تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : آفاق التنمية والتطوير .. المرونة والتكيف الإداري



ابو وليد البحيرى
2024-08-22, 05:08 PM
آفاق التنمية والتطوير .. المرونة والتكيف الإداري (1)
المتدبر في أحكام الشريعة يجد أن من أهم سمات المنهج القرآني، الجمع بين الثبات والمرونة في الإدارة بما يحقق المصالح العامة ويحقق التنمية والتطوير

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مليئة بالأحداث التي تدل على التغيير والتكييف فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع المواقف المختلفة بحكمة ومرونة

يعدّ التكييف من أساسيات الإدارة الناجحة في خضم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلا عن التغيرات الخاصة المرتبطة بتنفيذ المشاريع

التغيير سمة ثابتة من سمات الحياة، ولا أدل على ذلك من قوله -تعالى-: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: 140)، كما إن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مليئة بالأحداث التي تدل على التغيير والتكيف، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل مع المواقف المختلفة بحكمة ومرونة، وبالتالي ينبغي على المسلم أن يتقبل التغيير ويستعد له، وأن يكون على استعداد للتكيف مع الظروف المتغيرة، وينطبق هذا الأمر أيضًا على إدارة المشاريع التنموية وغيرها، حيث إن التكييف يعدّ من أساسيات ومبادئ الإدارة الناجحة في خضم التغيرات العامة ونقصد بذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن التغيرات الخاصة المرتبطة بتنفيذ المشاريع، كالتغيرات في الخطط أو الموارد أو حتى الفئات المستفيدة تستدعي رصدًا دقيقًا واهتمامًا خاصًا، وذلك نظرًا لتأثيرها المباشر على مخرجات المشاريع التنموية.
مفهوم التكيف يطلق مصطلح «التكيف» أو «التكييف» في المجال الإداري والقيادي على عملية منظمة ومستدامة تستهدف اتخاذ قرارات فعّالة في مواجهة حالات عدم اليقين في النظام الإداري من خلال مراقبة هذا النظام. و»التكييف» عملية نفسية ديناميكية مستمرة، تتيح للفرد تبني أساليب أكثر ملاءمة للتعامل مع مواقف مختلفة، ويتطلب الأمر مرونة وحكمة لتمكين الموظف من تجاوز الحواجز النفسية التي تعيق معالجة المواقف الصعبة بفاعلية، كما يتطلب تقديم بعض التنازلات ولا سيما في حالة المخاطر والطوارئ، وقد كانت المناهج القديمة للإدارة تعتمد على الهدم والتغيير، ومن ثم فإنها كانت تواجه بكثير من الرفض والمقاومة، ومن هذا المنطلق برز إلى السطح مفهوم التكييف أو التكيف الاستباقي كعلاج سحري ورشيق.
استراتيجيات تعزيز التكييف للتغلب على هذه التحديات وتعزيز فعالية عملية التكييف، يمكن تبني بعض الاستراتيجيات، مثل: بناء ثقافة مرنة: تشجيع ثقافة تفتح الأبواب للتغيير والابتكار بين أعضاء الفريق، ما يسهل قبول مستجدات البيئة الداخلية والخارجية.
تدريب الفريق: تقديم برامج تدريبية لتعزيز المهارات اللازمة لتحقيق التكييف الناجح وزيادة الوعي حول أهمية الاستجابة للتغيرات.
جمع البيانات وتحليلها: تعزيز نظام جمع البيانات وتحليلها باستمرار للحصول على معلومات دقيقة حول البيئة والاحتياجات.
تسهيل التواصل: تشجيع قنوات التواصل الفعالة بين كافة الأطراف المعنية، مما يسهل تبادل المعلومات والخبرات.
تحديد الأولويات بوضوح: وضع أولويات واضحة تساعد الفرق على التركيز على الأهداف الأكثر إلحاحًا وتتطلب استجابة فورية.
التخطيط المرن: اعتماد استراتيجيات تخطيط مرنة تسمح بتعديل الأهداف والخطط بسهولة بناءً على الظروف المتغيرة.

