ابو وليد البحيرى
2024-09-16, 04:42 AM
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
كبته/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن حاجة المؤمن إلى ربه -تعالى- تختلف عن حاجات باقي الناس، فهو يفتقر إلى الله -تعالى- أن يأخذ قلبه إليه، وأن يوجِّه ناصيته إلى مرضاته، وأن يمن عليه بالتوفيق والإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته، فليست كل عبادات العباد حسنة، بل منها الحسن ومنها السيئ، وهو يعلم ذلك مِن نفسه فكم مِن ركعات أداها وكان فيها مشغولاً بغير الله! وكم مِن آيات قرأها ولم يحسن تدبرها! وكم مِن أيام صامها ولم يحقق فيها التقوى!
وهو دائمًا مشاهِد لتقليب القلوب وتصريف الهمم بمفاضلات بيْن العباد لا يحصيها إلا رب العباد: (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الإسراء:21)، فهو يشعر بفقره وعجزه وحاجته الضرورية الشديدة إلى إلهه ومولاه أن يتولاه، يتولى هدايته، وتقليب قلبه على دينه، وتصريفه على طاعته.
وتأمل قول إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم:35)، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم الخليل -عليه السلام- كما قال إبراهيم التيمي -رحمه الله-، وتأمل في قول شعيب -عليه السلام-: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) (الأعراف:89).
ولو تأملتَ حولك ونظرت في أقوال وأفعال أناس كانوا مِن أهل الإيمان والتقوى صاروا يقولون ويفعلون ما كان يستحيي المنافقون أن يُنسب إليهم؛ لأدركتَ ذلك، فصار الحق يَلبس ثوب الباطل، ويقدَّم للناس الباطل على أنه الدين الصحيح نسأل الله العافية.
وعبادة الحج مِن أعظم العبادات التي يظهر فيها التفاضل بيْن الخلق للناظر بعين بصيرته، فرغم وحدة المظهر والملبس والأفعال والأقوال والأماكن التي يؤمها الملايين إلا أن أحوال القلوب متفاوتة بما لا يعلمه إلا الله حتى قال القائل: "الركب كثير والحاج قليل!".
وأيام العشر الأول مِن ذي الحجة أفضل أيام السَّنة، وتفاوت الناس في استغلالها عظيم، وحاجتنا إلى الله أن يصلح قلوبنا، وأن يرزقنا الشوق إلى لقائه، وحقيقة محبته وحسن عبادته حاجة لا تماثلها حاجة.
وإذا كان الناس حاجتهم في العيد إلى لبس الجديد، وتناول اللحم، والتوسعة على العيال، وهم يفتقرون إلى ربهم في ذلك، ونحن معهم كذلك اتباعًا وامتثالاً؛ فلنجعل افتقارنا إلى الله -تعالى- فيما هو أعظم وأحب إليه، وأكثر اتباعًا وامتثالاً.
ليكن افتقارنا إلى الله -تعالى- في صدق المحبة كما كان الخليل إبراهيم -عليه السلام- حتى ضحى بكل شيء تأكيدًا لصدق المحبة، وفي صدق التفويض والرضا بالله ربًّا كما كانت هاجر -عليها السلام- حين قالت لإبراهيم -عليه السلام-: (آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا) (رواه البخاري).
وفي الصبر الجميل على الطاعة كما كان إسماعيل -عليه السلام- حين قال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).
وفي كمال التوكل كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب متوكلاً على الله وحده في هزيمتهم متضرعًا إليه طول الليل في النصرة عليهم إلى أن: (رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) (الأحزاب:25)، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر منة الله بذلك، ويكرر في أدعيته وأذكاره: (وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه)، ويدعو ربه: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) (متفق عليه).
ونفتقر إلى الله في كمال الثقة بوعده كما كان موسى -عليه السلام- على يقين مِن وعده ونصره، وهو يرى جنود فرعون قد حضروا، ويسمع أصحابه وهم يقولون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء:61)، فيقول لهم في كمال الثقة بالله: (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62).
نفتقر إلى الله في سجدة خشوع وتلاوة تدبر، وركعة خضوع، وقيام قنوت، وإنابة وإخبات، وانكسار وتضرع، وحب وخوف وإخلاص لعلنا نكون مِن السابقين.
فاللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا.
تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير.
كبته/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن حاجة المؤمن إلى ربه -تعالى- تختلف عن حاجات باقي الناس، فهو يفتقر إلى الله -تعالى- أن يأخذ قلبه إليه، وأن يوجِّه ناصيته إلى مرضاته، وأن يمن عليه بالتوفيق والإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته، فليست كل عبادات العباد حسنة، بل منها الحسن ومنها السيئ، وهو يعلم ذلك مِن نفسه فكم مِن ركعات أداها وكان فيها مشغولاً بغير الله! وكم مِن آيات قرأها ولم يحسن تدبرها! وكم مِن أيام صامها ولم يحقق فيها التقوى!
وهو دائمًا مشاهِد لتقليب القلوب وتصريف الهمم بمفاضلات بيْن العباد لا يحصيها إلا رب العباد: (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الإسراء:21)، فهو يشعر بفقره وعجزه وحاجته الضرورية الشديدة إلى إلهه ومولاه أن يتولاه، يتولى هدايته، وتقليب قلبه على دينه، وتصريفه على طاعته.
وتأمل قول إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم:35)، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم الخليل -عليه السلام- كما قال إبراهيم التيمي -رحمه الله-، وتأمل في قول شعيب -عليه السلام-: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) (الأعراف:89).
ولو تأملتَ حولك ونظرت في أقوال وأفعال أناس كانوا مِن أهل الإيمان والتقوى صاروا يقولون ويفعلون ما كان يستحيي المنافقون أن يُنسب إليهم؛ لأدركتَ ذلك، فصار الحق يَلبس ثوب الباطل، ويقدَّم للناس الباطل على أنه الدين الصحيح نسأل الله العافية.
وعبادة الحج مِن أعظم العبادات التي يظهر فيها التفاضل بيْن الخلق للناظر بعين بصيرته، فرغم وحدة المظهر والملبس والأفعال والأقوال والأماكن التي يؤمها الملايين إلا أن أحوال القلوب متفاوتة بما لا يعلمه إلا الله حتى قال القائل: "الركب كثير والحاج قليل!".
وأيام العشر الأول مِن ذي الحجة أفضل أيام السَّنة، وتفاوت الناس في استغلالها عظيم، وحاجتنا إلى الله أن يصلح قلوبنا، وأن يرزقنا الشوق إلى لقائه، وحقيقة محبته وحسن عبادته حاجة لا تماثلها حاجة.
وإذا كان الناس حاجتهم في العيد إلى لبس الجديد، وتناول اللحم، والتوسعة على العيال، وهم يفتقرون إلى ربهم في ذلك، ونحن معهم كذلك اتباعًا وامتثالاً؛ فلنجعل افتقارنا إلى الله -تعالى- فيما هو أعظم وأحب إليه، وأكثر اتباعًا وامتثالاً.
ليكن افتقارنا إلى الله -تعالى- في صدق المحبة كما كان الخليل إبراهيم -عليه السلام- حتى ضحى بكل شيء تأكيدًا لصدق المحبة، وفي صدق التفويض والرضا بالله ربًّا كما كانت هاجر -عليها السلام- حين قالت لإبراهيم -عليه السلام-: (آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا) (رواه البخاري).
وفي الصبر الجميل على الطاعة كما كان إسماعيل -عليه السلام- حين قال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).
وفي كمال التوكل كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب متوكلاً على الله وحده في هزيمتهم متضرعًا إليه طول الليل في النصرة عليهم إلى أن: (رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) (الأحزاب:25)، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر منة الله بذلك، ويكرر في أدعيته وأذكاره: (وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه)، ويدعو ربه: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) (متفق عليه).
ونفتقر إلى الله في كمال الثقة بوعده كما كان موسى -عليه السلام- على يقين مِن وعده ونصره، وهو يرى جنود فرعون قد حضروا، ويسمع أصحابه وهم يقولون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء:61)، فيقول لهم في كمال الثقة بالله: (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62).
نفتقر إلى الله في سجدة خشوع وتلاوة تدبر، وركعة خضوع، وقيام قنوت، وإنابة وإخبات، وانكسار وتضرع، وحب وخوف وإخلاص لعلنا نكون مِن السابقين.
فاللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا.
تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير.