محمدعبداللطيف
2024-07-09, 09:59 PM
فِي ذِكْرِ شَرْحٍ مُخْتَصَرٍ لبَعْضِ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى
قال الامام ابن القيم رحمه الله
-----
اللهُ:
(اللهُ … هوَ المَأْلُوهُ المَعْبودُ)، (وَلِهَذا كَانَ القَوْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ " اللهَ " أَصْلُهُ " الإِلَهُ " كَمَا هوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ مَنْ شَذَّ مِنْهم، وأَنَّ اسْمَ اللهَ تَعَالَى هوَ الجَامِعُ لجَمِيعِ مَعَانِي الأَسْمَاءِ الحُسْنَى والصِّفَاتِ العُلَى) ([2]) (وَلِهَذَا تُضَافُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى كُلُّها إِلَيْهِ فيُقَالُ: الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، العَزِيزُ، الغَفَّارُ، القَهَّارُ، مِنْ أسْمَاءِ اللهِ، وَلا يُقَالُ: اللهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180]) ([3]).
(فاسْمُ " اللهِ " دَالٌّ عَلَى كَوْنِهِ مَأْلُوهاً مَعْبُوداً، تأْلَهُهُ الخَلائِقُ مَحَبَّةً وتَعْظِيماً وخُضُوعاً، وفَزَعاً إليهِ في الحَوَائجِ والنَّوائبِ، وذلكَ مُسْتَلْزِمٌ لكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ ورَحْمَتِهِ، المُتَضَمِّنَيْ نِ لكَمَالِ المُلْكِ والحَمْدِ. وإِلَهِيَّتُهُ ورُبُوبِيَّتُهُ ورَحْمَانِيَّتُ هُ ومُلْكُهُ مُسْتَلزِمٌ لجَمِيعِ صِفَاتِ كَمَالِهِ؛ إِذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذلكَ لِمَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، ولا سَمِيعٍ , ولا بَصِيرٍ , وَلا قَادِرٍ , ولا مُتَكَلِّمٍ , ولا فَعَّالٍ لِمَا يُرِيدُ , ولا حَكِيمٍ في أَفْعَالِه) ([4]).
الرَّبُّ:
( " الرَّبُّ " هوَ السَّيِّدُ والمَالِكُ والمُنْعِمُ والمُرَبِّي والمُصْلِحُ. واللهُ تعالى هوَ الرَّبُّ بهذه الاعْتِباراتِ كُلِّهَا) ([5])؛ (فهوَ الذي يُرَبِّي عَبْدَهُ، فيُعْطِيهِ خَلْقَهُ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إلى مَصَالِحِه) ([6])، (وهو القَادِرُ، الخَالِقُ، البَارِئُ، المُصَوِّرُ، الحَيُّ، القَيُّومُ، العَلِيمُ، السَّمِيعُ، البَصِيرُ، المُحْسِنُ، المُنْعِمُ، الجَوَادُ، المُعْطِي، المَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، المُقَدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الذي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، ويُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ ويُشْقِي مَنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعانِي رُبُوبِيَّتِهِ التي لهُ منها ما يَسْتَحِقُّهُ مِن الأسماءِ الحُسْنَى)([7]).
(فَاسْمُ " الرَّبِّ " لَهُ الجَمْعُ الجَامِعُ لجَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ. فهوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وخَالِقُهُ، والقَادِرُ عليهِ، لا يَخْرُجُ شَيْءٌ عنْ رُبُوبِيَّتِهِ. وكُلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرْضِ عَبْدٌ لَهُ في قَبْضَتِهِ، وتَحْتَ قَهْرِه) ([8]).
الْمَلِكُ:
([و] مِنْ أَسْمائِهِ: " المَلِكُ "، ومَعْنَى المُلْكِ الحَقِيقِيُّ ثَابِتٌ لهُ سُبْحَانَهُ بكُلِّ وَجْهٍ) ([9])؛ (فهو الآمِرُ النَّاهِي المُعِزُّ المُذِلُّ الذي يُصَرِّفُ أمورَ عِبَادِهِ كما يُحِبُّ ويُقَلِّبُهُم كما يَشَاءُ.
ولهُ مِنْ مَعْنى المُلْكِ ما يَسْتَحِقُّهُ مِن الأسْمَاءِ الحُسْنَى: كالعَزِيزِ الجَبَّارِ المُتَكَبِّرِ، الحَكَمِ العَدْلِ، الخَافِضِ الرَّافِعِ، المُعِزِّ المُذِلِّ، العَظِيمِ، الجَلِيلِ، الكَبِيرِ، الحَسِيبِ، المَجِيدِ، الوَالِي، المُتَعالِي، مَالِكِ المُلْكِ، المُقْسِطِ، الجَامِعِ، إلى غَيْرِ ذلكَ مِن الأسْمَاءِ العَائِدَةِ إلى المَلِكِ)([10])؛
(واسمُه "المَلِكُ" يَدُلُّ على ما يَسْتَلزِمُ حقيقةَ مُلكِه: من قدرتِه وتدبيرِه، وعطائِه ومَنعِه، وثوابِه وعِقابِه، وبثِّ رُسلِه في أقطارِ مَملكَتِه، وإعلامِ عَبِيدِه بمراسيمِه، وعهودِه إليهِم، واستوائِه على سريرِ مملكتِه الذي هو عَرْشُه المجيدُ) ([11])؛ ([فــ] هذهِ الصِّفَةُ تَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ الكَمَالِ) ([12]).
الإلهُ:
( " الإلَهُ ": المَعْبُودُ المَحْبُوبُ الذي لا تَصْلُحُ العِبَادَةُ والذُّلُّ والخُضُوعُ والحُبُّ إِلا له)([13])؛ (فإنَّ " الإلهَ " هوَ الذي يأْلَهُهُ العِبادُ ذُلاًّ، وخَوْفاً ورَجَاءً، وتَعْظِيماً وطَاعَةً لهُ، بِمَعْنَى "مَأْلُوهٍ" وهوَ الذي تَأْلَهُهُ القلوبُ؛ أيْ: تُحِبُّهُ وتَذِلُّ لهُ. وأَصْلُ التَّأَلُّهِ: التَّعَبُّدُ، والتَّعَبُّدُ آخِرُ مَرَاتِبِ الحُبِّ، يُقَالُ: عَبَّدَهُ الحبُّ وتَيَّمَهُ: إذا مَلَكَهُ الذُّلُّ لمَحْبوبِهِ)([14])؛ [فـ] (الإلَهُ هوَ المُسْتَحِقُّ لكَمَالِ الحُبِّ بكَمَالِ التَّعْظِيمِ والإجْلالِ والذُّلِّ لهُ والخُضُوعِ لَهُ) ([15]).
الصَّمَدُ:
( " الصَّمَدُ ": مَنْ تَصْمُدُ نَحْوَهُ القُلُوبُ بالرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ، وذلكَ لكَثْرَةِ خِصَالِ الخَيْرِ فيهِ، وكَثْرَةِ الأوصافِ الحَمِيدةِ لهُ …
((قال ابْنُ الأنْبَارِيِّ: لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أنَّ الصَّمَدَ: السَّيِّدُ الذي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، الذي يَصْمُدُ إليهِ النَّاسُ في حَوَائِجِهِم وأُمُورِهم، واشْتِقَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فإنَّهُ مِن الجَمْعِ والقَصْدِ الذي اجْتَمَعَ القَصْدُ نَحْوَهُ، واجْتَمَعَتْ فيهِ صِفَاتُ السُّؤْدَدِ، وهذا أَصْلُهُ في اللُّغَةِ كَمَا قَالَ:
أَلا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ = بعَمْرِو بنِ يَرْبُوعٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
والعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَها بالصَّمَدِ لاجْتِمَاعِ قَصْدِ القَاصِدِينَ إليهِ، واجْتِمَاعِ صِفَاتِ السِّيادَةِ فيهِ)).([16])
ومَنْ قَالَ: " إِنَّهُ الذي لا جَوْفَ لَهُ " فقَوْلُهُ لا يُنَاقِضُ هذا التَّفْسِيرَ؛ فإنَّ اللَّفْظَ مِن الاجْتِمَاعِ، فهوَ الذي اجْتَمَعَتْ فيهِ صِفَاتُ الكَمَالِ، وَلا جَوْفَ لَهُ) ([17]).
{الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ}:
(مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: " الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ " ) ([18]) (فالرَّحْمَنُ: الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرَّحِيمُ: الرَّاحِمُ لعِبَادِه) ([19])؛ (فَالرَّحْمَنُ: دَالٌّ على الصِّفَةِ القَائِمَةِ بهِ سُبْحَانَهُ، والرَّحِيمُ: دَالٌّ على تَعَلُّقِها بالمَرْحُومِ؛ فكَانَ الأوَّلُ للوَصْفِ، والثَّانِي للفِعْلِ.
فالأَوَّلُ دَالٌّ على أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ، والثَّانِي دَالٌّ على أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ؛ وإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هذا فتأمَّلْ قولـَهُ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117] وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ: رَحْمَنُ بِهِمْ، فعُلِمَ أَنَّ “ رَحْمَنُ “ هوَ المُوصُوفُ بالرَّحْمَةِ، و“ رَحِيمٌ “ هوَ الرَّاحِمُ برَحْمَتِهِ)([20]).
الأَوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ:
(الأَوَّلُ: الذي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، الآخِرُ: الذي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، الظَّاهِرُ: الذي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، البَاطِنُ: الذي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ؛ سبَقَ كلَّ شيءٍ بأوَّلِيَّتِهِ، وبَقِيَ بعدَ كُلِّ شَيْءٍ بآخِريَّتِهِ، وعَلا فَوْقَ كلِّ شيءٍ بظُهورِهِ، وأحاطَ بكلِّ شيءٍ ببُطُونِهِ) ([21]).
(فأوليَّةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سَابِقَةٌ على أَوَّليَّةِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وآخِرِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بعدَ آخِرِيَّةِ كُلِّ ما سِوَاهُ، فأوَّلِيَّتُهُ سَبْقُهُ لكُلِّ شَيْءٍ، وآخِرِيَّتُهُ بقَاؤُهُ بعدَ كُلِّ شَيْءٍ، وظَاهِرِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ فَوْقِيَّتُهُ وعُلُوُّهُ على كُلِّ شَيْءٍ، ومَعْنَى الظُّهُورِ يَقْتَضِي العُلُوَّ، وظَاهِرُ الشَّيْءِ هوَ مَا عَلا منهُ وأَحَاطَ ببَاطِنِهِ، وبُطُونُهُ سُبْحانَهُ إِحَاطَتُهُ بكُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ أَقْرَبَ إليهِ مِنْ نَفْسِهِ، وهذا قُرْبٌ غَيْرُ قُرْبِ المُحِبِّ مِنْ حَبِيبِهِ، هذا لَوْنٌ وهذا لَوْنٌ.
((فهذه الأسماءُ الأَرْبَعَةُ مُتَقَابِلَةٌ: اسمانِ لأَزَلِ الرَّبِّ تعالى وأَبَدِهِ، واسمانِ لعُلُوِّهِ وقُرْبِه)). ([22])، [ومَدَا رُها].. على الإحاطَةِ، وهيَ إحاطتانِ: زَمَانِيَّةٌ ومَكَانِيَّةٌ، فأَحَاطَتْ أَوَّلِيَّتُهُ، وآخِرِيَّتُهُ بالقَبْلِ والبَعْدِ، فكُلُّ سَابِقٍ انْتَهَى إلى أَوَّلِيَّتِهِ، وكُلُّ آخِرٍ انْتَهَى إلى آخِرِيَّتِهِ، فأَحَاطَتْ أَوَّلِيَّتُهُ وآخِرِيَّتُهُ بالأَوَائِلِ والأَوَاخِرِ، وأَحَاطَتْ ظَاهِرِيَّتُهُ وبَاطِنِيَّتُهُ بكُلِّ ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ، فما مِنْ ظَاهِرٍ إلاَّ واللهُ فَوْقَهُ، ومَا مِنْ بَاطِنٍ إلاَّ واللهُ دُونَهُ، وما مِنْ أَوَّلٍ إلاَّ واللهُ قَبْلَهُ، وما مِنْ آخِرٍ إلاَّ واللهُ بَعْدَهُ: فالأَوَّلُ قِدَمُهُ، والآخِرُ دَوَامُهُ وبَقَاؤُهُ، والظَّاهِرُ عُلُوُّهُ وعَظَمَتُهُ، والبَاطِنُ قُرْبُهُ ودُنُوُّهُ، فسَبَقَ كلَّ شَيْءٍ بأَوَّلِيَّتِهِ ، وبَقِيَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بآخِرِيَّتِهِ، وعَلا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بظُهُورِهِ، ودَنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ببُطُونِهِ، فَلا تُوارِي منهُ سَماءٌ سَماءً، ولا أَرْضٌ أَرْضاً , ولا يَحْجُبُ عنهُ ظَاهِرٌ باطناً، بل البَاطِنُ لهُ ظَاهِرٌ، والغَيْبُ عندَهُ شَهَادَةٌ، والبَعِيدُ منهُ قَرِيبٌ، والسِّرُّ عندَهُ عَلانِيَةٌ.
فهذه الأَسْماءُ الأَرْبَعَةُ تَشْتَمِلُ على أَرْكَانِ التَّوْحِيدِ فهوَ الأَوَّلُ في آخِرِيَّتِهِ والآخِرُ في أَوَّلِيَّتِهِ، والظَّاهِرُ في بُطُونِهِ، والبَاطِنُ في ظُهُورِهِ، لَمْ يَزَلْ أَوَّلاً وآخِراً وظَاهِراً وباطِناً). ([23])
الحَيُّ:
([اللهُ] سُبْحانَهُ " حَيٌّ " حَقِيقَةً، وحَيَاتُهُ أَكْمَلُ الحَيَاةِ وأَتَمُّها، وهيَ حَيَاةٌ تَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ صِفَاتِ الكَمَالِ ونَفْيَ أَضْدادِهَا مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ) ([24])، (فَالحَيُّ المُطْلَقُ التَّامُّ الحَيَاةِ لا تَفُوتُهُ صِفَةُ الكَمَالِ البَتَّةَ) ([25]).
القَيُّومُ:
( " القَيُّومُ " هوَ القَائِمُ بنَفْسِهِ، الذي قِيامُ كُلِّ شَيْءٍ بهِ؛ أيْ: هوَ المُقِيمُ لغَيْرِهِ، لا قِيَامَ لغَيْرِهِ بدُونِ إِقَامَتِهِ لهُ، وقِيَامُهُ هوَ بنَفْسِهِ لا بِغَيْرِه)([26]).
([فـ]هو الذي قامَ بنَفْسِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلى أَحَدٍ، وقَامَ كُلُّ شَيْءٍ بهِ. فكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إليهِ بالذَّاتِ) ([27]).
الحَمِيدُ:
( " الحَمِيدُ " … هوَ الذي لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ) ([28]) (فَالحَمِيدُ “ فَعِيلٌ “ مِن الحَمْدِ، وهوَ بمَعْنَى “ مَحْمُودٍ “... وهوَ أَبْلَغُ مِن المَحْمُودِ؛ فإنَّ “ فَعِيلاً “ إذا عُدِلَ بهِ عنْ “ مَفْعُولٍ “ دَلَّ على أَنَّ تلكَ الصِّفَةَ قدْ صَارَتْ مِثْلَ السَّجِيَّةِ الغَرِيزِيَّةِ والخُلُقِ اللازِمِ , كما إذا قُلْتَ: فُلانٌ ظَرِيفٌ أوْ شَرِيفٌ أوْ كَرِيمٌ …؛ فـ " الحَمِيدُ ": الذي لهُ مِن الصِّفَاتِ وأَسْبَابِ الحَمْدِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُوداً وإِنْ لَمْ يَحْمَدْهُ غَيْرُهُ، فهوَ حَمِيدٌ في نَفْسِهِ، والمَحْمُودُ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَمْدُ الحَامِدِينَ …
وكُلَّمَا كَانَتْ هذهِ الصِّفَاتُ أَجْمَعَ وأَكْمَلَ كَانَ الحَمْدُ والحُبُّ أَتَمَّ وأَعْظَمَ، واللهُ سُبْحَانَهُ لهُ الكَمَالُ المُطْلَقُ الذي لا نَقْصَ فيهِ بِوَجْهٍ ما، والإحْسَانُ كُلُّهُ لَهُ ومنهُ؛ فهوَ أَحَقُّ بكُلِّ حَمْدٍ، وبكُلِّ حُبٍّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ فهوَ أَهْلٌ أَنْ يُحَبَّ لذَاتِهِ ولصِفَاتِهِ ولأفْعَالِهِ ولأسْمَائِهِ ولإحْسَانِهِ ولكُلِّ مَا صَدَرَ منهُ سُبْحانَهُ) ([29])، (و.. لهُ الحَمْدُ كُلُّهُ بِجَمِيعِ وجُوهِهِ واعْتِبَارَاتِه ِ وتَصَارِيفِهِ، فَمَا خَلَقَ شيئاً ولا حَكَمَ بشَيْءٍ إلاَّ ولهُ فيهِ الحَمْدُ؛ فوَصَلَ حَمْدُهُ إلى حَيْثُ وَصَلَ خَلْقُهُ وأَمْرُهُ؛ حَمْداً حَقِيقِيًّا يَتَضَمَّنُ: مَحَبَّتَهُ، والرِّضَا بهِ، والثَّنَاءَ عليهِ، والإقْرَارَ بِحِكْمَتِهِ البالِغَةِ في كُلِّ مَا خَلَقَهُ وأَمَرَ به) ([30]).
المَجِيدُ:
( " المَجِيدُ " مَن اتَّصَفَ بصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ، ولَفْظُهُ يَدُلُّ على هذا؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ للسَّعَةِ والكَثْرَةِ والزِّيادَةِ؛ لأنَّ لَفْظَ “ م ج د “ في لُغَتِهم يَدُورُ على مَعْنَى الاتِّساعِ والكَثْرَةِ، فمنهُ قَوْلُهم: أَمْجَدَ النَّاقَةَ عَلَفاً؛ أيْ: أَوْسَعَها عَلَفاً، ومنهُ: مَجُدَ الرَّجُلُ فهوَ مَاجِدٌ إذا كَثُرَ خَيْرُهُ وإِحْسَانُهُ إلى النَّاسِ , قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ نَبِيلُ = إِذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ
ومنهُ قَوْلُهم: في كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَارُ؛ أيْ: كَثُرَت النَّارُ فيهما)([31])، ومنهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15]، صِفَةٌ للعَرْشِ لِسَعَتِهِ وعَظَمَةِ شَرَفِهِ) ([32]) .