متطلبات التكيف يعدّ تكييف البرامج التنموية مع التغيرات أمرًا حيويًا لتلبية احتياجات المجتمعات المستفيدة وضمان استمرارية تحقيق الأهداف، ويتطلب ذلك اتباع مجموعة من الخطوات والإجراءات، منها: تقييم النتائج والتغيرات: ضرورة تقييم النتائج المحققة وتحليل التغيرات في البيئة المحيطة بالبرنامج.
تحديد الاحتياجات الجديدة: يجب تحديد الاحتياجات الجديدة للمجتمعات المستفيدة وضمان تلبيتها.
إعادة تحديد الأهداف: يجب ضبط الأهداف المحددة بناءً على التغيرات في البيئة.
تحديث الخطط: مراجعة وتحديث الخطط والأنشطة لتحقيق الأهداف الجديدة.
تعديل الميزانية: تعديل الميزانية الخاصة بالبرنامج وفقًا للاحتياجات الجديدة والتغيرات.
التواصل والشراكة: التواصل الفعال مع المجتمعات المستفيدة والشركاء للتأكد من تحقيق الأهداف تحقيقا فعالا.
كما تتطلب عملية تكييف البرامج التركيز على التحديث المستمر والتغيير المرن، ما يستوجب وجود فريق عمل ذي خبرة عالية وتواصل فعال مع المجتمعات المستفيدة والشركاء.

مسوغات التكيف في المشاريع التنموية تظهر مؤشرات عدة تدل على ضرورة تعديل خطط البرامج واستخدام ممارسات التكييف، ومنها: عدم تحقيق الأهداف: إذا لم تحقق الأهداف المحددة، فذلك يستدعي تغيير الخطط والاستراتيجيات.
تغير الظروف المحيطة: كتحول الاحتياجات المجتمعية أو التغييرات في السياسات الحكومية، مما يتطلب تعديل الخطط.
عدم تلبية الاحتياجات: إذا لم تُلبَّ الاحتياجات المجتمعية تلبية كافية، ينبغي تغيير الخطط لتحديد الاحتياجات الجديدة.
تغير الأولويات: إذا تغيرت الأولويات المتعلقة بالبرنامج، يستدعي ذلك تعديل الخطط وتحديد أهداف جديدة.
عدم فعالية البرنامج: إذا كان البرنامج غير فعّال في تحقيق الأهداف، يجب تغيير الخطط لتحسين الفعالية.
تغير الموارد: كالتغيرات في الميزانية أو الأفراد المعنيين، مما يتطلب تعديل الخطط.
التأخيرات الزمنية غير المسوغة: مثل التأخر في بدء التنفيذ أو في أثناء مراحله، مما يؤثر سلبًا على الفاعلية والكفاءة.

قيادة التكيف يذكر (بول هيرسي) و(كين بلانشارد) في نظريتهم الشهيرة (التكيف في القيادة)، أن هناك أساليب عدة في القيادة يجب استخدامها وتوظيفها على حسب الظروف والمعطيات، ويمكن اختصار تلك الأساليب الإدارية فيما يلي: 1- أسلوب التوجيه المباشر وهو أسلوب تحديد ما يجب عمله من قبل الفريق والانغماس في المهمة والإشراف على تنفيذها، ويغلب على هذا الأسلوب التركيز وإعطاء الوزن بصفة أكبر للمهمة وتنفيذها، بينما العلاقة والدعم تكون في الظل، أو قد تنعدم تماما، ويناسب هذا الأسلوب أشخاصا ومواقف معينة، مثل أن تكون على خط النار وتحتاج للأخذ بزمام الأمور ونقلها إلى بر الأمان، أو أن تكون بصدد التعامل مع فريق مبتدئ ويحتاج إلى التعليمات والتفاصيل والمتابعة لينطلق في البدايات مثلا. وقد يعطي هذا الأسلوب نتائج سريعة في الحال، ولكنه غير مستدام ولا يصلح عادة للمستقبل، كما إن الاستمرار على هذا النمط من القيادة الإدارية يجعلك حبيس التفاصيل دوما، ويخلق من فريقك أعضاء يعتمدون على تواجدك، ويختل توازنهم في غيابك. وسببه أنه يركز على المهمة على المدى القصير، ولا يبني ويطور الفريق على المدى البعيد. 2- أسلوب التوجيه والتأثير وهو أسلوب التواصل والأخذ والرد مع الفريق لإرشاده وإقناعه بفكرة ما مع المشاركة في إنجاز المهمة، ويتم من خلاله التوازن والتركيز على الجانبين معا: جانب أداء المهمة وتنفيذها، وجانب العلاقة وتطويرها مع الفريق، ويناسب هذا الأسلوب الفرق التي تتمتع بالتحفيز والحماسة الذاتية، ولكن ينقصها المهارة والخبرة اللازمة، وبذلك يتم فيه توجيه الفريق لسد فجوات المعرفة والمهارات لديهم، مع الاعتناء ببناء العلاقة معهم وتطويرهم، وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب استنزافا للطاقة لدى القائد، ولكنه يتسم بطابع الاستثمار في المستقبل؛ لأنه يبني الفريق مع الوقت ويكون العائد منه أفضل لاحقا.

اعداد: ذياب أبو سارة

ابو وليد البحيرى
2024-10-19, 03:33 AM
المرونة والتكيف الإداري (2)

المتدبر في أحكام الشريعة يجد أن من أهم سمات المنهج القرآني، الجمع بين الثبات والمرونة في الإدارة بما يحقق المصالح العامة ويحقق التنمية والتطوير
التكيف ليس مجرد استجابة للأزمات بل هو استراتيجية طويلة الأمد تضمن تحقيق النتائج المرجوة وتلبية احتياجات المجتمعات المعنية

ما زال حديثنا مستمرا عن المرونة والتكيف الإداري؛ حيث ذكرنا أن التغيير سمة ثابتة من سمات الحياة، ومن ثم ينبغي على المسلم أن يتقبل التغيير ويستعد له، وأن يكون على استعداد للتكيف مع الظروف المتغيرة، وقد تحدثنا عن قيادة التكيف وأساليبه وذكرنا منها: أسلوب التوجيه المباشر (التحكم بإصدار التعليمات)، وأسلوب التوجيه والتأثير، واليوم نستكمل الحديث عن هذه الأساليب.
3- أسلوب الدعم والتعاون وهو أسلوب يعتمد على المشاركة في القرار مع الفريق وتوفير الدعم والمساعدة، ولكن دون الانغماس في المهمة، ويناسب هذا الأسلوب الفرق التي تتمتع بالقدرات والخبرات اللازمة لأداء المهمة، ولكن قد يشوبهم عدم الحماس أو الثقة أو قد يختفي عندهم الحافز الذاتي، ومن ثم يكون دورك هنا دور المساعد لمعرفة الأسباب، ودعمهم نفسيا ومعنويا.
4- أسلوب التفويض والتمكين وهو أسلوب تفويض المسؤولية للموظف أو الفريق، وإعطائه المساحة لاتخاذ القرار والحركة باستقلالية، وهذا الأسلوب يناسب الأشخاص والفرق التي وصلت لدرجة جيدة من الخبرات والمهارات لأداء المهام المناطة بهم، وكذلك الثقة والحافز والحماس للعمل والتعامل مع أي صعوبات قد يواجهونها، وهو مساحة عادة ما يحتاجها الفريق للإبداع والانطلاق، بقدر ما يحتاجها بعض القادة للتركيز والتعامل مع ملفات أخرى قد تكون استراتيجية أكثر بطبعها.
التكيف في بيئة العمل الحديثة شهد مجال الموارد البشرية في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا يتماشى مع التطورات في بيئات العمل، وأصبح دور متخصصي الموارد البشرية أكثر أهمية من أي وقت مضى للتكيف والتعامل مع هذه الديناميكيات الحديثة لتعزيز الإنتاجية والمشاركة وتحقيق النجاح التنظيمي من خلال: 1- فهم ديناميكيات مكان العمل الحديثة في ظل البيئة الرقمية المتطورة، يتعين على الموارد البشرية تبني أدوات ومنصات رقمية تسهم في تسهيل التواصل، وتعزيز التعاون، وإشراك الموظفين بفعالية. 2- دور الموارد البشرية في رفاهية الموظفين أصبحت رفاهية الموظفين أولوية حاسمة للمؤسسات التي تسعى إلى تحسين الإنتاجية وبناء ثقافة عمل إيجابية، يؤدي متخصصو الموارد البشرية دورًا أساسيا في تعزيز التوازن بين العمل والحياة من خلال تقديم ترتيبات عمل مرنة، وبرامج صحية، ومبادرات لدعم الصحة العقلية والمرونة. 3- تسخير البيانات لاتخاذ القرارات الاستراتيجية أحدثت البيانات ثورة في ممارسات الموارد البشرية، مما أتاح للمهنيين استخلاص رؤى وإرشادات توجه الاستراتيجيات التنظيمية، وتستخدم الموارد البشرية تحليلات البيانات لتحديد الأنماط المستقبلية، وتحسين استراتيجيات جذب المواهب، وتطويرها، والاحتفاظ بها. 4- تكييف عمليات التوظيف والتأهيل تطورت عمليات التوظيف والتأهيل لمواكبة تغيرات سوق العمل، تعتمد الموارد البشرية على استراتيجيات توظيف افتراضية، تشمل المقابلات عبر الفيديو، وأدوات الفحص المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومنصات الإعداد الافتراضية لجذب أفضل المواهب وتبسيط العمليات. 