ابو وليد البحيرى
2024-08-13, 07:38 PM
الْمُحْسِنُ جل جلاله وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
عَنَاصِرُ الموْضُوعِ:
أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوَيَّةُ لاسْمِ ( المُحْسِنِ ).
ثانيًا: وُرُودُهُ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
ثالثًا: المَعْنَى فِي حَقِّ الله تَعَالَى.
رابعًا: ثَمَرَاتُ الإيِمَانِ بهذا الاسْمِ.
النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ
قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً »؛ رواه البخاري.
2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].
3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].
4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.
5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.
6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].
7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].
8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].
9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].
10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.
11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها »، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).
ثُمَّ قَدْ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى »، مُتَّفَقٌ عَلَيه.
ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ الُمسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمِ ( الُمحْسِنِ ).
2- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِينَ للتَّعَرُّضِ لإِحْسَانِ الله تَعَالَى.
3- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِينَ عَلَى الإِحْسَانِ فِيَما بَيْنَهُم.
4- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِ الُمسْلِمِينَ إِلَى بَعْضِ نِعَمِ الله عَلَيْهِم.
5- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِ الُمسْلِمِينَ إِلَى إِحْسَانِ الله إِلَيْهِمْ مُنْذُ بِدَايَتهِم فَلَهُ الحَمْدُ.
أولًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ ( المُحْسِنِ )
المُحْسِنُ في اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُهُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا فهو مُحْسِنٌ.
والحُسْنُ ضِدُّ القُبْحِ، وحَسَّنَ الشَّيْءَ تَحْسِينًا زَيَّنَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَبِهِ صَنَعَ له وبِهِ مَعْرُوفًا، وهو يُحْسِنُ الشَّيْءَ أَيْ يَعْلَمُه بِخَبَرِهِ، واسْتَحْسَنَ الشَّيْءَ رَغِبَ فَيهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ واعْتَبَرَهُ حَسَنًا.
والحُسْنَى البَالِغَةُ الحُسْنِ في كُلِّ شَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الكَمَالِ وَالجَمَالِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26]، فَالحُسْنَى الجَنَّةُ والزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، فَسَّرَها بذلك رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم والصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ[7].
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].
وَالُمحْسِنُ في الشَّرْعِ هو الَّذِي بَلَغَ دَرَجَةَ الإِحْسَانِ، وَالإِحْسَانُ فَسَّرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ ت: « الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ».
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، قِيلَ: أَرَادَ بِالإِحْسَانِ الإِخْلَاصُ وَهُوَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ مَعًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالإِحْسَانِ الإِشَارَةَ إِلَى الُمرَاقَبَةِ وَحُسْنِ الطَّاعَةِ فَإِنَّ مَنْ رَاقَبَ اللهَ أَحْسَنَ عَمَلَه، وَالمَعْنَى يَشْمَلُ الاثْنَينِ مَعًا [8].
وَالمُحْسِنُ سُبْحَانَهُ هو الذي له كَمَالُ الحُسْنِ في أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في كِتَاِبهِ: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، فَلَا شَيْءَ أَكْمَلُ وَلَا أَجْمَلَ مِنَ الله، فَكُلُّ كَمَالٍ وَجَمَالٍ في الَمخْلُوقِ من آثَارِ صَنْعَتِهِ.
وهو الذي لا يُحَدُّ كَمَالُه ولا يُوصَفُ جَلَالُه، ولا يُحْصِي أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، بَلْ هو كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، لَيْسَ في أَفْعَالِهِ عَبَثٌ وَلَا في أَوَامِرِهِ سَفَهٌ، بَلْ أَفْعَالُه كُلُّها لا تَخْرُجُ عَنِ الحِكْمَةِ والَمصْلَحَةِ وَالعَدْلِ والفَضْلِ والرَّحْمَةِ، إِنْ أَعْطَى فَبِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ مَنَعَ أَوْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وهو الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَأْتْقَنَ صُنْعَهُ وَأبَدَعَ كَوْنَهُ وَهَدَاهُ لِغَايَتِهِ، وَأَحْسَنَ إلى خَلْقِهِ بِعُمُومِ نِعَمِهِ وَشُمُولِ كَرَمِهِ وَسِعَةِ رِزْقِهِ على الرَّغْمِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَكْثَرِهم لِأَمْرِهِ وَنْهِيهِ، وَأَحْسَنَ إِلَى المُؤْمِنِينَ فَوَعَدَهم الحُسْنَى وَعَامَلَهُمْ بِفَضْلِهِ، وَأَحْسَنَ إلى مَنْ أَسَاءَ فَأَمْهَلَهُ ثُمَّ حَاسَبَهُ بِعَدْلِهِ[9].
