المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حُقُـوقُ الْجَـارِ



ابو وليد البحيرى
2023-03-04, 02:00 PM
خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - حُقُـوقُ الْجَـارِ


الفرقان

جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع بتاريخ 22 من جمادى الأولى 1444هـ - الموافق 16/12 /2022م بعنوان: (حُقُوقُ الْجَارِ)؛ حيث بينت أنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ : الْمُحَافَظَةَ عَلَى وَحْدَةِ أَفْرَادِهِ وَتَمَاسُكِ آحَادِهِ؛ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ وَحُدُودِهِ، وَالْحَثَّ عَلَى التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ عَلَاقَةٍ قَوِيَّةٍ تَجْمَعُهُمْ وَتُوَحِّدُ صُفُوفَهُمْ؛ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، قَالَ -تَعَالَى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. قَالَ الإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَهُوَ أَمْرٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى».
أَهَمِّ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْوَصَايَا الْمَرْعِيَّةِ
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). كَمَا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْوَصَايَا الْمَرْعِيَّةِ الَّتِي وَصَّانَا بِهَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَثَّنَا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا نَبِيُّنَا -]-: الْأَمْرَ بِحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْوَصِيَّةَ بِإِكْرَامِ الْجِيرَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36). قَالَ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ الطَّبَرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى: أَيِ الْجَارِ ذِي الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ مِنْكَ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ: هُوَ الْجَارُ الْبَعيدُ الَّذِي لَا قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: هُوَ رَفيقُ الرَّجُلِ فِي سَفَرِهِ». وَالْجِيرَانُ فِي الْحُقُوقِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ؛ فَأَعْلَاهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ وَهُوَ الْجَارُ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ؛ فَلَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ، وَحَقُّ الْقَرَابَةِ، وَحَقُّ الْجِوَارِ، يَلِيهِ مَنْ لَهُ حَقَّانِ، وَهُوَ الْجَارُ الْمُسْلِمُ؛ فَلَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْجِيرَةِ فَقَطْ وَهُوَ الْجَارُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ.
الْإِحْسَان إِلَى الْجِيرَانِ لَا يَخْتَصُّ بِفِئَةٍ دُونَ أُخْرَى
إِنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْجِيرَانِ، وَبَذْلَ الْمَعْرُوفِ لَهُمْ، وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِمْ، لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ حَدٍّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِفِئَةٍ دُونَ أُخْرَى، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ، وَلَا يَرْتَبِطُ بِمَذْهَبٍ أَوْ دِيَانَةٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ جَاوَرَ الْمُسْلِمَ فِي دَارٍ، أَوْ عَمَلٍ أَوْ مَقْعَدِ دِرَاسَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَتْجَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ جِوَارًا، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَارُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، مُحْسِنًا أَمْ مُسِيئًا، مُوَاطِنًا أَمْ مُقِيمًا، قَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَغُلَامٌ لَهُ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِذَا سَلَخْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ»، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ: كَمْ تَقُولُ هَذَا! فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَزَلْ يُوصِينَا بِالْجَارِ حَتَّى خَشِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (رَوَاهَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُ ّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ: الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ، وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ، وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَ ّ، وَالْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ».
حُقُوق الْجِيرَانِ
وَلَقَدْ جَاءَتِ الآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ مُؤَكِّدَةً حُقُوقَ الْجِيرَانِ؛ حَيْثُ يَجْمَعُهَا وَصْفُ التَّعَامُلِ بِالْإِحْسَانِ، وَبَذْلُ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ تَقْوِيَةُ عَلَاقَةِ الْجَارِ بِجَارِهِ وَتَعْزِيزُ التَّرَابُطِ بَيْنَهُمَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُ ّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ سَبَبٌ لدُخُولِ الْجَنَّةِ
وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ) (وَالْأَثْوَارُ مِنَ الْأَقِطِ هِيَ الْقِطَعُ الصَّغِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ الْمُجَفَّفِ). وَلَا يَكْتَمِلُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ - أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
حُقُوق الْجِيرَان مُؤَكَّدَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ِ
إِنَّ حُقُوقَ الْجِيرَانِ -بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ- ثَابِتَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَالْإِكْرَامُ هُوَ الْإِجْلَالُ وَالتَّقْدِيرُ وَالِاحْتِرَامُ وَالتَّوْقِيرُ.
أنواع الْإِكْرَامِ بَيْنَ الْجِيرَانِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ
وأنواع الْإِكْرَامِ بَيْنَ الْجِيرَانِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، وَخِصَالُ الْبِرِّ بَيْنَهُمْ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ: إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ، وَعِيَادَتُهُ عِنْدَ مَرَضِهِ، وَمُسَاعَدَتُهُ فِي أَوْقَاتِ حَاجَتِهِ، وَسَدُّ خَلَّتِهِ، وَإِرْشَادُهُ لِمَا فِيهِ نَفْعُهُ وَمَصْلَحَتُهُ، وَإِخْلَاصُ النَّصِيحَةِ لَهُ، وَبَذْلُ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِهِ، وَاتِّبَاعُ جَنَازَتِهِ.
وَمِنْ أنواع إِكْرَامِ الْجِيرَانِ: إِهْدَاءُ الطَّعَامِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِرْسِنُ الشَّاةِ: هُوَ حَافِرُهَا.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أَيْ لَا تَحْقِرَنَّ أَنْ تُهْدِيَ إِلَى جَارَتِهَا شَيْئًا وَلَوْ أَنَّهَا تُهْدِي مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْغَالِب».
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَذَلِكَ أَنَّ الْجَارَ -فِي الْغَالِبِ- يَطَّلِعُ عَلَى مَا يَدْخُلُ بَيْتَ جِيرَانِهِ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ تَصِلُهُ رَائِحَةُ طَبْخِ الطَّعَامِ؛ فَحَثَّ الشَّرْعُ عَلَى إِهْدَاءِ الطَّعَامِ بَيْنَ الْجِيرَانِ؛ زَرْعًا لِلْمَحَبَّةِ وَمَنْعًا لِانْكِسَارِ نَفْسِ الْجَارِ الَّذِي قَدْ لَا يَجِدُ مِثْلَ هَذَا الطَّعَامِ.
كُلَّمَا زَادَ قُرْبُ الْجَارِ مِنْ جَارِهِ تَأَكد حَقّه
وَكُلَّمَا زَادَ قُرْبُ الْجَارِ مِنْ جَارِهِ مَنْزِلًا، زَادَ تَأَكُّدُ حَقِّهِ بِالرِّعَايَةِ وَالْإِحْسَانِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
إِيذَاء الْجَارِ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
إِذَا كَانَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ طَاعَةً لِلَّهِ، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجَنَّةِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّ إِيذَاءَ الْجَارِ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ، وَالْمُحَرَّمَا تِ الْقَبَائِحِ الذَّمِيمَةِ، وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَالْبَوَائِقُ: الشُّرُورُ.
بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ يَتَسَبَّبُ بِأَذِيَّةِ جِيرَانِهِ؛ فَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
مظاهر إِيذَاء الْجَارِ
فَيَحْرُمُ إِيذَاءُ الْجَارِ بِأَيِّ نوع مِنْ أَنواع الْإِيذَاءِ، سَوَاءٌ بِاللِّسَانِ كَغَيْبَتِهِ، أَوْ إِسْمَاعِهِ مَا يَسُوءُهُ، أَوْ إِيذَائِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ ولَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، أَوِ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِ فِي مَكَانِ وُقُوفِ سَيَّارَتِهِ أَوْ مَدْخَلِ بَيْتِهِ، أَوِ النَّظَرِ إِلَى دَاخِلِ بَيْتِهِ دُونَ إِذْنٍ، أَوْ إِشَاعَةِ أَسْرَارِهِ عِنْدَ الآخَرِينَ. وَمِنْ أَعْظَمِ أنواع الْإِيذَاءِ: خِيَانَةُ الْجَارِ لِجَارِهِ فِي عِرْضِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -]- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -]-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الصبرعلى أذى الجار
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصِيَامِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
كَمَا يَنْبَغِي عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِجَارِ سُوءٍ: أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ، وَيَتَحَمَّلَ أَذَاهُ وَيَحْتَسِبَ أَجْرَهُ عِنْدَ خَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ، يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفَّ الْأَذَى، وَلَكِنَّ حُسْنَ الْجِوَارِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى».