تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر الكلمة الطيبة



ابو وليد البحيرى
2024-04-25, 01:03 AM
خواطر الكلمة الطيبة – ماء زمزم.. لما شرب له



وردت أحاديث كثيرة في فضل ماء زمزم، منها الصحيح والحسن ومنها الضعيف، ومما صح من ذلك، ما رواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم». والحديث حسنه الألباني.
ومنها حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أنه لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكثه ثلاثين بين يوم وليلة بمكة، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: فمن كان يطعمك؟ فقال له: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إنها مباركة، إنها طعام طعم». رواه مسلم، وفي مسند الطيالسي: «إنها لمباركة، هي طعام طعم، وشفاء سقم». والحديث صححه الألباني.
وفي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وغيرهما عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ماء زمزم لما شرب له». وصححه الألباني، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

ثلاث شعب مباركة
فإذا جمعنا الروايات في فضائله سنجد أمامنا ثلاث شعب مباركة:

الشعبة الأولي: (أنه يعد من الأطعمة)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم طعام طعم» وعندما سمع ذلك أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - جاء إلى مكة متسللا، فدخل من غير أن يعرفه الناس، واختبأ تحت ستار الكعبة، يقول: اختبأت ثلاثة وعشرين يوما ليس لي طعام إلا ماء زمزم، وخرجت له السُمن وهي ما تخرج إلا من الأطعمة، والذي كشف لنا هذه الحقيقة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيا من ربه.
فيستطيع الإنسان أن يستغني عن الأطعمة ويكتفي بماء زمزم، ويكون له بمقام الغذاء، والتجربة التي مر بها الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- عندما كان يتألم من بطنه فاستغنى عن الطعام بشرب ماء زمزم فترة من الزمن، ثم قال: وكنت أُخرج كالذي يأكل من الطعام، سبحان الله! وهذا في الحقيقة مصداق لهذا الحديث المبارك أن ماء زمزم طعام طعم، فضلا عن أن خصائصه كما جاء في المختبرات، أن فيه خصائص الأطعمة، أضف إلى ذلك أن ماء زمزم يعد الماء القلوي بالدرجة الأعلى، وهذه القلوية يحتاجها الإنسان لتعادل الأحماض حتى لا تسبب الأمراض، يقول الأطباء: «وجود الأحماض بداخل باطن الإنسان تسبب الأمراض».





الشعبة الثانية:





(ماء زمزم يعد شفاء للأسقام)



قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم»، كثير من الناس يتوجه للعلاج، ولكن اعلم أن من أعظم الأدوية والشفاء هي في ماء زمزم، ابن القيم -رحمة الله عليه- يحكي أنه ذهب إلى مكة فقال: وقعت بي من الأسقام ألا أستطيع أن أطوف ولا أسعى، يقول: فأصبحت أشرب من ماء زمزم حتى جاءتني من القوة ما لا أستطيع وصفه» وكثير من يتكلم عن ماء زمزم وسببه في الشفاء، ويكفينا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «هو شفاء سقم» يعني: يُشفى المريض بإذن الله –عزوجل- بشربه من ماء زمزم، وهذه مقيدة في قضية الإيمان وقوة اليقين: أي( يكون عندك إيمان بأن هذا الكلام حق، جاء بالوحي من عند الله، وعندي يقين بأن كلام الله حق يتحقق معك الموعود به بإذن الله عاجلا أو آجلا).


الشعبة الثالثة: (ماء زمزم لما شرب له)



وهو يشمل جزئين:

الجزئية الأولى: الدنيوية
«ماء زمزم لما شرب له» يُسأل الرازي المحدث -رحمة الله عليه- قيل له من أين لك هذه القوة في حفظ الحديث والدراية والرواية؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم لما شرب له» فكنت أشرب ماء زمزم ونيتي أن يرزقني الله حافظة أحفظ بها كتاب الله وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبح ذا ذاكرة قوية، وعبدالله بن عمر اختصر لنا هذا الأمر أنه كان إذا أراد أن يشرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسالك إيمانا دائما، وعلما نافعا، ورزقا واسعا وقلبا خاشعا، وشفاء من كل داء».

الجزئية الثانية: الأخروية
وفيها من أعجب ما قرأت، ما ذكره الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن عبدالله بن المبارك -رحمة الله عليه-، وكان معروفا بكثرة حجه وكان من أعبد الناس في زمانه « أخذ قدحا من ماء زمزم واستقبل الكعبة، ثم قال: اللهم إني قد بلغني وذكر الإسناد كاملا حدثني فلان عن فلان، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ماء زمزم لما شرب له، ثم قال: وإني أشربه يا ربي لعطشي يوم القيامة».
وهذا دلالة على أن ماء زمزم لما شرب له، فهي ليست قضية صغيرة في حياتك، فحياتك الدنيوية كلها قد تكون متعلقة بركتها في هذا الماء، وكذلك حياتك الأخروية لاعتقادك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بالكلام المطلق العام ما حدده فهكذا فهم عبدالله بن المبارك.





دراسة ألمانية: ماء زمزم له خواص علاجية





والعينات احتفظت بالجودة نفسها لمدة عامين




في عام 2012 كشفت دراسة طبية حديثة، أشرف عليها باحثون من معهد علوم الأرض بجامعة (هايدلبرج)الألما نية، التى تعد من أفضل 50 جامعة على مستوى العالم. إن ماء زمزم يختلف تماماً عن أنواع المياه المختلفة، وله خواص فريدة، وتوصل الباحثون إلى هذه النتائج بعد تجميع 30 عينة من ماء زمزم، بواقع 10 عينات من بعض الحجيج الألمان فى عام 2007، و10 عينات من بعض المحال فى (فرانكفورت وبرلين) فى عام 2011، و10 عينات أخرى من مدينة مكة، وفُحصت جميع العينات لمدة أسبوعين، وكشفت الدراسة عن نتائج مثيرة للغاية؛ حيث أكدت أن جودة مياه زمزم وطبيعتها لم تتغير لمدة عامين كاملين، والغريب أن النتائج كانت متطابقة بين جميع العينات، وفسر الباحثون هذه الفوائد المثيرة لمياه زمزم، مشيرين إلى أنها ترجع إلى خواصها القلوية؛ حيث يبلغ درجة (الأس الهيدروجينى) لها (pH 8)، وكما أنها تتمتع بخواص علاجية رائعة؛ بسبب احتوائها على تركيزات قليلة من عنصر الليثيوم والزرنيخ، وعلى الرغم من أن الأخير توجد أنواع ضارة منه، وكانت تركيزاته أعلى من الطبيعى، إلا أن بعض الأنواع الأخرى لها خواص علاجية رائعة.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-04-25, 01:05 AM
خواطر الكلمة الطيبة

– إذا لم تنفع أخاك المؤمن فلا تؤذه



أهل الإيمان لهم معاملة خاصة، والناس -عمومًا- لهم معاملة عامة، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، وقد جاء الإسلام ليهذب أتباعه فقال الله -تعالى- مادحًا رسوله صلى الله عليه وسلم : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وفي الحديث الذي رواه أبو ذَرٍّ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادةَ، وأبو عبْدِالرَّحْمنِ مُعاذُ بْنُ جبلٍ -رضيَ اللَّه عنهما-، عنْ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ», لقد بَنى الإسلام أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى، وجعل من أهم هذه الأسس والركائز الأخلاق الحسنة، وجعل من علامات كمال الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه؛ فقال - صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»
يقول يحيي بن عثمان بن معاذ - رضي الله عنه -: «ليكن حظ المؤمن منك إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه»
فهذه ثلاث وصايا مهمة لصلاح العلاقات بين أبناء المجتمع:

الوصية الأولى: «إن لم تنفعه فلا تضره»
فالمسلم كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فالأصل في المؤمن أنه ينفع الناس كلهم، ولكنه يزيد نفعه مع أهل الإيمان، فحاول إن لم تستطع أن تنفع أخاك فإياك أن تضره! وهذا مع أهل الإيمان عمومًا، وكلما كان أقرب كانت هذه الوصية أبلغ وأشد وأكثر؛ فاحرص عليها؛ فأحب عباد الله إلى الله أنفعهم؛ فأذي المؤمن شيء عظيم؛ لأن الله اتخذ أهل الإيمان أولياء له، فإياك أن تؤذي أحباب الله! قال -تعالى-:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.


الوصية الثانية: «إن لم تفرحه فلا تغمه»







حاول دائما أن تدخل الفرح والسرور على إخوانك في الله، وبشرهم بالمسرات والمبشرات، ومع الأسف، هناك من الناس من ترى أنه يسارع في إرسال الرسائل التي لا تفرح أبدًا، بل تأتي بالهم والغم، فإذا كان هناك خبر سيء فلا تسارع في نشره، وهناك من الناس من يوصل الأشياء التي تفرح بقدر ما يوصل الأشياء التي تغم؛ لذا قال -في الوصية الثانية-: إذا لم تستطع أن تدخل الفرح على أخيك المؤمن فلا تغمه بالأخبار والأقوال والأفعال السيئة.


الوصية الثالثة: «إن لم تمدحه فلا تذمه»







فالأصل في حق المؤمن أن تمدحه؛ لأنه من أهل الإيمان، فتمدحه على توحيد الله -عز وجل-، وعلى الصلاة وقراءة القرآن، وأنه على منهج السلف -رضوان الله عليهم-، وأنه من أهل الدعوة إلى الله -عزوجل-، امتدح فيه هذه الأشياء، فإن لم تفعل ذلك، فلا تذمه ولا تذكره بالسوء، سواء بحضرته أم بغيبته، وغيبته أعظم، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ». فذكر عقوبة الغيبة ولم يذكر عقوبة الافتراء والبهتان؛ لأنها أعظم عند الله -تعالى-؛ فادخر الله له عذابا لا يعلمه إلا هو.
اجعل هؤلاء الثلاث حظ المؤمن فيك، ما بين النفع والمدح والفرح، وإياك أن تؤذيه أو تغمه أو تذمه!؛ فإن ذلك ليس من صفات أهل الإيمان.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-04-27, 06:03 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– الدفاع عن القرآن


روى ابن حبان في صحيحه والحديث أيضًا صححه البخاري وهو حديث يحكي أحداث غزوة أحد، هذه الغزوة المعروفة والمشهورة التي ذكر أطرافها في كتاب الله -عز وجل-، وجاءت السيرة بتفصيلها تفصيلا كبيرًا، ونتحدث عن المشهد الذي انتهي بهزيمة جيش المسلمين أمام جيش الكفار، عندما عصى بعض المسلمين أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحل عليهم بعد ذلك هذه الخسارة الكبيرة، فبعد أن انطفأت نار الحرب وأخذ كل جيش مكانه: «... فَقالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَصْحَابِهِ فَقالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فقَدْ قُتِلُوا، فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقالَ: كَذَبْتَ واللَّهِ يا عَدُوَّ اللَّهِ؛ إنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وقدْ بَقِيَ لكَ ما يَسُوؤُكَ، قالَ: يَوْمٌ بيَومِ بَدْرٍ، والحَرْبُ سِجَالٌ، إنَّكُمْ سَتَجِدُونَ في القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بهَا، ولَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ».
فعمر - رضي الله عنه - لم يقصد مخالفة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يملك نفسه ولم ينكر عليه رسول الله، فهو يعلم أن عمر فعلها حمية لله ورسوله؛ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوته إقرار.

فائدة كبيرة
الشاهد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرد عليه عندما كانت القضية قضية أشخاص، وعندما وصلت القضية للشرع والدين والرسالة لم يتحمل - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يعطينا تصورا عاما للقضية وفائدة كبيرة من هذا الموقف: «أنه إذا كانت الحروب حروب أشخاص فلا تدخل فيها، ولكن إذا كانت للدين وأحكامه وشرائعه فلابد من الكل أن يتصدر للدفاع عنه».

كلٌّ على قدر استطاعته

وليس المقصود أن تخرج إلى الشارع وتتكلم وتضع لافتة، بل كلٌّ على قدر استطاعته، حتى الرجل في بيته عليه أن يجمع أهل بيته ويتحدث معهم عن فضل القرآن وأهميته، وأن ويستنكر هذا الفعل الشنيع أمامهم، كل شخصٍ على قدر استطاعته، علينا ألا نقف عند هذا الحدث فقط بالعواطف، وإنما رصد كل من يهاجم القرآن للرد عليه، وإعداد الردود المناسبة بالكتابة، وفي مواقع الإنترنت، وفي غيرها، والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للأولاد، ومساندة حلق التحفيظ، ونشر المصحف، وترجمة معانيه، والاعتناء بالتفسير، ودروس التفسير، وعلوم القرآن، ويجب أن نتخذ من هذا الحدث منبرًا للكلام عن فضل القرآن، وأحكام القرآن، وبلاغة القرآن، وإعجاز القرآن، وهيمنة القرآن على سائر الكتب.


مواقف السيرة

ولذلك فإن المواقف التي نقرؤها في السيرة ليست مواقف عادية، ولكنها تعلمنا كي نتعامل مع الواقع ومع الناس الذين يهاجمون شريعتنا؛ فهذا ليس هجوما شخصيا ولكنه هجوم على الأمة والدين والشرع، وهجوم على محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، فكان لابد هنا من أن نظهر جهادنا في سبيل الله، قال -تعالى-: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}، وقال أيضا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وآيات الجهاد في سبيل الله عظيمة وكثيرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}، والجهاد في الاسلام ليس بالسلاح فقط، مع شروطه وضوابطه، التي أكاد أجزم أنه لا أحد يعرف هذه الضوابط والشروط كما جاءت في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا السلفيون، وكل من خرج عن السلفية لا يعلم شيئا عن الجهاد الحق.


جهاد الحجة والبيان

ومن أنواع الجهاد المشروع: جهاد الحجة والبيان، فبه ننافح عن ديننا الذي يتعرض للأخطار من قبل المشركين والمبتدعين؛ فإن حماية العقيدة وكف العدوان والمعتدين من أعظم المهمات؛ فبه يُري الإنسان ربه أنه مؤمن ثابت على إيمانه ومعتز به ويقوم بدوره في الذود عن هذا الدين على أكمل وجه.




دورنا في الدفاع عن القرآن الكريم

القرآن العظيم أنزله -تعالى-: {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (النمل:2)، وقد جاء للعالمين من الإنس والجن نذيرًا؛ ليحذِّر من عصى الله عقابه وناره، ومبشرًا من أطاعه جنته ورضوانه، فقال -تعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1)، ويستغرب بعضهم الآن ما حدث من إهانة للمصحف الشريف على يد بعض المنافقين والمشركين، فبدلًا من أن يؤمنوا بهذا الحق، ويتدبروا فيه ويسلموا به، تراهم يصدون عنه ويستهزئون به، بل -والعياذ بالله- وصل بهم الأمر إلى أن يدنسوه ويهينوه.
ونصرة كتاب الله تكون بأمور عدة:
(1) العمل بالقرآن
العمل بالقرآن هو أشد ما يغيظ أعداءنا، ويوهن كيدهم، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فقد (كان خُلقه القرآن)، قال النووي: «وَكَوْنُ خُلْقِهِ الْقُرْآنَ هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَمَحَاسِنه».
(2) حفظه وتعلمه وتعلميه
وحتى نصل إلى ذلك لابد لنا من حفظه وتعلمه وتعلميه؛ حتى نطبقه عن علم ودراية، راجين ثواب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعًا يوم القيامة»، وهو في السلسلة الصحيحة.
(3) نشر معاني القرآن الكريم
كذلك نشر معاني القرآن الكريم ولا سيما بين غير المسلمين، وإيجاد ترجمات صحيحة خالية من الأخطاء.
(4) إنشاء الأوقاف الإسلامية
إنشاء الأوقاف الإسلامية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وطباعته، وطباعة سائر علوم القرآن، وتراجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ونشره عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الإنترنت.
(5) الردود العلمية
وكذلك قيام طلبة العلم والباحثين بإعداد الردود العلمية على أولئك المنتقصين لكتاب الله -عز وجل-، أو المفترين الجدد والرد عليهم وإفحامهم.



اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-04-27, 06:04 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي



أتحدث اليوم عن حديث كلكم تحفظونه، رواه أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «شفاعتي لأَهلِ الْكبائرِ من أمَّتي»، والنبي -[- أوتي جوامع الكلم، فهذه كلمات قليلة، ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني.
المعني الأول: مقام الشفاعة أولا: أن الله -عز وجل- جعل هناك مشاهد ومقامات يوم القيامة، ومنها مقام (الشفاعة)، وهذا المقام سيكون له أمران: - الأمر الأول: أن الله -عز وجل- يأذن للشافع. - الأمر الثاني: أن الله يرضى عن المشفوع. قال الله -تعالى-: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقوله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}.
المعني الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الشفاعة العظمى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الشفاعة العظمى (المقام المحمود) فنسأل الله -عزوجل- أن تكون الوسيلة والفضيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا المقام الذي جعله الله سيكون صاحبه محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما أخبرنا رسولنا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - له شفاعات كثيره منها: 1- الشفاعة الأولى: شفاعة الإذن بالحساب (وهذا أكبر موقف للعالم كله). 2- الشفاعة الثانية: شفاعة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب. 3- الشفاعة الثالثة: شفاعة لأهل الذنوب والمعاصي من أمته، فهناك طائفة من أمه محمد كتب عليهم العذاب وبشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لا يعذبون، وهناك طائفة أخرى كتب عليهم العذاب ويعذبون فترة ثم يخرجون من النار بشفاعته - صلى الله عليه وسلم . 4- الشفاعة الرابعة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - بأن يرفع الله درجات أناس في الجنة، أما شفاعته لأهل الكبائر لقوله - صلى الله عليه وسلم - «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وهذه فيها ملحظ أن الإيمان أمره عظيم «فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» تنجي العبد من أمرين: - الأمر الأول: عدم دخوله للنار إذا كان صاحب استقامة بفضل الله -عز وجل. - الأمر الثاني: لا يخلد في النار؛ لأن عنده هذه البطاقة وهي (الشهادة) فهي أمان من الخلود في النار، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلد في النار من قال: لا إله إلا الله».
المعني الثالث: لا تيأس من رحمة الله إن الذي ارتكب الذنوب والمعاصي والآثام عليه ألا ييأس من رحمة الله، وإن الله من رحمته أوحى لرسوله أنك يا محمد ستشفع لأصحاب الذنوب من الكبائر، وهذا خبر أخبر النبي به أمته قال: «إن الله أخبرني أنه سيقبل لي شفاعة لأصحاب الكبائر من أمتي».
المعنى الرابع: بشرى لأهل الذنوب وهذه فيها بشرى لأهل الذنوب، فلو سمع المذنب أن النبي سيشفع لأهل الكبائر من أمته يدعوه ذلك ليحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتباعه ومعرفة سننه ومنهجه ودينه؛ فإذا تعلم هذا الأمر استقام وتأثر.
المعنى الخامس: لسنا معصومين عن الخطأ هل نحن معصومون من الوقوع في الكبائر؟ الجواب: لا. فلا تسمع هذا الحديث وتحسب أنك بعيد عن هؤلاء، فبعض الناس جعل لنفسه قدسية، فحتى لو كان حافظا للقرآن والسنه وداعيا وساعيا في أعمال الخير، فنحن لسنا معصومين من الوقوع في الكبائر، والله يسترنا، وإذا نظرنا للكبائر نجد أن لها بابا كبيرا قد نقع فيها ونحن لا ندري، منها : كبائر آفات اللسان من غيبة ونميمة واستهزاء، وكبائر النظر، وكبائر السمع، وكبائر العقوق، وكبائر قطيعة الأرحام، فتحتاج أن نتوب منها، فلو مت وأنت لا تعلم فلعل الله -عز وجل- أن يجعل محمدا شفيعا لك يوم القيامة؛ فهي ليست مقتصرة على الذنوب الكبيرة المعروفة كالزنا وغيره، وإنما تتطرق الكبائر إلى أمور أخري كثيرة كما ذكرنا، فنسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله أن يتوب علينا وصلى الله وسلم على محمد.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-04-30, 12:30 AM
خواطر الكلمة الطيبة

– الموحد لا ينقطع رجاؤه في ربه



الموحد لا ينقطع رجاؤه من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الموحد الحقيقي هو الذي يحسن الظن بربه، ويحقق معاني التوحيد في قلبه؛ فإن كان في مقام توحيد الربوبية، فإن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت؛ فأنت تفرد الله بأفعاله، وإن كان في توحيد الألوهية، فإنك تعبد إلها واحدا لا شريك له، ولا يستحق أحد أن يُعبد مع الله -جل وعلا-، والله أغنى الشركاء عن الشرك، وإن كان الموحد يوحد الله في أسمائه وصفاته، فقد عرف أسماء ربه وصفاته فعظم أمر الله في قلبه.
والذي يولد هذا الشعور، أن العبد لا ينقطع رجاؤه في الله -عزوجل- يعني يرجو الله -عز وجل- إلى آخر رمق وأخر نقطة ممكن للإنسان أن يصل إليها، ولا يدخل في قلبه اليأس ولا القنوط من رحمة الله -عزوجل-؛ فإن اليأس والقنوط من حال الكافرين؛ لأن من ينقطع رجاؤه، وييأس من رحمة الله هم القوم الكافرون، وأما أهل الإيمان فلا يأس ولا قنوط.
قصص يعتبر منها الإنسان
وهناك حالات في القرآن ذكرها الله قصصا ليعتبر منها الإنسان، ويرى قدرة الله -عزوجل-، وانظر إلى أثر التوحيد في ذلك، إبراهيم -عليه السلام- رجل ليس به أي عيب خلقي ويستطيع أن يرزق بأولاد بعد الله -عز وجل- ولكن زوجه عقيم، فسارة عندما كبرت في السن ورزق إبراهيم بإسماعيل من زوجة أخرى وهي هاجر، وتركهم في وادي غير ذي زرع ورجع إلى زوجته سارة بُشر بإسحاق من زوجته العقيم ومن وراء إسحاق يعقوب؛ فقالت زوجته متعجبه: أألد وأنا عجوز عقيم وهذا بعلي شيخا؟! فقالت لها الملائكة: أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. وقد يكون الأمر عكس ذلك، فتكون المرأة صالحة ليس بها عيب، وإنما الرجل هو الذي يكون عقيما، فالمرأة صالحة لأن تكون مزرعة ينتج من ورائها بإذن الله، ومع ذلك الإنسان لا يقطع رجاءه في الله -تعالى- أن يكون له ذرية.
زكريا -عليه السلام
ولكن من أعجب الحالات حالة زكريا -عليه السلام-، هو عقيم وامرأته عجوز كبير ومع ذلك ما قطع رجاءه في الله -عزوجل-؛ فقال في القرآن: {ورَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} يعني أرض قاحله لا تصلح للزرع، ومع ذلك دعا ربه ولم ييأس ولم يقنط من رحمته؛ فقال الله -تعالى له-: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}.
لا تقطع رجاءك في الله
فلا ينقطع رجاؤك يا مؤمن في الله -عزوجل-؛ فمهما كان الأمر بعيدا، فهو عند الله قريب، ومهما كان صعبا، فهو عند الله يسير، ومهما كان احتمالية عدم وجوده، فالله -عز وجل- إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
قصة واقعية
وهذه قصة حدثت معي في حج 1443؛ حيث كان هناك رجل عقيم ليس لديه أي فرصة تمامًا للإنجاب، ومرت عليه سنوات طويلة قرابة 16 سنة، وزوجته صالحة للإنجاب يقول: في عرفة هذا العام استشعرت أن الله يدنو من الخلائق لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَهْبطُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا عَشيَّةَ عَرفَةَ ثم يباهي بِكُمُ الملائِكَةَ، فيقولُ: هؤلاءِ عِبادي جاؤوني شُعثًا من كلِّ فَجٍّ عميقٍ، يَرجونَ رَحمتي ومَغفِرَتي، فلَو كانَت ذنوبُهُم كعَددِ الرَّملِ لغَفرتُها، أفيضوا عبادي مغفورًا لَكُم لمن شفعتُمْ فيه»، يقول: وتعرفت على إخوة صالحين وطلبت منهم أن يدعوا الله لي وأن يرزقني الذرية، وزوجتي فعلت كذلك. وبعد رجوعه بشهرين فإذا امرأته حامل، فقد ذهب للفحص فإذا بالنتائج تخرج أنه ليس به أي عيب، فقال له الطبيب: ما العلاج الذي أخذته؟ فقال: والله وجدت علاجا غريبا، فقال له: وما هو؟ فقال: يوم عرفة وقفت في صعيد عرفة وأنا بإحرامي ودعوت الله بيقين، وأشركت إخواني معي الصالحين، وزوجتي فعلت مثل ذلك فحقق الله -عزوجل- لي ما طلبت، ورزقت بولد والحمد لله رب العالمين.
رجاؤك في الله كبير
فدائما اجعل رجاءك في الله كبير، وهذا لا يتحقق إلا كنت من أهل التوحيد الخالص؛ لذلك حقّق التوحيد في قلبك وتعلم وتدبر أسماء الله -تعالى- وصفات الربوبية والألوهية فإن ذلك مما يحقق اليقين في قلبك، وطالع دائمًا كتب التوحيد وراجعها باستمرار، ويوجد منها مختصرات لمقام التوحيد ومعرفته، ومن ذلك كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتب الشيخ ابن تيميه -رحمهم الله- ففيها بركه ومن فهمها فهما سليما، حقق الله مراد التوحيد في قلبه، فأسال الله أن يتقبل رجاءنا ودعاءنا وألا يخيب رجاؤنا فيه.
حقيقة الرجاء
الرجاء: هو الطمع في فضل الله ورحمته، والاستبشار بِجُود الرب -تبارك وتعالى- وفضله، والثقة والانشراح لمطالَعَة كرمه -سبحانه-، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة: 218)، وقد سُئِلَ أحمدُ بنُ عاصمٍ -رحمه الله-: ما علامة الرجاء في العبد؟ فقال: «أن يكون إذا أحاط به الإحسان، أُلْهِمَ الشكرَ راجيًا لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة، وتمام عفوه عنه في الآخرة»، وقيل: «علامة صحة الرجاء حسن الطاعة». وأنواع الرجاء ثلاثة، نوعان محمودان، ونوعٌ غرور مذموم، فالأولانِ: رجاءُ رجلٍ عَمِلَ بطاعة الله على نور من الله، فهو راجٍ لثوابه، ورجل أَذْنَبَ ذنوبًا ثم تاب منها، فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه، وإحسانه، وجوده، وحِلْمه، وكرمه، فهذان النوعان محمودان، والثالث: رجاء رجل متمادٍ في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور، والتمني، والرجاء الكاذب. وقد أجمع العلماء على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل، وأمَّا ترك العمل، والتمادي في الذنوب، اعتمادًا على رحمة الله، وحسن الظن به -عز وجل- فليس من الرجاء في شيء، بل هو جهل، وسَفَه، وغرور، فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المفرطين، المعاندين، الْمُصِرِّينَ. ومن هنا ندرك الفرق بين الرجاء وبين التمني والغرور؛ إذ التمني يكون مع الكسل وترك العمل ولا يسلك صاحبه طريق الجِدّ والاجتهاد، وأما ا لرجاء فيكون مع العمل والطاعة، وبذل الجهد وحسن التوكل، قال -تعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف: 110). وأما الغرور فهو تمنٍّ مع انخرام أسبابه والعمل بالضد، قال يحيى بن معاذ: «مِنْ أعظمِ الاغترارِ عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقُّع القُرْب من الله -تعالى- بغير طاعة»، ويصدق على ذلك قول الشاعر:
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا

إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ



اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-04-30, 12:31 AM
خواطر الكلمة الطيبة – خطـورة الكـبر



محمد الشرقاوي

أتحدث اليوم عن داء عظيم، وهذا الداء من ابتلي به فقد أصابه مرض عضال، ومرض يحتاج إلى العلاج النبوي، وهذا الداء نهى الله عنه، ونهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: (داء الكبر) وقد أصيب كثير من المسلمين بهذا الداء وانتشر عندهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ». أي: محق الحق، واستحقار الناس.

خطورة الكبر
الكبر قد يكون من المسؤول، فالمدير قد يتكبر على الموظفين وينسى العلاقة الأخوية بين المسلمين، والكبر قد يكون «بسبب كثرة العلم»، فيتكبر العالم على العامة بسبب كثرة علمه، ومن الكبر أيضًا الكبر بسبب النسب أو «الجنسية» فيتفاخر المرء بجنسيته أو بنسبه، وينظر للناس ويقيمهم بهذا المنظور ويتكبر عليهم، ومنهم من يتكبر على الناس «بالمال» فينظر إلى نفسه ويقول: أنا غني وهذا فقير، وهذا كله من الكبر الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وذمه حتى ولو كان صغيرا فقال:» لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»
الجزاء من جنس العمل
وذكر أيضًا - صلى الله عليه وسلم - أن الجزاء من جنس العمل، فمن يتكبر ويتسلط على الناس في الدنيا، يجازيه الله بعقوبة مثلها في النار، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:» يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ، يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ، يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له: بُولَسُ، تعلُوهم نارُ الأنيارِ، يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ». والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول أيضا:» بينما رجل يمشي؛ إذ أعجبته حلته، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»، فهو كما تكبر بثيابه على الناس فيهبطه الله ويخسف به في الأرض إلى يوم القيامة.
التكبر بالنسب
وأما الذي يتكبر بالنسب، فقد روى أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: «أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك؟»، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «انتسب رجلان على عهد موسى -عليه السلام-، فقال أحدهما: «أنا فلان بن فلان -حتى عد تسعة-، فمن أنت لا أم لك؟»، قال: «أنا فلان بن فلان بن الإسلام»، فأوحى الله إلى موسى -عليه السلام- أن هذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة» رواه الإمام أحمد.
نسب الإسلام هو الذي يدخلك الجنة
فنسب الإسلام هو الذي يدخلك الجنة، أما النسب العادي لا يدخل الجنة، بدليل أن أبا طالب -عم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب أشرف الأنساب- في ضحضاح النار، وبلال بن رباح الحبشي كان عبدا، ومع ذلك سمع النبي خشخشة نعليه في الجنة، فالنسب لا يقدم ولا يؤخر أبدا، فهذا الحديث يبين لك أن معيار التفاضل عند الله هو «الإسلام» وليس الأنساب قال -تعالى-:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}؛ فميزان التفاضل هو التقوى، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبر
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبر؛ فرأى رجلا يعير أخاه بالعبودية؛ فقال له: إنك امرئ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم،».
حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على التواضع
وكان - صلى الله عليه وسلم - يحرص على التواضع ويأمر به ويقول» من تواضع لله رفعه» وكان - صلى الله عليه وسلم - هو سيد المتواضعين، يقول أحد الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:» أنه كان يمشي مع المرأة الخرقاء فيقضي حاجتها»، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، وكان يقول: «إنما أنا بشر مثلكم»، وكان حريصا على ألا يميز نفسه أمام أصحابه، فكان يدخل الأعرابي ويسأل أيكم محمد؟ وهذا فيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يميز نفسه عن صحابته، فكان متواضعا.
تحريم الكِبْر والإِعجاب
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: ينبغي للمؤمن أن يحذر أن يعجب بعمله، أو نفسه، أو أن يتكبر على إخوانه، يجب الحذر من ذلك؛ فإن الإنسان محلُّ الخطر، فينبغي له أن يُحاسب نفسه، وأن يُجاهدها حتى لا يقع في قلبه التَّكبر على إخوانه والعجب بنفسه فيهلك، ولهذا حذَّر الله من ذلك وقال في قصة لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقال -في قصة قارون-: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (القصص:76) يعني: فرح الكبر، فرح الخيلاء والتَّكبر. فالواجب على المؤمن الحذر، وأن يكون على بينةٍ وبصيرةٍ في أمره؛ لأنه ضعيف، ما الذي يدعوه إلى التّكبر والإنسان ضعيف؟ خلقه الله من ضعفٍ، وهو على ضعفٍ، فكيف يتكبر على إخوانه؟ وكيف يستنقصهم؟ وكيف يُعجب بنفسه؟ فالواجب عليه أن يحذر ذلك. قال رجل: يا رسول الله، الرجل يُحب أن يكون ثوبُه حسنًا، ونعله حسنةً، أفذاك من الكبر؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الله جميلٌ يُحبُّ الجمال، الكِبْر: بطر الحق، وغَمْط الناس، ومعنى بطر الحق: ردّ الحق، وغمط الناس: احتقارهم، هذا هو الكبر، ردّ الحق؛ لأنَّه خالف هواه، واحتقار الناس؛ لأنَّهم ما أتوا على شاكلته وهواه، فيحتقرهم، فالكبر: بطر الحق، وغمط الناس، يعني: احتقار الناس، فينبغي للمؤمن أن يكون بعيدًا عن ذلك، وأن يحذر التّكبر والعجب وجميع ما نهى الله عنه، كذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: يقول - صلى الله عليه وسلم -: لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردلٍ من كبر، وهذا وعيدٌ شديدٌ، ويجب الحذر، فالواجب على المؤمن أن يُجاهد نفسه في التَّواضع وعدم التَّكبر وعدم العُجب؛ لأن العبد على خطرٍ، وقد تغرُّه نفسه، وقد تغرُّه دنياه، وقد تغرُّه وظيفته، فليحذر.

