المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنواع التوحيد عرفت بالاستقراء من القرآن والسنة لهذا تقسيم التوحيد ليس ببدعة بل عليها الدليل وعرفها العلماء



عبدالله الأحد
2024-09-10, 08:43 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فعندما نتأمل في القرآن والسنة فإننا نجد أنها دلت على أقسام التوحيد، ونحن في هذا المقام نذكر بعض الأمثلة والنماذج التي تدل على دلالة القرآن والسنة على أقسام التوحيد ومن ذلك:
أن سورة الفاتحة، وهي: (أم الكتاب)، و(السبع المثاني)، و(أعظم سورة في القرآن)، قد دلت على أقسام التوحيد بأوضح بيان:
فأما توحيد العلم والاعتقاد، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات فإن مداره على إثبات صفات الكمال، ومنها كمال أفعاله، وكمال صفاته الذاتية، وهذا مبين في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2].
فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، وهذا متضمن لنفي النقائص والعيوب، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} يدل على ربوبيته وتدبيره لجميع خلقه كما يشاء.
وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: 3]، يدل على توحيد الأسماء والصفات، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 4]، يدل على الربوبية والملك المطلق، فيتلخص من هذا أن هذه الآيات الثلاث دلت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات في أكثر من موضع.
فتوحيد الربوبية دل عليه قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وتوحيد الأسماء والصفات دل عليه قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والربوبية هي من جملة الصفات الفعلية، فكل ما دل على الربوبية دل على الصفات.
أما توحيد الإرادة والعمل فدل على معناه في السورة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5]، فالتعبد والعبادة عمل قلبي، وعمل ظاهر بالجوارح، فالعبادة تجمع غاية الذل والخضوع وغاية الحب، ولابد لها من آثار على الظاهر بالاتباع والانقياد لمرادات المحبوب، والحصر في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يدل على التوحيد والإفراد لله بالعبادة، ويدل على هذا التوحيد في السورة اسم الله فإنه مشتق من الإله ومعناه المعبود.
ومما يدل على أقسام التوحيد في القرآن: سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون: 1]، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فإنهما تضمنتا أقاسم التوحيد جميعًا ولهذا سميت هاتان السورتان بسورتي الإخلاص لدلالتهما على توحيد الله تعالى وقد كان يقرن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر، وفي ركعتي المغرب، وفي ركعتي الطواف مما يدل على أن كل واحدة منهما تكمل الأخرى في المعنى.
فسورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تدل على التوحيد العملي الإرادي وهو توحيد الألوهية، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، تدل على التوحيد العلمي الخبري وهو توحيد الأسماء والصفات المتضمن لتوحيد الربوبية.
فقوله تعالى: { لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون: 2، 3]، يدل على التوحيد العملي وهو توحيد العبادة، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 1- 4]، يدل على التوحيد العملي.
كما أن أقسام التوحيد موجودة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21، 22].
فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، يدل على التوحيد العملي الإرادي.
وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ}، يدل على التوحيد العلمي الخبري.
كذلك وجدت هذه الأقسام في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر: 61 - 65]، ففي هذه الآية الكريمة جمع الله تعالى بين الدلالة على التوحيدين معًا:
أما توحيد الربوبية الذي هو الدليل والبرهان على توحيد الألوهية ففي قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ}، وقوله تعالى: { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}، ويدخل في هذا المعنى توحيد الأسماء والصفات، فإن الربوبية من جملة صفات الله تعالى، ويدل على توحيد الأسماء والصفات – استقلالًا – قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} وقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
أما توحيد الألوهية (العبادة) وهو المدلول والمستدل عليه، فيدل عليه قوله تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} والإله: هو المعبود.
فهذه الآية صريحة في بيان أقسام التوحيد وأنه مشتمل على العلم والعمل.
كذلك ذكرت أقسام التوحيد في سورة الناس، يقول الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ}[الناس: 1 - 3]، ففي هذه السورة جمع الله تعالى بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية.
أما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ففي قوله تعالى: {بِرَبِّ النَّاسِ}، وقوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ}.
وأما توحيد الألوهية ففي قوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ}، والإله: هو المعبود.
