من الفرقة الناجية ؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي "، هذا الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول ورواه أصحاب السنن، من يومها ونشأ مصطلح الفرقة الناجية.

فقد تحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومضت سنة الله عز وجل في خلقه، ودب داء الاختلاف والتشرذم في الأمة، وظهرت الفرق والجماعات والطوائف والشيع، وتأصلت البدع والأفكار والمذاهب الهدامة، فحاد الكثيرون عن سواء السبيل، ولم يبق على جادة الطريق إلا الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وفقد ظلت رايتهم مرفوعة، وطريقتهم منصورة، وضربت شجرتهم الزكية بجذورها في أعماق الأمة بحيث لم يخلو منهم زمان ولا مكان، ثابتة أمام أعاصير الفتن والبدع والخرافات والضلالات، من تحت ظلالها تخرج العلماء والأئمة والمجاهدون والصالحون، ولكن مع تسارع الزمان، واشتداد المحن، وكثرة الابتلاءات، تداخلت الرايات، وتشابكت السبل، وتلبس الحق بالباطل، فلم يعد يعرفه كثير من الناس، كما كان معروفا من قبل، وأصبح الناس في حيرة من أمرهم، وأصبح مصطلح الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة، نهبا يتجاذبه الجميع، كل طائفة تزعم أنها الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وأنها وحدها الوريث الشرعي لمصطلح أهل السنة والجماعة، أضف لهذا الاشتباك الحادث، قلة العلماء الربانيين الذين يواجهون أرباب هذه البدع، فصار تمييز سبيل النجاة في خضم هذه التيارات مطلبا عزيزا على كثير من المسلمين الصادقين الباحثين عن الحق والنجاة، لذلك كان على الدعاة منارات الأمة ومرشدي الحائرين أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم لبيان أصول الفرقة الناجية وأهم معالم أهل السنة والجماعة في كل الأبواب، عقائديا وأخلاقيا وسلوكيا، ليكون بين يدي السائلين تصورا شاملا ومنهجا كاملا عن هذه الأصول الجامعة.

أولا: تعريف مصطلح أهل السنة والجماعة

السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة سواء كانت محمودة أو مذمومة، أما في الاصطلاح فهي تختلف حسب علماء كل فن، فهي تختلف عند المحدثين، عنها عند الأصوليين، عنها عند الفقهاء، ولكن مع افتراق الأمة، ونشوء البدع، وظهور الأهواء، أصبح مصطلح السنة مقابلا للبدعة، ثم صار هذا المصطلح في عرف كثير من المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم مرادفا لمن سلم من الشبهات في باب العقائد، والتعريف الجامع للسنة، هو ما دل على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات.

أما مصطلح الجماعة فهو مشتق لغة من الاجتماع الذي هو ضد الفرقة، وإذا انضم لفظ الجماعة مع لفظ السنة، فصار مصطلح أهل السنة والجماعة، ويراد به سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم في الاجتماع على الحق الصريح من الكتاب والسنة، ولو كان فردا واحدا، لذلك لما سئل ابن المبارك رحمه الله عن الجماعة، قال: أبو بكر وعمر، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر، فقال فلان وفلان، فقيل له: قد مات فلان وفلان، فقال: أبو حمزة السكري جماعة، فابن المبارك قد فسّر الجماعة بمن اجتمعت فيه صفات الإتباع الكامل للكتاب والسنة، لذلك ضرب المثل في كل زمان بمن اجتمعت فيه هذه الصفات، حتى انتهى إلى زمانه، فلم يكن فيه من ينطبق عليه هذا الوصف إلا أبا حمزة السكري.

أما الجماعة التي أوجبت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الالتزام بها، وتحريم الخروج عنها، فلها معاني عديدة، فقيل أن المقصود بها الصحابة دون غيرهم لأنهم الذين أقاموا الدين ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا القول مروي عن عمر بن عبد العزيز، وقيل هم أهل الفقه والعلم والحديث من الأئمة المجتهدين، لأن الله عز وجل جعلهم حجة على الناس، والناس تبع لهم في أمر الدين، وهو قول البخاري والترمذي، وقيل هم جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر من أمور الشرع، وهو قول ابن حجر، وقيل هو السواد الأعظم من الأمة، وهذا القول يشمل كل من سبق، وقيل هم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير أو خليفة، وهو قول الطبري.

ثانيا: تاريخ نشأة المصطلح

نشأة المصطلح لاحقة عن نشأة أهل السنة، لأن مذهب أهل السنة هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فليسوا ببدع من القول، كما قال ابن تيمية رحمه الله: " مذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم، معروف، قبل أن يخلق أبا حنيفة مالكا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذي تلقوه من نبيهم "، وبداية التسمية أو نشأة المصطلح كان مع بداية ظهور الانحراف العقدي في الأمة الإسلامية مع ظهور فرق الخوارج والروافض، ثم توالت البدع بعد ذلك من تجهم واعتزال وجبرية وقدرية ومرجئة، ومن وقتها بدأ المسلمون في البحث عن الإسناد والتحري في أحوال الرجال، قال ابن سيرين رحمه الله: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم " وتمايز الناس وقتها بين أهل السنة، وأهل البدعة، ثم وقعت فتنة القول بخلق القرآن، وثبت فيها الإمام أحمد ثباتا عظيما، فسمي من وقتها بإمام أهل السنة في مواجهة أهل البدع.

ثالثا: الملامح العامة للفرقة الناجية أهل السنة والجماعة

شعار الفرقة الناجية وأصل الأصول عندها هو التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته ونهجه كما طبقه الصحابة رضوان الله عليهم، لذلك كان لهم سمت خاص وملامح عامة يمكن من خلالها التفرقة بينهم، وبين أهل البدعة والمخالفة، من أبرز هذه الملامح:

1 ـ أهل السنة يطبقون الدين علما وعملا، ظاهرا وباطنا، فهم يتمسكون بالدين كله، لا يفرقون بين القول والعمل، والظاهر والباطن، فلا يقولون أن للدين باطنا يختلف عن ظاهره، وهو الدين الخالص كما أمر الله عز وجل به عباده المؤمنين.

2 ـ أهل السنة هم أهل الجماعة، أهل الاجتماع على الطاعة والاستقامة التي تجلب الرحمة والبركة، فإن الفرقة عذاب يعذب الله عز وجل به الجافين لطريقة نبيه، والحادين عن صراطه المستقيم.

3 ـ أهل السنة هم أهل التوسط والاعتدال، فهم وسط بين نقيضين، وسط بين غلو الغاليين، وتفريط المفرطين، فهم وسط بين الفرق والطوائف والجماعات التي ضلت عن سواء السبيل، وارتمت بين إفراط أو تفريط، تماما مثلما كانت أمة الإسلام أمة وسطا بين الأمم، وهذه الوسطية في كل أبواب الدين، في باب الإيمان مثلا هم وسط بين الخوارج والمرجئة، وفي باب الأسماء والصفات وسط بين الجهمية والمشبهة ، وفي باب القضاء والقدر وسط بين الجبرية والقدرية، وهكذا في باقي أبواب الدين.

4 ـ أهل السنة هم أهل الوحي المعصوم، من الكتاب وصحيح السنة، الملتزمين بالجمل الثابتة في الإسلام، هم أهل الشريعة التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم، في كافة جوانب الدين من عقائد ومناهج وأفعال ومقاصد وعبادات وسياسات شرعية، فهم لا يعرفون طرق الفلاسفة والمناطقة وأرباب الكلام، المقلدين لمذاهب أرسطو وفيثاغورث وغيرهما.

5 ـ أهل السنة هم الامتداد التاريخي لأهل الملة النقية، الذين اتبعوا الطريقة المحمدية، وسار على نهج السلفية، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من سار على دربهم واقتفى أثرهم عبر العصور، الذين لا يأخذون إلا ما كان ثابتا عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والسلف الصالح.

6 ـ أهل السنة هم أعلم الناس بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، وأعظمهم محبة له، واقتداء به، وإتباعا لهديه وسنته وطريقته، هم كل من يحب الحديث النبوي ويلتزم به، وهذا ليس قاصرا على المحدثين فقط أو من اشتغل بعلوم الحديث، ولكن يشمل كل من أحبه والتزم به وفهم معانيه ودعا إليه، وقدمه على غيره من الأقوال والآراء.

7 ـ أهل السنة يضبطون اختلافاتهم واجتهاداتهم بالحرص على الوحدة والائتلاف، فهم مهما اختلفوا في مسائل علمية أو عملية إلا إنهم دائما يضبطون هذا الخلاف، بإرادة الوصول إلى الحق، وعذر المخطئ، وإيثاب المجتهد، ولم الشمل ونبذ الفرقة والاتهام، لذلك لم يخرج الحق عن هذه الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، لأنها كانت أحرص الناس على الوصول إلى الحق والالتزام به.

