المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات



ابو وليد البحيرى
2024-07-24, 10:39 AM
قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات



الدبلوماسية الدينية من المصطلحات المألوفة بين المنظمات الإنسانية لإقناع صانعي القرار بالعمل في الأوقات كلها لصالح الضعفاء والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية
تستهدف الدبلوماسية الدينية تعزيز احترام القانون والمعايير الدولية والانخراط في الدعوة على مستويات مختلفة إلى دعم الأهداف الإنسانية
الدبلوماسية الدينية والإنسانية أداة من أدوات السلام ونشر المحبة لرفع المعاناة وتصفية الأجواء السياسية وتهدئة النفوس المتوترة نتيجة الاختلافات السياسية
إن الدين الإسلامي حقيقة حاضرة في عالم السياسة والاجتماع والثقافة والمدنية والحضارة فلا يمكن تجاهله وتهميشه ولا إغفال أثره وتأثيره في حياة المسلمين
تبرز أهمية الدبلوماسية الدينية كونها من الأدوات الواقعية الضرورية للتجاوب مع عالمية الإسلام وظهوره وسرعة نموه وكونه دين دعوة عامة ورسالةٍ عالمية لا يحدها زمان ولا مكان
من أهم المداخل في تناول الدبلوماسية الدينية برؤية إسلامية شرعية هو الحديث عن عالمية الإسلام وعموم دعوته سواء في رسالته وعقيدته أم في واقع انتشاره
هذا الدين مشتمل على جميع ما يصلح دين الناس ودنياهم، وهو صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وقد تضمن من الأحكام والآداب الشرعية والقيم والأخلاق النظرية والعملية

إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
الحلقة الأولى
بين أيدينا أحد الإصدارات المهمة في مجال الدبلوماسية الدينية والخيرية، الذي عنون له مؤلفه محمد بن عبدالواحد العريفي بـ:(الدبلوماسية الدينية - المملكة العربية السعودية نموذجًا)، وقد جاء هذا المصنف في أربعة مباحث أساسية وهي: (مصطلحات ومفاهيم، وأهمية الدبلوماسية الدينية، والدبلوماسية الدينية برؤية شرعية، والسعودية والدبلوماسية الدينية).
الدبلوماسية الدينية والإنسانية
الدبلوماسية الدينية والإنسانية أداة من أدوات السلام ونشر المحبة لرفع المعاناة وتصفية الأجواء السياسية وتهدئة النفوس المتوترة، نتيجة الاختلافات السياسية، وكذلك لتلبية الحاجات الإنسانية الماسة للشعوب المنكوبة، وتستند المبادئ الإنسانية إلى عوامل أساسية، مثل عدم التحيز، وعدم التمييز على أساس الدين والعرق والهوية والجنسية بين المستهدفين من جهود القائمين على تنفيذ الدبلوماسية الإنسانية، والحياد دون أن يكون ذلك ضد أي طرف فاعل في النزاعات.
مفهوم الدبلوماسية
بين المؤلف في مقدمة كتابه أن الدبلوماسية عموما تعد أداة رئيسية من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية مبينًا أن هذا الأمر له جانب نظري يتعلق بالمعرفة السياسية والقانونية، وجانب عملي يرتبط بالذكاء والكياسة واللباقة، لهذا توصف بصفتي العلم والفن، وقد أحسن بعض الباحثين عندما استحضر في هذا المقام قول معاوية بن أبي سفيان: لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إِنْ جَبَذُوها أرسلتها، وإن خلوها جَبَذْتُها؛ حيث تتضمن هذه المقولة الشهيرة وصفا دقيقا للعلاقات التي تقوم بين البشر، مشبها الدبلوماسية بالشعرة؛ حيث تتميز بالدقة والمرونة والحرص على استمرار هذه العلاقات وعدم انقطاعها.
المقصود بالدبلوماسية الدينية
ثم انتقل الكاتب إلى بيان المقصود بالدبلوماسية الدينية، وهي أن يكون «الدين» منطلقا لعمل دبلوماسي، يستحضر مقاصد الدين وقيمه وأخلاقه، ويؤكد حضوره في السياسة والاجتماع والعلاقات الاجتماعية، وينسق بين المؤسسات والقيادات الدينية من أجل نشاط بناء، يخدم أهداف التعارف والتعايش بين البشر، وترسيخ أسباب السلم العالمي، ومكافحة التطرف والعنف، ومعالجة مشكلات الجهل والفقر والمرض، والعمل على كل ما فيه المنافع والمصالح المشتركة للإنسانية.
وثيقة نداء مكة المكرمة
ثم بين الكاتب دور المملكة في تأصيل هذه القضية من خلال «المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله تعالى-؛ حيث نصت «وثيقة نداء مكة المكرمة التي صدرت عن ذلك المؤتمر (1429هـ / 2008م)، وبمشاركة أكثر من 500 من العلماء والشخصيات الإسلامية على ما يلي: الحوار الهادف، والتعايش السلمي والتعاون بين أتباع الرسالات وغيرهم، لا يعني التنازل عن المسلمات، ولا التفريط في الثوابت الدينية، ولا التلفيق بين الأديان، وإنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسان، وحفظ كرامته، وحماية حقوقه، ورفع الظلم، ورد العدوان عنه، وحل مشكلاته، وتوفير العيش الكريم له، وهي مبادئ مشتركة جاءت بها الرسالات الإلهية، وأقرتها الدساتير الوضعية، وإعلانات حقوق الإنسان، فالحوار يجري وفق القاعدة القرآنية: {لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دين} (الكفرون: 6).
https://majles.alukah.net/imgcache/2024/07/171.jpg
الحوارات الجادة والصادقة
إن الحوارات الجادة والصادقة التي يرتجى منها تحقيق المصالح والمنافع المشتركة، لابد أن تكون بهذه المصداقية والشفافية، فلا مجال للمجاملات الكاذبة، ولا للادعاءات المنفصمة عن الواقع، لهذا وجدنا أن بابا الفاتيكان (بولس السادس. ت: 1974م) عندما استقبل وفد علماء السعودية عام (1974م)، أبدى في كلمته الترحيبية بالوفد تأييده لمبدأ الحوار والعمل المشترك، لكنه نبه على هذا الأصل المهم فقال: «مع تجنب التلفيق بين الأديان الذي قد لا يكون مناسبًا»، فإذا كان هذا التنبيه من بابا الفاتيكان في ذلك الوقت المبكر؛ حيث كانت مسيرة الحوار بين الأديان في بدايتها، فلا شك أن المسلم أولى في أن يتنبه ويُنبه على هذا الأمر؛ لأن المحافظة على العقيدة الإسلامية وعلى العبادات والشعائر الدينية من صلب عقيدته وإيمانه.
دور علماء المملكة العربية السعودية
وبين الكاتب دور علماء المملكة العربية السعودية في توضيح هذا الإشكال والتحذير من الانزلاق إلى ما يخالف العقيدة الإسلامية في هذا المقام، ومن أبرز ذلك الكتاب القيم: (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، للعلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ت: 1429هـ) -رحمه الله تعالى-، وفتاوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت: 1420) -رحمه الله تعالى-، وبطبيعة الحال: ليس المقصود بهذا التنبيه والتحذير الاتفاقات والمعاهدات السياسية المجردة، وإن سميت بالإبراهيمية، ما دامت بعيدة عن مشاريع الخلط بين العقائد والأديان.
الدبلوماسية الإسلامية
ثم بين المؤلف أن بعض الباحثين استخدم مصطلح الدبلوماسية الإسلامية للبحث في العلاقات الدولية في السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خلفاء المسلمين وملوكهم وأمرائهم، وإن المقصود في هذا السياق هو الدبلوماسية بمفهومها التقليدي العام، أما قيد الإسلامية فيدل إما على مرجعيتها، وهي أحكام الشريعة الإسلامية التي بينها الفقهاء في كتب السياسة الشرعية والعلاقات الدولية، وإما أنه يدل على سياقها التاريخي، فتذكر معالمها وخصائصها وآدابها من خلال النظر في الممارسة الدبلوماسية للدول الإسلامية.