ومما يدل على أقسام التوحيد في السنة النبوية ما ورد في قول المضحي عند ذبح أضحيته – بعد قوله (بسم الله والله أكبر) -: (اللهم هذا منك وإليك)[1] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftn1).
وقوله: (هذا منك) أي خلقًا وإيجادًا، وهذا إشارة إلى توحيد الربوبية وهي من صفات الله تعالى.
وقوله: (وإليك) أي تعبدًا وتقربًا ففيه إشارة إلى توحيد الألوهية، ومتعلق الأول: العلم والاعتقاد، ومتعلق الثاني: القصد والإرادة.
ففي هذا الدعاء المبارك جمع بين التوحيدين معًا.
وإذا تتبعنا المعاني التي جاءت في القرآن: أنها من خصائص الله تعالى، نجد أنها لا تخلو من معاني الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
يقول الشيخ العلامة عبد الرحمة بن سعدي رحمه الله مبينًا دلالة الآية على ذلك: (اشتملت آية {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم: 65] على أصول عظيمة على توحيد الربوبية وأنه تعالى رب كل شيء وخالقه ورازقه ومدبره، وعلى توحيد الألوهية والعبادة وأنه تعالى الإله المعبود وعلى أن ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده ولهذا أتى فيه بالفاء في قوله: {فَاعْبُدْهُ} الدالة على السبب أي فكما أنه رب كل شيء فليكن هو المعبود حقًا فاعبده ومنه: الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر وهو الصبر على الواجبات والمستحبات والصبر عن المحرمات والمكروهات، بل يدخل في ذلك الصبر على البليات فإن الصبر عليها وعدم تسخطها والرضى عن الله بها من أعظم العبادات الداخلة في قوله: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}، واشتملت على أن الله تعالى كامل الأسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات)[2] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftn2).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيده في ربوبيته:
وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: 87]، وقال تعالى: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[يونس: 31] .
وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: 23]، تجاهل من عارف أنه عبد مربوب، بدليل قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء: 102]، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: 106].
الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته:
وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى (لا إله إلا الله)، وهي متركبة من نفي وإثبات، فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت.
ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنه رسله عليهم الصلاة والسلام، وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5].
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}[محمد: 19]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقوله: (إنما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد، لشمول كلمة (لا إله إلا الله) لجميع ما جاء في الكتب، لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب، والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.
النوع الثالث: توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: 11].
والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله؛ كما قال بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11].
ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته، ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ووبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده، لأن من اعتراف بأنه الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[يونس: 31] فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره بقوله: { فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.[3] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftn3)
قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد حفظه الله: (هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء)[4] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftn4).
وما يؤمن بالتوحيد من لم يؤمن بهذه الأقسام الثلاثة المستمدة من نصوص الشرع، إذ التوحيد المطلوب شرعًا هو الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ومن لم يأت بهذا جميعه فليس موحدًا.
بل إن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التي هي أصل الدين وأساسه قد دلت على أقسام التوحيد الثلاثة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات، وهي الأصول الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وماا أنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر).
وأما وجه دلالة هذه الكلمة العظيمة على أقسام التوحيد الثلاثة فظاهر تمامًا لمن تأملها: فقد دلت على إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه، كما دلت أيضًا على توحيد الربوبية فإن العاجز لا يصلح أن يكون إلهًا، ودلت على توحيد الأسماء والصفات فإن مسلوب الأسماء والصفات ليس بشيء بل هو عدم محض، كما قال بعض العلماء: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.[5] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftn5)


الهوامش:
[1] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftnref1) رواه أبو داود – كتاب الضحايا – باب ما يستحب من الضحايا – ورقمه 2795، محي الدين عبد الحميد، وابن ماجه – كتاب الأضاحي – باب أضاحي رسول الله r، ورقمه 3121.
[2] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftnref2) المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص 44-45)
[3] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftnref3) أضواء البيان (3/410- 414)
[4] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftnref4) التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير (ص30)
[5] (https://www.e7saan.com/article/details/460#_ftnref5) التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ص9)، ونص شيخ الإسلام نقلته عنه.
منقول موقع احسان

هذا التَّقسيمُ الثُّلاثيُّ وارِدٌ في مؤلَّفاتِ أهلِ العِلمِ مُنذُ بدايةِ التَّصنيفِ والتَّدوينِ لمَسائِلِ العَقيدة
قال ابنُ بَطَّةَ: (أصلُ الإيمانِ باللهِ، الذي يجِبُ على الخَلْقِ اعتقادُه في إثباتِ الإيمانِ به؛ ثلاثةُ أشياءَ:
أحَدُها: أن يعتقِدَ العَبدُ ربانيَّتَه؛ ليكونَ بذلك مُبايِنًا لمذاهِبِ أهلِ التَّعطيلِ (https://dorar.net/aqeeda/115) الذين لا يُثبِتونَ صانِعًا .
والثَّاني: أن يعتَقِدَ وحدانيَّتَه؛ ليكون مبايِنًا بذلك مذاهِبَ أهلِ الشِّركِ الذين أقرُّوا بالصَّانِعِ وأشركوا معه في العبادةِ غَيرَه .
والثَّالِثُ: أن يَعتَقِدَه موصوفًا بالصِّفاتِ التي لا يجوزُ إلَّا أن يكونَ موصوًفا بها من العِلمِ والقُدرةِ والحِكمةِ وسائِرِ ما وَصَف به نَفْسَه في كتابِه؛ إذ قد عَلِمْنا أنَّ كثيرًا ممَّن يُقِرُّ به ويوحِّدُه بالقَولِ المطلَقِ قد يُلحِدُ في صِفاتِه .
وقال الجُرجانيُّ: (التَّوحيدُ ثلاثةُ أشياءَ: مَعرِفةُ الله تعالى بالرُّبوبيَّةِ، والإقرارُ بالوحدانيَّةِ، ونفيُ الأندادِ عنه جملةً) .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدية الطحاوية: ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله، ونزلت به كتبه نوعان:
1/ توحيد في الإثبات والمعرفة.
2/ وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول هو: إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ليس كمثله شيء في ذلك كله، كما أخبر عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أفصح القرآن عن هذا كل الإفصاح، كما في أول (الحديد، وطه، وآخر الحشر، وأول آلم تنزيل السجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها) وغير ذلك.
والثاني: وهو توحيد الطلب والقصد، مثل ما تضمنته سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) ، وأول تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام.
منقول الشبكة الإسلامية
قال الشيخ ابن باز رحمه الله وجزاه الله خيرا وأسكنه فسيح جناته
هذا مأخوذ من الاستقراء، لأن العلماء لما استقرءوا ما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ظهر لهم هذا، وزاد بعضهم نوعًا رابعًا هو توحيد المتابعة، وهذا كله بالاستقراء.
فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آياتٍ تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الألوهية، ووجد آيات تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور، وهذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام، كما يجد آيات أخرى تدل على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه لا شبيه له ولا كفو له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة، ومن سلك سبيلهم.
ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول ﷺ ورفض ما خالف شرعه، وهذا هو توحيد المتابعة، فهذا التقسيم قد علم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة، ومن ذلك قول الله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقوله U: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقوله U: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وقوله سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] وقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] وقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] وقوله سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس:31] وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وقال U: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] والآيات فيما ذكر من التقسيم كثيرة.
ومن الأحاديث: قول النبي ﷺ في حديث معاذ t المتفق على صحته: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وقوله ﷺ: من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار رواه البخاري في صحيحه، وقوله ﷺ لجبريل لما سأله عن الإسلام قال: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة الحديث، متفق عليه، وقوله ﷺ: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله متفق على صحته، وقوله ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري في صحيحه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع).
وقال: فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله) [1] (https://binbaz.org.sa/fatwas/1655/%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AD %D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85 #footnote-1).
ونسأل الله أن يوفق المسلمين جميعًا من حكام ومحكومين للفقه في دينه والثبات عليه والنصح لله ولعباده، والحذر مما يخالف ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين[2] (https://binbaz.org.sa/fatwas/1655/%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AD %D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85 #footnote-2).
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، ص (33)، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ ط 1403هـ]
(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/ 277).