وَرَوَى الأَزْهَرِيُّ عَنْ أَبِي الَهيْثَمِ أَنَّهُ قَالَ في قَوْلِهِ تَعَالَى في قِصَّةِ يُوسُفَ عَلىَ نبَيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100]؛ أَيْ: « قَدْ أَحْسَنَ إِلَيَّ »[10].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ [الليل: 6]، قِيلَ: أَرَادَ الجَنَّةَ.
وَكَذَلِكِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26].
فَالحُسْنَى: الجَنَّةُ، وَالزِّياَدةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الله تَعَالَى[11].
والمَحَاسِنُ في الأَعْمَالِ ضِدَّ الَمسَاوِئ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36] الذين يُحْسِنُونَ التَّأْوِيلَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].
قَالَ ثَعْلَبٌ: « هو الذِي يَتَّبِعُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ».
والَمحَاسِنُ: الَموَاضِعُ الحَسَنَةُ مِنَ البَدَنِ، يُقَالُ: فُلَانَةٌ كَثِيرَةُ الَمحَاسِنِ.
وَوَجْهُهُ مُحَسَّنٌ: حَسَنٌ، حَسَّنَه اللهُ تَعَالَى [12].
وَقَالَ الرَّاغِبُ: « وَالإِحْسَانُ يُقَالُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهما: الإِنْعَامُ عَلَى الغَيْرِ، يُقَالُ: أَحْسَنَ إلى فُلَانٍ.
وَالثَّانِي: إِحْسَانٌ في فِعْلِهِ، وَذَلِكَ إِذَا عَلِمَ عِلْمًا حَسَنًا، أَوْ عَمِلَ عَمَلًا حَسَنًا ».
وَعَلَى هذا قَوْلُ أَميرِ الُمؤْمِنِينَ ت: « النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ »، أَيْ: مَنْسُوبُونَ إلى ما يَعْلَمُونَ، وما يَعْمَلُونَهُ مِنَ الأَفْعَالِ الحَسَنَةِ.
قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فَالإِحْسَانُ فَوْقَ العَدْلِ، وَذَاكَ أَنَّ العَدْلَ هو أَنْ يُعِطيَ ما عليه وَيَأْخُذَ مَا لَهُ، والإحْسَانُ أَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ ويَأْخُذَ أَقَلَّ مِمَّا لَهُ.
فَالإِحْسَانُ زَائِدٌ على العَدْلِ، فَتَحَرِّي العَدْلِ وَاجِبٌ، وَتَحَرِّي الإِحْسَانِ نَدْبٌ وَتَطَوُّعٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].
وَقَوْلُه: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178].
وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهُ تَعَالَى ثَوَابَ الُمحْسِنِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
وَقَالَ: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91].
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10][13].
ثانيًا: وُرُودُه في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ
1- وَرَدَ في حَدِيثِ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ ت قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم « إِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَإِذَا قُلْتُمْ فَأَحْسِنُوا ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الإِحْسَانَ »[14].
2- وَوَرَدَ في حَدِيثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم اثْنَتَينِ أَنَّهُ قَالَ: « إِنَّ اللَه ﻷ مُحْسِنٌ يُحِبُّ الإِحْسَانَ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكم شَفْرَتَه ثُمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَه »[15].
ثالثًا: المَعْنَى فِي حَقِّ الله تَعَالَى
قَالَ القُرْطُبِيُّ: « الُمحْسِنُ أ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ اسْمًا، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِعْلًا، فَقَالَ: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].
وَمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الُمفْضِلِ وَذِي الفَضْلِ وَالَمنَّانِ وَالوَهَّابِ.
وَقَالَ: الُمحْسِنُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَحْسَنَ، وَلَا خَفَاءَ بِإِحْسَانِ الله تَعَالَى إلى خَلْقِهِ، وَمَنِّه عليهم بِمَا غَمَرَهم مِنَ الإِحْسَانِ وَالفَضْلِ وَالجُودِ وَالإِنْعَامِ »[16].