ابو وليد البحيرى
2024-05-01, 01:35 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– حسن الظن بالله


بالابتلاء يتعاهد الإنسان نفسه ويزكيها ويصلح ما انفرط من عهودها مع الله فيرجع لمولاه فيتبرأ من حوله وقوته ليلوذ بحول الله وقوته
المؤمن يتلقى أمر اللّه برضا واستسلام لأنه ما ركن للحياة الدنيا ولا أخلد فيها ولأنه يعلم أنها جسر العبور ومزرعة لحياة أخرى
الابتلاءات تضبط بوصلة الإنسان وتصحح مساره فيعود لله ذليلاً خاضعاً راجياً التوبة والقبول

أبدا أولا بالابتهال إلى الله -تعالى- أن يرفع عن أمة الإسلام والمسلمين كل مصيبة وبلاء، وأن يلهم الصبر والسلوان كل من أصيب بهذه المصائب التي قدرها الله -عز وجل- على أمتنا في ليبيا والمغرب ومصر وغيرها من البلدان الأخرى، وأن يثيبهم أجرا عظيما، ويجعل ذلك في ميزان حسناتهم. وأريد أن أقف وقفة سريعة على هذه الأحداث:
الوقفة الأولى
يجب أن نعلم أن الملك لله، والله يفعل بملكه ما يشاء {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فلا يحق لأحد أن يعترض على أقدار الله -عز وجل- في ملكه؛ فالله -عز وجل- يعطي من يشاء، ويؤمِّن من يشاء، ويخوف من يشاء، ويغني من يشاء، ويفقر من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، فهذا كله بيد الله -عز وجل-، وكل أقواله وأفعاله لحكمة، فهو الحكيم الخبير.
الوقفة الثانية
لا تسئ الظن بالله -عز وجل-؛ فالله -سبحانه- له حكمة في كل أموره، فبعض الناس قد يقول: لماذا يقدر الله هذه الأقدار على الناس وهي دول عربية ومسلمة، ومع أنها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم ؟ ومع ذلك لا يحق لنا أن نسأل هذا السؤال؛ فالله يَسأل ولا يُسأل، قال -تعالى-: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، وهذا السؤال قد يجر الإنسان إلى أن يسيء الظن بالله -عز وجل-، والله قال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}. في صحيح البخاري ومسلم «دخل جماعة على عمران بن حصين، وكان مريضا قد نزل به من المرض ما نزل، فابتأسوا لحاله، وأظهروا هذا الأمر بالأقوال والأفعال، وهو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهم: لا تحزنوا؛ فإن الله -تعالى- قال: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30) وهذا فيه أمران: 1- الأول: إحسان الظن بالله؛ لأنه عفا عن كثير. 2- الثاني: إساءة الظن بالنفس؛ لأنها السبب في المصائب والابتلاءات. وهل قال الله لنبيه: إنه لا يصيب بالابتلاءات والمصائب من كان موحدا؟ كلا؛ فالله لم يقل ذلك، بل قال في آية تدل على أن المصائب سنة ماضية في الخلق، فقال: (وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة157).
سنة ماضية في الخلق
فالله بين أنها سنة ماضية في الخلق، وأنه -سبحانه- عفا عن أشياء كثيرة، تصدر مني ومنك ومن الناس ومن الأمة أجمع، وأن الله أخبر أنه لو أراد أن يحاسب كل إنسان فردا ومجموعة أو أمة على كل ما فعلوه أنظر إلى النتيجة قال -تعالى-: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} (45البقرة)، ولكن الله يعفو ويتجاوز ويرحم، بل جاء قوم لعلي بن أبي طالب فقال لهم: «ألا أخبركم بحديث على كل مسلم مؤمن أن يحفظه، إن الله إذا عاقب في الدنيا عقوبة عفا عنها في الآخرة، ومن لم يأخذه في الدنيا فإن الله يغفرها بمغفرته ورحمته يوم القيامة».
لا تحكم على الأحداث
فلا تحكم على ما حدث أنه عقوبة؛ فربما كان ابتلاء، وأحسن الظن بربك وأسئ الظن بنفسك، ولا تفرح بوقوع مصيبة، وإذا أردت أن تتكلم فتكلم عن شكر نعم الله الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، فنحذر من المعاصي والآثام والخطأ الذي يقع فيه الناس، ولكن لا نتشفى ولا نضحك ولا نرقص على مصائب الناس؛ فهو خلاف ما جرت عليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يحزن للمصائب التي تقع على الأفراد، كما كان يحزن على ما يقع للأمة، وهذا ما يجب على كل مسلم معتدل في مشاعره وإيمانه وعلمه، ليقوده ذلك إلى كيفية التعامل مع الأحداث.
موقف المؤمن من الابتلاءات
يتميز المسلم عن غيره في الابتلاء من خلال ردة فعله وسلوكه؛ فالمؤمن يتلقى أمر اللّه برضا واستسلام؛ لأنه ابتداء ما ركن للحياة الدنيا ولا أخلد فيها، ولأنه يعلم أنها جسر العبور ومزرعة لحياة أخرى؛ ولهذا فإن المسلم ينظر للابتلاء نظرة يستقي منها ويُربي نفسه على أبعاد الابتلاء وقيمه التربوية، ومن هذه الأبعاد والقيم: أولاً: تحقيق العبودية لله
فالإنسان في كل حالاته ومقاماته لا يتعدى كونه عبداً لله؛ لقوله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)؛ فلا يزال يتنقل في عبوديته بين الشكر في السراء والصبر في الضراء، لا تفتنه الحياة بمباهجها، ولا تجزعه بمصائبها، ولا يخرج بذلك عن مقام العبودية لله. ثانياً: التوبة والأوبة لله
يقول -جل شأنه-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (الحديد:16)، فالابتلاءات تضبط بوصلة الإنسان وتصحح مساره، فيعود لله ذليلاً خاضعاً راجياً التوبة والقبول، والإنسان أقرب ما يكون لمولاه إنما في شدته ومصابه، وكأن الشدائد لها قرع يحيي موات القلوب ويستلها من غفلتها، فتعود عن ضلالها وغيها لرحاب الله كعودة العبد الآبق بين يدي سيده نادماً خاضعاً، يرجو العفو والمغفرة والقبول. ثالثاً: الإخلاص وتزكية النفس
وهذا مدار سعي الإنسان في حياته: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس:7-10) فبالابتلاء يتعاهد الإنسان نفسه ويزكيها ويصلح ما انفرط من عهودها مع الله؛ فيرجع لمولاه، ويتبرأ من حوله وقوته ليلوذ بحول الله وقوته. رابعًا: التضرع والدعاء لله
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام:42)، وقد قيل في تفسير هذه الآية: «البأساء: الفقر والمصائب في الأموال، والضراء: المرض والمصائب في الأبدان، لعلهم يدعون الله بضراعة وهي التذلل» (زبدة التفسير). خامسًا: تكفير الذنوب والخطايا
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه، حتى الشوكة يشاكها» (رواه مسلم). سادسًا: الثواب العظيم الذي يرجوه المؤمن من ربه
والمؤمن يرجو من ربه الثواب العظيم فيما أصابه من مصائب وشدائد؛ لقوله -تعالى-: {وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157).

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-01, 01:36 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– كتاب التلخيص المصور لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم



في سنة 1959 انتهي الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- من البحث الأول في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان في دمشق، والطبعات التي درسنا فيها صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة 1980 كانت هي الطبعات المتأخرة، ولعل أكثر من درس صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - درسها على الطبعة الأخيرة.
والشيخ ناصر -رحمه الله- في سنة 1983 جعل لهذا الكتاب الذي يقع في ثلاثمائة وعشرين صفحة -والذي يعد المتن في بيان صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سماها (صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراه)- جعل له مختصرا في 32 صفحة على هيئة نقاط. وفي الحقيقة من تأمل الكتاب الأصل مع المختصر، يجده -سبحان الله- إبداع يوجز العبارة حتى تصل إلى القارئ بسهولة وكأنك تراها، وفي سنة 2006 رأينا الكتاب الأصل في ثلاث مجلدات، في بعضها إسهاب وتفصيل بالأسانيد والنقد الحديثي والفقهي، إلى أن وصل إلى ثلاث مجلدات، وكنت أراجع الشيخ مشهور حسن -وهو من خيرة تلاميذ الشيخ الألباني- في بعض أشياء في الصفة بعد الفجر، وكان يرد علي مباشرة، حتى أحالني إلى رسالة صغيرة، وقال:» هذا حق الأخ محمود، أخذ مختصر الصفة وصورها تصويرا ( كيف تقف؟ كيف تضع يدك في الصلاة؟ كيف تركع؟ كيف تسجد؟....ألخ).
طباعة الكتاب
فبعد ذلك استحسنت أن نطبع هذا الكتاب واستأذنت الشيخ محمود فأجازني بإذن خطي لجمعية إحياء التراث أن تطبع هذا الكتاب، وبالفعل طبعناه على شروط الكتاب دون زيادة ولا نقص في متن الكتاب، وفعلا تقيدنا بذلك إلا أنا وضعنا كلمة للشيخ طارق العيسى يوم طلبنا منه، إلا أنه قال لي اكتبه أنت، فكتبت نيابة عن الكلمة الطيبة لتخريج هذ الكتاب، ووضعت أشعارا في الثناء والمدح للشيخ الألباني كانت لأخينا خالد الخراز، ووضعنا في الأخير الإنجازات التي قامت بها الكلمة الطيبة، ومنها الاهتمام بالكتاب، ووزعناه.
الإقبال الكبير والثناء العظيم
والعجيب أننا رأينا الإقبال الكبير والثناء العظيم على هذه الرسالة من الناس، ولا سيما أن فيها وضع الصور بالكيفية التي كان يصليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالحمد لله فهذه وإن كانت رساله صغيرة إلا أنه جاء من ورائها خير عظيم بفضل الله؛ فالناس بحاجة إلى أن تعلمهم أقل الأشياء، وتتكلم معهم في المسائل العضال وقضايا الأصول والتخريج والأسانيد تصحيحا وتضعيفا، فترى أن معظم الناس محتاج أن تبدأ معهم من الصفر، وترى أن أقل المسائل لا يعلمها كثير من الناس. وأنا أقول الحمد لله؛ أن وفقت جمعية إحياء التراث الإسلامي في مثل هذه الرسالة التي وصلت إلى كثير من الناس، وإن كانت 10.000 نسخة التي طبعت ما تكفي الفترة القادمة، ويحتمل أن نعيد طباعتها، واستأذنت المؤلف بأن نكبر الكتاب لكبار السن وأصحاب النظر الضعيف حتى يروا الصورة جيدة، ولكي يطبقوا التطبيق الصحيح لصفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن صلى الصلاة وتابع فيها محمدا - صلى الله عليه وسلم - فليعلم أنها الصلاة الكاملة المقبولة عند الله؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له، وكان موافقا لرسول الله، ونسأل الله أن نكون مفاتيح خير، مغاليق للشر لأنفسنا ولأمتنا وصلى الله على نبينا محمد.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-08, 12:02 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– واجبنا تجاه أحداث غزة


الواجب الأول على كل مسلم الدعاء لإخوانه أن يحفظهم الله وأن يمكنهم وينصرهم وأن يهزم أعداءهم وأعداء فلسطين
على كل مسلم القيام بما يجب عليه القيام به أيا كان موقعه سواء كان دورا خيريا أم دورا سياسيا أم دورا برلمانيا أم دورا دبلوماسيا

لا شـك أنّ القلب يعتصـر ألما وجزعًا على إخــوانٍ لنا في اللـه -عز وجل- في أرض فلسطين، والكثير منا يتابع هذه الأخبار، ولكن كما تعرفون أن الأخبار التي تأتي إلينا هي في الغالب أخبار مقطوعة أو مبتورة، أو أن هناك أجزاء كثيرة من الحلقات مفقودة لا يعرفها الكثيرون، وحتى لا نقع في أخطاء قد تكون كبيرة؛ لأنها قد تقدح في الإيمان، وقد تقدح في الولاء الذي ينعقد بين أهل الإسلام وبعضهم بعضا، لذلك فإني أقول: أمسك عليك لسانك، وقل خيرًا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم.
وفي مثل هذه الأحداث نجد بعض الناس يحاول إلقاء الملامة على أهل الاسلام هناك، وأن الأمة فيها وفيها، ونحن نعلم تمامًا ما في الأمة من ابتلاءات وجراح، ولكن لا يليق أن نتكلم عن الأمة بهذا الشكل في تلك الحال.
لا تقل بهذا القول
وكذلك لا يجوز أن نتكلم بتلك الطريقة على من كان هناك في فلسطين فنلقي بالملامة على من ابتدأ الأحداث، فنقول أحدثوا أو ابتدؤوا أو ألقوا بشرارة أعمالهم، والأن هم يلقون جزاء هذه الأعمال. لا يا إخواني، لا يجوز لنا أن نقول بمثل هذا القول، لماذا؟ لأنك لا تدري طبيعة الأمور، حتى وصلت الى هذه النقطة وجعلت هذه الشرارة تنطلق وتبدأ، إذًا فما المطلوب؟ المطلوب منا في مثل هذه الحال الصعبة الدعاء لإخواننا ولأمتنا، ادع للأمة بالخير، وأن يحفظها الله -عز وجل- وأن يكتب لإخواننا النصر والتمكين.
فتاوى علماء الدعوة السلفية
الأمر الثاني، الذي قد يقع فيه بعضنا أنه يريد أن يتكلم بأن العلماء مثلا -الدعوة السلفية- تكلموا عن قضية فلسطين ويأتي بقضايا وبأمور وبجزئيات لا تليق أن تقال الأن، وفيها إساءة لهم؛ حيث يأتي بفتوى للعالم الفلاني ليسقطها على هذه الأحداث، وهذا من الخطأ البين. لأن الشيخ الذي تكلم قديمًا في هذه القضية، تكلم في واقعة محددة ومعينة وفي أحداث معينة وسياق معين تكلم فيها، فإذا كان الحدث الحالي هو شبيه تماما بما تكلم فيه فنعم، وأما أن تأتي بكلامه في غير موضعه فهذه إساءة لا تجوز، وأنت هنا بهذا التصرف ترسخ لمبدأ إساءة الظن في إخوانك في الله -عز وجل- أصحاب المنهج الحق في مثل هذه القضية التي تعد قضية أمة اليوم.
سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم
والأمر الثالث في مثل هذه الأحداث أنه يجب علينا أن نعرف بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أيام وقعت فيها مثل هذه الأمور من الخوف والشدة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تعامل مع من أخطأ في مثل هذه القضايا معاملة توجيه، ومعاملة رحمة، معاملة ما خرجت عن النصرة وما خرجت عن الولاء، الولاء بمعناه المحبة والتأييد والانتصار لأمة الإسلام وللمسلمين. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد مثلا بدأ معركته بالانتصار في الجولة الأولى منها، ولكن بتقدير واجتهاد خطأ للرماة الذين كانوا على جبل نزلوا ظنًا منهم أن الحرب قد انتهت وانتصر المسلمون، وكان قائد جيش الكفار في هذا الوقت خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، الذي أدرك أنَّ هذه فرصة لكي يعوض الخسائر، فصعد على جبل الرماة وألحق بالمسلمين الهزيمة. هذا الخطأ مكَّن الكفار من أهل الإسلام في هذا الوقت، نعم عاتبهم الله -عز وجل- لأنهم ما أطاعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تقيدوا بكلامه، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هجرهم وما كفرهم وما خرَّجهم عن الأمة وما قال للصحابة تستحقون ما حدث لكم لأن هؤلاء فعلوا وفعلوا! لا، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يضبط الأمر، وعلمهم أن الاجتماع على التوحيد والاجتماع على اتباعه -[- هو الذي يحقق النجاح والفلاح. وبعدها مباشرةً خرج - صلى الله عليه وسلم - من هذه المعركة إلى معركة حمراء الأسد بالرغم من جراحهم وآلامهم مع قتلاهم وموتاهم، فجعل الله -عز وجل- النصر المعنوي لهم أكبر من النصر المادي للكفار في غزوة أحد، فهنالك قد هزموا ماديا في غزوة أحد، لكن ما بعد الغزوة مباشرة الله -عز وجل- جعل لهم النصر؛ إذ بعث الرعب في قلوب أعدائهم المنتصرين عليهم.
القضية والدور المطلوب
إخواني، في نهاية هذا الأمر أريد أن أبين أن القضية كبيرة، والمعلومات التي لدينا قليلة جدا، فإذا أردت فهناك واجبان اثنان لا ثالث لهما إن شئت: الواجب الأول: الدعاء
أن تدعو لإخوانك أن يحفظهم الله وأن يمكنهم وينصرهم، وأن الله -عز وجل- يهزم أعداءهم وأعداء فلسطين، فاليهود هذا الكيان الغاصب أعداء للأمة، ولا تحسبهم يريدون فلسطين فقط، وإنما المخططات التي يخططون لها يريدون بها الإسلام والمسلمين جميعا، فهم يريدون وأد المسلمين هذا مخططهم، ففلسطين جزء من كيان الأمة المراد إبادتها وهذا الجزء الذي يستطيعون مواجهته، وباقي الأمه يدبرون لشل حركتها. الواجب الثاني: النصرة
أنك تقوم بالنصرة، فتدفع من مالك؛ فهناك جرحى بحاجة الى أدوية وعلاجات، وهناك متضررون فقراء يحتاجون إلى الطعام والغذاء والمسكن والملبس فنحاول القيام بهذا الدور، وهناك من عليه دور سياسي، ودور برلماني، ودور نيابي، ودور دبلوماسي، يقوم به إخواننا في الله من أهل تلك الأماكن من أبناء الأمه، حتى نرمم هذا الرقع الذي صار، نسأل الله -عز وجل- من فضله وكرمه أن ينصر هذه الأمة، وأن ينصر المسلمين حيث كانوا، والحمد لله رب العالمين.
واجبنا تجاه المسجد الأقصى
يجب على رجال الإعلام وكل رب أسرة مسلمة، نشر الوعي بمكانة القدس والمسجد الأقصى؛ بحيث يعلم الجميع حقيقة هذه القضية، وأنها ليست خاصة بالشعب الفلسطيني، وإنما هي قضية دينية إسلامية تتعلق بديننا وكتاب ربنا، علينا أن نعلِّم أولادنا ونساءنا وسائر أفراد أمتنا أن القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث صلَّى بالأنبياء عليهم السلام جميعًا إمامًا، وأنَّ هذا إيذان ببيعته - صلى الله عليه وسلم - هو وأمته لكي يحملوا لواء الوحي الإلهي للبشرية إلى يوم القيامة.
بث حب المسجد الأقصى في القلوب، وبيان مكانته ومنزلته في الإسلام، وبيان التضحيات التي بذلها الصحابة الكرام في فتحه، وما تلاها من جهود عظيمة بذلها الفاتحون.
يجب على كل مسلم أن يكون لديه يقين كبير بأنَّ وعد الله -تعالى- قادم وقريب جدًا، وأن يبثَّ روحَ الأملِ والتفاؤلِ بهذا الوعد، فليساهم كلُّ مسلمٍ في نشر هذه الروح، وليعمل على استمرارها.
بيان أحكام الجهاد الشرعية، وإسنادها لأهلها العارفين بها من الولاة الشرعيين والعلماء الربانيين، وترك الافتيات عليهم بما يرجع بمحض الضرر على الأمة جمعاء، والوقوف صفا واحدا بالاعتصام بالله وبشرعه، وترك كل هوى نفسي أو تفرق طائفي أو تكتل حزبي يشتت الأمة ويضعفها، ويذهب ريحها وقوتها. قال الله -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:٤٦).
والمطلوب منا ونحن نعيش حال شدة، وكرب، ومحنة، وفتنة أن نفزع إلى الله -تعالى- بالتضرع، والدعاء لجوء من لا حيلة له إلا بربه -عبادة، وتوكلاً -: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق:3).



اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-08, 12:03 PM
خواطر الكلمة الطيبة



– أهمية دراسة سـيـرة النبي صلى الله عليه وسلم

مشكلة الأمة اليوم أنها لم تدرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم دراسة عميقة ومتأنية ولم تنتفع بها الانتفاع المطلوب ولم تأخذ منها العبرة كما ينبغي
ليس العالم هو الذي يعرف الخير من الشر ولكن العالم هو الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين ويستطيع التمييز بينهما

من القضايا المهمة التي يجب أن نوليها اهتمامنا من بداية الخلق إلى اليوم بالدراسة والبحث والتدقيق، وأن تدرس دراسة دقيقة عميقة، هي تلك الـ 23 عامًا التي قضاها النبي - صلى الله عليه وسلم- في مكة والمدينة، وهي مجمل دعوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم-، ولو ركزنا على هذه المدة لاستخرجنا منها أشياءً عظيمة، تحقق منظومة الخير والمصالح والسعادة في الدنيا والآخرة.
وهذه المدة هي التي ابتدأ بها الوحي أول ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم- بأول لقاء بين النبي - صلى الله عليه وسلم- وبين جبريل عليه السلام (سيد الملائكة مع سيد البشر)، وأنزل الله عليه {اقرأ بسم ربك الذي خلق}، فمن هذا اليوم إلى اليوم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- «بل الرفيق الأعلى» يوم فاضت روحه - صلى الله عليه وسلم-، لو ركزنا في تلك الفترة، لحققنا مصالح وخيرات لا حصر لها على مستوى الفرد والجماعات، بل على مستوى العالم أجمع؛ لأن الله -تعالى- قال للنبي - صلى الله عليه وسلم-: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فثلاثة وعشرون عامًا كانت رحمة.
القرآن الكريم وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم
لذلك من يقرأ القرآن يجد أن الله تكلم عن بداية الخلق لآدم -عليه السلام-، ومن بعده الأنبياء والمرسلون وأولو العزم منهم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى) -عليهم الصلاة والسلام-، كل هذا يمثل ما بين الربع إلى الثلث في القرآن، إذًا وباقي الثلثين ماذا يحوي؟ إنه يحوي حياة النبي - صلى الله عليه وسلم-، كل المواقف التي مرت على النبي - صلى الله عليه وسلم- مذكورة في القرآن لماذا؟ أعني لماذا ذكر الله -عزوجل- الخلق كله إلى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم- في ربع أو ثلث وثلاثة أرباع أو ثلثين في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم؟ لأن هذا هو الذي يحتاجه الخلق إلى قيام الساعة، نحن والعالم كله نحتاج في كل لحظه إلى حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- كي تصحح المفاهيم، وتبنى المعاني والقيم، وتُصوب المواقف.
كتاب البداية والنهاية
هذا ابن كثير في كتاب البداية والنهاية تخيل أنه أفرد مجلدا واحدا في بداية الخلق، ومن سنة 13 هجرية إلى سنة 767 هجريا جعلها في ثمانية مجلدات، ويوم تكلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياته تكلم في أربعة مجلدات، تخيل العالم كله من بداية الخلق في مجلد. وأنا أتكلم عن ابن كثير؛ لأنه هو الذي فسر القرآن فأخذ الآيات التي جاءت من بداية الخلق إلى بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم- في مجلد واحد، وبالتقسيم في مجلدين، وما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى عهده -رحمة الله تعالى عليه- في ثمانية مجلدات، والنبي -[- تكلم عنه في أربعة مجلدات؛ لأن هذه الثلاث والعشرين سنة التي عاشها النبي - صلى الله عليه وسلم- هي الحياة الحقيقية للأمم؛ لذا نحن نقول: إن ما نعيشه اليوم في واقعنا إنما هو جزء من التاريخ والتاريخ يعيد نفسه.
مشكلتنا اليوم
مشكلتنا اليوم أن الأمة لم تدرس هذه الحقبة المباركة دراسة عميقة ومتأنية، ولم تنتفع بها الانتفاع المطلوب، ولم تأخذ منها العبرة كما ينبغي، هذه الحقبة المليئة بالعبر والفوائد، والحكم؛ لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- يقول: «ليس العالم هو الذي يعرف الخير من الشر، ولكن العالم هو الذي يعرف خير الخيرين، وشر الشرين» فيبدأ يميز بينهم، نحن اليوم مشكلتنا ليست في طلبة علم ولا حفظة قرآن ولا حفظة سنة، ولكن عندنا مشكلة في كيف نقرر المصالح وندرأ المفاسد؟ من يقرر هذا غير عالم جليل راسخ في العلم؟
غزوة الأحزاب
وفي غزوة الأحزاب ترى وصفا دقيق من حذيفة بن اليمان:»برد شديد، وظلمة شديدة، وأصوات الرياح المزعجة، وفيها صوت الرعد والبرق، مع جوع وخوف وشدة وتعب» فقد جاء عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: «من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: إن لكل نبي حواريا، وإن حواريَّ الزبير». رواه البخاري.
كيف وفي القوم كبار الصحابة؟
وروى حذيفة - رضي الله عنه - ذلك فقال: قال رجل: «لو أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاتلت معه وأبليت، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد؛ فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم، فلم أجد بدا؛ إذ دعاني باسمي أن أقوم، قال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم علي، فلما وليت من عنده، جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله -[- ولا تذعرهم علي، ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت قررت، فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت، فلما أصبحت، قال: قم يا نومان. فكل واحد فيكم يقول: يا ليتني كنت موجودا في ذلك اليوم، كي أقول: أنا يا رسول الله، وأنا أقول لك هذا كذب، تدري لماذا؟ كيف وفي القوم أبوبكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير ومعاذ بن جبل وعبدالله بن عمر وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم جميعًا- ما أحد منهم قال أنا يا رسول الله! هل تتخيل معي هذا الموقف؟! فلا تقل أنا لا لا لا، وحذيفة يرد على هذا الذي يقول: لو كان فينا رسول الله ما تركناه يمشي على الأرض. يكمل حذيفة فيقول: حتى سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: والله لو ما سماني رسول الله لما قمت، لكن مع أن الوضع صعب، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم- طلب الأخبار دون أن يذعرهم عليهم وهذه قمة الحكمة، حذيفة يومها يقول إنه بعدما أخذ الأخبار يقول: بيني وبين أبي سفيان رمية حجر، ويقول: أخرجت سهمي ووضعته في كبد القوس ثم تذكرت كلام النبي - صلى الله عليه وسلم- «لا تحدث أمرا، ولا تذعرهم علينا».
https://majles.alukah.net/imgcache/2024/05/14.jpg

طاعة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم
فأنزل سهمه سمعا وطاعة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- رغم تلك الفرصة لقتل قائد جيش العدو وقتها، وتحققت المصلحة بعدما تقيد بما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبو سفيان جعله الله ينظر إلى أحوالهم في هذه الليلة في تلك الأجواء الصعبة من البرد والرياح وشدة الظلمة وعدم استقرار؛ مكوثهم فأخذ قرار العودة إلى مكة.
نموذج جلي في الهدي النبوي
فيا أخي، احذر من أن تقوم بشيء يضر الجماعة! احذر ان تحدث شيئا يضر بلدكم! احذر أن تعمل شيئا يضر أمتك! وتذكر دوما توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم-: «لا تذعرهم علينا» ذلك التوجيه نموذج جلي في الهدي النبوي الكريم في مراعاة قضية تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والحفاظ على الكرامة الإنسانية والحفاظ على الدماء والأعراض والأموال والعقول والدين قبل ذلك، لذلك نحن بالفعل في حاجة إلى دراسة تلك الثلاث والعشرين سنة دراسة دقيقة حتى نحقق منظومة الأمن والسعادة في الدنيا والآخرة.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-15, 09:11 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– أمتنا أمة واحدة


لزوال السماوات والأرض أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم فالمسلم له مكانه عظيمة عند الله عزوجل لا يستهان بها
أمتنا أمَّة واحدة وما يحدث فيها شيء واحد والدم المسلم أينما يكون تراه عزيزًا عند الله عزوجل أولا ثم عند أهل الإيمان الحق

روى كل من الإمام بن ماجه، والترمذي، والبيهقي في سننهم جميعا -رحمة الله تعالى عليهم- بمجموع هذه الأحاديث يصحح شيخنا الألباني هذه الروايات التي جاءت عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- وعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دخل الكعبة فرحب بها قال: «مرحبا بهذا البيت! ثم طاف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيت فقال: ما أطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وما أعظم ريحك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك ماله ودمه».
تأملوا هذا الحديث ففيه بيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - أولا لحرمة هذا البيت، وهو بيت الله -عز وجل- الكعبة، وهو قبلة المسلمين، وهو أول بيت وضع للناس {للذي ببكة}، وهو الذي فوقه البيت المعمور، وهو الذي جعل الله -عز وجل- له حرمه، ومع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيه الوحي من الله -عز وجل- يا محمد، قل لأمتك: إن هذا البيت طيب، وأن هذا البيت له حرمة، لكن المؤمن عند الله -عز وجل- له حرمة في ماله ودمه أعظم من حرمة بيته، وهذا في الحقيقة يدل على عظمة الإيمان، فما يحمله العبد في قلبه من إيمان عند الله عظيم.
بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لعظم هذا الأمر
لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء في مواطن كثيرة ومن أعظمها في يوم عرفة؛ حيث خطب خطبة بليغة - صلى الله عليه وسلم - وبين فيها أمورا كثيرة، وقال فيها: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» وهذا البلد الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو بيت الله الحرام وفيه الكعبة الذي هو أعظم بيوت الله -سبحانه وتعالى- في الأرض، وهذا أيضا فيه بيان لعظمة دم المؤمن عند الله -عز وجل-، وكما جاء في الأثر المشهور، «لزوال السماوات والأرض أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم» فالمسلم له مكانه عظيمة عند الله -عز وجل- لا يستهين بها أحد، لكن استهان بها الكفار، وجعلوا دم المسلم أرخص الدماء؛ فلا يستهن مسلم سواء بأقواله أم بأفعاله بدماء المسلمين.
استنفار الجميع لأجل فلسطين
وهناك مشهد يبين هذا، لماذا الناس (كل الأمة) اليوم قد قامت وحُق لها أن تقوم؟ وانزعجت وحُق لها أن تنزعج؟ واستنفرت وحُق لها أن تستنفر؟ فيما يحدث من مذبحة ومن إبادة لإخواننا المسلمين في غزة وفي فلسطين، نعم يجب أن يتمعر الوجه، وأن ينقبض القلب، وأن ترتعد النفس، وأن يشعر الإنسان بضيق، لما أصاب إخواننا في الله -عز وجل-؛ لأن المؤمنين إخوة كما قال الله -عز وجل-، وكما قال نبينا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
المسلمون تتكافأ دماؤهم
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم، ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم، ويردُّ عليهم أقصاهُم، وهم يدٌ على من سواهم»، اليوم نجعل المساجد كلها تدعو لإخواننا في فلسطين نعم -وحُق لهم ذلك-، وإننا نجمع التبرعات وبطريقة كبيرة -وحُق لهم ذلك-، وإننا نجتمع من أجلها أمما وبلدانا ومنظمات، نعم -قد حُق لهم ذلك-، وهذا ما يجب أن نفعله مع جميع المسلمين الذين يتعرضون لمآس في شتى بقاع الأرض، ولقد مر علينا مشاهد لمسلمين يؤخذون وهم أحياء، وقد أججت لهم النار ويُلقى الرجال والنساء والأطفال فيها!
انتقائية المشاعر
المطلوب منا أن نبكي لهؤلاء جميعًا ولا يكون لدينا انتقائية في المشاعر، فدم المسلم في أي مكان غال، كما ضاقت صدورنا هنا، لابد وأن تضيق أيضًا على كل مسلم، فالله -سبحانه وتعالى- ما استثنى دما دون دم؛ فلزوال السماوات والأرض أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم واحد رجل أو امرأة، كبير أو صغير، فقير أو غني، أبيض أو أسود، عربي أو أعجمي ليس هناك فرق أبدًا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. اليوم ترى المظاهرات تخرج هنا وهناك، وتعقد الاجتماعات، والمهرجانات خطابية، -نعم إخواننا المسلمين في فلسطين يستحقون ذلك-، لكن أيضًا الذين يعانون في أفريقيا يستحقون، والذين يعانون في الهند يستحقون، والذين يعانون في بورما يستحقون، والذين يحرقون ويُبادون في الصين يستحقون، والذين يُدفنون وهم أحياء يستحقون، لابد أن يتوحد عندنا هذا الشعور، شعور الأمة الواحدة، والدم الواحد.
الأمّة واحدة
أمتنا أمَّة واحدة، وما يحدث فيها شيء واحد، والدم المسلم أينما يكون تراه عزيزًا عند الله -عزوجل- أولا ثم عند أهل الإيمان الحق، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحيي الإيمان في قلوبنا وأن يجدده، وإن كان هناك خلل في هذا الشعور، فإنما هو نتيجة لخلل في الإيمان، وخلل في الولاء والبراء.
تغطيات مجلة الفرقان

أما الحق، فوالله مثل ما نرى عند إخواننا -ولا نزكي على الله أحدا- في الفرقان مثلا تغطي كل القضايا والمجازر التي تصيب المسلمين في كل أنحاء العالم، وهذه الجمعية المباركة جمعية إحياء التراث الإسلامي التي تدفع -بفضل الله عزوجل- لإغاثة إنسانية ولكرامة إنسانية وقبل ذلك هي إيمانية لإخواننا المستضعفين والمحتاجين في شرق الأرض وغربها، هذا هو سبيل الحق وميزانه الذي يجب أن نتكلم به، ثم يأتيك سفيه يسفه أعمالنا وأقوالنا ولايراها شيئًا! نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عن هذه الأمة ما وقع فيها بتقديره -جل وعلا- وبرحمةٍ منه.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-15, 09:12 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– ولكنكم قوم تستعجلون


لابد من دراسة العهد المكي حتى نأخذ منه العبر والعظات مما حصل للصحابة رضوان الله عليهم وكيف كانت الشدة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وقت الحصار في شعب أبي طالب
موعود الله تعالى بنصر المؤمنين لن يتخلف ولكننا نحتاج إلى يقين وإلى صبر وإلى ثبات على هذا الدين وهذا المنهج

حديثنا اليوم عن مشهد من مشاهد صمود المسلمين في العهد المكي، فهذا الصحابي الجليل خباب بن الأرت - رضي الله عنه - هذا الرجل الذي عايش واقعًا مريرًا كما عاشه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضي الله عنهم- الذين كانوا مستضعفين وقتها في مكة المكرمة، يأتي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - متوسدا ببرده في ظل الكعبة، فعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: «شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ».
النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف الواقع الذين يتكلمون فيه، وهو - صلى الله عليه وسلم - جزء من هذا الواقع، بل هو - صلى الله عليه وسلم - يعيش شيئا أعظم مما يعيشه الصحب الكرام -رضوان الله عليهم- من الابتلاء، فالله -سبحانه وتعالى- جعل سنة كونية في الخلق وهي سنة الابتلاء، والأمر الثاني في هذا الابتلاء أن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ لذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر منهم في هذا الابتلاء.
الابتلاء ليس خاصا بهذه الأمة
والأمر الثالث أن الابتلاء ليس خاص بهذه الأمة؛ لذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا فعل؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة بعد ما انتهوا من كلامهم: «قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ».
مشهد مؤلم
انظر الى هذا المشهد معي: عدو يأخذ مسلما لأنه مؤمن، ويأتي له بمنشار بعدما يحفر له في الأرض؛ بحيث لا يظهر سوى رأسه فينشر نصفين، تخيل هذا العذاب وهذا الألم مع كل لحظه من لحظات هذا الانسان قبل أن يموت! ينشر نصفين ما بين لحم ودم وعظم وعصب وما يرده ذلك عن دين الله!. نعم هو مع هذا المشهد المؤلم والصعب كان ثابتا على الدين، وما تسخط على دين الله -عزوجل- وما تسخط على الشرع، وما تسخط على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان في عهده أبدا، وإنما ثبت على أمر الله -عزوجل-؛ لأنه يعلم أن هذا ابتلاء من الله -عزوجل.
واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ
ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ»، وهذا قسم وإذا أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو صادق أكيد، «لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ» أي سيسود هذا الأمر، وتكون العزة للإسلام والمسلمين، ويكون الملك لهذا الدين، ويكون السؤدد لهذا الدين وهذه الشريعة.
معالجة النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمر
ثم أكمل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ» يعني من شدة الأمان، هل ترون يا أحباب كيف عالج النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشكوى وكيف تعامل معها؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ حديثه وأخذهم الى الزمن البعيد ليسمعهم ما لاقاه أهل الإيمان من ابتلاء وسنة الله الكونية مع المؤمنين من قبلهم؛ لذا نحن نحتاج إلى مثل هذه الرسالة الآن؛ فما يمر به أهل غزة وفلسطين أمر شديد، ولهم في ذلك سلف، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أسوتنا - صلى الله عليه وسلم - فلننظر ماذا صار معه - صلى الله عليه وسلم ؟
أهمية دراسة العهد المكي
ينبغي للمسلمين أن يدرسوا ماذا حصل للصحابة -رضوان الله عليهم؟ وكيف كان يسمع أهل مكة بالليل صياح الأطفال وعويل النساء، وكيف كانت الشدة الذي واجهها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت الحصار، وما عندهم شيء، فكان يخرج منهم مثل البعر من الإمساك الشديد؛ فقد كانوا يأكلون أوراق الشجر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ، وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ» يعني من الأكل شيء يسير، شهر كامل ما يأكل شيئا - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة -رضوان الله عليهم- عايش معهم هذا البلاء.
الأمر يحتاج الى صبر
لذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نقل الصحابة إلى هذا الجيل القديم من الأنبياء والمرسلين ليروا ماذا كان يصير معهم، لماذا؟ حتى يبين لهم ولنا أن الأمر يحتاج إلى صبر، وإلى الاقتداء بالمؤمنين السابقين الذين ما صدهم هذا الابتلاء الصعب عن دين الله، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - في النهاية بشر ببشارة وهي أن النصر قادم. أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعد الهجرة مكن الله -عزوجل- له، والخلفاء من بعده توسعوا، والخلفاء من بعدهم توسعوا، حتى بلغت رقعة الأمة الاسلامية ما بلغت.
موعود من الله
وكل ما جاءت الفتن القريبة أو المشابهة لذلك العهد، فاعلموا أن هناك بشارة قادمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -» واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ» وهذا موعود من الله، والله لا يخلف الميعاد؛ لذا فإننا نحتاج إلى يقين وإلى صبر وإلى ثبات، نحتاج إلى أن نثبت على هذا الدين وهذا المنهج، ونحسن الظن بالله -عزوجل-، وأن نعمل بالأسباب الشرعية والكونية التي توصلنا إلى تحقيق الأهداف.
النصر لهذه الأمة
وعد الله النصر لهذه الأمة، وأن اليهود سيزولون، وأنهم سيهزمون شر هزيمة، حتى أن الله -عزوجل- يسخر الحجر والشجر لنصرة المسلمين، عن أبي هريرة - رضي لله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبداللهِ، هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه، إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ».

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-23, 10:14 AM
خواطر الكلمة الطيبة – صفات عباد الرحمن


الله -عزوجل- من أسمائه الوهاب والمعطي والرزاق والكريم والجواد وهذا كله فيه معنى العطاء فالله عزوجل عطاؤه عظيم ورزقه كبير وهباته جليلة

قرة العين أن ترى أبناءك في صلاح وفي طاعة ومن أهل الاستقامة ملتزمين بأوامر الله يطبقونها على أنفسهم في أقوالهم وأفعالهم

إخواني الكرام دعونا نبحر اليوم -بإذن الله تعالى- في جزء من دعاء رائق، هذا الدعاء قد جعله الله -سبحانه وتعالى- من ضمن صفات عباد الرحمن، فقد بين الله -عزوجل- لنا صفاتهم القولية والفعلية، ومنها ماذا يطلبون من الله -عزوجل؟ فقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
«وَالَّذِينَ يَقُولُونَ» أي عباد الرحمن، «رَبَّنَا» وهذا فيه أدب وهو أنك إذا أردت أن تدعو الله -عزوجل- لا تبدأ بذكر طلبك مباشرة، وإنما تبدأ بذكر أسماء الله -تعالى- وصفاته والثناء عليه -سبحانه وتعالى-، كما كانت صفة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم -، ثم بعد ذلك تصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم -، والآية ما ذكرت الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم - ولكن نجمع معها ما جاء في السنة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم - بين أن الدعاء المستجاب هو الذي يبدأ بالثناء على الله -عزوجل- والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم .
«رَبَّنَا هَبْ لَنَا»
«رَبَّنَا هَبْ لَنَا»، إن الله -عزوجل- من أسمائه الوهاب، ومن أسمائه المعطي، والرزاق، والكريم، والجواد، وهذا كله فيه معنى العطاء والله -عزوجل- عطاؤه عظيم ورزقه كبير وهباته جليلة لا يستطيع أحد من الناس أن يجمع عطايا رب العالمين سواء على الفرد أم على الخلق بأكملهم، {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌا}، ستتعب ويفنى عمرك وأنت ما جمعت ما أعطاك الله -عزوجل.
شعور التقصير
ولذلك فإن هذا المعنى لو استقر في قلبك سيولد بداخلك هذا الشعور من أنك فعلا عبد مقصر لن تستطيع أن توفي حق الله -عزوجل-، فلن تستطيع ان توفي رب العالمين حقه في العبادة وغيرها من أوجه شكر تلك المنح والهبات التي أعطاك الله -عزوجل- إياها؛ لذلك فإن الله -عزوجل- علمنا جوامع الكلم في الدعاء والشكر ليثقل بها موازيننا أمام تلك النعم والهبات التي أعطانا الله -عزوجل- إياها، قال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ}.
الدعاء للزوجة
هنا في دعائهم «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا» دعاء واضح لزوجتك، نعم زوجتك أخي الحبيب، تلك المرأة التي اخترتها من بين نساء العالمين لأن تكون زوجه لك وأما لأولادك، وأمانا لبيتك، ومن تأمنها على أسرارك وعلى حياتك؛ فهي تستحق منك الدعاء، وأتعجب من بعض الناس الذين يمكن أن ينسوا زوجاتهم في الدعاء إلا في المناسبات أو مواسم العبادة مثل شهر رمضان أو الحج والعمرة، علما بأن من صفات عباد الرحمن أنهم يدعون مثل تلك الدعوات بإلحاح، والله -عزوجل- ما ذكر تلك القضية ودعاءهم بها إلا إشارة لمكانتها في نفوسهم، ولمدى تكرارهم لطلبها وإلحاحهم في ذلك على الله -عزوجل- أن الله -عزوجل- يهدي زوجتك ويصلحها ويتمم لها أمرها ويرزقها الإحسان والإيمان، وقتها تكون أنت في أمان وفي راحة، نعم انت.
أكثر الناس شقاءً
لذلك انظر إلى أكثر الناس شقاءً، تراه في أي باب؟ إن أكثر الناس يعاني في شقاء زوجته، يرى زوجته على غير هداية، وعلى غير استقامة، على غير تقوى، وعنده ضياع في حياته، ضاع عياله وبيته وحلاله وماله وهو نفسه قد ضاع، وقد يكون إنسانا مستقيما ينحرف عن الاستقامة بسبب زوجته، ولعلي وقفت مع أحد الإخوة عندما كان يتزوج، ثم رأيته بعد فترة انقطع فيها عن الشباب وعن وجوده معهم فلما سألته عن السبب أخبرني بأنه قد فارق زوجته وعند السؤال عن السبب؟ قال هذه المرأة -سبحان الله- كانت تتحبب لي من جهة، ولكن كانت تضعف إيماني من جهة أخرى، فبدأت آخذ من لحيتي وأطول ثيابي وبدأت أذهب إلى أماكن ما كنت أذهب إليها، فقد كنت في وسط الشباب المتدين منذ كنت صغيرًا وأبدا في حياتي ما دخلت سينما ولكنها أدخلتني السينما والمسارح، وبدأت أفعل أشياء عظيمة ما كنت أظن أني أفعلها يوما من الأيام.
قضية مهمة في حياة المؤمن
لذلك الله -تعالى- علمنا أنه -سبحانه- حين ذكر هذه القضية كم لها من الأهمية في حياة عباد الرحمن! فمن صفات عباد الرحمن أن أحدهم يدعو دوما «يا رب هب لي زوجة تكون لي قرة عين»، هذه نتيجتها أن قرة العين هذه ستجعلك تعيش في حياتك حياة سعيدة، حياة هانئة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ من السعادة» وذكر منها: «المرأةُ الصالحة»، ما اكتفى - صلى الله عليه وسلم - فقط بالمرأة، وإنما المرأة الصالحة المؤمنة التي إذا رأيتها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك، في نفسك ومالك واولادك.
«وَذُرِّيَّاتِن َا قُرَّةَ أَعْيُنٍ»
«وَذُرِّيَّاتِن َا قُرَّةَ أَعْيُنٍ» أي: اجعل لي يا رب أيضا ذرية قرة عين لي، سئل الحسن البصري: «قرة العين هذه في الآخرة؟» قال: لا في الدنيا.
ما قرة العين؟
الامام بن جرير الطبري جمع كل أقوال السلف في تفسيره فقال: «قرة العين للمؤمن أن يرى صلاح أبنائه»، أن ترى أبناءك في صلاح وفي طاعة موحدين، أهل استقامة، ملتزمين بأوامر الله، يطبقونها على أنفسهم، في أقوالهم وأفعالهم، هذه هي قرة العين. وسميت قرية العين؛ لأنها مصدر سرور ينبعث في القلب ويبدأ يظهر على العين، وقرة العين ليست فقط للإنسان المبصر لكن حتى الكفيف له من قرة العين نصيب؛ لأن القضية قضية القلب سرور في القلب يظهر على عينك، فيمتلئ قلبه فرحًا وسرورًا وبهجة بالأشياء التي امتدحها الله -عزوجل- فكأنه أصبح يرى هذا الشيء وهو لا يراه ويتصوره، أبناؤه وزوجه كونهم على طاعة واستقامة، ما شاء الله يذهبون معه للصلاة ويصومون معه ويحجون معه فيفرح قلبه وتصير وكأنها صارت قرة عين له». فلذلك هو حكم الغالب والغلبة للقلب والعين إنما هي أداة، فما في قلبك يظهر على عيونك، إذا كنت سعيدا يظهر على عينك، وإن كنت حزينا يظهر على عينك، حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «والعين تعرف من عين محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها» طبعا هذا يحتاج إلى فراسة إيمانية.
لكل شيء سبب
الشاهد أن دعائك {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} هو أن تراهم على طاعة، ولكن هل تريد ذلك دون أسباب منك؟ الله -عزوجل- جعل لكل شيء سببًا، فعلى قدر بذلك من الأسباب على قدر ما يأتيك من النتائج من عند الله، وإذا جاءت النتائج على غير ما تريد فاعلم ان هذا الأمر بيد الله وحده؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. ترجو أن تصبح زوجتك امرأة تقية طائعة صالحة، ولكن يحدث ما هو غير ذلك؛ فاعلم أن هذا بقدر الله، وكذلك أولادك ترجو لهم الصلاح والتقوى ولم يحدث ذلك، فاعلم أن هذا بيد الله، وفي كل الأحوال أنت لابد من أن تبذل السبب في ذلك ما بين دعاء وما بين أسباب أخرى مادية التي من شأنها أن تصل بزوجتك وأولادك إلى هذا الصلاح والتوفيق من الله -عزوجل- والهداية منه وحده -سبحانه.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-05-23, 10:15 AM
خواطر الكلمة الطيبة – سبع خطوات في السير إلى الله -عز وجل


لا يوجد محبط للأعمال أعظم من الشرك بالله عزوجل عياذا بالله أو الردة أو الرياء أو السمعة فكلها محبطات للأعمال الصالحة
هناك سبع محطات يجب أن تتوقف عندها وأنت تريد التقرب إلى الله عزوجل سواء كان تقربك إلى الله عزوجل في الأمور المأمور بها أم في الأمور المنهي عنها

هناك سبع محطات يجب أن تتوقف عندها وأنت تريد أن تتقرب إلى الله -عزوجل-، سواء كان تقربك إلى الله -عزوجل- في الأمور المأمور بها أو في الأمور المنهي عنها، إما بإتيانك المأمور به أو بابتعادك عن المنهي عنه، وهذه المحطات قد أشار إليها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمة الله تعالى عليه في كتبه ومصنفاته:

المحطة الأولى: لا تعمل إلا بعلم
أما عن المحطة الأولى: (لا تعمل أي عمل سواء بفعل الأوامر أو بترك النواهي إلا بعد علم) أي بعد أن تتعلم، وتلك هي المحطة الأولى، لابد وأن تهتم بالعلم، ومن يتجاوز تلك المحطة فإنه سيتجاوز أشياء كثيرة، وسيقع في أخطاء كثيرة لا حصر لها، قال الله -سبحانه- وتعالى- للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}، قدم الله -عزوجل- العلم على العمل، ولذلك قال الإمام البخاري في هذا الأمر: (باب العلم قبل القول والعمل)، وكذلك أول مانزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم - قال له: { اقرأ }، ثم يأتي العمل فيما بعد، فإذا تلك هي المحطة الأولى، (محطة العلم)؛ فلا تأتِ شيئا ولا تنتهِ عن شيء إلا بعلم.
المحطة الثانية: محطة المحبة
المحطة الثانية التي سنقف عندها: (محطة المحبة) فما المحبة؟ لابد وأن تعرف يقينًا أنه ما أمر الله -عزوجل- بشيءٍ إلا أحبه، ولا نهى الله -عزوجل- عن شيء إلا كرهه، فأما المأمور فهو محبوب لذاته؛ لأن الله -عزوجل- يحبه، وأما المنهي عنه فهو مكروه عند الله -عزوجل-؛ فيصير عندك شعور أنك تحب هذا الأمر الذي أمر الله -عزوجل- به، وتكره المنهي الذي نهى الله -عزوجل- عنه؛ لأن الله -عزوجل- ما أمر بهذا إلا لخير، ولا نهى عن الشر إلا لخير؛ فيكون في قلبك حب لهذا المأمور وحب لتركك هذا المنهي عنه؛ لأن الله -عزوجل- هو الذي أمر بهذا، وهو -سبحانه- الذي نهى عن ذاك؛ ولذلك قالوا السنن الشرعية كلها محبوبة عند الله -عزوجل-، أما السنن الكونية ففيها ما هو محبوب عند الله -عزوجل- وفيها ما هو مكروه عند الله -عزوجل-، فالله -سبحانه- قدر -كونا- الكفر، وقدر الله -عزوجل كونا- الظلم، وقدر الله -عزوجل كونا- القتل، والله -عزوجل- لا يحب ذلك كله بل ونهى عنه، إذا في الأمور الشرعية والأحكام الشرعية بين أن الأوامر والنواهي كلها محبوبات لله -عزوجل- (الأمر والنهي) ولذلك فالله -عزوجل- ما أمر إلا بالخير، وما نهى إلا عن شر.
المحطة الثالثة: العزيمة
المحطة الثالثة: (أن يصير عندك عزيمة على الفعل والترك)؛ فبعد العلم يتولد لديك شيء في الداخل، فقد تعلمت الآن أن هذا الشيء أحبه الله وأمر به، وأن هذا الشيء الله -عزوجل- لا يحبه وقد نهى عنه؛ فصار في نفسي حب لأمر الله -عزوجل-، سواء بالفعل أم بالترك؛ فتأتي العزيمة وهي النية؛ لذلك من عزم على فعل أمر أو ترك نهي، فهو مأجور عند الله -سبحانه وتعالى-، فعزيمتك على الفعل إنما هي نية، «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
المحطة الرابعة: العمل بالعلم
المحطة الرابعة: (العمل بهذا العلم)، والعمل هو الأمر المطلوب، وهو ثمرة العلم، كما قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب، تلك هي ثمرة هذه الزرعة والنبتة الطيبة التي زرعتها وتعبت عليها.
المحطة الخامسة:العمل وفق ضابط محدد
المحطة الخامسة: (أن تعمل بتلك الأحكام الشرعية من أوامر ونواه وفق ضابطٍ محدد) وهو كما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - قولا وعملًا، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، «صلوا كما رأيتموني أصلي»، «خذوا عني مناسككم»، «من توضأ كما أُمر وصلى كما أُمر غُفر له ذنبه» هكذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( كما أُمر ) فلابد من اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا وعملًا وتركًا.
المحطة السادسة: حماية الأعمال من المحبطات
المحطة السادسة: (أن تحمي أعمالك من المحبطات)؛ فتحمي عملك من أي شيء قد يحبطه، ولا يوجد محبط للأعمال أعظم من الشرك بالله -عزوجل- عياذا بالله! أو الردة أو الرياء أو السمعة؛ فكلها محبطات للأعمال الصالحة؛ فإنك إذا تعبت في العمل، فحاول أن تجعل سياجا يحوط ذلك العمل ويحرسه ويحافظ عليه، سياجا من الإخلاص لله -عزوجل- واتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكما حفظنا العمل سابقًا بالاتباع، لابد وأن نحيطه ونحرسه أيضا بالإخلاص كي يرفعه الله -عزوجل- ويقبله، ولئلا تُحبط الأعمال عياذا بالله! فإن الله -عزوجل- لايقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا صوابًا (خالصًا لوجه الله -عزوجل- وصوابا على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم ).
المحطة السابعة: حب متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم
المحطة السابعة: وهي آخر محطة: يا معاذ، والله إني لأحبك) قال: وأنا أحبك يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من هذا الدعاء «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، اثبت على هذا الأمر كما أخبرت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا عمل عملا أثبته»، أي ثبت عليه، سواء كان من الواجبات في الفعل أم من المستحبات، وبالطبع أو كان في ترك المحرمات أو المكروهات ابتغاء وجه الله -عزوجل. تلك كانت سبع محطات تذكرها ولا تنسها، واعمل بما فيها في نواحي حياتك كلها.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-08, 05:39 PM
خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة الأنس بالله تعالى

- أول ما يذهب الوحشة من القلب هو الإيمان فالإيمان يُشعر القلب بنور ما فيه ظلمة وبأنس ما فيه وحشة وبفرح ما فيه حزن وبألفة ما فيه نفرة - لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه وأنس بذكره ومناجاته في سره وشغل به عن غيره

إخواني الكرام، هناك حالة تمر على الإنسان تسمى حالة الوحشة، وهي حالة من الخوف، وأيضًا حالة من الألم، وهذه الحالة من الاستيحاش تأتي -غالبا- للإنسان عندما يكون منفردا أو في مكان مظلم أو في مكان منفرد؛ فيشعر بشيء من الوحشة، يسمونه انقباضا في القلب، والله -سبحانه وتعالى- هو أرحم بعباده من أنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم؛ لذلك شرع الله -عزوجل- لهم ما يرفع هذه الحالة من الاستيحاش وجعل ما أوحى الله -عزوجل- به للنبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب عزيز وسنة مطهرة ما يكون سببا للأنس في القلب.
والاستيحاش، حال تصيب الإنسان، وهي مزيج من حال مادية ومعنوية، أما الحال المادية فكالمثل الذي سقناه آنفا، عندما يكون في مكان مظلم أو منفرد لوحده، أو في مكان هادئ هدوءا شديدا، فإنه يستوحش، وربما تكون في بيتك أحيانا ما شاء الله على مرافقه وسعته، ولكن عندما تكون بمفردك فيه في حال السكون، قد تشعر بتلك الوحشة؛ لأن الإنسان يحب الأنس؛ لذلك الله -عزوجل- من رحمته خلق من آدم -عليه السلام- حواء، وجعله يأنس بها، وعندما أنزل الله -سبحانه وتعالى- آدم وحواء من الجنة إلى الأرض -بسبب أكلهما من الشجرة التي نهى الله عزوجل عنها- جعل حواء في مكان، وآدم في مكان؛ فأصبح آدم يبحث عن حواء حتى وجدها، قيل وجدها والتقى معها في عرفة، فلذلك سميت عرفة، ومن المعاني التي قيلت في عرفة: إنه المكان الذي تقابل فيه آدم وحواء في الأرض فسميت عرفة.
الحالة المعنوية للاستيحاش
توجد حال أخرى من الاستيحاش، وهي الحال المعنوية؛ فقد يكون هناك أناس كثيرون، في مكان كله أضواء، لكن تشعر في الحقيقة بانقباض! لماذا؟ لكون هؤلاء الناس مثلا ليسوا على دينك، كأن تمر في إحدى البلدان غير المسلمة، على مجمع مثلا كله خمور ومسكرات وحفلات، وأنت رجل مسلم ومؤمن ومستقيم، فتجد هذا المكان يزعجك؛ فتشعر بوحشة في هذا المكان، أو أنك تمشي في مكان فتجد تجمعا ما؛ فتخاف من كونهم عصابة مثلا قد يعتدون عليك، يسرقونك أو يقتلونك، هذا أيضًا فيه نوع من الوحشة.
أُنْس الإنسان المسلم
الشاهد أن ربي -سبحانه وتعالى- أراد أن يجعل الإنسان المسلم يأنس ولا تدخل في قلبه الوحشة؛ بسبب عظيم، قال -تعالى-: {الذين آمنوا} فأول شيء يذهب الوحشة هو الإيمان، الإيمان يجعل القلب يشعر بنور ما فيه ظلمة، وبأنس ما فيه وحشة، وبفرح ما فيه أحزان، وبألفة ما فيه نفرة، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ}.
ذكر الله عزوجل
السبب الثاني مع الإيمان هو ذكر الله -عزوجل-؛ فكلما تكثر من ذكر الله -عزوجل- يزداد القلب فرحًا وأنسًا بالله -عزوجل-؛ لذلك الله -عزوجل- جعل ذكره في أشياء كثيرة، كذكر اللسان بالتسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن، ومن ذكر الله الصلاة وهي أعظم أنواع الذكر، صلاتك لله -عزوجل- هي ذكر، وكذلك من ذكر الله -عزوجل- التفكر في خلق السماوات والأرض، أن تتفكر في خلق الله -جل وعلا-؛ لقوله -تعالى في أهل الايمان-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، يمتلئ القلب حينها بذكر الله وبالأنس بالله -عزوجل.
الوحدة والعزلة المشروعة
لذا فالإنسان قد يحتاج الى ما يسمى بالوحدة والعزلة، ولكن ليست على مفهوم بعض الفرق الضالة، التي دمرت الناس ببدعها، وأدخلت على دينهم ما ليس فيه، وأول حالات العزلة والوحدة المشروعة تكون في صلاتك، حينها تكون في عزلة مع ربك -عزوجل-، كما قال -[ عن العبد إذا قام يصلي، فإنه يقف تجاه ربه، ليعبده بما شرع، يقول: {الحمد لله رب العالمين}؛ فيقول الله -جل وعلا-: حمدني عبدي، {الرحمن الرحيم} مجدني عبدي، {مالك يوم الدين} أثنى علي عبدي، فهذا كله ثناء من العبد على خالقه الذي تفضل بالرد على عبده الضعيف. وأحب شيء إلى الله -عزوجل- هو قراءة القرآن؛ فأنت تناجي به الله -عزوجل-، الناس حولك لكنك لست معهم، وإنما تقرأ كلام ربك، وتأنس به، وكذلك تتكرر هذه العزلة الطيبة في صلاتك للسنن والنوافل منفردا، وأعظمها إذا جن الليل فقمت من فراشك كي تناجي ربك، زوجتك نائمة واولادك في فراشهم فتختلي بنفسك في غرفة من الغرف وتصلي وتناجي ربك وتسبح وتذكر الله -عزوجل-، وتلك خلوة طيبة.
لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه
هناك كلمة جميلة ذكرها الإمام البغوي في كتابه (العزلة)، دعوني اقرأ لكم هذا النص وبه أنهي كلامي، قال الإمام الخطابي: « إنما لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه (هذا بالإيمان)، وأنس بذكره (ذكر الله -عزوجل- باللسان أو بالصلاة)، وأنس مناجاته في سره (في أوقات السر والخلوة)، وشغل به عن غيره (يعني تركت أمورا من أجل ذكر الله -عزوجل- وطاعته) فهو مستأنسٌ بالوحدة مغتبطٌ بالخلوة»؛ لذلك لا تعجبوا من كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية عندما قال: «ماذا يفعل أعدائي بي؟ فجنتي في صدري أينما ذهبت فهي معي، إن سجنوني فسجني خلوة، وإن طردوني فطردي سياحة؛ فهي معي أينما أكون». وإذا كنت تشعر بوحشة مع صلاتك وخلوتك بالله -عزوجل- فلتعلم أن هناك خللا ! ابحث عنه؛ فأنت وحدك الذي تعرفه، قال -تعالى-: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
حلاوة الأنس بالله
إن حلاوة الأنس بالله لا تحصل إلا بالاشتغال بذكره، ودوام عبادته، والبعد عن القواطع والشواغل التي تُقسِّي القلب، وتحول بينه وبين التفكر في آلاء الله، والتذكر لنعمائه؛ وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن للإيمان حلاوةً وطعمًا؛ كما في قوله: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا ونبيا).

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-08, 05:40 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– حقيقة الإحسان


ما فهمه السلف من الإحسان أن جزاءه يكتب عند الله تعالى سواء كان هذا الإحسان على البر أو الفاجر
ربط رسول صلى الله عليه وسلم الإحسان بعبادة الله لِما لهذه من مكانة عظيمة في دين الله بحيث تعد أسمى غاية خُلِق الإنسان من أجلها

إخواني الكرام، بعض الناس يظنون أن الإحسان يقتصر على أهل البر والإحسان، يعني إذا رأيت إنسانا مستقيما وملتزما هذا الذي أقدم له الخدمات والمساعدة وأقدم له ما يحتاج إليها، وإذا كان على غير حالة الاستقامة فليس له نصيب عندي من البر والإحسان، فهل هذه النظرة صحيحة؟ وهي تقييم الناس قبل الإحسان إليهم.
وإذا كنا نريد أن نفرق، فنقول هل التفريق يكون بناءً على أن الله -عزوجل- ما يعطيني الأجر إذا أنا أحسنت إلى غير أهل البر؟ إذا كان هذا الإنسان أمامي رجلا عاصيا أو عنده ذنوب ظاهرة أو باطنة أنا أعرفها، هل إذا أحسنت إليه هل الله -عزوجل- يكتب لي الأجر أم لا؟
الإحسان إلى أهل البر والفجور
هذه المسألة دعونا نذهب فيها إلى من هم أعلم فيها بديننا وبشرعنا من معرفة أدلة الكتاب والسنة وفهمها وهم السلف الصالح، ابتداءً من جيل الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ثم بعد ذلك جيل التابعين ثم تابعي التابعين والذي قد أخبرنا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، محمد بن علي بن الحنفية وهو ابن سيدنا علي - رضي الله عنه - دعونا نرى كيف قال في فهم هذه الآية من كلام ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. يقول -رحمة الله تعالى عليه-: «وهذه مسجلة لكل بر وفاجر» يعني: إذا أحسنت وقدمت البر إلى أهل البر فهي مسجلة لك عند الله -عزوجل-، وإذا قدمت هذا البر والإحسان لأهل الفجور فهي مسجلة لك عند الله -عزوجل- أيضًا بسبب عطائك وبسبب برك وإحسانك، وعلى ذلك بوب الإمام البخاري في كتابه صحيح الأدب المفرد باب (الإحسان إلى أهل البر والفجور أو إلى البر والفاجر) فكذلك سمى هذا الباب على ما فهم من هذا النص الكريم.
ماذا أستفيد؟
وعلى هذا إخواني الكرام، ماذا أستفيد إذا قدمت إحساني إلى أهل البر؟ هل لأنه يستحق البر؟ وبناء عليه نصنف الناس، هذا من أولياء الله -عزوجل- ومن أهل الخير، وهذا من أهل التقوى، وهذا من أهل الاستقامة فهذا أولى بالبر من غيره، لكن إذا رأيت واحدا من المسلمين من أهل الفجور والعصيان هل هذا خرج من الولاية؟ هل هذا خرج من الإسلام؟ هل هذا خرج من الإيمان؟ الجواب لا، قال -عزوجل-: {ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فاطر: 32)، فمعناها القريب لك أن الإنسان إذا كان عنده شيئا من الفجور والعصيان والنقصان فليس معنى ذلك أن هذا الأمر يمنعك من أن تحسن إليه! فلا تبره ولا تعطيه ولا تساعده ولا تمشي في حاجته ولا تعينه، فهذا مفهوم خطأ؛ بدليل ما فهمه السلف من أن الإحسان يكتب لك عند الرحمن؛ بسبب إحسانك سواء كان لبر أو لفاجر.
حديث يؤكد هذا الفهم
دعونا نذهب إلى حديث يؤكد هذا الفهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ على سارق! فقال: اللهم لك الحمد لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية؛ فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ على غني؟ فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يَسْتَعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تَسْتَعِفُّ عن زناها، وأما الغني فلعله أن يَعْتَبِرَ فيُنْفِقَ مما أعطاه الله». وأنت كذلك إذا أقدمت على أفعال البر والإحسان فلتعلم إذا كان في أهل البر فاعلم أنك قدمت الإحسان بحق لمن يستحقه، وإذا كان لا يستحق فلتجعل في نيتك لعله أن يستقيم، لعله أن يهتدي، لعله أن يستعفف، لعله ولعله أن يتدين ولعله أن يترك واقعا إلى واقع أفضل، واعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيفما شاء، واسأل الله الثبات لنفسك ثم اسأله الثبات لغيرك.
الإحسان في الإسلام
فسّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.» أي أن تستحضر مراقبة الله لك في أثناء عبادتك له؛ فتؤديها على أحسن وجه، وكأن الله -تعالى- سيحاسبك في العاجل عليها. إن الإنسان إن لم يكن يرى الله، فإن الله -تعالى- معه أينما كان، لقد دلّ القرآنُ الكريم على هذه الحقيقة في مواضِعَ مختلفة كقوله -تعالى-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. لقد ربط رسول - صلى الله عليه وسلم - الإحسان بعبادة الله لِما لهذه من مكانة عظيمة في دين الله؛ بحيث تعد أسمى غاية خُلِق الإنسان من أجلها، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. وبما أن العبادة هي بهذه الأهمية فإنّ إعطاءها حقها اللازم من الإحسان والإجادة يُعد شرطا أساسيا لقبولها وتحصيل الأجر الأوفر عليها. يقول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}، ويقول أيضاً: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} إنّ الله -تعالى- اشترط للقيام بواجب عبادته أن يكون العبد ذا هِمّة عالية وأداء حسن. ولا تكون العبادة عبادة صحيحة حتى يتقلب صاحبها بين حب الله والخوف منه، بين رجاء رحمته وخشية عذابه؛ فالرجاء الذي لا يرافقه خشية قد يقود إلى طول الأمل والتجرؤ على الله بالمعصية. أما الخشية التي لا يرافقها رجاء فإنها قد تؤدي إلى القنوط واليأس اللذين يسقطان في الكفر؛ قال -تعالى-: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-08, 05:41 PM
خواطر الكلمة الطيبة

– لماذا لا ندعو إلى الله عز وجل؟


الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفروض والواجبات على المسلمين عموما وعلى العلماء خصوصا وهي منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أجل الأفعال وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه ويحتسبها لأخراه