أهمية الدبلوماسية الدينية
ثم تكلم المؤلف عن أهمية الدبلوماسية الدينية قائلاً: وجدت الدبلوماسية الدينية- مصطلحا ومضمونا - حضورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، سواء في مجال البحوث أم المؤتمرات وتأسيس المراكز المتخصصة، أم في مجال الاهتمام العملي من قبل الساسة ووزارات الخارجية والقيادات الدينية في عدد من دول العالم، هذا الحضور يندرج تحت الاهتمام العالمي المتصاعد بالدبلوماسية العامة (القوة الناعمة)، باعتبارها من أقوى أدوات الحضور والتأثير العالميين في زمن العولمة والتواصل بين الثقافات والشعوب؛ حيث يتم البحث عن النفوذ وتحقيق المكاسب من خلال توظيف كل ما يمثل خصائص الدولة وهوية الأمة والرصيد الديني والثقافي والحضاري لها. هذه المعاني سنجدها واضحة ونحن نستعرض في هذا المبحث مظاهر اهتمام عدد من الدول بالدبلوماسية الدينية.
الدبلوماسية الدينية برؤية شرعية
ثم بين الكاتب أن من أهم المداخل في تناول الدبلوماسية الدينية برؤية إسلامية شرعية هو الحديث عن عالمية الإسلام، وعموم دعوته، سواء في رسالته وعقيدته، أم في واقع انتشاره الجغرافي شرقا وغربا، شمالا وجنوبًا أما من جهة العقيدة، فإن من أصول الاعتقاد في الإسلام: أنَّ سيدنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام -، لا نبي بعده، وأن الله -تعالى- بعثه إلى الناس أجمعين، قال الله -عزَّوجلَّ-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سَبَا: 28) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - في بيان خصائصه التي لم يعطهنَّ أحد من الأنبياء قبله -: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصةً، وبُعثتُ إلى الناس كافة».
الدين الحق
لهذا فإنَّ الدين الحق الذي رضيه الله -تعالى- لعباده، وألزمهم به، إنما هو ما بعث به رسول الله، الذي ختم الله به رسالاته وأتم شرائعه، وجعلها حجته القائمة في الأرض إلى يوم الدين، قال -تعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة:3)، وقال سبحانه: {قُلْ ءَامَنَا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 84-85)؛ لهذا جاء الوعد الإلهي بإظهاره والتمكين له في الأرض، قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح: 28) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللهَ زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها ، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» ، وقال: « ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز، أو بذل ذليل، عزا يُعزُّ الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر «. لقد تحقَّق ما أخبر الله -تعالى- به، ووعد به رسوله الخاتم - صلى الله عليه وسلم -، فقد أظهر دينه بين الأديان، وجعل حجته هي الظاهرة الغالبة، ولا يزداد مع مرور الأيام وتعاقب العصور إلا ظهورًا وانتشارًا، فعدد المسلمين في العالم اليوم يبلغ مليارًا وثماني مئة مليون نسمة بحسب دراسة أعدت في سنة (2015) -، وهذا العدد مثل في تلك السنة نسبة: 24.1 من سكان العالم، وتقول الدراسة نفسها: إن الإسلام أسرع نموا من بين الأديان كلها، وأنه يقدر أن يبلغ عدد المسلمين في سنة (2060) ثلاثة مليارات، بما يمثل نسبة: 31.1٪ من سكان العالم.
هذا الدين حقيقة حاضرة
إن هذا الدين حقيقة حاضرة في عالم السياسة والاجتماع والثقافة والمدنية والحضارة، فلا يمكن تجاهله وتهميشه، ولا إغفال أثره وتأثيره في حياة المسلمين وتصوراتهم وتصرفاتهم ومواقفهم، وتأثيره من خلال المسلمين في العالم كله.
أهمية الدبلوماسية الدينية
في هذا السياق تبرز أهمية الدبلوماسية الدينية، فهي من الأدوات الواقعية الضرورية للتجاوب مع عالمية الإسلام وظهوره، وسرعة نموه، وكونه دين دعوة عامة، ورسالةٍ عالمية لا يحدها زمان ولا مكان، وللتفاعل الإيجابي مع حضوره الحي والفاعل في عقيدة المسلمين وعباداتهم، وفي حياتهم اليومية في المعاملات والسلوك والأخلاق، وللتواصل مع الشعوب والأمم غير المسلمة والتعاون معها في عمل الخير للمسلمين وللإنسانية، ومعالجة ما يحصل من مشكلات وعقبات، سواء بين المسلمين أنفسهم، أم بينهم وبين غيرهم. وكذلك في كون هذا الدين مشتملا على جميع ما يصلح دين الناس ودنياهم، وهو صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وقد تضمن من الأحكام والآداب الشرعية والقيم والأخلاق النظرية والعملية ما يشتمل على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية، حتى فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة ومنع الإسراف والتبذير والفساد في الأرض، والأمر بالإحسان إلى الخلق جميعهم، ومنه الرفق بالحيوان.
https://majles.alukah.net/imgcache/2024/07/172.jpg
حاجة العالم إلى الدبلوماسية الإنسانية
اليوم يحتاج العالم إلى الدبلوماسية الإنسانية التي تستهدف الإنسان في المقام الأول، ومراعاة احتياجاته وأمنه والبحث عن العدالة الاجتماعية، فأمن الفرد من أمن المجتمع، وهي دبلوماسية طريقها دائما مكلل بالنجاح، ويفتقدها العالم في هذه الآونة التي لا تضع أي اعتبارات للإنسان واحتياجاته، في وقت تلفظ القوة الصلبة والخشنة من الحروب والعقوبات التي تنال من الإنسان والدول والشعوب بأكملها، كما أنَّ العالم اليوم في أمس الحاجة إلى الدبلوماسية الإنسانية من أي وقت مضى؛ لأنها السبيل الوحيد الذي يمكن من المناصرة والمفاوضات والإقناع، والدبلوماسية الإنسانية هي التي تؤدي دورها في تلبية حاجات المستضعفين وتمكينهم من العيش بأمان وكرامة.
أسلوبٌ منظمٌ لتحقيق المصالح الإنسانية