رابعا:أصول منهج التلقي عند أهل السنة والجماعة

امتازت الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة بأصول خاصة بها في منهجها للتلقي، يختلف عما ذهب إليه المبتدعون من تقديم عقولهم وأهوائهم على الكتاب والسنة، من أهم هذه الأصول:

1 ـ كل ما وافق الكتاب والسنة أثبتوه، وكل ما خالفهما أبطلوه، فأهل السنة والجماعة يبنون تصوراتهم وعقائدهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم وأخلاقياتهم على نور الوحي المعصوم من الكتاب والسنة الصحيحة، فلا كلام ولا رأي ولا مذهب يقدم على كلام الله ورسوله، ولا هدي سوى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ومنم اهتدى بهداه، وما يتنازع فيه الناس من أقوال ومذاهب وآراء ترد وتحمل على وافق نصوص الكتاب وصحيح السنة، وأهل السنة لا يعارضون الكتاب والسنة بعقل أو رأي أو قياس، مهما كان قدر قائله.

2 ـ لا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا قداسة ولا معصومية عند أهل السنة لأي بشري مهما بلغ قدره من العلم والصلاح، فالجميع يؤخذ من أقوالهم ويرد عليها ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فالطاعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، وطاعة غيره من البشر مشروطة بطاعته لله ولرسوله.

3 ـ إجماع السلف الصالح حجة شرعية ملزمة، فكل من أتى بعد الصحابة رضي الله عنهم ملزم بإتباع إجماعهم، فالصحابة هم أعلم الناس بمراد الله ورسوله، وأكثر الناس إتباعا للرسول واقتداء به وأعلمهم بأحواله ومرامي كلامه، والإجماع هو الأصل الثالث من أصول هذا الدين بعد الكتاب والسنة، والإجماع إذا ما تم في عصر الصحابة فهو ملزم لمن جاء بعدهم، ولو حدث إجماع أهل السنة في عصر لاحق لعصر الصحابة، فهو ملزم لممن جاء بعدهم، وهكذا حسب ما يستجد للناس من نوازل وحوادث.

4 ـ أي اجتهاد أو قول أو رأي لا يقبل إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة والإجماع، فهذه الأصول الثلاثة هي ميزان التقويم وأساس القبول، لما يصدر من أقوال وآراء، فما اتفق معهم قبوله، واختلف عنهم هجروه.


5 ـ الجماعة هي مناط النجاة في الدنيا والفوز في الآخرة، فأهل السنة متمسكون بجماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملتزمون بجمل الكتاب والسنة والإجماع، بعيدون عن مواطن المتشابهات ومواضع الاختلاف والتفرق، حريصون أشد الحرص على تجميع الكلمة ووحدة الصف، ونبذ الفرقة والاختلاف وأسبابهما.

وللحديث بقية

ابو وليد البحيرى
2024-12-16, 09:23 PM
أصول الفرقة الناجية ( 2 / 3 )



شريف عبدالعزيز

تكلمنا في الجزء الأول من أصول الفرقة الناجية عن معنى مصطلح الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة، ونشأته التاريخية، وأهم السمات والملامح العامة لأهل السنة والجماعة، وتكلمنا أيضا عن منهجهم في التلقي والاستقاء، وسنتكلم هذه المرة بمشيئة الله عن أهم الخصائص الأخلاقية والسلوكية لأهل السنة والجماعة، والأصول العقدية العامة لأهل السنة والجماعة.

فلقد اختص الله عز وجل الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة بمجموعة من السمات الأخلاقية والخصائص السلوكية، امتازوا بها عن غيرهم من أهل البدعة والضلالة، فكانوا بها شامة وسط الناس، ومنارات في الظلمات، من أهم هذه الخصائص والسمات:

1 ـ أهل السنة خير الناس للناس، مصداقا لقوله عز {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، فأهل السنة هم حملة ميراث النبوة علما وعملا، قولا واعتقادا، ولا شك أن أبرز الجوانب العملية، هي الجوانب الأخلاقية والسلوكية في التعامل مع الناس، فهم قد نهلوا من معين النبوة الرقراق بالرحمة والمحبة والصبر والشفقة والإحسان والصفح إلى آخر أخلاق النبوة الرفيعة، فكان هذا زادهم، وكانت هذه أخلاقهم، شعارهم في الحياة، قوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقوله: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا "، " ولا يؤمن لأحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ".

