المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي



ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:29 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
صفية الشقيفي

خطبة الكتاب

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد على أحسن أسلوب، وبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه القلوب، نزله آيات بينات، وفصله سورًا وآيات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمه أعظم نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب، صلى الله على من أنزل إليه لينذر به وذكرى، ونزله على قلبه الشريف، فنفى عنه الحرج، وشرح له صدرًا، وعلى آله وصحبه مهاجرة ونصرًا.. وبعد:
فإن الله سبحانه منّ عليّ بالنظر في مواقع نجومه، وفتح لي أبواب التطرق إلى استخراج ما أودع فيه من علومه، فلا أزال أسرّح النظر في بساتينه من نوع إلى نوع، وأستسنح الخاطر في ميادينه فيبلغ الغرض ويرجع وهو يقول: لا روع، فتقت عن أنواع علومه ولقبتها، وأودعت ما أوعيت منها في دواوين وأعيتها، ونقبت عن معادن معانيه وأبرزتها، وأوقدت عليها نار القريحة وميزتها، وألفت في ذلك جامعًا ومفردًا، ومطنبًا ومقصدًا، ومن خلق لشيء فإلى تيسره، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره.
وإن مما ألفت في تعلقات القرآن كتاب "أسرار التنزيل" الباحث عن أساليبه، المبرز أعاجيبه، المبين لفصاحة ألفاظه وبلاغة تراكيبه، الكاشف عن وجه إعجازه، الداخل إلى حقيقته من مجازه، المطلع على أفانينه، المبدع في تقرير حججه وبراهينه، فإنه اشتمل على بضعة عشر نوعًا:
الأول: بيان مناسبات ترتيب سوره، وحكمة وضع كل سورة منها.
الثاني: بيان أن كل سورة شارحة لما أجمل في السورة التي قبلها.
الثالث: وجه اعتلاق فاتحة الكتاب بخاتمة التي قبلها.
الرابع: مناسبة مطلع السورة للمقصد الذى سيقت له، وذلك براعة الاستهلال.
الخامس: مناسبة أوائل السور لأواخرها.
السادس: مناسبات ترتيب آياته، واعتلاق بعضها ببعض، وارتباطها وتلاحمها وتناسقها.
السابع: بيان أساليبه في البلاغة، وتنويع خطاباته وسياقاته.
الثامن: بيان ما اشتمل عليه من المحسنات البديعية على كثرتها، كالاستعارة، والكناية، والتعريض، والالتفات، والتورية، والاستخدام واللف والنشر، والطباق، والمقابلة، وغير ذلك، والمجاز بأنواعه، وأنواع الإيجاز والإطناب.
التاسع: بيان فواصل الآي، ومناسبتها للآي التي ختمت بها.
العاشر: مناسبة أسماء السور لها.
[الحادي عشر: الألفاظ التي ظاهرها الترادف وبينهما فرق دقيق].
الثاني عشر: بيان وجه اختيار مرادفاته ولم عبّر به دون سائر المرادفات.
الثالث عشر: بيان القراءات المختلفة، مشهورها، وشاذها، وما تضمنته من المعاني والعلوم، فإن ذلك من جملة وجوه إعجازه.
الرابع عشر: بيان وجه تفاوت الآيات المتشابهات في القصص وغيرها؛ بالزيادة والنقص، والتقديم والتأخير، وإبدال لفظة مكان أخرى، ونحو ذلك.
وقد أردت أن أفرد جزءًا لطيفًا في نوع خاص من هذه الأنواع؛ هو مناسبات ترتيب السور؛ ليكون عجالة لمريده، وبغية لمستفيده، وأكثره من نتاج فكري، وولاد نظري؛ لقلة من تكلم في ذلك، أو خاض في هذه المسالك، وما كان فيه لغيري صرحت بعزوه إليه، ولا أذكر منه إلا ما استحسن، ولا انتقاد عليه، وقد كنت أولًا سميته "نتائج الفكر في تناسب السور" لكونه من مستنتجات فكري كما أشرت إليه، ثم عدلت وسميته "تناسق الدرر في تناسب السور"؛ لأنه أنسب بالمسمّى، وأزيد بالجناس.

وبالله تعالى التوفيق، وإياه أسأل حلاوة التحقيق، بمنّه ويمنه). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:33 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

مقدمة في ترتيب السور

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (مقدمة في ترتيب السور:
اختلف العلماء في ترتيب السور، هل هو بتوقيف من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو باجتهاد من الصحابة؟ بعد الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي، والقطع بذلك.
فذهب جماعة إلى الثاني؛ منهم: مالك، والقاضي أبو بكر في أحد قوليه، وجزم به ابن فارس.
ومما استدل به لذلك: اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور، فمنهم من رتبها على النزول، وهو مصحف علي، كان أوله: "اقرأ" ثم البواقي على ترتيب نزول المكي، ثم المدني، ثم كان أول مصحف ابن مسعود "البقرة" ثم "النساء" ثم "آل عمران" على اختلاف شديد، وكذا مصحف أبي بن كعب وغيره، على ما بينته في الإتقان.
وفي المصاحف لابن أشتة بسنده عن عثمان أنه أمرهم أن يتابعوا الطّول.
وذهب جماعة إلى الأول؛ منهم: القاضي أبو بكر في أحد قوليه وخلائق، قال أبو بكر بن الأنباري: أنزل الله القرآن كلّه إلى سماء الدنيا، ثم فرقه في بضع وعشرين سنة، فكانت السورة تنزل لأمر ينزل، والآية جوابًا لمستخبر، ويوقف جبريل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على موضع الآية والسورة، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وكان يعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل ما اجتمع لديه منه، وعرضه -صلى الله عليه وسلم- في السنة التي توفي فيها مرتين، وكذلك قال الطيبي.
وقال ابن الحصار: [ترتيب السور] ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي.
وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم -مرتبًا سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة للحديث الآتي فيها.
ومال ابن عطية إلى أن كثيرًا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته -صلى الله عليه وسلم- كالسبع الطوال، والحواميم، والمفصل، وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوّض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية، ويبقى منها القليل يمكن أن يجرى فيه الخلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"، "رواه مسلم"، وكحديث سعيد بن خالد أنه -صلى الله عليه وسلم- "صلّى بالسبع الطوال في ركعة، وأنه كان يجمع المفصل في ركعة" "أخرجه ابن أبي شيبة". وأنه -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أوى إلى فراشه قرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين" "أخرجه البخاري". وفيه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: "إنهن من العتاق الأول، وهنّ من تلادي".
وقال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من سول الله -صلى الله عليه وسلم- لحديث: "أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل"، "أخرجه أحمد وغيره". قال: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه من هذا الوقت هكذا.
وقال الحافظ ابن حجر: ترتيب معظم السور توقيفي؛ لحديث أحمد وأبي داود عن أوس الثقفي قال: كنت في وفد ثقيف، فقال [لنا] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طرأ عليّ حزبي من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه". قال أوس: فسألنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل، من "ق" حتى نختم.
قال: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الآن كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر من حكيم:
الأول: بحسب الحروف؛ كما في الحواميم، وذوات {الر} .
الثاني: لموافقة آخر السورة لأول ما بعدها؛ كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة.
الثالث: الوزن في اللفظة كآخر {تبّت} وأول "الإخلاص".
الرابع: لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى؛ كـ"الضحى" و {ألم نشرح}.
وقال بعضهم: إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدت في غاية المناسبة لما ختمت به السورة التي قبلها، ثم [هو] يخفى تارة، ويظهر أخرى.
وأخرج ابن أشتة عن ربيعة أنه سئل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما نزلتا بالمدينة؟ فقال: قدمتا، وألّف القرآن على علم ممن ألفه [به ومن كان معه فيه واجتماعهم] على علمهم بذلك، فهذا مما ينتهى إليه، ولا يسأل عنه.
فإن قلت: فما عندك في ذلك؟
قلت: الذي عندي أولًا: تحديد محل الخلاف، وأنه خاص بترتيب سور الأقسام الأربعة، وأما نفس الأقسام الأربعة؛ من تقديم الطوال، ثم المئين، ثم المثاني، ثم المفصل، فهذا ينبغي أن يقطع بأنه توقيفي، وأن يدّعى فيه الإجماع، وإن لم أر من سبقني إلى ذلك؛ وإنما دعاني إلى هذا أمران:
أحدهما: ما تقدم من الأحاديث قريبًا، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الآتي في الأنفال.
والثاني: أن المصاحف التي وقع فيها الاختلاف في الترتيب اتفقت على ذلك؛ فإن مصحف أبي بن كعب وابن مسعود كلاهما قدم فيه الطوال، ثم المثاني، ثم المفصل؛ كمصحف عثمان؛ وإنما اختلفا في ترتيب سور كل قسم كما بينت [ذلك] في الإتقان.
[وهذا دليل قوي في دعوى القطع بأن ذلك توقيفي].
فإذا تحرر ذلك، ونظرنا إلى محل الخلاف، فالمختار عندي في ذلك: ما قاله البيهقي؛ وهو: أن ترتيب كل السور توقيفي، سوى الأنفال وبراءة.
ومما يدل على ذلك ويؤيده: توالي الحواميم، وذوات {الر} والفصل بين المسبحات، وتقديم {طس} على القصص، مفصولًا بها بين النظيرتين [طسم الشعراء، وطسم القصص] في المطلع والطول، وكذلك الفصل بين الانفطار والانشقاق بالمطففين، وهما نظيرتان في المطلع والمقصد، وهما أطول منها، فلولا أنه توقيفي لحكمة لتوالت المسبحات، وأخرت "طس" عن القصص، وأخرت "المطففين" أو قدمت، ولم يفصل بين {الر} و {الر}.

وليس هنا شيء أعارض به سوى اختلاف مصحف أبي وبن مسعود -رضي الله عنهما- ولو كان توقيفيًّا لم يقع فيهما اختلاف، كما لم يقع في [ترتيب] الآيات.
وقد منّ الله عليّ بجواب لذلك نفيس؛ وهو: أن القرآن وقع فيه النسخ كثيرًا للرسم، حتى لسور كاملة، وآيات كثيرة، فلا بدع أن يكون الترتيب العثماني هو الذي استقر في العرضة الأخيرة؛ كالقراءات التي في مصحفه، ولم يبلغ ذلك أبيًّا وابن مسعود -رضي الله عنهما- كما لم يبلغهما نسخ ما وضعاه في مصاحفهما من القراءات التي تخالف المصحف العثماني؛ ولذلك كتب أبي في مصحفه سورة الحفد، والخلع، وهما منسوختان.
فالحاصل أني أقول: ترتيب كل [من] المصاحف بتوقيف، واستقر التوقيف في العرضة الأخيرة على [الترتيب العثماني، كما أن جميع القراءات والمنسوخات] المثبتة في مصاحفهم بتوقيف، واستقر التوقيف في العرضة الأخيرة على القراءات [العثمانية، ورتب أولئك ما كان عندهم] ولم يبلغهم النسخ). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:35 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الفاتحة

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الفاتحة:
افتتح سبحانه كتابه بهذه السورة؛ لأنها جمعت مقاصد القرآن؛ ولذلك كان من أسمائها: أم القرآن، وأم الكتاب، والأساس، فصارت كالعنوان وبراعة الاستهلال.
قال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتاب السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المفصل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة "أخرجه البيهقي في شعب الإيمان".
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله بما هو أهله، وعلى التعبد، والأمر والنهي، وعلى الوعد والوعيد، وآيات القرآن لا تخلو عن هذه الأمور.
[و] قال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر، فقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين} يدل على الإلهيات، وقوله: {مالك يوم الدّين} يدل على نفي الجبر، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وقوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله، وعلى النبوات، فقد اشتملت هذه السورة على المطالب الأربعة، التي هي المقصد الأعظم من القرآن.
وقال البيضاوي: هي مشتملة على الحكم النظرية، والأحكام العملية، التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على مراتب السعداء، ومنازل الأشقياء.
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقده معرفة الله عز وجل وصفاته، وإليها الإشارة بقوله: {ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم} ومعرفة المعاد، وهو المومأ إليه بقوله: [ {مالك يوم الدّين} .
وثانيها: علم الفروع، وأسّه العبادات، وهو المراد بقوله: {إيّاك نعبد} ].
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال، وهو علم الأخلاق، وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقة الاستقامة فيها، وإليه الإشارة بقوله: [ {وإيّاك نستعين، اهدنا الصّراط المستقيم} .
ورابعها: علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية، السعداء منهم والأشقياء، وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم، وهو المراد بقوله:] {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} .
قال: وجميع القرآن تفصيل لما أجملته الفاتحة؛ فإنها بنيت على إجمال ما يحويه القرآن مفصلًا؛ فإنها واقعة في مطلع التنزيل، والبلاغة فيه: أن تتضمن ما سيق الكلام لأجله؛ ولهذا لا ينبغي أن يقيد شيء من كلماتها ما أمكن الحمل على الإطلاق.
وقال الغزالي في "خواص القرآن": مقاصد القرآن ستة: ثلاثة مهمة، وثلاثة تتمة:
الأول: تعريف المدعو إليه، كما أشير إليه بصدرها.
وتعريف الصراط المستقيم، وقد صرح به فيها.

وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى، وهو الآخرة، كما أشير إليه بقوله: {مالك يوم الدّين} .
والأخرى: تعريف أحوال المطيعين، كما أشار إليه بقوله: {الّذين أنعمت عليهم} .
[حكاية أقوال الجاحدين، وقد أشير إليها بـ: {المغضوب عليهم} و {الضّالّين} ].
وتعريف منازل الطريق، كما أشير إليه بقوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} ).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:37 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة البقرة