([فالمَجْدُ.. مُسْتَلْزِمٌ للعَظَمَةِ والسَّعَةِ والجَلالِ كَمَا يَدُلُّ عليهِ مَوضُوعُهُ في اللُّغَةِ. فهوَ دَالٌّ عَلى صِفَاتِ العَظَمَةِ والجَلالِ) ([33]). (و… التَّمْجِيدُ هوَ الثَّناءُ بصِفَاتِ العَظَمَةِ والجَلالِ)([34]).
العَلِيُّ:
(و [هو سُبْحَانَه] … " العَلِيُّ " )([35]) (العَالِي على كُلِّ شَيْءٍ) ([36]) (الذي عَلا عَن كُلِّ عَيْبٍ وسُوءٍ ونَقْصٍ) ([37]).
(و … مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ " العَلِيِّ ": العُلُوُّ المُطْلَقُ بكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ العُلُوُّ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ: عُلُوُّ القَدْرِ، وعُلُوُّ القَهْرِ، وعُلُوُّ الذَّاتِ) ([38]).
العَظِيمُ:
(وهو " العَظِيمُ " الذي لهُ العَظَمَةُ) ([39]) (ذَاتاً ووصْفاً) ([40]).
(وكُلُّ مَوْصُوفٍ فصِفَتُهُ بحَسَبِهِ؛ فَعِظَمُ الذَّاتِ شَيْءٌ، وعِظَمُ صِفَاتِهَا شَيْءٌ، وعِظَمُ القَوْلِ شَيْءٌ، وعِظَمُ الفِعْلِ شَيْءٌ، والرَّبُّ تَعَالَى لَهُ العَظَمَةُ بكُلِّ اعْتِبَارٍ وكُلِّ وَجْهٍ بذَاتِه) ([41]).
[فهو – تعالى -] (أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.. في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِه) ([42]).
(وَهْوَ العَظِيمُ بِكُلِّ مَعْنًى يُوجِبُ الْـ = تَّعْظِيمَ لا يُحْصِيهِ مِنْ إِنْسَانِ) ([43]).
السَّمِيعُ:
( " السَّمِيعُ ": الذي لَهُ السَّمْعُ) ([44])، (الذي قَدِ اسْتَوَى في سَمْعِهِ سِرُّ القَوْلِ وجَهْرُهُ، وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ، فلا تَخْتَلِفُ عليهِ أَصْوَاتُ الخَلْقِ ولا تَشْتَبِهُ عليهِ ولا يَشغَلُهُ منها سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ، ولا تُغْلِطُهُ المَسَائِلُ، ولا يُبْرِمُهُ كَثْرَةُ السَّائِلِينَ) ([45]).
([فَوَسِعَ] سَمْعُهُ – تَبَارَكَ وتعالى – لأصْوَاتِ عِبَادِهِ على اخْتِلافِهَا وجَهْرِها وخَفَائِها، وسَوَاءٌ عندَهُ مَنْ أسَرَّ القَوْلَ ومَنْ جَهَرَ بهِ، لا يَشْغَلُهُ جَهْرُ مَنْ جَهَرَ عنْ سَمْعِهِ لِصَوتِ مَنْ أَسَرَّ، ولا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ، ولا تُغْلِطُهُ الأصْواتُ على كَثْرَتِها واخْتِلافِها واجْتِمَاعِها، بلْ هيَ عندَهُ كُلُّها كصَوْتٍ واحِدٍ، كَمَا أَنَّ خَلْقَ الخَلْقِ جَمِيعِهم وبَعْثَهم عندَهُ بمَنْزِلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ([46]).
(وأَمَّا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} [إبراهيم: 39] فالمُرادُ بالسَّمْعِ هنا: السَّمْعُ الخَاصُّ وهوَ سَمْعُ الإجَابَةِ والقَبُولِ، لا السَّمْعُ العَامُّ؛ لأنَّهُ سَمِيعٌ لكُلِّ مَسْموعٍ.
وإذا كانَ كذلكَ؛ فالدُّعاءُ هنا يَتناولُ دُعاءَ الثَّناءِ ودُعاءَ الطَّلَبِ، وسَمْعُ الرَّبِّ تَبارَكَ وتعالى لهُ إِثَابَتُهُ على الثَّناءِ وإِجَابَتُهُ للطَّلَبِ، فهوَ سَميعٌ لهذا وهذا) ([47]).
البَصِيرُ:
( " البَصِيرُ " الذي لَهُ البَصَرُ) ([48])، (الذي لكَمَالِ بَصَرِهِ يَرَى تَفَاصِيلَ خَلْقِ الذَّرَّةِ الصَّغِيرَةِ وأَعْضَائِها ولَحْمِها ودَمِها ومُخِّها وعُرُوقِها , ويَرَى دَبِيبَها على الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ في الليْلَةِ الظَّلْماءِ، ويَرَى ما تَحْتَ الأَرَضِينَ السَّبْعِ كما يَرَى ما فَوْقَ السَّمَاواتِ السَّبْعِ) ([49])، (لَقَدْ أحَاطَ.. بَصَرُهُ بجَمِيعِ المُبْصَرَاتِ، وعِلْمُهُ بجَمِيعِ المَعْلُوماتِ)([50]).
اللَّطِيفُ:
( " اللَّطِيفُ " الذي لَطُفَ صُنْعُهُ وحِكْمَتُهُ ودَقَّ حَتَّى عَجَزَت عنهُ الأَفْهَامُ) ([51]).
(وَهْوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ ولِعَبْدِه = واللُّطْفُ في أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ:
إِدْرَاكُ أَسْرَارِ الأُمُورِ بِخِبْرَةٍ، = واللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الإحْسَانِ
فيُرِيكَ عِزَّتَهُ ويُبْدِي لُطْفَهُ = والعَبْدُ في الغَفَلاتِ عَنْ ذَا الشانِ) ([52])
الخَبِيرُ:
( " الخَبِيرُ " الذي انْتَهَى عِلْمُهُ إلى الإحَاطَةِ ببَوَاطِنِ الأشْياءِ وخَفَايَاهَا كما أَحَاطَ بظَوَاهِرِها) ([53]).
العَلِيمُ:
( " العَليمُ ": الذِي لَهُ العِلْمُ) ([54])، (العَالِمُ بكُلِّ شَيْءٍ، الذي لكَمَالِ عِلْمِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِي الخَلائِقِ وما خَلْفَهُم؛ فلا تَسْقُطُ ورَقَةٌ إلاَّ بعِلْمِهِ، ولا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إلاَّ بإِذْنِهِ، يَعْلَمُ دَبِيبَ الخَوَاطِرِ في القُلُوبِ حيثُ لا يَطَّلِعُ عليها المَلَكُ، ويَعْلَمُ ما سَيَكُونُ منها حَيْثُ لا يَطَّلِعُ عليهِ القَلْبُ) ([55]).
([فـ] يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى (([أي]: ما تُسِرُّهُ القُلُوبُ وأَخْفَى منهُ: وهوَ مَا لَمْ يَخْطُرْ لها أَنَّهُ سَيَخْطُرُ لها))([56])، ويَعْلَمُ ما كَانَ ومَا يَكُونُ [وَمَا لَمْ يَكُنْ] لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُها ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ، ولا سَاكِنٍ ولا مُتَحَرِّكٍ، إلاَّ وهوَ يَعْلَمُهُ على حَقِيقَتِهِ) ([57]).
([فـ] لا تَخْفَى عليهِ خَافِيَةٌ، ولا يَعْزُبُ عنهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاواتِ والأَرْضِ، بلْ قَدْ أَحَاطَ بكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً …
و… عِلمُهُ [تعالى].. لا يُشارِكُهُ فيهِ خَلْقُهُ، ولا يُحِيطونَ بشَيْءٍ منهُ إلاَّ بما شَاءَ أَنْ يُطْلِعَهُم عليهِ ويُعْلِمَهُم بهِ، وما أَخْفَاهُ عنهم ولم يُطْلِعْهم عليهِ … لا نِسْبَةَ لما عَرَفُوهُ إليهِ إلاَّ دونَ نِسْبَةِ قَطْرَةٍ واحِدَةٍ إلى البِحَارِ كُلِّهَا , كَمَا قَالَ الخَضِرُ لمُوسَى – وهما أَعْلَمُ أَهْلِ الأَرْضِ حِينَئذٍ -: ((مَا نَقَصَ عِلْمِي وعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إلاَّ كَمَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِن البَحْرِ)) ([58]).