تعد الدبلوماسية الدينية والخيرية أسلوبا منظما لتحقيق المصالح الإنسانية عموما، وقد أصبح هذا المصطلح من المصطلحات المألوفة بين جميع المنظمات الإنسانية لإقناع قادة الرأي وصانعي القرار بالعمل في جميع الأوقات لصالح الأشخاص الضعفاء، والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية، كما أنَّ الدبلوماسية الدينية والإنسانية تعد إحدى أدوات القوة الناعمة التي تستهدف حماية حقوق الإنسان، والعمل على نشر القانون الدولي واحترامه بما يعزز الأمن والسلام، كما تستهدف تعزيز احترام القانون والمعايير الدولية، والانخراط في الدعوة على مستويات مختلفة إلى دعم الأهداف الإنسانية، وتقوم على حماية مصالح المستضعفين أو المنكوبين ودعمها ، وإتاحة الحد الأعلى الممكن من الخدمات الإنسانية لهم، وتوسيع الحيز الإنساني الذي تتحرك فيه مؤسسات العمل الإغاثي الدولية.

ابو وليد البحيرى
2024-07-31, 07:36 PM
قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية… الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات
– الحلقة الثانية


الشريعة محفوظة صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان ولها من السعة والشمولية ما يجعلها قادرة على الاستجابة لأسئلة العصر واحتياجاته

إن العلاقة بين البشر تتأسس في هدي الإسلام على أساس راسخ ومبدأ عظيم ألا وهو المساواة بين الناس في أصل خلقتهم وإنسانيتهم
الجهود الدبلوماسية تتجاوز أحيانًا حدود السياسة والحرب والسلم لتشمل بعض العلاقات الدينية والثقافية والعلمية والحضارية
المسلم الحق يهتدي في كل شؤونه بالهداية الإلهية ويلتزم بالشريعة السمحة ويقتدي بالسنة النبوية
الإسلام يعظم أمر الدماء فقد ذم الله تعالى سلوك الذين يدفعون إلى التحريض وتأجيج نار الحرب والإفساد في الأرض

إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
بين أيدينا أحد الإصدارات المهمة في مجال الدبلوماسية الدينية والخيرية، الذي عنون له مؤلفه محمد بن عبدالواحد العريفي بـ:(الدبلوماسية الدينية - المملكة العربية السعودية نموذجًا)، وقد جاء هذا المصنف في أربعة مباحث أساسية وهي: (مصطلحات ومفاهيم، وأهمية الدبلوماسية الدينية، والدبلوماسية الدينية برؤية شرعية، والسعودية والدبلوماسية الدينية).
جذور الدبلوماسية الدينية في الإسلام
من المعلوم أن الحقائق تسبق المصطلحات التي توضع لها؛ فلا عجب أن نجد جذور الدبلوماسية الدينية في التاريخ، سواء عند المسلمين أم عند غيرهم، لكننا -رغم هذا- لا نرى التكلف في توظيف الأمثلة التاريخية لهذا الغرض؛ لأن الدبلوماسية الدينية إنما ظهرت في عصرنا الحاضر نتيجة ظهور الدولة الوطنية الحديثة، وتطور العلاقات الدولية وتعقدها وتشعبها، وظهور المنظمات العالمية وتقارب أطراف العالم نتيجة العولمة والوسائل الحديثة، وهذه الأحوال والأسباب لم تكن موجودة في العصور السابقة؛ لهذا كانت الدبلوماسية محصورة في إطارات ضيقة، وأنواع محدودة.
الأعمال الخاصة بالدعوة
لا يرى الباحث إدراج الأعمال الخاصة بالدعوة إلى الله -تعالى- في أنواع الدبلوماسية الدينية؛ فرسائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والأمراء في زمانه، وكذلك إرساله معاذ بن جبل - رضي الله عنه - إلى اليمن لدعوة أهلها إلى الإسلام، وغير ذلك من الوقائع هي من أنواع الدعوة الصريحة إلى الله -تعالى-، وليست من الدبلوماسية الدينية، ولعل من أقرب الوقائع للدبلوماسية الدينية في عصر الخلافة الراشدة: مناظرة عبدالله بن العباس للخوارج، فقد اعتزل الخوارج جماعة المسلمين، وخرجوا على السلطة السياسية المتمثلة في الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فكان إرسال ابن عباس إليهم لمناظرتهم من المساعي الدبلوماسية لحل المشكلة قبل أن تضطر السلطة السياسة إلى اتخاذ قرار الحرب، وقد نجحت سفارة ابن عباس في إعادة ألفي شخص إلى صف جماعة المسلمين، وأصر الباقون -وعددهم أربعة آلاف- على موقفهم، فوقعت الحرب، وقتلوا على ضلالة.
الدبلوماسية الدينية في ضوء مقاصد الشريعة
لعل الأجدى ألا نبالغ في الاستحضار التاريخي، بل نركز على الواقع المعاصر الذي هو وعاء الدبلوماسية الدينية، وإذا كان علماؤنا الأجلاء قد استطاعوا في العصور السابقة مواكبة تطور الدولة الإسلامية وعلاقتها الخارجية فصنفوا عشرات الكتب في الأحكام السلطانية والسياسية الشرعية التي احتوت على أصول العلاقات الدولية لتلك العصور، فإن من واجبنا أن نجتهد في استخراج ما يناسب عصرنا من الأصول والقواعد والمقاصد من خلال النظر في أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها؛ فهي شريعة محفوظة صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان، ولها من السعة والشمولية ما يجعلها قادرة على الاستجابة لأسئلة العصر واحتياجاته، كما وجد فيها علماؤنا السابقون من الهداية والخير والرشاد ما يناسب زمانهم وأحوالهم.
الالتزام بالهداية الإلهية
إن المسلم يهتدي في كل شؤونه بالهداية الإلهية، ويلتزم بالشريعة السمحة، ويقتدي بالسنة النبوية؛ لهذا فلا بد من تحديد وجهة الدبلوماسية الدينية في الإسلام من خلال مصدريه المحفوظين: القرآن والسنة، ومن خلال التَّفقه في أحكامها، والنظر في مقاصدهما، والتأسي بالسيرة المحمدية وسنن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وبهذا تسمو هذه الدبلوماسية على مجرد كونها مسلكا سياسيا، أو علاقات مصلحية ونفعية عامة، فالمسلم يقصد بها رضا الله -تعالى-، واتباع شريعته، والاهتداء بهدي نبيه الكريم، ونفع العباد والبلاد، وإيصال الخير للناس أجمعين، مسلمين وغير مسلمين.
خمسة توجهات للدبلوماسية الدينية
لقد أفاد العالم المغربي أحمد عبادي أنه يوجد خمسة توجهات للدبلوماسية الدينية: 1- دعوية: وهي التي تتعلق بدعوة الآخر للدين. 2- توظيفية: وهي محاولة توظيف الآخر من خلال استخدام الدين، وهو التوجه الذي تعتمد عليه المنظمات الإرهابية، على سبيل المثال. 3- أكاديمية: وهي التي تسعى لنبش التراث، إما لأغراض العلم أو لأغراض تصحيح المفاهيم، على سبيل المثال. 4- دفاعية: وهي التي تسعى للدفاع عن الدين كالعديد من التحركات الدبلوماسية الدينية لتصحيح النظرة نحو الإسلام في الغرب، على سبيل المثال. 5- تعارفية: وهي التوجه الذي ينطلق من الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: ١٣).
التعارف ونبذ التعصب والعنصرية
إن العلاقة بين البشر تتأسس في هدي الإسلام على أساس راسخ ومبدأ عظيم، ألا وهو المساواة بين الناس في أصل خلقتهم وإنسانيتهم، فلا مجال للتمييز العرقي والعنصري، ولا مشروعية للتعصب للجنس والقبيلة، قال الله -تعالى-: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: ١٣). وقد كان من خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع قوله: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسودَ على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى، أبلغتُ؟»، قالوا: بلغَ رسول الله، والأحاديث الشريفة في هذا المعنى كثيرة.
القضاء على التمييز بين الناس
إن هذه العناية النبوية بإعلان القضاء على التمييز بين الناس على أساس اللون أو العرق في حجة الوداع، قد سبقتها دعوة وتربية وممارسة عملية، فكان في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العربي والأعجمي، والأسود والأحمر، والحر والعبد، قد أذهب الله عنهم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء والأنساب والأجناس، وبتلك التربية النبوية، والروح الإيمانية الطيبة؛ حملوا رسالة الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، فعاملوا الأجناس والأقوام بميزان العدل والحق والخير، ولم يقيموا للأشكال والألوان والأعراق وزنًا، كما أنهم لم يسعوا إلى محو خصائص الشعوب وثقافاتهم ولغاتهم، فعاشوا جميعًا إخوة في ظل شريعة الإسلام ورحمته. إن العالم يشهد اليوم صعودًا للنزعات العنصرية والحركات القومية المتطرفة، كما تشهد بعض البلاد صراعات على أساس الجنس والعرق واللون، تؤدي أحيانًا إلى مواجهات دامية، والمسلمون أولى الناس في حمل رسالة نبذ العنصرية والتمييز العرقي إلى العالم كله، فهي أصول دينهم، ومن مبادئ نظرتهم إلى الآخر، ومن قواعد أخلاقهم في تصرفاتهم وتعاملاتهم، فهذا محور مهم تستطيع الدبلوماسية الدينية الإسلامية أن تساهم فيه مساهمة كبيرة ومؤثرة.
الإسلام يعظم أمر الدماء
والإسلام يعظم أمر الدماء، ويريد للناس حالة من الهدوء والسكينة يستطيعون معها إلى الإنصات إلى دعوة الله -تعالى- وقبول هدايته، لهذا فقد ذم الله -تعالى- سلوك الذين يدفعون إلى التحريض وتأجيج نار الحرب والإفساد في الأرض فقال سبحانه: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة: ٦٤) وقال في القتل بغير حق: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: ٣٢)، والحرب في الإسلام ضرورة لصد العدوان والدفاع عن الحقوق ورفع الظلم عن المظلومين: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (النساء: ٧٥)، ومثل هذه الحرب تمنع الفساد في الأرض ونشر الخراب والدمار: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ هَدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: ٤٠) فإذا حققت هذه الحرب أهدافها فلا بد أن تعود الأمور إلى حالتها الراتبة، وهي السلام والأمن، فلا بغي ولا عدوان، قال -تعالى-: {وَقَتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: ١٩٠)، وقال -سبحانه-: {وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البَقَرَة: ١٩٣).
عدم الإكراه في الدين
من أسس السلام في الإسلام قاعدة (عدم الإكراه في الدين)، وهي قاعدة عظيمة بينها الله -تعالى- في كتابه فقال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٥٦)، وقال -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: ٩٩)، وهكذا كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الأمرين: في عدم ابتداء الحرب وفي عدم الإكراه في الدين، كما قال ابن القيّم (ت: ٧٥١): ومن تأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم - تبين له أنه لم يكره أحدًا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله -تعالى- أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له؛ كما قال -تعالى-: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: ٧).
الإسلام يؤسس للسلام العالمي