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة البقرة:
قال بعض الأئمة: تضمنت سورة الفاتحة: الإقرار بالربوبية، والالتجاء إليها في دين الإسلام، والصيانة عن دين اليهود والنصارى.
وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مكملة لمقصودها.
فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم، وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم؛ ولهذا ورد فيها كثير من المتشابه لما تمسك به النصارى.
فأوجب الحج في آل عمران، وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه، وكان خطاب النصارى في آل عمران، كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر؛ لأن التوراة أصل، والإنجيل فرع لها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب؛ ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب به جميع الناس، والسور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين، فخوطبوا بـ: يأهل، الكتاب، يا بني إسرائيل، يأيها الذين آمنوا.
وأما سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس، وهي نوعان: مخلوقة لله، ومقدورة لهم، كالنسب والصهر؛ ولهذا افتتحت بقوله: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها} [ثم] قال: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}.
فانظر إلى هذه المناسبة العجيبة، والافتتاح، وبراعة الاستهلال؛ حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما في أكثر السورة من أحكام؛ من نكاح النساء ومحرماته، والمواريث المتعلقة بالأرحام، وأن ابتداء هذا الأمر بخلق آدم، ثم خلق زوجته منه، ثم بث منهما رجالًا كثيرًا ونساء في غاية الكثرة.
[و] أما المائدة فسورة العقود، [و] تضمنت بيان تمام الشرائع، ومكملات الدين، والوفاء بعهود الرسل، وما أخذ على الأمة، وبها تمّ الدين، فهي سورة التكميل؛ لأن فيها تحريم الصيد على المحرم، الذي هو من تمام الإحرام، وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين، وعقوبة المعتدين من السّرّاق والمحاربين، الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال، وإحلال الطيبات، الذي هو من تمام عبادة الله؛ ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كالوضوء] والتيمم، والحكم بالقرآن على كل ذي دين.
ولهذا كثر فيها لفظ الإكمال والإتمام، وذكر فيها: أن من ارتد عوض الله بخير منه، ولا يزال هذا الدين كاملًا؛ ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إرشادات الختم والتمام. وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب. انتهى.
وقال بعضهم: افتتحت البقرة بقوله: {الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه} فإنه إشارة إلى الصراط المستقيم في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم، قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه، كما أخرج بن جرير وغيره من حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الصراط المستقيم كتاب الله" "وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود موقوفًا".
وهذا معنى حسن يظهر فيه سر ارتباط البقرة بالفاتحة.
وقال الخويي: أوائل هذه السورة مناسبة لأواخر سورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى لما ذكر أن الحامدين طلبوا الهدى، قال: قد أعطيتكم ما طلبتم: هذا الكتاب هدى لكم فاتبعوه، وقد اهتديتم إلى الصراط المستقيم المطلوب المسئول.
ثم إنه ذكر في أوائل هذه السورة الطوائف الثلاث الذين ذكرهم في الفاتحة، فذكر الذين على هدى من ربهم، وهم المنعم عليهم، والذين اشتروا الضلالة بالهدى، وهم الضالون، والذين باءوا بغضب من الله، وهم المغضوب عليهم. انتهى.
[و] أقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوهًا من هذه المناسبات:
أحدها: أن القاعدة التي استقرأتها القرآن: أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له، وإطناب لإيجازه، وقد استمر معي ذلك في غالب سور القرآن، طويلها وقصيرها، وسورة البقرة قد اشتملت على تفصيل جميع مجملات الفاتحة.
فقوله: {الحمد للّه} تفصيله: ما وقع فيها من الأمر بالذكر في عدة آيات، ومن الدعاء في قوله: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} "186" الآية، وفي قوله: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} "286"، وبالشكر في قوله: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} "152".
وقوله: {ربّ العالمين} تفصيله قوله: {اعبدوا ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون، الّذي جعل لكم الأرض فراشًا والسّماء بناءً وأنزل من السّماء ماءً فأخرج به من الثّمرات رزقًا لكم فلا تجعلوا للّه أندادًا وأنتم تعلمون} "21، 22"، وقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سماواتٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ} "29"؛ ولذلك افتتحها بقصة خلق آدم الذي هو مبدأ البشر، وهو أشرف الأنواع من العالمين، وذلك شرح إجمال {ربّ العالمين} .
وقوله: {الرّحمن الرّحيم} قد أومأ إليه بقوله في قصة [توبة] آدم: {فتاب عليكم إنّه هو التّوّاب الرّحيم} "54"، وفي قصة إبراهيم لما سأل الرزق للمؤمنين خاصة [بقوله: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن} "126"]، فقال: {ومن كفر فأمتّعه قليلًا} "126"؛ وذلك لكونه رحمانًا.
وما وقع في قصة بني إسرائيل: {ثمّ عفونا عنكم} "52" إلى أن أعاد الآية بجملتها في قوله: {لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم} "163".
وذكر آية الدّين إرشادًا للطالبين من العباد، ورحمة بهم، ووضع عنهم الخطأ والنسيان والإصر، وما لا طاقة لهم به، وختم بقوله: {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا} "286" وذلك شرح قوله: {الرّحمن الرّحيم}.
وقوله: {مالك يوم الدّين} "الفاتحة: " تفصيله: ما وقع من ذكر يوم القيامة في عدة مواضع؛ ومنها قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} "284". والدين [في الفاتحة] : الحساب [في البقرة] .
وقوله: {إيّاك نعبد} مجمل شامل لجميع أنواع الشريعة الفروعية، وقد فصلت في البقرة أبلغ تفصيل، فذكر فيها: الطهارة، والحيض، والصلاة، والاستقبال، وطهارة المكان، والجماعة، وصلاة الخوف، وصلاة الجمع، والعيد، والزكاة بأنواعها؛ كالنبات، والمعادن، والاعتكاف، والصوم، وأنواع الصدقات، والبر، والحج، والعمرة، والبيع، والإجارة، والميراث، والوصية، والوديعة، والنكاح، والصداق، والطلاق، والخلع، والرجعة، والإيلاء، والعدّة، والرضاع، والنفقات، والقصاص، والديات، وقتال البغاة، والردة، والأشربة، والجهاد، والأطعمة، والذبائح، والأيمان، والنذور، والقضاء، والشهادات، والعتق.
فهذه أبواب الشريعة كلها مذكورة في هذه السورة.
وقوله: {وإيّاك نستعين} شامل لعلم الأخلاق. وقد ذكر منها في هذه السورة الجم الغفير؛ من التوبة، والصبر، والشكر، والرضا، والتفويض، والذكر، والمراقبة، والخوف، وإلانة القول.
وقوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخره. تفصيله: ما وقع في السورة من ذكر طريق الأنبياء، ومن حاد عنهم من النصارى؛ ولهذا ذكر في الكعبة أنها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم عليهم، وقد حاد عنها اليهود والنصارى معًا؛ ولذلك قال في قصتها: {يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} "142"، تنبيهًا على أنها الصراط الذي سألوا الهداية إليه.
ثم ذكر: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} "145"، وهم المغضوب عليهم والضالون الذين حادوا عن طريقهم. ثم أخبر بهداية الذين آمنوا إلى طريقهم. ثم قال: {واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} "213". فكانت هاتان الآيتان تفصيل إجمال: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخر السورة.
وأيضًا قوله أول السورة: {هدىً للمتّقين} "2" إلى آخره في وصف الكتاب، إخبار بأن الصراط الذي سألوا الهداية إليه هو: ما تضمنه الكتاب؛ وإنما يكون هداية لمن اتصف بما ذكر [من صفات المتقين] . ثم ذكر أحوال الكفرة، ثم أحوال المنافقين، وهم من اليهود، وذلك [أيضًا] تفصيل لمن حاد عن الصراط المستقيم، ولم يهتد بالكتاب.
وكذلك قوله هنا: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} "136" الآية، فيه تفصيل النبيين المنعم عليهم. وقال في آخرها: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم} "136" تعريفًا بالمغضوب عليهم والضالين الذين فرقوا بين الأنبياء؛ ولذلك عقبها بقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} "137" أي: إلى الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم كما اهتديتم.
فهذا ما ظهر لي، والله أعلم بأسرار كتابه.
الوجه الثاني: أن الحديث والإجماع على تفسير {المغضوب عليهم} باليهود، والضالين بالنصارى، وقد ذكروا في سورة الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزمان، فعقب بسورة البقرة، وجميع ما فيها [من] خطاب أهل الكتاب لليهود خاصة، وما وقع فيها من ذكر النصارى لم يقع بذكر الخطاب.
ثم بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنصارى؛ فإن ثمانين آية من أولها نازلة في وفد نصارى نجران، كما ورد في سبب نزولها، وختمت بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه} "آل عمران: 199"، وهي في النجاشي وأصحابه من مؤمني النصارى، كما ورد به الحديث. وهذا وجه بديع في ترتيب السورتين؛ كأنه لما ذكر في الفاتحة الفريقين، قص في كل سورة مما بعدها حال كل فريق على الترتيب الواقع فيها؛ ولهذا كان صدر سورة النساء في ذكر اليهود، وآخرها في ذكر النصارى.
والوجه الثالث: أن سورة البقرة أجمع سور القرآن للأحكام والأمثال؛ ولهذا سميت في أثر: "فسطاط القرآن"، الذي هو: المدينة الجامعة، فناسب تقديمها على جميع سوره.
الوجه الرابع: أنها أطول سورة في القرآن، وقد افتتح بالسبع الطوال، فناسب البداءة بأطولها.
الوجه الخامس: أنها أول سورة نزلت بالمدينة، فناسب الابتداء بها؛ فإن للأولية نوعًا من الأولوية.
الوجه السادس: أن سورة الفاتحة لما ختمت بالدعاء للمؤمنين بألا يسلك بهم طريق المغضوب عليهم ولا الضالين إجمالًا، وختمت سورة البقرة بالدعاء بألا يسلك بهم طريقهم في المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وحمل الإصر، وما لا طاقة لهم به تفصيلًا، وتضمن آخرها أيضًا الإشارة إلى طريق المغضوب عليهم والضالين بقوله: {لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} "285" فتآخت السورتان وتشابهتا في المقطع، وذلك من وجوه المناسبة في التتالي والتناسق. وقد ورد في الحديث التأمين في آخر سورة البقرة كما هو مشروع في آخر الفاتحة، فهذه ستة وجوه ظهرت لي، ولله الحمد والمنة). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:39 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة آل عمران

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة آل عمران:
قد تقدم ما يؤخذ منه مناسبة وضعها.
وقال الإمام: لما كانت هذه السورة قرينة سورة البقرة، وكالمكملة لها، افتتحت بتقرير ما افتتحت به تلك، وصرح في منطوق مطلعها بما طوي في مفهوم [مطلع] تلك.
وأقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوه من المناسبات:
أحدها: مراعاة القاعدة التي قررتها، من شرح كل سورة لإجمال ما في السورة قبلها، وذلك هنا في عدة مواضع:
منها: ما أشار إليه الإمام، فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه. وقال في آل عمران: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} "13"، وذلك بسط وإطناب؛ لنفي الريب عنه.
ومنها: أنه ذكر في البقرة إنزال الكتاب مجملًا، وقسّمه هنا إلى آيات محكمات، ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وما أنزل من قبلك} "البقرة: " [مجملًا]، وقال هنا: {وأنزل التّوراة والإنجيل، من قبل هدًى للنّاس} "3، 4" مفصلًا. وصرح بذكر الإنجيل هنا؛ لأن السورة خطاب للنصارى، ولم يقع التصريح به في سورة البقرة بطولها؛ وإنما صرح فيها بذكر التوراة خاصة؛ لأنها خطاب لليهود.
ومنها: أن ذكر القتال وقع في سورة البقرة مجملًا بقوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} "190، 244" [وقوله] : {كتب عليكم القتال} "البقرة: 216"، وفصلت هنا قصة أحد بكمالها.
ومنها: أنه أوجز في البقرة ذكر المقتولين في سبيل الله بقوله: {أحياءٌ ولكن لا تشعرون} "البقرة: 154" وزاد هنا: {عند ربّهم يرزقون، فرحين بما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} "169، 170" الآيتين، وذلك إطناب عظيم.
ومنها: أنه قال في البقرة: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} "البقرة: 247". وقال هنا: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ} "26"، فزاد إطنابًا وتفصيلًا.
ومنها: أنه حذر من الرباء في البقرة، ولم يزد على لفظ الربا إيجازًا وزاد هنا قوله: {أضعافًا مضاعفة} "130"، وذلك بيان وبسط.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وأتمّوا الحجّ} "البقرة: 196"، وذلك إنما يدل على الوجوب إجمالًا، وفصله هنا بقوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت} "97". وزاد: بيان شرط الوجوب بقوله: {من استطاع إليه سبيلًا} "97". ثم زاد: تكفير من جحد وجوبه بقوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين} "97".
ومنها: أنه قال في البقرة في أهل الكتاب: {ثمّ تولّيتم إلّا قليلًا منكم} "البقرة: 83". فأجمل القليل، وفصله هنا بقوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} "113، 114" الآيتين.
ومنها: أنه قال في البقرة: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} "البقرة: 139". فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضًا لا تصريحًا، وكذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} "البقرة: 143" في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم بلفظ فيه يسير إبهام، وأتى في هذه [السورة] بصريح البيان فقال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}"110". فقوله: {كنتم} أصرح في قدم ذلك من {جعلناكم} ثم زاد [بيان] وجه الخيرية بقوله: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه} "110".
ومنها: أنه قال في البقرة: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} "البقرة: 188" الآية. وبسط الوعيد هنا بقوله: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} "77" الآية، وصدره بقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} "75".
فهذه عدة مواضع وقعت في البقرة مجملة، وفي آل عمران تفصيلها.
الوجه الثاني: أن بين هذه السورة وسورة البقرة اتحادًا وتلاحمًا متأكدًا؛ لما تقدم من أن البقرة بمنزلة إزالة الشبهة؛ ولهذا تكرر هنا ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب: من إنزال الكتاب، وتصديقه للكتب قبله، والهدى إلى الصراط المستقيم. وتكررت هنا آية: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل} "البقرة: 136" بكمالها؛ ولذلك أيضًا ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك، أو لازم في تلك، أو لازم له.
فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده، وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم؛ حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ وهو عيسى عليه السلام؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فمختصة بالإعراب [والبيان] .
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم؛ لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم في قوله: {كمثل آدم} "59" الآية، والمقيس عليه لا بدّ وأن يكون معلومًا؛ لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم.
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: {أعدّت للكافرين} "البقرة: 24"، ولم يقل في الجنة: أعدت للمتقين، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معًا، وقال ذلك في آل عمران في قوله: {وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} "133"، فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة.
وبذلك يعرف أن تقديم آل عمران على النساء أنسب من تقديم النساء عليها.
وأمر آخر استقرأته؛ وهو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد. وفي السورة المستقلة عما بعدها يكون آخر السورة نفسها مناسب لأولها، وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} "200".
وافتتحت البقرة بقوله: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} "البقرة: 4"، وختمت آل عمران بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} "199"، فلله الحمد على ما ألهم.
وقد ورد أنه لما نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} "البقرة: 245"، قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض، فنزل قوله: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} "181"، فذلك أيضًا من تلازم السورتين.
ووقع في البقرة حكاية عن إبراهيم: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك} "البقرة: 129" الآية، ونزل في هذه: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم} "164"، وذلك أيضًا من تلازم السورتين). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-01, 06:41 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة النساء
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النساء:
قد تقدم وجه مناسبتها.
وأقول: هذه السورة أيضًا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة.
فمنها: أنه أجمل في البقرة قوله: {اعبدوا ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} "البقرة: 21"، وزاد هنا: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً} "1".
وانظر لما كانت آية التقوى في سورة البقرة غاية، جعلها في أول هذه السورة التالية لها مبدأ.
ومنها: أنه أجمل في سورة البقرة: {اسكن أنت وزوجك الجنّة} "البقرة: 35"، وبين هنا أن زوجته خلقت منه في قوله: {وخلق منها زوجها} "1".
ومنها: أنه أجمل في البقرة آية اليتامى، وآية الوصية، والميراث، والوارث، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} "البقرة: 233"، وفصل ذلك في هذه السورة أبلغ تفصيل.
و [منها أنه] فصل هنا من الأنكحة ما أجمله هناك.
ومنها: أنه قال في البقرة: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ} "البقرة: 221" فذكر نكاح الأمة إجمالًا، وفصل هنا شروطه.
ومنها: أنه ذكر الصداق في البقرة مجملًا بقوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} "البقرة: 299"، وشرحه هنا مفصلًا.
ومنها: أنه ذكر هناك الخلع، وذكر هنا أسبابه ودواعيه؛ من النشوز وما يترتب عليه، وبعث الحكمين.
ومنها: أنه فصل هنا من أحكام المجاهدين، وتفصيلهم درجات، والهجرة، ما وقع هناك مجملًا، أو مرموزًا.
وفيها من الاعتلاق بسورة الفاتحة: تفسير: {الّذين أنعمت عليهم} في قوله: {من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين}"69".
وأما وجه اعتلاقها بآل عمران فمن وجوه:
منها: أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى، وافتتحت هذه السورة به، وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور، وهو نوع من [أنواع] البديع يسمى: تشابه الأطراف.
ومنها: أن سورة آل عمران ذكر فيها قصة أحد مستوفاة، وذكر في هذه السورة ذيلها، وهو قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} "88"؛ فإنها نزلت لما اختلف الصحابة فيمن رجع من المنافقين من غزوة أحد، كما في الحديث.
ومنها: أن في آل عمران ذكرت الغزوة التي بعد أحد بقوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} "آل عمران: 172"، وأشير إليها هنا بقوله: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون} "104" الآية.
وبهذين الوجهين عرف أن تأخير النساء عن آل عمران أنسب من تقديمها عليها في مصحف ابن مسعود؛ لأن المذكور هنا ذيل ما في آل عمران وتابعه ولاحقه، فكانت بالتأخير أنسب.
ومنها: أنه [لما] ذكر في آل عمران قصة خلق عيسى بلا أب، وأقيمت له الحجة بآدم، وفي ذلك تبرئة لأمه، خلافًا لما زعم اليهود، وتقريرًا لعبوديته، خلافًا لما ادعته النصارى، وذكر في هذه السورة الرد على الفريقين معًا؛ فرد على اليهود بقوله: {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} "156"، وعلى النصارى بقوله: {لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلّا الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} إلى قوله: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه} "171، 172".
ومنها: أنه لما ذكر في آل عمران: {إنّي متوفّيك ورافعك إليّ} "آل عمران: 55"، ورد هنا على من زعم قتله بقوله: {وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلّا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينًا، بل رفعه اللّه} "157، 158".
ومنها: أنه لما قال في آل عمران في المتشابه: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} "آل عمران: 7"، قال هنا: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك} "162" الآية.
ومنها: أنه لما قال في آل عمران: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا} "آل عمران: 14" الآية.
فصل هذه الأشياء في السورة التي بعدها على نسق ما وقعت في الآية؛ ليعلم ما أحل الله من ذلك فيقتصر عليه، وما حرم فلا يتعدى إليه؛ لميل النفس إليه.
ففصل في هذه السورة أحكام النساء ومباحاتها للابتداء بها في الآية السابقة في آل عمران، ولم يحتج إلى تفصيل البنين؛ لأن الأولاد أمر لازم [للإنسان] لا يترك منه شيء كما يترك من النساء، فليس فيهم مباح فيحتاج إلى بيانه، ومع ذلك أشير إليهم في قوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولًا سديدًا}"9".
ثم فصل في سورة المائدة أحكام السراق، وقطاع الطريق، لتعلقهم بالذهب والفضة الواقعين في الآية بعد النساء والبنين. ووقع في سورة النساء إشارة إلى ذلك في قسمة المواريث.
ثم فصل في سورة الأنعام أمر الحيوان والحرث، وهو بقية المذكور في آية آل عمران. فالنظر إلى هذه اللطيفة التي منّ الله بإلهامها!
ثم ظهر لي أن سورة النساء فصل فيها ذكر البنين أيضًا؛ لأنه لما أخبر بحب الناس لهم، وكان من ذلك: إيثارهم على البنات في الميراث، وتخصيصهم به دونهن، تولى قسمة المواريث بنفسه، فقال: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين}"11"، وقال: {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ} "7". فرد على ما كانوا يصنعون من تخصيص البنين بالميراث؛ لحبهم إياهم، فكان ذلك تفصيلًا لما يحل ويحرم من إيثار البنين، اللازم عن الحب، وفي ضمن ذلك تفصيل لما يحل للذكر أخذه من الذهب والفضة وما يحرم.
ومن الوجوه المناسبة لتقدم آل عمران على النساء: اشتراكها مع البقرة في الافتتاح بإنزال الكتاب، وفي الافتتاح بـ {الم} وسائر السور المفتتحة بالحروف المقطعة كلها مقترنة؛ كيونس وتواليها، ومريم وطه، والطواسين، و {الم} العنكبوت وتواليها، والحواميم، وفي ذلك أول دليل على اعتبار المناسبة في الترتيب بأوائل السور.
ولم يفرق بين السورتين من ذلك بما ليس مبدوءًا به سوى بين الأعراف ويونس اجتهادًا لا توقيفًا [كما سيأتي]، والفصل بالزمر بين {حم} غافر و {ص} وسيأتي.
ومن الوجوه في ذلك أيضًا: اشتراكهما في التسمية بالزهراوين في حديث: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"، فكان افتتاح القرآن بهما نظير اختتامه بسورتي الفلق والناس، المشتركتين في التسمية بالمعوذتين). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 07:59 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة المائدة