إخواني الكرام، سؤال قد عرضته على نفسي، وأعرضه عليكم الآن، والجواب عنه في نفس كل منا: لماذا لا ندعو إلى الله؟ لماذا اليوم كثير من أبناء الأمة قد تقاعسوا عن هذه المهمة العظيمة التي تعد من الفرائض التي فرضها الله -عز وجل- على النبي -صلى الله عليه وسلم - وأتباعه؟
وحتى أجيب عن هذا السؤال، إذا لابد وأن نعرف أسباب العزوف عن هذه الفريضة:
(1) الجهل بحكم الدعوة إلى الله -تعالى
السبب الأول يرجع إلى الجهل بالحكم والأمر؛ حيث إنني لا أتصور إنسانا مسلما يعرف بأن الله --عز وجل-- فرض عليه شيئا ويتركه، وقد قال الله -عز وجل- للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ}، وهذا أمر والأمر يفيد الوجوب، وقال الله -عز وجل-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125)، هذه كلها أوامر، وقال الله -عز وجل-: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108).
أمر واجب
إذًا أمر الدعوة إلى الله -عز وجل- أمر واجب، على كل أحد من أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فابتداءً هو واجبٌ عليه، وواجبٌ على أتباعه، ولكن هذا الواجب نظر له العلماء نظره أخرى: هل هو واجب على الأعيان؟ أم هو من فروض الكفايات؟ يعني إذا قام به بعضهم واكتفت الأمة بهم، سقط الإثم عن الكل، وأظن أن جمهور أهل العلم على هذا القول، وإن كانت ظواهر النصوص تدل على أنه واجب على كل أحد بعينه، ولكن يكون واجبا عليك بالعين في أحوال معينة، عندما تكون أنت الموجود فقط في هذا المكان، أنت الشاهد على هذه الواقعة، أنت من رأى أو سمع هذا الحدث، إذًا هو واجبٌ عليك الآن، أما من حيث العموم، فإذا قامت جماعة به من أمة الإسلام، وتحدث بها الكفاية، يسقط عنك الإثم.
هل هناك اكتفاء في الدعاة؟
ولكن السؤال الآن هل الساحة اليوم اكتفت بمن دخلها من الدعاة إلى الله ومن طلبة العلم ومن المفتين ومن القضاة؟ الجواب لا، فالساحة كبيرة والوقائع كثيرة، والجهات أكثر وأعداء الإسلام قد شمروا عن ساعد الجد لمحاربة الدين وأهله من كل جانب، فأيًّا من هذا الجهات قد تحققت فيها الكفاية؟ أخبروني وقولوا تلك الجهة قد تحققت فيها الكفاية وما نبغي فيها أحدا؟ لذا فلابد وأن تشمر ساعد الجد، وأن تحسب نفسك أحد الجنود الذين يدخلون ميدان الدعوة حتى ترفع الإثم عن نفسك.
(2) الجهل بفضل الدعوة إلى الله
السبب الثاني من أسباب العزوف عن الدعوة إلى الله -تعالى- هو الجهل بفضل هذه الدعوة وثوابها، فبعض الناس لا يشارك في الدعوة، قد يكون عنده العلم ولكن ليس عنده ما يشجعه ويحفزه كقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: 111)، والنفس ترغب وترهب والله -عز وجل- خلقها وهي هكذا، فما الأشياء التي تجعل الإنسان يندفع نحو تلك القضية الشريفة؟
أنت مأمور بالتبليغ
خذ الأمر الأول الذي تجد فيه تعلقا بالتبليغ فقط، بمجرد أن تبلغ الدين أنت مأجور، والنجاح يبدأ بالتبليغ، بعض الناس ينظر إلى الجهة الأخرى ناحية الأثر، الأثر ليس عليك قال -تعالى-: {ليس عليك هداهم}، يقولها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، {لست عليهم بمسيطر} يقولها للنبي -صلى الله عليه وسلم -، {إن عليك إلا البلاغ}، فقط هذا الذي عليك يا محمد -صلى الله عليه وسلم - الأشياء الأخرى ليست بيدك؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، نحن وسائل للتبليغ فقط ووسيلة تأثير أما النتيجة فليست علينا. لذلك اجعل كل همك وكل مهاراتك وكل قدراتك وكل فنونك فيما يخص قضية التبليغ والدعوة إلى الله -عز وجل-، ادفع من مالك، أدخل دورات، صاحب النشطاء والفاعلين، واعرف كيف تكون مبدعا؟ وكيف تشارك في الدعوة إلى الله؟ وكيف تنشر دين الله -عز وجل؟ اتعب على هذا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نضَّرَ اللَّهُ امرَءًا سمعَ مقالتي فأداها كما سمعها، فربَّ مبلَّغٍ أوعى لَهُ من سامِعٍ».
أجرك بالتبليغ
لم يتكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التأثير والنتائج، وما قال لابد وأن تكون سببا في دخول أحدهم الإسلام، أو لأن يستقيم أحد من الناس، أو يهتدي لكي يكتب الله لك الأجر، فأجرك الآن كتب بالتبليغ؛ لذا فكثير من الناس عندما يُسأل لماذا لم يدخل ميدان الدعوة؟ يقول: أنا إنسان غير مؤثر، أنا ما عندي الإمكانيات الموجودة عند فلان الذي كسب قلوب الناس وكان سببا في إسلام بعض الناس واستقامة آخرين، أنا ما عندي هذه القدرة. من أخبرك أنَّ هداية الناس بيديك، ما نحن إلا أسباب لهداية بعض الناس، وهل نحن أفضل من نبي من أنبياء الله يأتي يوم القيامة وليس معه أحد؟ هل هذا النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- سقط في الاختبار؟ هل فشل في دعوته؟ لا، أبدًا، وإنما هذا النبي أدى ما عليه وما كلف به من رب العزة، وهو تبليغ الناس دين الله -عز وجل-؛ فالله -عز وجل- رفع عنه الإثم، بل أُجر، وكان له مقام عظيم عند الله -عز وجل- كنبي مرسل، وأصبحت الحجه قائمة على الناس.
إقامة الحجة على الناس
لذلك عليك أن تبلغ دين الله -عز وجل- لتقيم الحجة على الناس، حتى إذا جاؤوا يوم القيامة وليس لهم حجه، فيقول أحدهم: يا رب، ما أدري عن الرسالة، وما أدري عن الدين، وما أدري عن القرآن، وما أدري عن السنة، ما أدري عن فهم السلف، ما أدري، ما أدري، فيقال له: قد جاءك فلان ونصحك، وجاءك فلان ودعاك، وفلان بلغك، ولكن أنت ما أخذت بهذا البلاغ ولا انتصحت، ولا تذكرت، فأصبح من أهل العقوبة الذين يستحقون عقوبة الله -عز وجل- عدلًا.
هذا مقامك في الدعوة إلى الله -عز وجل
إذًا أنت مقامك في الدعوة إلى الله -عز وجل- أنك تقوم بإيصال العدل الذي سيكون لله يوم القيامة وحجة الله في أن جعلك مبلِّغا عن الله -عز وجل-؛ لأن كثيرا من الناس قد جهل هذا الموضوع، وما شارك في الدعوة يحسب أنه لابد من أن يتأثر به الناس، أبدًا ولكن الأمر الثاني في الفضل هو إذا تأثر بك الناس فأنت أولًا قد حصلت فضل البلاغ وإيصال عدل الله وإقامة حجته، ثم إذا تأثر بك الناس بإرادة الله -تعالى- وفضله فهناك فضلٌ عظيم أيضًا.
أجر الداعي إلى الله -عز وجل
ويأتي الأمر الثاني في فضل وأجر الداعي إلى الله -عز وجل- إذا تأثر بك الناس، وجعلك الله -عز وجل- سببًا في هدايتهم واستقامتهم، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، وحُمُر النعم هي أغلى ما وُجِدَ في هذه الأرض من إبل وأنواعها، أي ما في الأرض كلها من حُمُر النعم أنت تملكها، بأي شيء؟ ذلك إن هدى الله -عز وجل- على يديك رجلًا واحدًا، وإذا ما هدى الله -عز وجل- على يديك أحدا، فإن لك من الأجر ما لا يعلمه أحد إلا الله، فقد تركه مجهولًا لعظمه والفضل بيد الله -عز وجل- وحده، ولعظم أجر الصابرين على الحق وهذا الذي تقوم به من البلاغ دون أن ترى أثر ذلك في هداية الآخرين أو تأثرهم هو صبر، وقد قال الله -عز وجل في الصبر وأهله-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).
من أعظم الأعمال
خلاصة القول هو أن الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- من أجل الأفعال، وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه، ويحتسبها لأخراه، ويضعها في ميزان حسناته؛ لذلك يجب أن يجعلها الإنسان من الهموم التي تقعده وتقيمه، ويفكر فيها ليل نهار، فالدعاة إلى الله يقومون بمهمة بالغة الشأن، عظيمة الأهمية.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-13, 09:22 AM
خواطر الكلمة الطيبة

– مشاعر المؤمنين بقدوم رمضان


إذا كان شعورك الداخلي بأنك عبدٌ لله عز وجل فاعلم أنك على خير عظيم وأنك من عباد الله المقربين
في كل يوم من أيام شهر رمضان ينادي المنادي يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فعندما تتذكر كل هذا يمتلئ قلبك بالرجاء

أسأل الله -عز وجل- أن يجعل شهر رمضان مباركا عليكم وعلى أهليكم وعلى أحبابكم وعلى أمتكم وعلى أوطانكم، والله -سبحانه وتعالى- نسأله أن يمن علينا بالخيرات، وأن يعم ذلك على عباد الله -عز وجل- في مشارق الأرض ومغاربها، بفضل الله -عز وجل- وكرمه ومنته، وحقيقة كلمتي أريد أن أدخل بها إلى أعماق مشاعر المؤمن يوم سمع بأن رمضان قد أقبل، وأن الهلال قد رؤي وثبت دخول الشهر بحمد الله -عز وجل-، ما الأشياء التي خالجت قلبه ونفسه وعقله يوم دخل هذا الشهر؟

الشعور بالعبودية لله -سبحانه وتعالى
إن أول تلك المشاعر هو الشعور بالعبودية لله -سبحانه وتعالى- وهذه نعمة عظيمة، أن تشعر بأنك عبد لله -عز وجل- {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقال -تعالى-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وأنت تجيب «سمعا وطاعة.. سمعا وطاعة يارب»؛ لشعورك الداخلي بأنك عبد لله -عز وجل-، فإذا كان هذا الشعور هو الذي هز كيانك، وارتفعت مقاييسه عندك، فاعلم أنك على خير عظيم، وأنك من عباد الله المقربين، وأنك من أولياء الله الصالحين، نحسبك والله -عز وجل- حسيبك، لماذا؟ لأنه ما دفعك للامتثال إلا شعورك بالعبودية لله -عز وجل-، وهذا دليل على الإيمان وعلى التوحيد لله -عز وجل.
الشعور بالرجاء
هناك أيضا في داخل أعماق هذا المسلم وهذا المؤمن شعور بالرجاء، عنده علم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ»، لا تظن أن هذا العتق في آخر رمضان، لا وإنما في كل ليلة، وهذا فضل الله -عز وجل. ففي كل يوم من أيام شهر رمضان ينادي المنادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فعندما تتذكر كل هذا يمتلئ قلبك بالرجاء، ومع كل عبادة ترجو نيل فضلها وأجرها عندما تصوم تدعو الله يا رب أكون ممن قلت فيهم ولهم : «مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، عندما تسمع هذه الأحاديث يمتلئ قلبك بالرجاء، هذا الشعور العجيب الذي يدفعك لأن تُقبل وتُقبل وتعمل وتجتهد، فلا تدع لحظة إلا وتغتنمها؛ رجاء الفوز بالمثوبة والأجر والفضل من رب العالمين، وأبشر -بإذن الله- ستكون ممن ينالهم هذا الحديث: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ» يوم يجازيه رب العالمين عن صيامه الذي لا عدل له ولا مثل له كما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم .
الشعور بالخوف
ثم أيضا يمتلئ القلب بمشاعر الخوف، فيدخل رمضان وأنت خائف، فعلام الخوف؟ خائف أن الله قد لا يتقبل مني، هل الله -عز وجل- يظلمك حاشاه، ولكن أنت تخاف من أن تظلم نفسك، بأن تكون النية غير خالصه لله -عز وجل-، أو أن يكون العمل ليس فيه متابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أن العمل يدخله شيء من الفخر والكبر والخيلاء، أو يدخله شيء من السمعة والرياء، أو يدخله شيء من الشوائب، أو أنني أعمل بعض الأعمال أو أقول بعض الأقوال التي تخل وتهدم هذا البنيان العظيم في شهر رمضان كما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»؛ لذا إخواني هذا الخوف يجعلك تحرص على أن تبني حول نفسك سياج أمان، وخطوط دفاع لتدافع عن صيامك، وتدافع عن حسناتك، وترد الشيطان الصغير اليوم؛ فمردة الجن محبوسة، ولترد شياطين الأنس، ولترد مريدي الفتنة بك؛ فتسوي خطوط أمان لخوفك على عبادتك وحرصك على سلامتها من أي شائبة.
شعور بالحب
من المشاعر أيضًا التي تنتاب المسلم في بداية هذا الشهر هو: شعور بالحب، فما دفعك لهذا التقرب إلا حبك لله -عز وجل-؛ فأنت الآن تبشر نفسك بأنك صائم اليوم وأنوي صيام شهر رمضان ذلك دليل محبتي لله -عز وجل-، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ماذا يفعلون؟ إنهم يأتمرون بأمره وينتهون عن نهيه -سبحانه وتعالى- وهو الذي يحبهم -سبحانه وتعالى-؛ فالحب جزء من الإيمان الذي هو شعور بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح والأركان، إذا كيف تعبر عن حبك لله -عز وجل؟ الجواب: بامتثالك، فاليوم ترى صيامك هو دليل على حبك، وهذا في الحقيقة نعمة من نعم الله -سبحانه وتعالى.
شعور الافتقار إلى الله -تعالى
كذلك تشعر وأنت تدخل في هذه العبادة بافتقارك إلى الله، فتشعر باحتياجك لله -عز وجل-، فالعبد ذليل يحتاج إلى رحمة سيده، وكلما زاد فقرك بين يدي الله -عز وجل-، ازددت رفعةً وشأنا، قال - صلى الله عليه وسلم - «وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» فأعظم من تتواضع له هو الله -سبحانه وتعالى. وأعظم من تخضع له هو الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله -سبحانه وتعالى- سيرفعك بإيمانك {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} يرفعهم الله -عز وجل.
اجتماع تلك المشاعر في القلب
إخواني كل تلك المشاعر إذا اجتمعت في قلب عبد تشعره باللذة والقرب من الرحمن، وتعينه على الصبر على الجوع والعطش وعلى طول النهار، وعلى برده وحره، وعلى قيام ليله، وأنت فرحٌ سعيد والابتسامة تعلو قسمات وجهك لاستحضارك معنى تلك المنزلة من عبودية عنوانها المحبة، وتسير بالخوف والرجاء على درب الافتقار.
استحضار معنى الصيام
ثم تستحضر معنى الصيام وفضله يوم القيامة، وَمما قِيلَ: إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومين، فالمظلومون يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟»، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ؛ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
إلا أجر الصيام
والمقصود إلا أجر الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة منه شيء، وإنما يدخِره اللهُ -عز وجل- للعامل يجزيه به، ويدل على هذا قوله في إحدى روايات الحديث: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، أي: إن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام، فإن الله يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء، ويكون لصاحبه عند الله -عز وجل. قال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-: «إذا كان يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد فإنه يؤخذ للعباد من حسنات العبد، إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء؛ لأنه لله -عز وجل- وليس للإنسان، وهذا معنى جيد أن الصيام يتوفر أجره لصاحبه، ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيئا». وقال - صلى الله عليه وسلم - إن الله -عز وجل- يقول: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعَفُ لَهُ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ قالَ اللَّهُ سبحانَهُ إلَّا الصَّومَ فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِهِ».

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-18, 11:46 AM
خواطر الكلمة الطيبة – افرح ولا تفرح


على الإنسان أن يفرح أن مد الله عز وجل في عمره فأدرك شهر رمضان بأكمله وهو من الشهور العظيمة التي اختارها الله عز وجل وجعلها محلا لعبادة عظيمة
على الإنسان أن يحذر من خدع الشيطان فيدخل عليه فرح الغرور والعجب ويقول: أنا صليت أنا قمت أنا تصدقت أنا قرأت القرآن فهذه من محبطات الأعمال

في هذه الأيام من شهر شوال، التي تأتي بعد موسم شهر رمضان المبارك يمر على أهل الايمان يوم العيد الذي يفرح به أهل الإيمان بعد مسيرة طيبة مباركة من العمل الصالح، وأقول كما قال الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا قابل بعضهم بعضا في مثل تلك الأوقات: تقبل الله منا ومنكم، أو مثلما نقول نحن: تقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيد علينا وعليكم تلك الأيام المباركة أعواما عديدة وأزمنةً مديدة، وكل عام وأنتم بخير وأمنٍ وأمان وسلم وإسلامٍ وإيمان، وعنوان كلمتي هذه (افرح ولا تفرح)، قد يقول قائل كيف تريدنا أن نفرح ولا نفرح في الوقت نفسه؟!
افرح حمدا وشكرا لله -عز وجل- أن مد عمرك فأدركت شهر رمضان بأكمله، وهذا الشهر هو من الشهور العظيمة التي اختارها الله -عز وجل-، وجعله محلا لعبادة عظيمة وركن عظيم من أركان الإسلام وهو الصيام {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185).
افرح بإسلامك
افرح أنك أدركت هذا الشهر وأنت مسلم؛ فإن بعض الناس لم يدخل في الاسلام إلا في منتصف رمضان أو بعد ذلك أو قبله، فهناك آخرون مر عليهم هذا الشهر، إما كافرا وإما عاصيًا من أهل الإسلام؛ فاحمد الله على العافية ونعمة الهداية.
افرح بنعمة العافية
بل احمد الله -عز وجل- ان أتم الله عليك نعمة الصحة والعافية، وأتممت صيامة، افرح بأن الله -عز وجل- يسر لك فيه العبادات، مابين صيام وقيام وقراءة قرآن، وأعمال بر وإحسان افرح بذلك، يقول الله -عز وجل- {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}.
افرح بطاعتك
من يفرح فليفرح بهذا الأمر بالطاعة أكثر من أي فرح آخر {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} من أموال، ومناصب، وشهادات، ومن متاع الدنيا؛ فالطاعة وأجرها ليس في الدنيا فقط وإنما ما في شيء يستمر معك أثره في الدنيا ولا في الآخرة إلا الأعمال الصالحة، أما غير ذلك فهو متروك في الدنيا فقط، تستفيد منها، أما بمجرد انتقالك لأول منازل الآخرة وهو القبر انتهى كل شيء، ولن يبقى معك وقتها إلا العمل الصالح.
افرح بتوفيق الله لك
افرح بتوفيق الله لك بأن أعانك على إتمام هذا البنيان العظيم من العمل الصالح، وهناك من عباد الله -عز وجل- من انقطع عملهم في أثناء الشهر، إما لمرض مزمن يصعب معه الصيام، وإما بالوفاة، وهم كثر رحمة الله على الجميع، وهناك أيضا من دفناهم بعد صلاة العيد مباشرةً رحمة الله عليهم، الشاهد أن هناك دواعي لفرحة جليلة بأن الله -عز وجل- جعلك تعيش أياما عظيمة، ووفقك فيها لأعمال كبيرة، فلتفرح بأن كنت من هؤلاء الذين اصطفاهم الله للعمل الصالح. افرح بأن دخلت في يوم العيد وهو يوم الجائزة؛ ولذلك كان السلف إذا فعلوا شيئا من الطاعات شعروا بسرور وفرح عظيم، وما أجمل تلك الحادثة التي ليس فيها مجرد عمل صالح وإنما خُتم له بالعمل الصالح حين قال الله -عز وجل-: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، جاء الرمح من ظهره وخرج من صدره وهو يراه، فيقول وهو يضع يده على مكان هذا الرمح ويقول: فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة، فاز بماذا؟ بأن اتخذني الله شهيدا، أنا ذهبت أعلم الناس القرآن وقتلت دون ذلك، وكذلك أنت قدمت من جهاد نفسك وجهاد وقتك ومالك بأن تصوم وتصلي وتقرأ القرآن وتعمل عملا صالحا فلتقل في نفسك فزت بإذن الله ورب الكعبة، ولترج أن تكون عند الله من الفائزين.
إياك وفرح الغرور!
لذلك إخواني الكرام، هذا الفرح مهم جدا، أن تشعر نفسك بهذا الفرح وأن تفرح بفضل الله عليك، ولكن لا يدخل عليك الشيطان بالفرح الثاني عافانا الله وإياكم وهو فرح الغرور «أنا صليت، أنا قدمت، أنا عملت، أنا سويت» فلا تركن على أعمالك ثم بعد ذلك تتوقف عن العمل الصالح، وتظن بأنك قد وصلت إلى الجنة، ولكن يبقى بينك وبينها أن تموت فلايكن هذا شعورك. لماذا؟ لأن أهل الايمان وصفهم الله -عز وجل- بالذكاء؛ لأنهم لا يركنون إلى خدعة الشيطان، فيركنون إلى أعمالهم قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، تسأل أم المؤمنين عائشة -رضوان الله عليها-: من هم يارسول الله؟ أهم الزناة والسراق، من يشربون الخمر؟ فيقول - صلى الله عليه وسلم -: أولئك الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يُتقبل منهم! ماذا يريد الشيطان منك؟ خرج من رمضان وقد صام وصلى وقام الليل وقرأ القرآن وختمه وزكى وتصدق، وأتى من أعمال البر الخير الكثير، الله أكبر عملت شيئا عظيما، ماذا يريد منه الشيطان؟ يريده أن يغتر بهذا العمل حتى تركن إليه وتترك هذا العمل، لا! فالمؤمن يفطن لذلك -بفضل الله- ويحدث نفسه أنه لعل الله لم يتقبل مني فدعني أزيد في الأعمال الصالحة وأداوم عليها، لعل الله أن يقبلني -سبحانه وتعالى-، هذا ديدنه يعمل العمل من الطاعات ويخاف ألا يتقبل منه فيستمر رجاء القبول مع علمه بأن الله -تعالى- لايضيع عمل المحسنين، وأن الله بالعباد رؤوف رحيم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فالله لايضيع إيمانك ولا أعمالك الصالحة.
دعوة عبدالله بن مسعود
ولذلك يدعونا الأمر إلى أن ندعو بدعوة عبدالله بن مسعود، عندما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد ليلا ومعه أبوبكر وعمر بن الخطاب -رضوان الله عليهما- فدخلوا المسجد فإذا عبدالله بن مسعود يصلي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد أن يقرأ القرآن غضا فليقرأه من ابن أم عبد- يعني عبدالله بن مسعود- ثم إذا سمعه وصل إلى دعاءه وسمعه يثني على الله -عز وجل- ويصلي على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قال «سل تعطه، سل تعطه، سل تعطه «وعبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - لايدري عن هذا الحوار، فلما انتهى من صلاته جاءه أبوبكر - رضي الله عنه - بعد ذلك قال له: أبشر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كذا وكذا فبماذا كنت تدعو؟ قال كنت أدعو وأقول: «اللهم اني أسألك إيمانًا لا يرتد (ثبات وإقدام)، قال: ونعيمًا لا ينفد (جنه عرضها السموات والأرض ونعيم الدنيا بالهداية)، قال: ومرافقة محمد - صلى الله عليه وسلم - في جنة الخلد، وقد بشره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقبول (سل تعطه) معناها: أن الله -عز وجل- أعطاه فثبته على الإيمان الذي لايرتد، وبشر بنعيم عند الله لا ينفد، وبمرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنة الخلد وهو معهم -رضي الله عنهم جميعا. وجاءه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كذلك يريد أن يبشره فقال له قد سبقك أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: ماسابقت أبا بكرٍ بشيء الا وسبقني، فعليك بهذا الدعاء الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -، ليكن -بإذن الله- بشرى لك وثباتا على دينك حتى تلقى الله -عز وجل.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-06-18, 11:47 AM
خواطر الكلمة الطيبة – ارجع فصل فإنك لم تصل


احذر أن تكون من أهل «ارجع فصل فإنك لم تصل» ويوم القيامة يقال لك ارجع فلا قبول لصلاتك!
من أهم الأمور التي يجب على الإنسان تعلمها: قضايا التوحيد وتعلم السنة واتباع النبي [ ثم الصلاة وأحكامها لأنها خيرُ موضوع

روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فرد رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام، وقال ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فقال له رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: وعليك السلام، ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرار؛ فقال الرجل: والذي بعثك بًالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها؛ فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئا فإنما انتقصته من صلاتك، وقال فيه: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء.
(فعلمني) كلنا ذلك الإنسان الذي يحتاج أن يتعلم شرع الله -عز وجل- عموما، وأخَصّ ما في هذه الشريعة أمور ثلاثة: الأمر الأول: تعلم قضايا التوحيد وكيف تكون موحدًا لله -عز وجل- وتتجنب الشرك؟
الأمر الثاني: تعلم السنة وكيف تكون متبعًا للنبي -[؟ لأنه فرعٌ عن التوحيد.
الأمر الثالث: الصلاة، لأنها خيرُ موضوع كما قال النبي -[- فإذا صلحت الصلاة صلح سائر العمل، وإذا فسدت فسد سائر العمل، ولذلك أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة بعد توحيده، بل حتى الكفار عندما أرادوا ان يعللوا سبب دخولهم النار بدؤوا في موضوع الصلاة قبل موضوع العقيدة لعظمها { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر: 38-42).

الصلاة تحقق منظومة التوحيد
فأمر العقيدة صار بعد ذكرهم عدم صلاتهم، تكلموا عن قضية عدم الصلاة؛ لأن الصلاة هي التي تحقق منظومة التوحيد؛ فلا تجعل صلاتك عادة بل اجعلها عبادة، وأوصي نفسي وإخواني وكل من يسمع هذا المقطع: إن كنت تستطيع في كل حركة من حركات الصلاة ان تستحضر الراوي لفعلك هذا فافعل، لأنك تصلي في اليوم على وجه الفريضة خمس مرات، وعلى وجه السنن والنوافل كل فرد على قدر اجتهاده، فأنا عند التكبير أتذكر، من روى التكبير؟ رواه الإمام البخاري، وعند وضع اليدين على الصدر أتذكر رواية الإمام مسلم، وعند الركوع أتذكر رواية الإمام أحمد، وعند الاعتدال من الركوع أتذكر رواية الإمام ابن ماجه، وعند رفع اليد للسجود وهي من السنن التي كانت تُفعل أحيانا، وهكذا اجعل صلاتك كلها مستحضرة، فإذا جاءك سائل رأيتك تفعل هذه الحركة في الصلاة فما دليلك؟ تقول روى الإمام أحمد في مسنده كذا وكذا، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم .
تعلم هيئات الصلاة
لابد وأن نصل لهذه المرحلة، وأنا على يقين بأن أغلبنا يصلي لأنه تعلم بالمدرسة أو على يد شيخ أو يمكن أحدنا قرأ كتابا من سنوات طويلة لكنه الآن ليس مستحضرا للرواية، لكن نقول: طالما تلك العبادة أنت تفعلها يوميا فيفترض أنك اليوم حافظ لجميع الرواة الذين رووا هذه الصلاة، بهذه الصفة وبهذه الهيئة، والتزامك لهيئة من الهيئات إذًا هذا يلزم منك أن تعلم من رواها؟ وأين مرجعها؟ لأنك يمكن أن تُسأل وبالفعل حدث ذلك. فقد كنت أصلي ومعي أخ سوداني ونحن نصلي مع جماعة، فرأى بعض الأشياء أنا أفعلها في الصلاة، فبعد الصلاة مباشرةً ما انتظر فجاءني وسألني أنا رأيت منك حركات فما هذه؟ فقلت روى الإمام النسائي كذا، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، وهذا الحديث رواه الإمام النسائي وصححه.. فقال مكملا: الألباني، قلت وما أدراك؟ قال: معروف الألباني، فبرغم أنه رجل عامي إلا أنه قد انطبعت في ذهنه عبارة: صححه الألباني.
ارجع فصل فإنك لم تصل
الشاهد إخواني أنه من الممكن أن يكون أي واحد فينا هذا الرجل (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فلا تنتظر أحدا يقول لك ارجع فصل، أنت راجع نفسك؛ فأنا لا أعرف في الدنيا -وهذا من حد المبالغة- لا أعرف في الدنيا أحدا ألف في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه الدقة والتفصيل مثل الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- ولا في علماء الأمة لا المتقدمين ولا المتأخرين، لا يوجد في الدنيا إلى الآن كتاب دقيق جدا في صفة الصلاة -مع جلالة قدر العلماء السابقين واللاحقين- صنف مثل كتاب الشيخ الالباني. فقد صنفه في ثلاث مجلدات، وهذا المعتمد الكبير الذي لم يخرج إلا بعد وفاته، وكنا نعيش على سنوات طويلة ندرس مختصرا لهذا الكتاب وهو صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي كان الشيخ في كل طبعة يضع زيادات ويجدد ويعدل على نفسه مابين تصحيح وتضعيف وإيراد أحكام.
أهمية كتاب صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم
ومن يقرأ صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والحاشية وتعليقات الشيخ والله يحب الشيخ ويعلم أنه رجل منصف، وأنه رجل لو كان الحق عليه يقوله، مثل قوله: «وقد أخطأت يوم صححت هذه الرواية، وذكرت كذا واستدللت منها كذا، ولكن -الحمد لله- أني وجدت رواية أخرى تعضد كلامي، ولكن تلك الرواية ضعيفة وهذه هي الصحيحة». هذا رجل عظيم وعنده أدب عظيم، لماذا؟ لأن هذا أمر شرع ودين وليس فيه مجال للمجاملة؛ فهذا أمر دين والله -عز وجل- يحاسبني عليه، وما أكتب فالله -عز وجل- يحاسبني عليه، ثم بعد ذلك جاء إلى ملخص صغير خاص بعامة الناس، طبعا السابق هذا خاص بطلبة العلم، والكبير هذا حق المجتهدين وأهل العلم ماشاء الله، ثم جاء الأخ محمود الدليمي -بارك الله فيه وهو أحد طلبة الشيخ مشهور- ووضع الصور ونحن في الكلمة الطيبة طبعنا هذا الكتاب بعد إذن المصنف ووزعناه -بحمد الله- في الكويت كلها كتاب صغير فيه كل صفة بطريقتها بشكلها.
تعليم فقه الصلاة
الشاهد إخواني، أنا على يقين أنه حصل أو سيحصل معكم مثلما حصل معي ومع كثير من الناس، أنه إذا جلس مع أهله في الجلسة الأسبوعية أو الشهرية التي تجتمع بهم فيها بالديوانية، وجئت تشرح صفة الصلاة ستجد العجب العجاب من أمك وأبيك وأختك وأخيك وزوجتك وعيالك، من علمكم هذه الصلاة؟ ولكن السؤال الحقيقي ماذا تفعل حضرتك طوال تلك السنين؟ هذه أمك، هل جلست معها مرة علمتها صفة الصلاة؟ وهذا أبوك هل جلست معه لتعلمه كذلك صفة الصلاة؟ إذا أنت ما تحسن فهلا جمعتهم لتريهم مقطعا سواء من أحد أهل العلم عن صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم ؟
تطبيق عملي
وأحمد الله -عز وجل- اني على المنبر تطبيقا عمليا وأمام المستمعين شرحت صفة الصلاة وصفة الوضوء وخلعت عقالي وغطرتي وبيشتي وأنا على المنبر لإيضاح كيف توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على منبره ليعلم الناس وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يفعلون كذلك «ألا أتوضأ لكم كما توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم -» عثمان بن عفان وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم-، ويفعلون ذلك ليعلموا الناس وأمام أبي بكر وعمر وعلي وحمزة -رضي الله عنهم-، وهذا لايعيب أحدا بل هو علم، وهو أساس قبول عملك، فإذا كان وضوؤك خطأ، وصلاتك خطأ، فلن تنال الأجر الذي تطلبه.
صلوا كما رأيتموني أصلي
قال - صلى الله عليه وسلم -:»من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ذنبه»حديث رواه المنذري في الترغيب والترهيب، تخيل إذا أنت توضأت كما أُمرت، أي كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصليت كذلك غفر الله لك ذنبك. طيب! وإن لم تفعل؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « خمس صلوات من صلاهن لوقتهن بركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له عند الله عهد أن يغفر له، وإن لم يفعل ليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له»؛ لذا فهو أمر خطير إخواني، وأنا أدعو جميعكم إلى الاعتناء الشديد بأمر الصلاة ولاسيما والأمر متاح، فهو موضوع كبير وعظيم، موضوع أمة، وموضوع عبادة، وهو موضوع توحيد، فكل هذا داخل في قضية الصلاة لله -عز وجل» لذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وتذكر واحذر أن تكون من أهل «ارجع فصل فإنك لم تصل!»، ويوم القيامة نسأل الله العافية، يقال له: ارجع فلا قبول لصلاتك! لماذا؟ لأنك ما صليتها كما جاء في كتاب الله -عز وجل- ولا في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم .

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-07-12, 12:16 PM
خواطر الكلمة الطيبة – البركة سِرُّ من أسرار الله – عز وجل-


البركة هي سر الله عزوجل يهبها لمن شاء من عباده وهي لا تُكتسب ولا تُشترى ولكن الله سبحانه وتعالى يهبها للإنسان سواء في علمه في وقته في ماله في جهده
استطاع النبي صلى الله عليه وسلم خلال عقدين من الزمان تغيير وجه الأرض وكتب تاريخًا جديدًا وعهدًا جديدًا أقام دولة وربى رجالا ما زالت أثارهم باقية منذ 1400 عام

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ، فتكونُ السنةُ كالشهرِ، والشهرُ كالجمعةِ، وتكونُ الجمعةُ كاليومِ، ويكونُ اليومُ كالساعةِ، وتكونُ الساعةُ كالضَّرَمَةِ بالنارِ»، الضرمة كأنها حرقة سعفة، هذا الحديث النبويٍ الشريف تتجلى فيه ظاهرة جليلة تلفت الأنظار وتُعير الاهتمام وتأخذ بمجامع القلوب وتستثير النفوس وتحرك عقول أولوا الألباب.
هذا الحديث يخبرنا بأن الزمان قد تغير، وأن الأيام اختلفت عما سبق، سواء كان عاما أم شهرًا أم يوما أم ساعة أم دقيقة، فالعام السابق غير هذا العام، والعام قبل عشر سنوات غير هذه السنة، والحقيقة أن هناك سرا من أسرار الله -عز وجل- في ذلك، وقبل أن نبين عنوان الموضوع، دعونا نأتي بنماذج وأمثلة.
النبي - صلى الله عليه وسلم - وتغيير وجه الأرض
النبي - صلى الله عليه وسلم - خلال عقدين من الزمان استطاع تغيير وجه الأرض، وكتب تاريخًا جديدًا وعهدًا جديدًا منذ بعثته - صلى الله عليه وسلم -، معالم جديدة وأثار حميدة لاتزال أخبارها وصداها ليس فقط إلى هذا الزمان بل إلى أن تقوم الساعة، فهي فقط ثلاثة وعشرون سنة قضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما بُعث بالأربعين حتى صار عمره - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وستين سنة.
أقام - صلى الله عليه وسلم - دولة وربى رجالا
أقام - صلى الله عليه وسلم - دولة وربى رجالا، واستمرت هذه الدولة من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إلى سنة 1919 مع سقوط الخلافة العثمانية لم تر الدنيا مثل دولة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا (خلافة) حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثين سنة قضاها كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم- استمروا بالخلافة ثلاثين سنة فقط ماذا أقاموا فيها؟ ما الإنجازات؟ ما الأعمال؟ ما المهام التي قاموا بها؟ إنها أعمال عجيبة وعظيمة تُدرس في الجامعات ويدرسها الساسة ويدرسها الاقتصاديون ويدرسها الاجتماعيون في تلك الثلاثين سنة.
خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه
فأبو بكر الصديق حكم فقط سنتين وثلاثة أشهر، ماذا قدم فيهم وماذا عمل؟ جمع القرآن بعدما أشار عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما استحر القتل في حروب المرتدين وبدأ يموت الكثير من الصحابة الحفاظ، فأشار عليه بجمع القرآن فسمع نصيحة عمر -رضي الله عنهما- ثم جمع القرآن -الجمع الأول- وحارب المرتدين في الجزيرة وفي اليمن، وجيش الجيوش وفتح الأمصار ونظم عهد الدولة بتعيين الأمراء والولاة في الدول، عين لمكة ولاة وللمدينة ولاة ولليمن ولاة، فتح البلدان، تبرع بماله كله في غزوة مؤته، -رضي الله عنه وأرضاه.
خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه
وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- حكم عشر سنوات وستة أشهر، ومات وعمره 61 سنة، فماذا عمل؟ وماذا قدم؟ جمع القرآن الجمع الثاني، ووسع الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وأبعد المقام عن الكعبة حتى يوسع للمسلمين، وأقام السجون، واعتمد التاريخ الهجري، واتسعت في عهده الدولة وكسر شوكة الروم والفرس في خلال عشر سنوات.
نماذج مضيئة
وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه- كذلك، وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه- كذلك، نماذج مضيئة كلها، غير باقي كبار الصحابة مثلا زيد بن ثابت أسلم وعمره عشر سنوات، علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن حتى وصل عمره اثنتي عشرة سنة، تعلم لغة اليهود خلال خمسة عشر يوما، وأصبح مترجما للنبي - صلى الله عليه وسلم - للوفود وعمره أربع عشرة سنة، وعينه النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد كتاب الوحي وعمره ست عشرة سنة، وأصبح فقيها عالما متخصصا في الفرائض وعمره تسع عشرة سنة، كلفه عثمان بن عفان بجمع القرآن حتى قال: «لو كلفني بحمل الجبال لكان أهون» وجمع القرآن من العظام والجلود ومن كبار الصحابة -رضوان الله عليهم- حتى كان هذا المصحف الذي بين أيدينا وعمره إحدى وعشرون سنة، فقط تسع أو عشر سنوات، إخواني، ما السبب؟ هذا سر الله في كونه وهو البركة.
فليسأل كل منا نفسه
إخواني، كل واحد منا يسأل نفسه أيًا كان عمره: أربعين، خمسين، ستين أين البركة التي أحلها الله -عزوجل- في عمري في زوجتي في أولادي، في مالي في علمي في وقتي في دعوتي، البركة هي سر الله -عزوجل-، فهو كل مانسب إلى الله فهو بركة، بيت الله، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كلام الله، الأقصى المبارك، العبد المؤمن لما يلتزم يسمى عبدٌلله -سبحانه وتعالى- فهو مبارك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لزوال السموات والأرض أهون عند الله من إراقة دم عبد مسلم» فإنه مبارك يحبه الله ويرضاه.
أهمية البركة
فالبركة إذا حلت في الصحة حفظها الله وبارك فيها، والبركة إذا حلت في الوقت توسع هذا الوقت وزاد، والبركة إذا حلت في المال نمَّاه الله وكثَّره، والبركة إذا حلت في العيال رزقه الله -عزوجل- برهم، والبركة إذا حلت في العلم نفع الله به صاحب العلم ونفع به السامع، والبركة إذا حلت في العمل مد الله أثره وعظَّم أجره ونفع به، والبركة إذا حلت في البلاد حفظها الله عزوجل من الشرور والأعداء، والبركة إذا حلت بالأسرة نفع الله بها وكانت قرة عين لأهل البيت وللمجتمع، والبركة إذا حلت بالزوجة قامت بالحقوق وبالواجبات وربت الأولاد وأقامت الرجال ومن ثم تقام دولة هذه المرأة، وهكذا كل شيء.
البركة سِرُّ الله -عزوجل
يقول الله -عزوجل-: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } ويقول الله -عزوجل- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، ويقول الله -عزوجل-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فظاهرة البركة هي سر الله -عزوجل- يهبها لمن شاء من عباده، لا تُكتسب ولا تُشترى، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يهبها في الإنسان، في علمه، في وقته، في ماله، في جهده ومن ثم فالإنسان ينبغي أن يحرص كل الحرص أن يكون مستقيما لله -عزوجل- يجتهد في طاعة الله -عزوجل- ويتبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كي يُحل الله -عزوجل- بركته في هذا الإنسان، فتكون أعمالك كلها لله -عزوجل- طعامك، شرابك، عملك، تفكيرك يكون ذلك كله لله -عزوجل- ومن ثم تكون عبدا لله وتكون عبدًا مباركًا كما قال الله -عزوجل في حق عيسى عليه السلام-: {وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا}.

اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة

ابو وليد البحيرى
2024-07-12, 12:17 PM
خواطر الكلمة الطيبة – من أعظم البركات التي حصلت في الأمة



الإمام الحافظ الحكمي توفي سنة 1958 وعمره ثلاث وثلاثون سنة وقد ألف عشرات الكتب وكتبه تدرس في الجامعات الشرعية
الإمام محمد بن إدريس الشافعي بدأ الفتيا وعمره خمس عشرة سنة والبخاري كان عمره ست عشرة سنة وكان يحفظ مائة ألف حديث وتصدر الإمام مالك للفتيا وعمره سبع عشرة سنة
من أعظم البركات التي حصلت في الأمة ما حصل في القرون الثلاثة المفضلة التي نجني ثمارها الآن في هذا الزمان بعد ألف وأربعمائة سنة

ذكرنا معكم إخواني في المقال السابق مفهوم البركة، وأنها سر من أسرار الله -عز وجل- يهبه لمن يشاء، وذكرنا نصوصا من القرآن والسنة في ذلك، وذكرنا بأن البركة هي الخير والنماء والعطاء والزيادة والفضل الذي يُحله الله -عز وجل- في هذا الشخص أو في هذا الكيان أو في هذه الأمة، واليوم نستكمل هذا الموضوع بذكر بعض النماذج التي نرى بأن الله -عز وجل- قد أحل عليها البركة.
من أعظم البركات التي حصلت سابقًا هي البركات التي حصلت في القرون الثلاثة المفضلة قرن الصحابة ثم التابعين وتابعي التابعين، هذه القرون الثلاثة حل فيها من البركة الشيء العظيم الذي نجني ثماره الآن في هذا الزمان بعد ألف وربعمائة سنة، فهم كلهم خير بركة، فالصحابة الكرام آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم - برسالته وصدقوه حيث كذبه الناس وعزروه ونصروه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم وتركوا أموالهم وأوطانهم من أجل رسالة الإسلام، وأخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن والشريعة وتعلموا أحكام الدين، وبلغوا من وراءهم في الجزيرة وفي بلاد الشام، حتى بلاد السند ووصلوا إلى شرق الصين، بلغوا دين الله -عز وجل-، وحفظوا الشريعة من التبديل، والتحريف، وحاربوا المبتدعة، وبينوا دين الله -عز وجل- ووضحوه للناس، حتى أعز الله -عز وجل- هذه الأمة وهذا الدين.
أعظم البركة
قال الله -عز وجل- فيهم: {وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، وهذه أعظم البركة أن الله -عز وجل- يرضى عنك، وقال الله -عز وجل في آية أخرى-: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} كما يقال: «ليس الشأن أن تُحب ولكن الشأن أن تُحَب»، ليس الشأن أن ترضى عن الناس، ولكن الشأن أن يرضى عنك الناس، والشأن العظيم والبركة العظيمة حينما يرضى الله -عز وجل- عنك، حينما يحبك الله، قال الله -عز وجل- {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، هذه أعظم البركة، يعيش الإنسان في الدنيا لهذا السبب وهو محبة الله -عز وجل- ورضوانه.
حب الله -تعالى- للصحابة
والله -عز وجل- قد أحب الصحابة، ورضي عنهم، ورضي لهم دينه وما قاموا فيه من أعمال، قال الله -عز وجل-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لاتسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه»، لو أنفق أحدكم كل حياته وكل ماله وكل جهده على أن يصل إلى مُدّ أو جزء أو ذرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يستطيع، قال - صلى الله عليه وسلم-: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، وقال عبدالله بن عمر: «لا تسبوا أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- فلمقام أحدهم ساعةً خيرٌ من عمل أحدكم عمره» ساعة واحدة يقضيها هذا الصحابي في جلسة مع النبي - صلى الله عليه وسلم- أو يتعلم فيها أحكام الدين، هذه الساعة التي هي جلسة الصحابي خير من عمل إنسان ستين أو سبعين سنة يقضيها في طاعة الله -عز وجل.
أمعاوية - رضي الله عنه - أفضل أم عمر بن عبدالعزيز؟
جاء رجل إلى عبدالله بن المبارك فقال له: «أمعاوية أفضل أم عمر بن عبدالعزيز؟» -عمر بن عبدالعزيز كما يسمى الخليفة الخامس له جهود كبيرة جدا في الأمة الإسلامية- فقال عبدالله بن المبارك: «لترابٌ في منخري معاوية خيرٌ وأفضل من عمر بن عبدالعزيز» التراب الذي دخل أنف معاوية - رضي الله عنه - في إحدى غزواته مع النبي - صلى الله عليه وسلم- أفضل من عمر بن عبد العزيز، هذا هو مقام الصحابة، والبركة التي أحلها الله -عز وجل- فيهم.
حفظ الدين من التبديل والتحريف
جيء بزنديق إلى هارون الرشيد لقتله، فقال لهارون: كيف تقتلني وقد وضعت في الأمة ألف حديث؟ أحل فيها الحرام وأحرم فيها الحلال؟ فقال له هارون: أين أنت ياعدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبدالله بن المبارك؟ ينخلانها ويخرجانها حرفا حرفا»، أنت من أنت؟ تدعي أنك وضعت ألف حديث أو حتى مائة ألف حديث، فإن الله -عز وجل- سخر في هذه الأمة في القرون من ينخل هذه الأحاديث ويميز الصحيح فيها من الضعيف، وبذلك حفظ الله -عز وجل- هذا الدين من التبديل والتحريف، من الذي حفظه؟ حفظه الله -عز وجل- بأن سخر له علماء أجلاء من كبار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين حتى ألفوا الكتب في الحديث الصحيح والضعيف، واستخرجوا تلك الأحاديث التي وضعها الكذابين، في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم-، يشرعون شيئا ما شرعه الله -عز وجل-، إذًا إخواني، القرون المفضلة هي من أفضل القرون؛ فإن الله -عز وجل- قد أحل بها البركة، في علمهم وعملهم وجهادهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم-، والتابعين من بعدهم وتابعي التابعين.
نماذج مشرقة
وإذا نظرنا إلى بعض النماذج المشرقة في تاريخنا الإسلامي نجد العجب العجاب، فهذا محمد بن إدريس الشافعي متى بدأ الفتيا؟ قال بدأ الفتوى وهو عمره خمس عشرة سنة، طيب متى تعلم؟ متى حفظ؟ متى درس العلم؟!، والبخاري -رحمه الله- محمد بن إسماعيل البخاري جاء أحد التلاميذ أو السائلين إلى شيخ البخاري يسأله عن بعض المسائل فقال له: «لو جئت قبل لرأيت شابا ليس في وجهه شعر يحفظ مائة ألف حديث» البخاري كان عمره ست عشرة سنة، وكان يحفظ مائة ألف حديث، وتصدر الإمام مالك للفتيا وعمره سبع عشرة سنة، «لايُفتى ومالك في المدينة».
الإمام علي بن عبد الكافي
والإمام علي بن عبد الكافي توفي وعمره ست وعشرون سنة! ماذا قال عنه الذهبي؟ قال: «كتب الكثير وخرَّج وعلَّق وكان من الأذكياء» كل ذلك وقد توفي وهو ابن ست وعشرين سنة!، يقول الإمام الذهبي: «ولو عاش لما تقدمه أحد في الفقه وفي الحديث»، طيب متى تعلم؟ ومتى حفظ؟ ومتى اجتهد؟ والإمام أحمد بن حسن الحنفي تولى القضاء وهو ابن عمر سبع عشرة سنة، والإمام الحافظ المنذري مات وعمره ثلاثون سنة يقول عنه الذهبي: «الحافظ الذكي كتب الكثير ولو عاش لساد»، عمره ثلاثون سنة وقد ألف المؤلفات، وكتب الكتب، ويقول الذهبي «ولو عاش لساد زمانه»، الإمام الشوكاني أفتى وعمره عشرون سنة!
الإمام النووي
والإمام يحيى بن شرف الدين النووي (صاحب شرح صحيح مسلم وصاحب المجموع المهذب وصاحب شرح رياض الصالحين وصاحب كتاب الإرشاد وصاحب كتاب حملة القرآن) مات وعمره خمس وأربعون سنة، والآن كتبه تناقش في رسائل الماجستير والدكتوراه!، هل هناك مسجد في العالم شمالا وجنوبا شرقا وغربا في كل أنحاء الكرة الأرضية لم يشرح كتاب رياض الصالحين؟! لا يوجد إمام مسجد إلا وبجانبه كتاب رياض الصالحين، ماهذه البركة التي أحلها الله -عز وجل- في هذا الإمام وغيره كثير. والإمام الحافظ الحكمي توفي سنة 1958 وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وقد ألف عشرات الكتب وكتبه تدرس في الجامعات الشرعية، لا شك إخواني أنك إذا أردت أن تدركك هذه البركة فلابد عليك بالاجتهاد، والجد والتعب كما قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا}.

اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة

ابو وليد البحيرى
2024-07-17, 10:52 AM
خواطر الكلمة الطيبة – البركة في الأوقات


الإنسان إذا عرف هدَفه وغايتَه من الحياة فإنه يحافظُ على كلِّ لحظةٍ من عمره ويستثمرُ كلَّ وقتِه لتحقيقِ هدفه
ينبغي للإنسان ألا يكون فريسةً سهلة لمواقع التواصل الاجتماعي تلتهِمُ وقتَه وتشغَلُه عن مهامِه الأساسية

استكمالا لما تكلمنا فيه حول البركة في حياة المسلم، وكيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذا الأمر العظيم وهو البركة في الوقت والعمر أو الجهد؟ نستكمل معكم ونذكر اليوم أحد الأسباب الجالبة أو التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يُحصِّل البركة.
أول قضية يستطيع الإنسان أن يصل الى هذا المفهوم وهو مفهوم البركة وهو اهتمامه بالوقت؛ فالسابقون لم يحصلوا على ماحصلوا عليه، ولم يستطيعوا أن ينجزوا أو يقدموا أو يعملوا إلا بعدما عرفوا قيمة الوقت، وكيف يستثمرون هذا الوقت، ويوظفونه فيما ينفعهم في أمر دينهم، وأمر دنياهم؟ فكما ورد عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: « قال إني أبغض الرجل لاهو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه» يعني (عاطل باطل)، هذا الإنسان الذي لا يعرف قيمة الوقت، لا يقدم شيئا في دينه ولا في دنياه، تجد بعض الناس يجلسون على المقاهي وبعضهم يقضون الساعات على كراسي المسرح، وبعضهم في المباريات، وبعضهم في الديوانيات، وبعضهم في الاستراحات، فقط كما يقال: «عندي وقت كثير جدا أريد قتله»! المسلم ليس عنده هذا المعنى أبدًا، المسلم عنده هدف في الحياة خُلِق لأجله، وإذا أراد أن يخرج فإنه يخرج وقد حقق هذا الهدف، وهو أن ينجح في هذا الاختبار الذي وُجد فيه في هذه الدنيا، وإلا فهو سوف يرسب وإذا رسب ما في إعادة مع الأسف! {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} فقط هو اختبار واحد إما النجاح وإما الرسوب.
أقسم الله -عز وجل - بالوقت
ومن أهمية الوقت فإن الله -عز وجل- أقسم به -سبحانه-؛ لجلالة قدره، فقد ذكر الله -عز وجل- في آيات عدة قَسَمَه بالوقت، قال الله -تعالى-: {والفجر وليال عشر} وقال -تعالى-: {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} وقال -تعالى- في قَسَم آخر بالوقت {والضحى والليل إذا سجى} وقال -تعالى- {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} يعني من لم يوظف هذا الوقت في طاعة الله فسوف يخسر، قال {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اي استثمروا أوقاتهم في الإيمان والعمل الصالح.
مسائل مهمة في الاهتمام بالوقت
ولكي نستثمر الوقت ينبغي مراعاة أمور عدة:
أولاً: ترتيب الأولويات
الأمر الأول أنك لابد أن تقوم بترتيب الوقت حتى يساعدك في الإنتاجية والإنجاز، فلابد وأن ترتب وقتك حتى تستطيع أن تنجز وتبدع وتحقق الهدف.
ثانيًا: التركيز على كل مهمة
الأمر الثاني أنك إذا اهتممت بترتيب هذا الوقت، فإنك تستطيع أن تُجمع فكرك في التركيز على كل مهمة تريد أن تفعلها، فعندك وقت محدد لإنجاز هذا العمل، فتركز جهدك وفكرك ووقتك في إنجاز هذا العمل (دورة شرعية، زيارة، رحلة، أداء عمرة..) تبدأ في العمل وأنت تعلم من متى؟ إلى متى؟ فيكون تركيزك كله منصبا على إنجاز تلك المهمة.
ثالثًا: إنجاز الأهداف
الأمر الثالث اهتمامك بالوقت يجعلك تستطيع أن تنجز الأهداف إنجازا أسرع وبجهد أقل، أيضا من وسائل الإهتمام بالوقت أنك إذا اهتممت بالوقت فسوف تشعر بالرضا، بأنك اليوم أنجزت أهدافا أو أعمالا؛ فتشعر بالسعادة والرضا للتوفيق لإنجاز مثل تلك الأعمال، والذي يكتب المهام اليومية هو الذي يُنجز، والذي لا يكتب لا يُنجز، وتتنازعه الأعمال بلا أدنى ترتيب للأولويات ولا رؤية للأهداف، بل يضيع وقته هكذا، عبثا دون هدف؛ ولذلك الله -عز وجل في سورة لقمان- ذكر من الحِكَم {واقصد في مشيك واغضض من صوتك} يعني وأنت تمشي لابد وأن يكون لك مقصد وهدف، لا تمش عبثا.
رابعًا: ترتيب الأوقات
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:» عدم ترتيب الإنسان لوقته مضيعةٌ لوقته؛ ولهذا أدعو الجميع أن يجعلوا أوقاتهم مرتبة» ومعنى مرتبة يعني يقول الشيخ «أن تقول مثلا اليوم عملي كذا وفي الصباح عملي كذا وفي المساء عملي كذا، حتى لا تضيع الأوقات عليك وأنا جربت هذا» هكذا يقول الشيخ «أنا جربت هذا، جربت على أن كل ما طرأ علي شيء فعلته، أو أني أرتب وقتي، فوجدت أن الأخير أحسن وأنفع ويستفيد الإنسان من وقته» فإذا سجلت ودونت فإنك سوف تستفيد من وقتك، يقول أيضا ولو نظرت فيما سبق من التاريخ تجد أن السلف مثل الإمام الشافعي والإمام البخاري وغيرهم -رحمات الله عليهم- أنجزوا في أوقات قصيرة جدا، يقول: «ولو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء -رحمهم الله- ما أنتجوا من المؤلفات ومن فطاحل العلماء الذين تخرجوا على أيديهم، في أوقات قد تكون أقل من الوقت الذي عشته أنت في هذا الزمن؛ وذلك بسبب ما ملأ الله -عز وجل- به قلوبهم من ذكره، حتى صارت أعمارهم لا تضيع منهم لحظةً واحدة».
نماذج من اهتمام السلف بالوقت
فلذلك كان السلف حريصين على الوقت، ففي بعض الروايات عن الإمام ابن الجوزي يقال: « زار الإمام ابن الجوزي بعض التلاميذ، فأشغلوه فأعطاهم الأقلام والبرايات» والسبب يقول حتى يجهزوا له الأقلام حتى لا يضيع وقته بعدما يرحلون، هكذا كانوا حريصين على الوقت، وكان بعض السلف إذا جاء له التلاميذ قال: «أشغلتموني» فيقولون هل أشغلناك؟ فيقول نعم أشغلتموني عن العلم، ثم إذا خرجوا، قال لهم: تفرقوا ولا تجتمعوا فربما أحدكم يذكر الله فإذا اجتمعتم أصبح بينكم الحديث، وهذا كله في الحقيقة يبين قيمة الوقت عند السلف، وكيف أنهم كانوا يحافظون عليه، وكيف أثمروا تلك الجهود والآثار العظيمة؟.
من أسباب ضياع الوقت
لضياع الأوقات وعدم الاستفادة منها أسباب كثيرة أهمها ما يلي: 1- عدمُ إدْرَاكِ قيمة الوقْتِ الإنسانُ إذا عرَف قدرَ الشيءِ وقيمتَه بالغَ في الحِفَاظِ عليه والحرصِ عليه، أمَّا إذا كان جاهلاً بقدْرِه وقيمتِه فإنَّه يُضَيِّعُه ولا يهتمُّ به، وكما قيل: «من عرف مقدارَ ما يطلبُ هان عليه مقدارُ ما يبذلُ».
2- عدمُ تحديدِ الهدف الإنسان إذا عرف هدَفه وغايتَه من الحياة فإنه يحافظُ على كلِّ لحظةٍ من عمره، ويستثمرُ كلَّ وقتِه لتحقيقِ هدفه، فاسألْ نفسَك هذا السؤال: ماذا أريد من الحياة؟ ما هدفي من الدنيا؟ ما أغلي أمانيّ وأعظم رغباتي؟ هل تعيشُ لتحقيق أهدافك وطموحاتك أم أنك تسعى إلى طموحٍ ليس لك؟
3- ضعفُ التخطيطِ والتنظيمِ إنَّ الفوضى والحياةَ المرتبكة التي تفتقد إلى الانضباط تستحقُّ منك وقفةً، فربما هي السبب الأكثر تضييعًا لوقتِك، تبدأ يومَك لا تدري ما الذي يجب عليك إنجازُه هذا اليوم، وربما يمرُّ يومُك وما فعلت شيئًا مفيدًا وأنت لا تدري؛ لأنَّ حياتَك غير مرتبةٍ ولا منظمةٍ.
4- اتباعُ هوى النفس إنَّ اتِّباعَ الهوى يفوِّتُ علي صاحبِه إدراكَ الحقِّ واتباعَه، فيقضِي عمرَه متبعًا لهواه، ولا يُفيقُ إلا إذا بلغَتِ الروحُ الحُلقومَ، غير أنَّ الرَّجاءَ حينذاك ينقطعُ ولا ينفعُ، فيردَى المسكين في الهاوية، أعاذنا الله من ذلك، {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} (طه: 16).
4- التَّسويفُ وطولُ الأملِ إنَّ طولَ الأملِ يضيِّعُ ساعاتِ عمر الإنسان النفيسة في اللَّهْثِ وراء الأحلامِ الزائفة، حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهبُ نفسُ الإنسان حسراتٍ على ما فرَّط في عمره، وأضاعَ من وقتِه.
5- رُفْقَةُ السُّوءِ إنَّك إذا جالستَ جلساءَ السوءِ أضاعُوا وقتَك فيما لا فائدةَ فيه ولا طائلَ من ورائِه، بل أنت بذلك تقتلُ وقتَك، وتهدِرُ عُمُرَك في الشهواتِ المهلكاتِ، والملذَّاتِ المحرَّماتِ، فلا تعرف معهم طريقَ مسجدٍ، ولا برٍّ وصلةٍ، ولا علمٍ وفقهٍ، ولا خيرٍ وصلاحٍ، ولا نجاةٍ وفلاحٍ، بل تغرَقُ معهم في طريقَ الشَّر والفسادِ، والصَّد عن ذكر الله، ويضيعُ عمرك فما لا يفيد.
8- مواقعُ التواصل وشبكاتُ الإنترنت ينبغي للإنسان ألا يكون فريسةً سهلة لمواقع التواصل الاجتماعي تلتهِمُ وقتَه، وتشغَلُه عن مهامِه الأساسية، فعليه ألا يعطِها إلا دقائق من يومِه، ولهدفٍ مُحَددٍ، ومع الأسف فإنَّ أغلب هذه المواقعِ تلوِّث العقولَ، وتضرُّ بالدينِ.
9- ضعفُ العزيمةِ كثيرون هم الذين يريدون اغتنامَ كلِّ لحظةٍ من عمرهم في عملٍ يجلِبُ لهم الربح في دنياهم أو آخرتهم، يضَعون الخُططَ، ويُرتِّبون أوراقَهم، لكن سرعان ما تتلاشى أحلامُهم، وتتبعثرُ آمالُهم، وما ذلك إلا لضعفِ عزيمتِهم وإرادتِهم؛ فإنَّ ضعفَ العزيمة يُهدِر وقتَك؛ لأنَّ قوِيَّ العزيمةِ لا يسمح بضياعِ لحظةٍ من عمره مهما كانت الظروفُ والأحوالُ.

اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة

ابو وليد البحيرى
2024-07-23, 10:47 PM
خواطر الكلمة الطيبة – كيفية استجلاب البركة


أول الأمور التي تستجلب بها البركة هي الاهتمام بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتطبيقا

لازلنا إخواني في الحديث الذي بدأناه قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، وهو مايتعلق بالبركة في حياة المسلم، وذكرنا أهمية البركة وفضلها وماجاء فيها من كلام الله -عز وجل- ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم -، وذكرنا بأن البركة هي من الله -سبحانه وتعالى- وذكرنا بعض القواعد التي من خلالها يستطيع الإنسان أن ينظم وقته، وأن يوظف هذا الوقت فيما ينفعه في أمر الدين والدنيا، وذكرنا بعض أثار السلف في حرصهم على الوقت، وكيف كانوا يستثمرونه ولا يضيعون مثل هذه الأوقات، وذكرنا بأن الوقت لأهمية ولعظمه فإن الله -عز وجل- أقسم به في القرآن كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أهميته في السنة، واليوم نتكلم معكم إخواني في كيفية استجلاب البركة.

الاهتمام بكتاب الله -عز وجل
إن الأمور التي تستجلب بها هذه البركة هي الاهتمام بكتاب الله -عز وجل-، يقول الله -تعالى-: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}، ويقول الشنقيطي -رحمه الله- من اهتم بالقرآن تلاوة وتدبرا وتطبيقا، تدركه البركة والخير والنفع في أمر الدين والدنيا والآخرة، وهذا مشاهد وأثبتت الدراسات أن من يهتم بالقرآن الكريم ويحفظ القرآن الكريم فإن الله -عز وجل- يبارك له في وقته وفي عمره وفي عمله. بعض الناس يخاف عندما يُحفظ أولاده القرآن بأن يضيع وقتهم في الحفظ والمراجعة، لكن هناك دراسة جميلة جدا أثبتت علميا بأن أكثر الطلاب تفوقا في الفصول الدراسية على جميع المراحل، بل الأوائل على الفصول الدراسية هم حفظة القرآن وطلاب الحلقات، وهذا يبين أن البركة حلت في كتاب الله -عز وجل-؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنه، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف».
شفاعة القرآن
والقرآن الكريم كما تعلمون يأتي شفيعا يوم القيامة لأصحابه، بل هناك سورةٌ من القرآن تحاج عن صاحبها في القبر تسمى المانعة والمنجية من عذاب القبر وهي سورة الملك، والقرآن يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة يحاج لك عند الله -عز وجل-، يقول منعته النوم، كان يصلي ويقرأ القرآن في الليل. والقرآن الكريم -كما جاء في بعض الأثار- أخذه بركة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سورة البقرة-: «اقرأوا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»، والبيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة تفر منه الشياطين، ولاشك أن هذا كله من بركة القرآن الكريم التي أحلها الله -عز وجل- في كتابه وبه تستجلب البركة.
تقوى الله -عز وجل
كما أن البركة تستجلب بتقوى الله -عز وجل- قال -تعالى-:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}. يقول الإمام الرازي: «لو أنهم أطاعوا الله -عز وجل- واتبعوا دينه لفتح الله -عز وجل- عليهم أبواب الخيرات من بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار وكثرة المواشي والأنعام وحصول الأمن والسلامة، فلو أن أهل القرى اتبعوا القرآن الكريم واتبعوا تعاليم الله -عز وجل- وتعاليم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه تحل عليهم البركة في الأموال والخيرات وفي الأوقات، وحلت في البلاد يغشاها الأمن والسلام والرخاء، وجاء في الحديث: «لحدٌ يقام في الأرض خيرٌ من أن يُمطر الناس أربعين»، يعني لو أن الناس اتبعوا القرآن الكريم واتبعوا شرع الله -عز وجل-، وطبقوا ولو حدا واحدا مثل حد الجلد أو حد السرقة، فإنه خيرٌ لهم من أن يمطروا أربعين، وهذا لاشك من بركات القرآن الكريم واتباع تعاليم الله -عز وجل- وشرعه.
الدعاء
كما تستجلب البركة بالدعاء، فتدعو الله -عز وجل-، وهذا من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كان يدعو بالبركة لأصحابه وزوجاته - صلى الله عليه وسلم -، كما كان يدعو بالثمار، ويدعو لمن أطعمه الطعام، وهذا حتى تدركه البركة، يقول أنس - رضي الله عنه -: «جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق، ويحملون التراب على مناكبهم، ويقولون نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد مابقينا أبدا، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة»، فدعا لهم - صلى الله عليه وسلم - بالبركة والنبي -صلى الله عليه وسلم - إذا دعا بالبركة لإنسان أدركته البركة له ولذريته إلى يوم القيامة، قال أنس - رضي الله عنه - قالت أمي: يارسول الله، هذا ابني خادمٌ لك، ادع الله له، فقال -صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته» يقول أنس - رضي الله عنه - فوالله، إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون بالمائة، يعني أنه رأى من ولده وولد ولده مائة وهو حي، وهذا من بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبي:»كان النبي -صلى الله عليه وسلم - إذا دعا في الشيء أجابه الله -عز وجل- فيه.
من نعيم الدنيا معرفة الرب وانشراح الصدر
المؤمن الحق في هذه الحياة الدنيا يتمتع بأنواع النعيم الظاهرة والباطنة، ومن أهم ما يتمتع به المؤمن معرفة الرب -جل وعلا-، وانشراح صدره بالإيمان به -سبحانه-، معرفةُ الله معرفةَ إقرار، وتصديق وإيمان، وانقطاع إليه، وأنس به، وطمأنينة بذكره، قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفة الله -عز وجل-، وقيل لبعضهم: ألا تستوحش وحدك؟! فقال: كيف أستوحش، وهو -سبحانه- يقول: «أنا جليس من ذكرني». وأما انشراح الصدر، يقول الله -تعالى-: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125)}، ويقول -جل وعلا-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)} (الزمر:22)، وانشراح الصدر هو اتساعه وانفساحه؛ بسبب استنارته بنور الإيمان، وحياته بضوء اليقين، فتطمئن بذلك النفس، وتحب الخير، ويطاوعه البدن على فعله، متلذذًا به، غير مستثقل، ولا متكاسل، ولا متوان. أما من أضله الله، فهو ضيق الصدر، يحس بالحرج والعنت، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح لفعل بر. فهل يستوي من كان منشرح الصدر، قرير العين، يعرف بدايته ونهايته، مرتاح النفس، هادئ البال، إن أعطي شكر، وإن مُنِع صبر، مع من كان قاسي القلب، ضيق الصدر، لا يعرف إلا دنياه، ولا يبصر إلا نعيم بدنه، إن أُعطِي بطَرَ وكفَرَ، وإن مُنِع سخِط وضجِر؟ {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الملك:22). وبهذا الانشراح يحيا المؤمن حياة طيبة، يشكر ربه فيها عند السراء والنعماء، ويصبر عند البأساء والضراء، ويعمل الخير يرجو ثواب الله، كما قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)} (النحل:97).

اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة

ابو وليد البحيرى
2024-07-23, 10:48 PM
خواطر الكلمة الطيبة – الأيام العشر والاستغلال الأمثل



إخواني الكرام، ها نحن أولاء في أعظم الأيام وأحبها عند الله -سبحانه وتعالى-، وأعظم الأيام أجرا للعمل الصالح، هي أيام معدودات، قد نجد بعض الناس يرغب الناس في فضل هذه الأيام ثم تجده هو يقصر، وهذه حقيقة، فالله -عزوجل- يقول: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ابدأ بنفسك ثم بعد ذلك أهلك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فالبداية دائما بالنفس.

وتلك الأيام التي نتكلم عنها عادة مانكون نحن من يوجه فيها الكلام للآخرين؛ فنقول: «ستقبل عليكم أيام العشر من ذي الحجة وهذه الأيام التي أقسم الله -عزوجل- بها في كتابه، وهذه الأيام التي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله وهي تعد من أعظم الأيام عند الله -عزوجل-، وقد أقسم -سبحانه- بالعشر كلها، ثم أقسم باليوم التاسع، ثم أقسم باليوم العاشر، ثم جاء التشريع بتحريم صيام اليوم العاشر، وحث على الأعمال الصالحة فيها»، وجاء حديث «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ -]-: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ»، يقول الراوي سعيد بن جبير: وكان إذا دخل العشر اجتهد اجتهاد مالا يقدر عليه، هذا راوي الحديث، ونحن اليوم نكلم أبناءنا وأهلنا وأحبابنا، سواء كنا دعاة أم طلبة علم أم مشايخ أم علماء، نوجه كلامنا للآخرين، ولكن نقول هل نحن أولاء سنكون مثل سعيد بن جبير عندما نقل الحديث؛ فكان هو المثال العملي للتطبيق لهذا الحديث النبوي لإيمانه بأن هذه الأيام تعد الأعظم عند الله -سبحانه وتعالى. فإذا لم يكن عندنا من اليوم تخطيط لهذه الأيام ماذا سأفعل بها؟ وكيف سأعيش هذه الأيام؟ كيف سأحصل ما أستطيع تحصيله من الأجور في هذه الأيام؟ لأن هذه الأيام قد تدركها وما تستطيع العمل فيها فبعضنا -عافانا الله- يدركها ولا يستطيع العمل فيها، إما لانشغالة أو لعدم قدرته لمرض أو غيره؟ وقد لا يدركها، فيكون فاته العمر وانقطع أجله؛ فانظر ماذا أعددت لها؟ واعلم أن منظومة التخطيط لحسن استغلال مثل تلك المنح الربانية، مهمة جدا لنفسك ولأهلك، إذا استطعت ان توجه الناس وجههم إلى كل خير، ولكن عليك -في المقام الأول- ألا تنسى خاصة نفسك، فلتستعد، ولتجلس مع أسرتك لتقرروا ماذا سنفعل في العشر القادمة؟ إذا كنا من أهل الحج فلله الحمد والمنة، ولنجتهد في أداء المناسك بإحسان، وإن لم نكن من الحجاج ماذا سنفعل؟ عندنا أضحية قادمة، عندنا أيام بها اثنين وخميس، عندنا يوم عرفة صيام، عندنا أعمال صالحة تستوجب ان نخطط لها، لنشعر أنفسنا ومن حولنا بأهمية تلك الأيام، تلك العشر المهمة حتى قال فيها الامام البيهقي: «إنها لاتقل أهمية عن العشر الأواخر في رمضان» بل قال الإمام البيهقي: إن فضل تلك العشر كفضل شهر رمضان العظيم المبارك. نحن نعيش حقيقةً أياما عظيمة وجليلة فلندركها بالتخطيط الجيد لندرك هذا الخير الذي قد لا ندركه في سنوات قادمة، والسعيد من وفقه الله للعمل في هذه الايام المباركة.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-08-07, 09:28 AM
خواطر الكلمة الطيبة – أهمية تدبر آيات القرآن


الناس بحاجة إلى من ينقلهم من مشاعر الدنيا إلى مشاعر الآخرة من الموضوع الواقعي إلى الموضوع الغيبي من القضية المناخية إلى القضية العقائدية

من المهم جدا أن نتدبر آيات القرآن حتى تكون عندنا حكمة في الأطروحة مع الناس، ونحن -أهل الإسلام عموما وأهل العلم خصوصا- مأمورون بأن ننزل إلى الساحة؛ حتى ندعو الآخرين، وهذه رحمة من الله -سبحانه و-تعالى.

والقرآن الكريم هو أعظم رحمة لنا؛ فقد أعطانا المادة العملية التي نستطيع أن نتكلم بها مع الناس في أي موضوع، ومما شغل الناس وكان حديث الساعة هو موضوع الحر والكلام عن الحر، وتجد الناس في هذه الأجواء بين مستهزئ وساخر، وبين متسخط وناقم.

