مشاهدة النسخة كاملة : سورية ومصر (شعر)
ابو وليد البحيرى
2023-02-28, 10:31 PM
سورية ومصر (شعر)
حافظ ابراهيم
لِمِصرَ أَم لِرُبوعِ الشامِ تَنتَسِبُ
هُنا العُلا وَهُناكَ المَجدُ وَالحَسَبُ[1]
رُكنانِ لِلشَرقِ لا زالَت رُبوعُهُما
قَلبُ الهِلالِ عَلَيها خافِقٌ يَجِبُ[2]
خِدرانِ لِلضادِ لَم تُهتَك سُتورُهُما
وَلا تَحَوَّلَ عَن مَغناهُما الأَدَبُ[3]
أُمُّ اللُغاتِ غَداةَ الفَخرِ أُمُّهُما
وَإِن سَأَلتَ عَنِ الآباءِ فَالعَرَبُ[4]
أَيَرغَبانِ عَنِ الحُسنى وَبَينَهُما
في رائِعاتِ المَعالي ذَلِكَ النَسَبُ[5]
وَلا يَمُتّانِ بِالقُربى وَبَينَهُما
تِلكَ القَرابَةُ لَم يُقطَع لَها سَبَبُ[6]
إِذا أَلَمَّت بِوادي النيلِ نازِلَةٌ
باتَت لَها راسِياتُ الشامِ تَضطَرِبُ[7]
وَإِن دَعا في ثَرى الأَهرامِ ذو أَلَمٍ
أَجابَهُ في ذُرا لُبنانَ مُنتَحِبُ[8]
لَو أَخلَصَ النيلُ وَالأُردُنُّ وُدَّهُما
تَصافَحَت مِنهُما الأَمواهُ وَالعُشُبُبِ[9]
الوادِيَينِ تَمَشّى الفَخرُ مِشيَتَهُ
يَحُفُّ ناحِيَتَيهِ الجودُ وَالدَأَبُ[10]
ابو وليد البحيرى
2023-02-28, 10:32 PM
فَسالَ هَذا سَخاءً دونَهُ دِيَمٌ
وَسالَ هَذا مَضاءً دونَهُ القُضُبُ[11]
نَسيمَ لُبنانَ كَم جادَتكَ عاطِرَةٌ
مِنَ الرِياضِ وَكَم حَيّاكَ مُنسَكِبُ
في الشَرقِ وَالغَربِ أَنفاسٌ مُسَعَّرَةٌ
تَهفو إِلَيكَ وَأَكبادٌ بِها لَهَبُ[12]
لَولا طِلابُ العُلا لَم يَبتَغوا بَدَلاً
مِن طيبِ رَيّاكَ لَكِنَّ العُلا تَعَبُ[13]
كَم غادَةٍ بِرُبوعِ الشَأمِ باكِيَةٍ
عَلى أَليفٍ لَها يَرمي بِهِ الطَلَبُ[14]
يَمضي وَلا حيلَةٌ إِلّا عَزيمَتُهُ
وَيَنثَني وَحُلاهُ المَجدُ وَالذَهَبُ[15]
يَكُرُّ صَرفُ اللَيالي عَنهُ مُنقَلِباً
وَعَزمُهُ لَيسَ يَدري كَيفَ يَنقَلِبُ[16]
بأَرضِ (كولُمبَ) أَبطالٌ غَطارِفَةٌ
أُسدٌ جِياعٌ إِذا ما ووثِبوا وَثَبوا[17]
لَم يَحمِهِم عَلَمٌ فيها وَلا عَدَدٌ
سِوى مَضاءٍ تَحامى وِردَهُ النُوَبُ[18]
أُسطولُهُم أَمَلٌ في البَحرِ مُرتَحِلٌ
وَجَيشُهُم عَمَلٌ في البَرِّ مُغتَرِبُ[19]
ابو وليد البحيرى
2023-02-28, 10:33 PM
لَهُم بِكُلِّ خِضَمٍّ مَسرَبٌ نَهَجٌ
وَفي ذُرا كُلِّ طَودٍ مَسلَكٌ عَجَبُ[20]
لَم تَبدُ بارِقَةٌ في أُفقِ مُنتَجَعٍ
إِلّا وَكانَ لَها بِالشامِ مُرتَقِبُ[21]
ما عابَهُم أَنَّهُم في الأَرضِ قَد نُثِروا
فَالشُهبُ مَنثورَةٌ مُذ كانَتِ الشُهُبُ
وَلَم يَضِرهُم سُراءٌ في مَناكِبِها
فَكُلِّ حَيٍّ لَهُ في الكَونِ مُضطَرَبُ[22]
رادوا المَناهِلَ في الدُنيا وَلَو وَجَدوا
إِلى المَجَرَّةِ رَكباً صاعِداً رَكِبوا[23]
أَو قيلَ في الشَمسِ لِلراجينَ مُنتَجَعٌ
مَدّوا لَها سَبَباً في الجَوِّ وَاِنتَدَبوا[24]
سَعَوا إِلى الكَسبِ مَحموداً وَما فَتِئَت
أُمُّ اللُغاتِ بِذاكَ السَعيِ تَكتَسِبُ[25]
فَأَينَ كانَ الشَآمِيّونَ كانَ لَها
عَيشٌ جَديدٌ وَفَضلٌ لَيسَ يَحتَجِبُ
هَذي يَدي عَن بَني مِصرٍ تُصافِحُكُم
فَصافِحوها تُصافِح نَفسَها العَرَبُ
ابو وليد البحيرى
2023-02-28, 10:34 PM
فَما الكِنانَةُ إِلّا الشامُ عاجَ عَلى
رُبوعِها مِن بَنيها سادَةٌ نُجُبُ[26]
لَولا رِجالٌ تَغالَوا في سِياسَتِهِم
مِنّا وَمِنهُم لَما لُمنا وَلا عَتَبوا[27]
إِن يَكتُبوا لِيَ ذَنباً في مَوَدَّتِهِم
فَإِنَّما الفَخرُ في الذَنبِ الَّذي كَتَبوا[28]
المصدر: «ديوان حافظ إبراهيم» (ص 268 - 271)
-------------------------------
[1] أي انتسب إلى أي الأمتين شئت، فكلتاهما في العلا والحسب سواء.