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة المائدة:
وقد تقدّم وجه في مناسبتها.
وأقول: هذه السورة أيضًا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة؛ فإن آية الأطعمة والذبائح فيها أبسط منها في البقرة، وكذا ما حرمه الكفار تبعًا لآبائهم في البقرة موجز، وفي هذه السورة مطنب أبلغ إطناب في قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ... } "103، 104".
وفي البقرة ذكر القصاص في القتلى، وهنا ذكر أول من سن القتل، والسبب الذي لأجله وقع، وقال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعًا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا} "32"، وذلك أبسط من قوله [في البقرة] : {ولكم في القصاص حياة} "البقرة: 179".
وفي البقرة: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} "البقرة: 58"، وذكرت قصتها [هنا مطولة. وذكر في البقرة من ارتد مقتصرًا عليه، وقال] هنا: {فسوف يأتي اللّه بقومٍ يحبّهم ويحبّونه} "54".
وفي البقرة قصة الأيمان موجزة، وزاد هنا بسطًا بذكر الكفارة.
وفي البقرة قال في الخمر والميسر: {فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} "البقرة: 219". وزاد في هذه السورة ذمها، وصرح بتحريمها.
وفيها من الاعتلاق بسورة الفاتحة: بيان المغضوب عليهم والضالين في قوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه} "60" الآية. وقوله: {قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل} "77".
وأما اعتلاقها بسورة النساء، فقد ظهر لي فيه وجه بديع جدًّا؛ وذلك أن سورة النساء اشتملت على عدة عقود صريحًا وضمنًا، فالصريح: عقود الأنكحة، وعقد الصداق، وعقد الحلف، في قوله: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} "النساء: 33". وعقد الأيمان في هذه الآية، وبعد ذلك عقد المعاهدة والأمان في قوله: {إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} "النساء: 90"، وقوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ} "النساء: 92".
والضمني: عقد الوصية، والوديعة، والوكالة، والعارية، والإجارة، وغير ذلك من الداخل في عموم قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} "النساء: 58"، فناسب أن يعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود، فكأنه قيل: {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود} "1" التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت، فكان ذلك غاية في التلاحم والتناسب والارتباط.
ووجه آخر في تقديم سورة النساء، وتأخير سورة المائدة؛ وهو: أن تلك أولها: {يا أيّها النّاس} "النساء: 1"، وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهو أشبه بخطاب [الكفار وتنزيل] المكي، [وهذه أولها: {يا أيّها الّذين آمنوا} "1" وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهو أشبه بخطاب المدني] وتقديم العام وشبه المكي أنسب.
ثم إن هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران، فتلكما في تقرير الأصول؛ من الوحدانية، والكتاب، والنبوة، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.
وقد ختمت المائدة بصفة القدرة، كما افتتحت النساء بذلك.
وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء، فكأنهما سورة واحدة، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى.
ولما وقع في سورة النساء: {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس} "النساء: 105" الآيات، وكانت نازلة في قصة سارق سرق درعًا، فصل في سورة المائدة أحكام السراق والخائنين.
ولما ذكر في سورة النساء أنه أنزل إليك الكتاب لتحكم بين الناس، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله حتى بين الكفار، وكرر قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه} "44، 45، 46".
فانظر إلى هذه السور الأربع المدنيات، وحسن ترتيبها، وتلاحمها، وتناسقها، وتلازمها.
وقد افتتحت البقرة التي هي أول ما نزل في المدينة، وختمت بالمائدة التي هي آخر ما نزل بها، كما في حديث الترمذي). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 08:01 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الأنعام
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنعام:
قال بعضهم: مناسبة هذه السورة لآخر المائدة: أنها افتتحت بالحمد، وتلك ختمت بفصل القضاء، وهما متلازمتان كما قال: {وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين} "الزمر: 75".
و [أقول] قد ظهر لي بفضل الله مع ما قدمت الإشارة إليه في آية {زيّن للنّاس}: أنه لما ذكر في آخر المائدة: {للّه ملك السّماوات والأرض وما فيهنّ} "المائدة: 120" على سبيل الإجمال، افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله.
فبدأ بذكر: أنه خلق السماوات والأرض، وضم إليه أنه جعل الظلمات والنور، وهو بعض ما تضمنه قوله: {وما فيهنّ} في آخر المائدة، وضمّن قوله: {الحمد للّه} [أول الأنعام] أن له ملك جميع المحامد، وهو من بسط [جميع]: {للّه ملك السّماوات والأرض وما فيهنّ} [في آخر المائدة] .
ثم ذكر: أنه خلق النوع الإنساني، وقضى له أجلًا مسمى، وجعل له أجلًا آخر للبعث، وأنه منشئ القرون قرنًا بعد قرن، ثم قال: {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل للّه} "12"، فأثبت له ملك جميع المنظورات، ثم قال: {وله ما سكن في اللّيل والنّهار} "13"، فأثبت له ملك جميع المظروفات في الزمان، ثم ذكر أنه خلق سائر الحيوان، من الدواب والطير، ثم خلق النوم واليقظة، والموت والحياة، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الخلق والإنشاء لما فيهن من النيرين، والنجوم، وفلق الإصباح، وخلق الحب والنوى، وإنزال الماء، وإخراج النبات والثمار بأنواعها، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات، والأنعام، ومنها حمولة وفرش، وكل ذلك تفصيل لملكه ما فيهن، وهذه مناسبة جليلة.
ولما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك، أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والملكوتي، والملكي والشيطاني، والحيواني والنباتي، وما تضمنته من الوصايا، فكلها متعلقة بالمعاش والقوام الدنيوي، ثم أشار إلى أشراط الساعة [والبعث].
فقد جمعت هذه السورة جميع المخلوقات بأسرها، وما يتعلق بها، وما يرجع إليها، فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها، وتقديمها على ما تقدم نزوله منها.
وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية نظير سورة البقرة في جمعها [الأصول و] العلوم والمصالح الدينية، وما ذكر فيها من العبادات المحضة، فعلى وجه الاختصار والإيماء؛ كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه، فإنه على وجه الإيجاز والإشارة.
فإن قلت: فلم لا أفتتح القرآن بهذه السورة مقدّمة على سورة البقرة؛ لأن بدء الخلق سابق على الأحكام والتعبدات؟!
قلت: للإشارة إلى أن مصالح الدين والآخرة مقدّمة على مصالح المعاش والدنيا، ولأن المقصود [من الخلق] إنما هو العبادة، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة، وعلم الأحكام والتكاليف متعين على كل واحد؛ فلذلك لا ينبغي النظر في علم بدء الخلق وما جرى مجراه من التواريخ إلا بعد النظر في علم الأحكام وإتقانه.
ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر -أتقن مما تقدم- وهو: أنه لما ذكر في سورة المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} "المائدة: 87" إلى آخره [ثم ذكر بعده: {ما جعل اللّه من بحيرة} "المائدة: 103" إلى آخره] فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء مما رزقهم الله افتراء عليه، وكان القصد بذلك تحذير المؤمنين أن يحرّموا شيئًا مما أحل الله، فيشابهوا بذلك الكفار في صنيعهم، وكان ذكر ذلك على سبيل الإيجاز، ساق هذه السورة لبيان ما حرمه الكفار في صنيعهم، فأتى به على الوجه الأبين والنمط الأكمل، ثم جادلهم فيه، وأقام الدلائل على بطلانه، وعارضهم وناقضهم، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه القصة، فكانت هذه السورة شرحًا لما تضمنته المائدة من ذلك على سبيل الإجمال، وتفصيلًا وبسطًا، وإتمامًا وإطنابًا.
وافتتحت بذكر الخلق والملك؛ لأن الخالق والمالك هو الذي له التصرف في ملكه ومخلوقاته إباحة ومنعًا، وتحريمًا وتحليلًا، فيجب ألا يتعدى عليه بالتصرف في ملكه.
وكانت هذه السورة بأسرها متعلقة بالفاتحة من وجه كونها شارحة لإجمال قوله: {ربّ العالمين} وبالبقرة من حيث شرحها لإجمال قوله: {الّذي خلقكم والّذين من قبلكم} "البقرة: 21"، وقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} "البقرة: 29"، وبآل عمران من جهة تفصيلها لقوله: {والأنعام والحرث} "آل عمران: 14"، وقوله: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} "آل عمران: 185" الآية.
وبالنساء من جهة ما فيها من بدء الخلق، والتقبيح لما حرموه على أزواجهم، وقتل البنات بالوأد.
وبالمائدة من حيث اشتمالها على الأطعمة بأنواعها.
وفي افتتاح السور المكية بها وجهان آخران من المناسبة.
الأول: افتتاحها بالحمد.
والثاني: مشابهتها للبقرة، المفتتح بها السور المدنية، من حيث أن كلًّا منهما نزل مشيعًا. ففي حديث أحمد: "البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا"، وروى الطبراني وغيره من طرق: "أن الأنعام شيعها سبعون ألف ملك"، وفي رواية: "خمسمائة ملك".
ووجه آخر؛ وهو: أن كل ربع من القرآن افتتح بسورة أولها الحمد. [فأول القرآن سورة {الحمد} ]، وهذه للربع الثاني، والكهف للربع الثالث، وسبأ وفاطر للربع الرابع.
وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة إلى أسرار القرآن كنقطة من بحر.
ولما كانت هذه السورة لبيان بدء الخلق، ذكر فيها ما وقع عند بدء الخلق؛ وهو قوله: {كتب على نفسه الرّحمة} "12"، ففي الصحيح: "لما فرغ الله من الخلق، وقضى القضية، كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي"). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 08:02 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الأعراف

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأعراف:
أقول: مناسبة وضع هذه السورة عقب سورة الأنعام فيما ألهمني الله سبحانه: أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق، وقال فيها: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} "الأنعام: 2"، وقال في بيان القرون: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ} "الأنعام: 6"، وأشير فيها إلى ذكر المرسلين، وتعداد كثير منهم، وكانت الأمور الثلاثة على وجه الإجمال لا التفصيل، ذكرت هذه السورة عقبها؛ لأنها مشتملة على شرح الأمور الثلاثة وتفصيلها.
فبسط فيها قصة خلق آدم أبلغ بسط؛ بحيث لم تبسط في سورة كما بسطت فيها، وذلك تفصيل إجمال قوله: {خلقكم من طينٍ} "الأنعام: 2"، ثم فصلت قصص المرسلين وأممهم، وكيفية إهلاكهم تفصيلًا تامًّا شافيًا مستوعبًا، لم يقع نظيره في سورة غيرها، وذلك بسط حال القرون المهلكة ورسلهم، فكانت هذه السورة شرحًا لتلك الآيات الثلاث.
وأيضًا فذلك تفصيل قوله: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض} "الأنعام: 6"؛ ولهذا صدّر هذه السورة بخلق آدم الذي جعله الله في الأرض خليفة. وقال في قصة عاد: {جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ} "69".
وفي قصة ثمود: {جعلكم خلفاء من بعد عادٍ} "74".
وأيضًا فقد قال في الأنعام: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} "الأنعام: 54" وهو موجز، وبسطه هنا بقوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} "156" إلى آخره، فبيّن من كتبها لهم.
وأما وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر الأنعام فهو: أنه قد تقدم هناك: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه} "الأنعام: 153"، وقوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه} "الأنعام: 155"، فافتتح هذه السورة أيضًا [بالأمر] باتباع الكتاب في قوله: {كتابٌ أنزل إليك} إلى [قوله] {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم} "2، 3".
وأيضًا لما تقدم في الأنعام: {ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون} "الأنعام: 159"، {ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون} "الأنعام: 164"، قال في مفتتح هذه السورة: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين، فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ} "6، 7"، وذلك شرح التنبئة المذكورة.
وأيضًا فلما قال في الأنعام: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} "الأنعام: 160" الآية، وذلك لا يظهر إلا في الميزان، افتتح هذة السورة بذكر الوزن، فقال: {والوزن يومئذٍ الحق} "8". ثم ذكر من ثقلت موازينه، وهو من زادت حسناته على سيئاته، ثم من خفت موازينه، وهو من زادت سيئاته على حسناته، ثم ذكر بعد ذلك أصحاب الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 08:04 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الأنفال

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنفال:
اعلم أن وضع هذه السورة وبراءة ليس بتوقيف من الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، كما هو الراجح في سائر السور؛ بل اجتهاد من عثمان رضي الله عنه.
وقد كان يظهر في بادئ الرأي: أن المناسب إيلاء الأعراف بيونس وهود؛ لاشتراك كل [منهما] في اشتمالها على قصص الأنبياء، وأنها مكية النزول، خصوصًا أن الحديث ورد في فضل السبع الطوال، وعدوا السابعة يونس، وكانت تسمى بذلك كما أخرجه البيهقي في الدلائل. ففي فصلها من الأعراف بسورتين هما الأنفال وبراءة فصل للنظير من سائر نظائره، هذا مع قصر سورة الأنفال بالنسبة إلى الأعراف وبراءة.
وقد استشكل ذلك قديمًا حبر الأمة ابن عباس، فأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل [بالمدينة]، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال.
فانظر إلى بن عباس -رضي الله عنهما- كيف استشكل على عثمان -رضي الله عنه- أمرين: وضع الأنفال وهي قصيرة مع السور الطويلة، ووضعها هي وبراءة في أثناء السبع الطوال، مفصولًا بهما بين السادسة والسابعة، وانظر كيف أجاب عثمان -رضي الله عنه- أولًا بأنه لم يكن عنده في ذلك توقيف، فإنه استند إلى اجتهاد، وأنه قرن بين الأنفال وبراءة لكونها شبيهة بقصتها في اشتمال كل منهما على [الأمر] القتال، ونبذ العهود، وهذا وجه بيّن المناسبة جلي، فرضي الله عن الصحابة، ما أدق أفهامهم! وأجزل آراءهم! وأعظم أحلامهم!
وأقول: يتم بيان مقصد عثمان -رضي الله عنه- في ذلك بأمور فتح الله بها:
الأول: أنه جعل الأنفال قبل براءة مع قصرها؛ لكونها مشتملة على البسملة، فقدمها لتكون كقطعة منها، وتكون براءة بخلوها منها كتتمتها وبقيتها؛ ولهذا قال جماعة من السلف: إن الأنفال وبراءة سورة واحدة، لا سورتان.
الثاني: أنه وضع براءة هنا لمناسبة الطوال؛ فإنه ليس في القرآن بعد الأعراف أنسب ليونس طولًا منها، وذلك كافٍ في المناسبة.
الثالث: أنه خلّل بالسورتين [الأنفال وبراءة] أثناء السبع الطوال المعلوم ترتيبها في العصر الأول؛ للإشارة إلى أن ذلك أمر صادر لا عن توقيف، وإلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبض قبل أن يبين محلهما، فوضعا [هنا] كالموضع المستعار بين السبع الطوال، بخلاف ما لو وضعتا بعد السبع الطوال، فإنه كان يوهم أن ذلك محلهما بتوقيف، وترتيب السبع الطوال يرشد إلى دفع هذا الوهم.
فانظر إلى هذه الدقيقة التي فتح الله بها، ولا يغوص عليها إلا غواص.
الرابع: أنه لو أخرهما وقدم يونس، وأتى بعد براءة بهود -كما في مصحف أبي بن كعب- لمراعاة مناسبة السبع الطوال، وإيلاء بعضها بعضًا، لفات مع ما أشرنا إليه أمر آخر آكد في المناسبة، فإن الأولى بسورة يونس أن تولى بالسور الخمس التي بعدها، لما اشتركت فيه من الاشتمال على القصص، ومن الافتتاح بـ {الر}، وبذكر الكتاب، ومن كونها مكيات، ومن تناسب، ما عدا الحجر في المقدار، وبالتسمية باسم نبي، والرعد اسم ملك، وهو مناسب لأسماء الأنبياء.
فهذه ستة وجوه في مناسبة الاتصال بين يونس وما بعدها، وهي آكد من ذلك الوجه الواحد في تقديم يونس بعد الأعراف.
ولبعض هذه الأمور قدمت سورة الحجر على النحل، مع كونها أقصر منها، ولو أخرت براءة عن هذه السور الست [لبعدت] المناسبة جدًّا لطولها بعد عدة سور أقصر منها بخلاف وضع سورة النحل بعد الحجر؛ فإنها ليست كبراءة في الطول.
ويشهد لمراعاة الفواتح في مناسبة الوضع ما ذكرنا من تقديم الحجر على النحل لمناسبة ذوات {الر} قبلها، وما تقدم من تقديم آل عمران على النساء وإن كانت أقصر منها لمناسبة البقرة في الافتتاح بـ {الم} وتوالي الطواسين والحواميم، وتوالي العنكبوت والروم ولقمان والسجدة، لافتتاح كل بـ {الم} ولهذا قدمت السجدة على الأحزاب التي هي أطول منها.
هذا ما فتح الله به.
وأما ابن مسعود فقدم في مصحفه البقرة على: النساء، وآل عمران، والأعراف، والأنعام، والمائدة، ويونس، فراعى [السبع] الطوال، وقدم الأطول فالأطول، ثم ثنى بالمئين، فقدم براءة، ثم النحل، ثم هود، ثم يوسف، ثم الكهف، وهكذا الأطول فالأطول، وذكر الأنفال بعد النور.
ووجه مناسبتها لها: أن كلا منهما مدنية، ومشتملة على أحكام، وأن في النور {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم} "النور: 55" الآية. وفي الأنفال: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون} "26" الآية. ولا يخفى ما بين الآيتين من المناسبة؛ فإن الأولى مشتملة على الوعد بما حصل، وذكّر به في الثانية، فتأمل).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 08:06 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة براءة