2 ـ أهل السنة يأتمون بالكتاب والسنة في جميع علاقاتهم، فهم قد جعلوا بين أيديهم ميزانا يقيمون به كل علاقاتهم وتعاملاتهم مع الناس، هو ميزان الشرع الحنيف، فهم دائما يتعاطون أوامر الشرع في كل معاملة، فيأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، يقابلون الإساءة بالإحسان، والجهل بالعفو والغفران.

3 ـ أهل السنة هم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسر خيرية أهل السنة، هي التزامهم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أمر الله ورسوله، فهم ورثة الأنبياء الذين ما ابتعثهم الله إلا لإقامة هذه الشعيرة، ولا تمنعهم هذه الشعيرة من المحافظة أهل على الجماعة والتزام الطاعة في المعروف

4 ـ أهل السنة يحملون أمانة العلم والعمل، وهي أمانة مزدوجة لا يقل ثقل إحداهما عن الأخرى، الأولى أمانة العلم والالتزام والدعوة والجهاد، والأخرى أمانة المحافظة على الجماعة المسلمة بمعناها العام والشامل، وهم يسيرون في ذلك بميزان دقيق على هدى من الشرع الحكيم وحده متحررين من سلطة الهوى وألف العادة وسيطرة المذهب أو الطريقة أو الطائفة.

5 ـ أهل السنة ولاؤهم للحق وحده، فهم لا يوالون ولا يعادون إلا على بصيرة من الله، وفي الله وحده، ومن هذا المنطلق هم ينظرون إلى كل فرد أو طائفة أو تجمع على هذا الأساس وحده، وينبذون أي أسس دنيوية، وأي روابط أرضية من عصبية أو قومية أو مذهبية أو قبلية، فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافرا أو فاجرا وجبت معاداته من أي صنف كان، ومن اجتمع فيه إيمان وفجور، وُالى وعُدي حسب ما اجتمع فيه، وهو عين القصد والإنصاف الذي لن تجده إلا عند الفرقة الناجية، وولاء أهل السنة لبعضهم البعض ولاء عاما، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة ومذاهبهم الفقهية، فالأصل عندهم أنهم يد واحدة، ويعذر بعضهم بعضا، ولا يسارعون إلى الاتهام والتضليل والتفسيق لبعضهم البعض، لذلك فهم لا يمتحنون أحدا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يتعصبون لأسماء أو أحزاب أو شعارات أو أشخاص أو مذاهب، يوالون ويعادون على أساس الدين والتقوى فحسب.

6 ـ أهل السنة يعملون على تأليف القلوب واجتماع الكلمة، فهم يحبون الخير لكل المسلمين، لذلك لو تناظروا في أي مسألة حتى ولو كانت في باب المسائل العلمية أو العملية، تناظروا بغية الوصول إلى الحق مع بقاء الألفة والمودة بينهم.

أما عن أهم الأصول العقدية التي قام عليها اعتقاد الفرقة الناجية، اعتقاد أهل السنة والجماعة، والتي أصبحت علما مميزا لهم عن غيرهم من أهل الأهواء والبدع والإحداث في الدين، فهي كالآتي:

1 ـ اعتقاد الفرقة الناجية في صفات الله عز وجل: إثبات بلا تكييف، وتنزيه بلا تشبيه، فأهل السنة والجماعة يثبتون صفات الله عز وجل، بلا تكييف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تحريف، إثباتا يوافق الكتاب والسنة كما ورد فيهما، ودستورهم في ذلك قوله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وأهل الباطل والابتداع في الدين من الفرق الضالة، مثل الجهمية والمعتزلة والرافضة، وأيضا أهل التأويل الباطل وأصحاب المذاهب الكلامية مثل الأشاعرة والماتريدية والكلابية، لا يثبتون صفات الله، بل يتيهون في أودية الضلال، إما نفيا كليا، أو تعطيلا جزئيا، أو تأويلا فلسفيا.

2 ـ اعتقاد الفرقة الناجية في القرآن الكريم: أنه كلام الله عز وجل غير مخلوق، منزل منه عز وجل على عبده ورسوله الكريم، منه بدأ وإليه يعود.