وَقَالَ ابنُ العَرَبِي: « وَأَمَّا مُحْسِنٌ وَمُجْمِلٌ وَمُفَضِّلٌ، فَلَمْ يُرِدْ بِهَا تَوْقِيفٌ[17] وَلِكِنَّهَا أَلْفَاظٌ كَرِيمَةُ الَمعَانِي وَلَا يُسَمَّى إلا بما سَمَّى بِهِ نَفْسَه، أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الفِعْلَ منها قَدْ جَاءَ، والتَّصْرِيفَ لَهَا قَدْ وَرَدَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].
وَجَاءَ في الحَدِيثِ « جَمِيلٌ » وَقِيلَ أَنَّهُ بِمَعْنَى: مُجْمِلٍ، وَجَاءَ: « ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ »[18].
وَقَالَ المُنَاوِيُّ في قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَه تَعَالَى مُحْسِنٌ»؛ أَيْ: الإِحْسَانُ لَهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لا يَخْلُو مَوْجُودٌ عَنْ إحْسَانِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَابُّدَّ لِكُلِّ مُكَوَّنٍ من إحْسَانِهِ إليه بِنِعْمَةِ الإِيجَادِ ونِعْمَةِ الإِمْدَادِ»[19].
رَابِعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذا الاسْمِ
1- رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الُمحْسِنُ الذي غَمَرَ الخَلْقَ جَمِيعًا بِإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ، بَرَّهم وفَاجِرَهم، مُؤْمِنَهم وكَافِرَهم، لا غِنَىً لهم عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا قِيَامَ لَهُمْ وَلَا بَقَاءَ إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِجُودِهِ وَإِنْعَامِهِ، وَلَوْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ الغَافِلُونَ، وَجَحَدَ بِهِ الجَاحِدُون، وأَعْرَضَ عَنْ شُكْرِهِ العَاصُونَ.
وللأُقْلِيشِيِّ تَوَسُّعٌ جَمِيلٌ في بَيَانِ الجُودِ والفَضْلِ وَالإِحْسَانِ وأَنْوَاعِهِ على الخَلْقِ، إِذْ يَقُولُ: « وَذَلِكَ يَنْحَصِرُ في ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قَاعِدَةٍ وَوَاسِطَةٍ وَمُتممةٍ:
أَمَّا القَاعِدَةُ: فَتَشْتَمِلُ مِنَ الإحْسَانِ والَمنِّ عَلَى ثَلاثِ شُعَبٍ:
الأُولَى: إِخْرَاجُه مِنْ عَدَمٍ إلى وُجُودٍ، بِمُقْتَضَى صِفَةِ الكَرَمِ والجُودِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِهَذَا في مَعْرِضِ الامْتِنَانِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1].
الشُّعْبةُ الثانية: بَعْدَ خَلْقِهِ تَصْويرُه في صُورَةِ آدمَ، وهي أَحْسَنُ صُورِ العَالَمِ، وقَدِ امْتَنَّ عليه بذلك في قَوْلِهِ: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآي الُمتَكَرِّرَةِ في هَذَا النَّوْعِ.
الشُّعْبَةُ الثَّالِثَةُ: جَعْلُه إِيَّاهُ عَاقِلًا لا مَعْتُوهًا ولا سَفِيهًا حَتَّى يَمْتَازَ مِنَ البَهَائِمِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِهَذَا الثَّنَاءِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3].
وَقَالَ: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، وَقَالَ: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من هذه الأمثلة.
وَأَمَّا الوَاسِطَةُ فهي للقِسْمَينِ رَابِطَةٌ، وَيَشْتَمِلُ من الإحْسَانِ والإِنْعَامِ والَمنِّ عَلَى سِتِّ شُعَبٍ:
الأُولَى: هِدَايتُه إِيَّاهُ للإسلامِ.
وَهَذَا أَعْظَمُ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ، وهو الُمرَادُ بِمَا ذُكِرَ في القُرْآنِ مِنَ الهُدَى والنُّورِ، والشَّرْحِ للصُّدُورِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ [20].