ويَكْفِي أَنَّ ما يَتَكَلَّمُ بهِ مِنْ عِلْمِهِ لوْ قُدِّرَ أنَّ البَحْرَ - يَمُدُّهُ مِنْ بعدِهِ سبعةُ أَبْحُرٍ- مِدَادٌ، وأَشْجَارُ الأَرْضِ كُلُّها مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ إلى آخِرِهِ أَقْلامٌ، يَكْتُبُ بهِ ما يَتَكَلَّمُ بهِ ما يَعْلَمُهُ لنَفِدَت البِحَارُ وفَنِيَت الأَقْلامُ ولم تَنْفَدْ كَلِمَاتُهُ.
فنِسْبَةُ عُلُومِ الخَلائقِ إلى عِلْمِهِ سُبْحانَهُ كنِسْبَةِ قُدْرَتِهِم إلى قُدْرَتِهِ، وغِنَاهُم إلى غِنَاهُ، وحِكْمَتِهم إلى حِكْمَتِه)([59]).
المُحِيطُ:
( " المُحِيطُ ":.. مُحِيطٌ بالعَالَمِ كُلِّه) ([60])، (و.. العَوَالِمُ كلُّها في قَبْضَتِهِ، و… السَّمَاواتُ السَّبْعُ والأَرَضُونَ السَّبْعُ في يَدِهِ كخَرْدَلَةٍ في يَدِ العَبْدِ، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وقال: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)} [البروج: 20]) ([61]).
(فإذا كَانَ مُحِيطاً بالعَالَمِ فهوَ فَوْقَهُ بالذَّاتِ عَالٍ عليهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وبكُلِّ مَعْنًى؛ فالإحاطَةُ تَتَضَمَّنُ العُلُوَّ والسَّعَةَ والعَظَمَةَ) ([62]).
الوَاسِعُ:
([واللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ] " الوَاسِعُ " [أي]: وَاسِعُ العَطَاءِ، وَاسِعُ الغِنَى، وَاسِعُ الفَضْلِ)([63]).
(و … السَّعَةُ … تكونُ في الذَّوَاتِ والمَعَانِي) ([64]).
الخَالِقُ:
([اللهُ سُبْحَانَه].. هوَ " الخَالِقُ " … وكُلُّ شَيْءٍ في الخَارِجِ فَبِخَلْقِهِ وُجِدَ) ([65])، (وهو [الذي] … أَخْرَجَهُم مِن العَدَمِ إلى الوُجودِ وأَنْشَأهُم واخْتَرَعَهُم وَحْدَهُ بلا شَرِيكٍ … وخَلْقُهُ تعالى لهم مُتَضَمِّنٌ لكَمَالِ قُدْرَتِهِ وإِرَادَتِهِ وعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ وحَيَاتِهِ، وذلكَ يَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ كَمَالِهِ ونُعُوتِ جَلالِه) ([66]).
البَارِئُ:
([اللهُ – سُبْحَانَهُ هو] " البَارِئُ " … الذي بَرَأَ الخَلِيقَةَ وأَوْجَدَها بعدَ عَدَمِها) ([67]).
بَدِيعُ السَّمَاواتِ والأرْضِ:
(مُبْدِعُ الشَّيْءِ وبَدِيعُهُ لا يَصِحُّ إِطْلاقُهُ إلاَّ على الرَّبِّ، كقولِهِ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]. والإبْدَاعُ إِيجادُ المُبْدَعِ على غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ) ([68]).
الرَّزَّاقُ:
(وكَذَلِكَ " الرَّزَّاقُ " مِنْ أَسْمَائِهِ = والرَِّزْقُ في أَفْعَالِهِ نَوْعَانِ
رِزْقٌ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ ورَسُولِهِ = نَوْعَانِ أَيْضاً ذَانِ مَعْرُوفَانِ
رِزْقُ القُلُوبِ العِلْمَ والإيمَانَ والرِّ = زقُ المُعَدُّ لهذِهِ الأَبْدَانِ
هَذَا هُوَ الرِّزْقُ الحَلالُ ورَبُّنَا = رَزَّاقُهُ والفَضْلُ للمَنَّانِ
والثَّانِ سَوْقُ القُوتِ للأعْضَاءِ في = تِلْكَ المَجَارِي سَوْقُهُ بوِزَانِ
هَذَا يَكُونُ مِن الحَلالِ كَمَا يَكُو = نُ مِن الحَرَامِ كِلاهُمَا رِزْقَانِ
واللهُ رَازِقُهُ بهذا الإعْتِبَا = رِِ ولَيْسَ بالإطْلاقِ دُونَ بَيَانِ) ([69])
القَوِيُّ:
( " القَوِيُّ " مِنْ أَسْمَائِهِ، ومَعْنَاهُ: المَوْصُوفُ بالقُوَّةِ) ([70])، (وَلَو اجْتَمَعَتْ قُوَى الخَلائقِ على شَخْصٍ واحِدٍ منهم , ثُمَّ أُعْطِيَ كُلٌّ منهم مِثْلَ تلكَ القُوَّةِ لكانتْ نِسْبَتُها إلى قُوَّتِهِ سُبْحَانَهُ دونَ نِسْبَةِ قُوَّةِ البَعُوضَةِ إلى حَمَلَةِ العَرْشِ) ([71])
العَزِيزُ:
( " العَزِيزُ " الذي لَهُ العِزَّةُ التَّامَّةُ) ([72]) ([التي] تتَضَمَّنُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وقُوَّتِهِ وقَهْرِهِ … فاسْمُهُ " العَزِيزُ " يَتَضَمَّنُ المُلْكَ) ([73]).
(وَهْوَ العَزِيزُ فَلَنْ يُرَامَ جَنَابُهُ = أَنَّى يُرَامُ جَنَابُ ذِي السُّلْطَانِ
وَهْوَ العَزِيزُ القَاهِرُ الغَلاَّبُ لَمْ = يَغْلِبْهُ شَيْءٌ هَذِهِ صِفَتَانِ
وَهْوَ العَزِيزُ بِقُوَّةٍ هِيَ وَصْفُهُ = فَالعِزُّ حِينَئِذٍ ثَلاثُ مَعَانِ
وَهْيَ الَّتِي كَمُلَتْ لَهُ سُبْحَانَهُ = مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَادِمِ النُّقْصَانِ) ([74])
(وَمِنْ تَمامِ عِزَّتِهِ بَرَاءَتُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ وعَيْبٍ؛ فإنَّ ذَلكَ يُنَافِي العِزَّةَ التَّامَّةَ) ([75]).
القَدِيرُ:
(وَهْوَ " الْقَدِيرُ " وَلَيْسَ يُعْجِزُهُ إِذَا = مَا رَامَ شَيْئاً قَطُّ ذُو سُلْطَانِ) ([76])
([فَهُو الـ]قَادِرُ على كُلِّ شَيْءٍ فَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ بلْ هوَ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ) ([77])، (و[هو] على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فلا يَخْرُجُ عنْ مَقْدُورِهِ شَيْءٌ مِن المَوْجُودَاتِ؛ أَعْيَانُها وأَفْعَالُها وصِفَاتُها، كَمَا لا يَخْرُجُ عنْ عِلْمِهِ، فكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بهِ عِلْمُهُ مِن العَالَمِ تَعَلَّقَتْ بهِ قُدْرَتُهُ ومَشِيئَتُهُ) ([78]).
الجَبَّارُ:
( " الجَبَّارُ " في صِفَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يَرْجِعُ إلى ثَلاثَةِ مَعَانٍ: المُلْكُ، والقَهْرُ، والعُلُوُّ: فإِنَّ النَّخْلَةَ إذا طَالَتْ وارْتَفَعَتْ وفَاتَت الأيْدِيَ سُمِّيَتْ جَبَّارَةً) ([79]).
وَكَذَلِكَ الجَبَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ = وَالجَبْرُ في أَوْصَافِهِ قِسْمَانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا = ذَا كَسْرَةٍ فالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
والثَّانِِ جَبْرُ القَهْرِ بالعِزِّ الَّذِي = لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ
وَلَـهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهْوَ الْعُلُوُّ = فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَّارَةٌ للنَّخْلَةِ الْـ = ـعَلْيَا الَّتِي فَاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ )([80])
القَهَّارُ:
(وكَذَلِكَ القَهَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ = فَالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بالسُّلْطَانِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزِيزاً قَادِراً = مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَلا سُلْطَانِ)([81]).
الكَبِيرُ – المُتَكَبِّرُ:
(وَكَذَلِكَ " الكَبِيرُ " مِنْ أَسْمَائِهِ و " المُتَكَبِّرُ ". قَالَ قَتَادَةُ وغَيْرُهُ: هوَ الذي تَكَبَّرَ عَن السُّوءِ. وقَالَ أَيْضاً: الذي تَكَبَّرَ عَن السَّيِّئَاتِ. وقَالَ مُقَاتِلٌ: المُتَعَظِّمُ عنْ كُلِّ سُوءٍ.
وقَالَ أبو إِسْحاقَ: الذي يَكْبُرُ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِه) ([82]).
([و] " الكَبِيرُ " يُوصَفُ بِهِ الذَّاتُ وصِفَاتُها القَائِمَةُ بها) ([83]).
(فاللهُ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: ذَاتاً، وقَدْراً، ومَعْنًى، وعِزَّةً، وجَلالَةً؛ فهوَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِهِ كَمَا هوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وعَالٍ على كُلِّ شَيْءٍ، وأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وأَجَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِه) ([84]).