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة براءة:
أقول: قد عرف وجه مناسبتها، ونزيد هنا أن صدرها تفصيل لإجمال قوله في الأنفال: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ} "الأنفال: 58" الآية، وآيات الأمر بالقتال متصلة بقوله هناك: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} "الأنفال: 60"؛ ولذا قال هنا في قصة المنافقين: {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً} "46".
ثم بين السورتين تناسب من وجه آخر؛ وهو: أنه سبحانه في الأنفال تولى قسمة الغنائم، وجعل خمسها خمسة أخماس، وفي براءة تولى قسمة الصدقات، وجعلها لثمانية أصناف). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-03, 08:08 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة يونس

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة يونس:
أقول: قد عرف وجه مناسبتها فيما تقدم في الأنفال، ونزيد هنا: أن مطلعها شبيه بمطلع سورة الأعراف؛ فإنه سبحانه قال فيها: {أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا} "2" فقدم الإنذار وعممه، وآخّر البشارة وخصصها، وقال تعالى في مطلع الأعراف: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين} "الأعراف: 2" فخص الذكر وأخّرها، وقدم الإنذار، وحذف مفعوله ليعم.
وقال هنا: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} "3"، وقال في أوائل الأعراف مثل ذلك.
وقال هنا: {يدبّر الأمر} "3". وقال هناك: {مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر} "الأعراف: 54".
وأيضًا فقد ذكرت قصة فرعون وقومه في الأعراف، واختصر ذكر إغراقهم، وبسط في هذه السورة أبلغ بسط.
فهي شارحة لما أجمل في سورة الأعراف منه). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:04 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة هود
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة هود:
أقول: وجه وضعها بعد سورة يونس زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن سورة يونس ذكر فيها قصة نوح مختصرة جدًّا مجملة، فشرحت في هذه السورة وبسطت ما لم يبسطه في غيرها من السور، ولا في سورة الأعراف على طولها، ولا في سورة {إنّا أرسلنا نوحًا} [نوح: 1] التي أفردت لقصته.
فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في سورة يونس [توفية بالقاعدة، ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمقطع سورة يونس]، فإن قوله هناك: {واتّبع ما يوحى إليك} "يونس: 109" هو عين قوله هنا: {كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} "2").[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:06 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة يوسف
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة يوسف:
أقول: وجه وضعها بعد سورة هود زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن قوله في مطلعها: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص} "3" مناسب لقوله في مقطع تلك: {وكلًّا نقصّ عليك من أنباء الرّسل ما نثبّت به فؤادك} "هود: 120".
وأيضًا فلما وقع في سورة هود: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} "هود: 71"، وقوله: {رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} "هود: 73". وذكر هنا حال يعقوب مع أولاده، وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته، فكان كالشرح لإجمال ذلك.
وكذلك قال هنا: {ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} "6" فكان ذلك كالمقترن بقوله في هود: {رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} "هود: 73".
وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول: أن يونس نزلت، ثم هود، ثم يوسف. وهذا وجه آخر من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث؛ لترتيبها في النزول هكذا). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:08 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الرعد
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الرعد:
أقول: وجه وضعها بعد سورة يوسف زيادة ما تقدم بعدما فكرت فيه طائفة من الزمان: أنه سبحانه قال في آخر تلك: {وكأيّن من آيةٍ في السّماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون} "يوسف: 105" فذكر الآيات السمائية والأرضية مجملة، ثم فصل في مطلع هذه السورة بقوله: {اللّه الّذي رفع السّماوات بغير عمدٍ ترونها ثمّ استوى على العرش وسخّر الشّمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّىً يدبّر الأمر يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون} تفصيل للآيات السمائية. وقوله: {وهو الّذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارًا ومن كلّ الثّمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي اللّيل النّهار إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون، وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون}"2-4" تفصيل للآيات الأرضية.
هذا مع اختتام سورة يوسف بوصف الكتاب، ووصفه بالحق، وافتتاح هذه بمثل ذلك، وهو من تشابه الأطراف). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:10 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة إبراهيم

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة إبراهيم:
أقول: وجه وضعها بعد سورة الرعد زيادة على ما تقدم بعد إفكاري فيه برهة: أن قوله في مطلعها: {كتابٌ أنزلناه إليك}"1" مناسب لقوله في مقطع تلك: {ومن عنده علم الكتاب} "الرعد: 43" على أن المراد بـ"من" هو: الله تعالى جل جلاله.
وأيضًا ففي الرعد: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فأمليت للّذين كفروا ثمّ أخذتهم} "الرعد: 32"، وذلك مجمل في أربعة مواضع: الرسل، والمستهزئين، وصفة الاستهزاء، والأخذ، وقد فصلت الأربعة في قوله: {ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود ... } "9-16" الآيات).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:12 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الحجر
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحجر:
أقول: تقدمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة؛ وإنما أخرت عنها لقصرها بالنسبة إليها، وهذا القسم من سور القرآن للمئين، فناسب تقديم الأطول، مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام وهو قوله: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} "99"، فإنه مفسر بالموت، وذلك مقطع في غاية البراعة.
وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة، ففي آخر آل عمران: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}"آل عمران: 200"، وفي آخر الطواسين: {كلّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} "القصص: 88"، وفي آخر ذوات {الر} : {وانتظر إنّهم منتظرون} "السجدة: 30"، وفي آخر الحواميم: {كأنّهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلّا ساعةً من نهارٍ بلاغٌ} "الأحقاف: 35".
ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم؛ فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة: {وبرزوا للّه الواحد القهّار، وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النّار} "إبراهيم: 48-50"، قال هنا: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "2" فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار، ورأوا عصاة المؤمنين الموحدين قد أخرجوا منها تمنوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين، وذلك وجه حسن في الربط، مع اختتام آخر تلك بوصف الكتاب، وافتتاح هذه به، وذلك من تشابه الأطراف). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-06, 06:14 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة النحل
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النحل:
أقول: وجه وضعها بعد سورة الحجر: أن آخرها شديد الالتئام بأول هذه؛ فإن قوله في آخر تلك: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين}"الحجر: 99" الذي هو مفسر بالموت، ظاهر المناسبة لقوله هنا: {أتى أمر اللّه}"1"، وانظر كيف جاء في المقدّمة بـ {يأتيك اليقين} [بلفظ المضارع]، وفي المتأخرة بلفظ الماضي؛ لأن المستقبل سابق على الماضي، كما تقرر في المعقول والعربية.
ثم ظهر لي أن هذه السورة شديدة الاعتلاق بسورة إبراهيم؛ وإنما تأخرت عنها لمناسبة الحجر، في كونها من ذوات {الر} .
وذلك: أن سورة إبراهيم وقع فيها ذكر فتنة الميت، ومن هو مثبت وغيره، وذلك أيضًا في هذه بقوله: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} "28" الآيات، فذكر الفتنة، وما يحصل عندها من الثبات والإضلال، وذكر هنا ما يحصل عقب ذلك من النعيم والعذاب.
ووقع في سورة إبراهيم: {وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}"إبراهيم: 46"، و [قد] قيل: إنها في الجبار الذي أراد أن يصعد السماء بالنسور، ووقع هنا أيضًا في قوله: {قد مكر الّذين من قبلهم} "26".
ووقع في سورة إبراهيم ذكر النعم، وقال عقبها: {وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها} "إبراهيم: 34"، ووقع هنا ذكر ذلك معقّبًا بمثل ذلك). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:14 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة بني إسرائيل

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة بني إسرائيل:
اعلم أن هذه السورة والأربع بعدها من قديم ما أنزل.
أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: " [هن] من العتاق الأول، وهن من تلادي"، وهذا وجه في ترتيبها، وهو اشتراكها في قدم النزول، وكونها مكيات، وكلها مشتملة على القصص.
وقد ظهر لي في وجه اتصالها بسورة النحل: أنه سبحانه لما قال في آخر النحل: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه} "النحل: 124" فسر في هذه [السورة] شريعة أهل السبت وشأنهم، فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة، كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: " [إن] التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل"، وذكر عصيانهم وإفسادهم، وتخريب مسجدهم، ثم ذكر استفزازهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإرادتهم إخراجه من المدينة، ثم ذكر سؤالهم إياه عن الروح، ثم ختم السورة بآيات موسى التسع، وخطابه مع فرعون، وأخبر أن [فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض، فأهلك، وورث بنو إسرائيل من بعده، وفي ذلك تعريض بهم، أنهم كما استفزوا النبي] -صلى الله عليه وسلم- ليخرجوه من المدينة هو وأصحابه كنظير ما وقع لهم مع فرعون لما استفزهم، و [قد] وقع ذلك أيضًا.
ولما كانت هذه السورة مصدّرة بقصة تخريب المسجد الأقصى أسري بالمصطفى إليه، تشريفًا له بحلول ركابه الشريف، فلله الحمد على ما ألهم).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:20 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الكهف

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الكهف:
قال بعضهم: مناسبة وضعها بعد سورة الإسراء: افتتاح تلك بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام؛ بحيث يسبق التسبيح التحميد؛ نحو: {فسبّح بحمد ربّك} "الحجر: 98"، وسبحان الله وبحمده.
قلت: مع اختتام ما قبلها بالتحميد أيضًا، وذلك من وجوه المناسبة بتشابه الأطراف.
ثم ظهر لي وجه آخر أحسن في الاتصال؛ وذلك: أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة أشياء: عن الروح، وعن قصة أصحاب الكهف، وعن قصة ذي القرنين، وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر سورة بني إسرائيل، فناسب اتصالها بالسورة التي اشتملت على جواب السؤالين الآخرين.
فإن قلت: هلّا جمعت الثلاثة في سورة واحدة؟
قلت: لما لم يقع الجواب عن الأول بالبيان، ناسب فصله في سورة.
ثم ظهر لي وجه آخر: وهو أنه لما قال فيها: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} "الإسراء: 85"، والخطاب لليهود، واستظهر على ذلك بقصة موسى في بني إسرائيل مع الخضر، التي كان سببها ذكر العلم والأعلم، وما دلت عليه من إحاطة معلومات الله عز وجل التي لا تحصى، فكانت هذه السورة كإقامة الدليل لما ذكر من الحكم.
وقد ورد في الحديث أنه لما نزل: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} قال اليهود: قد أوتينا التوراة، فيها علم كل شيء؛ فنزل: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددًا} "109" في هذه السورة5، فهذا وجه آخر في المناسبة، وتكون السورة من هذه الجهة جوابًا عن شبهة الخصوم فيما قدر بتلك.
وأيضًا فلما قال هناك: {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا} "الإسراء: 104" شرح ذلك هنا وبسطه بقوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} إلى {ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا، وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا} "98-100"، فهذه وجوه عديدة في الاتصال). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:21 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة مريم
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة مريم:
أقول: ظهر لي في وجه مناسبتها لما قبلها: أن سورة الكهف اشتملت على عدة أعاجيب: قصة أصحاب الكهف، وطول لبثهم هذه المدة الطويلة بلا أكل ولا شرب، وقصة موسى مع الخضر، وما فيها من الخارقات، وقصة ذي القرنين، وهذه السورة فيها أعجوبتان: قصة ولادة يحيى بن زكريا، وقصة ولادة عيسى، فناسب تتاليهما.
وأيضًا فقد قيل: إن أصحاب الكهف يبعثون قبل قيام الساعة، ويحجون مع عيسى ابن مريم حين ينزل، ففي ذكر سورة مريم بعد [ذكر] سورة أصحاب الكهف مع ذلك -إن ثبت- ما لا يخفى من المناسبة.
وقد قيل أيضًا: إنهم من قوم عيسى، وإن قصتهم كانت في الفترة، فناسب توالي [سورة] قصتهم و [سورة] قصة نبيهم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:23 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة طه
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة طه:
أقول: روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول: أن طه نزلت بعد سورة مريم، بعد ذكر سورة أصحاب الكهف، وذلك وحده كافٍ في مناسبة الوضع، مع التآخي بالافتتاح بالحروف المقطعة.
وظهر لي وجه آخر؛ وهو: أنه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء؛ وهم: زكريا، ويحيى، وعيسى، الثلاثة مبسوطة وإبراهيم، وهي بين البسط والإيجاز، وموسى، وهي موجزة بجملة أشار إلى بقية النبيين في الآية الأخيرة إجمالًا.
وذكر في هذه السورة شرح قصة موسى التي أجملها هناك، فاستوعبها غاية الاستيعاب، وبسطها أبلغ بسط، ثم أشار إلى تفصيل قصة آدم، الذي وقع [في مريم] مجرد اسمه هناك، ثم أورد في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر في مريم؛ كنوح ولوط، وداود، وسليمان، وأيوب، وذي الكفل، وذي النون، وأشير إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة؛ كموسى، وهارون، وإسماعيل، وزكريا، ومريم؛ لتكون السورتان كالمتقابلتين.
وبسطت فيها قصة إبراهيم البسط التام فيما يتعلق به مع قومه، ولم تذكر حاله مع أبيه إلا إشارة كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه إشارة ومع أبيه مبسوطًا.
فانظر إلى عجيب هذا الأسلوب، وبديع هذا الترتيب).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:25 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة الأنبياء

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنبياء:
قدمت ما فيها مستوفًى، وظهر لي في اتصالها بآخر طه: أنه سبحانه لما قال: {قل كلٌّ متربّصٌ فتربّصوا} "طه: 135"، وقال قبله: {ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك إلى أجلٍ مسمًّى}"طه: 129".
قال في مطلع هذه: {اقترب للنّاس حسابهم} "1" إشارة إلى قرب الأجل، ودنو الأمل المنتظر.
وفيه أيضًا مناسبة لقوله هناك: {ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجًا منهم} "طه: 131" الآية.
فإن قرب الساعة يقتضي الإعراض عن هذه الحياة الدنيا؛ لدنوها من الزوال والفناء؛ ولهذا ورد في الحديث: أنها لما نزلت قيل لبعض الصحابة: هلا سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها؟ فقال: "نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا").[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-09, 08:28 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الحج
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحج:
أقول: وجه اتصالها بسورة الأنبياء: أنه ختمها بوصف الساعة في قوله: {واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} "الأنبياء: 97"، وافتتح هذه بذلك، فقال: {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ، يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} "1، 2"). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:48 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة المؤمنون

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة المؤمنون:
أقول: وجه اتصالها بسورة الحج: أنه لما ختمها بقوله: {وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون} "الحج: 77"، وكان ذلك مجملًا، فصّله في فاتحة هذه السورة، فذكر خصال الخير التي من فعلها فقد أفلح، فقال: {قد أفلح المؤمنون، الّذين هم في صلاتهم خاشعون} "1، 2" الآيات.
ولما ذكر [في] أول الحج قوله: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ} "الحج: 5" الآية. زاده هنا بيانًا [وإطنابًا] في قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ، ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} "12، 13" الآيتان. فكل جملة أوجزت هناك في القصة أطنب فيها هنا). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:50 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة النور
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النور:
أقول: وجه اتصالها بسورة {قد أفلح} : أنه لما قال [فيها]: {والّذين هم لفروجهم حافظون} "المؤمنون: 5"، ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه، من الزانية والزاني، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغض البصر، وأمر فيها بالنكاح حفظًا للفروج، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف، وحفظ فرجه، ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا.
ولا ارتباط أحسن من هذا الارتباط، ولا تناسق أبدع من هذا النسق). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:52 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الفرقان
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الفرقان:
ظهر لي بفضل الله بعدما أفكرت مدة: أن نسبة هذه السورة لسورة النور، كنسبة سورة الأنعام إلى المائدة؛ من حيث أن النور قد ختمت بقوله: {للّه ما في السّماوات والأرض} "النور: 64"، كما ختمت بقوله: {للّه ملك السّماوات والأرض وما فيهنّ} "المائدة: 120".
وكانت جملة النور أخصر من المائدة، ثم فصلت هذه الجملة في سورة الفرقان فافتتحت بقوله: {الّذي له ملك السّماوات} إلى قوله: {وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا} "2"، كما افتتحت الأنعام بمثل ذلك. وكان قوله عقبه: {واتّخذوا من دونه آلهةً} "3" إلى آخره، نظير قوله هناك: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} "الأنعام: 1".
ثم ذكر في خلال هذه السورة جملة من المخلوقات؛ كمد الظل، والليل، والنوم، والنهار، والرياح، والماء، والأنعام، والأناسي، ومرج البحرين، والإنسان، والنسب، والصهر، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، والاستواء على العرش، وبروج السماء، والسراج، والقمر، إلى غير ذلك، مما هو تفصيل لجملة: {للّه ما في السّماوات والأرض} "النور: 64"، كما فصل آخر المائدة في الأنعام بمثل ذلك، وكان البسط في الأنعام أكثر لطولها.
ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذوبة وإهلاكهم، كما أشار في الأنعام إلى ذلك، ثم أوضح هذه الإشارة في السورة التي تليها -وهي الشعراء- بالبسط التام، والتفصيل البالغ، كما أوضح تلك الإشارة التي في الأنعام وفصّلها في سورة الأعراف التي تليها.

فكانت هاتان السورتان في المثاني، نظير تينك السورتين [الأنعام والأعراف] في الطوال، واتصالهما بآخر النور، نظير اتصال تلك بآخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء.
ثم ظهر لي لطيفة أخرى؛ وهي: أنه إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله؛ كالأنعام بعد المائدة، والإسراء بعد النحل، وهذه بعد النور، وسبأ بعد الأحزاب، والحديد بعد الواقعة، وتبارك بعد التحريم؛ لما في ذلك من الإشارة إلى نوع استقلال، وإلى الانتقال من نوع إلى نوع). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:54 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الشعراء
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الشعراء:
أقول: وجه اتصالها بسورة الفرقان أنه تعالى لما أشار فيها إلى قصص مجملة بقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرًا، فقلنا اذهبا إلى القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فدمّرناهم تدميرًا، وقوم نوحٍ لمّا كذّبوا الرّسل أغرقناهم وجعلناهم للنّاس آيةً وأعتدنا للظّالمين عذابًا أليمًا، وعادًا وثمودا وأصحاب الرّسّ وقرونًا بين ذلك كثيرًا} "الفرقان: 35-38" شرح هذه القصص، وفصّلها أبلغ تفصيل في السورة التي تليها؛ ولذلك رتبت على ترتيب ذكرها في الآيات المذكورة فبدئ بقصة موسى، ولو رتبت على الواقع لأخرت كما في الأعراف.
فانظر إلى هذا السر اللطيف الذي منّ الله بإلهامه.

ولما كان في الآيات المذكورة إشارة إلى قرون بين ذلك كثيرة، زاد في الشعراء تفصيلًا لذلك قصة قوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب.
ولما ختم الفرقان بقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} "الفرقان: 63"، وقوله: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} "الفرقان: 72" ختم هذه السورة بذكر الشعراء الذين هم بخلاف ذلك، واستثنى منهم من سلك سبيل أولئك، وبيّن ما يمدح من الشعر، و [ما] يدخل في القول "سلامًا"، وما يذم منه، ويدخل في اللغو). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:55 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة النمل
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النمل:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنها كالتتمة لها، في ذكر بقية القرون، فزاد سبحانه فيها ذكر سليمان وداود، وبسط فيها قصة لوط أبسط مما هي في الشعراء.
وقد روينا عن ابن عباس، وجابر بن زيد، في ترتيب [نزول] السور: أن الشعراء نزلت ثم طس، ثم القصص، وذلك كافٍ في ترتيبها في المصحف هكذا.
وأيضًا فقد وقع فيها: {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا} "7" إلى آخره، وذلك تفصيل قوله في الشعراء: {فوهب لي ربّي حكمًا وجعلني من المرسلين} "الشعراء: 21"). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-13, 05:57 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة القصص
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة القصص:
أقول: ظهر لي بعد الفكرة: أنه سبحانه لما حكى في الشعراء قول فرعون لموسى: {ألم نربّك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك الّتي فعلت} "الشعراء: 18، 19" إلى قول موسى: {ففررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربّي حكمًا وجعلني من المرسلين} "الشعراء: 21"، ثم حكى في طس النمل قول موسى لأهله: {إنّي آنست نارًا} "النمل: 7" إلى آخره، الذي هو في الوقوع بعد الفرار، ولما كان [الأمران] على سبيل الإشارة والإجمال، بسط في هذه السورة ما أوجزه في السورتين، وفصل ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما.
فبدأ بشرح تربية فرعون له، مصدرًا بسبب ذلك: من علو فرعون، وذبح أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عند ولادته في اليم خوفًا عليه من الذبح، وبسط القصة في تربيته، وما وقع فيها إلى كبره، إلى السبب الذي من أجله قتل القبطي، وهى الفعلة التي فعل، إلى الهم بذلك عليه، والموجب لفراره إلى مدين، إلى ما وقع له [فيها] مع شعيب، وتزوجه بابنته، إلى أن سار بأهله، وآنس من جانب الطور نارًا فقال لأهله: {امكثوا إنّي آنست نارًا} "29" إلى ما وقع له فيها من المناجاة لربه، وبعثه إياه رسولًا، وما استتبع ذلك، إلى آخر القصة.

فكانت السورة شارحة لما أجمل في السورتين معًا على الترتيب.
وبذلك عرف وجه الحكمة في تقدم "طس" على هذه، وتأخيرها عن الشعراء، فلله الحمد على ما ألهم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 09:51 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة العنكبوت
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة العنكبوت:
أقول: ظهر لي في وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه: {علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفةً منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم} "القصص: 4" افتتح هذه السورة بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الإيمان بعذاب دون ما عذب به قوم فرعون بني إسرائيل؛ تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم، وحثًّا لهم على الصبر؛ ولذلك قال هنا: {ولقد فتنّا الّذين من قبلهم} "3"، وهذه أيضًا من حكم تأخير القصص عن "طس".
وأيضًا فلما كان في خاتمة القصص الإشارة إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خاتمة هذه الإشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله: {يا عبادي الّذين آمنوا إنّ أرضي واسعةٌ}"56" ناسب تتاليهما).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 09:57 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الروم

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الروم:
أقول: ظهر لي في اتصالها بما قبلها: أنها ختمت بقوله: {والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا}"العنكبوت: 69"، وافتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر، وفرح المؤمنين بذلك، وأن الدولة لأهل الجهاد فيه، ولا يضرهم ما وقع لهم قبل ذلك من هزيمة.
هذا مع تآخيها بما قبلها في المطلع، فإن كلا منهما افتتح بـ {الم} غير معقب بذكر القرآن، وهو خلاف القاعدة الخاصة في المفتتح بالحروف المقطعة؛ فإنها كلها عقبت بذكر الكتاب أو وصفه، إلا هاتين السورتين وسورة القلم؛ لنكتة بينتها في "أسرار التنزيل").[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 10:06 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة لقمان

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة لقمان:
أقول: ظهر لي في اتصالها بما قبلها مع المؤاخاة في الافتتاح بـ {الم} : أن قوله تعالى هنا: {هدًى ورحمةً للمحسنين، الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} "3، 4" متعلق بقوله في آخر سورة الروم: {وقال الّذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب اللّه إلى يوم البعث فهذا يوم البعث} "الروم: 56" الآية، فهذا عين إيقانهم بالآخرة، وهم المحسنون الموقنون بما ذكر.
وأيضًا ففي كلتا السورتين جملة من الآيات وبدء الخلق.
وذكر في الروم: {في روضةٍ يحبرون} "الروم: 15"، وقد فسر بالسماع، وفي لقمان: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} "6" وقد فسر بالغناء وآلات الملاهي). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 10:08 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة السجدة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة السجدة:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنها شرحت مفاتح الغيب الخمسة التي ذكرت في خاتمة لقمان.
فقوله هنا: {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} "5"، شرح لقوله هناك: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة} "لقمان: 34"؛ ولذلك عقب هنا بقوله: {عالم الغيب والشّهادة} "6".
وقوله: {أولم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} "27"، شرح قوله: {وينزّل الغيث} "لقمان: 34".
وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} "7" الآيات، شرح لقوله: {ويعلم ما في الأرحام} [لقمان: 34] .
وقوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض} "السجدة: 5" و {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها} "السجدة: 13"، شرح لقوله: {وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا} "لقمان: 34".
وقوله: {أإذا ضللنا في الأرض} إلى قوله: {قل يتوفّاكم ملك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون} "10، 11"، شرح لقوله: {وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت} "لقمان: 34"، فلله الحمد على ما ألهم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 10:11 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الأحزاب
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأحزاب:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: تشابه مطلع هذه ومقطع تلك؛ فإن تلك ختمت بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عن الكافرين، وانتظار عذابهم، [ومطلع هذه الأمر بتقوى الله، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، فصارت كالتتمة لما ختمت به تلك، حتى كأنهما سورة واحدة] ). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-17, 10:14 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة سبأ
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة سبأ:
أقول: ظهر لي وجه اتصالها بما قبلها: وهو أن تلك لما ختمت بقوله: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات} "الأحزاب: 73" افتتحت هذه بأن له ما في السماوات وما في الأرض، وهذا الوصف لائق بذلك الحكم؛ فإن الملك العام والقدرة التامة يقتضيان ذلك.
وخاتمة سورة الأحزاب: {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} "الأحزاب: 73"، وفاصلة الآية الثانية من مطلع سبأ: {وهو الرّحيم الغفور} "2" ).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:25 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة فاطر

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة فاطر:
أقول: مناسبة وضعها بعد سبأ تآخيهما في الافتتاح بالحمد، مع تناسبهما في المقدار.
وقال بعضهم: افتتاح سورة فاطر بالحمد مناسب لختام ما قبلها، من قوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل} "سبأ: 54"، كما قال: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين} "الأنعام: 45"، فهو نظير اتصال أول الأنعام بفصل القضاء المختتم به المائدة). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:27 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة يس
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة يس:
أقول: ظهر لي وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما ذكر في سورة فاطر قوله: {وجاءكم النّذير} "فاطر: 37" وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيرٌ ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم فلمّا جاءهم نذيرٌ} "فاطر: 42"، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أعرضوا عنه وكذبوه، فافتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته، وأنه على صراط مستقيم؛ لينذر قومًا ما أنذر آباؤهم، وهذا وجه بيّن.
وفي فاطر: {وسخّر الشّمس والقمر} "فاطر: 13"، وفي يس: {والشّمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم} "38، 39"، وذلك أبسط وأوضح.
وفي فاطر: {وترى الفلك فيه مواخر} "فاطر: 12"، وفي يس: {وآيةٌ لهم أنّا حملنا ذرّيّتهم في الفلك المشحون، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون، وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون} "يس: 41-43" فزاد القصة بسطًا). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:28 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الصافات
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الصافات:
أقول: هذه السورة بعد "يس" كالأعراف بعد الأنعام، وكالشعراء بعد الفرقان، في تفصيل أحوال القرون المشار إلى إهلاكهم، كما أن تينك السورتين تفصيل لمثل ذلك كما تقدم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:31 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة ص
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة ص:
أقول: هذه السورة بعد الصافات كطس بعد الشعراء، وكطه والأنبياء بعد مريم، وكيوسف بعد هود، في كونها متممة لها بذكر من بقي من الأنبياء، ممن لم يذكروا فيها؛ فإنه سبحانه ذكر في الصافات: نوحًا، وإبراهيم، والذبيح، وموسى، وهارون، ولوطًا، وإلياس، ويونس، وذكر هنا: داود، وسليمان، وأيوب، وأشار إلي بقية من ذكر، فهي بعدها أشبه شيء بالأنبياء وطس بعد مريم والشعراء).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:34 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الزمر
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الزمر:
[أقول]: لا يخفى وجه اتصال أولها بآخر "ص"؛ حيث قال في "ص": {إن هو إلّا ذكرٌ للعالمين} "ص: 87"، ثم قال هنا: {تنزيل الكتاب من اللّه} "1"، فكأنه قيل: هذا الذكر تنزيل، وهذا تلاؤم شديد؛ بحيث إنه لو أسقطت البسملة لالتأمت الآيتان كالآية الواحدة.
وقد ذكر الله تعالى في آخر "ص" قصة خلق آدم، وذكر في صدر هذه قصة خلق زوجه [منه]، وخلق الناس كلهم منه، وذكر خلقهم في بطون أمهاتهم خلقًا من بعد خلق، ثم ذكر أنهم ميتون، ثم ذكر وفاة النوم والموت، ثم ذكر القيامة، والحساب، والجزاء، والنار، والجنة، وقال: {وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين} "75".
فذكر أحوال الخلق من المبدأ إلى المعاد، متصلًا بخلق آدم المذكور في السورة التي قبلها). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-21, 10:36 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة غافر
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة غافر:
أقول: وجه إيلاء الحواميم السبع سورة الزمر: تآخي المطالع في الافتتاح بتنزيل الكتاب، وفي مصحف أبي بن كعب أول الزمر {حم}، وذلك مناسبة جليلة.
ثم إن الحواميم ترتبت لاشتراكها في الافتتاح بـ {جم}، وبذكر الكتاب بعد حم، وأنها مكية؛ بل ورد في الحديث أنها نزلت جملة [واحدة].
وفيها شبه من ترتيب ذوات {الر} الست.
فانظر ثانية الحواميم وهي فصلت، كيف شابهت ثانية ذوات {الر} هود في تغيير الأسلوب في وصف الكتاب، وأن في هود: {كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت} "هود: 1"، وفي فصلت: {كتابٌ فصّلت آياته} "فصلت: 3"، وفي سائر ذوات {الر} {تلك آيات الكتاب} "الحجر: 1"، وفي سائر الحواميم: {تنزيل الكتاب} "غافر: 2" أو {والكتاب} "الدخان: 2".
وروينا عن جابر بن زيد، وابن عباس في ترتيب نزول السور: أن الحواميم نزلت عقب الزمر، وأنها نزلت متتاليات كترتيبها في المصحف: المؤمن، ثم السجدة، ثم الشورى، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف، ولم يتخللها نزول غيرها، وذلك مناسبة جلية واضحة في وضعها هكذا.
ثم ظهر لي لطيفة أخرى؛ وهي: أنه في كل ربع من أرباع القرآن توالت سبع سور مفتتحة بالحروف المقطعة. فهذه [السور] السبع مصدرة بـ {حم}، وسبع في الربع الذي قبله [متوالية و] ذوات {الر} الست متوالية، و {المص} الأعراف؛ فإنها متصلة بيونس على ما تقدمت الإشارة إليه، وافتتح أول القرآن بسورتين من ذلك، وأول النصف الثاني بسورتين.
وقال الكرماني في "العجائب": ترتيب الحواميم السبع لما بينها من التشاكل الذي خصت به؛ وهو: أن كل سورة منها استفتحت بالكتاب أو وصفه، مع تفاوت المقادير في الطول والقصر، وتشاكل الكلام في النظام. انتهى.
قلت: وانظر إلى مناسبة ترتيبها؛ فإن مطلع غافر مناسب لمطلع الزمر، ومطلع فصلت التي هي ثانية الحواميم مناسب لمطلع هود التي هي ثانية ذوات {الر}، ومطلع الزخرف مؤاخٍ لمطلع الدخان، وكذا مطلع الجاثية لمطلع الأحقاف). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:34 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة القتال
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة القتال:
[أقول:] لا يخفى وجه ارتباط أولها بقوله في آخر الأحقاف: {فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون} "الأحقاف: 35"، واتصاله وتلاحمه وبحيث إنه لو أسقطت البسملة منه لكان متصلًا اتصالًا واحدًا لا تنافر فيه كالآية الواحدة، آخذًا بعضه بعنق بعض).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:36 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الفتح
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الفتح:
[أقول:] لا يخفى وجه حسن وضعها هنا؛ لأن الفتح بمعنى النصر، مرتّب على القتال، وقد ورد في الحديث: أنها [نزلت] مبينة لما يفعل به وبالمؤمنين، بعد إبهامه في قوله تعالى في الأحقاف: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} "الأحقاف: 9"، فكانت متصلة بسورة الأحقاف من هذه الجملة).[تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:38 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الحجرات
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحجرات:
[أقول:] لا يخفى تآخي هاتين السورتين [الفتح والحجرات] مع ما قبلهما؛ لكونهما مدنيتين، ومشتملتين على أحكام، فتلك فيها قتال الكفار، وهذه فيها قتال البغاة، وتلك ختمت بالذين آمنوا، وهذه افتتحت بالذين آمنوا، وتلك تضمنت تشريفًا له صلى الله عليه وسلم خصوصًا مطلعها، وهذه أيضًا في مطلعها أنواع من التشريف له صلى الله عليه وسلم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:39 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الذاريات
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الذاريات:
أقول: لما ختمت "ق" بذكر البعث، واشتملت على ذكر الجزاء، والجنة، والنار، وغير ذلك من أحوال القيامة، افتتح هذه السورة بالإقسام على أن ما توعدون من ذلك لصادق، وأن الدين -وهو الجزاء- لواقع.
ونظير ذلك: افتتاح المرسلات بذلك، بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة الإنسان). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:41 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