الثَّانِيَةُ: إِحْسَانُه إليه أَنْ جَعَلَهُ مِنْ أُمةِ محمدٍ خَيْرِ الأنبياءِ وَخَيْرِ الأُمَمِ، وعلى هذا نَبَّه بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]؛ أَيْ: كُنْتُمْ في الغَيْبِ حَتَّى خَرَجْتُمْ إِلَى الوُجُودِ على وِفَاقِ العِلْمِ.
الثَّالِثَةُ: إِحْسَانُه إليه بأَنْ حَفِظَ كِتَابَه العَظِيمَ حَتَّى يَكُونَ مُعبِّرًا عن كَلَامِ رَبِّهِ بِلِسَانِهِ، وَرَاغِبًا إِلَيْهِ بِجَنَابِهِ، وهذا مِنْ أَعْظَمِ إِحْسَانِه، وَقَدْ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، إنَّهُ القُرْآنُ.
الرَّابِعَةُ: عَلَّمَهُ بَعْدَ حِفْظِهِ مِنْ مَعَانِيهِ، وَمِنْ شَرِيعةِ نبيهِ، ومِنْ حَقَائِقِ عِلْمِهِ أَثَرًا وَنَظَرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
وَقَالَ: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
الخَامِسَةُ: مَا أَحْسَنَ به إليه، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ العَمَلِ بِمَا عَلِمَ، وَهَذَا هُوَ ثَمَرَةُ العِلْمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
السَّادِسَةُ: إِحْسَانُهُ إليه وَتَوْفِيقُه حَتَى يَنْشُرَ مَا عَلِمَ في عَبَادِهِ، ويَكُونَ نُورَ بلادِه، يُسْتَضَاءُ بِسِرَاجِهِ، وَيُقْتَفَى وَاضِحَ مِنْهَاجِهِ، وَبِهَذَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُدْعَى عَظِيمًا في مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، ويَكُونَ مِنْ أَشْرَافِ العُلَمَاءِ الوَارِثِينَ للأَنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا الُمتَمِّمَةُ: فهو مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وأَحْسَنَ إليه مِنْ إِظْهَارِ عَوارِفَ، وَإِدْرَارِ لَطَائِفَ، شَرَّفَ بِهَا نَوْعَهُ، وَأَكْمَلَ بِهَا وَصْفَهُ، وَيَشْتَمِلَ على أَرْبَعِ شُعَبٍ:
الأَوَّلُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الصُّورَةِ، واعْتِدَالِ الخِلْقَةِ، وفَصَاحَةِ اللِّسَانِ، وَسَلَامَةِ الهَيْئَةِ مِنْ تَشَوِّهٍ، وَنَقْصِ عُضْوٍ، ولُحُوقِ خَلَلٍ، حَتَّى يَبْقَى صَحِيحًا سَلِيمًا، وَيَسْلُكُ مِنْ طَاعَةِ الله طَرِيقًا قَوِيمًا، وَتَسْتَحْسِنُ الأَبْصَارُ والبَصَائِرُ صُورَتَهُ، وَلَا تَمُجُّ الطِّبَاعُ خِلْقَتَه، وهذه نِعْمَةٌ مِنَ الله عَلْيهِ، وَهِيَ مَوْهِبةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ.
الثَّانيةُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ انْتِظَامِ الحَالِ، واتِّسَاعِ الَمالِ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ في اكْتِسَابِ الرِّزْقِ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ غَيْرُه فَيَعُمُّهُمْ خَيْرُه، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ يَجِبُ شُكْرُهَا، إِذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُعْطَاها.
الثَّالِثَةُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عُصْبَةٍ وَعَشِيرَةٍ وَأَصْحَابٍ وَأَتْبَاعٍ، تَأَلَّفَتْ قُلُوبُهم عَلَى مَحَبَّتِهِ وَاصْطِفَائِهِ، وَقَامُوا جُنَّةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَلَمْ يَطْرُقْهُ مِنَ الأَعْدَاءِ طَارِقٌ، بَلْ عَاشَ في أَمْنٍ مِنْ جَمِيعِ الخَلَائِقِ، يُنْظَرُ إِلَيْهِ بعَيْنِ الإِجْلَالِ والوَقَارِ، وَتُقْضَى حَوَائِجُه في قُطْرِهِ وفي جَمِيعِ الأَقْطَارِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الحَاضِرُ، وَيَفْخَرُ بِذِكْرِهِ الأَعاَصِرُ.