قال الامام ابن القيم رحمه الله
-----
اللهُ:
(اللهُ … هوَ المَأْلُوهُ المَعْبودُ)، (وَلِهَذا كَانَ القَوْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ " اللهَ " أَصْلُهُ " الإِلَهُ " كَمَا هوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ مَنْ شَذَّ مِنْهم، وأَنَّ اسْمَ اللهَ تَعَالَى هوَ الجَامِعُ لجَمِيعِ مَعَانِي الأَسْمَاءِ الحُسْنَى والصِّفَاتِ العُلَى) ([2]) (وَلِهَذَا تُضَافُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى كُلُّها إِلَيْهِ فيُقَالُ: الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، العَزِيزُ، الغَفَّارُ، القَهَّارُ، مِنْ أسْمَاءِ اللهِ، وَلا يُقَالُ: اللهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180]) ([3]).
(فاسْمُ " اللهِ " دَالٌّ عَلَى كَوْنِهِ مَأْلُوهاً مَعْبُوداً، تأْلَهُهُ الخَلائِقُ مَحَبَّةً وتَعْظِيماً وخُضُوعاً، وفَزَعاً إليهِ في الحَوَائجِ والنَّوائبِ، وذلكَ مُسْتَلْزِمٌ لكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ ورَحْمَتِهِ، المُتَضَمِّنَيْ نِ لكَمَالِ المُلْكِ والحَمْدِ. وإِلَهِيَّتُهُ ورُبُوبِيَّتُهُ ورَحْمَانِيَّتُ هُ ومُلْكُهُ مُسْتَلزِمٌ لجَمِيعِ صِفَاتِ كَمَالِهِ؛ إِذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذلكَ لِمَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، ولا سَمِيعٍ , ولا بَصِيرٍ , وَلا قَادِرٍ , ولا مُتَكَلِّمٍ , ولا فَعَّالٍ لِمَا يُرِيدُ , ولا حَكِيمٍ في أَفْعَالِه) ([4]).
الرَّبُّ:
( " الرَّبُّ " هوَ السَّيِّدُ والمَالِكُ والمُنْعِمُ والمُرَبِّي والمُصْلِحُ. واللهُ تعالى هوَ الرَّبُّ بهذه الاعْتِباراتِ كُلِّهَا) ([5])؛ (فهوَ الذي يُرَبِّي عَبْدَهُ، فيُعْطِيهِ خَلْقَهُ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إلى مَصَالِحِه) ([6])، (وهو القَادِرُ، الخَالِقُ، البَارِئُ، المُصَوِّرُ، الحَيُّ، القَيُّومُ، العَلِيمُ، السَّمِيعُ، البَصِيرُ، المُحْسِنُ، المُنْعِمُ، الجَوَادُ، المُعْطِي، المَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، المُقَدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الذي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، ويُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ ويُشْقِي مَنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعانِي رُبُوبِيَّتِهِ التي لهُ منها ما يَسْتَحِقُّهُ مِن الأسماءِ الحُسْنَى)([7]).
(فَاسْمُ " الرَّبِّ " لَهُ الجَمْعُ الجَامِعُ لجَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ. فهوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وخَالِقُهُ، والقَادِرُ عليهِ، لا يَخْرُجُ شَيْءٌ عنْ رُبُوبِيَّتِهِ. وكُلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرْضِ عَبْدٌ لَهُ في قَبْضَتِهِ، وتَحْتَ قَهْرِه) ([8]).
الْمَلِكُ:
([و] مِنْ أَسْمائِهِ: " المَلِكُ "، ومَعْنَى المُلْكِ الحَقِيقِيُّ ثَابِتٌ لهُ سُبْحَانَهُ بكُلِّ وَجْهٍ) ([9])؛ (فهو الآمِرُ النَّاهِي المُعِزُّ المُذِلُّ الذي يُصَرِّفُ أمورَ عِبَادِهِ كما يُحِبُّ ويُقَلِّبُهُم كما يَشَاءُ.
ولهُ مِنْ مَعْنى المُلْكِ ما يَسْتَحِقُّهُ مِن الأسْمَاءِ الحُسْنَى: كالعَزِيزِ الجَبَّارِ المُتَكَبِّرِ، الحَكَمِ العَدْلِ، الخَافِضِ الرَّافِعِ، المُعِزِّ المُذِلِّ، العَظِيمِ، الجَلِيلِ، الكَبِيرِ، الحَسِيبِ، المَجِيدِ، الوَالِي، المُتَعالِي، مَالِكِ المُلْكِ، المُقْسِطِ، الجَامِعِ، إلى غَيْرِ ذلكَ مِن الأسْمَاءِ العَائِدَةِ إلى المَلِكِ)([10])؛
(واسمُه "المَلِكُ" يَدُلُّ على ما يَسْتَلزِمُ حقيقةَ مُلكِه: من قدرتِه وتدبيرِه، وعطائِه ومَنعِه، وثوابِه وعِقابِه، وبثِّ رُسلِه في أقطارِ مَملكَتِه، وإعلامِ عَبِيدِه بمراسيمِه، وعهودِه إليهِم، واستوائِه على سريرِ مملكتِه الذي هو عَرْشُه المجيدُ) ([11])؛ ([فــ] هذهِ الصِّفَةُ تَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ الكَمَالِ) ([12]).
الإلهُ:
( " الإلَهُ ": المَعْبُودُ المَحْبُوبُ الذي لا تَصْلُحُ العِبَادَةُ والذُّلُّ والخُضُوعُ والحُبُّ إِلا له)([13])؛ (فإنَّ " الإلهَ " هوَ الذي يأْلَهُهُ العِبادُ ذُلاًّ، وخَوْفاً ورَجَاءً، وتَعْظِيماً وطَاعَةً لهُ، بِمَعْنَى "مَأْلُوهٍ" وهوَ الذي تَأْلَهُهُ القلوبُ؛ أيْ: تُحِبُّهُ وتَذِلُّ لهُ. وأَصْلُ التَّأَلُّهِ: التَّعَبُّدُ، والتَّعَبُّدُ آخِرُ مَرَاتِبِ الحُبِّ، يُقَالُ: عَبَّدَهُ الحبُّ وتَيَّمَهُ: إذا مَلَكَهُ الذُّلُّ لمَحْبوبِهِ)([14])؛ [فـ] (الإلَهُ هوَ المُسْتَحِقُّ لكَمَالِ الحُبِّ بكَمَالِ التَّعْظِيمِ والإجْلالِ والذُّلِّ لهُ والخُضُوعِ لَهُ) ([15]).
الصَّمَدُ:
( " الصَّمَدُ ": مَنْ تَصْمُدُ نَحْوَهُ القُلُوبُ بالرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ، وذلكَ لكَثْرَةِ خِصَالِ الخَيْرِ فيهِ، وكَثْرَةِ الأوصافِ الحَمِيدةِ لهُ …
((قال ابْنُ الأنْبَارِيِّ: لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أنَّ الصَّمَدَ: السَّيِّدُ الذي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، الذي يَصْمُدُ إليهِ النَّاسُ في حَوَائِجِهِم وأُمُورِهم، واشْتِقَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فإنَّهُ مِن الجَمْعِ والقَصْدِ الذي اجْتَمَعَ القَصْدُ نَحْوَهُ، واجْتَمَعَتْ فيهِ صِفَاتُ السُّؤْدَدِ، وهذا أَصْلُهُ في اللُّغَةِ كَمَا قَالَ:
أَلا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ = بعَمْرِو بنِ يَرْبُوعٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
والعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَها بالصَّمَدِ لاجْتِمَاعِ قَصْدِ القَاصِدِينَ إليهِ، واجْتِمَاعِ صِفَاتِ السِّيادَةِ فيهِ)).([16])
ومَنْ قَالَ: " إِنَّهُ الذي لا جَوْفَ لَهُ " فقَوْلُهُ لا يُنَاقِضُ هذا التَّفْسِيرَ؛ فإنَّ اللَّفْظَ مِن الاجْتِمَاعِ، فهوَ الذي اجْتَمَعَتْ فيهِ صِفَاتُ الكَمَالِ، وَلا جَوْفَ لَهُ) ([17]).
{الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ}:
(مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: " الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ " ) ([18]) (فالرَّحْمَنُ: الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرَّحِيمُ: الرَّاحِمُ لعِبَادِه) ([19])؛ (فَالرَّحْمَنُ: دَالٌّ على الصِّفَةِ القَائِمَةِ بهِ سُبْحَانَهُ، والرَّحِيمُ: دَالٌّ على تَعَلُّقِها بالمَرْحُومِ؛ فكَانَ الأوَّلُ للوَصْفِ، والثَّانِي للفِعْلِ.
فالأَوَّلُ دَالٌّ على أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ، والثَّانِي دَالٌّ على أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ؛ وإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هذا فتأمَّلْ قولـَهُ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117] وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ: رَحْمَنُ بِهِمْ، فعُلِمَ أَنَّ “ رَحْمَنُ “ هوَ المُوصُوفُ بالرَّحْمَةِ، و“ رَحِيمٌ “ هوَ الرَّاحِمُ برَحْمَتِهِ)([20]).
الأَوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ:
(الأَوَّلُ: الذي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، الآخِرُ: الذي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، الظَّاهِرُ: الذي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، البَاطِنُ: الذي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ؛ سبَقَ كلَّ شيءٍ بأوَّلِيَّتِهِ، وبَقِيَ بعدَ كُلِّ شَيْءٍ بآخِريَّتِهِ، وعَلا فَوْقَ كلِّ شيءٍ بظُهورِهِ، وأحاطَ بكلِّ شيءٍ ببُطُونِهِ) ([21]).
(فأوليَّةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سَابِقَةٌ على أَوَّليَّةِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وآخِرِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بعدَ آخِرِيَّةِ كُلِّ ما سِوَاهُ، فأوَّلِيَّتُهُ سَبْقُهُ لكُلِّ شَيْءٍ، وآخِرِيَّتُهُ بقَاؤُهُ بعدَ كُلِّ شَيْءٍ، وظَاهِرِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ فَوْقِيَّتُهُ وعُلُوُّهُ على كُلِّ شَيْءٍ، ومَعْنَى الظُّهُورِ يَقْتَضِي العُلُوَّ، وظَاهِرُ الشَّيْءِ هوَ مَا عَلا منهُ وأَحَاطَ ببَاطِنِهِ، وبُطُونُهُ سُبْحانَهُ إِحَاطَتُهُ بكُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ أَقْرَبَ إليهِ مِنْ نَفْسِهِ، وهذا قُرْبٌ غَيْرُ قُرْبِ المُحِبِّ مِنْ حَبِيبِهِ، هذا لَوْنٌ وهذا لَوْنٌ.
((فهذه الأسماءُ الأَرْبَعَةُ مُتَقَابِلَةٌ: اسمانِ لأَزَلِ الرَّبِّ تعالى وأَبَدِهِ، واسمانِ لعُلُوِّهِ وقُرْبِه)). ([22])، [ومَدَا رُها].. على الإحاطَةِ، وهيَ إحاطتانِ: زَمَانِيَّةٌ ومَكَانِيَّةٌ، فأَحَاطَتْ أَوَّلِيَّتُهُ، وآخِرِيَّتُهُ بالقَبْلِ والبَعْدِ، فكُلُّ سَابِقٍ انْتَهَى إلى أَوَّلِيَّتِهِ، وكُلُّ آخِرٍ انْتَهَى إلى آخِرِيَّتِهِ، فأَحَاطَتْ أَوَّلِيَّتُهُ وآخِرِيَّتُهُ بالأَوَائِلِ والأَوَاخِرِ، وأَحَاطَتْ ظَاهِرِيَّتُهُ وبَاطِنِيَّتُهُ بكُلِّ ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ، فما مِنْ ظَاهِرٍ إلاَّ واللهُ فَوْقَهُ، ومَا مِنْ بَاطِنٍ إلاَّ واللهُ دُونَهُ، وما مِنْ أَوَّلٍ إلاَّ واللهُ قَبْلَهُ، وما مِنْ آخِرٍ إلاَّ واللهُ بَعْدَهُ: فالأَوَّلُ قِدَمُهُ، والآخِرُ دَوَامُهُ وبَقَاؤُهُ، والظَّاهِرُ عُلُوُّهُ وعَظَمَتُهُ، والبَاطِنُ قُرْبُهُ ودُنُوُّهُ، فسَبَقَ كلَّ شَيْءٍ بأَوَّلِيَّتِهِ ، وبَقِيَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بآخِرِيَّتِهِ، وعَلا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بظُهُورِهِ، ودَنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ببُطُونِهِ، فَلا تُوارِي منهُ سَماءٌ سَماءً، ولا أَرْضٌ أَرْضاً , ولا يَحْجُبُ عنهُ ظَاهِرٌ باطناً، بل البَاطِنُ لهُ ظَاهِرٌ، والغَيْبُ عندَهُ شَهَادَةٌ، والبَعِيدُ منهُ قَرِيبٌ، والسِّرُّ عندَهُ عَلانِيَةٌ.
فهذه الأَسْماءُ الأَرْبَعَةُ تَشْتَمِلُ على أَرْكَانِ التَّوْحِيدِ فهوَ الأَوَّلُ في آخِرِيَّتِهِ والآخِرُ في أَوَّلِيَّتِهِ، والظَّاهِرُ في بُطُونِهِ، والبَاطِنُ في ظُهُورِهِ، لَمْ يَزَلْ أَوَّلاً وآخِراً وظَاهِراً وباطِناً). ([23])
الحَيُّ:
([اللهُ] سُبْحانَهُ " حَيٌّ " حَقِيقَةً، وحَيَاتُهُ أَكْمَلُ الحَيَاةِ وأَتَمُّها، وهيَ حَيَاةٌ تَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ صِفَاتِ الكَمَالِ ونَفْيَ أَضْدادِهَا مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ) ([24])، (فَالحَيُّ المُطْلَقُ التَّامُّ الحَيَاةِ لا تَفُوتُهُ صِفَةُ الكَمَالِ البَتَّةَ) ([25]).
القَيُّومُ:
( " القَيُّومُ " هوَ القَائِمُ بنَفْسِهِ، الذي قِيامُ كُلِّ شَيْءٍ بهِ؛ أيْ: هوَ المُقِيمُ لغَيْرِهِ، لا قِيَامَ لغَيْرِهِ بدُونِ إِقَامَتِهِ لهُ، وقِيَامُهُ هوَ بنَفْسِهِ لا بِغَيْرِه)([26]).
([فـ]هو الذي قامَ بنَفْسِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلى أَحَدٍ، وقَامَ كُلُّ شَيْءٍ بهِ. فكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إليهِ بالذَّاتِ) ([27]).
الحَمِيدُ:
( " الحَمِيدُ " … هوَ الذي لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ) ([28]) (فَالحَمِيدُ “ فَعِيلٌ “ مِن الحَمْدِ، وهوَ بمَعْنَى “ مَحْمُودٍ “... وهوَ أَبْلَغُ مِن المَحْمُودِ؛ فإنَّ “ فَعِيلاً “ إذا عُدِلَ بهِ عنْ “ مَفْعُولٍ “ دَلَّ على أَنَّ تلكَ الصِّفَةَ قدْ صَارَتْ مِثْلَ السَّجِيَّةِ الغَرِيزِيَّةِ والخُلُقِ اللازِمِ , كما إذا قُلْتَ: فُلانٌ ظَرِيفٌ أوْ شَرِيفٌ أوْ كَرِيمٌ …؛ فـ " الحَمِيدُ ": الذي لهُ مِن الصِّفَاتِ وأَسْبَابِ الحَمْدِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُوداً وإِنْ لَمْ يَحْمَدْهُ غَيْرُهُ، فهوَ حَمِيدٌ في نَفْسِهِ، والمَحْمُودُ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَمْدُ الحَامِدِينَ …
وكُلَّمَا كَانَتْ هذهِ الصِّفَاتُ أَجْمَعَ وأَكْمَلَ كَانَ الحَمْدُ والحُبُّ أَتَمَّ وأَعْظَمَ، واللهُ سُبْحَانَهُ لهُ الكَمَالُ المُطْلَقُ الذي لا نَقْصَ فيهِ بِوَجْهٍ ما، والإحْسَانُ كُلُّهُ لَهُ ومنهُ؛ فهوَ أَحَقُّ بكُلِّ حَمْدٍ، وبكُلِّ حُبٍّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ فهوَ أَهْلٌ أَنْ يُحَبَّ لذَاتِهِ ولصِفَاتِهِ ولأفْعَالِهِ ولأسْمَائِهِ ولإحْسَانِهِ ولكُلِّ مَا صَدَرَ منهُ سُبْحانَهُ) ([29])، (و.. لهُ الحَمْدُ كُلُّهُ بِجَمِيعِ وجُوهِهِ واعْتِبَارَاتِه ِ وتَصَارِيفِهِ، فَمَا خَلَقَ شيئاً ولا حَكَمَ بشَيْءٍ إلاَّ ولهُ فيهِ الحَمْدُ؛ فوَصَلَ حَمْدُهُ إلى حَيْثُ وَصَلَ خَلْقُهُ وأَمْرُهُ؛ حَمْداً حَقِيقِيًّا يَتَضَمَّنُ: مَحَبَّتَهُ، والرِّضَا بهِ، والثَّنَاءَ عليهِ، والإقْرَارَ بِحِكْمَتِهِ البالِغَةِ في كُلِّ مَا خَلَقَهُ وأَمَرَ به) ([30]).
المَجِيدُ:
( " المَجِيدُ " مَن اتَّصَفَ بصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ، ولَفْظُهُ يَدُلُّ على هذا؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ للسَّعَةِ والكَثْرَةِ والزِّيادَةِ؛ لأنَّ لَفْظَ “ م ج د “ في لُغَتِهم يَدُورُ على مَعْنَى الاتِّساعِ والكَثْرَةِ، فمنهُ قَوْلُهم: أَمْجَدَ النَّاقَةَ عَلَفاً؛ أيْ: أَوْسَعَها عَلَفاً، ومنهُ: مَجُدَ الرَّجُلُ فهوَ مَاجِدٌ إذا كَثُرَ خَيْرُهُ وإِحْسَانُهُ إلى النَّاسِ , قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ نَبِيلُ = إِذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ
ومنهُ قَوْلُهم: في كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَارُ؛ أيْ: كَثُرَت النَّارُ فيهما)([31])، ومنهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15]، صِفَةٌ للعَرْشِ لِسَعَتِهِ وعَظَمَةِ شَرَفِهِ) ([32]) .
