المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن شر الرعاء الحطمة



احمد ابو انس
2024-06-23, 12:42 AM
2885 - " إن شر الرعاء الحطمة ".
قال الألباني في السلسلة الصحيحة :
أخرجه مسلم (6 / 9 - 10) وأبو عوانة (4 / 424) وابن حبان (7 / 22 / 4494
) والبيهقي في " السنن الكبرى " (8 / 161) وأحمد (5 / 64) والروياني في
" مسنده " (ق 153 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 17 / 26)
والدولابي في " الكنى " (1 / 93) من طرق عن جرير بن حازم: حدثنا الحسن أن
عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد
الله بن زياد فقال: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
فذكره) فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم! فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم،
وفي غيرهم! وتابعه شعبة عن يونس عن الحسن: أن عائذ بن عمرو قال لزياد: كان
يقال لنا: " شر الرعاء الحطمة ".. إلخ. قلت: لكن الحسن - وهو البصري -
كثير الإرسال والتدليس، وقوله: " أن عائذ ابن عمرو.. " صورته صورة المرسل
، وما وجدت له سماعا منه ولو في غير هذا الحديث، ولو ثبت له ذلك، فذلك مما
لا يستلزم ثبوت اتصال هذا لكون الحسن مدلسا، ومثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح
بالتحديث، وهذا ما لم نجده كما تقدم. بل رأيت علي بن المديني - شيخ البخاري
- ينفي في رسالته " علل الحديث ومعرفة الرجال " (ص 69) سماعه منه، فقال:
" ما أراه سمع منه شيئا ". ونقله عنه العلائي في " مراسيله " (ص 197)
وأقره. لكني وجدت للحديث شاهدا من رواية إسحاق بن سعيد: حدثنا عبد الكريم عن
الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ: " إن شر الولاة الحطمة ". أخرجه البزار (2 / 238
/ 1604) وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا عبد الكريم، وهو بصري،
وروي عن غير أنس، رواه أبو برزة وعائذ بن عمرو ". قلت: وعبد الكريم هذا
يحتمل أنه ابن أبي أمية، وبه جزم الهيثمي (5 / 239 - 240) وقال: " وهو
ضعيف ". ويحتمل أنه غيره، فإن ابن أبي حاتم في " الجرح " بعد أن ذكر في
ترجمة ابن أبي أمية الحسن البصري قال (3 / 1 / 61) : " عبد الكريم، روى عن
الحسن، سمع منه محمد بن سلام. قال أبي: مجهول "، وكذا في " الميزان " و "
اللسان ". فالله أعلم أيهما هو؟ فإنه لم يذكر في ترجمتهما راوي الحديث عنه
هنا: إسحاق ابن سعيد، وهو القرشي الأموي الكوفي، يحتمل أنهما واحد. وأي
ذلك كان، فالحسن هو البصري المذكور في حديث عائذ، وقد عرفت آنفا أنه يرسل
ويدلس، لكنهم قد صرحوا بصحة سماعه من أنس بن مالك، لو أنه صرح هنا بالتحديث،
وصح السند إليه. لكن يبدو أن الحديث كان معروفا عند السلف، فقد جزم البزار -
كما رأيت آنفا - أنه رواه أبو برزة أيضا. ويؤيده أن الإمام الأوزاعي جزم
بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سلامه على أبي جعفر العباسي
بالخلافة، ووعظه إياه، في قصة طويلة رواها محمد بن مصعب القرقساني عنه.
أخرجها أبو نعيم في " الحلية " (6 / 136 - 140) . وبالجملة، فالحديث بهذه
الشواهد اطمأنت النفس لثبوته، مع تصحيح الأئمة الثلاثة إياه: مسلم، وأبو
عوانة، وابن حبان. واعلم أن الحديث أورده النووي في " رياض الصالحين " في
موضعين منه، ذكره في الأول منهما (رقم 197) بتمامه معزوا لمسلم، وفي الآخر
(661) دون قول ابن زياد: " اجلس.. " إلخ، وقال: " متفق عليه ". وهو
وهم لا ندري من الناسخ هو أو من المؤلف. وقد نبه عليه صاحب المكتب الإسلامي
في طبعته الجديدة لـ " الرياض " لسنة (1412) التي زينها بتصديرها بصفحتين
مصورتين من مخطوطتين للكتاب زعم أنه رجع إليهما، يعني للتحقيق، ولا أثر لذلك
في طبعته هذه، وإلا فهذا هو المكان المناسب ليثبت للقراء زعمه المذكور بأن
يبين ما في المخطوطتين حول هذا الوهم. وتلك شنشنة نعرفها من أخزم فهو كثيرا
ما يزين مطبوعاته ببعض الصفحات المصورة من مخطوطات يدعي أنها في مكتبته 0 وقد
تكون مصورات - يوهم القراء بأنه رجع إليها في التحقيق، وليس الأمر كذلك،
وأوضح مثال على ذلك طبعه أخيرا السنن الأربعة التي كنت ميزت صحيحها من ضعيفها
فقدمت إليه فطبعها طبعات تجارية ظاهرة، وقسم كل كتاب منها إلى قسمين: "
الصحيح " و " الضعيف "، فخلط في ذلك خلطا عجيبا لأن ذلك ليس من علمه، ولا
أقول من اختصاصه، فجعل في " الصحيح " ما ينبغي أن يكون في " الضعيف "، وعلى
العكس، ولبيان هذا مجال آخر، والشاهد هنا أنه زين هذه الكتب بصور صفحات من
مخطوطات السنن، كأنه كلف أن يقوم بطباعتها من جديد محققة على المخطوطات،
وإنما كلف بطبع التصحيح والتضعيف الذي قمت به على السنن! ولكنه التشبع بما لم
يعط! ثم إن المحقق الجديد المدعو بـ (حسان عبد المنان) لكتاب " رياض
الصالحين " قد حذف الحديث من المكان الأول منه - وهو الأتم فائدة - واقتصر
على إيراده إياه في الموضع الآخر منه، وحذف منه قوله: " متفق عليه ". دون
أي بيان منه هل كان الحذف عن رأي منه، أم عن تحقيق وقع له برجوعه إلى بعض
المخطوطات، وهذا مما لم يعن به، ولم يدعه - والحمد لله - كما فعل غيره.
ثم إن الظاهر أنه لم ينتبه للإرسال الذي فيه أو الانقطاع، وإلا لسارع إلى
التشبث به لتضعيف الحديث كما فعل بغيره مما رواه البخاري ومسلم، فضلا عما
رواه غيرهما من أصحاب السنن، وقدمت نماذج كثيرة منها في الاستدراكات التي
ألحقتها بالمجلد الثاني من " الصحيحة " الطبعة الجديدة. والله المستعان. (
الرعاء) : جمع (راع) . (الحطمة) : هو العنيف برعاية الإبل في السوق
والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها على بعض، ويعسفها، ضربه مثلا لوالي السوء
. كما في " النهاية ".