يتبع
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
عَنَاصِرُ الموْضُوعِ:
أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوَيَّةُ لاسْمِ ( المُحْسِنِ ).
ثانيًا: وُرُودُهُ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
ثالثًا: المَعْنَى فِي حَقِّ الله تَعَالَى.
رابعًا: ثَمَرَاتُ الإيِمَانِ بهذا الاسْمِ.
النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ
قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً »؛ رواه البخاري.
2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].
3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].
4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.
5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.
6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].
7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].
8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].
9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].
10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.
11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها »، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).
ثُمَّ قَدْ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم « إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى »، مُتَّفَقٌ عَلَيه.
ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ الُمسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمِ ( الُمحْسِنِ ).
2- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِينَ للتَّعَرُّضِ لإِحْسَانِ الله تَعَالَى.
3- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِينَ عَلَى الإِحْسَانِ فِيَما بَيْنَهُم.
4- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِ الُمسْلِمِينَ إِلَى بَعْضِ نِعَمِ الله عَلَيْهِم.
5- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِ الُمسْلِمِينَ إِلَى إِحْسَانِ الله إِلَيْهِمْ مُنْذُ بِدَايَتهِم فَلَهُ الحَمْدُ.
أولًا: الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ ( المُحْسِنِ )
المُحْسِنُ في اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُهُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا فهو مُحْسِنٌ.
والحُسْنُ ضِدُّ القُبْحِ، وحَسَّنَ الشَّيْءَ تَحْسِينًا زَيَّنَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَبِهِ صَنَعَ له وبِهِ مَعْرُوفًا، وهو يُحْسِنُ الشَّيْءَ أَيْ يَعْلَمُه بِخَبَرِهِ، واسْتَحْسَنَ الشَّيْءَ رَغِبَ فَيهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ واعْتَبَرَهُ حَسَنًا.
والحُسْنَى البَالِغَةُ الحُسْنِ في كُلِّ شَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الكَمَالِ وَالجَمَالِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26]، فَالحُسْنَى الجَنَّةُ والزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، فَسَّرَها بذلك رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم والصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ[7].
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].
وَالُمحْسِنُ في الشَّرْعِ هو الَّذِي بَلَغَ دَرَجَةَ الإِحْسَانِ، وَالإِحْسَانُ فَسَّرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ ت: « الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ».
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، قِيلَ: أَرَادَ بِالإِحْسَانِ الإِخْلَاصُ وَهُوَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ مَعًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالإِحْسَانِ الإِشَارَةَ إِلَى الُمرَاقَبَةِ وَحُسْنِ الطَّاعَةِ فَإِنَّ مَنْ رَاقَبَ اللهَ أَحْسَنَ عَمَلَه، وَالمَعْنَى يَشْمَلُ الاثْنَينِ مَعًا [8].
وَالمُحْسِنُ سُبْحَانَهُ هو الذي له كَمَالُ الحُسْنِ في أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في كِتَاِبهِ: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، فَلَا شَيْءَ أَكْمَلُ وَلَا أَجْمَلَ مِنَ الله، فَكُلُّ كَمَالٍ وَجَمَالٍ في الَمخْلُوقِ من آثَارِ صَنْعَتِهِ.
وهو الذي لا يُحَدُّ كَمَالُه ولا يُوصَفُ جَلَالُه، ولا يُحْصِي أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، بَلْ هو كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، لَيْسَ في أَفْعَالِهِ عَبَثٌ وَلَا في أَوَامِرِهِ سَفَهٌ، بَلْ أَفْعَالُه كُلُّها لا تَخْرُجُ عَنِ الحِكْمَةِ والَمصْلَحَةِ وَالعَدْلِ والفَضْلِ والرَّحْمَةِ، إِنْ أَعْطَى فَبِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ مَنَعَ أَوْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وهو الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَأْتْقَنَ صُنْعَهُ وَأبَدَعَ كَوْنَهُ وَهَدَاهُ لِغَايَتِهِ، وَأَحْسَنَ إلى خَلْقِهِ بِعُمُومِ نِعَمِهِ وَشُمُولِ كَرَمِهِ وَسِعَةِ رِزْقِهِ على الرَّغْمِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَكْثَرِهم لِأَمْرِهِ وَنْهِيهِ، وَأَحْسَنَ إِلَى المُؤْمِنِينَ فَوَعَدَهم الحُسْنَى وَعَامَلَهُمْ بِفَضْلِهِ، وَأَحْسَنَ إلى مَنْ أَسَاءَ فَأَمْهَلَهُ ثُمَّ حَاسَبَهُ بِعَدْلِهِ[9].