[2] وجب يجب ووجيبًا: اضطرب؛ وهو هنا كناية عن الإشفاق على كلتا الأمتين والرعاية لهما والحرص عليهما. والهلال: شعار الدولة العثمانية.
[3] الضاد: كناية عن اللغة العربية. والمعنى: المنزل الذي غنى به أهله، أي أقاموا.
[4] يريد أن الأمتين تجمع بينهما أمومة واحدة وهي اللغة، وأبوَّة واحدة، هم العرب.
[5] يرغبان عن الحسنى: ينصرفان عن حسن الجوار. ورائعات المعالي: ما ظهر منها ووضح.
[6] متَّ إليه بكذا: توسل إليه به.
[7] ألمت: نزلت. وراسيات الشام: جبالها.
[8] ذرا لبنان: مرتفعاته وأعاليه، الواحدة ذروة.
[9] الأردن: نهر بفلسطين معروف. والأمواه: جمع ماء.
[10] الدأب (بالتحريك): الجدُّ والاجتهاد.
[11] الديم من السحب: جمع ديمة، وهي الدائمة المطر. والقضب: السيوف القواطع، الواحد قضيب، فعيل بمعنى فاعل. يشير بالشطر الأول إلى وادي النيل؛ وبالشطر الثاني إلى وادي الأردن.
[12] مسعرة: ملتهبة من الشوق. وتهفو: تميل. ويشير إلى حنين رجال لبنان النائين عن وطنهم في أنحاء الأرض طلبًا للرزق.
[13] الريا: الرائحة الطيبة.
[14] الغادة: الفتاة المتثنية لينا ونعومة. «ويرمي» الخ، أي يقذف به طلب الرزق في أنحاء البلاد.
[15] يقول: إن هذا الطالب يذهب على وجهه غير مزوّّد إلا بعزيمة صادقة، ويعود متحليًّا بحلى المجد، موفور الثراء والغنى.
[16] «يكر صرف الليالي عنه» الخ، يقول: إن نوائب الأيام ترتد عنه منقلبة وعزمه ثابت ماض في سبيله لا يتغير ولا يتبدل.
[17] أرض كولمب: أمريكا، أضيفت إلى مكتشفها. والغطارفة: السادة الشرفاء والسراة من الناس، الواحد غطريف وغطراف. ويريد رجال لبنان المهاجرين إلى أمريكا. وإذا ما ووثبوا وثبوا، أي إذا ما اعتدى عليهم انتصفوا لأنفسهم. والمواثبة بين الخصمين: أن يثب كل منهما على صاحبه.
[18] تحامى: تتحامى، فحذف إحدى التاءين للتخفيف. ويريد بقوله: «لم يحمهم علم»: أنهم ليسوا أصحاب سفارة يحتمون بها وإنما يحتمون بمضائهم وعزمهم اللذين ترتيد عنهما نوائب الأباء كليلة مهزومة.
[19] يقول: إنهم لا أسطول لهم ولا جيش غير الأمل البعيد والعمل للرزق في كل مكان.
[20] الخضم: البحر. والمسرب: الطريق. والنهج من الطرق (بتسكين الهاء): الواضح المسلوك منها؛ وحرك الهاء بالفتح لضرورة الوزن. «وذرا كل طود»، أي أعالي كل جبل.
[21] المنتج: مكان الانتجاع، أي طلب الرزق. يقول: إنه قد بلغ من سعيهم على الرزق أنه لا تظهر علامة تنبئ بوجوده في مكان إلا وجدت من رجال الشام من يرقبها ويسبق الناس إليها.
[22] السرى (مقصورًا ومدَّ للشعر): السير بالليل. ومناكب الأرض: نواحيها. والمضطرب: المذهب يضطرب فيه الناس، أي يذهبون ويجيئون.
[23] رادوا: طلبوا. والمناهل: الموارد.
[24] انتدب فلان للأمر: خف إليه.
[25] يريد بقوله: «وما فتئت» الخ: أنَّهم ينشرون اللغة العربية حيثما حلوا؛ وفي ذلك كسب لها.
[26] عاج على المكان: ما إليه.
[27] يقول: لولا جماعة المفرقين بين القطرين وتغاليهم في ذلك، لما وقع بيننا ما يوجب اللوم منا ولا العتاب منهم.
[28] الضمير في «مودتهم» للسوريين.
منقول
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.