احمد ابو انس
2024-06-23, 12:58 AM
في هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ الحسنُ البصريُّ أنَّ الصَّحابيَّ عائِذَ بنَ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنه دخَل على عُبَيْدِ الله بنِ زِيَادٍ، وكان واليًا وأميرًا مِن الأمراءِ، وكأنَّه عَرَف فيه ظُلمًا، فذَهَب إليه هذا الصَّحابيُّ عائذُ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنه يَنصَحُه ويَعِظُه، فقال رَضيَ اللهُ عنه: «أَيْ بُنَيَّ»، وهذا مِن التَّودُّدِ إليه ومُلاطَفتِه حتَّى يُمهِّدَ للنَّصيحةِ، «إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ» جمعِ رَاعٍ، وهو الوَالِي، «الحُطَمَةُ» وهو مَن يَظلِمُ الرَّعِيَّةَ ولا يَرحَمُهم؛ فهو يَقْسو ويَشتَدُّ على رَعيَّتِه، مُبتعِدًا عن الرِّفقِ والحِكمةِ فيهم، ثُمَّ قال عائِذٌ رَضيَ اللهُ عنه لِعُبَيْدِ الله: «فإيَّاكَ أن تكونَ منهم»، أي: أُحذِّرُكَ أنْ تكونَ مِن هؤلاء الحُطَمةِ، فقال له عُبَيْدُ الله: «اجْلِسْ»، ولعلَّه كان قائمًا حِينَما وَعَظَه، «فإنَّما أنتَ مِن نُخَالَةِ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: أنت مِن سِفلةِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَسْتَ مِن فُضَلائِهم وخِيارِهم، والنُّخَالَةُ: ما يَبْقَى مِن قُشُورِ الحِنْطَةِ وغيرِها بعدَ غَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ؛ أراد بذلكَ تَنقيصَه، وذَمَّه، وتَصغيرَه، وهذه جَراءةٌ واعتداءٌ على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فقال عائِذٌ رَضيَ اللهُ عنه ردًّا لقَولِ زِيادٍ: «وهل كانت لهم نُخَالَةٌ؟!» وهذا الاستفهامُ إنكاريٌّ؛ أي: ليْست فيهم نُخالةٌ أصلًا، «إنَّما النُّخَالَةُ بعدَهم وفي غيرِهم» أي: إنَّما جاء السَّقَطُ والسفلة فِيمَنْ بعدَ الصَّحابةِ، وبعْدَ مَوتِهم وانقطاعِ آثارِهم، وهذا مِن جَزيلِ الكلامِ وفَصيحِه، وصِدقِه الَّذي يَنقادُ له كلُّ مُسلمٍ؛ فإنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم كانوا صَفْوَةَ الأُمَّةِ وسَادَاتِ الناسِ، وأفضَلَ ممَّن بعْدَهم، وكلُّهم عُدولٌ قُدوةٌ.
وفي الحديثِ: التَّنبِيهُ لِوُلاةِ الأمورِ على السَّعيِ في مصالِحِ الرَّعِيَّةِ، والجَهْدِ في دَفْعِ ضَرَرِهم وما يَشُقُّ عليهم من قولٍ أو فعلٍ، وعدمِ الغفلةِ عن أحوالِهم.
وفيه: بَيانٌ أنَّه يَنْبغي الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ، وإنْ كان المأمورُ رَئيسَ القومِ وأميرَهم يُخافُ بأْسُه؛ لأنَّ هذا مِن الجهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

الدرر السنية