سورة الطور

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الطور:
أقول: وجه وضعها بعد الذاريات: تشابههما في المطلع والمقطع؛ فإن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله: {إنّ المتّقين في جنّاتٍ} "الذاريات: 15، الطور: 17" الآيات، وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار، بقوله في تلك: {فويلٌ للّذين كفروا}"الذرايات:60"، وفي هذه: {فالّذين كفروا} "42" ). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-03-23, 02:43 PM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة النجم
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النجم:
أقول: وجه وضعها بعد الطور: أنها شديدة المناسبة لها؛ فإن الطور ختمت بقوله: {وإدبار النّجوم} "الطور: 49"، وافتتحت هذه بقوله: {والنّجم إذا هوى} "1".
ووجه آخر: [وهو] أن الطور ذكر فيها ذرية المؤمنين، وأنهم تبع لآبائهم، وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض [وإذ أنتم أجنّةٌ في بطون أمّهاتكم} "32" الآية، فقد أخرج ابن أبي حاتم، وبن المنذر، والواحدي بأسانيدهم عن ثابت بن الحارث الأنصاري، قال: كانت اليهود تقول: إذا هلك صبي صغير هو: صديق، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: $"كذبت يهود، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد"، وأنزل الله عند ذلك {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض} الآية].
ولما قال هناك في المؤمنين: {ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} "الطور: 21" أي: ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين، مع نفعهم بما عمل آباؤهم، قال هنا في صفة الكفار أو بني الكفار: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} "39" خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار.
وهذا وجه بيّن بديع في المناسبة، من وادي التضاد). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:21 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة القمر
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة القمر:
أقول: لا يخفى ما في توالي هاتين السورتين من حسن التناسق [والتناسب] في التسمية؛ لما بين النجم والقمر من الملابسة، ونظيره توالي الشمس والليل والضحى، وقبلها سورة الفجر.
ووجه آخر وهو: أن هذه السورة بعد النجم كالأعراف بعد الأنعام [وكالشعراء بعد الفرقان]، وكالصافات بعد يس، في أنها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم في قوله هناك: {وأنّه أهلك عادًا الأولى، وثمود فما أبقى، وقوم نوحٍ من قبل إنّهم كانوا هم أظلم وأطغى، والمؤتفكة أهوى} "النجم: 50-53" ). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:23 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة الرحمن

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الرحمن:
أقول: لما قال سبحانه وتعالى في آخر القمر: {بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ} "القمر: 46"، ثم وصف حال المجرمين في سقر، وحال المتقين في جنات ونهر، فصّل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل، على الترتيب الوارد في الإجمال.
فبدأ بوصف مرارة الساعة، والإشارة إلى إذهابها، ثم وصف النار وأهلها، والجنة وأهلها؛ ولذا قال [ {يعرف المجرمون بسيماهم} 41، فلم يقل: "الكافرون" أو نحوه؛ لاتصاله بقوله هناك: {إنّ المجرمين} "القمر: 47"، ثم وصف الجنة وأهلها، وكذا قال] فيهم: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} "46"، وذلك هو عين التقوى، ولم يقل: [و] لمن آمن وأطاع، أو نحوه؛ لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل.
وعرف بذلك أن هذه السورة بأسرها شرح لآخر السورة التي قبلها، فلله الحمد على ما ألهم وفهّم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:25 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الواقعة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الواقعة:
أقول: هذه السورة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلًّا منهما في وصف القيامة، والجنة والنار، وانظر إلى اتصال قوله هنا: {إذا وقعت الواقعة} بقوله هناك: {فإذا انشقّت السّماء} "الرحمن: 37"؛ ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء، وفي الواقعة على ذكر رجّ الأرض، فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة.
ولهذا عكس في الترتيب، فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك، كما أشرت إليه في سورة آل عمران مع سورة البقرة.
فافتتح [في سورة] الرحمن بذكر القرآن، ثم ذكر الشمس والقمر، ثم ذكر النبات، ثم خلق الإنسان، والجان من مارج من نار، ثم صفة [يوم] القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة.
وابتدأ هذه بذكر القيامة ثم صفة الجنة، ثم صفة النار، ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم [ذكر] النجوم، ولم يذكرها في الرحمن، كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم ذكر القرآن.
فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك، وكردّ العجز على الصّدر). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:27 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



سورة الحديد
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحديد:
قال بعضهم: وجه اتصالها بالواقعة: أنها بدأت بذكر التسبيح، وتلك ختمت بالأمر به.
قلت: وتمامه: أن أول الحديد واقع موقع العلة للأمر به، وكأنه قيل: {فسبّح باسم ربّك العظيم} "الواقعة: 96"؛ لأنه {سبّح للّه ما في السّماوات والأرض} "1" ). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:29 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد


جزء قد سمع

قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (
سورة المجادلة:
أقول: لما كان في مطلع الحديد ذكر صفاته الجليلة؛ ومنها: الظاهر والباطن، وقال: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم} "الحديد: "4" افتتح هذه بذكر أنه سمع قول المجادلة التي شكت إليه صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قالت عائشة -رضي الله عنها- حين نزلت: "سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي ناحية البيت لا أعرف ما تقول".
وذكر بعد ذلك قوله: {ألم تر أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلّا هو رابعهم} "7"، وهو تفصيل لإجمال قوله: {وهو معكم أين ما كنتم [واللّه بما تعملون بصيرٌ] 3} "الحديد: 4".
وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين الحديد والحشر، مع تآخيهما في الافتتاح بـ {سبّح}.
سورة الحشر:
[أقول:] آخر سورة المجادلة نزل فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر، وأول الحشر نازل في غزوة بني النضير، وهي عقبها، وذلك نوع من المناسبة والربط.
وفي آخر تلك: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي} "المجادلة: 21"، وفي أول هذه: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرّعب} "2".
وفي آخر تلك ذكر من حاد الله ورسوله، وفي أول هذه ذكر من شاق الله ورسوله.
سورة الممتحنة:
أقول: لما كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب عقبت بهذه؛ لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين؛ لأنها نزلت في صلح الحديبية.
ولما ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضًا ثم موالاة الذين [نافقوا الكفار] من أهل الكتاب، افتتح هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء؛ لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك، وكرر ذلك وبسطه إلى أن ختم به، فكانت في غاية الاتصال؛ ولذلك فصل بها بين الحشر والصف، مع تآخيهما في الافتتاح بـ {سبّح}.
سورة الصف:
أقول: في سورة الممتحنة ذكر الجهاد في سبيل الله، وبسطه في هذه السورة أبلغ بسط.
سورة الجمعة:
أقول: ظهر لي في وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما ذكر في سورة الصف حال موسى مع قومه، وأذاهم له، ناعيًا عليهم ذلك، وذكر في هذه السورة حال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفضل أمته؛ تشريفًا لهم؛ ليظهر فضل ما بين الأمتين؛ ولذا لم يعرض فيها لذكر اليهود.
وأيضًا لما ذكر هناك قول عيسى: {ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} "الصف: 6"، قال هنا: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولًا منهم} "2" إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى، وهذا وجه حسن في الربط.
وأيضًا: لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تجارة، ختم هذه بالأمر بالجمعة، وأخبر أنها خير من التجارة الدنيوية.
وأيضًا فتلك سورة الصف، والصفوف تشرع في موضعين: القتال، والصلاة، فناسب تعقيب سورة صف القتال بسورة صلاة تستلزم الصف ضرورة، وهي الجمعة؛ لأن الجماعة شرط فيها دون سائر الصلوات.
فهذه وجوه أربعة فتح الله بها.
سورة المنافقون:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم، وهم المنافقون؛ ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة يحرض بها المؤمنين، وبسورة المنافقين يفزع بها المنافقين.
وتمام المناسبة: أن السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين، والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى، والتي قبلها وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين، والتي قبلها وهي الحشر فيها المعاهدين من أهل الكتاب؛ فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا.
وبذلك اتضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الست هكذا؛ لاشتمالها على أصناف الأمم، وفي الفصل بين المسبحات بغيرها؛ لأن إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من ترك ذلك، وإيلاء سورة المؤمنين بسورة المنافقين أنسب من غيره.
فظهر بذلك أن الفصل بين المسبحات التي هي نظائر لحكمة دقيقة من لدن حكيم خبير، فلله الحمد على ما فهم وألهم.
هذا وقد ورد عن ابن عباس في ترتيب النزول: أن سورة التغابن نزلت عقب الجمعة، وتقدم نزول سورة "المنافقون" فما فصل بينهما إلا لحكمة، والله أعلم.
سورة التغابن:
أقول: لما وقع في آخر سورة المنافقون: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت} "المنافقون: 10" الآية، عقب بسورة التغابن؛ لأنه قيل في معناه: إن الإنسان يأتي يوم القيامة، وقد جمع مالًا، ولم يعمل فيه خيرًا، فأخذه وارثه بسهولة، من غير مشقة في جمعه، فأنفقه في وجوه الخير، فالجامع محاسب معذّب مع تعبه في جمعه، والوارث منعّم مثاب، مع سهولة وصوله إليه، وذلك هو التغابن.
فارتباطه بآخر السورة المذكورة في غاية الوضوح؛ ولهذا قال هنا: {وأنفقوا خيرًا لأنفسكم ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون} "16".
وأيضًا ففي آخر تلك: {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه} "المنافقون: 9"، وفي هذه: {إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ} "15"، وهذه الجملة كالتعليل لتلك الجملة؛ ولذا ذكرت على ترتيبها.
وقال بعضهم: لما كانت سورة المنافقون رأس ثلاث وستين سورة، أشير فيها إلى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {ولن يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها} "المنافقون: 11"، وأنه مات على رأس ثلاث وستين سنة، وعقبها بالتغابن؛ ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم.
سورة الطلاق:
أقول: لما وقع في [آخر] سورة التغابن: {إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم} "التغابن: 14"، وكانت عداوة الأزواج تفضي إلى الطلاق، وعداوة الأولاد قد تفضي إلى القسوة، وترك الإنفاق عليهم، فعقبت ذلك بسورة فيها ذكر أحكام الطلاق، والإنفاق على الأولاد والمطلقات بسببهم.

سورة التحريم:
أقول: هذه السورة متآخية مع التي قبلها في الافتتاح بخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلك مشتملة على طلاق النساء، وهذه على تحريم الإيلاء، وبينهما من المناسبة ما لا يخفى.
ولما كانت تلك في خصام نساء الأمة، ذكر في هذه خصومة نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إعظامًا لمنصبهن أن يذكرن مع سائر النسوة، فأفردن بسورة خاصة؛ ولهذا ختمت بذكر امرأتين في الجنة: آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-11, 11:31 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



جزء تبارك
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (
سورة تبارك:
أقول: ظهر لي بعد الجهد: أنه لما ذكر آخر التحريم امرأتي نوح ولوط الكافرتين، وامرأة فرعون المؤمنة، افتتحت هذه السورة بقوله: {الّذي خلق الموت والحياة} "2" مرادًا بهما الكفر والإيمان في أحد الأقوال؛ للإشارة إلى أن الجميع بخلقه وقدرته؛ ولهذا كفرت امرأتا نوح ولوط، ولم ينفعهما اتصالهما بهذين النبيين الكريمين، وآمنت امرأة فرعون، ولم يضرها اتصالها بهذا الجبار العنيد، لما سبق في كل من القضاء والقدر.
[ثم ظهر لي] وجه آخر: وهو أن [أول] "تبارك" متصل بقوله في آخر الطلاق: {اللّه الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} "الطلاق: 12"، فزاد ذلك بسطًا في هذه الآية: {الّذي خلق سبع سماواتٍ طباقًا ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوتٍ فارجع البصر هل ترى من فطورٍ} إلى قوله: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح} "3-5"، وإنما فصلت بسورة التحريم؛ لأنها كالتتمة لسورة الطلاق.
سورة ن:
أقول: لما ذكر سبحانه في آخر [سورة] تبارك التهديد بتغوير الماء، استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة بطائف طاف عليه وهم نائمون، فأصبحوا لم يجدوا له أثرًا، حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق، وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة، فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب؛ ولهذا قال: {وهم نائمون، فأصبحت كالصّريم} "19، 20"، وقال هناك: {إن أصبح ماؤكم غورًا} "الملك: 30" إشارة إلى أنه يسري عليه في ليلة كما أسري على الثمرة في ليلة.
سورة الحاقة:
أقول: لما وقع في "ن" ذكر يوم القيامة مجملًا في قوله: {يوم يكشف عن ساقٍ} "القلم: 42" الآية، شرح ذلك في هذه السورة نبأ هذا اليوم، وشأنه العظيم.
سورة سأل:
أقول: هذه السورة كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف يوم القيامة والنار.
و [قد] قال ابن عباس: إنها نزلت عقب سورة الحاقة، وذلك أيضًا من وجوه المناسبة في الوضع.
سورة نوح:
أقول: أكثر ما ظهر [لي] في وجه اتصالها بما قبلها بعد طول الفكر: أنه سبحانه لما قال في "سأل": {إنّا لقادرون، على أن نبدّل خيرًا منهم}"المعارج: 40، 41" عقبه بقصة قوم نوح، المشتملة على إغراقهم عن آخرهم؛ بحيث لم يبق منهم ديار وبدل خيرًا منهم [فوقعت موقع الاستدلال والاستظهار لتلك الدعوى، كما وقعت قصة أصحاب الجنة في سورة "ن" موقع الاستدلال والاستظهار] لما ختم به تبارك.
هذا مع تآخي مطلع السورتين في ذكر العذاب الموعد به الكافرين.
سورة الجن:
أقول: قد فكرت مدة في وجه اتصالها بما قبلها، فلم يظهر لي سوى أنه [سبحانه] قال في سورة نوح: {استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارًا، يرسل السّماء عليكم مدرارًا} "نوح: 10، 11"، وقال في هذه السورة [لكفار مكة]: {وألّو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا} "16"، وهذا وجه بيّن في الارتباط.
سورة المزمل:
أقول: لا يخفى وجه اتصال أولها: {قم اللّيل}"2" بقوله في آخر تلك: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} "الجن: 19"، وبقوله: {وأنّ المساجد للّه} "الجن: 18".
سورة المدثر:
أقول: هده متآخية مع السورة التي قبلها في الافتتاح بخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدر كليهما نازل في قصة واحدة.
وقد ذكر عن ابن عباس في ترتيب نزول السور: أن المدثر نزلت عقب المزمل [كذا] أخرجه ابن الضريس، وأخرجه غيره عن جابر بن زيد.
سورة القيامة:
أقول: لما قال سبحانه في آخر المدثر: {كلّا بل لا يخافون الآخرة} "المدثر: 53" بعد ذكر الجنة والنار، وكان عدم خوفهم إياها لإنكارهم البعث، ذكر في هذه السورة الدليل على البعث [من أوجه]، ووصف يوم القيامة، وأهواله، وأحواله، ثم ذكر من قبل ذلك [من خروج الروح من البدن ثم ما قبل ذلك] من مبدأ الخلق، فذكرت الأحوال [الثلاثة] في هذه السورة على عكس ما هي في الواقع.
سورة الإنسان:
أقول: وجه اتصالها بسورة القيامة في غاية الوضوح؛ فإنه تعالى ذكر في آخر تلك مبدأ خلق الإنسان من نطفة، ثم ذكر مثل ذلك في مطلع هذه السورة، مفتتحًا بخلق آدم أبي البشر.
ولما ذكر هناك خلقه [من نطفة] منهما، قال هنا: {فجعل منه الزّوجين الذّكر والأنثى} "القيامة: 39"، ولما ذكر هناك خلقه منهما، قال هنا: {فجعلناه سميعًا بصيرًا} "2"، فعلق به غير ما علق بالأول، ثم رتب عليه هداية السبيل، وتقسيمه إلى شاكر وكفور، ثم أخذ في جزاء كل.
ووجه آخر هو: أنه لما وصف حال يوم القيامة في تلك السورة، ولم يصف فيها حال النار والجنة؛ بل ذكرهما على سبيل الإجمال، فصلهما في هذه السورة، وأطنب في وصف الجنة، وذلك كله شرح لقوله تعالى هناك: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ} "القيامة: 22"، وقوله هنا: {إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالًا وسعيرًا}"14"، شرح لقوله هناك: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} "القيامة: 25".
وقد ذكر هناك: {كلّا بل تحبّون العاجلة، وتذرون الآخرة} "القيامة: 20، 21"، وذكر هنا في هذه السورة: {إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا} "27"، وهذا من وجوه المناسبة.
سورة المرسلات:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما أخبر في خاتمتها أنه {يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا} "الإنسان: 31"، افتتح هذه بالقسم على أن ما يوعدون واقع، فكان ذلك تحقيقًا لما وعد به هناك المؤمنين، وأوعد الظالمين.
ثم ذكر وقته وأشراطه بقوله: {فإذا النّجوم طمست}"8" إلى آخره.
ويحتمل أن تكون الإشارة بما توعدون إلى جميع ما تضمنته السورة من وعيد للكافرين، ووعد للأبرار). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-14, 11:21 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