الإسلام يؤسس للسلام العالمي في عقيدته وأخلاقه، وفي مقاصده وأهدافه؛ فأهل الإسلام أولى الناس أن يساهموا في جهود ترسيخ السلام العالمي، ولا سيما في هذا العصر الذي تطورت فيه أساليب الحرب، واخترعت أسلحة الدمار الشامل، لقد خاض العالم تجربة الحرب في الحرب العالمية الأولى ثم في الحرب العالمية الثانية؛ فكانت النتيجة عشرات الملايين من الضحايا، إضافة إلى الدمار والخراب والفساد في الأرض؛ لهذا توجهت البشرية إلى الاهتمام بترسيخ مبادئ السلام، ومنع ذرائع الحرب، وتأسست لهذا الغرض منظمات دولية كبرى، وكانت الدول الإسلامية - وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية - سباقة في المشاركة فيها، ودعم جهودها، إن الدبلوماسية الدينية تستطيع أن تقوي الجهود السياسية وتدعمها من خلال تنسيق جهود المؤسسات والقيادات الدينية في هذا المجال، محليا وإقليميا وعالميا.

ابو وليد البحيرى
2024-08-14, 09:08 AM
قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية… مكافحة التطرف والإرهاب ودعم الأقليات المسلمة – الحلقة الثالثة


الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات إن التطرف والإرهاب من أسوأ المشكلات العالمية والمسلمون قد اكتووا بنارهما سواء من جهة ظهور حركات متطرفة إرهابية تستغل الإسلام والشريعة أم بتوظيف هذه الظاهرة للمبالغة في اتهام الإسلام والمسلمين والتحريض ضدهم
إن اهتمام الدبلوماسية الدينية الإسلامية بشأن الأقليات والجاليات يدخل في صلب الأخوة الإيمانية ومعاني التكافل والتعاون التي يغرسها هذا الدين في نفوس أتباعه مهما تباعدت بينهم الديار
الدبلوماسية الدينية تستطيع أن تؤدي دورا مهما من خلال الجهود التعليمية والتثقيفية والإعلامية والتربوية وهذه الجهود تصب في النهاية في صالح المجتمعات البشرية ونشر الدعوة عموما
التعاون العام في أبواب الخير مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية يدخل في عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
التطرف فكر غال يتجاوز حد الاعتدال، ويدعو إلى العنف والعدوان، والإرهاب عمل إجرامي لا يراعي قواعد الحرب ولا أخلاقها، بل يستغل نقاط الضعف في الكيان الإنساني، ويستحل الغدر والخيانة واستهداف المدنيين لنشر القتل والإجرام والدمار والخراب، وإن من مقاصد الإسلام الظاهرة، مكافحة الغلو والتطرف، ومنع الإرهاب والبغي والعدوان، وهذا المحور مكمل للمحورين السابقين: التعارف بين الناس على أساس المساواة المنافية للعنصرية، والترسيخ للسلام العالمي وجعل الحرب حال طارئة من أجل دفع العدوان، وضبطه بأخلاق الحرب وقواعده التي تمنع البغي والعدوان والفساد في الأرض، قال -تعالى-: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص: ۷۷)، وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلُ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: ٣٣).
من أسوأ المشكلات العالمية إن التطرف والإرهاب من أسوأ المشكلات العالمية، والمسلمون قد اكتووا بنارهما، سواء من جهة ظهور حركات متطرفة إرهابية تعمل باستغلال اسم الإسلام والشريعة، أم بتوظيف الجهات المعادية للإسلام لهذه الظاهرة للمبالغة في اتهام الإسلام والمسلمين، وشن الحملات الإعلامية والتحريضية ضدهم؛ لهذا فإن للدبلوماسية الدينية الإسلامية دورا مهما في هذا المجال تستطيع أن تؤديها، ولها كلمة حق ينبغي أن تقولها، وقد قدمت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة في هذا المجال.
دعم الأقليات والجاليات المسلمة وجود الأقليات والجاليات في داخل الدولة الواحدة ظاهرة قديمة في التاريخ الإنساني، لكنها تطورت كثيرًا مع انتهاء عصر الدول الكبرى، وظهور عدد كبير من الدول القطرية، وبروز نشاط الأقليات والجاليات داخل الدول، مع احتفاظها بصلاتها بدولها الأصلية؛ نظرًا لسهولة وسائل السفر والاتصال بين الناس. إن اهتمام الدبلوماسية الدينية الإسلامية بشأن الأقليات والجاليات يدخل في صلب الأخوة الإيمانية ومعاني التكافل والتعاون التي يغرسها هذا الدين في نفوس أتباعه مهما تباعدت بينهم الديار، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ۱۰)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ما يمكن أن تقدمه الدبلوماسية للأقليات وفي هذا السبيل تستطيع هذه الدبلوماسية أن تقدم الكثير - وفق الأنظمة الدولية والأعراف الدبلوماسية - لتلك الأقليات والجاليات في مجالات كثيرة نشير إليها باختصار: إعانتهم في المحافظة على هويتهم الدينية من خلال دعم بناء المساجد والمراكز الإسلامية، ومساندتهم في مجال حفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، سواء في أماكنهم أم من خلال المنح الدراسية في الدولة المسلمة، والتنسيق معهم في إقامة الدورات والمؤتمرات، وإرسال الأئمة والدعاة إليهم، ولا سيما في شهر رمضان المبارك.
المساهمة في معالجة المشكلات الدينية والاجتماعية، ولا سيما فيما يتعلق بظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب، وتدعيم جهود نشر المفاهيم الصحيحة للدين، وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال.
التنسيق في مجال أداء الحج والعمرة.
مد يد العون إليهم عند النوازل والكوارث والأوبئة العامة.

https://majles.alukah.net/imgcache/2024/08/30.jpg
تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة في شريعتنا السمحة من أحكام الحق والعدل، ومقاصد الخير والإحسان، ما يوجب على أتباعها وحملتها أن يكونوا سباقين إلى تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة بين أتباع الأديان، تكثيرا للخير في الناس، وتقليلا للشر والفساد، ولا نقصد بهذا الخلط بين الأديان، ولا إقرار المسلم بصحة دين غير دين الإسلام، وإنما المقصود السعي لخير البشرية ونفعها بحسب الطاقة والإمكان، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) -رحمه الله-: «والله -تعالى- بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الخلق بغاية الإمكان، ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان: {وَلِكُلِّ دَرَجَةٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوفِّيَهُم ْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} الأحقاف: 119».
الرؤية النسبية والواقعية بهذه الرؤية النسبية والواقعية يستطيع المسلمون المساهمة مع الآخرين في كل ما يعزز القيم الدينية والإنسانية المشتركة، مثل تكريم بني آدم، وحفظ حقوقهم، وتعظيم دمائهم، وإقامة العدل بينهم - ولو كان عدلا نسبيا -، وتعزيز مبدأ التسامح والتعايش بين الناس، وتدعيم الأخلاقيات العامة كالصدق والوفاء بالعهود والمواثيق وحفظ الأمن ومجانبة الغدر والخيانة، ومن أهم المجالات الداخلة في هذا الميدان: المحافظة على قيم الأسرة، ورد تطرف التيارات الإلحادية والإباحية والفوضوية المهدد لنسيج الأسرة وبنية المجتمع. إن الدبلوماسية الدينية تستطيع أن تؤدي دورا مهما في هذه المجالات من خلال الجهود التعليمية والتثقيفية والإعلامية والتربوية، وهذه الجهود تصب في النهاية في صالح المجتمعات البشرية، في أمنها واستقرارها وترابطها، وتقليل أسباب الفساد والتدابر والتفكك فيها.
التعاون لتحقيق المصالح المشتركة للبشرية إن تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة - الذي تناولناه في الفقرة السابقة - يمثل الجانب النظري في خدمة البشرية، اعتقاديا وفكريا وقيميا، ويؤسس للجانب العملي، وهو التعاون لتحقيق المصالح المشتركة للبشرية في جميع المجالات وفي مختلف الأحوال، وهذا التعاون العام في أبواب الخير مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، يدخل في عموم قوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: ٢)، وقوله -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهِ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأعراف: ٨٥)، وقوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (البقرة: ٢٠٤-٢٠٥)، قوله -تعالى-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِعُوا أَرْحَامَكُمْ} (محمد: ٢٢)، وقول النبي:» لا ضرر ولا ضرار «، وهكذا جميع الآيات والأحاديث الدالة على إقامة العدل والإنصاف في المعاملة وتكثير الخير وحفظ الحقوق وأداء الأمانات والوفاء بالعهود والمواثيق، وعلى النهي عن الظلم والبغي والفساد في الأرض، جميعها عامة، سواء فيما تعامل المسلمين فيما بينهم، أم في تعاملهم مع غيرهم. وقد جاء في كتب السيرة أن قبائل من قريش تداعت - في جاهليتها - إلى حِلْفٍ، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان التيمي، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتَيْمُ بن مرَّة. فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُردَّ عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن حضر ذلك الحلف وهو شاب -، فذكر ذلك بعد بعثته الشريفة، فقال: شهدت حلف المطَيَّبِينَ مع عُمُومتي وأنا غلام، فما أحبُّ أَنَّ لي حُمْرَ النعم واني أنكثه.
الأنواع التي تدخل في هذا المجال إن الصور التي تدخل في هذا المجال كثيرة جدا، تزداد وتتسع مع تطور الحياة البشرية، وتداخل العلاقات بين البشر، وتؤكد مصالحهم المشتركة، فمنها على سبيل المثال لا الحصر: محاربة الفقر والجهل والمرض.
التعاون في مواجهة الكوارث والأزمات كالزلازل والفيضانات والأوبئة العامة.
التعاون لتأمين الأمن الغذائي للبشر، ومواجهة المجاعات ومشكلة شح المياه الصالحة للشرب.
التعاون في مكافحة التطرف والعنف والإرهاب - كما تقدم.
التعاون في مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة وجميع أنواع الفساد في الأرض.
المساهمة في حل الخلافات السياسية والصراعات الدينية والمذهبية بالطرائق السلمية، من خلال التدخل المباشر في ميادين الحوار والمفاوضات والوساطات، كما يحصل في وقائع اختطاف الرهائن أو الطائرات من قبل المنظمات الإرهابية، فلا يستهان بجهود القيادات الدينية في تقريب وجهات النظر، وتخفيف حالة التعصب والانفعال، ودفع الأطراف إلى التفاوض والحل السلمي وحقن الدماء.
التعاون في برامج حماية البيئة، ولا سيما أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بأحكام مباشرة في هذا المجال، مثل النهي عن الإسراف والتبذير، قال -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: ۳۱)، وقال -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة: ٦٠).
الحفاظ على رابطة الأسرة وقيمها وأخلاقها التي تقوم على ركنيها: الذكر والأنثى.