قضية إيمانية
وأحوال الناس -ولا شك في هذه الأمور- تعود إلى الإيمان؛ لأن الذي قدر هذا هو الرحمن -سبحانه وتعالى- فالموضوع جد خطير، ورحمة من أهل الرحمة على العباد أن يعلموهم ما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم حتى لايخرجوا من الإسلام بكلمة لعلها تفسد على الإنسان حياته الأخروية كلها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، فممكن كلمة في هذا الموضوع الخطير وهو موضوع الحر تخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر عياذًا بالله.
خطورة السخط على قدر الله
قد تذهب بنا كلمة في هذا الموضوع الى دائرة السخط على قدر الله عياذا بالله، وكأنه يقول بلسان حاله -عياذا بالله- وكأن الله -تعالى- ما أحسن عندما قدر هذا، وفي هذا اعتراض على قدر الله -عز وجل- والله -عز وجل- يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، والله -سبحانه وتعالى- لايقدر شيء إلا لحكمة ولعلم ولطف.
آية عظيمة
والأن دعوني انتقل معكم إلى آية عظيمة من سورة النور وهي آية رقم 44 يقول الله -عز وجل-:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ}، وقد أجاد الإمام العلامة السعدي -رحمة الله عليه- عندما جمع كلام المفسرين في تلك الآية؛ فيقول -رحمة الله عليه- في قوله -تعالى-: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي الحر والبرد، والبرد والحر، يقلب الله -عز وجل- من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ثم قال: ومن ليلٍ إلى نهار، ومن نهارٍ إلى ليل، ثم قال: ويداول الأيام بين عباده {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي يقلبها، أنت كنت صغيرا فكبرت، كنت فقيرا فأصبحت غنيا والعكس، كنت سقيما فأصبحت صحيحا والعكس، كنت قويا صرت ضعيفا والعكس، كنت في أمان وصرت في خوف والعكس، «يقلب الله الليل والنهار» فالآية ليست تتكلم فقط عن الليل والنهار، وإنما كل ماتراه من اختلاف الأحوال هو في سياق هذه الآية، هذا التقليب ليس يقتصر فقط على قضية كونها قضية كونية وإنما يريد الله -عز وجل- أن تنتقل بها الى أمر غيبي؛ بحيث تدلك هذه الآية على وجود الله -عز وجل-، وعلى قدرته وقوته، وغِناه -سبحانه-، وعلى مُلكه -عز وجل. إذا هذه المعاني كلها وصلت إليك في حل الغنى والفقر والبرد والحر والصحة والمرض والأمن والخوف، اعرف بأنك الآن وصلت لأعظم قضية وهي:
قضية التوحيد
ستصل إلى حقيقة معنى لا إله إلا الله، وعند ذلك ستهون عليك الأمور، خوف بعد أمن هذا بتقدير الله -عز وجل- ونأخذ بأسباب الأمن، مرض بعد صحة هذا بتقدير الله -عز وجل- عندي رضا في قلبي وآخد بأسباب الصحة، أنت في فقر بعد غنى ترضى بقدر الله -عز وجل- وتسعى في أسباب الغنى، أنت في كل أحوال حياتك فكما أن الله -عز وجل- عنده وحده القدرة بأن يقلب الليل والنهار، فإنه -سبحانه- قادر على تقليب حياتك من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة، ومن خوف إلى أمن، وهكذا يا إخواني في سائر الأمور؛ فالله -سبحانه- قادرٌ على كل شيء؛ فالموضوع ليس نهارا وليلا ولا حرا وبردا فقط.
القدرة الإلهية
مكة وادٍ غير ذي زرعٍ عند البيت المحرم؛ فمن حيث مفاهيم المناخ لا يوجد فيها شيء أصلا يجعلها مأوى للناس، بل أعطوني تفسيرا، كيف ونحن في عز الصيف في هذا العام وفي موسم الحج تأتي الغيوم لا ندري من أين؟ كيف اجتمعت وكيف أتت؟ جمعها وأتى بها الله -عز وجل- وأمطرت يوم عرفة وفي أيام منى نزل المطر، وسيول صارت كيف لهذا أن يحدث في عز الصيف فجأة؟! شيء عظيم إنها القدرة الإلهية {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}.
المشاهد القلبية
الله -عز وجل- أراد منا شيئا مهما، أنه كما أن لديك نظرا بصريا يجعلك تدرك الأمور، أن تنقل تلك المشاهدة البصرية إلى مشاهدة قلبية فيكون للقلب بصر مثل بصر العين فترى الأمور بعين بصيرتك، وتحكم هذا معتقد صحيح، وهذا معتقد باطل، وتزن الأمور بميزان الشرع، وتميز مايرضي الله عما لا يرضيه، وننتقل بالأمر من قضية حسية كونية إلى قضية إيمانية قلبية، من بصر إلى بصيرة، ومن عين إلى عقل وقلب.
حاجة الناس إلى التوجيه
فاليوم الناس تحتاج منك تغريدة أو مقالة أو كلمة في ديوانية، تنقلهم من هذه الدنيا ومن هذا الموضوع الحسي إلى الموضوع المعنوي، من الموضوع الواقعي إلى الموضوع الغيبي، من قضية مناخية إلى قضية عقائدية، ففي هذا الحر الشديد الله -عز وجل- قادر على أن يجمع غيوما وينزل أمطارا، وأن يُخفض درجات الحرارة بأكملها علما بأن الله -عز وجل- لا يقضي أمرا إلا له فيه حكمة بالغة ولطف لا نعلمه، وانظر لموضوع الحر مع أولادك وأسرتك بعين البصيرة، واشرح لهم بعين الحر والإيمان، وعين الحر والعقيدة، قدرة الله -عز وجل- في الخلق وتكلم عن هذه الآية الصغيرة التي هي في الحقيقة جزء من آية ولكن فيها الخير العظيم.
حاجة القلب إلى تدبُّر القرآن
القلب فيه وحشة لا تُزال إلاَّ بالأنس بكتاب الله -تعالى-، والتَّأمُّل في آياته، وفيه قلق وخوف لا يؤمِّنه إلاَّ السُّكون إلى ما بشَّر الله -تعالى- به عباده، وفيه فاقة لا يغنيها إلاَّ التَّزوُّد من حِكَمِ القرآن ومواعظه وعبره، وفيه حيرة واضطراب لا ينجيه منها إلاَّ الاعتصام بكتاب الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 57-58)، والأصل أنَّ قلوب المؤمنين وجلودَهم تخشع وتخضع وترقُّ وتسكن وتطمئنُّ عند ذكر الله -تعالى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 23)، فمَنْ أراد أن يخشع قلبه، وينشرح صدره، فلا غنى له عن التَّفكُّر والتَّمعُّن في الآيات الكريمات، ولا يكن همُّه - إذا افتتح السُّورة - أن يقول في نفسه: متى أختمها. قال الآجرِّي -رحمه الله-: «فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قَبُحَ فيه، فما حذَّره مولاه حَذَره، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّب فيه مولاه رَغِبَ فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصِّفة فقد تلاه حقَّ تلاوته، ورعاه حقَّ رعايته، وكان له القرآن شاهدًا وشفيعًا وأنيسًا وحِرْزًا، ومن كان هذا وَصْفَه نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كلُّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة»، فقراءة القرآن بالتَّفكُّر هي أصل صلاح القلب واستقامته، ولا شيء أنفع للعبد في معاشه وأقرب إلى نجاته في معاده من تدبُّر القرآن العظيم.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-08-13, 05:41 PM
خواطر الكلمة الطيبة – دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم


الحسد هو تمنِّي زوال النِّعمة عن الآخر وهو في جوهرِه اعتِراضٌ على عطاء المنعم سبحانه وتعالى
الحسد صفة ذميمة لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة وهو بوابة الآثام ويبدأ بالقريب قبل البعيد

الحسد مرض ينشأ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني أسماء الله تعالى وصفاته

استنفر العالم قبل مدة من أجل مرض كورونا، وجاءت منظمة الصحة العالمية لتضع بروتوكولا عالميا للعلاج وللوقاية من هذا المرض، والسؤال إذا مات الإنسان من مرض وهو على الإيمان والإحسان إلى أين يذهب؟ بإذن الله إلى جنة الله -سبحانه وتعالى-، ولكن هناك مرض عضال لم تتكلم عنه منظمة الصحة العالمية، ولا الأمم المتحدة تداعت له، ولا نرى حديثًا عنه في الإعلام ولا تجمعت له الدنيا مع أنه داء عضال، وقد ينتهي هذا الداء بموت قلب الإنسان ومشكلة هذا الداء أنه يذهب بدين الإنسان، وإذا ذهب دين الإنسان فإنه يخسر الدنيا والآخرة وهذا هو الخسران المبين، نسأل الله العفو والعافية.
إخواني، دعونا نذهب معًا الى هذا الحديث الذي قد رواه الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني وهو حديثٌ حسن -وهي رتبة من رتب الأحاديث الصحيحة- والحديث يرويه الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم الحسَدُ، والبغضاءُ هيَ الحالِقَةُ، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعَرَ ولكن تحلِقُ الدِّينَ، والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكُم بما يثبِّتُ ذاكُم لكم؟ أفشوا السَّلامَ بينكُم». تخيل معي: دب، أي موجود بالفعل، ها هو ذا قد وصل، معناها لابد من أخذ الحيطة والحذر، ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - (سَيَدُّب) وإنما (دَبَّ) أي هو موجود بالفعل، نسأل الله السلامة.
داءٌ خطره عظيم
وكما يقولون المرض كان حالات ثم أصبح ظاهرة، وعندما يكون في طور الحالات فهي نسب ضيئلة لا تُذكر، إنما عندما يصل المرض لطور الظاهرة فيكون عندئذ ذا نسب كبيرة وعالية قد تكون 20% و30% وقد تكون أكبر من ذلك، معناها شيء عظيم (دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم) ماهو يارسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «الحسد والبغضاء»، فعلينا ألا نستهين بهذا الداء الخطير؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاءه وحي من السماء من عند ربه -جل وعلا- من فوق سبع سماوات: يا محمد هناك داء الأمم قبلكم قد جاءكم، ومعناها أنه ينتشر ويزيد، ما هو؟ قال: «الحسد والبغضاء».
حقيقة الحسد
الحسد: هو أن تتمنى زوال النعمة التي جاءت لأخيك من عند الله -سبحانه وتعالى-، وبعض الناس ينظرون إلى الحسد من منظور ضيق: وهو أن الحسد محصور في أنَّ الفقراء يحسدون الأغنياء. هذا ليس بصحيح، وإنما ترى في الحقيقة بعض الأغنياء يحسدون الفقراء، كيف؟ وعلى ماذا؟ الغني عنده قصور وعنده سيارات وعنده أموال وعنده مزارع وعنده شاليهات إلخ، كيف له أن يحسد الفقير؟! قد يحسده على صحته، قد يحسده على جماله، وغيره من أمور الدنيا التي قد ينعم الله بها على الفقير.
مصدر الحسد واحد
الحسد ليس له علاقة بأني أنا أحسن منك شهادة ولا غنى ولا منصبا ولا نسبا ولا حسبا، ممكن هذا الذي نراه بمنزلةٍ عالية يتوجه بالحسد لمن هو أقل منه، والعكس بالعكس، لماذا؟ وما السر إذًا؟ السر أن مصدر الحسد واحد، ومن الذي يشعل الحسد في قلوب الناس؟ إنما هو الشيطان فما يفرق معه من يحسد من؟ غني يحسد فقيرا، أم فقير يحسد غنيا ليست مشكلة، صحيح لمريض أو مريض لصحيح ليست مشكلة، جميل (لدميم) أو (دميم) لجميل لا مشكلة، تخيلوا إخواني الكرام: مريض ويحسدونه؟! وهذا الذي جعلني أقول هذه الكلمة. كيف مريض ومحسود، يقولون: ألا تعجب فأولاده حوله، وهو مريض منذ عشر سنوات، وأولاده كلهم حوله طوال اليوم على مدار 24 ساعة! أعوذ بالله، رجل مريض على الفراش ومحسود!، رجل لايقدر أن يقوم بنفسه، ولولا الله -عزوجل- ثم التربية التي تربى عليها أولاده -بارك الله فيهم- لعانى الكثير، وهم بجواره يؤدون واجبا عظيما تجاه أبيهم، والناس تحسد المريض على أولاده الذين يخدمونه! تخيل أخي في الله! وأنت الحمد لله تمشي على رجليك، تذهب وتجلس وتشرب وتأكل وتسافر وتقضي مصالحك وتسوي رياضة، وهو يلازم فراشة من المرض، ثم وهو في هذه الحال تجده محسودا! من هنا فإن الحسد ليس له منظور معين لنقول هذا حسد، وانما الحسد يأتي لأي انسان بأي صفة وبأي طريقة، متى يأتيك؟ إنه يأتيك عندما يضعف إيمانك، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البغضاء
وكذلك (البغضاء) عندما يصير في قلبك كره وبغضاء لإنسان إما يكون مصدره الحسد، وإما أن يكون هناك شيء شخصي، ليس حسد وإنما كره؛ لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن (البغضاء)، فلا يكره المؤمن المؤمن، بل حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلاقات الزوجية قال «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ» انظر لتلك المعادلة الشرعية التي لا يقولها أي أحد، لا يقولها إلا وحي، ولا تأتي إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
البغضاء هي الحالقة
و(البغضاء) هي الحالقة، «تحلق الدين»، «لأنها تأتي بالبغي» (أي الحسد والبغضاء والظلم) وقال: «ثم الهرج» من كثرة مايحسده قتله، ومن كثرة مايبغضه أذاه وتسلَّط عليه، والمؤمن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه»، تخيل أنه ما يجُرَك على أن تجَرِّئ لسانك على فلان وأن تُجَرِّئ يدك على فلان إلا الحسد والبغضاء.
حالقة الدين
النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إليه وقال: «لا أقول حالقة الشعر (أي: الحسد والبغضاء) وإنما حالقة الدين»، تخيل انت تصوم رمضان وتزكي وتصلي وتذهب للعمره والحج، وتقرأ القرآن من المصحف، وتصلي السنن وتحافظ على الصلوات، وتبر والديك وتبر أرحامك، ولكن عندك حسد وبغضاء يحلق دينك تماما، الله أكبر يوم القيامة يقول لقد صليت وصمت وزكيت وفعلت كذا وكذا فيقال لك: حسدك هذا أذهب عليك سنوات من الأعمال الصالحة والبغضاء التي كانت في قلبك تجاه فلان أذهبت أعمالا صالحة أخرى، فأين أعمالك؟
مرض خطير وفتاك
إخواني ترون هذا مرض خطير وفتاك، قد يقف المرء أمام ربه -جل وعلا- ليس عنده حسنات ولا أجر، ثم لم يقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحد وإنما قال: «والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم» إفشاء السلام مع ابتسامة مع المصافحة تخفف الغل والحسد الذي بقلبك، ومعها ثانية ومعها ثالثه حتى يزول بإذن الله.
التحصين بالإيمان
فكما هو التطعيم ضد وباء كورونا جرعات جرعة أولى وجرعة ثانية وجرعة ثالثة بعدها الأمور تهدأ وتستقر، نقول هنا: إن لهذا الداء الخطير وهو الحسد والبغضاء يكون تطعيمك بالإيمان ومن الإيمان أن تسلم على من لقيته، وإن سلمت فإن ذلك يخفف الحسد والحقد في قلبك، وستصل -بإذن الله- للشفاء من هذا المرض وتميت الشيطان وتطفئ ناره لتصل إلى سلم المؤمنين الموصل -بإذن الله- إلى رضوان الله -عزوجل.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-08-13, 05:41 PM
خواطر الكلمة الطيبة – الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير


جاء الإسلام بالدعوة إلى الألفة والمحبة وحذر من كل أسباب القطيعة والفرقة ولا شك أن الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير
حسن الخلق من أجل العبادات وأعظمها وجماعها كما قال أحد السلف هو بذل الندى وكف الأذى والصبر على أذى الناس
المراء هو الجدال والأصل فيه الذم إلا ما كان من إحقاق حق وإبطال باطل لكن في غالب حياة الناس أنه يفرق بينهم ويفسد ذات بينهم

جاء الإسلام بالدعوة الى الألفة والمحبة وحذر من كل أسباب القطيعة والفرقة، ولا شك أن الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة خرج على أصحابه لأنه أراد أن يخبرهم بموعد ليلة القدر، فتلاحى اثنان؛ فرفعت هذه الليلة؛ فحرم المسلمون بسبب هذا التنازع والاختلاف من بيان هذه الليلة، وقد جاءت أحاديث كثيرة ترغب في الألفة والمحبة بين الناس، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم» وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاثٍ، يلتقيانِ فيصُدُّ هذا ويصُدُّ هذا وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلامِ».
وفي هذا الحديث الذي سنذكره يقول - صلى الله عليه وسلم - كما هو في سنن أبي داود من حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه»، وزعيم أي ضامن ببيت الذي يحوز عليه المرء وهو القصر بربض الجنة أي أدناها.
الجدال هو المراء والأصل فيه الذم
والمراء هو الجدال والأصل فيه الذم إلا ما كان من إحقاق حق وإبطال باطل، لكن في غالب حياة الناس أنه يفرق بينهم فهو مدعاةٌ للفرقه إلا إذا صلُحت النوايا وكان عن علمٍ ونيةٍ طيبة، البيوت تفرقت والسبب جدالات ونقاشات ليس لها فائدة، والإخوة تفرقوا وتنازعوا؛ والسبب نقاشات ليس من ورائها طائلة، الموظفون يختلفون ويتقاطعون ويتدابرون والسبب نقاش عقيم ليس له فائدة، في هذا الحديث النبي يحدث بأنه زعيم بيت بربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، أي حتى وإن كنت على حق أنت تعتقد نفسك أنك تناقش وأنت محق فلا تزد النقاش إن كان المقابل لايريد الفائدة؛ فهذا الاستمرار يوقعك في الإثم؛ فبعض الناس -إخواني الكرام- في أثناء النقاش لا يفكر في كلامك، وإنما يأتيه الشيطان ليجعله يفكر في الرد. الشافعي -رحمه الله- يقول: «ما ناظرت رجلا الا ودعوت الله أن يُجري الحق على لسانه» فهو يريد الحق والفائدة نيته طيبة ولكن بعض الناس -إخواني الكرام- ما يريده هو المغالبة، فتراه لايريد الوصول إلى الحق؛ فالجدال إن كان بلا فائدة وكان لمجرد الجدال فهو مذموم قال -تعالى-: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.
كثرة الجدال مذموم
وقد ذم السلف الشخص الذي ديدنه الجدال، قال - صلى الله عليه وسلم - «ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ، ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هذهِ الآيةَ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، فكثرة الجدال مذموم بل لابد للإنسان أن يتقي الله -عزوجل-، وإذا أراد أن يجادل أخا له في الله فليجادله بأدب واحترام، وإذا شعر أن الجدال وصل إلى طريق لا فائدة منه يقطع الجدال ويحتسب الأجر بأن ينال الأجر من الله -سبحانه وتعالى- على ترك الجدال، أما الاستمرار بالجدال لتنتصر فهذا باطل، وهذا ليس به خُلُقٌ حسن.
من أعظم الأخلاق التي حثنا عليها النبي - صلى الله عليه وسلم
هذا من أعظم الأخلاق التي حثنا عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنا زعيم بيتٍ بربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» حتى مع إخوانك في البيت، فأحيانا تجد أبناءك يتجادلون جدالا عقيما في موضوع لايقربهم إلى الله -عزوجل-، وقد لايفقهون شيئا فيستمر الجدال وتقسو القلوب خصوصًا إن كان في أمور السياسة وأمور واقع الناس، فزعيم بيتٍ أي ضامنٍ لقصر في أدنى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، احتسب الأجر دائما في أي حوارات بينك وبين أي أحد مع زوجتك أو صديقك او زميل دراسة أو عمل أو حتى لو مع كافر فالله -عزوجل- يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا}.
الأمر بترك الكذب
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا زعيم بيتٍ بوسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا»، إخواني الكرام، ترى الكذب الأن ينتشر باسم المزاح، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمازح أصحابه ولكن لا يقول الا حقًا، وأذكر في هذا المقام الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الحرم وأنا حاضر كان يقوم بإلقاء درس فقال في وسط الدرس سؤالا وقال من أجاب هذا السؤال له جائزة عندي، فقام أحدهم وسأله الشيخ وأجاب هذا الرجل ثم جلس وأكمل الشيخ إلقاء الدرس، وفي الأسئلة اُرسلت ورقة للشيخ سائل يسأل فقرأها الشيخ ثم قال هذا سائل يسأل: ياشيخ أنت وعدتني بجائزة ولا أظنك تكذب مازحًا والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكذب بالمزاح، فرد عليه الشيخ قال: نعم وأنا لا أكذب مازحًا ووعدتك بالجائزة وسأعطيك الجائزة الأن من الذي أجاب فقال أحدهم نعم، فقال خذ وقال له جائزتك أن ندعو لك الآن، اطلب ما الذي تريد أن ندعو لك الآن والناس يؤمنون؟ فقال ياشيخ أنا ما تزوجت، ادع لي بزوجة صالحة، وهذا أمامي فرفع الشيخ يده ودعا له بالزوجة الصالحة والناس تؤمن.
التساهل في الكذب
فالكذب في المزاح لا داعي له، فمن يتساهل في الكذب في المزاح يقع منه الكذب في الجد، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:» لايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، ولايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» فالأصل في المسلم أنه يتحرى الصدق، لايصدق فقط بل يتحرى الصدق، والكذب يتجنبه، فهذا هو الأصل حتى وإن كان الكذب المزاح نحرص أن ننتقي كلماتنا في المزاح إلا أن تكون صدقا.
الأمر بحسن الخلق
ثم يكمل - صلى الله عليه وسلم - ويقول:» وأنا زعيم بيت بأعلى الجنة لمن حسن خلقه»، الأخلاق أيها الأحبة درجة عالية جدا لاينالها أي أحد، فهناك دول دخلت الإسلام بأخلاق التجار، إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فحسن الخلق -عباد الله- من أجل العبادات وأعظمها ، تعبد الله بأن تحسن خلقك مع الناس «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وأشياء كثيرة منها السماحة في البيع والشراء، والابتسامة في وجه أخيك صدقة، وجماع حسن الخلق -أيها الأحبة كما قال أحد السلف- هو «بذل الندى، وكف الأذى، والصبر على أذى الناس».

اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي

ابو وليد البحيرى
2024-08-20, 03:02 PM
خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة المنهج السلفي


البدع هي التي تشوه الإسلام ونقاءه، وهي التي تفرق المسلمين، أما المنهج السلفي هو الذي يُجمّعهم وهو الذي يُؤلف بين قلوبهم
اتباع الصراط المستقيم واتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم هو المخرج مما نراه الآن من اختلافات وفتن

عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح صلاته بالليل يقول: «اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ، اهدِني لما اختُلِفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ؛ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ» فدائما الإنسان يسأل الله الهداية، ولا سيما في هذا العصر الذي اختلط فيه الحق والباطل، ونالت فيه السلفية التي هي أصل الإسلام بنقائه وصفائه كثير من التشويه. لذلك كان لابد من الوقوف على معنى السلفية وحقيقة المنهج السلفي الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فالسلفية هي الإسلام النقي، هي مصدر التلقي والعمل، قال الله -تعالى-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}، والله -عزوجل- يقول: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.
اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم
السلفية إذًا تعني اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً، وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً، قيل: من هي يا رسولَ اللهِ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: مَن كان على مِثلِ ما أنا عليه وأصحابِي»، إذًا الدعوة السلفية هي ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان.
منهج يُجَمِّع لا يُفرِّق
إن منهج الدعوة السلفية هو منهج يُجَمِّع لا يُفرِّق، وإن كان سيُفرّق فهو يُفرّق بين الحق والباطل، كما هو حال الإسلام لما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت عنه قريش: إنه فرَّق بين الابن وأبيه، والابن وأمه، والزوج وزوجه، هكذا الاسلام يُفرّق بين الحق والباطل، الدعوة السلفية كذلك تُفرّق بين الحق والباطل، هذا هو المنهج السلفي نقي يُنقّي الإسلام من الدخائل عليه والشوائب التي دخلته وشوهته.
البدع تشوه نقاء الإسلام
البدع هي التي تشوه الإسلام ونقاءه، وهي التي تحرف المسلمين وتُفرّقهم، أما المنهج السلفي هو الذي يُجمّعهم وهو الذي يُؤلف بين قلوبهم، وفي واقعنا المعاصر كان المسلمون إلى عهد قريب بل يُقال: إلى أنه امتد هذا المُنكَر قرونا، وهو أن المذاهب في بيت الله الحرام كل مذهب كان يصلي منفردًا، يقولون كان الأحناف يصلون عند الميزاب، تقام لهم الصلاة لحالهم، وأول شيء يبدأ الشافعية ومكانهم خلف المقام يصلون، فإذا انتهوا صلى الأحناف، ثم إذا انتهوا يصلي بعدهم المالكية في مكان الركن اليماني، ثم بعد المالكية الحنابلة يصلون بين الركن اليماني والحجر الأسود، هكذا كان المسلمون عقودا يصلون! يجتمعون فقط في صلاة المغرب ليسوا مع بعض على إمامٍ واحد، لا، ولكن متفرقون لاينتظر أحدهم الآخر لينتهي من الصلاة، وإنما يصلون المغرب في وقتٍ واحد فيحصل التشويش والغبش والسهو وهكذا، بل وصل الأمر أن بعضهم كان لا يُزوّج منتسبي المذاهب الأخرى بسبب الخلاف والفرقة، حتى يسَّر الله -عزوجل- بالإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- الذي غير هذا الأمر، وأصبحوا يجتمعون على إمامٍ واحد، ثم رجعوا مرة أخرى لهذا التفرق بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، ثم بفضل الله -عزوجل- ثم بفضل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أعاد هذا التجمع وجعل الناس يصلون على إمام واحد.
السلفية تجمع الناس على الحق
الدعوة السلفية تجمع المسلمين ولكن على الحق وليس على الباطل، هكذا أيها الأحبَّه يجب أن ننتبه، الدعوة السلفية ليست نابتة خارجة عن منظومة علماء الإسلام بل الأئمة الأربعة من علماء الدعوة السلفية لذلك أهل البدع لا يذكرون بدعهم على أن الأئمة الأربعة من علمائهم، بل يجعلونهم علماء فقه وهكذا لكن لا يتبعونهم في العقيدة.
كيف فهم الصحابة الإسلام؟
أصحاب المنهج السلفي فهموه كما فهمه الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لذلك الدعوة السلفية تركز على أمور من أهمها التوحيد الذي هو لُب الإسلام الذي قاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار، «شهادة ألا إله الا الله»، فالشرك لا يحاربه ولا يحذر منه إلا الدعوة السلفية في العالم الإسلامي كله، هم الذين يحذرون الناس من الشرك.
إثبات صفات الله -عزوجل
كذلك ينبهون الناس ويدعونهم إلى قراءة القرآن وإثبات صفات الله -عزوجل- كما جاءت، الصحابة كانوا يقرؤون القرآن، ويقول لهم الله -عزوجل-: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، يقرؤون قول الله -عزوجل-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ}، ويقرؤون آيات الصفات، وهكذا يفهمون معانيها بما يفهمه العرب ويمرونها كما جاءت بلا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
المخرج مما نراه من الاختلافات والفتن
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: « خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا مستقيمًا، وخط على جنبي هذا الخط خطوطا معوجة، ثم تلا قول الله -عزوجل-:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، لذا فاتباع الصراط المستقيم، واتباع ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم- هذا هو المخرج مما نراه الآن من اختلافات وفتن.
وقفات مع اسم الله العزيز
العزيز لغة: يدور حول ثلاثة معانٍ: القوة والشدة والغلبة، منه قول الله -تعالى-: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (ص/23) يعني غلبني فيه، وقوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (يس/14) أي فقوينا وشددنا بثالث، (وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا، لذلك هذه صفة اختص الله بها نفسه فلا يشاركه فيها أحد؛ لذلك قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ} (المنافقون/8) استأثر بالعزة نفسه هو -سبحانه وتعالى- فله الغلبة وله القوة وله البأس -سبحانه وتعالى-، وإذا علم العبد أن الله هو العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر، يتولد في نفسه ثقة كبيرة بالله -سبحانه وتعالى-؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، ومن معاني اسم الله العزيز واتصافه بالعزة أنه لا يخذل أحدًا ارتمى بجنابه والعكس صحيح، إذا ارتميت أنت على أبواب خلقه ذُللت ولابد لأنه لا يصح أن تتعزز بغيره؛ ولذلك قالوا أبى الله إلا أن يذل من عصاه، فإذا خالفت أمره وحِدْتَ عن طريقه ذللت وما كانت لك العزة، وإذا أردنا أن نبحث عن أسباب ذل المسلمين اليوم فعلينا البحث حول هذا المعنى، فلقد فقد المسلمون أهم ما ينبغي أن يتقووا به، ألا وهو: الثقة بالله -سبحانه وتعالى- والتعزز به.

اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي

ابو وليد البحيرى
2024-08-27, 11:19 PM
خواطر الكلمة الطيبة – إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ



دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصا بالكفار بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث فهذان الرجلان مسلمان كما يدل عليه سياق الحديث

النميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد وهي كبيرة من كبائر الذنوب تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين المتحابين

عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: «بَينَما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمشي بَيني وبَينَ رَجُلٍ آخَرَ؛ إذْ أتى على قَبرَيْنِ، فقال: إنَّ صاحِبَيْ هذَيْنِ القَبرَيْنِ يُعذَّبانِ؛ فَأْتِياني بجَريدةٍ، قال أبو بَكرةَ: فاستَبَقتُ أنا وصاحِبي فأتَيتُه بجَريدةٍ فشَقَّها نِصفَيْنِ، فوَضَعَ في هذا القَبرِ واحِدةً، وفي ذا القَبرِ واحِدةً، قال: لَعَلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما دامَتا رَطْبتَيْنِ، إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ، الغِيبةِ والبَولِ»، وأبو بكرة الثقفي - رضي الله عنه - هو: «نُفَيع بن الحارث، وقيل نُفَيع بن مسروح» وسُمي أبو بكرة؛ لأنه نزل من الحصن يوم حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقيف على بكرة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكرة، واشتهر باسمه أبو بكرة الثقفي.
يقول: « كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيدي» وهنا نجد الرواية تعطينا وصفًا دقيقا لحال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابي - رضي الله عنه -، وهذا له معان عديدة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا عندما يمشي معه أحد أن يمسك يده، لماذا؟ إمساك اليد له معنى، إما هو إبداء للمودة والمحبة، أو دليل على القرب، الشيء الثالث عندما تريد أن ينتبه من معك لبعض الكلمات بأن تضغط على يده في محل تلك الكلمات كي ينتبه لها. هذا حديث عظيم فيه وعيد وتهديد، وعذاب شديد لمن تعدى حدود الله في الطهارة والصلاة، أو تعدى على عباد الله بالنميمة والأذى، وقد اشتمل هذا الحديث على إشارات مفيدة وفوائد عديدة.
الفائدة الأولى: إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر
وقد دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصا بالكفار، بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث، فهذان الرجلان مسلمان، كما يدل عليه سياق الحديث.
الفائدة الثانية: التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل الْبَدَن وَالثَّوْب
وفي الحديث التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل أو النجاسة بالْبَدَن وَالثَّوْب، ووُجُوب إِزَالَة النَّجَاسَة ولو لم يرد الإنسان الصلاة؛ ولهذا قال العلماء: يستحب لمن أراد البول أن يطلب الموضع اللين الطاهر الذي يأمن فيه من تطاير البول على ثوبه وأسفلِ بدنه، وقد جاء الحديث بثلاثة ألفاظ: الأولى «لا يستتر من بوله» والثانية: «لا يستنزه من بوله» والثالثة: «لا يستبرئ».
أما رواية «لا يستتر من بوله»
فقال بعض العلماء: إنه يكشف عورته عند بوله، ولا يجعل لنفسه سترًا دون نظر الناس، وقال آخرون: لا، بل المعنى إنه لا يستتر ويتوقى من رشاش البول، وهذا يتفق مع الرواية الثانية «لا يستنزه» أي لا يتوقى من البول.
وأما رواية «لا يستبرئ»
فتدل على زيادة التوقي، وفيها معنى آخر وهو أنه يبول ثم يقوم مباشرة قبل التأكد من انقطاع البول، وهذه العجلة تفضي إلى بقاء شيء من البول وخروجه بعد ذلك مما يؤدي إلى ملابسة النجاسة ونقض الوضوء بسبب تفريطه وتهاونه. إذًا، على الإنسان أن يتوقى من النجاسات، ويبادر إلى إزالتها، ومع هذا نقول: يجب ألا يصل الأمر بالإنسان إلى الوسوسة، بل عليه أن يفعل الواجب ولا يلتفت إلى الاحتمالات.
كيف لا تهتم؟
فكيف لا يهتم المرء بهذا الأمر وهو مقبل على الصلاة، وكيف لا يهتم وقد جعل الله -عزوجل- الطهارة واجبة على المسلم في جسده وثوبه وفي مكانه، وكيف يهمل هذا الأمر وهو سيقف أمام الله -سبحانه وتعالى-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس الطاهر ويطهر بدنه ويهيئ مكانه للصلاة أمام الله -عزوجل-؛ لذا كان هذا الإهمال يسبب للعبد عقوبة، قال - صلى الله عليه وسلم - «الطهور شطر الإيمان»، تخيل ذلك الإيمان الذي هو بضعٌ وسبعون شعبة شطرها أجر وحسنات ومنزلة كان في قضايا الطهارة، لكن أيضا لا توسوس فيها.
الفائدة الثالثة: التحذير من النميمة وآفات اللسان
قال - صلى الله عليه وسلم - في الآخر الذي يعذب في قبره: «وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، والنميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين المتحابين. النمام أفاك أثيم، ينقل الحديث إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك، فالله يجمع بين عباده ويؤلف بين قلوبهم، والنمام يفرّق ويفسد؛ ولهذا أخبر الله أن النمامين فيهم المهانة والكذب والفجور {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (القلم:10-12) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة نمام» قال بعض العلماء: إنه لا يوفق لحسن الخاتمة والعياذ بالله.
أشد النميمة
وأشد النميمة ما يكون بين الأقارب والأرحام، فقد يبتلى الرجل بابن نمام يفسد قلبه على إخوانه، وقل مثل ذلك في الزوجة والأب والأم، فيفسد الأب ابنه على زوجته فيقول: زوجتك تفعل كذا وكذا، وتفسد الأم ابنتها على زوجها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من خبب امرأة على زوجها».
ألا يخشى النمام عذاب القبر؟
ألا يخشى النمام أن يعذبه الله في قبره، كما جاء في هذا الحديث؟ بل نقول -يا عباد الله-، ألا نتقي الله في ألسنتنا؟ فإن هذا الحديث ليس خاصًّا بالنميمة، بل يشمل آفات اللسان من الغيبة والفحش والبذاءة وغيرها، ودليل ذلك ما جاء في رواية لابن حبان وصححها الألباني: قال - صلى الله عليه وسلم -: «كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة» وعند أحمد والطبراني بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على قبر يعذب صاحبه فقال:» إن هذا كان يأكل لحوم الناس» يعني الغيبة.
الفائدة الرابعة: التحذير من صغائر الذنوب
التحذير من صغائر الذنوب، وأنها قد تكون سببًا للعقوبة، ولا سيما مع الاستمرار، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، إنه لكبير». قال بعض العلماء: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اِعْتِقَادهمَا أَوْ فِي اِعْتِقَاد الناس، وَهُوَ عِنْد اللَّه كَبِير، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى- وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور:15)، ويدل على هذا رواية ابن حبان، قال: كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رَعِد كُمُّ قميصه، فقلنا: ما لك يا رسول الله؟ فقال: أما تستمعون ما أسمع؟ فقلنا وما ذاك يا نبي الله؟ قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين، قلنا: فيم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة. وقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ تركه عليهما؛ أي: أنه لَا يَشُقّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز مِنه، وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَة ِ عَلَيْهِ، ويدل على هذا أنه عبر في الحديث بالفعل المضارع بَعْد حَرْف كَانَ، مما يفيد أن الاستمرار على الذنب وإن كان صغيرًا يعرض المرء للعذاب العظيم.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-09-10, 10:03 PM
خواطر الكلمة الطيبة – الحِلْم والأَناة خصلتان يحبهما الله ورسوله