5- تعزيز التعلم والتطوير المستمر في اقتصاد المعرفة، يعد الاستثمار في التعلم والتطوير المستمر أمرًا حيويًا للحفاظ على القدرة التنافسية، وتقوم الموارد البشرية بتصميم مبادرات تعليمية مخصصة، تشمل الدورات التدريبية عبر الإنترنت، وبرامج التوجيه، وورش العمل، لتمكين الموظفين من تعزيز مهاراتهم والتكيف مع التغيرات الوظيفية. 6- التنقل في نماذج العمل الهجينة يمثل ظهور نماذج العمل الهجينة التي تجمع بين العمل عن بعد والعمل الشخصي تحديات وفرصًا لمتخصصي الموارد البشرية، يطورون سياسات وممارسات تدعم هذه النماذج، مع التركيز على التواصل الفعال والوصول العادل إلى الموارد، وتوفير خيارات جدولة مرنة. 7- ضمان الالتزام والممارسات الأخلاقية في ظل التغيرات التنظيمية وزيادة التدقيق، تؤدي الموارد البشرية دورًا أساسيا في ضمان الامتثال التنظيمي والممارسات الأخلاقية، تعزز الموارد البشرية القيادة الأخلاقية، وتدعم النزاهة والشفافية في جميع العمليات، وتنفذ آليات امتثال قوية للتقليل من المخاطر وتعزيز القيم التنظيمية. 8- الاستفادة من التكنولوجيا (لأتمتة) الموارد البشرية تواصل التكنولوجيا إحداث تغييرات جذرية في عمليات الموارد البشرية، مما يوفر فرصًا للأتمتة والكفاءة وتحسين تجربة المستخدم، تتبنى الموارد البشرية أدوات الذكاء الاصطناعي وأتمتة العمليات لتبسيط المهام الإدارية، وتحسين عملية اتخاذ القرارات، وتقديم تجارب مخصصة للموظفين. 9- دعم تنمية القيادات تعدّ القيادة القوية أمرًا أساسيا لمواجهة التحديات، وقيادة التغيير، وتحفيز النمو التنظيمي، واستثمار الموارد البشرية في برامج تطوير المهارات القيادية، وتحديد المواهب الواعدة، وتوفير فرص للتوجيه والتدريب، لتعزيز القيادة المستقبلية وتخطيط الخلافة.
التحديات والعقبات في تكييف المشاريع على الرغم من أهمية تكييف المشاريع التنموية لمواجهة التغيرات، إلا أن هناك تحديات قد تواجه الفرق عند محاولة تنفيذ هذه العملية، ومن بين هذه التحديات: المقاومة للتغيير: قد تُظهر بعض الفرق أو الأفراد مقاومة لتغيير الخطط والعمليات المتبعة، مما يؤثر سلبًا على عملية التكييف.
نقص الموارد: قد تعاني المشاريع التنموية من نقص في الموارد المالية أو البشرية، مما يصعب تنفيذ التعديلات الضرورية.
الافتقار إلى البيانات الموثوقة: إن عدم توفر معلومات دقيقة حول التغيرات في البيئة الخارجية أو الاحتياجات المجتمعية يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستندة إلى بيانات قوية.
التصورات الطويلة الأمد: التركيز على الأهداف طويلة الأمد قد يؤخر عملية التكييف؛ حيث يتطلب التعديل الفوري في بعض الأحيان استجابة سريعة لتغيرات آنية.
صعوبة التنسيق: قد يكون هناك صعوبة في تحقيق التنسيق بين مختلف الشركاء المعنيين والجهات الفاعلة في المشاريع، مما يزيد من تعقد عملية التكييف.

تكييف المشاريع التنموية يمثل تكييف المشاريع التنموية عنصرًا أساسيًا لضمان نجاحها واستمراريتها في مواجهة التغيرات البيئية والاجتماعية، ويجب أن تتبنى الفرق العاملة في هذا المجال المرونة والتعلم المستمر، مع إدراك أن التكيف ليس مجرد استجابة للأزمات، بل هو استراتيجية طويلة الأمد تضمن تحقيق النتائج المرجوة وتلبية احتياجات المجتمعات المعنية، من خلال اتخاذ خطوات متقدمة واتباع استراتيجيات فعالة، يمكن للمشاريع التنموية الاستجابة للتغييرات بفعالية وتحقيق تأثير إيجابي مستدام.

اعداد: ذياب أبو سارة