3 ـ اعتقاد الفرقة الناجية أن الله عز وجل لا يرى في الدنيا، وما رآه أحد في الدنيا، وأن الذي يراه هم أهل الإيمان والنجاة في الجنة وفي عرصات يوم القيامة، وأن أي حديث أو أثر ورد فيه رؤية أحد من البشر، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح ولا يثبت، ويعد مخالفا لما صح من الأحاديث والأخبار، كما ورد في صحيح مسلم، من حديث الدجال الذي جاء فيه: " واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت "

4 ـ أهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبره، في كل يكون بعد الموت، بداية من خروج الروح حتى المستقر، أما جنة وإما نار، فيؤمنون بفتنة القبر، وعذابه ونعيمه، ومنكر ونكير، وعروج الروح إلى بارئها، ثم عودتها، والنفخ في الصور، والنشور من الموت، والبعث إلى يوم القيامة، وأهوال يوم القيامة، والسؤال والحساب، والصحف ذات اليمين وذات الشمال ،والميزان، والحوض والشفاعات، والصراط على جانبي جهنم، أحد من السيف وأدق من الشعر، من جاوزه فقد نجا، ومن تعثر فقد هوى، ثم القنطرة التي يهذب عليها أهل الجنة، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة ، وأول أمة تدخلها أمته، وأكثر الأمم في الجنة أمته، فهم ثلثي أهل الجنة.

5 ـ الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر بجميع درجاته، خيره وشره، فهم يؤمنون بعلم الله القديم الذي علم به جميع الأحوال من جميع الخلائق إلى قيام الساعة، ويؤمنون بكتابة هذا العلم في اللوح المحفوظ الذي أودعه الله عز وجل مقادير الخلائق جملة وتفصيلا، ويؤمنون بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل ما في الكون من حركة ولا سكون إلا بمشيئته، كما أنهم يؤمنون بأنه خالق الخلق وخالق أفعالهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم، وهو أمر عباده بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المؤمنين والمتقين، ويكره الكافرين والمنافقين.

6 ـ الفرقة الناجية، تعتقد أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأهل السنة يعتقدون أن الإيمان أصل وفروع، وأن الأيمان لا يزول إلا بزوال الأصل، لذلك فهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بمطلق المعاصي، كما يفعل الخوارج، ولا يخلدونه في النار كما تفعل المعتزلة، ويقولون هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فهم لا يعطون الاسم المطلق، ولا يسلبون مطلق الاسم. وفرع من هذه المسألة فإن أهل السنة متفقون على جواز اجتماع العذاب والثواب في الشخص الواحد، ولكنهم في نفس الوقت لا يوجبون العذاب أو الثواب لمعين إلا بدليل خاص، فإن اللعنة من باب الوعيد لا يحكم بها إلا على وجه العموم، أما المعين فلا يلحق به الوصف، لاحتمالية قيام ما يمنع لحوقه به، من سابقة مغفرة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، فلا يشهد عندهم لمعين بجنة أو نار إلا بنص ودليل خاص من الكتاب والسنة.

7 ـ الفرقة الناجية يحبون صحابة رسول الله صلى الله عليهم وسلم جميعا، ويتولونهم، وأهل بيته وأزواجه، مع التأكيد على عدم العصمة لأحد منهم، فالعصمة دفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة قلوبهم سالمة من الغل تجاه الصحابة، وألسنتهم عفيفة من الخوض فيما وقع بينهم من شجار وخلاف، ويقدمون العشرة على من سواهم، والمهاجرين على الأنصار، وأهل بدر على غيرهم، من غير تنقيص من المفضول أو طعن فيه، فهم خير القرون في الأمة، خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين.

8 ـ الفرقة الناجية تصدق بكرامات الأولياء، وأن ما يجري على أيديهم من خوارق العادات، هو محض منة من الله عز وجل عليهم، ابتداء منه سبحانه، من غير مسألة منهم، وكرامة لهم على صالح أعمالهم، وحسن معتقدهم، وسلامة إتباعهم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

9 ـ الفرقة الناجية مجمعة على قتال من خرج على شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين، وأتى ببعض شعائر الدين، كما فعل الصحابة مع مانعي الزكاة، لذلك فهم يغزون مع أمرائهم، أبرارا كانوا أم فجارا، من أجل إقامة الدين.