جزء عم
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (
سورة عم:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: تناسبها معها في الجمل؛ ففي المرسلات: {ألم نهلك الأوّلين، ثمّ نتبعهم الآخرين} "المرسلات: 16، 17"، {ألم نخلقكم من ماءٍ مهينٍ} "المرسلات: 20"، {ألم نجعل الأرض كفاتًا} "المرسلات: 25" إلى آخره، وفي عم: {ألم نجعل الأرض مهادًا} "6" إلى آخره، فذلك نظير تناسب جمل: ألم نشرح، والضحى، بقوله في الضحى: {ألم يجدك يتيمًا فآوى} "الضحى: 6" إلى آخره، وقوله: {ألم نشرح لك صدرك} "الشرح: 1" مع اشتراك هده السورة والأربع قبلها في الاشتمال على وصف الجنة والنار، ما عدا المدثر في الاشتمال على وصف يوم القيامة وأهواله، وعلى ذكر بدء الخلق، وإقامة الدليل على البعث.
وأيضًا في سورة المرسلات: {لأيّ يومٍ أجّلت، ليوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل} "المرسلات: 12-14"، وفي هذه السورة: {إنّ يوم الفصل كان ميقاتًا، يوم ينفخ في الصّور فتأتون أفواجًا} "17، 18" إلى آخره، فكأن هذه السورة شرح يوم الفصل المجمل ذكره في السورة التي قبلها.
سورة النازعات:
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها عقب سورة عم، وأولها يشبه أن يكون قسمًا لتحقيق ما في آخر عم، أو ما تضمنته كلها على حد ما تقدم في {والمرسلات} مع {هل أتى}، {والذّاريات} مع {ق} ].
سورة عبس:
أقول: وجه وضعها عقب النازعات مع تآخيهما في المقطع؛ لقوله هناك: {فإذا جاءت الطّامّة} "النازعات: 34"، وقوله هنا: {فإذا جاءت الصّاخّة} "33"، وهما من أسماء يوم القيامة.
سورة التكوير:
أقول: لما ذكر في [آخر] عبس: {فإذا جاءت الصّاخّة، يوم يفرّ المرء من أخيه} "عبس: 33، 34" الآيات، ذكر يوم القيامة كأنه رأي عين [شرح حاله في هذه السورة والتي بعدها؛ ولهذا ورد] في لحديث: "من سره أن ينظر يوم القيامة كأنه رأي عين، فليقرأ: {إذا الشّمس كوّرت} "1" و {إذا السّماء انفطرت} "الانفطار: 1" و {إذا السّماء انشقّت} "الانشقاق: 5 ".
سورة الانفطار:
أقول: قد عرف مما ذكرت وجه وضعها هنا، مع زيادة تآخيهما في المقطع.
سورة المطففين:
أقول: الفصل بهذه السورة بين الانفطار والانشقاق التي هي نظيرتها من خمسة أوجه: الافتتاح بـ {إذا السّماء} "الانفطار، الانشقاق"، والتخلص بـ {يا أيّها الإنسان} "الانفطار، الانشقاق: 6"، وشرح حال يوم القيامة؛ ولهذا ضمت بالحديث السابق، والتناسب في المقدار، وكونها مكية.
وهذه السورة مدنية [وأطول منهما]، ومفتتحها ومخلصها غير ما لهما لنكتة [لطيفة] ألهمنيها الله، وذلك أن السور الأربع لما كانت في صفة حال يوم القيامة، ذكرت على ترتيب ما يقع فيه.
فغالب ما وقع في التكوير، وجميع ما وقع في الانفطار، يقع في صدر يوم القيامة، ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل، ومقاساة العرق والأهوال، فذكره في هذه السورة بقوله: {يوم يقوم النّاس لربّ العالمين} "6"؛ ولهذا ورد في الحديث: "يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".
ثم بعد ذلك تحصل الشفاعة العظمى، فتنشر الكتب، فأخذٌ باليمين، وأخذٌ بالشمال، وأخذ من وراء الظهر، ثم بعد ذلك يقع الحساب.
هكذا وردت بهذا الترتيب الأحاديث، فناسب تأخير سورة الانشقاق التي فيها إتيان الكتب والحساب، عن السورة التي قبلها، والتي فيها ذكر الموقف عن التي فيها مبادئ يوم القيامة.
ووجه آخر وهو: أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: {وإنّ عليكم لحافظين، كرامًا كاتبين} "الانفطار: 10، 11"، وذلك في الدنيا، ذكر في هذه السورة حال ما يكتبه الحافظان، وهو: كتاب مرقوم جعل في عليين، أو في سجين، وذلك أيضًا في الدنيا؛ لكنه عقّب بالكتابة، إما في يومه، أو بعد الموت في البرزخ كما في الآثار، فهذه حالة ثانية للكتاب ذكرت في السورة الثانية.
وله حالة ثالثة متأخرة عنها؛ وهي أخذ صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك، عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي الانشقاق، فلله الحمد على ما منّ بالفهم لأسرار كتابه.
ثم رأيت الإمام فخر الدين قال في سورة المطففين أيضًا: اتصال أولها بآخر ما قبلها ظاهر؛ لأنه تعالى بيّن هناك أن يوم القيامة من صفته [أنه] {لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئًا والأمر يومئذٍ للّه} "الانفطار: 19" وذلك يقتضي تهديدًا عظيمًا للعصاة؛ فلهذا أتبعه بقوله: {ويلٌ للمطفّفين} "11" الآيات.
سورة الانشقاق:
قد استوفى الكلام فيها في سورة المطففين.
سورة البروج والطارق:
أقول: هما متآخيتان فقرنتا، وقدمت الأولى لطولها، وذكرا بعد الانشقاق للمؤاخاة في الافتتاح بذكر السماء؛ ولهذا ورد في الحديث ذكر السماوات مرادًا بها السور الأربع، كما قيل: المسبحات.
سورة الأعلى:
أقول: في سورة الطارق ذكر خلق [النبات] والإنسان في قوله: {والأرض ذات الصّدع} "الطارق: 12"، [وقوله: {فلينظر الأنسان ممّ خلق} إلى {إنّه على رجعه لقادرٌ} "الطارق: 5-8"، وذكره في هذه السورة في قوله: {خلق فسوّى} "2"، وقوله في النبات: {والّذي أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى} "4، 5"، وقصة النبات في هذه السورة أبسط، كما أن قصة الإنسان هناك أبسط، نعم، ما في هذه السورة أعم من جهة شموله للإنسان وسائر المخلوقات.
سورة الغاشية:
أقول: لما أشار سبحانه في سورة الأعلى بقوله: {سيذّكّر من يخشى، ويتجنّبها الأشقى، الّذي يصلى النّار الكبرى} إلى قوله: {والآخرة خيرٌ وأبقى} "الأعلى: 10-17" إلى المؤمن والكافر، والنار والجنة إجمالًا، فصل ذلك في هذه السورة، فبسط صفة النار والجنة مستندة إلى أهل كل منهما، على نمط ما هنالك؛ ولذا قال [هنا] : {عاملةٌ ناصبةٌ} "3" في مقابل: {الأشقى} "الأعلى: 11" [هناك]، وقال [هنا] : {تصلى نارًا حامية} "4" إلى {لا يسمن ولا يغني من جوع} "7" في مقابلة {يصلى النّار الكبرى} "الأعلى: 12" [هناك]، ولما قال [هناك] في الآخرة: {خيرٌ وأبقى} "الأعلى: 17" بسط [هنا] صفة أكثر من صفة النار؛ تحقيقًا لمعنى الخيرية.
سورة الفجر:
أقول: لم يظهر لي في وجه ارتباطها سوى أن أولها كالإقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها، من قوله جل جلاله: {إنّ إلينا إيابهم، ثمّ إنّ علينا حسابهم} "الغاشية: 25، 26"، وعلى ما تضمنه من الوعد والوعيد، كما أن أول الذاريات قسم على تحقيق ما في "ق"، وأول المرسلات قسم على تحقيق ما في [ {هل أتى} وأول {والنّازعات} قسم على تحقيق ما في] "عم".
هذا مع أن جملة: {ألم تر كيف فعل ربّك} "6" هنا، مشابهة لجملة {أفلا ينظرون} "الغاشية: 17" هناك.
سورة البلد:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما ذم فيها من أحب المال، وأكل التراث، ولم يحض على طعام المسكين، ذكر في هذه السورة الخصال التي تطلب من صاحب المال، من فك الرقبة، والإطعام في يوم ذي مسغبة.
سورة الشمس والليل والضحى:
أقول: هذه الثلاثة حسنة التناسق جدًّا؛ لما في مطالعها من المناسبة؛ لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة، ومنها سورة الفجر؛ لكن فصلت بسورة البلد لنكتة أهم، كما فصل بين الانفطار والانشقاق، وبين المسبحات؛ لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول، إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.
ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد، فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة، فقوله: [في الشمس] {قد أفلح من زكّاها} "9" هم أصحاب الميمنة في سورة البلد، وقوله: {وقد خاب من دسّاها} "10" [في الشمس]، هم أصحاب المشأمة في سورة البلد، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة؛ ولهذا قال الإمام: المقصود من هذه السورة: الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي.
ونزيد في سورة الليل: أنها تفصيل إجمال سورة الشمس، فقوله: {فأمّا من أعطى واتّقى} "الليل: 5" وما بعدها، تفصيل {قد أفلح من زكّاها} "الشمس: 9"، وقوله: {وأمّا من بخل واستغنى} "الليل: 8" الآيات، تفصيل قوله: {وقد خاب من دسّاها} "الشمس: 10".
ونزيد في سورة الضحى: أنها متصلة بسورة الليل من وجهين، فإن فيها: {وإن لنا للآخرة والأولى} "الليل: 13"، وفي الضحى: {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى} "4"، وفي الليل: {ولسوف يرضى} "الليل: 21"، وفي الضحى: {ولسوف يعطيك ربّك فترضى} "5".
ولما كانت سورة الضحى نازلة في شأنه -صلى الله عليه وسلم- افتتحت بالضحى، الذي هو نور، ولما كانت سورة الليل [نازلة في بخيل في قصة طويلة، افتتحت بالليل الذي هو ظلمة.
قال الإمام: سورة الليل] سورة أبي بكر، يعني: ما عدا قصة البخيل، وكانت سورة الضحى سورة محمد، عقب بها، ولم يجعل بينهما واسطة ليعلم ألا واسطة بين محمد وأبي بكر.
سورة {ألم نشرح}:
أقول: هي شديدة الاتصال بسورة الضحى؛ لتناسبهما في الجمل؛ ولهذا ذهب بعض السلف إلى أنهما سورة واحدة بلا بسملة بينهما. قال الإمام: والذي دعاهم إلى ذلك هو: أن قوله: {ألم نشرح} كالعطف على {ألم يجدك يتيمًا فآوى} "الضحى: 6" [في الضحى].
قلت: وفي حديث الإسراء أن الله تعالى قال: "يا محمد، ألم أجدك يتيمًا فأويت، وضالًّا فهديت، وعائلًا فأغنيت، وشرحت لك صدرك، وحططت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت" الحديث، أخرجه ابن أبي حاتم، وفي هذا أوفى دليل على اتصال السورتين معنى.
سورة التين:
أقول: لما تقدم في سورة الشمس: {ونفسٍ وما سوّاها} "الشمس: 7" فصل في هذه السورة بقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ، ثمّ رددناه أسفل سافلين}"4، 5" إلى آخره.
وأخرت هذه السورة لتقدم ما هو أنسب بالتقديم من السور الثلاث واتصالها بسورة البلد لقوله: {وهذا البلد الأمين} "3"، وأخرت لتقدم ما هو أولى بالمناسبة مع سورة الفجر.
لطيفة:
نقل الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندري في "لطائف المنن" عن الشيخ أبي العباس المرسي قال: قرأت مرة: {والتّين والزّيتون} إلى أن انتهيت إلى قوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ، ثمّ رددناه أسفل سافلين} "4، 5" ففكرت في معنى هذه الآية، فألهمني الله أن معناها: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم روحًا وعقلًا، ثم رددناه أسفل سافلين نفسًا وهوًى.
قلت: فظهر من هذه المناسبة وضعها بعد {ألم نشرح}، فإن تلك أخبر فيها عن شرح صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك يستدعي كمال عقله وروحه، فكلاهما في القلب الذي محله الصدر، وعن تبرئته من الوزر الذي ينشأ عن النفس والهوى، وهو معصوم منهما، وعن رفع الذكر؛ حيث نزه مقامه عن كل وصم.
فلما كانت هذه السورة في هذا العلم الفرد من الإنسان، أعقبها بسورة مشتملة على بقية الأناسي، وذكر ما خامرهم من متابعة النفس والهوى.
سورة العلق:
أقول: لما تقدم في سورة التين بيان خلق الإنسان في أحسن تقويم، بيّن هنا أنه تعالى: {خلق الإنسان من علقٍ} "2" وذلك ظاهر الاتصال، فالأول بيان العلة الصورية، وهذا بيان العلة المادية.
سورة القدر:
قال الخطابي: لما اجتمع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على القرآن، ووضعوا سورة القدر عقب العلق، استدلوا بذلك على أن المراد بهاء الكناية في قوله: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} "1" الإشارة إلى قوله: {اقرأ} "العلق: 1".
قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذا بديع جدًّا.
سورة لم يكن:
أقول: هذه السورة واقعة موقع العلة لما قبلها؛ كأنه لما قال سبحانه: {إنّا أنزلناه} "القدر: 1" قيل: لم أنزل؟ فقيل: لأنه لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة، وهو رسول من الله يتلو صحفًا مطهرة، وذلك هو المنزّل.
وقد ثبتت الأحاديث بأنه كان في هذه السورة قرآن نسخ رسمه وهو: "إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم واديًا لابتغى إليه الثاني، ولو أن له الثاني لابتغى إليه الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
وبذلك تشتد المناسبة بين هذه السورة وبين ما قبلها؛ حيث ذكر هناك إنزال القرآن، وهنا إنزال المال، وتكون السورتان تعليلًا لما تضمنته سورة اقرأ؛ لأن [في] أولها ذكر العلم، وفي أثنائها ذكر المال، فكأنه قيل: إنا لم ننزل المال للطغيان والاستطالة والفخر؛ بل ليستعان به على تقوانا، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
سورة الزلزلة:
أقول: لما ذكر في آخر "لم يكن" أن جزاء الكافرين جهنم، وجزاء المؤمنين جنات، فكأنه قيل: متى يكون ذلك؟ فقيل: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} "1" أي: [حين] تكون زلزلة الأرض، إلى آخره.
هكذا ظهر لي، ثم لما راجعت تفسير الإمام الرازي، ورأيته ذكر نحوه فحمدت الله كثيرًا، وعبارته: ذكروا في مناسبة هذه السورة لما قبلها وجوهًا؛ منها: أنه تعالى لما قال: {جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدنٍ} "البينة: 8"، فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب؟ فقال: {إذا زلزلت الأرض} "1".
ومنها: أنه لما ذكر فيها وعيد الكافرين، ووعد المؤمنين، أراد أن يزيد في وعيد الكافرين فقال: {إذا زلزلت الأرض} ونظيره: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} ثم ذكر ما للطائفتين فقال: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم} إلى آخره، ثم جمع بينهما هنا في آخر السورة بذكر الذرة من الخير والشر. انتهى.
سورة العاديات:
أقول: لا يخفى ما بين قوله في الزلزلة: {وأخرجت الأرض أثقالها} "الزلزلة: 2"، وقوله في هذه السورة: {إذا بعثر ما في القبور} "9" من المناسبة والعلاقة.
سورة القارعة:
قال الإمام: لما ختم الله سبحانه السورة السابقة بقوله: {إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لخبيرٌ} "11" فكأنه قيل: وما ذاك؟ فقال: هي القارعة، قال: وتقديره: ستأتيك القارعة على ما أخبرت عنه في قولي: {إذا بعثر ما في القبور} "9".
سورة التكاثر:
أقول: هذه السورة واقعة موقع العلة لخاتمة ما قبلها؛ كأنه لما قال هناك: {فأمّه هاويةٌ} "القارعة: 9" قيل: لم ذلك؟ فقال: لأنكم {ألهاكم التّكاثر} "1" فاشتغلتم بدنياكم [عن دينكم]، وملأتم موازينكم بالحطام، فخفت موازينكم بالآثام؛ ولهذا عقّبها بسورة والعصر، المشتملة على أن الإنسان في خسر، بيان لخسارة تجارة الدنيا، وربح تجارة الآخرة؛ ولهذا عقّبها بسورة الهمزة، المتوعّد فيها من {جمع مالًا وعدّده، يحسب أنّ ماله أخلده} "الهمزة: 2، 3"، فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع، وحسن اتساقها.
سورة الفيل:
[أقول:] ظهر لي في وجه اتصالها بعد الفكرة: أنه تعالى لما ذكر حال الهمزة اللمزة، الذي جمع مالًا وعدّده، وتعزز بماله وتقوّى، عقّب ذلك بذكر قصة أصحاب الفيل، الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالًا وعتوًّا، وقد جعل كيدهم في تضليل، وأهلكهم بأصغر الطير وأضعفه، وجعلهم كعصف مأكول، ولم يغن عنهم مالهم ولا عددهم ولا شوكتهم ولا فيلهم شيئًا.
فمن كان قصارى تعززه وتقويه بالمال، وهمز الناس بلسانه، أقرب إلى الهلاك، وأدنى إلى الذلة والمهانة.
سورة قريش:
هي شديدة الاتصال بما قبلها؛ لتعلق الجار والمجرور في أولها بالفعل في آخر تلك؛ ولهذا كانتا في مصحف أبي سورة واحدة.
سورة الماعون:
أقول: لما ذكر [الله] تعالى في سورة قريش: {الّذي أطعمهم من جوعٍ} "قريش: 4"، ذكر هنا ذم من لم يحض على طعام المسكين.
ولما قال هناك: {فليعبدوا ربّ هذا البيت} "قريش: 3" ذكر هنا من سها عن صلاته.
سورة الكوثر:
قال الإمام فخر الدين: هي كالمقابلة للتي قبلها؛ لأن السابقة وصف الله سبحانه فيها المنافقين بأربعة أمور: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة، وذكر في هذه السورة في مقابلة البخل: {إنّا أعطيناك الكوثر} "1" أي: الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة {فصلّ} "2" أي: دم عليها، وفي مقابلة الرياء: {لربّك} "2" أي: لرضاه، لا للناس، وفي مقابلة منع الماعون: {وانحر} "2" وأراد به: التصدق بلحوم الأضاحي، قال: فاعتبر هذه المناسبة العجيبة.
سورة الكافرون:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما قال: {فصلّ لربّك} "الكوثر: 2" أمره أن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون، وبالغ في ذلك فكرر، وانفصل منهم على أن لهم دينهم وله دينه.
سورة النصر:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه [لما] قال في آخر ما قبلها: {ولي دين} "الكافرون: 6" فكان فيه إشعار بأنه خلص له دينه، وسلم من شوائب الكدر والمخالفين، فعقّب ببيان وقت ذلك، وهو مجيء الفتح والنصر، فإن الناس حين دخلوا في دين الله أفواجًا، فقد تم الأمر وذهب الكفر، وخلص دين الإسلام ممن كان يناوئه؛ ولذلك كانت السورة إشارة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام فخر الدين: كأنه تعالى يقول: لما أمرتك في السورة المتقدمة بمجاهدة جميع الكفار، بالتبري منهم، وإبطال دينهم، جزيتك على ذلك بالنصر والفتح، وتكثير الأتباع.
قال: ووجه آخر؛ وهو: أنه لما أعطاه [الله] الكوثر؛ وهو: الخير الكثير، ناسب تحميله مشقاته وتكاليفه، فعقّبها بمجاهدة الكفار، والتبري منهم، فلما امتثل ذلك أعقبه بالبشارة بالنصر والفتح، وإقبال الناس أفواجًا إلى دينه، وأشار إلى دنو أجله، فإنه ليس بعد الكمال إلا الزوال.