وَرَوَى الأَزْهَرِيُّ عَنْ أَبِي الَهيْثَمِ أَنَّهُ قَالَ في قَوْلِهِ تَعَالَى في قِصَّةِ يُوسُفَ عَلىَ نبَيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100]؛ أَيْ: « قَدْ أَحْسَنَ إِلَيَّ »[10].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ [الليل: 6]، قِيلَ: أَرَادَ الجَنَّةَ.
وَكَذَلِكِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26].
فَالحُسْنَى: الجَنَّةُ، وَالزِّياَدةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الله تَعَالَى[11].
والمَحَاسِنُ في الأَعْمَالِ ضِدَّ الَمسَاوِئ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36] الذين يُحْسِنُونَ التَّأْوِيلَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].
قَالَ ثَعْلَبٌ: « هو الذِي يَتَّبِعُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ».
والَمحَاسِنُ: الَموَاضِعُ الحَسَنَةُ مِنَ البَدَنِ، يُقَالُ: فُلَانَةٌ كَثِيرَةُ الَمحَاسِنِ.
وَوَجْهُهُ مُحَسَّنٌ: حَسَنٌ، حَسَّنَه اللهُ تَعَالَى [12].
وَقَالَ الرَّاغِبُ: « وَالإِحْسَانُ يُقَالُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهما: الإِنْعَامُ عَلَى الغَيْرِ، يُقَالُ: أَحْسَنَ إلى فُلَانٍ.
وَالثَّانِي: إِحْسَانٌ في فِعْلِهِ، وَذَلِكَ إِذَا عَلِمَ عِلْمًا حَسَنًا، أَوْ عَمِلَ عَمَلًا حَسَنًا ».
وَعَلَى هذا قَوْلُ أَميرِ الُمؤْمِنِينَ ت: « النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ »، أَيْ: مَنْسُوبُونَ إلى ما يَعْلَمُونَ، وما يَعْمَلُونَهُ مِنَ الأَفْعَالِ الحَسَنَةِ.
قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فَالإِحْسَانُ فَوْقَ العَدْلِ، وَذَاكَ أَنَّ العَدْلَ هو أَنْ يُعِطيَ ما عليه وَيَأْخُذَ مَا لَهُ، والإحْسَانُ أَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ ويَأْخُذَ أَقَلَّ مِمَّا لَهُ.
فَالإِحْسَانُ زَائِدٌ على العَدْلِ، فَتَحَرِّي العَدْلِ وَاجِبٌ، وَتَحَرِّي الإِحْسَانِ نَدْبٌ وَتَطَوُّعٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].
وَقَوْلُه: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178].
وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهُ تَعَالَى ثَوَابَ الُمحْسِنِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
وَقَالَ: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91].
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10][13].
ثانيًا: وُرُودُه في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ
1- وَرَدَ في حَدِيثِ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ ت قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم « إِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَإِذَا قُلْتُمْ فَأَحْسِنُوا ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الإِحْسَانَ »[14].
2- وَوَرَدَ في حَدِيثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم اثْنَتَينِ أَنَّهُ قَالَ: « إِنَّ اللَه ﻷ مُحْسِنٌ يُحِبُّ الإِحْسَانَ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكم شَفْرَتَه ثُمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَه »[15].
ثالثًا: المَعْنَى فِي حَقِّ الله تَعَالَى
قَالَ القُرْطُبِيُّ: « الُمحْسِنُ أ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ اسْمًا، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِعْلًا، فَقَالَ: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].
وَمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الُمفْضِلِ وَذِي الفَضْلِ وَالَمنَّانِ وَالوَهَّابِ.
وَقَالَ: الُمحْسِنُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَحْسَنَ، وَلَا خَفَاءَ بِإِحْسَانِ الله تَعَالَى إلى خَلْقِهِ، وَمَنِّه عليهم بِمَا غَمَرَهم مِنَ الإِحْسَانِ وَالفَضْلِ وَالجُودِ وَالإِنْعَامِ »[16].