10 ـ أهل السنة والجماعة يقبلون الاختلاف في بعض المسائل دون تكفير أو تفسيق أو تبديع للمخالف، فقد اختلفوا في عثمان وعلي أيهما أفضل، والجمهور على تقديم عثمان، وخالف في ذلك وكيع والثوري، فقدموا عليا رضي الله عن الجميع، واختلفوا في حكم تارك المباني الأربعة، بعد أن اتفقوا على كفر من لم يأت بالشهادتين، أما الاختلاف في المسائل العملية فهو أكثر مما ينحصر، ولكنه منضبط بالأصول الأخلاقية والسلوكية التي سبق وأن ذكرناها.

وللحديث بقية

ابو وليد البحيرى
2024-12-22, 10:38 AM
أصول الفرقة الناجية ( 3 / 3 )



شريف عبدالعزيز


تكلمنا في المرتين السابقتين عن نشأة مصطلح أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية بنص حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهج التلقي عندهم، وأهم الملامح العامة لهم، والأصول الأخلاقية والسلوكية لأهل السنة والجماعة، وأهم الأصول العقدية التي اتفق عليها أهل السنة، وما يقبل وما لا يقبل الخلاف فيه، وهذه المرة سنتكلم عن الصفات العامة للمفارقين لأهل السنة، وحكمهم في الشرع، ونظرة أهل السنة والجماعة لأهل البدع، والضوابط الشرعية في التعامل معهم.

أولا: الصفات العامة للمخالفين لأهل السنة والجماعة

1 ـ الجهل بالحق وإتباع الهوى؛ فمفارقة أهل السنة ومخالفتهم تأتي دائما من أمرين رئيسين: الجهل بالحق، فيحكمون بالظنون والأوهام والاعتقادات الخاطئة، والثاني إتباع الهوى، فيحكمون بما يميله هذا الهوى، فيجافون العدل ويتنكبون الظلم، وإمامهم في ذلك هو إبليس لعنه الله الذي استكبر على أمر الله عز وجل بالسجود لآدم عليه السلام، ورد الأمر بجهله وهواه، فرأى نفسه خيرا من آدم، وقال خلقتني من نار وخلقته من طين، وكان أول من ظهر منهم في أمة الإسلام ذو الخويصرة الذي اعترض على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، وفي رواية أخرى قال: هذه قسمة لا يراد بها وجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد خبت وخسرت إن لم أعدل "، فجهله وضيق عطنه وإتباعه لهواه جعله يحكم على خير خلق الله بهذا الحكم الجائر.

2 ـ التضارب والمعاداة والاختلاف، فطريق الحق؛ طريق واحد، بيّن واضح، ولا عوج فيه، فالحق أبلج، والباطل لجلج، وإتباع الأهواء يقود إلى التفرق والتشرذم، وهو ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث افتراق الأمة، والناظر لهذه الفرق جميعا، يجدها متفرقة متشرذمة، يكفر بعضها بعضا، ويفسق ويبدع بعضها بعضا، وبجولة سريعة على واحدة من هذه الفرق، ولتكن فرقة الخوارج نجدها قد فارقت جماعة المسلمين وخرجت عنها وعليها، ثم ما لبثت أن تفرقت واختلفت وتشرذمت لعدة فرق مثل الأرزارقة، والقعدة، والشبيبية، والصفرية، والإباضية، والتكفير والهجرة، والتوقف والتبين، ولا يعلم متى يتوقف هذا التشقق والافتراق.

3 ـ الغلو في الدين، فالجهل وإتباع الهوى دائما ما يقود صاحبه إلى الغلو، سواء أكان بالتفريط أو الإفراط، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم هي الوسطية وحد الاعتدال الذي يناسب حال كل الناس، والتجافي عن سنته وهديه وطريقته يقود إلى الغلو والتشدد ،وهذا ظاهر من حديث الثلاثة الذين أتوا بيوت النبي يسألون عن عبادته، فلما علموها كأنهم تقالوها، واختار كل واحد منهم طريقا يظن فيه أن موصل لمرضات الله، فمن من نذر صوم الدهر، ومنهم من نذر قياما لا نوم فيه، ومنهم من نذر تبتلا ورهبانية كرهبانية أهل الكتاب، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، نهاهم عن هذه السبل جميعا، وأطلعهم على حاله الوسطية، ثم ختم كلامه بقولته النفيسة: " فمن رغب عن سنتي فليس مني "

البدعة خصيم السنة، لا تسكن قلب عبد ولا عقله إلا أخذته في أودية الضلال، وأضل الضلال ؛ إتباع الظن الهوى، كما قال الله عز وجل ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [النجم: 23]، وفي الحديث " إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين "

4 ـ التعصب والبغي؛ المخالفون لأهل السنة مغالون في التعصب للأشخاص والأقوال والآراء، بلا علم ولا عدل ولا بينة، مغالون في التعصب في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد مع البغي والعدوان على المخالف لهم، وقد عد أهل العلم أن الموالاة والمعاداة على أي شخص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة البدع الذميمة التي تفتح الباب على مصراعيه للتعصب والبغي والتكفير والتفسيق للمخالف، واتخاذ شخص يوالى ويعادي على كلامه ومواقفه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أكبر الأمور التي تفرق الأمة وتزكي نار الخلاف بين أبنائها، خاصة وأن الموالاة والمعاداة تقود حتما ولابد لاعتقاد العصمة في الشخص الموالى والمعادى عليه، وبالتالي رفض أدنى مخالفة له، والناس لا يفصل بينهم النزاع إلا الوحي، فإذا ردوا الأمر إلى عقولهم، فلكل واحد منهم عقل معتد به، ومن هنا تنفتح أبواب الاختلاف والتباين، ومنم ثم التعصب والبغي، ولقد شهد التاريخ في بعض فصوله مشاهد مأساوية من جراء التعصب للأشخاص والجماعات والمذاهب، وصلت لحد استباحة الدماء والحرمات، كما حدث بين الشافعية والحنفية في خراسان في القرن الخامس، وبين الحنابلة والشافعية في بغداد في القرن الرابع.

5 ـ تكفير المخالف؛ من أبرز الإمارات المميزة للمخالفين لأهل السنة، هو مسارعتهم في التكفير لأدنى مخالفة لمذهبهم وطريقتهم، فهم يخلطون دائما بين الخطأ و الإثم، فأهل الابتداع لا يتحملون الاجتهاد أو التأويل المخالف، ويعتبرونه خروجا عن الدين تستحل به الحرمات من الدماء والأموال، وما فعله الخوارج مع المؤمنين دليل بين على ذلك الغلو والشطط في التفكير، والذي انعكس على السلوك في استباحة حرمات المخالفين، وما فعلته المعتزلة مع أهل السنة أيام تسلطهم على خلفاء بني العباس دليل آخر على هذا الغلو والشطط والمسارعة في التكفير، وما زال شعار تكفير المخالف هو السمة المميزة لأرباب البدع حتى وقتنا الحالي.

ثانيا: أقسام المخالفين لأهل السنة

1 ـ مجتهد مخطئ؛ وهو لا يعتبر مخالفا لأهل السنة على وجه التعمد والمعاندة، بل خالف نتيجة اجتهاد أخطأ فيه، ولا أحد معصوم من الخطأ، وهذا الخطأ أما لقلة بضاعته في العلم الشرعي، أو لنوع من التأويل خاصة مع كثرة الشبهات من المخالفين الأصليين، أو لفهم خاطئ للنصوص من حيث الدلالة أو الثبوت، وهذا الصنف معدود من أهل السنة، فمخالفته لا تعتبر تقديما بين يدي الله ورسوله، وردا للثابت المحكم، فهم مؤمنون ظاهرا وباطنا، وهذا النوع من المخافة لم يسلم منهم أحد من أهل العلم إلا الأفذاذ والقلائل، فمن من عالم إلا وله زلة ورأي خالف به جماهير العلماء، وهو في المسائل العملية كثير جدا، كما ثبت عن بعض أئمة السلف تجويز بعض المعاملات الربوية، وشرب بعض أنواع الخمر، وقليل جدا في المسائل العلمية، كما حدث الاختلاف حول مسمى الإيمان عند أبي حنيفة رحمه الله، والقول بفناء النار عند ابن تيمية رحمه الله، وهذا المخالف لا يجوز رميه بالفسق أو الفجور أو الكفر، أو حتى التشهير به والتنقيص من قدره.

2 ـ جاهل معذور؛ وهو من كانت بضاعته في العلم مزجاة، يكثر من الاعتماد على أقوال الأئمة والسابقين، وكتب المتون والشروح والحواشي والاختصارات، ويبعد عن استدلالات القرآن والسنة، فلا يعلم مرامي كلام من يقلده ويتبع آراءه، ولو علم من فيها من مجافاة ومخالفة للسنة لرجع عنها وتبرأ منها.