([فالمَجْدُ.. مُسْتَلْزِمٌ للعَظَمَةِ والسَّعَةِ والجَلالِ كَمَا يَدُلُّ عليهِ مَوضُوعُهُ في اللُّغَةِ. فهوَ دَالٌّ عَلى صِفَاتِ العَظَمَةِ والجَلالِ) ([33]). (و… التَّمْجِيدُ هوَ الثَّناءُ بصِفَاتِ العَظَمَةِ والجَلالِ)([34]).
العَلِيُّ:
(و [هو سُبْحَانَه] … " العَلِيُّ " )([35]) (العَالِي على كُلِّ شَيْءٍ) ([36]) (الذي عَلا عَن كُلِّ عَيْبٍ وسُوءٍ ونَقْصٍ) ([37]).
(و … مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ " العَلِيِّ ": العُلُوُّ المُطْلَقُ بكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ العُلُوُّ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ: عُلُوُّ القَدْرِ، وعُلُوُّ القَهْرِ، وعُلُوُّ الذَّاتِ) ([38]).
العَظِيمُ:
(وهو " العَظِيمُ " الذي لهُ العَظَمَةُ) ([39]) (ذَاتاً ووصْفاً) ([40]).
(وكُلُّ مَوْصُوفٍ فصِفَتُهُ بحَسَبِهِ؛ فَعِظَمُ الذَّاتِ شَيْءٌ، وعِظَمُ صِفَاتِهَا شَيْءٌ، وعِظَمُ القَوْلِ شَيْءٌ، وعِظَمُ الفِعْلِ شَيْءٌ، والرَّبُّ تَعَالَى لَهُ العَظَمَةُ بكُلِّ اعْتِبَارٍ وكُلِّ وَجْهٍ بذَاتِه) ([41]).
[فهو – تعالى -] (أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.. في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِه) ([42]).
(وَهْوَ العَظِيمُ بِكُلِّ مَعْنًى يُوجِبُ الْـ = تَّعْظِيمَ لا يُحْصِيهِ مِنْ إِنْسَانِ) ([43]).
السَّمِيعُ:
( " السَّمِيعُ ": الذي لَهُ السَّمْعُ) ([44])، (الذي قَدِ اسْتَوَى في سَمْعِهِ سِرُّ القَوْلِ وجَهْرُهُ، وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ، فلا تَخْتَلِفُ عليهِ أَصْوَاتُ الخَلْقِ ولا تَشْتَبِهُ عليهِ ولا يَشغَلُهُ منها سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ، ولا تُغْلِطُهُ المَسَائِلُ، ولا يُبْرِمُهُ كَثْرَةُ السَّائِلِينَ) ([45]).
([فَوَسِعَ] سَمْعُهُ – تَبَارَكَ وتعالى – لأصْوَاتِ عِبَادِهِ على اخْتِلافِهَا وجَهْرِها وخَفَائِها، وسَوَاءٌ عندَهُ مَنْ أسَرَّ القَوْلَ ومَنْ جَهَرَ بهِ، لا يَشْغَلُهُ جَهْرُ مَنْ جَهَرَ عنْ سَمْعِهِ لِصَوتِ مَنْ أَسَرَّ، ولا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ، ولا تُغْلِطُهُ الأصْواتُ على كَثْرَتِها واخْتِلافِها واجْتِمَاعِها، بلْ هيَ عندَهُ كُلُّها كصَوْتٍ واحِدٍ، كَمَا أَنَّ خَلْقَ الخَلْقِ جَمِيعِهم وبَعْثَهم عندَهُ بمَنْزِلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ([46]).
(وأَمَّا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} [إبراهيم: 39] فالمُرادُ بالسَّمْعِ هنا: السَّمْعُ الخَاصُّ وهوَ سَمْعُ الإجَابَةِ والقَبُولِ، لا السَّمْعُ العَامُّ؛ لأنَّهُ سَمِيعٌ لكُلِّ مَسْموعٍ.
وإذا كانَ كذلكَ؛ فالدُّعاءُ هنا يَتناولُ دُعاءَ الثَّناءِ ودُعاءَ الطَّلَبِ، وسَمْعُ الرَّبِّ تَبارَكَ وتعالى لهُ إِثَابَتُهُ على الثَّناءِ وإِجَابَتُهُ للطَّلَبِ، فهوَ سَميعٌ لهذا وهذا) ([47]).
البَصِيرُ:
( " البَصِيرُ " الذي لَهُ البَصَرُ) ([48])، (الذي لكَمَالِ بَصَرِهِ يَرَى تَفَاصِيلَ خَلْقِ الذَّرَّةِ الصَّغِيرَةِ وأَعْضَائِها ولَحْمِها ودَمِها ومُخِّها وعُرُوقِها , ويَرَى دَبِيبَها على الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ في الليْلَةِ الظَّلْماءِ، ويَرَى ما تَحْتَ الأَرَضِينَ السَّبْعِ كما يَرَى ما فَوْقَ السَّمَاواتِ السَّبْعِ) ([49])، (لَقَدْ أحَاطَ.. بَصَرُهُ بجَمِيعِ المُبْصَرَاتِ، وعِلْمُهُ بجَمِيعِ المَعْلُوماتِ)([50]).
اللَّطِيفُ:
( " اللَّطِيفُ " الذي لَطُفَ صُنْعُهُ وحِكْمَتُهُ ودَقَّ حَتَّى عَجَزَت عنهُ الأَفْهَامُ) ([51]).
(وَهْوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ ولِعَبْدِه = واللُّطْفُ في أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ:
إِدْرَاكُ أَسْرَارِ الأُمُورِ بِخِبْرَةٍ، = واللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الإحْسَانِ
فيُرِيكَ عِزَّتَهُ ويُبْدِي لُطْفَهُ = والعَبْدُ في الغَفَلاتِ عَنْ ذَا الشانِ) ([52])
الخَبِيرُ:
( " الخَبِيرُ " الذي انْتَهَى عِلْمُهُ إلى الإحَاطَةِ ببَوَاطِنِ الأشْياءِ وخَفَايَاهَا كما أَحَاطَ بظَوَاهِرِها) ([53]).
العَلِيمُ:
( " العَليمُ ": الذِي لَهُ العِلْمُ) ([54])، (العَالِمُ بكُلِّ شَيْءٍ، الذي لكَمَالِ عِلْمِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِي الخَلائِقِ وما خَلْفَهُم؛ فلا تَسْقُطُ ورَقَةٌ إلاَّ بعِلْمِهِ، ولا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إلاَّ بإِذْنِهِ، يَعْلَمُ دَبِيبَ الخَوَاطِرِ في القُلُوبِ حيثُ لا يَطَّلِعُ عليها المَلَكُ، ويَعْلَمُ ما سَيَكُونُ منها حَيْثُ لا يَطَّلِعُ عليهِ القَلْبُ) ([55]).
([فـ] يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى (([أي]: ما تُسِرُّهُ القُلُوبُ وأَخْفَى منهُ: وهوَ مَا لَمْ يَخْطُرْ لها أَنَّهُ سَيَخْطُرُ لها))([56])، ويَعْلَمُ ما كَانَ ومَا يَكُونُ [وَمَا لَمْ يَكُنْ] لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُها ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ، ولا سَاكِنٍ ولا مُتَحَرِّكٍ، إلاَّ وهوَ يَعْلَمُهُ على حَقِيقَتِهِ) ([57]).
([فـ] لا تَخْفَى عليهِ خَافِيَةٌ، ولا يَعْزُبُ عنهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاواتِ والأَرْضِ، بلْ قَدْ أَحَاطَ بكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً …
و… عِلمُهُ [تعالى].. لا يُشارِكُهُ فيهِ خَلْقُهُ، ولا يُحِيطونَ بشَيْءٍ منهُ إلاَّ بما شَاءَ أَنْ يُطْلِعَهُم عليهِ ويُعْلِمَهُم بهِ، وما أَخْفَاهُ عنهم ولم يُطْلِعْهم عليهِ … لا نِسْبَةَ لما عَرَفُوهُ إليهِ إلاَّ دونَ نِسْبَةِ قَطْرَةٍ واحِدَةٍ إلى البِحَارِ كُلِّهَا , كَمَا قَالَ الخَضِرُ لمُوسَى – وهما أَعْلَمُ أَهْلِ الأَرْضِ حِينَئذٍ -: ((مَا نَقَصَ عِلْمِي وعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إلاَّ كَمَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِن البَحْرِ)) ([58]).
ويَكْفِي أَنَّ ما يَتَكَلَّمُ بهِ مِنْ عِلْمِهِ لوْ قُدِّرَ أنَّ البَحْرَ - يَمُدُّهُ مِنْ بعدِهِ سبعةُ أَبْحُرٍ- مِدَادٌ، وأَشْجَارُ الأَرْضِ كُلُّها مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ إلى آخِرِهِ أَقْلامٌ، يَكْتُبُ بهِ ما يَتَكَلَّمُ بهِ ما يَعْلَمُهُ لنَفِدَت البِحَارُ وفَنِيَت الأَقْلامُ ولم تَنْفَدْ كَلِمَاتُهُ.