ديننا ليس دين ضعف وخور وإنما دين عزةٍ وشجاعة لكنها شجاعة في مكانها وموطنها وليس اندفاعا وتهورا
علينا أن نضبط أنفسنا مع أرحامنا وأقاربنا وجيراننا ومن نتعامل معهم فلسنا في حرب معهم حتى نريهم بأسنا وقوتنا
قال - صلى الله عليه وسلم - لِأَشَجِّ عبدِ القيسِ: «إنَّ فيك خُلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلْمَ والأَناةَ»، فقال: أخُلُقَينِ تَخلَّقتُ بهِما؟ أم خُلُقينِ جُبِلتُ علَيهِما؟ فقال: «بل خُلقَينِ جُبِلتَ عليهما»، فقال: الحمدُ للهِ الَّذي جبَلَني على خُلقَينِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه، والحلم: بعضهم قال العقل أو التعقل، وقيل: أمور كثيرة، منها ما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- وغيره أنها ضد العجلة، وضد الاسترسال مع الغضب الذي ينتج عن أذى يأتيك أوعن تعدٍّ عليك. هذا الحديث له قصة، أن وفد عبد القيس قدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفرٍ بعيد وكانت ديارهم ناحية الإحساء، وكانت تسمى البحرين، قدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما وصلوا انطلقوا مباشرة بثيابهم التي أتوا عليها من هذا السفر البعيد؛ شوقًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمَّا سيدهم وهو أشج عبد القيس وهذا لقبه، وقد اختلف في اسمه كثيرا، والأشهر أنه المنذر بن عائذ هذا السيد -سيد قومه-، انتظر حتى أناخ رحلته وأراحها واستبدل ثيابه وأحسن التهيؤ؛ حتى يقدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فأجلسه بجنبه - صلى الله عليه وسلم -، وقال له هذا الكلام: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» نقف مع هاتين الخصلتين أيها الإخوة.
صفة الأنبياء
النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف هذا الصحابي بأنه حليم وتلك صفة الأنبياء فالله -عزوجل- وصف ابراهيم الخليل عليه السلم بأنه أواه حليم، فهذه صفه يحبها الله، فالحلم كما ذكرنا ألا تسترسل مع الغضب، فالغضب ربما يتولد منه أمور كثيره فيها شرٌ عظيم، والله -عزوجل- قال «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين». نشاهد في حياتنا اليومية كثير من القصص التي سمعناها قتل ومشاجرات وأسبابها قد تكون تافهة، الشيطان حضر فيها، وهذا الشاب يرى من نفسه قوة وشجاعة فيندفع مع غضبه يريد أن يفرغ عن غضبه وأن يُظهر شجاعته!.
الشجاعة الحقيقية
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» هذه هي الشجاعة التي في ديننا بينها لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فنحن لسنا بصدد حرب مع أعداء الله -عزوجل- حتى نريهم بأسنا وقوتنا وإنما هي علاقاتٌ بيننا وبين إخواننا وجيراننا وأقاربنا وأهلنا وأحبابنا، فأحيانا تحدث مواقف بها سوء تفاهم وغضب، ينتج عنه شجار بسبب موقف خلاف مروري بالسيارة مع سيارة أخرى مثلا؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ، دعاهُ اللهُ -سبحانَهُ- على رُؤوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ مِن الحُورِ العِينِ ما شاءَ»، انظر إلى هذا الفضل العظيم «كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ»، ولكنه ترفع وأعرض عن الجاهلين، «وقادرٌ على أن ينفذه»، فديننا ليس دين ضعف وخور وإنما دين عزةٍ وشجاعة لكنها تكون في مكانها وموطنها وليس هكذا، لا تكون باندفاع وتهور واسترسال مذموم مع الغضب تندم عليه بعد ذلك. لذا ضد الحلم الاسترسال مع الغضب فكن حليمًا، والصفات أيها الأحبة والأخلاق بعضها يكون جبليا وبعضها ما يكتسب، هذا الصحابي جبله الله على ذلك كما جاء في بعض الروايات «آلله جبلني على ذلك؟ قال نعم، قال: الحمد لله أن جبلني على خير»، وقد تكتسب الصفة وتتعلم «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم» وتلك الصفة الأولى التي يحبها الله في هذا الصحابي وفي كل من يتحلى بها.
الأناة ضد العجلة
الصفة الثانية «الأناة» فالأناة ضد العجلة، لا تكن عجولا، انظر الى هذه الأخبار تثبت وتبين قد يكون هذا الكلام زورا وبهتانا ولا تبني قرارك بعجلة، وإنما تأنَّ وانظر إلى مآلات الأمور، وإلى هذا الخبر ماذا سينبني عليه؟ ولا تكن نقالا للأخبار هكذا تفرح بأي خبر جديد وتسارع في نشره دون تثبت، النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع».
https://majles.alukah.net/imgcache/2024/09/25.jpg
التأني والتثبت
نحن الآن نعيش في وسائل التواصل الاجتماعي والأمور مضطربة من حولنا، والعالم لا ندري إلى أين سنذهب؟ نسأل الله أن ينجينا من هذه الفتن، فلابد أن نتأنى في أمورنا ونتثبت مما نسمع من أخبار، ولا ننجرف وراء الأخبار، فأعداؤنا يبثون الشائعات بيننا، يحاولون أن يضربوا بين الشعوب وحكامهم، وبين الشعوب وبعضهم بعضا، الآن أصبح المسلم يعادي المسلم، فتنة أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ» فدائما علينا ألا نتعجل، ونتحلى بتلك الصفة «الآناة» كن متأنيًا ولا تتعجل حتى لا تندم، وحتى لا تجر الفتن على أهل بيتك ولا على بلدك.
الإعلام وصياغة عقول الناس
علينا أن نتأنى فأعداؤنا هم من يملكون الإعلام، وأعداؤنا هم من يملكون صياغة عقول الناس، لنلتزم بديننا ونستقيم ونتمسك بسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهذا القرآن الذي هو عصمةٌ لنا، عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «وعظَنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ فقلنا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا؟ فقال: تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ، وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ»، هكذا أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم .
التمسك بكتاب الله -عزوجل
علينا أن نتمسك بكتاب الله -عزوجل- الذي قال فيه: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، وآيات كثيرة تحث على التأني»: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، ونتمسك بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ»، وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: بئسَ مطيَّةُ الرَّجلِ زعموا»، فلا تكن وكالة أخبار متنقلة تسمع وتنقل دون فلترة كما أخبر الله -عزوجل- في حادثة الإفك {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} قبل أن تنقل أي خبر أدخله في عقلك وفكر فيه من المستفيد؟ وما الثمرة من نقله؟ ماذا سينتج عن انتشار مثل هذا الخبر؟ أخبار كثيرة الآن تنتشر بيننا دون تثبت؛ لذا فلابد أن نتأنى وأن نكون لُحمة واحدة ولا نكون مصدرًا للإشاعات.

اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي

ابو وليد البحيرى
2024-09-26, 04:54 PM
خواطر الكلمة الطيبة – منزلة الإنسان في قلوب الخلق



الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق فهو يُذيب الخطايا والخُلق السيِّئ يُفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسلَ
سخي النفس هو رجل صاحب عطاء يعطي ولا ينتظر الجزاء يعطي لله سبحانه وتعالى كرمًا وسخاءً وهذا كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم

منزلة الإنسان في قلوب الناس لها معايير، فالإنسان يفرح عندما تكون له منزلة عند الآخرين، وإن كان الأهم والأعظم الذي يجب أن يهتم له المسلم منزلته عند الله -سبحانه وتعالى-، والله -عزوجل- لم يجعل هذا الأمر مجهولا بل جعله معلوما، قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
ولكن يجب أن نفهم كيف تكون لك منزلة عند الناس أيضًا وهذا أمر مستحسن ومهم، بدليل أن الله -سبحانه وتعالى- نبه نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - لهذه القضية حين قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
وإنك لعلى خلق عظيم
وقد امتدح الله -عزوجل- النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر عظيم كان سببًا في وجود تلك المكانة له في القلوب وكانت سببًا لنجاح دعوته، قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، يقول الفضيل بن عياض -وهذا الرجل ممن عاش في القرن الثاني الهجري، من أهل خرسان، ويسمى بعابد الحرمين، وتوفي رحمة الله عليه في مكة-، قال: «ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة».
ما سخاء الأنفس؟
سخي النفس، هو رجل صاحب عطاء، يعطي ولا ينتظر الجزاء، يعطي لله -سبحانه وتعالى- ويعطي كرمًا ويعطي سخاء، وهذا كان فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن شئت فانظر بماذا وصفته خديجة -رضي الله عنها- عندما نزل عليه الوحي في الغار - صلى الله عليه وسلم - قالت: «أبْشِرْ! فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ»، فوصفت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعطائه وكرمه، فمن هذه صفته «فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا» معناها أن منزلتك تبدأ في القلوب بسخاء النفس، وعندما أقول منزلتك، لابد وأن تبدأ أولا بالأقربين أولا بوالديك ومع إخوانك وأخواتك ومع أرحامك ومع زوجتك وأبنائك ومع أصدقائك الذين حولك، ثم بعد ذلك مع باقي الناس فالناس تحب صاحب النفس السخية.
سلامة الصدور
ثم قال الفضيل -رحمه الله-: «وبسلامة الصدور» وهذا هو القلب المخموم الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفات أهل الجنة، فلا يحمل غلا ولا حقدا ولا حسدا على أحد من عباد الله -سبحانه وتعالى-، فيقول أهل العلم فيمن تلك صفته: إنه «طهر قلبه من غبار الأغيار، ونظفه من الأخلاق والأقذار» أي من سوء الأخلاق فهذا صاحب القلب المخموم، هذا من يحبه الناس، فنحن لا نرى قلبك ولكن نرى تصرفاتك التي تدل على سلامة قلبك.
والنصح للأمَّة
وقول الفضيل -رحمه الله-: «والنصح للأمه»، ماذا يعني بالنصح للأمه؟ والناصح هو الذي يريد الخير للآخرين، قيل بصدقٍ وبإخلاصٍ وبمودةٍ وبحب، أُشعرك وأنا أنصحك أن عندي صفاء في الكلام معك وأن عندي لك مودة ومحبة وأني مخلص لك في هذه النصيحة، لم؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ، لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ من الخيرِ»، تخيل أني كما أحب الخير لنفسي أحبه لك، وصادق جدا فتلاحظ من عباراتي وكلماتي أني صادق معك عند ذلك ستكون لك المنزلة في قلوب الناس.
حسن الخلق
طبعا هذا كل ما قاله الفضيل بن عياض -رحمه الله- أتى به من قول الله -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فعندما تحسن خلقك فإنك بذلك تكن لك منزلتان: منزلة عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنك تتقرب إليه بالأخلاق الحسنة، ومنزلة عند عباد الله -سبحانه وتعالى- حتى أعدائك وإن كانوا يعادونك إلا أنهم في أنفسهم يعلمون ما أنت عليه، وهذا الإنكار واجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بل واجهه الأنبياء جميعهم -عليهم السلام- قال -تعالى فيمن أنكر رسالتهم ونبل صفاتهم-: {وَجَحَدُوا بِهَا} هذا في الظاهر وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} في الداخل، فهم يعرفون من هو إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وهو-، ومحمد - صلى الله عليه وسلم . لذلك فادع الله دوما أن يعينك على حسن الخلق، فإذا دعوت الله بطول العمر فادع أن يصلح عملك وخُلُقك، قال - صلى الله عليه وسلم - «خيركم من طال عمره وحسُن خُلُقه» وفي رواية: «خيركم من طال عمره وحسُن عمله».
تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق
لم يعد الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال: «إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون»، وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال: «ما من شيءِ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق». وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال: «إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم»، بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الحنة؛ فقد سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: «تقوى اللهِ وحُسن الخُلق»، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال: «أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ - أطراف - الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه».
أساس بقاء الأمم
فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، ويدلُّ على هذه القضية قولُه - تعالى -: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء: 16).
من أسبابِ المودة وإنهاء العداوة
يقول الله - تعالى -: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34)، والواقع يشهد بذلك، فكم من عداوةٍ انتهت لحُسن الخُلق! كعداوة عمرَ وعكرمة -رضي الله عنهما- في بادئ الأمر، بل عداوة قريش له - صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا قال: «إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، ولكن تسعوهم بأخلاقكم»، يقول أبو حاتم - رحمه الله -: «الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق، وتَرْكِ سوء الخُلق؛ لأن الخُلق الحسَن يُذيب الخطايا كما تذيب الشمسُ الجليد، وإن الخُلق السيِّئ لَيُفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ».

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-10-01, 05:25 AM
خواطر الكلمة الطيبة – الإخلاص قضية العمر

احذر من أن تكون أعمالك لتحصيل مرضاة الناس أو للهروب من ذمهم عليك أن تضع نصب عينيك رضا رب العالمين وهذا هو مفهوم الإخلاص
ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب وأن يعتني بها غاية العناية فالقلب عليه مدار صلاح العبد فإذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله

كلمة جليلة ذكرها الإمام ابن قدامة المقدسي -عليه رحمة الله- في كتابه منهاج القاصدين، وهذا الكتاب القيم ذكر فيه ابن قدامة خلاصة ما وصل إليه في مسائل متفرقة في علوم مختلفة، وذكر في هذا الكتاب سبب هلاك كثير من الناس، حتى قال في نهاية عبارته «وهذا الذي أهلكهم فوجب معالجتة». فما هذا المرض الذي اهتم أن يلفت الأنظار إليه ابن قدامة حتى قال فيه إنه وجب معالجته؟، يقول -رحمه الله-: «اعلم أن أكثر الناس إنما هلكوا: لخوف مذمة الناس، وحب مدحهم؛ فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضى الناس؛ رجاء المدح، وخوفًا من الذم، وذلك من المهلكات فوجبت معالجته»، فمثل هذا سعى إلى مرضاة الناس ومدحهم والهروب من ذمهم؛ فأصبحت حركاته وسكناته على منظور مدح الناس وذمهم وقال: «وهذا من المهلكات التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، «فوجب معالجته».
هل هذا يرضى الله -عز وجل؟ القضية يا إخواني عندما تريد فعل أي شيء فقط ضع أمامك: هل هذا يرضى الله -عز وجل- أم لا؟ فقط نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، هل هذا يُسخط الله -عز وجل- أم لا؟ نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، لأنك إذا تطالع مدح الناس وذم الناس فالناس أهواء، هذا يمدح على شيء وذاك يذم على الشيء نفسه بالظبط، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، أما إرضاء الله -عز وجل- غاية تدرك.
كيف تُدرك محبة الله -عز وجل؟ بأن أتعلم محاب الله -عز وجل- التي ذكرها في كتابه الكريم، وذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، وأعمل بها وأجتهد عليها، ستصل إلى محاب الله -عز وجل-، فرضا الله -عز وجل- الوصول إليه سهل وليس صعبا، يبتدئ بالإسلام وأركانه، والإيمان بأركانه، والإحسان والعمل فيه وتمشي على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - الموصل في النهاية الى محاب الله -عز وجل-، وجعل الله -عز وجل- في النهاية الجزاء هو الجنة، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. ذلك الله رب العالمين جاء رجل الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا محمد إن مدحي زينٌ، وإن ذمي شينٌ» فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك الله رب العالمين» يعني ليس أنت، ليس كلامك هو الذي يرفع ويخفض، قال ابن القيم تعليقا على تلك الواقعه: «فعليك بمدح من كل الخير بمدحه، واحذر من كل الشر في ذمه» وأجمل منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ، رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ» فمن أراد الناس خسر الناس وخسر الله -تعالى-، ومن أراد وجه الله -تعالى- وقدم رضاه على غيره رضي عنه وأرضى عنه الناس، فهو الذي إذا مدحك ورضى عنك سخر القلوب لك، وإذا ذمك والله ما ينفعك أحد، كم من جنازة لم يعلم بها أحد أو مشى معها قليل من الناس، ولكن الله أرسل لها جموع أهل السماوات السبع ليشيعوها، وكم من جنازة رجل في هذه الدنيا مشت وراءه جموع من الناس وما مشى معه إلا ملائكة العذاب.
احذر أن تكون من هؤلاء! لذا فاحذر من أن تكون أعمالك لتحصيل مرضاة الناس أو للهروب من ذمهم، لكن دع تلك الأمور كلها خلفك فهي لن تنفعك أبدًا، عليك أن تنسى هذه الأمور وضع في هدفك وبوصلتك رضا رب العالمين، وهذا هو معنى الإخلاص الذي ندرسه في كتب العقيدة والتوحيد، واعلم أن تلك القضية هي القضية الأولى في حياتك ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة، وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
الزهد في الثناء والمدح وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده»، واستدل بحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا محمد أعطني فإن مدحي زين وذمي شين، قال: «ذاك الله -عز وجل»، يعني هو الذي مدحه ينفع وذمه يضر، ومع الأسف أننا نغفل عن مثل هذه الأمور ونتشبث بالدنيا ومظاهرها وأهلها، فمَن منا يستحضر حديث: «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم؟».
ذكر الله -تعالى وعلى هذا فعلى الإنسان أن يلهج بذكر الله -جل وعلا- سواء كان خاليًا، أم في ملأ يُذَكِّرُهم بهذا الذكر ويكون له مثل أجورهم، فيذكره الله -جل وعلا- في نفسه إن ذكره في نفسه، ويذكره في ملأ من الملائكة وهم خير من الملأ الذين ذكره فيهم هذا العبد. بعض الناس لو قيل له: إن فلانًا من الوجهاء أو من الأعيان أو من الوزراء أو من الأمراء ذكرك البارحة وأثنى عليك، تجده لا يكاد يَقر له قرار من الفرح! وهذا العبد مثله لا يملك له ضرًا ولا نفعًا ولا يستطيع أن ينفعه بشيء إلا وقد كتبه الله له، ولا يستطيع أن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فينتبه المسلم لمثل هذه الأمور، ويتعاهد نيته، والنية -كما يقول أهل العلم- شرود.
الاهتمام بأعمال القلوب وتبعًا لهذا ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب، وأن يعتني بها غاية العناية، ولا شك أن القلب عليه المدار، فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فعلينا أن نُعنى ونهتم بهذا الأمر، ونسعى في إصلاح قلوبنا بما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أدوية وعلاجات لأمراض القلوب، ونستفيد ونستعين بما كتبه أهل التحقيق من أهل العلم في هذا الباب، كابن القيم وابن رجب -رحمهما الله-، وعلينا أن نتعاهد هذه القلوب، ونقطع الطرق المؤدية إلى فسادها، فالشيطان هو قاطع الطريق في هذا المجال.
كيف نحقق الإخلاص لله -تعالى؟ الإخلاص شرط من شرائط قبول العمل الصالح الذي يبتغى به وجه الله، فإذا لم يكن العمل خالصًا له فإنه حينئذٍ لا يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقبل، وعلى هذا فعلى كل مسلم أن يسعى جاهدًا في تصحيح نيته، وأن يخلص عمله لله -جل وعلا-، وألّا ينظر في عمله قبله ولا بعده ولا في أثنائه إلى المخلوق، وإنما ينظر إلى الخالق الذي كلفه بهذا العمل. ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد يقول: «إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلتَ: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلتُ: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-10-19, 03:36 AM
خواطر الكلمة الطيبة – {إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ}



معنى نصر المؤمنين لله نصرهم لدينه ولكتابه وسعيهم في أن تكون كلمته هي العليا وأن تقام حدوده في أرضه وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ألا وهو توحيد الله تعالى والقيام بأمره واتباع النبي صلى الله عليه وسلم

نقف اليوم مع سؤال سئل في الأرض، وأتى الجواب عنه من السماء، وجاء هذا السؤال بعد حادثه عظيمة، فرح لها أهل الإسلام، وجاء الجواب ليعزز هذه الفرحة، والذي يحكي لنا هذه القصة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضى الله عنهما-، فبعد ما نصر الله -عزوجل- النبي في غزوة بدر، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران: 123).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعبر عن هذا الشكر بأنه رجل دعوة ومأمور بتبليغ هذا الدين، فعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: لمَّا أصابَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُريشًا يومَ بدرٍ، وقدمَ المدينةَ، جمعَ اليَهودَ في سوقِ بني قينُقاعَ فقالَ: «يا معشرَ يَهودَ أسلِموا قبلَ أن يصيبَكم مثلُ ما أصابَ قريشًا» قالوا يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ؛ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ، وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا، فأنزلَ اللَّهُ -عزوجل- في ذلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ}.
رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم
وهذا التحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود من رحمته - صلى الله عليه وسلم - بهم، فكان يحذرهم من باب أن الله -تعالى- قد أرسل محمدًا رسولا مؤيدا كما أيد الأنبياء والمرسلين من قبل، وما من نبي إلا ونصره الله وأيده، وإن مر عليه ما مر.
هذا شأنهم دائمًا
وقول الرجل اليهودي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا»، فكأنه يريد أن يطفئ نور الفرحة الموجودة في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا شأنهم دائمًا. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه كبار الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- يسمعون هذا الرجل وهو يهدد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة، وإنما جاء الجواب من السماء {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران: 12).
من المقروء إلى الواقع المشاهد
يقول الشيح السعدي -رحمه الله-: في هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر -تعالى-، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى، وسيفعل هذا -تعالى- بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر -تعالى- أنَّ الكفار مع أنهم مغلوبون في فهم الدنيا محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار، وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم؛ فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم.
التشكيك في موعود الله -تعالى
ولكن قد يقول قائل وهو يشكك في وعد الله -عزوجل- في قوله -تعالى-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (القمر:45)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: هذا أمر منه -تعالى- للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، والقصد بذلك وجه الله؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.
الخلل ليس في موعود الله
فالخلل ليس في الآية، وإنَّما الله -عزوجل- عندما وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر إذا نصرت الأمة ربها، والتزمت هدي نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الناس اليوم لم يحققوا هذا الشرط، فتخلف عنهم موعود الله -تعالى-، فكلما ارتبطنا بدين الله -عز وجل- وعدنا إليه عودة صحيحة سيتحقق الموعود في هذه الآية.
صفات من وعدهم الله بالنصر
وقد أوضح الله -تعالى- هذا المعنى في آيات كثيرة، وبين في بعضها صفات الذين وعدهم بهذا النصر كقوله -تعالى-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، ثم بين صفات الموعودين بهذا النصر في قوله -تعالى- بعده: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وكقوله -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله -تعالى-: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقوله -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات. وبين الله -تعالى- صفات من وعدهم بالنصر في الآيات المذكورة: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} يدل على أن الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، ليس لهم وعد من الله بالنصر البتة.
معنى نصر المؤمنين لله
ومعنى نصر المؤمنين لله - نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، ويحكم في عباده بما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وكما قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-10-23, 09:31 PM
خواطر الكلمة الطيبة – ميزان الحُكْم على الناس

علينا أن ننظر إلى الأشخاص بنظرة العالم الذي قد ملأ الله قلبه بصيرة ويزن الأمور بمقاييسها الدقيقة حتى لا يقع في الظلم
الشهادة على الناس والحكم عليهم أمر عظيم فعلى الإنسان ألا يتساهل فيه أبدًا

هناك ميزان لا يستطيع أن يتعرف عليه جيدًا إلا من تمعن ونظر في منهج أهل السُنَّة والجماعة، وهذا الميزان هو مصداق لقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، والشهادة على الناس في الحقيقة أمر عظيم؛ لذلك الإنسان لا يتساهل فيه أبدًا، ولابد له أن ينظر إلى هذا الأمر بنظرة العالم الذي قد ملأ الله قلبه بصيرة، ويزن الأمور بمقاييسها الدقيقة حتى لا يقع في الظلم. ولذلك بعض الناس إذا أراد أن يُقيّم إنسانا فإنه قد يقيم حالة معينة في الإنسان هي الحالة الغالبة، ثم يتناسى باقي الأمور ثم تكون هذه الأمور التي نسيها هي الأصل، وهي التي يبنى عليها تقييم هذا الإنسان، ودعونا نذهب معكم إلى ناحية تطبيقية، دعونا نضع الميزان ونسترجع معيار أهل السُنَّة والجماعة كيف كانوا يضعون ميزان الاعتدال في جرح أحد من الرواة أو من العلماء أو من أهل الإسلام أو تعديله.
الحسن بن صالح الحمداني يأتي الإمام الذهبي -رحمة الله تعالى عليه- ويسرد سيرة (الحسن بن صالح الحمداني)، فلننظر إلى كلام العلماء فيه: «كان متقنًا، كان فقيهًا، كان زاهدًا، كان عابدًا، كان ورعًا، كان يُرى أثار الخشوع على وجهه»، رجل قام من الليل بسورة النبأ فما أكملها وسقط مغشيًا عليه، كان يقوم الليل هو وأهل بيته فيقسمه عليه هو وأمه وأخوه، لا يريد أن ينقطع القرآن وقيام الليل عن البيت، فيبدأ من بعد العشاء هو ثلث الليل، وأمه ثلث الليل، وأخوه الثلث الأخير من الليل، فلما ماتت أمه كان يقوم بما كانت تقوم به أمه، فأصبح نصيبه الثلثين وأخوه ثلث الليل، فلما مات أخوه أصبح يصلي الليل كله.
مقالات جميلة وجليلة هذا الرجل له مقالات جميلة وجليلة، منها قوله -رحمه الله-: «لو أصبحت ولا أجد معي درهم لما رأيت إلا أني قد حزت على الدنيا بما فيها»، وهذا استفاده من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها» يعني رجل وصف بالعلم والفقه والإتقان فضلا عن أنه عاش في زمن كان يعيش فيه سفيان الثوري وهو من أئمة الحديث الكبار، وكان الرجل يروي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحديث عن هذا الباب يطول.
رغم كل ما سبق حذر منه العلماء! رغم ما كل ما ذكرناه سابقًا من أخلاق وفضائل إلا أنَّ الإمام الذهبي قال فيه: «قد حذر علماء الأمة منه، وحذروا من أخذ الحديث منه» فيا سبحان الله! أبعْد كل تلك الصفات ويحذر منه علماء الأمة؟! لم؟ قال ذلك بعدما أظهر بدعة القول بجواز الخروج على الأئمة الظلمة، هل إمام ظالم لايجوز الخروج عليه؟ نعم لأن هذا هو الأصل، فلأنه خالف هذا الأصل لم تشفع له كل هذه الحسنات لقبول نقله وروايته.
الحكم بالشرع لا بالعاطفة فهم لم يحكموا بالعاطفة وإنما عظموا الشرع وميزانه على ميزان العاطفة، رغم كونه نموذجا إلا أنهم حكموا ميزان الشرع على الجانب الآخر فقالوا إنه يفتي بالخروج خلافًا لأهل السُنَّة والجماعة فضلا عن أنه لم يحارب قط، فهو يفتي بجواز الخروج على الحاكم الظالم وهو لم يخرج قط، لماذا؟ إذا تأملت لوجدت أن هذا القول ينسف تلك الفضائل كلها؟ لم؟ لأن هذا هو نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، إذا هذا الميزان الذي سار عليه أهل السنة والجماعة، هذا هو ميزان النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول لا تغتر ابتداءً بكون فلان عابدا أو زاهدا أو قارئا أو حافظا، فهذا مثل ما قال أحد السلف عن الخوارج: إنهم «أوتوا ذكاءً ولم يؤتوا زكاءً» ماعندهم طهر في القلب. فما هذا الطهر الذي افتقدوه؟ إنه طُهر المنهج الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، عجيب فهو كان في جيل سفيان الثوري الذي كان في جيل التابعين الذين رأوا الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين هم خير القرون.
خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي بعض الناس يفهم من حديث «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أن كل الناس الذين عاشوا في تلك القرون هم من أهل تلك الخيرية، أبدًا يا إخواني، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خير الناس فيمن عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعه ونهج نهجه ثم من رأى الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-، وعاصرهم واتبعهم بإحسان، ثم من عاصر تابعيهم واتبعهم بإحسان فأنت إن عايشت إحدى تلك الدوائر واتبعت هذا السلف الصالح بإحسان فأنت من خير الناس، لكن إذا انحرفت عن المنهج فقد خرجت عن دائرة الخيرية تلك ولن تزكيك الأمة وأنت على هذا المنهج الخطأ. وفي مثل هذا ينخدع كثير من الناس بأمور العاطفة، يقولون فلان هذا ماشاء الله معروف بعلمه أو بزهده أو بورعه أو بعبادته او بإتقانه للعلوم، ولكن السؤال هل أوتي زكاءً؟ هل أوتي منهجًا صحيحًا وقويمًا؟ هل سار على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة؟
ميزان لا نختلف عليه لذا فإن الله -عزوجل- قد وضع لنا ميزانا، لا نريد أن نختلف عليه؛ لذلك هذا الميزان نريد أن يكون لنا بوصلة حتى اليوم فلا يغرنك أن فلانا ماشاء الله حافظ أو متقن أو ذكي أو عابد، ولكن اسأل ماهو منهجه؟ ما الذي يدعو اليه؟ ما توجهه؟ لذلك لا نريد أن تكون حلقات القرآن حفظا، وإنما نريد أن تكون حلقاتنا علما، فمن حفظ القرآن وختم بفضل الله لا نريد أن نأتي به لنعطيه جائزة، وإنما قبل ذلك نأتي به ونقول له لن نعطيك الجائزة إلا عندما نعلمك تفسير القرآن الذي حفظته بفضل الله، فلابد أن تتعلم المنهج الصحيح، ثم بعد ذلك نكافئه ونعطيه الهدايا ونقول له مشكور! أنت الآن أُوتيت الذكاء وأوتيت الزكاة.
مشكلة الخوارج لذلك هؤلاء الخوارج ما مشكلتهم؟ القصة ليست حفظا؛ فكلهم حفظة وكلهم متقنون، بل منهم من كان يروي الحديث كأنه الإمام البخاري، ولكن إذا أتيت به ووضعته مع الإمام البخاري فإن البخاري يرجح بحفظه ومنهجه وهذا لا يرجح بحفظه فقط، فالذي يرجح البخاري منهجه القويم والدين الوسط واتباعه لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-؛ لأنهم أخذوا بقول الله -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
قضية حساسة جدا تلك القضية حساسة جدًا، واليوم الشباب يطالع منصات التواصل الاجتماعي، ويطالع من يتصدر فيها ونرى كثيرا منهم ينخدعون ببعض الذين يتصدرون في تلك المنصات، فينخدع في حفظ فلان وعلم فلان وغير ذلك ثم يذهبون بهم إلى الهاوية! من تكفير، وثورات وخروج على الحكام، وتبديع الناس، واستباحة أعراض الناس وأموالهم ودمائهم.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-11-05, 05:53 PM
خواطر الكلمة الطيبة – سبل الاستقامة



حقيقة الاستقامة في الشرع تتضمن أمرين الأول: السَّير على الطريق والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات
مشاهدة المنة توجب على العبد المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس توجب الذل والانكسار والافتقار إلى الله والتوبة في كل وقت