وَقَالَ ابنُ العَرَبِي: « وَأَمَّا مُحْسِنٌ وَمُجْمِلٌ وَمُفَضِّلٌ، فَلَمْ يُرِدْ بِهَا تَوْقِيفٌ[17] وَلِكِنَّهَا أَلْفَاظٌ كَرِيمَةُ الَمعَانِي وَلَا يُسَمَّى إلا بما سَمَّى بِهِ نَفْسَه، أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الفِعْلَ منها قَدْ جَاءَ، والتَّصْرِيفَ لَهَا قَدْ وَرَدَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].
وَجَاءَ في الحَدِيثِ « جَمِيلٌ » وَقِيلَ أَنَّهُ بِمَعْنَى: مُجْمِلٍ، وَجَاءَ: « ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ »[18].
وَقَالَ المُنَاوِيُّ في قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَه تَعَالَى مُحْسِنٌ»؛ أَيْ: الإِحْسَانُ لَهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لا يَخْلُو مَوْجُودٌ عَنْ إحْسَانِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَابُّدَّ لِكُلِّ مُكَوَّنٍ من إحْسَانِهِ إليه بِنِعْمَةِ الإِيجَادِ ونِعْمَةِ الإِمْدَادِ»[19].
رَابِعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذا الاسْمِ
1- رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الُمحْسِنُ الذي غَمَرَ الخَلْقَ جَمِيعًا بِإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ، بَرَّهم وفَاجِرَهم، مُؤْمِنَهم وكَافِرَهم، لا غِنَىً لهم عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا قِيَامَ لَهُمْ وَلَا بَقَاءَ إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِجُودِهِ وَإِنْعَامِهِ، وَلَوْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ الغَافِلُونَ، وَجَحَدَ بِهِ الجَاحِدُون، وأَعْرَضَ عَنْ شُكْرِهِ العَاصُونَ.
وللأُقْلِيشِيِّ تَوَسُّعٌ جَمِيلٌ في بَيَانِ الجُودِ والفَضْلِ وَالإِحْسَانِ وأَنْوَاعِهِ على الخَلْقِ، إِذْ يَقُولُ: « وَذَلِكَ يَنْحَصِرُ في ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قَاعِدَةٍ وَوَاسِطَةٍ وَمُتممةٍ:
أَمَّا القَاعِدَةُ: فَتَشْتَمِلُ مِنَ الإحْسَانِ والَمنِّ عَلَى ثَلاثِ شُعَبٍ:
الأُولَى: إِخْرَاجُه مِنْ عَدَمٍ إلى وُجُودٍ، بِمُقْتَضَى صِفَةِ الكَرَمِ والجُودِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِهَذَا في مَعْرِضِ الامْتِنَانِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1].
الشُّعْبةُ الثانية: بَعْدَ خَلْقِهِ تَصْويرُه في صُورَةِ آدمَ، وهي أَحْسَنُ صُورِ العَالَمِ، وقَدِ امْتَنَّ عليه بذلك في قَوْلِهِ: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآي الُمتَكَرِّرَةِ في هَذَا النَّوْعِ.
الشُّعْبَةُ الثَّالِثَةُ: جَعْلُه إِيَّاهُ عَاقِلًا لا مَعْتُوهًا ولا سَفِيهًا حَتَّى يَمْتَازَ مِنَ البَهَائِمِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِهَذَا الثَّنَاءِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3].
وَقَالَ: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، وَقَالَ: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من هذه الأمثلة.
وَأَمَّا الوَاسِطَةُ فهي للقِسْمَينِ رَابِطَةٌ، وَيَشْتَمِلُ من الإحْسَانِ والإِنْعَامِ والَمنِّ عَلَى سِتِّ شُعَبٍ:
الأُولَى: هِدَايتُه إِيَّاهُ للإسلامِ.
وَهَذَا أَعْظَمُ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ، وهو الُمرَادُ بِمَا ذُكِرَ في القُرْآنِ مِنَ الهُدَى والنُّورِ، والشَّرْحِ للصُّدُورِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ [20].