عبدالله الأحد
2024-09-10, 08:52 AM
أنواع التوحيد والعلاقة بينها

إن الإيمان بالله جلّ وعلا يتضمّن إيماناً بأنواع التوحيد الثلاثة، وهي: توحيد الربوبيّة، والمقصود به: الإقرارُ بأنَّ ربنا تبارك وتعالى واحدٌ في أفعاله، لا يشاركه فيها أحد ، كالخلق والرّزق والإحياء والإماتة، وتدبير الأمور والتصرّف في الكون، وغيرها من الأفعال الإلهيّة.

والثاني: توحيد الألوهيَّة، والمقصود به: توحيد الله بأفعال العباد، أي: إفراده بالعبادات، كالدعاء والتضرّع، والخوف والرَّجاء، والاستعانة والاستغاثة، والذبح والنذر، إلى غير ذلك من العبادات التي لا يجوز صرف شيءٍ منها لأحد من الخلق، مهما كانت منزلته أو مكانته.

والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وحدّه وتعريفه كما يذكر علماء العقيدة: إثبات كلِّ ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له نبيّه -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات، على الوجه اللائق به سبحانه، دون أن نحاول ذكر كيفيّةٍ لها، أو أن نمثّل صفات الله بصفات خلقه، أو أن نحرّف أو ننفي صفات الله تعالى أو أسمائه وننكر قيام صفات الله تعالى به، مع تنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به سبحانه.

ولا شك أن هذه الأنواع الثلاثة التي تُشكّل قضيّة الإيمان بالله جلّ وعلا، قد قامت بينها نوعٌ من العلاقة بينها، ونصّ عليها العلماء في كتبهم ومصنّفاتهم، ويمكن تقرير هذه العلاقات وبيانها من خلال المحاور التالية:

بين توحيد الربوبيّة وتوحيد الألوهيّة

هناك عبارةٌ يستخدمها علماء العقيدة في بيان وجه العلاقة القائمة بين توحيد الربوبيّة وتوحيد الألوهيّة، يريدون بها بيان تعلّق الأولى بالثانية، فيقولون: "توحيد الربوبيّة مستلزم لتوحيد الألوهيّة"، ومعنى ذلك أن من آمن بتفرّد الله تعالى في الرّبوبيّة، وأنه وحده لا شريك له، المبدئ المعيد، وأنه خلق الأشياء بقدرته، ودبرها بمشيئته، وقهرها بجبروته، وذللها بعزّته، وانفرد عن خلقه بأفعالٍ لا يقدرُ عليها إلا هو، فإن من كان بمثل هذه العظمة والتفرّد كان مستحقّاً للعبادة، وأن هذه الأفعال وغيرها مما لم نذكرها تقود الإنسان إلى وجوب تعظيمه وإفراده بالعبادة دون من سواه من المعبودات الباطلة، التي لا تضرّ ولا تنفع.

وإننا لنجد هذا التلازم القائم بين الربوبيّة والألوهيّة ماثلاً في كتاب الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون* الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (البقرة:21-22)، فالله قد جعل الأمر بإفراد العبادة، ونهى عن الشرك الذي يُضادّ مبدأ الألوهيّة، عن طريق الاستدلال بتوحيد الربوبيّة، وقد استدل على وجوب عبادته وحده، بخلقه للناس من العدم، وبما أنعم على الخليقة من النعم المتكاثرة، فالأرض لهم قرار، والسماء بناء، أودع فيها من المنافع ما فيه قيام حياتهم به، من الشمس والقمر والنجوم، ورزقهم بأنواع الثمار والمآكل، فكان انفراده بالخلق والرزق والتدبير يقود الإنسان إلى إفراده بالعبادة، وبطلان عبادة من سواه.