اليوم نقف معكم على كلمة مختصرة لشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولكنها في الحقيقة تحمل معاني كثيرة، يقول -رحمه الله- وهو يشرح كيف يسير الإنسان في هذه الدنيا على طريق الاستقامة حتى لا ينحرف به الطريق؟ يقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة ومطالعة عيب النفس»، أي المسلم البصير، الذي يطلب العلم ويعرف من كلام الله -تعالى- ما يعرف، ويعرف من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يعرف، لابد أن يتزود بالعلم والمعرفة في طريقه إلى الله -عزوجل.
وأول ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله -تعالى-: {اقْرَأْ} وقال الله -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- وأن يسير في هذا الطريق وهو جاهل، قال -تعالى-:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يعني إياك أن تتعبد إلى الله -عزوجل- بجهل، فتلك مصيبة.
منن الله -عزوجل- كثيرة
فيقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة وبين مطالعة عيب النفس» ومنن الله -عزوجل- كثيرة قال -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}»، نعم الله تعالى كثيرة لا يستطيع الإنسان عدها، لكن أعظم النعم وأعظم الرزق هو نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم، واليوم- على كثرة انتشار تلك الفتن حول العالم- علينا أن نحمد الله -عزوجل- على سلامة العقيدة والمنهج؛ لأنه على عقيدة أنه مسلم، ثانيا على أنه على عقيدة صحيحة، ثم ثالثا لأنه على منهاج وطريق قويم على طريقة أهل السنة والجماعة، وترى الناس كيف يعصفون ببعضهم وسط تلك الفتن وهم لا يستطيعون تحمل الواقع لقلة العلم وانتشار الجهل وعدم الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم الوعي بسيرته، فضلًا عن سير الأنبياء والمرسلين من قبل. ما منا من أحد إلا وفيه عيوب وليس عيبًا واحدًا، ولكن الله -عزوجل- تجمل على عباده بالستر، والحمد لله جل وعلا الذي ما جعل لهذه العيوب روائح، وإلا لأفتُضحنا عند الناس، ويقول الإمام القحطاني -رحمه الله- في نونيته:
والله لو علموا قبيح سريرتي
لأبى السلام على من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي
ولبؤت بعد كرامة بهوان
لكن سترت معايبي ومثالبي
وحلمت عن سقطي وعن طغياني
فلك المحامد والمدائح كلها
بخواطري وجوارحي ولساني
ولقد مننتَ عليَّ رب بأنعم
مالي بشكر أقلهن يدان
مطالعة عيب النفس
وقضية مطالعة عيب النفس لابد وأن تشغلنا في أنفسنا، فعندما نعلم عيوبنا وندرك أننا سنقف بين يدي الله -تعالى- للحساب على هذه العيوب، فيكون ذلك دافعا للعمل على إصلاحها قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} يعني زكى هذه النفس، والإنسان إذا ركز في هذا الأمر ووضع أمامه عيوب نفسه فإنه سينشغل بنفسه عن عيوب الآخرين، وهذا ليس معناه غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المقصود هو الانشغال بالدرجة الأولى باصلاح نفسك كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ فأنت أخي الكريم اسلك سبيل الاهتداء، وطهر نفسك ثم وأنت في الطريق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
ما اللمم؟
قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، فما هو اللمم؟، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأَيْتُ شيئًا أشبَهَ باللَّمَمِ ممَّا قال أبو هُريرةَ: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كتَب اللهُ على ابنِ آدَمَ حظَّه مِن الزِّنا أدرَك ذلك لا محالةَ: فزنا العينِ النَّظرُ وزنا اللِّسانِ النُّطقُ والنَّفسُ تتمنَّى ذلك وتشتهي، ويُصدِّقُ ذلك الفَرْجُ أو يُكذِّبُه»، يقول: ما رأيت شيئا أشبه بها-: أي يفسرها- قال إلا مما سمعت من أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه».
أعلم الأمة بعلم التأويل
وتخيل صحابي ينقل عن صحابي، أعلم الأمة بعلم التأويل، ينقل عن أكثرها علما بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من أدب الصحابة، وفي هذا الحديث بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزنا نوعان: زنا جوارح وزنا فروج، وزنا الفروج عافانا الله من الكبائر التي فيها حدود، ولكن هناك زنا لجميع الجوارح حتى القدم كما ذُكر في رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالصغائر بريدٌ للكبائر، وزنا الجوارح -عافانا الله- طريق لزنا الفرج؛ ولذلك عندما نتكلم عن عيوب النفس ترى عيوبك قد توصلك إلى شيء عظيم إن لم تهتم بإصلاحها وتزكيتها فتعيق المسير بينك وبين الله -سبحانه وتعالى. ويقول ابن القيم -رحمه الله-: «لابُدَّ للسالِكِ مِن همةٍ تُسيَّرهُ، وتُرقَيهِ، وعلم يُبصِّرُه، وَيهدِيهَ»، فلابد للمرء من همةٍ في قلبه تدفعه للسير في طريق الوصول إلى رضوان الله -عزوجل- وترقيه فيه، ولابد له من علمٍ نافع يهتدي به للطريق الصحيح.
حقيقة الاستقامة
حقيقة الاستقامة في الشرع تتضمن أمرين: السَّير على الطريق، وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ..}، والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات، وهذا المعنى تُفَسِّرُهُ بقية الآية: {.. وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)؛ فيكون المعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيَكم الموت وأنتم على ذلك، وتتحقق الاستقامة بأمور، أولها: أداء الفرائض والواجبات، وأهمها وأُسُّها التوحيد «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله»؛ هو أوجب الواجبات، وأعظم الحسنات، وأفضل الطاعات، وهو أول ما أمَر الله به عباده، وهو حقه عليهم، وهو مفتاح دعوة الرسل، وتحقيق ذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين له، ويتبع ذلك تحقيق متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك مقتضى الشهادتين.. وثانيها: الصلوات الخمس وهي قرينة التوحيد في الكتاب والسُّنَّة.. وثالثها: الزكاة، والصيام، والحج، هذه أركان الإسلام.. ورابعها: أداء الواجبات الأخرى كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق العباد، وكلها تدخل في الفرائض، فتكون مما يحقّق الاستقامة.. وعليه فالاستقامة إنما تتحقق بأداء حقوق الله، وحقوق العباد. ومما يحقق كمال الاستقامة أيضاً: أداء النَّوافل، ومِنْ حِكمة الله أَنْ شَرَّع لعباده نوافل الطاعات في مختلف العبادات؛ كالصلاة، والصدقة، والصيام، والحج وسائر الطاعات التي فرضها الله على عباده، فشرع مِن جنسها ما هو تطوع. ومما يحقق الاستقامة كذلك: اجتناب المحرمات، واجتنابها يكون بامتثال المأمورات، واجتناب المحظورات، وأهمها الكبائر، ومن اجتنب الكبائر فهو على خير كثير، قال الله -تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (النساء:31)؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدَهم أنهم إذا اجتنبوا كبائرَ المنهيات غُفر لهم جميعَ الذنوبِ والسيئات، وأدخلَهم مُدخلاً كريماً كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».. اهـ.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-11-13, 07:10 PM
خواطر الكلمة الطيبة – طلب العلم من الجهاد في سبيل الله

بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط ولكن الله عز وجل جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله أيضا

عندما نسمع كلمة «في سبيل الله» تنصرف أذهاننا إلى شيء عظيم وهو فعلا عظيم ألا وهو: (الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى-)، فالله -جل وعلا- قد فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وأعد الله -عز وجل- لمن جاهد في سبيله الأجور الكثيرة العظيمة والفضائل الجليلة التي جعلها الله لهم في مستقر رحمته وجنته، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه أن يبين للناس أن كلمة «في سبيل الله» أيضا لها معان واسعة لأعمال يحبها الله -عز وجل-، فلا تقتصر هذه الكلمة على صنف واحد من الأعمال وهو الجهاد في سبيل الله، ولكن أي عمل تستطيع من خلاله أن تحارب أعداء الدين، عده الشارع -سبحانه و-تعالى-- من الجهاد في سبيل الله. وإذا أردنا أن نعرف فضل الجهاد في سبيل الله فلنقرأ هذا الحديث: مرَّ رجلٌ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بشِعبٍ فيهِ عُيَيْنةٌ من ماءٍ عذبةٌ فأعجبتْهُ لطِيبها، فقال: لو اعتزلْت الناسَ فأقمتُ في هذا الشِّعبِ ولن أفعل حتى أستأذنَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكَر ذلكَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تفعلْ فإنَّ مقامَ أحدِكم في سبيل اللهِ أفضلُ منْ صلاتِهِ في بيتهِ سبعينَ عامًا، ألا تحبُّون أن يغفرَ اللهُ لكمْ، ويدخلُكم الجنةَ؟ اغزُوا في سبيلِ اللهِ، منْ قاتلَ في سبيلِ اللهِ فُواقَ ناقةٍ وجبتْ لهُ الجنةُ».
من أفضل الأعمال عند الله -تعالى إن من أفضل الأعمال عند الله -عز وجل- الصلاة بالليل والناس نيام، وهي من أول الأعمال التي وصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما دخل المدينة «أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ».
أعمال يتهاون فيها الناس ومن الأعمال الجليلة التي يتهاون فيها بعض الناس: مقام الجلوس لطلب العلم، مثل: حضور حلقة من حلقات العلم، وتفسير كتاب الله، وسماع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغيرها من العلوم الشرعية، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-: «مجلس علم تجلسه، خير لك من الدنيا وما فيها، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها»، فضلا عن أن هذا المجلس يعد من الجهاد في سبيل الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من خارجٍ خرج من بيتِه في طلبِ العلمِ، إلا وَضعت له الملائكةُ أجنحتَها رضًا بما يصنعُ، حتى يَرجعَ».
سعي الإنسان في طلب العلم بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط، ولكن الله -عز وجل- جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله، فمجرد خاطرة أو كلمة إذا احتسبناها فهي في سبيل الله، فبهذا الوعي نحن نجاهد المشركين والمنافقين والمعرضين والمبتدعين وأصحاب الأهواء، فنرد على شبهاتهم فإذا لم نطلب العلم لا يوجد معنا سلاح، ولذلك الله -عز وجل- أول ما أوحى إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (اقرأ) قال أهل العلم: تعلَّم حتى تكون متحصنا بالسلاح، وقال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال الله -تعالى-:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ}، فجعل العلم قبل القول والعمل وهكذا بوب هذا الباب الإمام البخاري، فمجالس العلم ولو كانت قليلة أو بسيطة لا تستهن بشيء ولو كان بسيطا.
قصة واقعية أذكر أنه كان في يوم من الأيام عندنا لقاء مع الشيخ عثمان الخميس منذ سنوات عدة، وكان الموضوع عن الصلاة، وأحكامها وما إلى ذلك، فقلت لشاب أن يحضر معي اللقاء ودعوته إليه، فسأل عن الموضوع، فقلت له الموضوع عن «الصلاة» فقال نحن طلبة شريعة وما إلى ذلك واستبسط الموضوع، فقلت تعال تحفنا الملائكة ونأخذ أجر مجلس علم فرفض وقال: إنه يريد أن يتابع بعض أعماله. ومرت السنون وقدر الله أن أقابله في مسجدي بعد خطبة الجمعة وبعد الصلاة جاء سلم علي، وجلس وجاء أحد الإخوة المصلين وقال والله يا شيخ عندي سؤال في الصلاة، فقلت له أبشر عندنا هنا متخصص وهو خريج كلية الشريعة، تفضل فوالله يا إخوة سأل سؤالا بسيطا لا أذكر السؤال ولكن أذكر أنه سؤال بسيط، فقلت يجاوبك الشيخ فقال: تفضل يا شيخ أنت جاوبه فجاوبت الرجل وذهب فسألته لم لم تجاوب الرجل؟ السؤال سهل! فقال والله نسيت، فقلت له أنت تدري لماذا نسيت؟ لأنك لم تدرك أن العلم ينسى إن لم تتعهده بالمدارسة ومجالس العلم، وإلا فالمعلومة صيد تقيد بالكتابة والقراءة والمراجعة، وذكرته بالموقف السابق مع درس الشيخ عثمان الخميس عن الصلاة، فلا تحتقر المعلومة أيا ما كانت فيتحقق لك مقام طالب العلم في سبيل الله أفضل عند الله من صلاة رجل ستين عاما خاليا.
فضل طلب العلم يكفي شرفًا لأهل العلم أن الله -عز وجل- استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو -تبارك و-تعالى--، قال -عز وجل-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ} (آل عمران: 18)، الملائكة شهدوا وأولو العلم أيضًا شهدوا ألا إله إلا الله.
العلماء هم ورثة الأنبياء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإن العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ»، الأنبياء لم يتركوا لنا مالًا أو جواهرَ، أو ذهبًا أو فضة، وإنما تركوا لنا العلم، الذي عنده العلم قد أخذ أوفر الحظوظ، فلا شيء في الدنيا أشرف من العلم، لذلك أمر الله -عز وجل- نبيَّه أن يستزيدَه من العلم، قال -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114)، قال العلماء: لو كان شيء أشرف من العلم، لأمرَ اللهُ نبيَّه أن يستزيده منه كما أمره أن يستزيده من العلم.
العلم نور يهدي الله به من يشاء في هذه الدنيا، قال -تعالى-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} (الرعد: 19)، «الناس في الدنيا صنفان، إما شخص لديه علم ونور يهتدي به، وإما أعمى لا يرى.
رفع الله -عز وجل- قدر أهل العلم لا لحسبٍ ولا لجاه ولا لمال، وإنما بسبب العلم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ»، وسلوك الطريق المقصود به الطريق الحسي الطريق الذي يسير عليه الإنسان، الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام، ويسير فيه الإنسان، لكي يتعلم، ويذهب إلى مكان العلم، ومنه أيضًا الرحلة لطلب العلم، فجابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أحد صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار سافر شهرًا كاملًا في طلب حديث واحد.
أجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له».
يكفي في فضل العلم أنه علامة على إرادة الله -عز وجل- الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهْه في الدِّينِ»، يعني كما أن الله -عز وجل- يشرح صدر الإنسان لطلب العلم ويصبره على الطلب، ويأتي ويبذل ويذاكر ويجتهد، هذا من علامة إرادة الله -عز وجل- الخير بهذا العبد، لا يمر عليه يوم في حياته إلا ويتعلم مسألة ويفهم مسألة، ويزداد علمًا، لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا، ورزقًا طيِّبًا، وعملًا متقبَّلًا»، وقوله: «من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين»، هذا يدخل فيه جانبان، فقه العقائد: العقيدة التوحيد، أصول الإيمان، وفقه الأحكام والشرائع: تعلُّم الحلال والحرام، وأمور الدين، يتعلم ذلك من الكتاب والسنة.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-11-23, 05:30 AM
خواطر الكلمة الطيبة – ابن عمرو رضي الله عنهما يغبط نفسه

من أراد الخير والبركة والسكينة والطمأنينة فليكن مع العلماء الربانيين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : البركة مع أكابركم

خرجَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى أصحابِهِ وَهُم يختَصِمونَ في القَدَرِ، فَكَأنَّما يُفقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ! فقالَ بِهَذا أُمِرتُمْ؟ أو لِهَذا خُلِقتُمْ؟ تَضربونَ القُرآنَ بعضَهُ ببَعضٍ؟ بِهَذا هلَكَتِ الأمَمُ قبلَكُم! قالَ: فقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو: ما غبَطتُ نَفسي بمجلسٍ تخلَّفتُ فيهِ عن رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ما غبَطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ وتخلُّفي عَنهُ. النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته، وعندما نقول كان في بيته ويسمع ما يحدث في المسجد، معناها أنه كان في بيت أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن بيتها كان مجاورًا لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان - صلى الله عليه وسلم - في حجرته في فناء البيت، فسمع الصحابة -رضي الله عنهم- يتناولون مسائل العلم حتى وصل بعضهم الجدال في كتاب الله -تعالى- في مسائل خطيرة، وهي مسائل الإيمان بالقدر، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب! قال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ أبهذا أمرتم؟ أم لهذا خلقتم؟ هل الله -عز وجل- أمركم أن تتكلموا في هذه المسائل التي تعد مسائل غيبية، قال -تعالى-: {عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}، فلا أحد يعرف الغيب إلا هو -سبحانه وتعالى-، أو ما يوحي به الله -عزوجل- من أمور غيبية لنبي من الأنبياء أو لرسول من الرسل فقط، غير ذلك فلا، قال -تعالى-: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
تقدير الله -عزوجل ألم يُقدّر الله على إبراهيم -عليه السلام- أن يُلقى في النار؟ وعلى يونس -عليه السلام- أن يرتمي في البحر فيبتلعه الحوت؟ وعلى يوسف -عليه السلام- بدخوله السجن سنوات طويلة من عمره؟ فكل هذا من أقدار الله -عزوجل-، وكذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يدري ما سيحدث معه، فقد هاجر من مكة -وهي أحب البلاد إليه- إلى المدينة، فكل هذه أقدار الله، لا يعلم بها أحد.
أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟ إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا يضربون كلام الله بعضه ببعض، والاختلاف هذا ربما يولد الحروب ويرفع السيوف، وهذا ما حدث مع علي - رضي الله عنه - مع الخوارج؛ لأن الخلاف كان على غير علم وفقه فحصل ما حصل. كذلك يا إخواني نحن يمر علينا أحداث ومواقف تفرح أنك لم تشارك فيها سواء بتويتر ولا انستجرام ولا تكلمت؛ لأن كلمتك قد تجرك للفتن فيكفيك أن تقف حيثما وقف الأكابر؛ فهم عندهم من العلم والمعرفة ما لا يوجد عند غيرهم.
قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه انظر إلى قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في العراق، فعن عمرو بن سلَمة قال: كُنَّا نجلِس على باب عبدالله بن مسعود قبل صَلاة الغَداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: أخَرَجَ إليكم أبو عبدالرحمن بعدُ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعًا. فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنِفًا أمرًا أنكرتُه، ولم أرَ - والحمد لله - إلا خيرًا. قال ابن مسعود: فما هو؟ فقال أبو موسى: إن عشتَ فستراه. قال أبو موسى: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتَظِرون الصلاة، في كلِّ حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. قال ابن مسعود: فماذا قلتَ لهم؟ قال أبو موسى: ما قلتُ لهم شيئًا انتِظار رأيك أو انتظار أمرك. قال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيِّئاتهم، وضمنت لهم ألاَّ يَضِيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فوَقَف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعُدُّوا سيِّئاتكم، فأنا ضامِنٌ ألاَّ يَضِيع من حسناتكم شيء، ويْحَكم يا أمَّة محمد! ما أسرعَ هلكتَكم! هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، وهذه ثِيابُه لم تبلَ، وآنيته لم تُكسَر، والذي نفسي بيده إنَّكم لعلى مِلَّة هي أهدى من ملَّة محمد، أو مُفتَتِحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، وايمُ الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثم تولَّى عنهم. فقال عمرو بن سلَمة: رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يُطاعِنُوننا يوم النهروان مع الخوارج!
أدب أبي موسي - رضي الله عنه فانظر إلى أدب أبي موسي - رضي الله عنه - وهو صحابي جليل ولكنه رجع إلى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - فأنكر عليهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وهنا فائدة عظيمة وهي أهمية رجوع الداعِيَة إلى مَن هو أعلم منه أو أفقه في واقعة معيَّنة إذا ما تطلَّب الأمر، ولا سيَّما إذا أَشْكَلَ الأمر عليه ولم يَتَّضِح، فالواجب عليه أن يتوقَّف وأن يكون له مرجعيَّة، كما فعل أبو موسى مع ابن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا.
تحرُّك الداعِيَة وتفاعُله ومن الفوائد المهمة في هذا الحديث وجوب تحرُّك الداعِيَة إلى الله وتفاعُله مع مجتمعه، فعبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - لَمَّا سمع عن أمر هذه الحلق، أتاها وزجر أصحابها، وهذا هو عمل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأئمَّة الدين، فإنكار الداعِيَة إلى الله على مَن خرج عن الجماعة بقول أو فعل ليس من هديهم أمر في غاية الأهمية؛ لأن الحقَّ يدور مع الجماعة؛ إذ لا يجتَمِعون أبدًا على ضلالة، وكما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، ولم يصدر منهم الذي تَفعَلون، بل ولم يَستَسِيغوه، فكيف تُقِيمون عليه؟
الرجوع إلى العُلَماء الربانيين كذلك فمن أراد الخير والبركة والسكينة والطمأنينة فليكن مع العلماء الربانيين، فعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البركة مع أكابركم»، فتقديم العلماء واجب في كل أمر جليل وفي كل خطب جلل، وهذا مثال يرويه أبو مسعود الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا»(رواه مسلم)، يقول النووي شارحًا: «ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الأمام».

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-11-27, 11:49 AM
خواطر الكلمة الطيبة – نعم في الدنيا جنَّة

مقال الشيخ سالم الناشي جعلني أتفكر وأتأمل أننا في جنة ولكننا لا ندركها فإسلامك جنة وإيمانك بشعبه جنة وعملك الصالح بأنواعه جنة واستقامتك على منهج السلف الصالح جنة
جنة الدنيا إنما تكون في أمرين: الإيمان والعمل الصالح وقد ذكرهما الله تعالى في سورة صغيرة في كتابه وهي سورة العصر

اليوم بعدما انتهيت من إعداد هذه الكلمة والاستعداد لها بدأت أقلب في تويتر فوجدت مقالةً قد كتبها أحد الفضلاء، وعندما قرأت هذه المقالة عزمت على أن أغير تلك الكلمة، لأني في الحقيقة وجدت المقالة جذابة ومؤثرة ومهمة في آنٍ واحد من حيث الأسلوب، وكذلك من حيث المضمون، وقد صدّر كاتب هذه المقالة مقالته بتساؤل بديع إذ تساءل: هل في الدنيا جنة؟ في الحقيقة جذبني هذا العنوان، وعندما قرأت المقالة كاملة وجدت أن الكاتب قد أبدع وأجاد وتفنن في استحضار الأدلة والأحاديث وأقوال السلف في بيان أن في الدنيا جنة، وهي المقدمة لجنة الآخرة.
جنة الدنيا في أمرين وجنة الدنيا إنما تكون في أمرين: الإيمان والعمل الصالح، واللذان نقرؤهما في أصغر سورة في كتاب الله -عز وجل-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، هذا من الإيمان ومن العمل الصالح، وهكذا وجدت الكاتب قد وضعنا أمام قضية مهمة، وهي أن جنة الدنيا إنما تكمن في الإيمان بالله -تعالى- بأسمائه وصفاته، كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما، مثل الإمام السعدي -رحمة الله عليه- في تفسيره أن الانسان إذا آمن بأسماء الله -عز وجل- وصفاته وعلمها، ثم دخل ذلك العلم في قلبه فقد بدأ مشوار الدخول في هذه الجنة، التي لايمكن الدخول لها إلا من هذه البوابة بوابة العلم والإيمان.
العمل بطاعة الله -عز وجل فإذا دخل هذا الايمان في قلبك تدخل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة العمل بطاعة الله -عز وجل- لتمارس الإيمان عمليا، هنا الإنسان يعيش في سعادة وفي متعة لا تستطيع أن تقارنها أبدًا بأي متع الدنيا، واستشهد الكاتب هنا باستشهاد رائع وهو قول الله -عز وجل-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
نحن في جنة ولكننا لا ندري لذلك إخواني ذلك المقال جعلني أتفكر وأتأمل أننا لدينا أشياء كثيرة وإننا في جنة ونحن لا ندرك أننا في جنة، فإسلامك جنة، وإيمانك بشعبه جنة، وعملك الصالح بأنواعه جنة، استقامتك والتزامك بدين الله -عز وجل- على منهج السلف الصالح جنة، دعوتك إلى الله -عز وجل- جنة، قراءتك للقرآن، صدقاتك، أعمال البر جنة، برك للوالدين وصلتك بأرحامك جنة، ومعارفك بأحبابك وخلانك تلك جنة، والأصل أن تدخل إلى كل تلك الفروع من الباب الأصلي، وإلا تعرض المرء لخطورة قول الله -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}.
بساتين تلك الجنة أما الذي يدخل من الباب الأصلي والمدخل الأوحد لتلك الجنة وهو باب الإيمان بالله -تعالى- والعمل الصالح، ثم بعد ذلك يتنعم في بساتين تلك الجنة ويرتقي بفروعها ويقطف من ثمارها ويتنعم بظلالها وأشجارها يكن على يقين أنه إن مات على هذا الإيمان فإنه يكون مستبشرا بقول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}.
أجاد الكاتب في تلك المقالة ففي الحقيقة لقد أجاد هذا الكاتب في تلك المقالة حقيقةً، فأما الكاتب فهو الأخ الكريم الشيخ سالم الناشي، وأما المقال فستجدونه في مجلة الفرقان في صفحة (أوراق صحفية)؛ لذا فهي مقالة مهمة جدا أعادت لنا بوصلة إدراك نعيم المؤمن في الدنيا، ووضعت نصب أعيننا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» والحديث ليس للحصر وإنما هناك نعم أخرى مغبونٌ فيها كثير من الناس، مثل: العمل الصالح والاستقامة والمنهج الصحيح والدعوة إلى الله -تعالى-، وأعمال خير لا يدرك أنه كان بها في جنة إلا عندما يسلب الله -عز وجل- منه جزءا منها أو كلها -عافانا الله وإياكم من ذلك.
ذِكر الله جنة الدنيا قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، تطمئنُّ بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من جانبه وفي حماه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله. وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يُحرَمون طمأنينة الأنس بالله، ليس أشقى ممن ينطلق من هذه الأرض مقطوع الصلة بما حوله، ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لِمَ جاء؟ ولمَ يذهب؟ ولمَ يعاني ما يعاني في الحياة؟ وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشرٌ إلا أن يكون مرتكنًا إلى الله، مطمئنًّا إلى حماه، مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد؛ ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كلِّه، فلا يصمد إلا المطمئنُّون بالله. فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات، بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق. جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت، فأَخبِرْني بشيء أتشبَّث به، فقال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله»، وتدبَّرْ حديث أبي الدرداء ومعاذ بن جبل، أن رسول الله قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قلنا: بلى، قال: «ذكر الله -عز وجل»، فالذكر يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويملأ القلب غنى وانشراحًا، والذكر يجلب الرزق، ويفرِّج الكرب، وينفِّس الهمَّ، والذكر يكسو وجهَ الذاكر مهابة وجلالًا ونضرة.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-12-06, 04:09 AM
خواطر الكلمة الطيبة – المؤمن مرآة أخيه

المؤمن ينصح أخاه ويعينه على الخير هكذا المؤمنون فيما بينهم ينصحون لهم ويعلمونهم ويوجهونهم إلى الخير
المؤمن مرآة أخيه فإذا رأى شيئا يشينه نبهه برفق وحكمة مظهرًا المودة والنصح حتى يزيل ذلك الشيء الذي يشينه وينقصه

روى الإمام البخاري في كتابه الماتع (الأدب المفرد)، وما أحوج الأمة لمثل هذا الكتاب! والإمام البخاري -رحمة الله عليه- ما اكتفى بما ألفه في صحيح البخاري فأفرد هذا الموضوع في كتاب منفصل سماه: (الأدب المفرد)؛ لأن هؤلاء العلماء وهؤلاء المحدثين يعلمون أن قضية الآداب والأخلاق إنما هي قضية عظيمة في دين الله -عز وجل. ولأهمية هذه القضية تجدها في أبواب العلم كافة، ففي باب العقيدة: تزكية النفس أي: أن تكون موحدا لله -عز وجل-، وفي باب الاقتداء: أن تكون مقتديا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي باب الصحابة -رضي الله عنهم-، أن تكون مثلهم في باب المعتقد وباب العمل، وكذلك في باب المعاملات التي تتحدث عن معاملة الوالدين والأرحام والجيران والإحسان إليهم، أو التعامل مع خلق الله -عز وجل- في البيع والشراء والعقود، وهذا أيضا يحتاج إلى أخلاق، واختصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا كله كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
باب: المؤمن مرآة أخيه والإمام البخاري بوب باب (المؤمن مرأة أخيه) واستدل عليه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمِنُ مرآةُ المؤمنِ إذا رأى فيهِ عَيبًا أصلحَهُ»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - شبَّه الإنسان بصاحبه بالمرآة، كأنه لو نظر في المرآة ووجد شيئا غير صالح أصلحه، فضلا عن أن الإنسان مرآة أخيه أعظم من مرآة وجهه؛ لأن المرآة الحقيقية إذا التفت الإنسان فلا يستطيع أن يرى ظهره، لكن صاحبه يراه من الأمام ومن الخلف ومن جميع جوانبه فيحميه فهو ظهر له؛ فإذا رأى عيبا أصلحه، فمرآة الأخوة أعظم بكثير من المرآة الحقيقية؛ ولهذا حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحبة الصالحة فقال: «لا تُصاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»، حتى ولو كان من الأرحام، فما بالك لو كان أبعد! كأن يكون جارا أو زميلا وغير ذلك؛ لأن الصاحب المؤمن يكون أشد منك على نفسك، فإذا وجدك تغرق في الآثام والشهوات ينصحك، وبفضل الله نصيحته تجعلك تنجو وتسلك طريق صراط الذين أنعم الله عليهم وبعدها يكون هو سبب في دخولك جنة الله -سبحانه وتعالى.
سيرة الصحابة -رضي الله عنهم وإذا قرأت جيدا في سيرة الصحابة تجد هذا المثل واضحًا، كيف كان يحرص بعضهم على بعض وينصح ويهدي بعضهم بعضًا؟ فانظر إلى الصحابي عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَلا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»، وهذا حق المسلمين بعضهم على بعض، فواجب على المسلم ألا يقصر في النصحية مع أولاده وإخوانه وجيرانه وأهله وزملائه في العمل، فمن الناس من يرى تقصير صاحبه بعينه ولا يخطو خطوة النصيحة إليه والله المستعان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؛ فلا تقصر في النصحية لأخيك، وأقول لك ابدأ أول الطريق بالاختيار الصحيح (الصاحب الصالح) ليكن لك مرآة؛ فيصلحك إذا رأى منك اعوجاجا عن الطريق الصحيح.
أهمية الصحبة الصالحة خاطب الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28)؛ أي: جالس الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه ويدعونه في الغداة والعشي، سواء كانوا فقراءَ أم أغنياءَ، وقال -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، فهذا التوجيه الرباني والإرشاد الإلهي، فيه حث للمؤمن أن يعيش في بيئة يكون فيها الصدق سائدًا، والبر مسيطرًا؛ فإن فساد البيئة الفكرية والخلقية يؤدي إلى عموم الفساد، والبيئة الصالحة تهذب أفرادها، وتجعل الشر يختفي، والخير يظهر. وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلًا للجليس الصالح والجليس السوء، في أن الأول ينتفع به في كل الأحوال، وأن الثاني يضر صاحبه فقط، ففي الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». والغرض من ضرب هذا المثل، هو النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما، ولهذا، فإن المسلم عليه أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار؛ لأنها تجعل الشرير خيرًا، كما أن مصاحبة الأشرار قد تجعل الخيِّرَ شريرًا، قال بعض الحكماء: من صحب خيرًا أصابته بركته، فجليس أولياء الله لا يشقى، ولو لم يكن إنسانًا، مثل كلب أهل الكهف، فإن الله -تعالى ذكره- في كتابه العزيز، فقال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (الكهف: 18)، ثم إن العاقل يلزم صحبة الأخيار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها. هذا، وإنه من ثمرات ملازمة الصالحين ومحبتهم، النزول منزلتهم يوم القيامة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ .

اعداد: د. خالد سلطان السلطان

ابو وليد البحيرى
2024-12-18, 06:30 PM
خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم

محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعني أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم- على كل محبوب
حبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه

الناس تحب القرب من الآخرين من أجل مواصفات معينه، فقد يكون السبب الأخلاق الكريمة للشخص، وأحيانا يكون السبب أنه صاحب كلمة مؤثرة عند البيان والكلام، وأحيانا يكون السبب أن هذا الشخص صاحب أفعال كبيرة وجليلة؛ فالناس تنقسم في قضية القرب والالتفاف حول شخص ما بحكم ما لديه صفات وأخلاق جاذبه. فما بالكم إذا اجتمعت هذه الصفات كلها في شخصية واحدة؟ نعم لقد اجتمعت تلك الصفات وأكثر منها في نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم-؛ فقد جمع الله له الكمالات كلها، كمال في الخلقة وجماله، وكمال في الخلق وآدابه، والكمال في الأقوال؛ فقد أٌوتي - صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، والكمال في الأفعال؛ فقد أوتي أحسن الأفعال وأطيبها. فتخيل الكمال في كل هذه الصفات كفيلة بألا تجذب أفرادا فحسب، بل تجذب العالم أجمع؛ فلذلك من يعرف النبي - صلى الله عليه وسلم- ينجذب إليه ويحب القرب منه، حتى قال - صلى الله عليه وسلم-: «من أَشَدِّ أُمَّتي حُبا لي ناسٌ يكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحدُهُمْ لَوْ يُعْطِي أَهْلهُ ومالهُ بِأنْ يَرَانِيَ». وهذا السر الذي من أجله جعل الله -عزوجل- الأنبياء والمرسلين فيهم هذه الصفات، ولكن كمال هذه الصفات كانت في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-، فقال: «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ»، أي: لا أفتخر عليكم، ولكن الله جعل فيه هذه الكمالات فيقولها من باب {وأما بنعمة ربك فحدث}، وليس من باب الافتخار، بل كان هو سيد المتواضعين - صلى الله عليه وسلم-، فكلما زاده الله بالفضائل زاد النبي - صلى الله عليه وسلم- بالتواضع أكثر؛ ولذلك ما عرفت الدنيا تواضعا مثل تواضعه - صلى الله عليه وسلم-.
ترجمة الحب للنبي - صلى الله عليه وسلم- وهذه الصفات هي التي جعلت الصحابة -رضوان الله عليهم- يترجمون هذا الحب له وهذا الانجذاب له بأن كانوا يجهدون في سبيل الله -عزوجل- لإعلاء كلمة الله، وأيضًا لحمايته - صلى الله عليه وسلم- وحماية دينه وسنته. نحن لم يشرفنا الله -عزوجل- لأن نكون معهم في هذا الوقت حتى نكون سدًا منيعًا له - صلى الله عليه وسلم- وأن نكون دروعا بشرية له كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا أن نظهر ما في قلوبنا عمليا تجاه محبته والانجذاب له - صلى الله عليه وسلم-، والصحابه -رضوان الله عليهم- كل واحد عبر بطريقته عن هذا الانجذاب، وأكثر شيء يدل على محبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو: أن نعمل بسنته، وندعو لها، أن ندافعها، وأن نقرأ في سيرته ونتعرف على صفاته - صلى الله عليه وسلم-، فحقيقة المحبة هي الحرص على تطبيق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- والعمل بها، والدفاع عنها، ولهذا نرى أن الله -عزوجل- ما أظهر لنا كمالات محمد - صلى الله عليه وسلم- إلا من أجل ذلك، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- لا يتخلى يوم القيامة عمن أحبه وانجذب إليه.
أمتي أمتي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَومَ القِيامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لذلكَ، وقالَ ابنُ عُبَيْدٍ: فيُلْهَمُونَ لذلكَ، فيَقولونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا علَى رَبِّنا حتَّى يُرِيحَنا مِن مَكانِنا هذا، قالَ: فَيَأْتُونَ آدَمَ - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولونَ: أنْتَ آدَمُ، أبو الخَلْقِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لنا عِنْدَ رَبِّكَ حتَّى يُرِيحَنا مِن مَكانِنا هذا، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أوَّلَ رَسولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ، قالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا إبْراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم- الذي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا، فَيَأْتُونَ إبْراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا مُوسَى - صلى الله عليه وسلم-، الذي كَلَّمَهُ اللَّهُ وأَعْطاهُ التَّوْراةَ، قالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى عليه السَّلامُ، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللهِ وكَلِمَتَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى رُوحَ اللهِ وكَلِمَتَهُ، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ولَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم- عَبْدًا قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: فَيَأْتُونِي فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، فإذا أنا رَأَيْتُهُ وقَعْتُ ساجِدًا، فَيَدَعُنِي ما شاءَ اللَّهُ، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأحْمَدُ رَبِّي بتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أعُودُ فأقَعُ ساجِدًا، فَيَدَعُنِي ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ يا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأحْمَدُ رَبِّي بتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُخْرِجَهُمْ مِنَ النَّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، قالَ: فلا أدْرِي في الثَّالِثَةِ، أوْ في الرَّابِعَةِ، قالَ فأقُولُ: يا رَبِّ، ما بَقِيَ في النَّارِ إلَّا مَن حَبَسَهُ القُرْآنُ، أيْ وجَبَ عليه الخُلُودُ. قالَ ابنُ عُبَيْدٍ في رِوايَتِهِ: قالَ قَتادَةُ: أيْ وجَبَ عليه الخُلُودُ».
مفهوم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم- تعني أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم- على كل محبوب من نفس ووالد وولدٍ، والناس أجمعين؛ وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأُمته، وما امتنَّ الله على العباد ببعثته ورسالته.
أصل المحبة وبالجملة، فأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المُحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحب الصورة والصوت، والطعام ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة، كحب الصالحين والعلماء، وأهل الفضل مطلقًا، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خصال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إيَّاهم إلى الصراط المستقيم، ودوَام النِّعم والإبعاد من الجحيم.
جوانب شتى فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من جوانب شتى، في جانب العقل معرفةً وعلمًا، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه، وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها، ونحو ذلك، ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جيَّاشة، ومحبة متدفقة، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب - صلى الله عليه وسلم-؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية.
محبة الجوارح ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتِّباع لسنته قولا وفعلا وتقريرا - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن أن نقول: إن المحبة اتِّباعٌ فحسب، فأين مشاعر القلب؟ ولا يصلح أن نقول: إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتِّباع؟ ولا ينفع هذا وهذا! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهدْيه وأحواله - صلى الله عليه وسلم؟، لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمُل حينئذٍ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- علينا.
عمل قلبي وحبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه، وإن تفاوَتت درجة الشعور بهذا الحب؛ تبعًا لقوة الإيمان، أو ضَعفه.

اعداد: د. خالد سلطان السلطان