الثَّانِيَةُ: إِحْسَانُه إليه أَنْ جَعَلَهُ مِنْ أُمةِ محمدٍ خَيْرِ الأنبياءِ وَخَيْرِ الأُمَمِ، وعلى هذا نَبَّه بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]؛ أَيْ: كُنْتُمْ في الغَيْبِ حَتَّى خَرَجْتُمْ إِلَى الوُجُودِ على وِفَاقِ العِلْمِ.
الثَّالِثَةُ: إِحْسَانُه إليه بأَنْ حَفِظَ كِتَابَه العَظِيمَ حَتَّى يَكُونَ مُعبِّرًا عن كَلَامِ رَبِّهِ بِلِسَانِهِ، وَرَاغِبًا إِلَيْهِ بِجَنَابِهِ، وهذا مِنْ أَعْظَمِ إِحْسَانِه، وَقَدْ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، إنَّهُ القُرْآنُ.
الرَّابِعَةُ: عَلَّمَهُ بَعْدَ حِفْظِهِ مِنْ مَعَانِيهِ، وَمِنْ شَرِيعةِ نبيهِ، ومِنْ حَقَائِقِ عِلْمِهِ أَثَرًا وَنَظَرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
وَقَالَ: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
الخَامِسَةُ: مَا أَحْسَنَ به إليه، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ العَمَلِ بِمَا عَلِمَ، وَهَذَا هُوَ ثَمَرَةُ العِلْمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
السَّادِسَةُ: إِحْسَانُهُ إليه وَتَوْفِيقُه حَتَى يَنْشُرَ مَا عَلِمَ في عَبَادِهِ، ويَكُونَ نُورَ بلادِه، يُسْتَضَاءُ بِسِرَاجِهِ، وَيُقْتَفَى وَاضِحَ مِنْهَاجِهِ، وَبِهَذَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُدْعَى عَظِيمًا في مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، ويَكُونَ مِنْ أَشْرَافِ العُلَمَاءِ الوَارِثِينَ للأَنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا الُمتَمِّمَةُ: فهو مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وأَحْسَنَ إليه مِنْ إِظْهَارِ عَوارِفَ، وَإِدْرَارِ لَطَائِفَ، شَرَّفَ بِهَا نَوْعَهُ، وَأَكْمَلَ بِهَا وَصْفَهُ، وَيَشْتَمِلَ على أَرْبَعِ شُعَبٍ:
الأَوَّلُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الصُّورَةِ، واعْتِدَالِ الخِلْقَةِ، وفَصَاحَةِ اللِّسَانِ، وَسَلَامَةِ الهَيْئَةِ مِنْ تَشَوِّهٍ، وَنَقْصِ عُضْوٍ، ولُحُوقِ خَلَلٍ، حَتَّى يَبْقَى صَحِيحًا سَلِيمًا، وَيَسْلُكُ مِنْ طَاعَةِ الله طَرِيقًا قَوِيمًا، وَتَسْتَحْسِنُ الأَبْصَارُ والبَصَائِرُ صُورَتَهُ، وَلَا تَمُجُّ الطِّبَاعُ خِلْقَتَه، وهذه نِعْمَةٌ مِنَ الله عَلْيهِ، وَهِيَ مَوْهِبةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ.
الثَّانيةُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ انْتِظَامِ الحَالِ، واتِّسَاعِ الَمالِ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ في اكْتِسَابِ الرِّزْقِ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ غَيْرُه فَيَعُمُّهُمْ خَيْرُه، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ يَجِبُ شُكْرُهَا، إِذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُعْطَاها.
الثَّالِثَةُ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عُصْبَةٍ وَعَشِيرَةٍ وَأَصْحَابٍ وَأَتْبَاعٍ، تَأَلَّفَتْ قُلُوبُهم عَلَى مَحَبَّتِهِ وَاصْطِفَائِهِ، وَقَامُوا جُنَّةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَلَمْ يَطْرُقْهُ مِنَ الأَعْدَاءِ طَارِقٌ، بَلْ عَاشَ في أَمْنٍ مِنْ جَمِيعِ الخَلَائِقِ، يُنْظَرُ إِلَيْهِ بعَيْنِ الإِجْلَالِ والوَقَارِ، وَتُقْضَى حَوَائِجُه في قُطْرِهِ وفي جَمِيعِ الأَقْطَارِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الحَاضِرُ، وَيَفْخَرُ بِذِكْرِهِ الأَعاَصِرُ.
يتبع