وقد أنكر الله صنيع الكفّار حين يعبدون ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنهم شيئاً، فصفات النقص القائمةِ في معبوداتهم تُنافي ربوبيّتهم، فكيف يجعلون لها نصيباً من العبادة؟ قال الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون* ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون* وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} (الأعراف: 191-193).

وفي سورة النمل مثالٌ رائع للإلزام الإلهي بإفراد العبادة له استدلالاً بربوبيّتة وذلك في آياتٍ متتاليات: { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون* أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون* أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون* أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون* أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل:60-64).

العلاقة بين توحيد الألوهيّة وتوحيد الربوبيّة

توحيد الألوهيّة الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة، يتضمّن توحيد الربوبيّة، والمعنى أن في الإفراد بالعبادةٍ إقرارٌ ضمنيّ بوجود ربٍّ واحدٍ متفرّد، ولذلك استحقّ العبادة دون ما سواه من الآلهة الباطلة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: عند تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255): "..فإنه يقتضي انفراده بالألوهية، وذلك يتضمن انفراده بالربوبية، وأن ما سواه عبدٌ له، مفتقرٌ إليه وأنه خالقُ ما سواه، ومعبودُه".

واستدلّ ابن أبي العز الحنفي على قوله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} (الإسراء: 42) بإثبات هذه العلاقة فقال: " وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس. فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزا، والعاجز لا يصلح أن يكون إلها".

فالحاصل أن كل من أقرّ باستحقاق الله تعالى للإفراد بالعبادة فهو مقرٌّ سلفاً بتفرّد الله في الخلق والإماتة والنفع والضرّ، وغير ذلك من الأفعال.

العلاقة بين توحيد الألوهية والربوبية وبين توحيد الأسماء والصفات

توحيد الألوهية والربوبية مستلزمٌ لتوحيد الأسماء والصفات، لأن من آمن بتفرّد الخالق في الخلق والملك والتدبير لزمه بأن يُفرد الله بالعبادة، ومن كان كذلك فإنه يلزمه اعتقاد اتصاف معبوده بصفات الجلال ونعوت الكمال، ولذلك استحقّ الاختصاص العبادة، وفي المقابل: فإن من أقر بتوحيد الأسماء والصفات فهو مقرٌّ بوجود خالقٍ متفرّدٍ بالأفعال وأنه لا إله إلا هو، وبذلك اتضحت لنا العلاقات الناشئة بين هذه الأقسام الثلاث، نسأل الله أن يعننا على شكره وذكره وحسن عبادته.

منقول الشبكة الإسلامية

الحمد لله.
تعريف التوحيد
التوحيد في اللغة: مصدر للفعل (وحَّد، يوحِّد) توحيدا فهو موحِّد إذا نسب إلى الله الوحدانية ووصفه بالانفراد عما يشاركه أو يشابهه في ذاته أو صفاته، والتشديد للمبالغة أي بالغت في وصفه بذلك.
وتقول العرب: واحد وأحد، ووحيد، أي منفرد، فالله تعالى واحد، أي: منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال، فالتوحيد (https://almunajjid.com/courses/lessons/315) هو العلم بالله واحدا لا نظير له، فمن لم يعرف الله كذلك، أو لم يصفه بأنه واحد لا شريك له، فإنه غير موحد له.
وأما تعريفه في الاصطلاح فهو: إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ويمكن أن يُعرف بأنه: اعتقاد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
التوحيد في القرآن والسنة
واستخدام هذا المصطلح (التوحيد) أو أحد مشتقاته للدلالة على هذا المعنى ثابت مستعمل في الكتاب (https://islamqa.info/ar/answers/203588)والسنة. فمن ذلك:
قوله تعالى: (قل هو الله أحد... إلخ السورة).
وقوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) البقرة/163.
وقوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة/73، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
وفي صحيح البخاري (7372) ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاس).ِ
وفي صحيح مسلم (16) عن ابن عمر رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ).
فالمقصود بالتوحيد (https://islamqa.info/ar/answers/134921) في هذه النصوص كلها هو تحقيق معنى شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، الذي هو حقيقة دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بدليل وقوع هذه الكلمات و المصطلحات مترادفة ومتناوبة في الكتاب والسنة ففي بعض ألفاظ حديث معاذ السابق: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) أخرجه البخاري (1496).
وفي رواية لحديث ابن عمر: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أخرجه مسلم (16).
فدل هذا على أن التوحيد هو حقيقة شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وأن هذا هو الإسلام الذي بعث الله به نبيه إلى جميع الثقلين من الإنس والجن والذي لن يرضى الله من أحد دينا سواه.
قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) آل عمران/19.
وقال جل شأنه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
أقسام التوحيد
إذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام (https://islamqa.info/ar/answers/10262)وهي:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية
فتوحيد الربوبية هو: إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة، ونحو ذلك.
وأدلة هذا التوحيد كثيرة جدا في الكتاب والسنة، ويراجع السؤال: (13532 (https://islamqa.info/ar/answers/13532)) للتعرف على بعضها.
فمن اعتقد أن هناك خالقا غير الله، أو مالكا لهذا الكون متصرفا فيه غير الله فقد أخل بهذا النوع من التوحيد، وكفر بالله.
وقد كان الكفار الأوائل يقرون بهذا التوحيد إقرارا إجماليا، وإن كانوا يخالفون في بعض تفاصيله، والدليل على أنهم كانوا يقرون به آيات كثيرة في القرآن منها:
قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون) العنكبوت/61.
وقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) العنكبوت/63.
وقوله جل شانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون) الزخرف/87، ففي هذه الآيات يبين الله أن الكفار يقرون بأنه سبحانه هو الخالق المالك المدبر، ومع هذا لم يوحدوه بالعبادة مما يدل على عظيم ظلمهم، وشدة إفكهم، وضعف عقلهم. فإن الموصوف بهذه الصفات المنفرد بهذه الأفعال ينبغي ألا يعبد سواه، ولا يوحد إلا إياه، سبحانه وبحمده تعالى عما يشركون.
ولذا فمن أقر بهذا التوحيد إقرارا صحيحا لزمه ضرورة أن يقر بتوحيد الألوهية.
توحيد الألوهية
وتوحيد الألوهية (https://islamqa.info/ar/answers/287633) هو: إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله كائنا من كان كما قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) النساء/36، ويمكن أن يعرف بأنه: توحيد الله بأفعال العباد.
وسمي بتوحيد الألوهية: لأنه مبني على التأله لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم.
ويسمى توحيد العبادة (https://islamqa.info/ar/answers/49016) لأن العبد يتعبد لله بأداء ما أمره به واجتناب ما نهاه عنه.
ويسمى توحيد الطلب والقصد والإرادة؛ لأن العبد لا يطلب ولا يقصد ولا يريد إلا وجه الله سبحانه فيعبد الله مخلصا له الدين.
وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلل، ومن أجله بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، ومن أجله خلق الخلق، وشرعت الشرائع، وفيه وقعت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم، فأهلك المعاندين ونجى المؤمنين.
فمن أخل به بأن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد خرج من الملة، ووقع في الفتنة، وضل عن سواء السبيل. نسأل الله السلامة.
توحيد الأسماء والصفات
وأما توحيد الأسماء والصفات (https://islamqa.info/ar/answers/419113) فهو: إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات، فيعتقد العبد أن الله لا مماثل له في أسمائه وصفاته، وهذا التوحيد يقوم على أساسين:
الأول: الإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى (https://islamqa.info/ar/answers/72318) على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف لها، أو تأويل لمعناها، أو تعطيل لحقائقها، أو تكييف لها.
الثاني: التنزيه: وهو تنزيه الله عن كل عيب، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص، والدليل على ذلك قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فنزه نفسه عن مماثلته لخلقه، وأثبت لنفسه صفات الكمال على الوجه اللائق به سبحانه.
المراجع:
"الحجة في بيان المحجة" (1/305).
"لوامع الأنوار البهية" (1/57).
والله أعلم.
منقول إسلام سؤال