فنِسْبَةُ عُلُومِ الخَلائقِ إلى عِلْمِهِ سُبْحانَهُ كنِسْبَةِ قُدْرَتِهِم إلى قُدْرَتِهِ، وغِنَاهُم إلى غِنَاهُ، وحِكْمَتِهم إلى حِكْمَتِه)([59]).
المُحِيطُ:
( " المُحِيطُ ":.. مُحِيطٌ بالعَالَمِ كُلِّه) ([60])، (و.. العَوَالِمُ كلُّها في قَبْضَتِهِ، و… السَّمَاواتُ السَّبْعُ والأَرَضُونَ السَّبْعُ في يَدِهِ كخَرْدَلَةٍ في يَدِ العَبْدِ، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وقال: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)} [البروج: 20]) ([61]).
(فإذا كَانَ مُحِيطاً بالعَالَمِ فهوَ فَوْقَهُ بالذَّاتِ عَالٍ عليهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وبكُلِّ مَعْنًى؛ فالإحاطَةُ تَتَضَمَّنُ العُلُوَّ والسَّعَةَ والعَظَمَةَ) ([62]).
الوَاسِعُ:
([واللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ] " الوَاسِعُ " [أي]: وَاسِعُ العَطَاءِ، وَاسِعُ الغِنَى، وَاسِعُ الفَضْلِ)([63]).
(و … السَّعَةُ … تكونُ في الذَّوَاتِ والمَعَانِي) ([64]).
الخَالِقُ:
([اللهُ سُبْحَانَه].. هوَ " الخَالِقُ " … وكُلُّ شَيْءٍ في الخَارِجِ فَبِخَلْقِهِ وُجِدَ) ([65])، (وهو [الذي] … أَخْرَجَهُم مِن العَدَمِ إلى الوُجودِ وأَنْشَأهُم واخْتَرَعَهُم وَحْدَهُ بلا شَرِيكٍ … وخَلْقُهُ تعالى لهم مُتَضَمِّنٌ لكَمَالِ قُدْرَتِهِ وإِرَادَتِهِ وعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ وحَيَاتِهِ، وذلكَ يَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ كَمَالِهِ ونُعُوتِ جَلالِه) ([66]).
البَارِئُ:
([اللهُ – سُبْحَانَهُ هو] " البَارِئُ " … الذي بَرَأَ الخَلِيقَةَ وأَوْجَدَها بعدَ عَدَمِها) ([67]).
بَدِيعُ السَّمَاواتِ والأرْضِ:
(مُبْدِعُ الشَّيْءِ وبَدِيعُهُ لا يَصِحُّ إِطْلاقُهُ إلاَّ على الرَّبِّ، كقولِهِ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]. والإبْدَاعُ إِيجادُ المُبْدَعِ على غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ) ([68]).
الرَّزَّاقُ:
(وكَذَلِكَ " الرَّزَّاقُ " مِنْ أَسْمَائِهِ = والرَِّزْقُ في أَفْعَالِهِ نَوْعَانِ
رِزْقٌ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ ورَسُولِهِ = نَوْعَانِ أَيْضاً ذَانِ مَعْرُوفَانِ
رِزْقُ القُلُوبِ العِلْمَ والإيمَانَ والرِّ = زقُ المُعَدُّ لهذِهِ الأَبْدَانِ
هَذَا هُوَ الرِّزْقُ الحَلالُ ورَبُّنَا = رَزَّاقُهُ والفَضْلُ للمَنَّانِ
والثَّانِ سَوْقُ القُوتِ للأعْضَاءِ في = تِلْكَ المَجَارِي سَوْقُهُ بوِزَانِ
هَذَا يَكُونُ مِن الحَلالِ كَمَا يَكُو = نُ مِن الحَرَامِ كِلاهُمَا رِزْقَانِ
واللهُ رَازِقُهُ بهذا الإعْتِبَا = رِِ ولَيْسَ بالإطْلاقِ دُونَ بَيَانِ) ([69])
القَوِيُّ:
( " القَوِيُّ " مِنْ أَسْمَائِهِ، ومَعْنَاهُ: المَوْصُوفُ بالقُوَّةِ) ([70])، (وَلَو اجْتَمَعَتْ قُوَى الخَلائقِ على شَخْصٍ واحِدٍ منهم , ثُمَّ أُعْطِيَ كُلٌّ منهم مِثْلَ تلكَ القُوَّةِ لكانتْ نِسْبَتُها إلى قُوَّتِهِ سُبْحَانَهُ دونَ نِسْبَةِ قُوَّةِ البَعُوضَةِ إلى حَمَلَةِ العَرْشِ) ([71])
العَزِيزُ:
( " العَزِيزُ " الذي لَهُ العِزَّةُ التَّامَّةُ) ([72]) ([التي] تتَضَمَّنُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وقُوَّتِهِ وقَهْرِهِ … فاسْمُهُ " العَزِيزُ " يَتَضَمَّنُ المُلْكَ) ([73]).
(وَهْوَ العَزِيزُ فَلَنْ يُرَامَ جَنَابُهُ = أَنَّى يُرَامُ جَنَابُ ذِي السُّلْطَانِ
وَهْوَ العَزِيزُ القَاهِرُ الغَلاَّبُ لَمْ = يَغْلِبْهُ شَيْءٌ هَذِهِ صِفَتَانِ
وَهْوَ العَزِيزُ بِقُوَّةٍ هِيَ وَصْفُهُ = فَالعِزُّ حِينَئِذٍ ثَلاثُ مَعَانِ
وَهْيَ الَّتِي كَمُلَتْ لَهُ سُبْحَانَهُ = مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَادِمِ النُّقْصَانِ) ([74])
(وَمِنْ تَمامِ عِزَّتِهِ بَرَاءَتُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ وعَيْبٍ؛ فإنَّ ذَلكَ يُنَافِي العِزَّةَ التَّامَّةَ) ([75]).
القَدِيرُ:
(وَهْوَ " الْقَدِيرُ " وَلَيْسَ يُعْجِزُهُ إِذَا = مَا رَامَ شَيْئاً قَطُّ ذُو سُلْطَانِ) ([76])
([فَهُو الـ]قَادِرُ على كُلِّ شَيْءٍ فَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ بلْ هوَ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ) ([77])، (و[هو] على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فلا يَخْرُجُ عنْ مَقْدُورِهِ شَيْءٌ مِن المَوْجُودَاتِ؛ أَعْيَانُها وأَفْعَالُها وصِفَاتُها، كَمَا لا يَخْرُجُ عنْ عِلْمِهِ، فكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بهِ عِلْمُهُ مِن العَالَمِ تَعَلَّقَتْ بهِ قُدْرَتُهُ ومَشِيئَتُهُ) ([78]).
الجَبَّارُ:
( " الجَبَّارُ " في صِفَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يَرْجِعُ إلى ثَلاثَةِ مَعَانٍ: المُلْكُ، والقَهْرُ، والعُلُوُّ: فإِنَّ النَّخْلَةَ إذا طَالَتْ وارْتَفَعَتْ وفَاتَت الأيْدِيَ سُمِّيَتْ جَبَّارَةً) ([79]).
وَكَذَلِكَ الجَبَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ = وَالجَبْرُ في أَوْصَافِهِ قِسْمَانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا = ذَا كَسْرَةٍ فالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
والثَّانِِ جَبْرُ القَهْرِ بالعِزِّ الَّذِي = لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ
وَلَـهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهْوَ الْعُلُوُّ = فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَّارَةٌ للنَّخْلَةِ الْـ = ـعَلْيَا الَّتِي فَاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ )([80])
القَهَّارُ:
(وكَذَلِكَ القَهَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ = فَالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بالسُّلْطَانِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزِيزاً قَادِراً = مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَلا سُلْطَانِ)([81]).
الكَبِيرُ – المُتَكَبِّرُ:
(وَكَذَلِكَ " الكَبِيرُ " مِنْ أَسْمَائِهِ و " المُتَكَبِّرُ ". قَالَ قَتَادَةُ وغَيْرُهُ: هوَ الذي تَكَبَّرَ عَن السُّوءِ. وقَالَ أَيْضاً: الذي تَكَبَّرَ عَن السَّيِّئَاتِ. وقَالَ مُقَاتِلٌ: المُتَعَظِّمُ عنْ كُلِّ سُوءٍ.
وقَالَ أبو إِسْحاقَ: الذي يَكْبُرُ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِه) ([82]).
([و] " الكَبِيرُ " يُوصَفُ بِهِ الذَّاتُ وصِفَاتُها القَائِمَةُ بها) ([83]).
(فاللهُ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: ذَاتاً، وقَدْراً، ومَعْنًى، وعِزَّةً، وجَلالَةً؛ فهوَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِهِ كَمَا هوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وعَالٍ على كُلِّ شَيْءٍ، وأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وأَجَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ في ذَاتِهِ وصِفَاتِهِ وأَفْعَالِه) ([84]).