توقع زوالًا إذا قيل تم

سورة تبت:
قال الإمام: وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما قال: {لكم دينكم ولي دين} "الكافرون: 6"، فكأنه قيل: إلهي، وما جزائي؟ فقال الله له: النصر والفتح، فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال: {تبّت يدا أبي لهبٍ} "1" الآيات.
وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر معللًا بقوله: {ولي دين}، ويكون الوعيد راجعًا إلى قوله: {لكم دينكم} على حد قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم} "آل عمران: 106".
قال: فتأمل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور، مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة، والكافرون وتبت من أوائل ما نزل بمكة؛ ليعلم أن ترتيب هذه السور من الله، وبأمره.
قال: ووجه آخر؛ وهو: أنه لما قال: {لكم دينكم ولي دين} "الكافرون: 6" كأنه قيل: يا إلهي، ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح، فقيل: وما ثواب العاصي؟ قال: الخسارة في الدنيا، والعقاب في العقبى، كما دلت عليه سورة تبت.
سورة الإخلاص:
قال بعضهم: وضعت هاهنا للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة تبت.
وأقول: ظهر لي هنا غير الوزان في اللفظ: أن هذه السورة متصلة بـ {قل يا أيّها الكافرون} في المعنى؛ ولهذا قيل: من أسمائها أيضًا الإخلاص، وقد قالوا: إنها اشتملت على التوحيد، وهذه أيضًا مشتملة عليه؛ ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر، والطواف، والضحى، وسنة المغرب، وصبح المسافر، ومغرب ليلة الجمعة.
وذلك أنه لما نفى عبادة ما يعبدون، صرح هنا بلازم ذلك، وهو أن معبوده أحد، وأقام الدليل عليه بأنه صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، وليس في معبوداتهم ما هو كذلك.
وإنما فصل بين النظيرتين بالسورتين لما تقدم من الحكمة، وكأن إيلاءها سورة تبت ورد عليه بخصوصه.
سورة الفلق والناس:
قال: أقول: هاتان السورتان نزلتا معًا -كما في الدلائل للبيهقي- فلذلك قرنتا، مع ما اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين، ومن الافتتاح بـ {قل أعوذ}، وعقب بهما سورة الإخلاص؛ لأن الثلاثة سميت في الحديث بالمعوذات وبالقواقل.
وقدمت الفلق على الناس -وإن كانت أقصر منها- لمناسبة مقطعها في الوزان لفواصل الإخلاص مع مقطع تبت.
وهذا آخر ما منّ الله به عليّ من استخراج مناسبات ترتيب السور، وكله من مستنبطاتي، ولم أعثر فيه على شيء لغيري إلا النزر اليسير الذي صرحت بعزوي له، فلله الحمد على ما ألهم، والشكر على ما منّ به وأنعم، سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-14, 11:25 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (ثم رأيت الإمام فخر الدين ذكر في تفسيره كلامًا لطيفًا في مناسبات هذه السور، فقال في سورة الكوثر:
اعلم أن هذه السورة كالمتممة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها.
أما الأول فلأنه تعالى جعل سورة "الضحى" في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفصيل أحواله، فذكر في أولها ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته: {ما ودّعك ربّك وما قلى، وللآخرة خيرٌ لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربّك فترضى} "الضحى: 3-5"، ثم ختمها بثلاثة أحوال من أحواله فيما يتعلق بالدنيا: {ألم يجدك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالًا فهدى، ووجدك عائلًا فأغنى} "الضحى: 6-8".
ثم ذكر في سورة "ألم نشرح" أنه شرفه بثلاثة أشياء: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر.
ثم شرفه في سورة "التين" بثلاثة أنواع [من التشريف]: أقسم ببلده، وأخبر بخلاص أمته من الناس بقوله: {إلّا الّذين آمنوا} ووصولهم إلي الثواب بقوله: {فلهم أجرٌ غير ممنونٍ} "التين: 6".
وشرّفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع: {اقرأ باسم ربّك} "العلق"، وقهر خصمه بقوله: {فليدع ناديه، سندع الزّبانية} "العلق: 17، 18"، وتخصيصه بالقرب في قوله: {واسجد واقترب} "العلق: 19".
وشرفه في سورة "القدر" بليلة القدر، وفيها ثلاثة أنواع من الفضيلة: كونها خيرًا من ألف شهر، وتنزل الملائكة والروح فيها، وكونها سلامًا حتى مطلع الفجر.
وشرّفه في "لم يكن" بثلاثة أشياء: أنهم خير البرية، وجزاؤهم جنات، ورضي عنهم.
وشرّفه في "الزلزلة" بثلاثة أنواع: إخبار الأرض بطاعة أمته، ورؤيتهم أعمالهم، ووصولهم إلى ثوابها حتى وزن الذرة.
وشرّفه في "العاديات" بإقسامه بخيل الغزاة من أمته، ووصفها بثلاث صفات.
وشرّفه في "القارعة" بثقل موازين أمته، وكونهم في عيشة راضية، ورؤيتهم أعداءهم في نار حامية.
وفي "ألهاكم التكاثر" هدد المعرضين عن دينه بثلاثة: يرون الجحيم، ثم يرونها عين اليقين، ويسألون عن النعيم.
وشرّفه في "العصر" بمدح أمته بثلاثة: الإيمان، والعمل الصالح، وإرشاد الخلق إليه؛ وهو: التواصي بالحق والصبر.
وشرّفه في سورة "الهمزة" بوعيد عدوه بثلاثة أنواع من العذاب: ألا ينتفع بدنياه، وينبذ في الحطمة، ويغلق عليه.
وشرّفه في سورة "الفيل" أن رد كيد عدوه بثلاث: بأن جعله في تضليل، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، وجعلهم كعصف مأكول.
وشرّفه في سورة "قريش" [بأن راعى مصلحة أسلافه من ثلاثة أوجه]: تآلف قومه، وإطعامهم، وأمنهم.
وشرّفه في "الماعون" بذم عدوه بثلاث: الدناءة، واللؤم في قوله: {فذلك الّذي يدعّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين} "الماعون: 2، 3"، وترك تعظيم الخالق في قوله: {فويلٌ للمصلّين، الّذين هم عن صلاتهم ساهون، الّذين هم يراؤون} "الماعون: 4-6"، وترك انتفاع الخلق في قوله: {ويمنعون الماعون} "الماعون: 7".
فلما شرّفه في هذه السور بهذه الوجوه العظيمة قال: {إنّا أعطيناك الكوثر} أي: هذه الفضائل المتكاثرة المذكورة في هذه السور، التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة ربك، إما بالنفس، وهو قوله: {فصلّ لربّك} "الكوثر: 2"، وإما بالمال وهو قوله: {وانحر}، وإما بإرشاد العباد إلى الأصلح، وهو قوله: {قل يا أيّها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون} "الكافرون:1، 2" الآيات، فثبت أن هذه السورة كالتتمّة لما قبلها.
وأما كونها كالأصل لما بعدها فهو: أنه تعالى يأمره بعد هذه أن يكف عن أهل الدنيا جميعًا بقوله: {قل يا أيّها الكافرون} إلى آخر السورة، ويبطل أديانهم، وذلك يقتضي نصرهم على أعدائهم؛ لأن الطعن على الإنسان في دينه أشد عليه من الطعن في نفسه وزوجه، وذلك مما يجبن عنه كل أحد من الخلق؛ فإن موسى وهارون أرسلا إلى فرعون واحد فقالا: {إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى} "طه: 45" ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى الخلق جميعًا، فكأن كل واحد من الخلق كفرعون بالنسبة إليه، فدبر الله في إزالة الخوف الشديد تدبيرًا لطيفًا بأن قدم هذه السورة، وأخبر فيها بإعطائه الخير الكثير، ومن جملته أيضًا: الرئاسة، ومفاتيح الدنيا، فلا يلتفت إلى ما بأيديهم من زهرة الدنيا، وذلك أدعى إلى مجاهرتهم بالعداوة، والصدع بالحق؛ لعدم تطلعه إلى ما بأيديهم.
ثم ذكر بعد سورة "الكافرين" سورة "النصر"؛ فكأنه تعالى يقول: وعدتك بالخير الكثير، وإتمام أمرك، وأمرتك بإبطال أديانهم، والبراءة من معبوداتهم، فلما امتثلت أمري أنجزت لك الوعد بالفتح والنصر، وكثرة الأتباع، بدخول الناس في دين الله أفواجًا.
ولما تم أمر الدعوة والشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن؛ وذلك أن الطالب إما أن يكون طلبه مقصورًا على الدنيا، فليس له إلا الذل والخسارة والهوان، والمصير إلى النار، وهو المراد من سورة "تبت"، وإما أن يكون طالبًا للآخرة، فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات.
وقد ثبت أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين: منهم من قال: أعرف الصانع، ثم أتوسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف، ومنهم من عكس، وهو طريق الجمهور.
ثم إنه سبحانه ختم كتابه المكرم بتلك الطريقة التي هي أشرف، فبدأ بذكر صفات الله، وشرح جلاله في سورة "الإخلاص"، ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في "الفلق"، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية في "الناس"، وعند ذلك ختم الكتاب. فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة [المودعة] في كتابه المكرم! هذا كلام الإمام.
ثم قال في "الفلق": سمعت بعض العارفين يقول: لما شرح الله سبحانه أمر الإلهية في سورة "الإخلاص"، ذكر هاتين السورتين عقبها في شرح مراتب الخلق على ما قال: {ألا له الخلق والأمر}.
فعالم الأمر كله خيرات محضة، بريئة عن الشرور والآفات، [و] أما عالم الخلق فهو الأجسام الكثيفة، والجثمانيات، فلا جرم قال في المطلع: {قل أعوذ بربّ الفلق، من شرّ ما خلق} "الفلق: 1، 2".
ثم [من الظاهر أن] الأجسام إما أثيرية أو عنصرية، والأجسام كلها خيرات محضة؛ لأنها بريئة عن الاختلال والفطور، على ما قال: {ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوتٍ فارجع البصر هل ترى من فطورٍ} "تبارك: 3".
وإما عنصرية، فهي إما جمادات، فهي خالية عن جميع القوى النفسانية، فالظلمات فيها خالصة، والأنوار عنها زائلة، وهو المراد من قوله: {ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب} "الفلق: 3".
وإما نبات، والقوة العادلة هي التي تزيد في الطول والعمق معًا، فهذه القوة النباتية كأنها تنفث في العقد.

وإما حيوان، وهو محل القوى التي تمنع الروح الإنسانية عن الانصباب إلى عالم الغيب، والاشتغال بقدس جلال الله، وهو المراد بقوله: {ومن شرّ حاسدٍ إذا حسد} "الفلق: 5".
ثم إنه لم يبق من السفليات بعد هذه المرتبة سوى النفس الإنسانية، وهى المستعيذة، فلا يكون مستعاذًا منها فلا جرم قطع هذه السورة، وذكر بعدها في سورة "الناس" مراتب ودرجات النفس الإنسانية. انتهى.
ولم يبين المراتب المشار إليها، وقد بيّنها ابن الزملكاني في أسراره فقال: إضافة "رب" إلى "الناس" تؤذن بأن المراد بالناس: الأطفال؛ لأن الرب من ربّه يربّه، وهم إلى التربية أحوج، وإضافة "ملك" إلى "الناس" تؤذن بإرادة الشباب به؛ إذ لفظ "ملك" يؤذن بالسياسة والعزة [والقوة]، والشبان إليها أحوج، وإضافة "إله" إلى "الناس" تؤذن بأن المراد به الشيوخ؛ لأن ذاته مستحقة للطاعة والعبادة، وهم أقرب، وقوله: {يوسوس في صدور النّاس}"الناس: 5" يؤذن بأن المراد بالناس العلماء والعباد؛ لأن الوسوسة غالبًا عن الشّبه، وقوله: {من الجنّة والنّاس} "الناس: 6" يؤذن بأن المراد بالناس الأشرار، وهم شياطين الإنس الذين يوسوسون لهم، والله تعالى أعلم). [تناسق الدرر: ؟؟]

ابو وليد البحيرى
2023-04-14, 11:27 AM
تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد



الخاتمة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (تم بحمد الله تعالى وتوفيقه
قال مؤلفه -نفعنا الله ببركاته، وأمدنا من نفحاته: فرغت من تأليفه يوم الأحد، الثالث عشر من شعبان سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل). [تناسق الدرر: ؟؟]