مواجهة الإلحاد وشبهاته، الذي يسعى في هدم الأخلاق والقيم.
معالجة الأمراض النفسية الناتجة عن الخواء الروحي والإلحاد والعبثية.

ابو وليد البحيرى
2024-08-23, 12:23 PM
قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية… تعزيز ثقافة الحوار والتواصل الحضاري مع غير المسلمين – الحلقة الأخيرة
الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات
الدين يتصف بالحفظ والثبات في اعتقاداته وأحكامه فلا مجال فيه للتبديل والتغيير بخلاف الدبلوماسية التي تخضع لتقلبات السياسات والمصالح والأحوال
إنَّ وظيفة الدبلوماسية الدينية ليست الدعوة إلى الإسلام وليست بديلا عنها لكنها خادمة لها تهيئ لها الأجواء المناسبة وتوفر الأسباب والوسائل لعملها على وجه صحيح ونافع

إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
مع تتابع الحملات الإعلامية التحريضية ضد الإسلام والمسلمين وتزايدها، تبرز أهميَّة قيام المسلمين بواجبهم في التواصل مع الآخر ومحاورته وإطلاعه على الحقائق، ودعوته إلى استعمال منطق الحق والعدل في موقفه من الإسلام والمسلمين، ويتأكد هذا الواجب مع ظاهرة كراهية الإسلام والخوف من المسلمين {الإسلاموفوبيا} التي تؤكد الدراسات الحديثة انتشارها في الدول الغربية، وقد أدت إلى زيادة حوادث العنصرية والاعتداء اللفظي والجسدي على المسلمين زيادة كبيرة .
استراتيجية التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا لقد أعدت منظمة التعاون الإسلامي استراتيجية إعلامية للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، وذلك في دورتها الحادية عشرة لوزراء الإعلام، التي عقدت في جدة، في 21 ديسمبر 2016، وبالنظر في هذه الاستراتيجية المهمة، نجد أنها احتوت محاور تؤكد أهمية تفعيل آلية الدبلوماسية الدينية للتواصل مع الآخر والتصدي للتحريض الإعلامي وتزييفه للحقائق. من تلك المحاور : زيادة التفاعل مع وسائل الإعلام والإعلاميين، مع تشجيع الفهم الدقيق للإسلام المبني على الحقائق وعرضه على هذا الأساس، وتأكيد وجوب تجنب أي ربط أو إقران بين الإسلام والإرهاب، والامتناع عن استخدام خطاب الإسلاموفوبيا في الحرب على الإرهاب من قبيل استخدام عبارة: الإرهاب الإسلامي، أو وصف الإرهابيين الجنائيين بالإسلاميين أو الوهابية، أو السلفية.
تشجيع وسائل الإعلام والإعلاميين على نقل الأخبار المتعلقة بالتمييز ضد المسلمين من وجهة نظر الضحايا؛ فمثل هذا النقل الذي يولي أهمية لأخبار الجماهير، يمكن أن يأخذ بعين الاعتبار انتهاك الحقوق الأساسية من قبيل الممارسات التمييزية والممارسات التي تشوبوها كراهية الأجانب التي تتبع ضد المسلمين في التوظيف والإسكان وتقديم الخدمات، وغيرها من نواحي الحياة الاجتماعية الأخرى.
إشراك باحثين مهنيين يحملون الوعي الإسلامي الجيد؛ حيث يمكن أن تساعد هذه المشاركة في تعزيز المحتوى الإعلامي من خلال نتائج الاستقصاءات التي يمكن أن تدعم الحملة الإعلامية.
دعوة مختلف العلماء والأكاديميين والإعلاميين لتكوين فريق من الخبراء، يكون له حضور ملحوظ في أجهزة الإعلام، ولا يشترط بالضرورة أن يتألف هذا الفريق من مسلمين، كما يستحسن سعيًا لـ لتحقيق التنوع أن تكون الرسائل التي ترسل باسم منظمة التعاون الإسلامي شاملة لأتباع الأديان الأخرى.
تنمية علاقات مع الإعلاميين ووسائل الإعلام من خلال تجمعات غير رسمية، ويمكن أن تأخذ هذه الفعاليات لمنظمة التعاون الإسلامي شكل مآدب عشاء سنوية يحضرها صحفيون يكتبون في أجهزة إعلام غربية بغية تطوير بناء الثقة بينهم وبين منظمة التعاون الإسلامي، كما يطلب منهم إيلاء الانتباه إلى إنجازات الإسلام والمسلمين الثقافية والفكرية وعطائهم الحضاري دون تعصب.
هذه المحاور التي تضمنتها استراتيجية منظمة التعاون الإسلامي تصب في مجال الجانب الإعلامي، ويضاف إليها جوانب كثيرة: دينية، واجتماعية، وتعليمية وثقافية وآليات كثيرة جدا، منها إقامة المؤتمرات والندوات وتنظيم اللقاءات الاجتماعية العامة والاستفادة من الدور الإيجابي والفعال للجامعات وما يلحق بها من نشاطات ثقافية وشبابية مختلفة.
دعم جهود الدعوة إلى الله ونشر الإسلام بطريقة صحيحة قويمة إن الدعوة إلى الله -تعالى- من أهم الواجبات التي حمل الله -تعالى- أمانتها أمَّة الإسلام، فقال في وصفها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: ١١٠)، وأسوتها وقدوتها في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال له ربُّه -عزَّوجلَّ-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}( يوسف: ۱۰۸)، ومنهاجها ما أرشدها إليه ربها في مثل قوله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ} (النحل : ١٢٥). إن هذه المهمة الشريفة، والوظيفة العظيمة لا يمكن القيام بها، وتحقيق أهدافها، وبلوغ غاياتها، إلا في حال تقوية التواصل الحضاري وانتشار التسامح وتهيئة المجتمعات للسلام، بعيدًا عن الأمور النمطية من التشويه والتحريض والنفوس تجاههم مشحونة بالخوف والريبة، والحقد والكراهية.
ازدياد ظواهر التعصب والتطرف إننا نلحظ في العقود الأخيرة ازدياد ظواهر التعصب والتطرف والكراهية في وسائل الإعلام، ومنها الإعلام الغربي، وازداد هذا الأمر سوءًا بعد ظهور التنظيمات الإرهابية، ونشير إلى واجب الدبلوماسية الدينية في مواجهة حملات التحريض والتشويه، والدفاع عن علماء الأمة ودعاتها، وإبراز جهودهم في مكافحة التطرف والإرهاب، والتنسيق بين المساجد والمؤسسات والمراكز الإسلامية ولا سيما في الغرب، وبين السلطات السياسية والتنفيذية والإعلامية لإيصال صورة الإسلام إليهم بحقيقتها الناصعة، ومدافعة حملات التشويه والتحريض بجهود عملية من التواصل والتفاهم والتعاون وتنفيذ البرامج المشتركة مع تلك الجهات. إن الدبلوماسية الدينية ليست وظيفتها الدعوة المباشرة إلى الله -تعالى-، لكنها تستطيع أن تقدم خدمة عظيمة للدعاة إلى الله -تعالى- من خلال العمل المشترك البناء، الذي يمد خيوط الاتصال والتواصل بين المسلمين وغيرهم، سواء بين الدول المسلمة وغير المسلمة، أم بين الأقليات والجاليات وحكوماتها الوطنية بتعاون الدول المسلمة وتنسيقها بما يعود على الجميع بالخير والمصلحة.
العلاقة بين الدين والدبلوماسية والفرق بينها وبين الدعوة إلى الله -تعالى يقوم الدين على الاعتقاد الجازم واليقين القاطع في الإيمان بالله -تعالى- وبكتابه الذي أنزله على رسوله الخاتم، وعلى إخلاص العبودية له -عزوجل- في النيات والأقوال والأفعال، وعلى طاعته واتباع شريعته، أما الدبلوماسية فهي جهود مصلحية نفعية، يقصد بها المكاسب العملية، والمصالح الدنيوية.
كذلك فإنَّ الدين يتصف بالحفظ والثبات في اعتقاداته وأحكامه، فلا مجال فيه للتبديل والتغيير، بخلاف الدبلوماسية التي تخضع لتقلبات السياسات والمصالح والأحوال أول ما يرفع هذا الإشكال التأكيد على التصور الصحيح للدبلوماسية الدينية وحدود عملها، فهي جهد عملي واقعي، يسعى إلى التوظيف الإيجابي والبناء للدين ومقاصده في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فهي لا تقدم شروحات وتفسيرات وفتاوى دينية، ولا تقوم بوظيفة الدعوة إليه، ولا تتطرق إلى الجانب الاعتقادي والتشريعي؛ فالحقائق الدينية تبقى محفوظة، وتصان عن العبث والأخذ والرد، بينما تتحرك الدبلوماسية الدينية في أرض الواقع بمرونة تراعي الممكن من القوة والقدرة والاستطاعة على هدى من قول الله -تعالى-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: ٢٨٦)، وقوله عزَّوجلَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البَقَرَة: 185)، وقوله -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج} (الحج: ٧٨)، وقول نبي الله شعيب لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: ۸۸).


وظيفة الدبلوماسية الدينية من هنا فإنَّ وظيفة الدبلوماسية الدينية ليست الدعوة إلى الإسلام، وليست بديلا عنها، لكنها خادمة لها، تهيئ لها الأجواء المناسبة، وتسعى إلى توفير الأسباب والآليات والوسائل -أو ما يسمى بالدعم اللوجستي- لعملها على وجه صحيح ونافع؛ فالدبلوماسية الدينية تستطيع أن تساهم في الحوار والتفاهم من أجل الحصول على القبول السياسي والاجتماعي لبناء مسجد في بلد ما، لكن الدعوة إلى الله من خلال ذلك المسجد إنما هي من شأن العلماء والدعاة والأئمة.