3 ـ متعد ظالم؛ وهو الذي يصر على خطئه، ويعتقد أنه على الحق الذي لا مرية فيه، ثم يتجاوز تعصبه لما يعتقده إلى البغي والعدوان على من خالفه، فإذا كان إصراره على المخالفة نتيجة تأويل واجتهاد منه كتأويل أهل العلم والدين، ولم يتبين له أنه باغ، بل اعتقد أنه على الحق الذي يجب الدفاع عنه ولو بكل نفيس، فهذا متأول معذور، أما إذا كان من استبان له الصواب من الخطأ، ولكنه أصر على العناد والمخالفة، ثم جاوزه إلى البغي والاعتداء، كان ظالما معتديا، خارجا على الأمة مفارقا لجماعتها، وجب ردعه وقمعه.

4 ـ منافق زنديق؛ وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر والغل والغيظ على المسلمين، وإذا كان النفاق واردا من أهل الصلاة والعبادات، فإن أهل البدع المخالفة لأهل السنة، أولى بوجود هذا الصنف من النفاق والزندقة، وهذا الصنف موجود بكثرة في رؤوس الفرق الضالة المخالفة لأهل السنة مثل الرافضة والجهمية، فالزنادقة المشهورون في تاريخ أمة الإسلام إنما ظهروا من رحم هذه الفرق، مثل القرامطة الباطنية، والفاطميين الزنادقة، ومجاهرتهم بعداوة الإسلام والاستهزاء بشعائره ثابتة تاريخيا. أما حديثا فأكثر ما نجدهم في العلمانيين والليبراليين وأتباع المذاهب الشيوعية والاشتراكية، فمعظمهم يظهرون العداوة للإسلام فضلا عن إبطانها.

5 ـ مشرك ضال؛ وهم الذين يصرحون بالعقائد الشركية والوثنية بلا تأويل أو اجتهاد أو أدنى شبهة، مثل الدروز والنصيريين، وهؤلاء يجب أن يستتابوا عن شركهم وكفرهم، وإلا ضربت أعناقهم، وتقرب إلى الله بدمائهم، وأقرب إليهم من قال بالحلول والاتحاد بين الله سبحانه وخلقه، مثل الحلاج المقتول وابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وغيرهم من غلاة المتصوفة، وهؤلاء أيضا لابد من استتابتهم من ضلالاتهم الشركية، وإلا لحقوا بإخوانهم.

ثالثا: الضوابط العامة للتعامل مع المخالفين عند أهل السنة

أولا: أهل السنة يرون أن البدع المخالفة للسنة قد تكون في أمور دقيقة، وقد تكون في أصول الدين الكلية، وقد يكون النزاع في ألفاظ وأسماء، وقد يكون في معاني وحقائق، لذلك فثمة تفاوت كبير بين أقسام البدع بعضها بعضا، والنظرة الكلية لأهل السنة تجاه أهل البدع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ بدع لا خلاف على عدم تكفير أصحابها، مثل " المرجئة " و " الشيعة الزيدية "

2 ـ بدع لا خلاف على تكفير أصحابها، مثل " الجهمية "

3 ـ بدع يوجد خلاف حول تكفير أصحابها، مثل " عامة الرافضة " و " الخوارج " و " المعتزلة " الذين لا ينفون العلم.

ثانيا: أهل السنة والجماعة يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع بالعصيان أو الفسق أو الكفر، وبين الحكم على شخص بعينه، فهم يعتقدون أن من ثبت له وصف الإسلام بيقين، لا يزول عنه هذا الوصف إلا بيقين مثله، ولا يحكمون على من أتى بنوع من هذه البدع بالكفر أو الفسق أو العصيان حتى يقيموا الحجة الرسالية عليه، بإزالة الشبهات، وإقامة البينات، ومراعاة عوارض الأهلية، وموانع لحوق الوعيد كلها، وهم أيضا يفرقون بين نصوص الوعيد المطلقة، وبين استحقاق شخص بعينه لهذا الوعيد في الآخرة، فالمعين المتلبس ببدعة غليظة قد يلتغي فيه حكم الوعيد بتوبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، فهم لا يشهدون لمعين بجنة أو نار إلا بدليل خاص.


ثالثا: اتفق أهل السنة على أن البدع الغليظة شر الذنوب بعد الشرك والكفر، لذلك وجب عندهم كف شر المبتدعين ولو بالقوة والسلاح، إذا لم يندفع شرهم إلا بذلك، وأئمة السلف كانوا يحرضون على قتال الدعاة إلى البدع المضللة، من أجل إفسادهم للدين، كما قتل الجعد بن درهم، وغيلان القدري، على يد أمراء بني أمية.